إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / كوسوفا... التاريخ والمصير





انتشار القوات
التقسيم المؤقت
تأثير ضربات حلف شمال الأطلسي
شكل توزيع القوات

أهم الأهداف التي تعرضت للقصف



المقدمة

مقدمة

يبدو أن البلقان يعتلي قمة الأحداث، مع أي تحولات كبرى، يشهدها النظام الدولي، ليصبح أحد ساحات اختبارها، بالقدر الذي تؤثر به في التوازنات البلقانية الدقيقة والحساسة، بحكم التاريخ والجغرافيا والديموجرافيا. فمع التباين، العِرقي والديني؛ وما اعترى تاريخ المنطقة، من مد وجزر سياسيَّين؛ ومحالفة قوى على أخرى، لا تُعَد الأزمات المتعاقبة في البلقان، منذ أوائل التسعينيات، أزمات مألوفة، يستغلق تحليلها على رصد ما يحدث؛ لأن لها جذوراً عميقة، لابدّ من تتبّعها لفهْم الأوضاع البلقانية.

وبذلك، تعود منطقة البلقان إلى تكرار سيرتها، التي عرفها العالم في العصر الحديث، كبرميل بارود قابل دائماً للانفجار. فالمنطقة تحتل، الآن ـ بأزماتها المتفجرة، وموقعها على خطوط التماس، بين حلف شمال الأطلسي، الذي يسعى إلى صياغة هوية جديدة، وبين روسيا، الإمبراطورية التقليدية، التي لا تزال تبحث عن سبيل إلى الخروج من أزمتها الهيكلية ـ موقعاً محورياً في مسار تطور النظام الدولي. فعقب الحرب الأهلية في دولة يوغسلافيا الاتحادية السابقة، في الفترة من 1991 حتى 1995، ثم الاضطرابات الألبانية، عام 1997، تؤكد أزمة إقليم كوسوفا تأكيداً جلياً، الارتباط الوثيق بين اضطرابات البلقان، والتطورات في هيكل النظام الدولي؛ وتثير تساؤلات مهمة، لعلّ من أهمها تلك العلاقة بين التحول في طبيعة النظام الدولي وتنامي ظاهرة الصراعات العِرقية.

فمن ناحية، تمثل أزمة كوسوفا، إحدى حلقات ظاهرة تنامي الصراعات، التي يعانيها النظام الدولي، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ومن ناحية أخرى، جسّد تدخّل حلف شمال الأطلسي في أزمة كوسوفا، محاولة الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على مكانتها، كقوة مهيمنة، على قمة النظام الدولي، من خلال إطلاق دور حلف شمال الأطلسي في إدارة شؤون السياسة الدولية، بما يتفق ومصالح دوله الأعضاء.

ويُعَد إقليم كوسوفا، ذو الأغلبية الألبانية المسلمة، ذا وضع ينذر دائماً بتفجر الأحداث؛ نظراً إلى المطامع الصّربية فيه، الراغبة في ضمه. فقد مر هذا الإقليم بتجارب مريرة، لم تغب عن الذاكرة الصربية، منذ موقعة كوسوفا الشهيرة، عام 1389م، التي انتصر فيها العثمانيون على الصّرب، وأسفرت عن خضوع الإقليم ومنطقة البلقان كلها، للإمبراطورية العثمانية نحو خمسمائة عام.

وبعد وفاة الرئيس تيتو، ألغى الرئيس اليوغسلافي الحالي، سلوبودان ميلوسيفيتش، عام 1989، الحكم الذاتي في إقليم كوسوفا، وضمه إلى صربيا. ومع نمو الحركات الانفصالية في يوغسلافيا الفيدرالية، وإعلان استقلال بعض الجمهوريات، نظّم الألبان، في سبتمبر 1992، استفتاءً خاصاً في الانفصال، كانت نتيجته إعلان الاستقلال، وإقامة جمهورية كوسوفا، برئاسة إبراهيم روجوفا،  التي لم يرضَ عنها الصرب. ومع ازدياد أعمال القمع الصِّربية لألبان كوسوفا، كوّن هؤلاء "الحركة القومية لتحرير كوسوفا"، التي انبثق منها "جيش تحرير كوسوفا".

وبعد تطور الأحداث، عام 1998، وإنذارها بنشوب حرب أهلية جديدة في البلقان، استنجد إبراهيم روجوفا بالمجتمع الدولي، لاتخاذ إجراءات عاجلة، تحتوي الموقف المتفجر. ولكن الرئيس اليوغسلافي، ميلوسيفيتش، عدّ ما يحدث في كوسوفا مسألة داخلية، ورفض تدويلها، وطالب الغرب بعدم التدخل. إلاّ أن تزايد الصراع، عَجَّل بتدخل المجتمع الدولي، ممثلاً في حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، للتقريب بين وجهتَي النظر، الصّربية والألبانية.

واستمرت الجهود الدولية، المتمثلة في الجولات المكوكية العديدة، للمبعوث الأمريكي، ريتشارد هولبروك، الذي استطاع التوصل إلى اتفاق مع ميلوسيفيتش، في أكتوبر 1998، يقضي بوقف إطلاق النار. وعلى الرغم من توقيع الصرب الاتفاق، إلا أنهم ـ كالمعتاد ـ لم يتقيدوا به، مما جعل حلف شمال الأطلسي يهدد بالتدخل، وشن الضربات الجوية على يوغسلافيا.

وعادت المساعي الدولية، فتقدمت مجموعة الاتصال الدولية بخطة تسوية، سُميت "مفاوضات رامبوييه". إلاّ أن الرئيس ميلوسيفيتش، لم يوافق على نتائج تلك المفاوضات؛ ورأى أن وجود قوات أجنبية على أرض بلاده، هو نوع من الاحتلال، يمثّل انتهاكاً للسيادة الوطنية. وبناءً عليه، أعلن راعيا المؤتمر، وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا، في 19 مارس 1999، تأجيل المفاوضات إلى أجل غير مسمى. وحَمَّل ميلوسيفيتش، المجتمع الدولي مسؤولية فشل المؤتمر.

ونظراً إلى أن الرئيس اليوغسلافي، لم يدع فرصة للاختيار، بسبب توسعه في الاعتداءات على الألبان، واتباع سياسة الأرض المحروقة، والتطهير العِرقي في الإقليم ـ أعلن حلف شمال الأطلسي، في 24 مارس 1999، أن لا مناص من التدخل بالضربات الجوية. وبدأ أولى طلعاته، من دون الرجوع إلى الأمم المتحدة، في عملية تأديبية ليوغسلافيا، لإجبارها على وقف عمليات الإبادة العِرقية لألبان كوسوفا.

وعلى الرغم من المحاولات الروسية، فإن القصف الجوي الأطلسي، تواصل لمدة 78 يوماً، تكبّدت، خلاله، يوغسلافيا خسائر كبيرة، في العتاد والرجال، وتحطّمت بِنيتها التحتية وقُدِّرَت خسائرها بالمليارات. وفي الوقت نفسه، تفاقمت مأساة ألبان الإقليم، وأصبح الآلاف منهم لاجئين.

ونشط العمل الدبلوماسي، متمثلاً في المبادرات السياسية للسلام: المبادرة الألمانية، ومبادرة كوفي أنان، والمبادرة الإسلامية، ثم المبادرة الروسية؛ والتي اتفقت جميعها، تقريباً، في بعض الأهداف الأساسية التالية:

1. عودة اللاجئين.

2. استئناف المحادثات، لإيجاد حل سياسي.

3. تقديم مساعدات إنسانية إلى اللاجئين.

4. وجود دولي في كوسوفا.

ثم تقدمت مجموعة الدول الصناعية السبع، إضافة إلى روسيا، بمبادرتها. وبعد مداولات ومباحثات، لعدة أسابيع، بين ميلوسيفيتش ومبعوثَي السلام الأوروبي: الرئيس الفنلندي، مارتن أَنيساري؛ ورئيس الوزراء الروسي الأسبق، فيكتور تشيرنوميردين ـ اتُفق على الوقف الفوري لأعمال العنف في كوسوفا؛ وانسحاب القوات العسكرية، والشرطة؛ ونشر وجود أمني دولي، تدعمه الأمم المتحدة؛ وعودة اللاجئين والنازحين. وأعقب ذلك إبرام اتفاق عسكري، بين حلف شمال الأطلسي وبلغراد، في 9 يونيه 1999، ينظِّم انسحاب القوات اليوغسلافية من كوسوفا؛ ويقضي بوقف القصف الجوي الأطلسي. وأُلحق هذا الاتفاق بإصدار مجلس الأمن قراراً،يضفي الشرعية القانونية على المبادرة.

وتلا ذلك نزع أسلحة جيش تحرير كوسوفا، بموجب اتفاق، بين الجنرال مايكل جاكسون، قائد قوة السلام الدولية في كوسوفا KFOR، وهاشم تقي، المتحدث الرسمي باسم جيش التحرير، في بريشتينا مقر قيادة KFOR.