إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مذبحة قانا (1996)





قصف معسكر القوات الدولية في قانا

أوضاع مليشيات حزب الله
موقف القوات المختلفة
المخيمات الفلسطينية في لبنان



المبحث الثالث:

المبحث الثالث

الموقف على الجبة اللبنانية

وتطور القتال حتى 17 إبريل 1996

أولاً: بدء تصاعد الموقف على الجبهة اللبنانية (11 أبريل 1996)، ومواقف الأطراف المختلفة

1. الموقف الإسرائيلي

أ. شنّ غارات جوية على لبنان

مع صباح يوم الحادي عشر من أبريل 1996، فجّرت إسرائيل الوضع الأمني الملتهب على الجبهة اللبنانية، إذ شنّت سلسلة من الغارات الجوية على لبنان، وقصفت بيروت، للمرة الأولى، منذ نحو 14 عاماً، رداً على ما أسمته تهديد حزب الله للشمال الإسرائيلي. وقد أسفر هذا الهجوم الجوي عن مصرع خمسة أشخاص وإصابة 12 فرداً.

ب. الموقف السياسي الإسرائيلي

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، "أنه لا سلام مع لبنان، ما دام سكان شمالي إسرائيل لا ينعمون بالسلام". وأضاف، في مؤتمر صحفي، عقده في تل أبيب، بعد الغارات الجوية على لبنان: "لن نضحي بالأمن من أجل السلام، ولن نوفر جهداً لضمان الأمن". وقال: "إن حزب الله، قام، يوم التاسع من أبريل، بالغارة على المواقع الإسرائيلية في الشمال. وقام بقصف صواريخ على شمال الجليل، أسفر عن وقوع 36 فرداً إسرائيلياً جريحاً". وأضاف بيريز قائلاً: "يتخيل حزب الله أن في إمكانه أن يغلب إسرائيل، وهو مخطئ. وإن مواقعه لن تكون في منأى عن الرد". وقال إنه يأمل أن يكون الحزب، قد فهم الدرس، "ولكني لست متأكداً من ذلك، وإذا واصل هجماته، فسنستمر في الضرب". وقال بيريز إن حزب الله، يتحمل مسؤولية هذا التدهور.

أمّا وزير الخارجية الإسرائيلي، "إيهود باراك"، فقال محذراً: "إنه لا حصانة لأي جزء في لبنان من الغارات الإسرائيلية، ما دامت هجمات المقاومة اللبنانية مستمرة ضد المستوطنين في شمالي إسرائيل. وإن من يساعد رجال المقاومة سيكون عرضة لما أسماه "القصاص المؤلم".

ج. التصعيد الإسرائيلي للموقف العسكري

وعلى المستوى العسكري، وجّه الجنرال أميرام ليفين، قائد المنطقة الشمالية في إسرائيل، تهديده إلى لبنان، بأن العمليات ستستمر لعدة أيام، إذ قال: "إن العملية تجري كما هو مخطط لها. وإن القصف الإسرائيلي سينفذ لعدة أيام قادمة". وأضاف أن على حزب الله، أن يوقف قصف الصواريخ، لأن مواصلة القصف، ستؤدي إلى الضرب بحزم. وفي إطار التهديد عينه، قال "الجنرال آمنون شاحاك"، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إن السكان المدنيين اللبنانيين، يتحملون عواقب وجود وحدات مقاتلة من حزب الله بينهم. ووجّه تحذيراً إلى الجيش اللبناني، قائلاً: "لا نريد ضرب الجيش اللبناني. إلاّ أنه في حال فتح النار على قواتنا، فلن نتردد في الرد".

ومع تصاعد الموقف، بدأ الطيران الإسرائيلي بشن الغارات المكثفة على جنوبي لبنان وشرقيّه، وعلى مواقع حزب الله، قرب بيروت. كما هاجمت الطائرات العمودية أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت (منطقة شيعية). كما قصفت موقعاً للجيش اللبناني، في صور، خلال إحدى الغارات، مما أدى إلى مقتل وإصابة بعض الجنود اللبنانيين. كما وسعت الطائرات العمودية قصفها للقرى اللبنانية، مما أدّى إلى مقتل وإصابة عدد من الأفراد المدنيين. كما شارك في القصف كل من المدفعية الإسرائيلية وبعض القطع البحرية.

وقد حملت هذه الغارات السلطات اللبنانية على إغلاق مطار بيروت الدولي، كما أدّت إلى فرار الألوف من الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى مناطق أكثر أمناً، في الغرب.

2. الموقف اللبناني

رأى رئيس الحكومة اللبنانية، رفيق الحريري، أنه "من غير الوارد نزع سلاح حزب الله، قبل انسحاب إسرائيل من الجنوب". واستطرد قائلاً: "إن العنف لا يولد إلا العنف. ونكرر دعوتنا لإسرائيل، لتنسحب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وتطبق قرار مجلس الأمن الرقم (425). وفي هذه الحالة، لن يكون هناك مبرر، لا لحزب الله ولا لغيره، أن يكون مسلحاً، باستثناء الجيش والقوى الأمنية الشرعية".

وأضاف الحريري قائلاً: "إن المقاومة هي نتيجة للاحتلال، بصرف النظر عمّن يقوم بالمقاومة، وبصرف النظر عن تاريخ الأشخاص، الذين يقومون بها، أو اتجاهاتهم السياسية".

ومن جهة أخرى، أعلن فارس بويز، وزير الخارجية اللبناني، أن لبنان يدرس، بجدية، إمكانات تقديم شكوى إلى مجلس الأمن، ضد إسرائيل" وأشار إلى أن لبنان أجـرى اتصالات مع الولايات المتحدة الأمريكية في شأن الوضع المتدهور. وحمّل بويز إسرائيل مسؤولية تصاعد العنف في لبنان، معتبراً أن اعتداءاتها الأخيرة تهدم عملية السلام. كما دعا الوزير اللبناني إسرائيل إلى عدم الرضوخ للحالات الانتخابية، بشكل يعرقل عملية السلام، ويرفع حدّة التشنج في المنطقة.

ثانياً: التصعيد الإسرائيلي للعدوان، يومي 12 و 13 أبريل 1996، وردود الفعل المختلفة

1. الموقف الإسرائيلي، وتصعيد القصف الجوي، يومي 12 و 13 أبريل

استمر الطيران الإسرائيلي، خلال يومَي 12 و13 أبريل، في قصف مختلف المناطق اللبنانية. بل قَصَفَ عربات الإسعاف، التي تحمل الجرحى، مما أدى إلى مصرع بعض الأطفال والسيدات، وإصابة أفراد آخرين. وقد أسفر هذه القصف عن مصرع (22) شخصاً، وإصابة أكثر من (70) شخصاً، كما واصل سكان الجنوب اللبناني نزوحهم شمالاً. وذكرت المصادر اللبنانية أن 180 ألفاً من السكان، قد فرّوا بسبب القصف الإسرائيلي العنيف إلى القرى والمدن اللبنانية الآمنة. ومن الواضح، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية، أصبحت لا تستهدف حزب الله، كما ادعت إسرائيل، ولكنها باتت تشمل معظم أجزاء لبنان، بل بعض مواقع الجيش اللبناني، بهدف خلق نوع من الضغط على الحكومة اللبنانية، من خلال إخلاء الجنوب من سكانه، ونزوحهم الجماعي تجاه شمالي لبنان. وذكرت المصادر اللبنانية أن طائرة عمودية إسرائيلية، أطلقت صاروخاً على سيارة إسعاف، قرب ميناء صيدا، مما أسفر عن استشهاد أربعة أطفال وسيدتين، وإصابة ستة آخرين.

2. الموقف اللبناني تجاه تصعيد إسرائيل لعدوانها

قررت الحكومة اللبنانية تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، ضد العدوان الإسرائيلي، ودعت إلى اجتماع عاجل لجامعة الدول العربية، لبحث هذا العدوان.

كما عقد اجتماع عاجل بين رئيس الوزراء، رفيق الحريري، ووزير الخارجية، فارس بويز، من جانب، مع الرئيس حافظ الأسد وكبار المسؤولين السوريين، من جانب آخر، لبحث تطورات الموقف، والعدوان الإسرائيلي على لبنان. وأعلن رئيس وزراء لبنان، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تطلبان المستحيل، بإصرارهما على أن تمنع الحكومة اللبنانية ميليشيا حزب الله من مهاجمة إسرائيل. وقال في تصريحات أخرى، إن هذا الطلب، يصل إلى حد الدعوة إلى حرب أهلية جديدة في لبنان، الأمر الذي سيكون أسوأ من الهجمات، التي تشنها إسرائيل، حالياً، على لبنان.

وقال الحريري إنه ناقش مع المسؤولين الأمريكيين الهجوم، الذي بدأته إسرائيل يوم الخميس الماضي، على لبنان. وأضاف أن الأمريكيين، أبلغوه ضرورة ممارسة حكومته ضغوطاً على حزب الله، لمنع هجماته على إسرائيل. وأكّد الحريري أن الحل الوحيد، هو انسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان المحتل. وتعهد، في حالة انسحاب إسرائيل، أن ترسل حكومته وحدات من الجيش اللبناني، لحماية الحدود، ومنع الهجمات ضد إسرائيل. وقال إنه كان، في الماضي، ما يدعو إسرائيل إلى الشك في قدرة لبنان على ضمان الاستقرار والأمن على الحدود، ولكن الأمور تغيّرت، الآن، وأصبح للبنان حكومة مركزية، وجيش قوي، يستطيع الحفاظ على الأمن في بلاده.

كما انتقد نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، موقف واشنطن من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بسبب تسرعها في تحميل المقاومة اللبنانية مسؤولية التصعيد العسكري، والرفض المستمر لرغبة لبنان في دعوة مجلس الأمن لبحث هذه الاعتداءات. ووصف بري الموقف الأمريكي، بأنه يشجع إسرائيل على التمادي في العدوان.

3. موقف حزب الله، ورد فعله تجاه التصعيد الإسرائيلي

ورداً على الغارات الوحشية الإسرائيلية، بادر حزب الله إلى إطلاق أعداد من صواريخ الكاتيوشا، ضد المستوطنات الإسرائيلية في الشمال، التي هجرها سكانها بسبب تزايد القصف. كما أعلنت ميليشيا حزب الله إسقاط طائرة عمودية إسرائيلية، من نوع "أباتشي Apache" بالقرب من مدينة صيدا.

4. الموقفان، السعودي والسوري، التصعيد الإسرائيلي

أ. الموقف السعودي

حذرت الجرائد السعودية من السياسة الإسرائيلية في جنوبي لبنان، التي يمكن أن تقود المنطقة إلى حرب جديدة، بين العرب وإسرائيل. وقالت جريدة "عكاظ"، إن الحاجة باتت ملحّة إلى إجراء حوار مسؤول، بين العرب وإسرائيل، بعيداً عن رياح الانتخابات، والضغوط الداخلية، مؤكدة أن قضية السلام، لا ينبغي أن تتعرض لمثل هذه التقلبات.

ب. الموقف السوري

حثت سورية الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، على التحرك، بسرعة، لوقف الغارات الإسرائيلية، والعودة إلى مفاوضات السلام. ووصفت جريدة "الثورة" السورية، الرسمية، الهجمات الإسرائيلية، التي قتل فيها جندي سوري، في بيروت، بأنها محاولة للضغط على لبنان وسورية، لتقديم تنازلات في محادثات السلام مع إسرائيل. وأكدت الجريدة، أن الحل الوحيد، هو انسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان والجولان.

5. موقف المؤتمر الإسلامي

في جدة، أدانت منظمة المؤتمر الإسلامي، في بيان لها، الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب اللبناني. وأكد البيان تضامن العالم الإسلامي مع الشعب اللبناني، لاستعادة حقوقه، وتحرير أرضه المحتلة.

6. الموقف الأمريكي

أعلنت واشنطن، بلسان المتحدث باسم وزارة الخارجـية، "نيكولاس بيرنز": أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تعترض على قصف إسرائيل للأراضي اللبنانية، إذا استمرت هجمات حزب الله على شمالي إسرائيل. وطالبت سورية وإيران باستخدام نفوذهما، لوقف الهجمات العدائية". وأشار إلى أن هذه الهجمات هي سبب تصاعد أعمال العنف في لبنان.

وذكرت وسائل الإعلام الأمريكية، أنه من الواضح، أن الموقف الرسمي الأمريكي تجاه الغارات الإسرائيلية على لبنان، قد اختلف عن الماضي، حين كانت واشنطن تدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس، ولكنها، الآن، تحمّل حزب الله المسؤولية كاملة، وتقول إن إسرائيل اضطرت إلى الرد على هجمات آثمة، تعرض لها المدنيون في إسرائيل.

7. الموقف الغربي

أ. الموقف الفرنسي

عبّر وزير الخارجية الفرنسي، "هيرفيه دي شاريت Hervé de Charette " ، بعد اتصالات متعددة مع وزير خارجية كل من لبنان وسورية وإيران، عن قلق فرنسا من العدوان الإسرائيلي. وقال إن فرنسا، تحث جميع الأطراف على الالتزام بضبط النفس، وإيقاف إطلاق النار.

ب. الموقف الألماني

عكست الصحف الألمانية الموقف الألماني، إذ حذرت جريدة "كولنشتات انتسايجر"، في عددها الصادر في 13 أبريل 1996، من أن المواجهة الحالية، بين إسرائيل وحزب الله، في لبنان، قد تتحول إلى رقعة أوسع في العالم. وقالت إن الإرهاب، لا يمكن مكافحته بحدّ السلاح، وإن إقامة منطقة أمنية، لا يمكنها أن تحمي الإسرائيليين من مدافع جماعات حزب الله.

ج. الموقف الكندي

قال متحدث باسم الخارجية الكندية، إن الرد الإسرائيلي على الهجمات، التي تشن على شمالي إسرائيل، يشكل عاملاً، يزيد من تصعيد الوضع في الجنوب اللبناني وشمالي إسرائيل. وأكد أن الحل السياسي العادل، والشامل، هو الحل الأمثل لوقف تيار العنف، في منطقة الشرق الأوسط.

8. رد الفعل السياسي الإسرائيلي، تجاه مواقف إدانة العدوان

لم يبالٍ  شيمون بيريز بمواقف الإدانة، وأصر على استمرار الاعتداء، إذ قال ، في حديث إلى التليفزيون الإسرائيلي: "إن العدوان الإسرائيلي على لبنان سيستمر، حتى تتخذ حكومة بيروت إجراءات لوقف هجمات حزب الله ضد إسرائيل".

باراك، وزير الخارجية الإسرائيلي، فقال إنه لا تفاوض مع الحكومة اللبنانية، ما دامت المقاومة اللبنانية مستمرة في إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وإنه يتعين على حكومة بيروت إيجاد حل. فإمّا أن تنزع سلاح حزب الله، أو تلجأ إلى وسيلة أخرى للحد من نشاطه. واستبعد باراك إمكانية حدوث مواجهة مع سورية. وزعم أن دمشق تدرك، أن هدف إسرائيل الوحيد، هو ضرب حزب الله وليس حدوث مواجهة بين البلدين.

ثالثاً: تطور القتال من 14 إلى 17 أبريل 1996

1. تطور الموقف العسكري، يوم 14 أبريل

في اليوم الرابع للقتال، واصلت طائرات القتال الإسرائيلية قصفها للأراضي اللبنانية. كما قصفت مواقع المقاومة اللبنانية، خارج المنطقة المحتلة في جنوبي لبنان، وردت ميليشيا حزب الله، بإطلاق 16 صاروخ كاتيوشا، في اتجاه شمالي إسرائيل.

وذكرت وكالة "رويتر Reuter "، في تقرير لها، أن الطيران والمدفعية الإسرائيليين، قصفا قرى جنوبي لبنان، بنحو 3 آلاف قذيفة، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. وأن نحو 200 ألف لبناني، فرّوا من 49 قرية، كانت إسرائيل قد أعلنت أنها ستكون مسرحاً لعملياتها العسكرية. كما شمل القصف الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وموقعاً للجيش السوري، وعدداً من مواقع الجيش اللبناني، كما فرضت القوات الإسرائيلية حصاراً بحرياً على ميناء بيروت وموانئ الساحل اللبناني كلها. وذكرت إذاعة إسرائيل "أن القصف الإسرائيلي، استهدف جميع المناطق اللبنانية، الواقعة شمالي حدود إسرائيل، التي تتخذها المقاومة قاعدة لإطلاق صواريخها على إسرائيل. وبلغ عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على لبنان، منذ بدء القصف، نحو 44 قتيلاً، وإصابة 80 آخرين، معظمهم من المدنيين.

وذكرت المصادر الفرنسية، أن إسرائيل دفعت تعزيزات عسكرية جديدة، إلى مواقعها في جنوبي لبنان المحتل، شملت بطاريتَي 155مم، ذاتيَي الحركة وبطاريتَي 175مم، وبطارية 203مم، وعدداً من الدبابات. كما نشرت قوات إضافية، قدِّرت بنحو لواء مدرع، على طول حدودها مع لبنان. وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، نقلاً عن القوة الدولية، المرابطة في لبنان، أن خمسة آلاف لبناني، لجأوا إلى مراكز قوة الأمم المتحدة، ليحتموا من القصف الإسرائيلي. وصرح تيمور جوكسيل، المتحدث باسم القوة الدولية، أنه سمح للسكان بالإقامة بمحاذاة مواقع قوات الأمم المتحدة، بسبب القصف المدفعي الإسرائيلي المستمر على الطرقات. كما أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن قائد قوات حفظ السلام، التابعة للمنظمة الدولية، في جنوب سيناء، احتج لدى إسرائيل على الغارات الجوية، التي تشنها على قرى، تقع في منطقة عمليات قواته وحولها، وأن ذلك يعرض القوات الدولية لأخطار جسيمة.

2. أعمال قتال يوم 15 أبريل، وردود الفعل، الدولية والإقليمية

أ. الموقف العسكري وتطوره، يوم 15 أبريل

تصاعدت العمليات العسكرية، بين إسرائيل وحزب الله، إلى مرحلة خطيرة. إذ اعترف متحدث عسكري إسرائيلي، بأن المقاومة اللبنانية، قصفت مدينة صفد، في شمالي إسرائيل. وأضاف المتحدث، أن قوات المقاومة، استخدمت في ذلك صواريخ ذات مدى أبعد من تلك، التي تستخدمها في قصف المستوطنات في الجليل الأعلى.

وخلال اليوم الخامس للقتال، أغارت الطائرات الإسرائيلية على مناطق متعددة، داخل لبنان، مركزة في مدينتَي صور والنبطية، وضاحية بيروت الجنوبية، حيت تتركز منشآت حزب الله، مما أسفر عن إصابة خمسة أفراد. وبذلك، يصل عدد الضحايا اللبنانيين، على مدار الأيام الخمسة للقتال، إلى 50 قتيلاً على الأقل، وإصابة 100 آخرين.

وأدّى القصف الإسرائيلي لمدينة صور، إلى نزوح أكثر من نصف سكانها إلى بيروت. ووجهت الحكومة اللبنانية نداءً إلى السكان، يطلب منهم عدم الاستجابة للإنذارات الإسرائيلية، وترك المنازل، وأن الموقف يقتضي عدم الهرب، ويوجب عليهم مواجهة العدوان؛ إذ كانت إسرائيل، قد وجهت إنذاراً جديداً إلى سكان سبع مدن وقرى في الجنوب، بما في ذلك مدينة صور، لإخلائها قبل شن المزيد من الهجمات الجوية.

كما أطلقت وسائل الدفاع الجوي اللبناني، نيرانها على الطائرات الإسرائيلية المغيرة، وتمكنت من إسقاط طائرتين عموديتين إسرائيليتين، من نوع "أباتشي"، إضافة إلى طائرة استطلاع بلا طيار، وذلك من بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان.

أمّا حزب الله، فقد أطلق أكثر من 70 صاروخاً، من نوع كاتيوشا، على شمالي إسرائيل[1]، مما أسفر عن إحداث خسائر مادية كبيرة، وإصابة بعض الأفراد، ولجوء جميع سكان المستوطنات إلى الملاجئ. واعترف الجنرال أميرام ليفين، قائد المنطقة الشمالية، بأنه على الرغم من العمليات العسكرية واسعة النطاق، داخل لبنان، فإن ذلك لم يوقف صواريخ المقاومة على شمالي إسرائيل. وأضاف ليفين، أن إسرائيل، ستواصل عملياتها العسكرية، في محاولة لكسر المقاومة العنيفة.

وفي محاولة لردع إسرائيل، عرض حزب الله صوراً لأفراد "كتائب الاستشهاد"، وهم يرتدون قمصان المتفجرات، استعداداً للقيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية، ويرددون قَسَم الشهادة، مؤكدين عزمهم على الانتقام لدماء الأطفال والسيدات من الشهداء، وأنهم عازمون على زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل، من الداخل. وهذا ما دعا القيادة الإسرائيلية إلى إعلان حالة التأهب القصوى، في جميع المنشآت، داخل إسرائيل، إضافة إلى المراكز اليهودية الأخرى، بما فيها السفارات، في جميع أنحاء العالم.

ب. المواقف على الساحتين، الدولية والإقليمية

(1) الموقف الأمريكي

صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جلين ديفيز بـ "أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد كثفت جهودها، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، لمحاولة نزع فتيل المâقف المشتعل في لبنان، واستعادة الهدوء على طول الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية". وذكر المتحدث أن وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر، قام بعدة اتصالات مع كل من وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، ورئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، ووزير الخارجية اللبناني، فارس بويز، ومع كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء، شيمون بيريز، من أجل التمهيد لزيارته إلى المنطقة، سعياً إلى وقف القتال.

وأوضح ديفيز، أن حزب الله، هو الذي بدأ بإطلاق صواريخ الكاتيوشا على شمالي إسرائيل، ما أدى إلى مواصلة إسرائيل لغاراتها الجوية على لبنان، وإطلاقها نيران مدفعيتها على القرى اللبنانية. وأشار إلى أن الإسرائيليين، يركزون عملياتهم في نطاق حزام، عرضه 20 ميلاً، جنوبي[2].

وبسؤال المتحدث عمّا إذا كان ذلك، يبرر ما فعلته إسرائيل في بيروت، من قصف لعربات الإسعاف، وقتْل الأطفال؟ فقال إن ذلك مأساة شنيعة، ولا جدال في ذلك. ولكن المهم، أن نظل نركّز في أن العنف، يجب أن توضع له نهاية، وأن العنف راجع إلى صواريخ الكاتيوشا، التي أطلقها حزب الله على شمالي إسرائيل.

وفي الأمم المتحدة، تحركت الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل عرقلة انعقاد مجلس الأمن، في شأن الشكوى اللبنانية، التي قدمت إليه يوم 12 أبريل 1996. بل إن مادلين أولبرايتMadeleine Albright، المندوبة الأمريكية إلى المجلس، حاولت، بشتى الطرق، نسف عقد هذا الاجتماع من الأساس، وهددت باستخدام حق الاعتراض (Veto)، إذا حاول المجلس إدانة إسرائيل.

أمّا المتحدث باسم البيت الأبيض، فناشد حزب الله، مجدداً، وقف هجماته على شمالي إسرائيل، التي وصفها بالاستفزازية. وطالب بإنهاء دورة العنف في المنطقة. وأكّد المتحدث الأمريكي أنه يجب أن تشعر إسرائيل بالأمان، لكي تتقدم عملية السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام.

(2) الموقف الفرنسي

في اليوم الخامس للقتال، الخامس عشر من أبريل 1996، اجتمع وزير الخارجية الفرنسي، هيرفيه دي شاريت، في القدس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، من أجل التوصل إلى صيغة مناسبة لوقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان. وأعلن دي شاريت، أنه سيزور، من الفور، كُلاًّ من دمشق وبيروت، من أجل الغرض نفسه. وأكّدت فرنسا، في بيان لرئاسة الجمهورية، أن تفاقم الوضع في لبنان وشمالي إسرائيل، واستمرار المواجهة، يشكلان خطراً كبيراً على مسيرة السلام في الشرق الأوسط. وأعربت فرنسا عن اقتناعها بأنه لا يمكن حل الأزمة بالوسائل العسكرية، ودعت الأطراف المعنية إلى التحلّي بروح المسؤولية، ورباطة الجأش، واتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في إسرائيل. وأضاف البيان، أن فرنسا تتابع بقلق أعمال العنف، وعمليات الرد، التي تصيب المواطنين في إسرائيل ولبنان، وما أدّت إليه من خسائر، واضطرار المدنيين اللبنانيين إلى الهرب من منازلهم.

وفي باريس، وبعد لقاء رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، الرئيس الفرنسي، أوضح الحريري، في مؤتمر صحفي، أنه "إذا استمرت إسرائيل في قصف لبنان، فإنه يمكن القول وداعاً لعملية السلام". وأشار الحريري إلى أنه يتوقـع من فرنسا، أن تفعل كل ما من شأنه ضمان وقف إطلاق النار، الآن، في لبنان، معرباً عن أمله في نجاح جولة هيرفيه دي شاريت، وأضاف أن الحل الوحيد، هو وقف إطلاق النار، وتطبيق اتفاق عام 1993، بين إسرائيل وحزب الله، الذي يمنع القيام بأي هجوم ضد السكان المدنيين. وقال إنه إذا أردنا تسوية المسألة تماماً، فإنه من الضروري تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (425)، الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان، من دون شروط.

(3) الموقف الإسرائيلي

في إسرائيل، عقد شيمون بيريز جلسة مشاورات، مع كل من وزير الخارجية، باراك، ومدير عام وزارة الخارجية، أوري سافير، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل، مارتن إنديك Martin Indyk، لمناقشة تطورات الموقف، في ضوء الزيارة المنتظرة لوزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر، إلى المنطقة، ودراسة إمكانية بلورة اتفاق تفاهم جديد، لوضع حدّ للتصعيد في المنطقة الشمالية. وأشاد بيريز بدعم واشنطن ولندن لإسرائيل. وقال: "إن دولاً، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى إلى التوصل إلى حل. وإذا وجد حل مقبول، فسندرسه". ورأى بيريز أن العملية الإسرائيلية، بدأت تؤتي ثمارها، وأن تأثير صواريخ الكاتيوشا، أصبح محدوداً جداً.

ومن ناحية أخرى، نقلت إذاعة إسرائيل، عن أرييل شارون Ariel Sharon، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، أن عملية الجيش الإسرائيلي، ضد أهداف حزب الله في لبنان، قد أدّت إلى إمكانية توسيع المنطقة الأمنية، التي تحتلها إسرائيل، إلى معابر نهر الليطاني. واستطرد قائلاً إنه يجب أن يشمل قرار وقف إطلاق النار، ليس المناطق الشمالية فقط، بل المنطقة الأمنية بأسرها كذلك، ومنع وقوع أعمال ضد الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة، وعدم السماح بعودة المدنيين، الذين ساعدوا حزب الله.

(4) الموقف السوري

استمرت وسائل الإعلام السورية في إدانة الموقف الأمريكي، لتأييده الهجمات الإسرائيلية على أهداف في لبنان، قائلة إن هذا التأييد يشكل غطاءً لإسرائيل في عملياته العسكرية. وأكّدت أن العدوان الإسرائيلي على لبنان، جاء نتيجة لتفاهم أمريكي ـ إسرائيلي، وأن هذا الموقف موجّه ضد عملية السلام، وسيؤدي، في نهاية الأمر، إلى نسفها تماماً.

(5) الموقف اللبناني

أعلن فارس بويز، وزير الخارجية اللبناني، في مؤتمر صحفي، أن لبنان يدعم دعماً كاملاً "المبادرة الفرنسية"، للتوصل إلى وقف إطلاق النار الفوري، والمبني على اتفاق يوليه 1993. وأكد بويز أنه ليس في إمكان لبنان، أن يتحول إلى شرطة حدود لإسرائيل، وأن لبنان ليس على استعداد لقمع المقاومة ضد الاحتلال. وأكد بويز، أن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ليست مجرد إجراء عسكري، وإنما هي عملية مبرمجة، لتحسين وضع شيمون بيريز الانتخابي.


 



[1] اعترف رئيس الأركان الإسرائيلي آمنون شاحاك بأن 100 صاروخ كاتيوشا أطلقت من حزب الله وأن القسم الأكبر منها سقط في الحقول دون تأثير

[2] لبنان تتمشى هذه التصريحات مع ما أعلنته إسرائيل تماما على لسان مسؤوليها، وكأن البيان الأمريكي صادر من تل أبيب وليس من واشنطن