إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مذبحة قانا (1996)





قصف معسكر القوات الدولية في قانا

أوضاع مليشيات حزب الله
موقف القوات المختلفة
المخيمات الفلسطينية في لبنان



مذبحة قانا "1996"

مقدمة

على الرغم من أن الدور اللبناني، في الجولات العربية ـ الإسرائيلية المتعاقبة، كان هامشياً، كانت الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مستقرة في أحرج الأوقات، التي كانت الجبهات الأخرى فيها مشـتعلة. وقد عبّر عن ذلك الرئيس السابق فؤاد شهاب، بعد حرب يونيه 1967، بقوله: "إن لبنان خـرج من هذه المعركة سـليماً". وعلى الرغم من ذلك، فإن القدر كان يخبئ لهذا البلد الصغير، أن يعيش سنوات طويلة في معارك، متصلة أو منفصلة، ضد طبيعة المنطقة وشعب لبنان نفسه، تنوعت ما بين حرب أهلية مريرة، أو صـراعات عربية ـ عربية، أو نزاعـات عسكرية مسلحة، تشترك فيها ميليشيات وطوائف، بعيداً عن انتمائها إلى الوطـن. حتى إن لبنان، أصـبح مسرحاً للحرب بالوكالة، بين الدول والقوى المختلفة … ثم تصاعدت في جولات متعاقبة، مع إسرائيل، لم يكـن لبنان الدولة، هو المستهدف فيها، ولكن كانت المقاومة الفلسطينية، هي الهدف، منذ أن تحددت شرعية وجودها على الأرض اللبنانية، طبقاً لاتفاق القاهرة، في 3 نوفمبر 1969. وقد تعاقبت الأحـداث التاريخية، المؤثرة في المنطقة، منذ نصر أكتوبر 1973، والتي لم يكن لبنان طرفاً فيها، ولكن انعكاسات الأحداث في المنطقة، ارتدت إليه بشدة.

فقد كانت بداية الحرب الأهلية اللبنانية، في 13 أبريل 1975، نتيجة أحداث داخلية، تورطت المقاومة الفلسطينية في بعض منها، وكان لبنان مسرحاً جاهزاً لسرعة اشتعال هذه الحرب. وبنشوب الحرب الأهلية، كان هناك استحالة في إخمادها ذاتياً. لذلك، تدخلت قوى خارجية، كانت تهدف، في الأساس، إلى تحقيق مصلحة ذاتية، بعيداً عن لبنان. ففي 9 أبريل 1976، دخلت القوات السورية لبنان، بقرار سوري منفرد، لمحاصرة الفلسطينيين، استند إلى أن أمن لبنان، ينعكس مباشرة على الأمن الوطني السوري. ولم يكن الوجود السوري سنداً للبنان، في إيقاف الحرب الأهلية، أو سنداً للفلسطينيين، بدعم المقاومة. ولكنه عَمِل لحسابه، وبتحالفات مع الميليشيات اليمينية، وكان من جرّاء ذلك، مذابح بشعة في جسر الباشا، وتل الزعتر، راح ضحيتها فلسطينيون ووطنيون لبنانيون.

وفي 15 مارس 1978، شنت إسرائيل "حملة الليطاني"، مستهدفة القضاء على المقاومة الفلسطينية، في جنوب لبنان، وتشكيل نطاق أمن، ذي اتساع مناسب، لعدم تأثير الأعمال العدائية من جنوب لبنان، في المستعمرات الإسرائيلية في الجليل الأعلى. وقد صدر قرار مجلس الأمن الرقم 425، في 19 مارس 1978، الذي يحدد "احترام وحدة وسلامة أراضي لبنان، وسيادته واستقلاله السياسي، داخل حدوده المعترف بها دولياً". ويطلب من إسرائيل "الكف، فوراً، عن عملها العسكري ضد وحدة أراضي لبنان وسلامتها، والمبادرة إلى سحب قواتها من الأراضي اللبنانية". ويقرر "وضع قوات دولية تحت سلطة الحكومة اللبنانية، لمراقبة انسحاب إسرائيل، ومساعدتها على إعادة سلطتها الفعلية على المنطقة". وقد استغلت إسرائيل هذا العدوان لتشكيل المنطقة العازلة، طبقاً لمطالبها الأمنية، مع استقطاب عملاء لبنانيين، في ما يُسمى "جيش لبنان الجنوبي"، للسيطرة على جنوبي لبنان، وربطه، قيادةً وإدارةً، بالجيش الإسرائيلي.

ولم تحقق "حملة الليطاني" أهدافها، التي حددتها إسرائيل للقضاء على المقاومة الفلسطينية. لذلك، كررت العملية، في يونيه 1981، ولم تحقق أهدافها أيضاً.

وفي 5 يونيه 1982، شنت إسرائيل عملية "سلام الجليل"، لغزو لبنان، والقضاء على المقاومة الفلسطينية. وتمكنت من احتلال معظم الأراضي اللبنانية، في عملية طويلة، معقدة، تكبّد فيها كل من إسرائيل ولبنان والمقاومة الفلسطينية، خسائر جسيمة. وانتهت بإجبار المقاومة الفلسطينية على الخروج من لبنان، إذ تشتتت في الدول العربية، من العراق، إلى سورية، إلى اليمن، إلى تونس، إلى الجزائر. وفُرض على من يرغب في البقاء في لبنان، الخضوع للسيطرة اللبنانية. وكان أبشع المذابح، في تلك العملية، ما ارتكبته إسرائيل، بالتنسيق مع ميليشيات "الكتائب"، في مذبحة صبرا وشاتيلا، في 18 سبتمبر 1982.

ثم انسحبت إسرائيل من لبنان، بناءً على اتفاق 17 مايو 1983، بين الحكومة اللبنانية وحكومة إسرائيل، ولكـنها أبقت الجنوب اللبناني تحت سيطرتها. كذلك، وبعد جهود مريرة، انتهت الحرب الأهلية اللبنانية، عام 1989، بناءً على قرارات اتفاق الطائف، الذي عمل على تأكيد سيطرة الحكومة اللبنانية على أرجاء لبنان كافة. وشهدت الساحة اللبنانية في أعقاب ذلك الاتفاق صراعاً هائلاً، حاول خلاله كل قوة تأكيد سـيطرتها على الأوضاع في لبنان، وتوسيع مناطق نفوذها، بل إن بعضها حاول الانفراد بمناطق بعينها. كان أهمها التنظيمات والميليشيات الشيعية، التي تمولها إيران، وتدعمها سورية، ولاسيما منظمة "أمل"، و"حزب الله"، الذي دعمته إيران بحرس ثوري، وصل تعداده، في بعض فترات الحرب الأهلية، إلى حوالي خمسة آلاف شخص. كذلك المنظمات والأحزاب، التي تمولها سورية، مثل حزب "البعث"، وميليشيا "الحزب التقدمي". ثم تأتي منظمات "الكتائب" بميليشياتها الكثيرة، وهكذا.

وقد تولت الدول العربية، المؤثرة في المنطقة، مساعدة لبنان على النهوض من كبوته، بعد انتهاء الحرب الأهلية، من خلال المساعدات، المادية والمعنوية والسياسية، حتى يستعيد عافيته. إلاّ أن آثار الحرب الأهلية، وأحداث السبعينيات والثمانينيات، كانت لا تزال مؤثرة، بشدة، في الأوضاع الداخلية اللبنانية، وأهمها: الوجود السوري، الذي يضغط على لبنان من الشمال والشرق. والاحتلال الإسرائيلي للجنوب، الذي يخنق لبنان من ذلك الاتجاه. ثم التأثيرات العنيفة للضغوط السياسية في الحكومة اللبنانية نفسها. وكانت المحصلة، أن لبنان تعرض لظروف قاسية، في فترات متعاقبة. وتكونت في قلبه أحزاب وميليشيات قوية، استقل بعضها بالمناطق التي وُجد فيها، وكوّن دولة داخل الدولة. كما أن سياسة لبنان، أصبحت غير مستقلة، بالمفهوم المطلق، ولكنها ترتبط بالسياسة السورية، من جانب، وتسـاير الإرادة الإيرانية، من جانب آخر، وتخشى عواقب البطش الإسرائيلي، من جانب ثالث. وكان ذلك كله هي الخلفية، التي دارت من خلالها أحداث مذبحة "قانا".