إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / كوسوفا... التاريخ والمصير





انتشار القوات
التقسيم المؤقت
تأثير ضربات حلف شمال الأطلسي
شكل توزيع القوات

أهم الأهداف التي تعرضت للقصف



المبحث السابع

المبحث السابع

موقف حكومة يوغسلافيا من تسليم الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش

أولاً: لمحة عن حياته وصفاته

أهم الشخصيات التي لاحقتها المحكمة، الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، الذي تلقبه وسائل الإعلام الغربية بجزار البلقان، وهو مولود عام 1942 (أو 1941). في صربيا. لكن والديه نزحا من الجبل الأسود، وكان والده يعمل قسيساً أرثوذكسياً، ومات منتحراً. وابنه في الحادية والعشرين من عمره. وانتحرت والدته شنقاً في منزلها عام 1974م، وانتحر عمه الضابط كذلك. هكذا بدا ماضيه قاتم ومثقل. وانضم سلوبودان إلى الحزب الشيوعي اليوغسلافي في عام 1964، وبعد تخرجه في كلية الحقوق، تسلم عدة مناصب، منها مدير مصنع غازٍ، ثم مدير مصرف صربي في نيويورك، ومن عرفوه في تلك الفترة، يصفونه صارماً مع مرؤوسيه، متزلفاً لرؤسائه، أعزل من الأصدقاء، مقرباً جداً من زوجته ميريانا، وكانت أستاذة للعقيدة الماركسية. وآخر مناصبه رئيس البنك المركزي في بلغراد قبل أن ينقلب على صديقه القريب بيتراسنتانبوليتش عام 1987، ليتسلم من رئاسة الحزب. وفي عام 1989 تسلم رئاسة صربيا حتى 1997 عندما انتخب لرئاسة يوغسلافيا وبقي في هذا المنصب حتى عام 2000. وكان رفاقه في اللجنة المركزية يسمونه "لينين الصغير" لشدة ميله إلى التسلط، ورفضه معاونة أحدٍ في السلطة بتكليف ولو لأقل مهمة.

تحول هذا الشيوعي الأرثوذكسي زعيماً وطنياً؛ ليسلك نهجاً يفكِّك يوغسلافيا، ويُشعل جزر البلقان، ففي ذلك اليوم، وفي كوسوفو في ناحية قريبة من العاصمة حَضَرَ تَجمعاً للصرب (وهُم أقلية في هذا الإقليم الذي 90% من سكانه أَلبان مسلمون)، وأصغى إلى شكاوي متلاحقة أطلقَتها الجموع المحتشدة متظلِّمةً من مضايقات الألبان. وفجأة دهم رجال الشرطة الألبانية الجموع وأخذوا يفرّقون الناس بالهراوات، فما كان من ميلوشيفيتش إلاّ أن أعلن خطيباً بصوتٍ شديد التأثُّر: "قريباً لن يعود يضربكم أحد". فصدرت عن الصرب المهتاجين هتافات: "سلوبو، سلوبو". في تلك الساعة بالذات، بدأ التحضير لـ "صربيا الكبرى".

تلك الحادثة "غيَّرت ميلوشيفيتش كلياً" (قال المؤرّخ الإنجليزي نويل مالكورم لاحقاً) "كما لو أنَّ شرايينه حُقِنَت بمخدِّرٍ جديد وقويّ". واستعاد تلفزيون بلغراد مراراً وتكراراً صرختَه تلك، ففسَّرها جميع الصرب "نداءً إلى الحرب" (كما صرَّح أحد المقرّبين منه).

في كوسوفو نهار 23/6/1989، وفي ذكرى مرور 600 عام على معركة "ميرل" الأسطورية بين الصرب والعثمانيين، خطبَ ميلوسيفتش أمام جمهورٍ من مليون نسمة، وذكَّرهم بـ "الشعب الصربي المهان" الذي "عليه أن يتخلّص من عقدة الدونية"، وأن يحتلّ مكانه كـ "أكبر أمة في المنطقة"، وأن "يستعيد سيادَتُه القومية والروحية حتى ولو بمواجهاتٍ مسلَّحة إذا اقتضى الأمر".

لهجة ذلك الخطاب، بما فيها من عنف الأفكار، أهاجت الصرب وأقلقت الكرواتيين والسلوفينيين والبوسنيين والمقدونيين الذين، لم يكن لهم خيار أمام الانضمامية الصربية، سوى الاستقلال الذاتي، بعدما أخذ ميلوسيفتش ومناصروه يسيطرون عملياً على "الاتحاد اليوغسلافي"، مما جعل خصومه فترتئِدٍ، يسمّون يوغسلافيا "صربيا".

هكذا كان الصِدام يقترب. وفي فبراير 1989، دخل الجيش الاتحاديُّ إلى كوسوفو على وقْع تصريح ميلوسيفتش: "لن تستطيع قوةٌ في الأرض أن توقف شعب صربيا بعد اليوم". وبعد عام من ذلك التصريح زال استقلال إقليمي كوسوفو وفُوْيْفودين، وبدأت الحرب في كرواتيا ثم البوسنة والهرسك وانتهاء بكوسوفو. وبعد عشر سنوات من حكمه، كانت النتيجة كارثة؛ ففي عام 1989 كانت يوغسلافيا على وشك أن تنضم إلى المجموعة الأوروبية. فإذا هي عام 1999 تصبح دولة فقيرة ونامية. وفيما كانت عام 1989 تضمُّ 23 مليون نسمة، لم يعد فيها بعد عشر سنواتٍ سوى نصف هذا العدد. وبعد ثماني سنوات من الحرب كانت الحصيلة 200 ألف قتيل، وثلاثة ملايين لاجئ.

ووصفته مجلة تايم الأمريكية بأنه شخص عنيف، يعيش في حلم عن وجود يوغسلافيا قوية إلى أبعد حد. وقالت إن هذا الشخص الذي تربى على الحقد والكراهية للشعوب الأخرى، قد حول يوغسلافيا إلى مذبح، ويصر على ضرورة الاستيلاء على كل بقعة يقطنها الصرب، ولا يبالي بعدد القتلى الذين يتساقطون من جيشه، ولا يبالي بتشريد مئات الآلاف. ويحلم فضلاً عن ذلك بالقوة لنفسه، والظهور بمظهر البطل القومي، الذي يتبنى القومية الصربية، على الرغم من شيوعيته؛ لأنها تحقق أطماعه الشخصية.

وقد نجح في استقطاب الصرب بإثارة المخاوف الموهومة التي تحيط بهم، وتعرضهم بزعمه إلى خطر الإبادة، وأنه هو وحده القادر على إنقاذهم، من براثن المسلمين والكروات.

إن هذا الرجل لا يريد أن يسمع كلمات مثل "التفاهم، والاتفاق على حل وسط"، فهي في نظره كلمات قذرة، تنطوي على الخيانة والاستسلام.

ثانياً: موقف حكومة يوغسلافيا من تسليم الرئيس السابق ومساعي كبيرة الإدعاء

تردد في الأنباء أن سلوبودان ميلوشيفيتش  لم يذعن لنتيجة الانتخابات التي هزم فيها أمام منافسه كوشتويتسا، إلا بعد أن التقاه الأخير، لمدة ساعة، إبان أزمة الانتخابات، وتعهد له بعدم مقاضاته بجرائم الحرب، وبعد أن حصل على ضمانات مماثلة من وزير الخارجية الروسي، من هنا كان سر دعم كوشتونيتسا لسلفه، ورفضه التعرض له داخلياً وخارجياً.

وأصدر مكتب الرئاسة اليوغسلافية أول بيان له في 13/6/2001، جاء في ديباجته أنه من أجل توضيح بعض الأمور التي راجت بشكل غير دقيق، وتدعو إلى السماح بمحاكمة ميلوشيفيتش، أو أي مواطن آخر أمام جهة أجنبية. وأكد البيان أن الرئيس متمسك بدستور البلاد، الذي لا يسمح بتسليم المواطنين إلى أي جهة أجنبية لمحاكمتهم سواء داخل يوغسلافيا أو خارجها. وأعلن أن ما ورد في اتفاق دايتون (1995) لوقف الحرب البوسنية، والتعاون مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي، ليس واضحاً ومحدداً، كما أنه غير ملزم للرئيس اليوغسلافي؛ لأن الذي وقعه (ميلوشيفيتش آنذاك)، كن في حينه رئيساً لصربيا، ولم تصادق عليه السلطات اليوغسلافية الاتحادية… ولهذا يبقى التعاون بالشكل الذي نفهمه، وهو في إطار تبادل المعلومات والآراء. ووصف البيان اتفاق دايتون بأنه سياسي؛ ولهذا لا يمكن أن يفرض على يوغسلافيا تعاوناً، مع أي جهة، يصل إلى حد التناقض مع دستور البلاد، ويمنع حماية المواطنين اليوغسلاف، ويضر بمصلحة الشعب، وحقوقه القومية. وشدد الرئيس كوشتونيتسا على مواقفه المعلنة سابقاً، أن محكمة لاهاي هي جهة سياسية، وليست مؤسسة عادلة، تنتهج الحق تجاه كل الأطراف.

جاء هذا البيان بعدما أعلن عدد من زعماء الحركة الديموقراطية الصربية، على رأسهم رئيس الوزراء الصربي المكلف، زوران جينجيتش، إمكان السماح لمحكمة لاهاي بمحاكمة ميلوشيفتيش بجرائم الحرب، على أن تعقد جلساتها داخل يوغسلافيا، وأن يتم تنفيذ الحكم حين صدوره في السجون اليوغسلافية.

ويتمتع الرئيس السابق بحصانة برلمانية، منذ تصدره قائمة حزبه الاشتراكي الصربي، الذي فاز بـ37 مقعداً، في الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في ديسمبر 2000، كما أكد وزير الداخلية اليوغسلافي وجود مجموعة حكومية تحرس محل إقامة ميلوشيفيتش، وترافقه في تنقلاته أسوة بكبار المسؤولين الحكوميين.

أثار تأكيد وزير الداخلية، مضافاً إليه إيثار الرئيس الحالي البقاء في منزله الخاص، مبدياً عدم رغبته في الانتقال إلى المسكن المخصص لرئيس الدولة، الذي ما زال يشغله الرئيس السابق، أثار كل ذلك جدلاً في الأوساط الإعلامية، ما دفع وزير الداخلية الصربي إلى عقد مؤتمر صحفي في الأول من فبراير 2000، أجاب فيه عن بعض الأسئلة، ومن بينها سؤال عن مدى متابعة تحركات الرئيس السابق. فأجاب: إن حماية الرئيس السابق، المهدد بملاحقات دولية، هي مسؤولية أجهزة وزارة الداخلية، التي ينبغي أن تعرف على مدار اليوم أين يكون؟ وماذا يفعل؟ مع توفير المراقبة لمنع إمكان خطفه، من قبل بعض الطامعين بمكافأة قدرها خمسة ملايين دولار خصصتها الولايات المتحدة لمن يساعدها في القبض عليه، من أجل تسليمه إلى محكمة جرائم الحرب، في لاهاي.

وسئل ثانية عمّا إذا كان ذلك يعني وجود مراقبة له على مدى 24 ساعة يومياً، فأجاب: "خذوا الأمر كما هو" مشيراً إلى أنه توجد وحدة خاصة في وزارة الداخلية مهمتها حماية كبار الشخصيات الرسمية، وقادة الأحزاب الرئيسية ومنهم ميلوشيفيتش.

ومما يذكر أن الحبال ممدودة بين الرئيس السابق والرئيس الحالي، الذي اجتمع بسلفه مرة ثانية، في القصر الرئاسي ببلجراد في 13/6/2001. وأفاد مكتب الرئاسة اليوغسلافية أنهما بحثا في القضايا الراهنة في البلاد، والوضع في كوسوفو، وشؤون الاتحاد اليوغسلافي بين صربيا والجبل الأسود. وتعود العلاقة بين الرجلين بجذورها إلى وقت سابق إبان رئاسة مليوشيفيتش؛ إذ وصفت بأنها الأفضل، مقارنة مع غير كوشتونيتسا من المعارضين، نظراً لتمسكه بقومية؛ إذ يصنف من القوميين الصرب، وله علاقات وثيقة متواصلة مع المتشددين من صرب البوسنة، ويرى أن إجراءات ميلوشيفيتش تجاه كوسوفو هي النهج الصائب الوحيد الذي سلكه.

هذا الاجتماع أثار غضب الناطقة باسم الادعاء في محكمة جرائم الحرب، إذ نشرت لها بعض الصحف الصادرة في بلجراد في 15/1 تصريحاً دعت فيه السلطات اليوغسلافية إلى اعتقال مليوسيفيتش، وتسليمه إلى مقر المحكمة في لاهاي، بدل عقد الاجتماعات معه، في وقت هو فيه مطلوب دولياً بجرائم ارتكبها ضد الإنسانية.

كما أثار الاجتماع أيضاً ردود فعل محلية، فقال زوران جينجيتش قطب الحركة الديموقراطية الصربية، زعيم الحزب الديموقراطي، "لم تكن هناك أي دواعٍ لعقد هذا الاجتماع بعد ما دمر ميلوشيفيتش البلاد كلها". وقال رئيس الاتحاد الديموقراطي الاجتماعي: إن مكان ميلوشيفيتش هو السجن فقط، بعد ما غدا شخصاً لا يستحق أي أهمية". ووصف الاجتماع بأنه أثار مشكلات لجهة التضامن الداخلي في البلاد، وألحق ضرراً بسمعتها خارجياً.

ولكن كوشتونيتسا دافع عن موقفه في تصريح للصحف المحلية، مبدياً استغرابه للمواقف المعارضة التي صدرت عن بعض أطراف الحركة الديموقرطية الصربية، قائلاً: "تحدثت معه باعتباره زعيماً لأحد الأحزاب الرئيسية في صربيا، من خلال مسؤولياتي رئيساً للدولة والمواطنين جميعاً. وينبغي أن استمع إلى جميع الآراء. وقال: تحدثت أمس مع ميلوشيفيتش، وسألتقي غداً رئيس الجيل الداعي إلى الانفصال، مليوجاكونوفيتش.

وانتقد الرئيس مرة أخرى المعارضة الصربية، ووصف انتقاداتها بأنها غير موضوعية، ومدعومة من جهات خارجية... وتساءل لماذا تكاثرت الأحاديث المعارضة. لقد التقيت مرتين في حياتي مع ميلوشيفيتش، في حين لم ينتقدوا الأجانب الذين تحدثوا طويلاً معه، ومنهم (الأمريكي) ريتشارد هولبروك، الذي جلس ساعات لا تحصى معه.

وأُعْلِن عن رفض الرئيس اليوغسلافي لقاء المدعية العامة لمحكمة جرائم الحرب، خلال زيارتها المرتقبة لبلاده؛ للتحادث حول تسليم الرئيس السابق.

وأبلغ ألكسندر بوبوفيتش، نائب رئيس الحزب الديموقراطي الصربي، (الذي يتزعمه الرئيس)، الصحافيين في بلجراد في 16/1 أن سبب ذلك انشغال الرئيس، وعدم وجود ما يستوجب لقاءه بها. موضحاً أن ديل بونتي ليست رئيسة دولة أو حكومة، لذا فهي لا تمثل مستوى سياسياً يستوجب على الرئيس إجراء محادثات معها.

ورداً على سؤال حول موقف الرئيس من تسليم ميلوشيفيتش إلى محكمة لاهاي، أجاب بوبوفيتش: إن الحكومة لن تسلم أي شخص يحمل الجنسية اليوغسلافية إلى هذه المحكمة، أو غيرها؛ لأنه ليس في مقدورها انتهاك الدستور الذي يمنع ذلك.

وعندما ألح الصحافيون على جواب قاطع ومحدد في شأن ميلوشيفيتش بالذات، قال: "ينبغي أن تعلموا، ويدرك الجميع أن ميلوشيفيتش يحمل هذه الجنسية (اليوغسلافية)، ويتمتع بكل ما توفره من حقوق لمواطنيها. وأكد بوبوفيتش الموقف الذي أعلنه كوشتونيتسا، مراراً، بأن محكمة لاهاي مؤسسة سياسية، وليست ملتزمة بقواعد المحكمة الدولية العادلة.

وأشار إلى إمكان ديل بونتي أن تتحدث مع أي مسؤول حكومي، أو غيره، يريد اللقاء معها خلال زيارتها ليوغسلافيا، لكن موقف قيادة الدولة واضح من مطالبها.

ونقلت بعض وسائل الإعلام عن ديل بوينتي، قولها إنها ترغب في تسليم كوستونيتسا حيثيات التهم، التي توجهها المحكمة إلى ميلوشيفيتش. وأفادت الناطقة باسم محكمة لاهاي أن ديل بويني لا تزال تأمل في إجراءات محادثات مع الرئيس كوستونيتشا، على الرغم من التصريحات غير الإيجابية الصادرة عن بلجراد.

ورجح بعض المراقبين أن تلجأ المدعية العامة إلى مجلس الأمن، إذا ما فشلت زيارتها إلى بلجراد في شأن تسليم المتهمين، وإن كان مستبعداً أن يتجاوز المجلس المناشدة، وتوصية الحكومة اليوغسلافية بالتعاون مع المحكمة.

ويستند الرئيس اليوغسلافي في موقفه من ميلوشيفيتش إلى دستور البلاد، الذي يمنع تسليم المواطنين إلى جهة خارجية لمحاكمتهم، ويؤكد أن المحاسبة ينبغي أن تتم حسب قوانين البلاد. كما يتكئ على تقويمه لمحكمة لاهاي الذي لم يتغير. فهي في نظره غير عادلة، وقضاتها يفتحون أبوابها ويغلقونها حسب أهوائهم. وأوضح أن المحكمة رفضت حتى التحقيق بالأعمال الوحشية التي ارتكبها حلف شمال الأطلسي ضد الشعب اليوغسلافي، من قتل الأبرياء وتدمير المنشأت المدنية، والتسبب في مشاكل اليورانيوم. وعرض للضغط الغربي عليه، واصفاً الغربيين بأنهم أصبحوا يتعاملون معه كما كانوا يفعلون مع ميلوشيفيتش، ووصف في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية ما يتحدث عنه الإعلام الغربي، من جرائم صربية في البوسنة وكوسوفو، بأنه مبالغ فيه إلى حد ترويج الأكاذيب. وقال عن الجدل الدائر في شأن لقائه مع المدعية العامة لمحكمة جرائم الحرب، المتوقع وصولها في 22/1، "لم اتخذ قراراً نهائياً، وربما سألتقيها ما دامت تريد ذلك، وإذا توفر لدي الوقت... لكنني بصراحة لا أجد فائدة في لقاء ديل بوينتي".

واجتمعت ديل بوينتي بالرئيس، بعد ذلك، في 23/1، لكنها لم تفلح في تغيير موقفه الرافض لتسليم سلفه المخلوع، ومتهمين آخرين، وانسحبت من الاجتماع. وغادرت القصر الرئاسي غاضبة دون التحدث مع الصحافيين. وأصدر مكتب الرئيس اليوغسلافي بياناً في 24/1، ذكر فيه أن اجتماع الرئيس مع كارلاديل بوينتي تخلله طرح وجهتي نظرهما المتعارضتين حول إطار التعاون، الذي ينبغي اعتماده بين بلجراد ومحكمة جرائم الحرب.

وأوضح البيان أن المدعية العامة لا ترى حاجة إلى إبرام اتفاق رسمي خاص بين الجانبين في شأن شكل التعاون، في حين أكد الرئيس وجوب أن يكون ذلك منسجماً مع قوانين البلاد، التي تمنع تسليم المواطنين اليوغسلاف إلى جهات أجنبية لمحاكمتهم. وأضاف البيان أن الرئيس أبدى اعتراضات على طريقة عمل المحكمة، وإعدادها لوائح اتهامات سرية، وقال إنها ذات طابع سياسي منحاز ضد الصرب، منتقداً تعهد المحكمة أن يكون معظم المتهمين من الصرب، وحذر من أن ذلك قد يعطي انطباعاً بارتكابهم ذنباً جماعياً، وأضاف البيان أن كوشتونيتسا، أعرب عن رفض غالبية الصرب التصور الخطير الراسخ لدى الغرب، بأن الرئيس السابق يتحمل، والقوات الصربية، الجزء الأكبر من اللوم في شأن المجزرة، التي شهدها البلقان على مدى عقد كامل.

وتحدثت المتحدثة باسم المدعية العامة للصحافيين قائلة: إن أجواء المحادثات بين المدعية العامة والرئيس كانت ساخنة، وأنها لم تسلمه لوائح الاتهامات؛ لأنه أبلغها أنه ليس الشخص المختص باستلام مثل هذه الأمور، وأن عليها أن تقدمها للمسؤولين الحكوميين المعنيين بها.

ورأى المراقبين في بلجراد أن الانتقادات الحادة التي وجهها كوشتونيتسا للمحكمة تجعل من المستبعد توقع إقدامه على تسليم ميلوشيفيتش.

وغادرت المدعية العامة بلجراد خاوية اليدين، بعد ما أخفقت على مدى ثلاثة أيام، في مساعيها للحصول على تأييد المسؤولين اليوغسلاف لمطالبتها بتسليم الرئيس السابق، وتوقع المراقبون أن تطالب الدول الغربية بسحب دعمها السياسي والمادي للحكومة اليوغسلافية. وأعلنت المدعية العامة قبل مغادرتها بلجراد في 25/1/2001 أن الرئيس السابق يجب أن يتوجه إلى لاهاي لكي تجرى محاكمته هناك. وقالت: "محكمتنا تنظر في جرائم الحرب، والجرائم في حق الإنسانية، وجرائم الإبادة، وعلى ميلوشيفيتش أن يتوجه إلى لاهاي ليحاكم هناك، ولكن ذلك لا يغلق الباب أمام إمكان محاكمته في بلجراد جراء جرائم أخرى.

وحذرت المدعية العامة يوغسلافيا من أنها لا تستطيع تجنب ضرورة التعاون الكامل مع محكمة الجزاء الدولية، إذا أرادت أن تكون عضواً كامل العضوية في المجتمع الدولي. وأكدت أن تسليم مجرمي الحرب سيساعد بلجراد على طي صفحة الماضي الأليم.

وقالت ديل بوينتي وهي تغادر بلجراد: "أنا أحمل معي خليطاً من الإحساس مع خيبة الأمل؛ لأن الرئيس كوشتونيتشا لم يستخدم معي أسلوب تبادل الحوار، وإنما أراد أن يتصرف كأستاذ، وينتقد سلوك المحكمة، فأزعجني، ووجدت الأفضل أن أنهي اللقاء". ورأت أن هذا التصرف من الرئيس دليل على أنه لا يملك معلومات وافية عن نهج المحكمة. ونفت ما ردده الرئيس من أنها تريد أن تفرض شعوراً جماعياً بالذنب على كل الشعب الصربي. وقالت إنني أريد مساعدة الصرب على فتح صفحة جديدة. وأكدت وجوب إصدار قوانين خاصة تسليم المتهمين بجرائم الحرب إلى محكمة لاهاي إذا كانت القوانين الحالية في يوغسلافيا تمنعهم فعلاً من ذلك.

في مقابل ذلك، وصف الرئيس اليوغسلافي كوشتونيتسا شكل التعاون الذي تريده المحكمة في لاهاي، بأنه يلحق ضرراَ جسيماً باستقرار البلاد. وقال في حديث أدلى به إلى صحيفة "بوليتيكا" شبه الرسمية الصادرة في بلجراد، إنه أبلغ ديل بوينتي كل ما يراه صحيحاً في محكمتها، وقال في إشارة إلى التوقعات بلجوئها إلى جهات غربية للضغط عليه، إن كل من يريد أن يثير مشكلات لهذا البلد، ينبغي أن يكون من نوعها ـ يعني ديل بونيتي، التي جاءت بمطالبها التعجيزية، غير آبهة بقوانين البلد، وقناعات مواطنيه. وقال: إنها لم تكتف بالطلب؛ وإنما أرادت استلام من شاءت فوراً، لتأخذه معها أثناء مغادرتها بلجراد".

وخابت آمال المدعية العامة، كذلك، في موقف فريق أقطاب الحركة الديموقراطية الصربية، الذي كانت تصريحاته متعاطفة مع تسليم الرئيس السابق إلى المحكمة. ومنهم قادة الحزب الديموقراطي، رئيس الحكومة الصربية الجديدة، زوران جينجيتش، ووزيرا الداخلية والعدل للاتحاد اليوغسلافي، ووزير الخارجية الذين ناشدتهم وجهاً لوجه أن يكون موقفهم جيداً، ومؤيداً لتسليم المتهمين، الذي ينسجم مع مصلحة يوغسلافيا.

وكان موقف رئيس الحكومة الصربية الجديدة، زوران جينجيتش مناقضاً لتصريحاته السابقة، إذ أبلغ الصحافيين، بعد اجتماعه مع كارلا ديل بونتي، أن ما تطلبه المحكمة لا يمكن تلبيته. قائلاً: إن المتهمين بجرائم الحرب، ينبغي أن تتم محاكمتهم في يوغسلافيا. وبعد ما ينتهي قضاؤها من إجراءاته، يمكن التفاهم مع المحكمة الدولية في شأن التأكد من العدالة التي سلكها القضاء اليوغسلافي. ولكنه قال: إن ديل بوينتي لم تكن مرتاحة لهذا الاقتراح، وأرادت أن تحصل فوراً على شيء ما ، أي بعض المتهمين، على الأقل.

وأعرب عن تأييده لموقف كوشتونيتسا، الذي يرى أن السرعة التي تريدها ديل بونيتي ستؤدي إلى مشكلات في صفوف المواطنين اليوغسلاف، الذين سيعدون أن الحكومة مخالفة للقوانين، استجابة للضغوط الخارجية. وأشار إلى أن الحكومتين اليوغسلافية والصربية ترغبان في التعاون مع محكمة لاهاي، أما كيف ينبغي أن يكون نوع هذا التعاون، فهو ما يقتضي التفاهم في شأنه.

وكرر جينجيتش موقفه هذا في واشنطن في مطلع فبراير 2001 إذ قال بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي، إن حكومته ستعين قضاة للإشراف على التحقيقات المتعلقة بميلوشيفيتش في وقت قريب، على أن تتم محاكمته في غضون أسبوعين. وقال: أرغب أن تجري محاكمة ميلوشيفتيش عبر النظام القضائي الصربي أولاً، وأشار إلى أن بلاده على استعداد لإيجاد تسوية للتعاون مع محكمة جرائم الحرب، لكنه لم يكشف عن الكيفية التي يمكن أن يحصل بموجبها هذا التعاون.

ولكن الناطق باسم الخارجية الأمريكية كشف عن شكوك تساور الولايات المتحدة إزاء الصيغة التي عرضها جينجيتش. وقال: "لم يقدم رئيس الحكومة الصربية توضيحاً لطبيعة الاتهامات الموجهة إلى ميلوشيفيتش، خصوصاً أن التلميحات، التي صدرت من بلجراد في الفترة الأخيرة، أشارت إلى أن هذه الاتهامات تتعلق بالفساد، واستغلال السلطة خلال الفترة الأخيرة، أشارت إلى أن هذه الاتهامات تتعلق بالفساد، واستغلال السلطة خلال فترة حكمه، التي دامت 12 عاماً، وليست اتهامات بارتكاب جرائم حرب.

وفسر المراقبون موقف جينجيتش الجديد بأنه محاولة لتجنب الدخول في مشكلات مع الرئيس اليوغسلافي كوشتونيتسا في المواقف المتشددة من محكمة لاهاي، ولكن هذا الموقف ربما يؤدي إلى سقوط حكومته الجديدة، هذا فضلاً عن أن ذلك يجعلها تغامر بصدقيتها في الخارج، ومساعيها للاندماج الكامل في المنظمات السياسية والمالية الدولية.

لم تواجه ديل بوينتي برفض المسؤولين اليوغسلاف طلبها فحسب، بل واجهت أيضاً غضباً شعبياً صربياً ضد زيارتها، وسد المتظاهرون الطرق التي مرت بها، ورشقوا سيارتها بالبيض الفاسد، وهم يهتفون مطالبين بعدم تسليم ميلوشيفيتش أو أي متهم آخر إلى المحكمة. واضطرت الشرطة إلى إغلاق بعض الشوارع التي مرت بها ديل بونيتي.

ظهر من استطلاعات رأي للمواطنين أجريت في بلجراد حول تسليم ميلوشيفيتش أن نسبة الموافقين على محاكمته خارج يوغسلافيا لم تتجاوز 15%، ولم تر غالبية اليوغسلاف أن الرئيس السابق ارتكب جرائم في البوسنة، أو كوسوفو، وأن ممارساته السيئة لو وجدت فهي من الشؤون الخاصة بالقضاء اليوغسلافي.

ومما يجدر ذكره هنا، أن مسؤولين كبار في الاتحاد الأوروبي يؤيدون هذا الاتجاه منهم خافير سولانا، الذي يحتل منصباً رفيعاً، وقد دعا لأن تجري محاكمة ميلوسفيتش في بلجراد؛ ويذكر بعض المحللين أن سولانا على حق في مخالفته الدعوات، التي تطالب بمثوله، فوراً، أمام محكمة جرائم الحرب، لأسباب، أهمها: أن الرجل كان رئيس دولة، وإهانته بالطريقة التي يسعى إليها البعض عبر محاكمته خارج بلده تشكل إهانة ليوغسلافيا الدولة.

ثم إن للرجل تياراً قوياً داخل صربيا يجمع بين القوميين والشيوعيين السابقين والاشتراكيين، وهذا التيار سيزداد صلابة، بينما من مصلحة الغرب تفتيته. كذلك يجب الاعتراف بأن الانتصار على ميلوشيفيتش تحقق بدعم غربي مباشرة، ولم تحققه المعارضة التي صارت الآن في السلطة، بقواها الذاتية، ومن ثم فمن مصلحة الغرب زيادة صدقية السلطة الحالية لا نسفها.

أما ميلوشيفيتش نفسه وحزبه، "الحزب الاشتراكي الصربي"، فيرفضان بالطبع المحاكمة. ويرى نائب رئيس الحزب أن محاكمة أي من السياسيين الصرب في لاهاي، تعني خيانة من السلطة الحالية لسيادة الدولة القومية الصربية. وأعلن ميلوشيفيتش أنه يرفض المثول أمام المحكمة التي وصفها بأنها مؤسسة عديمة الأخلاق وغير شرعية. وقال في مقابلة مع صحيفة "لاستامبا" الإيطالية في يوم 3 فبراير أن محكمة لاهاي، هي وسيلة انتقامية من ممثلين مطيعين لشعوب ثائرة، وهذا أشبه بمعسكر اعتقال لشعوب وأناس مهمشين. وقال: إن المحكمة وجدت لاستهداف الصرب. وتابع غامزاً الدول الغربية:" ساندتني الدول الغربية لضمان الاستقرار في البلقان، وحين بدأت ترى فوائد أكثر في عدم الاستقرار سحبت تأييدها لي". ويرى الرئيس السابق أن مسؤولية الصرب في النزاعات التي مزقت يوغسلافيا السابقة محدودة جداً، مقارنة مع مسؤوليات الكروات والسلوفينيين الذين شاركو في تقسيم البلاد.

وأصدر حزبه بياناً احتج فيه على زيارة ديل بونتي، ودعا الصرب إلى رفع أصواتهم ضد المحكمة ومؤيديها، وداخل يوغسلافيا. ووصف البيان تسليم أي مواطن إلى المحكمة الدولية بأنه تعارض مع المصالح الصربية. كما أدان الحزب الراديكالي الصربي زيارة ديل بوينتي، وقال فيها إنها تنفذ حقد الأمريكيين، وغيرهم من المعتدين الغربيين على الصرب".

ولا يخفى الصراع الشديد الذي ساد بلجراد في شأن تسليم المتهمين بجرائم الحرب، فعلى الرغم من وجود قادة في صفوف الحركة الديموقراطية الصربية، لا يمانعون في ذلك، إلا أن الكثيرين من الصرب لا يزالون يعدون هؤلاء المتهمين أبطالاً قوميين. ونقلت إحدى الصحف عن ديل بونتي أن الذين تحدثت إليهم، أثناء وجودها في صربيا، ذكروا أنهم يمرون في وضع صعب لا يسمح لهم بتسليم ميلوشيفيتش إلى محكمة لاهاي، ولكنها رأت أن هذا الادعاء خدعة كبيرة.

وسعت واشنطن من جهتها بالضغط على بلجراد إذ نقلت وسائل الإعلام الصربية يوم 3 فبراير أن رئيس الوفد الأمريكي، الذي التقى الرئيس كوشتونيتسا، حض المسؤولين اليوغسلاف على التعاون التام مع محكمة لاهاي، إذا أرادت بلادهم الاندماج الكامل في المجتمع الدولي. وأعلن أن صرف المائة مليون دولار التي خصصها الكونجرس لمساعدة يوغسلافيا، مشروطة بالاستجابة لطلب محكمة جرائم الحرب، ليس بتسليم ميلوشيفيتش وحده، بل جميع المتهمين الموجودين في صربيا بمن فيهم الجنرال السابق راتكوملاديتش.

جاء هذا الموقف الأمريكي الحازم مناقضاً لما نقلته جريدة "بولتيكا" شبه الرسمية الصادرة في بلجراد في 24 فبراير عن مصادرها الخاصة في واشنطن، من أن الرئيس الأمريكي الجديد بوش ليس مهتماً كسلفه بيل كلينتون بطلبات محكمة لاهاي سواء في شأن مثول المتهمين، أو توفير نفقاتها التي تتجاوز المائة مليون دولار سنوياً.

والجدير بالذكر أن ديل بونتي تطالب، فضلاً عن سلوبودان ميلوشيفيتش بكل من ميلان ميلوتينوفيتش، رئيس جمهورية صربياً الحالي، ونائب رئيس الوزراء اليوغسلافي السابق، نيكولا شائينوفيتش، وعدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في عهد ميلوشيفيتش. كما تطالب أيضاً بتسليمها القائد السابق لجيش صرب البوسنة، الجنرال راتكو ميلادنيتش، الموجود في بلجراد، ورئيس صرب البوسنة السابق، رادوفان كراداجيتش، وكلاهما يحمل الجنسية اليوغسلافية، ويحمل ميلاديتش المولود في البوسنة جنسية صربية، بينما يحمل كاراجيتش جنسية الجبل الأسود حيث مسقط رأسه، علماً أنه أقام في البوسنة منذ دراسته الطب في سراييفو.

أما رئيس صربيا الحالي ميلان ميلوتيوفيتش فقد أعلن أنه لا يفكر بالاستقالة، ولا يخشى الاتهام الذي وجهته محكمة جرائم الحرب ضده. وقال في مقابلة أجراها معه تليفزيون"بوليتيكا" في بلجراد: "انتخبت، قبل عامين، بالاقتراع المباشر من الناخبين. وأزاول مهماتي بحسب الدستور الصربي، لذا لا يوجد أي مبرر كي أدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة في صربيا، كما تطالب بعض أطراف الحركة الديموقراطية، خصوصاً المكلف رئاسة الحكومة الصربية زوران جينجيتش الذي يطمح بالوصول إلى رئاسة صربياً.

وأكد أنه لا يعتزم تسليم نفسه إلى محكمة جرائم الحرب؛ لأن ضميره مرتاح عن كل ما قام به خلال أدائه مهامه الرئاسية، ولا يجد نفسه مذنباً في شيء من ذلك، ووصف لائحة الاتهام التي أصدرتها ضده محكمة لاهاي، والتي حصل على نسخة منها، بأنها تقع في صفحتين ونصف الصفحة، وهي غير واضحة، ولا تتضمن ما يبرر مثوله أمام محكمة جرائم الحرب. وأعرب عن عدم اهتمامه بكل ما يصدر عن القائمين على هذه المحكمة، الذين يوجهون الاتهامات ويتولون بأنفسهم إصدار الأحكام.

هذا وقد أسقطت محكمة لاهاي مطالبتها بتسليم جيلكو راجناتوفيتش (أركان) الذي كان مدرجاً على لوائحها السرية، بسبب تأكد وفاته، لكن مصادر المحكمة لمحت إلى أن اللوائح تضم عدداً من المقربين منه، الذين يتزعمون حزبه "الوحدة الصربية".

وتطالب المحكمة أيضاً بثلاثة من ضباط الجيش اليوغسلافي، وهم: ميليت مركشيتش، وفيسيلين ئليفانتشانين، وميروسلاف راديتش؛ لاتهامهم بالتورط في مجزرة ضد الكروات عام 1991، كما تطالب المحكمة السلطات الكرواتية بتسليم الجنرال المتقاعد ميركونراتس، ومساعده العقيد السابق ميلان تشانيتين، المتهمين بارتكاب جرائم ضد المدنيين الصرب في قرية غوسبيتش عام 1991.

ونقلت الصحيفة الصادرة في بلجراد، عن مصادر موثوقة أن ديل بونتي انتهت من إعداد لائحة استدعاء بحق أبرز المسؤولين المدنيين والعسكريين السابقين بجيش تحرير كوسوفو، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وتصدر الأسماء في اللائحة، هاشم تاتيش، المسؤول السياسي السابق للتنظيم الذي يترأس حالياً حزب كوسوفو الديموقراطي، وضمت اللائحة الجنرال أغيم تشيكو، القائد السابق للجيش، وقائد فيلق كوسوفو، الذي أنشأته الإدارة المدنية الدولية للإقليم. وزعماء سابقين للتنظيم هم: راموش خيرالدين، ونعيم ماليكوكي، وأزيم شوليا، ورجب سليمي، وشابان شوليا، ورحيم هاديمي، وسوكولي باشوتا.

وأكدت ديل بونتي في مقابلة مع جريدة "داناس" الصادرة في بلجراد ذلك، وقالت إنها افتتحت تحقيقاً في انتهاكات زعماء جيش تحرير كوسوفو في كل ما وقع في الإقليم من أحداث. وقالت إن طرفين تقاتلا في كوسوفو، وما دام جرى التحقيق بخصوص الجانب الصربي، واستدعاء الذين توافرت معلومات عن مسؤولياتهم في جرائم ضد الإنسانية، فلا بد من الوقوف أيضاً على ممارسات الطرف الآخر الألباني. ولكنها أردفت: لا أستطيع أن أقدم أسماء محددة، إلى أن تصدر لوائح المحكمة بذلك.

ورأى المراقبون أن في حديث المدعية العامة، وما سربته جريدة "فيتشر" عن المحكمة محاولة لاسترضاء القيادة اليوغسلافية.

ولم تخف ديل بونتي الانزعاج الذي انتابها عند لقائها الرئيس اليوغسلافي، والذي لا يمكن أن تنساه، مما لا يدفعها لزيارة بلجراد ثانية، ما لم يبد ما يدل على تغير موقف السلطات هناك تجاه التعاون مع المحكمة. مهددة بأنه في حال رفض بلجراد تسليم المتهمين (ميلوشيفيتش والعشرة الآخرون) فإن التعامل معها سيكون عن طريق المجتمع الدولي.

وجاء هذا التهديد في وقت فشل فيه اجتماع عقدته الحكومتان الاتحادية اليوغسلافية، والمحلية الصربية، في إيجاد صيغة للتعاون مع محكمة لاهاي، ونقل تليفزيون بلجراد عن رئيس الوزراء اليوغسلاف زروان جينيجتش قوله: "مادمت رئيساً للحكومة فإن ميلوشيفيتش لن يسلم إلى لاهاي".

ولكن الحكومة اليوغسلافية لا يمكنها أن تتمسك بهذا الموقف الرفض تسليم المتهمين، وتتجاهل الضغوط والمطالبات، فلا بد من فعل شيء، وبدأ ذلك (الشيء) عندما أعلن الرئيس اليوغسلافي أن سلفه ميلوشيفيتش يمكن أن يعتقل قريباً في خطوة لن تتخللها أعمال انتقام، كالتي تحصل عقب الثورات، ذلك أن العدالة والقانون يحددان المسؤولية، عن المساوئ التي جرت في الماضي.

وجاء إعلان كوشتونيتسا، في تصريح نشر في بلجراد في 26 فبراير 2001، ضمنه استياءه مما نشر في جريدة "صنداي تايمز" البريطانية، من أن المحققين القريبين منه ذكروا أن اعتقال ميلوشيفيتش سيكون بسبب تقاضيه رشوة، وقال: إن هذا ليس صحيحاً لأن إعداد قضايا الاعتقال تتعلق بالجهات المختصة، وليس من مهمات رئيس الدولة.

وأكد ما جاء في تصريح الرئيس، رئيس الوزراء اليوغسلافي، زوران جينيجتش ، الذي قال: إن اعتقال الرئيس اليوغسلافي السابق أصبح قريباً؛ لأن العدالة لن تتجاهل أحداً، إذا ارتكب عملاً يحاسب عليه القانون، ولا بد من حسم ما يتعلق بممارسات العهد السابق، وعلاقة ميلوشيفيتش بما حدث من أعمال غير شرعية"، لكنه أردف أن الرئيس السابق لن يسلم إلى محكمة لاهاي؛ لأن الدستور يمنع ذلك.

وتأتي أهمية تصريحات زوران من كونه كان قريباً من ميلوشيفيتش، ما يعطي شعوراً بأن أنصاره قد بدأوا في التخلي عنه. في الوقت الذي بدأت في السلطات في اعتقال كبار المسؤولين في عهده، ونقل عن وزير الداخلية الصربي قوله: إن ما يجري حالياً هو غربلة للعهد الماضي، في إطار المساعي الرامية لوضع الأمور في نصابها الصحيح. أما وزير العدل الصربي فقد قال إنه سيتم بسرعة كشف الكثير من الأمور التي ظلت خفية، وأن اعتقال رئيس جهاز الأمن الصربي السابق، راوي ماركوفيتش ضيق حلقة الوصول إلى ميلوشيفيتش.

وعلى الرغم من أن راوي ماركوفيتش ليس من المطلوبين من قبل محكمة جرائم الحرب في لاهاي؛ إلا أن الناطقة باسم الادعاء العام لمحكمة جرائم الحرب قالت إنه ينبغي على السلطات اليوغسلافية أن تسمح لمحققي جرائم الحرب باستجواب ماركوفيتش وغيره من المعتقلين؛ للوقوف على ما لديهم من معلومات إذا أرادت بلجراد التعاون.

وأصدر الحزب الاشتراكي (حزب ميلوشيفيتش) بياناً أدان فيه اعتقال رادي ماركوفيتش، وجاء فيه: "عار على كل من يصدق أن السلطات الحالية في صربيا تعمل على تحقيق ترتيبات جديدة من العدالة وحكم القانون"، لكن البيان لم يشر إلى قرب اعتقال ميلوشيفيتش.