إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مذبحة قانا (1996)





قصف معسكر القوات الدولية في قانا

أوضاع مليشيات حزب الله
موقف القوات المختلفة
المخيمات الفلسطينية في لبنان



سابعاً: تطور الموقفين، العسكري والسياسي، في الفترة من 19 إلى 26 أبريل 1996

المبحث الخامس

مذبحة قانا، الموقف العسكري والسياسي

أولاً: تطور الموقفين، العسكري والسياسي، في الفترة من 19 إلى 26 أبريل 1996

1. أعمال قتال يوم 19 أبريل 1996

أ. الموقف الإسرائيلي

لم تكتفِ إسرائيل بما أحدثته من خسائر في قانا، بل استمرت في قصفها، الجوي والمدفعي (مما يدل على مخطط إسرائيلي متكامل، ينفذ ضد لبنان). وقد ارتفع عدد ضحايا مذبحة قانا إلى 147 شهيداً وأكثر من 120 جريحاً، في الوقت الذي واصلت فيه القوات الإسرائيلية، لليوم التاسع، على التوالي، عدوانها، الجوي والبحري، على الأراضي اللبنانية. وأسفرت الاعتداءات الإسرائيلية عن مقتل ثلاثة من مقاتلي حزب الله، في البقاع الغربي، إضافة إلى مصرع مدني واحد، في مخيم الرشيدية، بالقرب من مدينة صور. كما أغارت المقاتلات الإسرائيلية على مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، بالقرب من صيدا، ونجم عن الغارات تدمير منزل، وإصابة العشرات. كما قصفت قطع البحرية الإسرائيلية الطريق الساحلي، بين مدينتَي صور وصيدا.

وعلى الرغم من ادعاءات إسرائيل، أنها لم تكن تعلم بوجود لاجئين لبنانيين في مواقع القوة الدولية، إلاّ أن الجنرال شاحاك، رئيس الأركان الإسرائيلي، أثنى على رجال المدفعية الإسرائيلية، الذين ارتكبوا المذبحة. وأكد أنهم قاموا بواجبهم. كما حثهم على مواصلة القيام بعملهم. كما بادرت إسرائيل إلى تعزيز قواتها في الشريط الحدودي، بقوة كتيبة دبابات، تحسباً لعمليات انتقامية، رداً على مذبحة قانا.

ب. موقف قيادة القوات الدولية في جنوبي لبنان

وأصدرت قيادة القوات الدولية في جنوبي لبنان، بياناً، كذّبت فيه بيان الجيش الإسرائيلي، الذي زعم عدم المعرفة المسبقة بوجود لاجئين لبنانيين، كانوا يحتمون بملاجئ القوة الدولية، في بلدة قانا. وأكّد بيان القوات الدولية، أن إسرائيل كانت تعلم تماماً ما هي مُقْدمة عليه، بعد أن أعلنت القوات الدولية، منذ عدة أيام، تدفق اللاجئين اللبنانيين إلى مواقعها.

ج. ميليشيا حزب الله

في محاولة منها للرد، وعدم الاستسلام، وانتقاماً لمجزرة قانا، واصلت ميليشيا حزب الله قصف المواقع الإسرائيلية في الجنوب اللبناني، وكذا مستوطنات شمالي إسرائيل، إذ أطلقت ما يزيد على 120 صاروخاً.

د. موقف مجلس الأمن من الأزمة

رفض مجلس الأمن، في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة، 19 أبريل 1996، مشروع القرار، الذي تقدمت به مصر، القاضي بإدانة العدوان الإسرائيلي على لبنان، إذ لم يؤيده سوى مصر والصين وإندونيسيا وغينيا بيساو. وامتنعت باقي الدول عن التصويت، فيما يبدو أنه نتيجة جهود، قادَتْها واشنطن، لإحباط المشروع. وأصدر المجلس قراراً، تبنّت مشروعه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا وبولندا وبريطانيا وهندوراس، وصدر بإجماع الأصوات، "مطالباً جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، وتأييد الجهود الدبلوماسية، الجارية، حالياً، لتحقيق هذا الغرض. وأكد القرار التزام المجلس، من جديد، بالسلامة الإقليمية للبنان وسيادته واستقلاله السياسي، في نطاق حدوده المعترف بها دولياً، وبأمن جميع الدول في المنطقة. وطلب إلى جميع الأطراف المعنية، أن تحترم تلك المبادئ احتراماً تاماً. كما دعا مجلس الأمن جميع الأطراف المعنية، إلى احترام أمن المدنيين وسلامتهم، واحترام سلامة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وأمنها وحرية حركتها، وإلى السماح لها بالوفاء بولايتها دون أي عائق أو تدخل. وطلب المجلس من الدول تقديم مساعدات إنسانية، للتخفيف من معاناة السكان، وأن تساعد حكومة لبنان على إعادة التعمير. ودعا الأمين العام إلى أن يكفل قيام الأمم المتحدة ووكالاتها بدورها، في تلبية الحاجات الإنسانية للسكان المدنيين. كما طالب القرار الأمين العام، أن يوافي المجلس بما يستجد من تطورات".

هـ. الموقف الدولي من استمرار الأزمة

(1) الموقف الأمريكي

طالب الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، إسرائيل وحزب الله، بضرورة قبولهما وقف إطلاق النار، مؤكداً تفاؤله بتحقيق ذلك. وقال في تصريح له، في سان بطرسبرج Saint Petersburg، أثناء زيارته روسيا[1]: "إن جميع الأطراف، تبحث عن سبيل لوقف المعارك؛ وهو ما يدفعنا إلى التحرك". وقال إن من الصعب تجنّب وقوع ضحايا مدنيين في لبنان، لأن حزب الله، يطلق الكاتيوشا على شمالي إسرائيل، ضد مناطق مدنية.

وذكر تقرير لوكالة "رويتر"، أن الإدارة الأمريكية، ترى في الهجوم الإسرائيلي على لبنان، تعزيزاً، لموقف شيمون بيريز، قبل الانتخابات، التي ستُطْرح فيها سياسته السلمية على الناخبين للتصويت عليها. وأضاف التقرير أنه لا يمكن بيريز، الآن، أن يوقف الهجوم، من دون أن يظهر أمام الإسرائيليين بمظهر الذي خضع للضغوط الدولية. وقال التقرير إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، طلب من واشنطن أن تساعده على الخروج من هذا المأزق، بوقف إطلاق النار، وإدخال تعديلات على الاتفاقية، التي توسطت فيها، لإنهاء تفجُّر موقفِ، مماثل لما حدث خلال يوليه 1993.

وتقضي الخطة الأمريكية بوقف إطلاق النار، فوراً، لمدة 72 ساعة، على أن يتم، خلال هذه الفترة، وضع التفاصيل المتعلقة بالتسوية النهائية.

(2) الموقف الروسي

طغت أحداث لبنان على قمة الدول الصناعية السبع، التي عقدت في موسكو، في 20 أبريل 1996، وأطلق عليها قمة الأمان النووي. وطالب الرئيس الروسي، يلتسن، بالوقف الفوري للهجمات الإسرائيلية على لبنان، التي تقوّض عملية السلام في الشرق الأوسط. وكلف وزير خارجيته، بريماكوف، بالتوجه إلى المنطقة، من أجل دعم الجهود، التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

(3) الموقف الفرنسي

واصل وزير الخارجية الفرنسي، دي شاريت، جولته المكوكية في المنطقة. وأعرب عن ثقته بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، خلال الـ24 أو الـ 48 ساعة القادمة، مشيراً إلى أن هناك محادثات سرية ستؤدي إلى وقف إطلاق النار. وأشار إلى أن الحل في أيدي الحكومتين، الإسرائيلية واللبنانية، إضافة إلى سورية، وإيران، التي تملك تأثيراً كبيراً في حزب الله.

(4) وفد الترويكا الأوروبية

في إطار الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار، قام وفد الترويكا الأوروبية، برئاسة وزيرة الخارجية الإيطالية، سوزانا اتنيلي؛ إذ إن إيطاليا هي الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، بزيارة إلى دول المنطقة، إسرائيل ومصر وسورية ولبنان، من أجل دفع الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في لبنان.

و. الموقف العربي

(1) الموقف المصري

عقب صدور القرار، أكّد السفير نبيل العربي، رئيس وفد مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، وقوف مصر، حكومة وشعباً، إلى جانب لبنان في محنته. وأنها تساعده بكل الوسائل، وتسانده في جميع المحافل، سواء في مجلس الأمن، أو الجمعية العامة، دفاعاً عن حرمة أراضيه. وسيادته. وقال أن مشروع القرار، الذي قدمته المجموعة العربية، يعكس، بأمانة، جسامة وفداحة المأساة، التي يعانيها شعب لبنان، نتيجة العدوان الإسرائيلي[2]، كما احتوى على المبادئ الأساسية لإنهاء هذا العدوان.

ومن ناحية أخرى، زعمت مادلين أولبرايت، رئيسة الوفد الأمريكي، أن مشروع القرار العربي، لم يكن متوازناً، لأنه لم يشِر إلى حزب الله وعملياته ضد إسرائيل. وقالت إن قصر الإدانة على إسرائيل، كان يمكن أن يلحق نكسة بالجهود المبذولة لوقف القتال.

(2) الموقف اللبناني

أعلن رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، أن بيروت ودمشق تجريان اتصالات مع حزب الله، لإقناعه بالموافقة على وقف إطلاق النار، خلال خمسة أيام. وقال الحريري إن الفترة، التي اقترحها بيريز لوقف إطلاق النار، التي تراوح بين يومين وثلاثة أيام، غير كافية.

وتعليقا على المجزرة، قال الحريري: إنه من الصعب التصديق، أن الجيش الإسرائيلي، الذي يملك أسلحة متطورة، يمكن أن يكون قد أخطأ. وأعرب عن أمله أن يصوغ كريستوفر، ونظيره الفرنسي، هيرفيه دي شاريت، اقتراحاً مشتركاً لوقف إطلاق النار، وذلك أثناء وجودهما في المنطقة.

(3) الموقف السوري

أعرب وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، عن أمله، أن يكون في الإمكان التوصل إلى وقف إطلاق النار، في لبنان لإنهاء الوضع المأساوي فيه.

ز. الموقف السياسي الإسرائيلي، تجاه ردود الفعل، الدولية والإقليمية

أعلن شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي، موافقة حكومته على وقف إطلاق النار في لبنان، استجابة لطلب الرئيس الأمريكي، كلينتون، بشرط موافقة الأطراف الأخرى. وقال في تصريحات لإذاعة إسرائيل: "إن المجلس الوزاري المصغر للأمن، عَهِد إليه بالتفاوض في وقف إطلاق النار، بعد ضمان عدم إطلاق صواريخ الكاتيوشا على شمالي إسرائيل".

وذكرت جريدة "يديعوت أحرونوت"، في عددها الصادر صباح يوم 20 أبريل 1996، أن بيريز، اضطر إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، لسببين رئيسيين:

أولهما: فشل الحل العسكري في وقف سقوط الكاتيوشا على شمالي إسرائيل، التي ارتفع عددها، خلال يوم واحد، إلى ما يعادل ما سقط منها على إسرائيل في عام كامل.

ثانيهما: رد الفعل الدولي والإقليمي وإدانة إسرائيل بسبب قتل ما يزيد على 147 مدنياً وجندياً دولياً، في قرية قانا، جنوبي صور، في قصف مدفعي إسرائيلي، الأمر الذي أحرج الولايات المتحدة الأمريكية، الأشد تحمساً لإسرائيل.

وتحسباً لأي ردود فعل، داخل الأراضي المحتلة، أغلقت السلطات الإسرائيلية جميع مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدّتها مناطق "عسكرية" مغلقة. في الوقت عينه، لم يكن كل الأصوات، داخل إسرائيل، تؤيد ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في لبنان. ويدل على ذلك برقية لطيف دوري، سكرتير لجنة الحوار الإسرائيلية ـ الفلسطينية، التي أُرسلت إلى شيمون بيريز، يقول فيها: "إننا لا نجد الكلمات، التي تعبر عن غضبنا العميق، واستنكارنا الشديد لمجزرتَي قانا والنبطية". ويستطرد: "إن هذه الجريمة المنكرة، تمثل وصمة عار للجيش الإسرائيلي، ستلتصق به مدى الدهر".

2. أعمال قتال يوم 20 أبريل 1996، ومواقف الأطراف المختلفة

أ. الموقف العسكري ونشاط الجانبين، الإسرائيلي وحزب الله

(1) النشاط الإسرائيلي

لليوم العاشر، على التوالي، استمرت إسرائيل في ضرب لبنان، تحت هدف معلن، هو عقاب حزب الله، وهدف مستتر، هو تحطيم لبنان. فقـد أعلن الرئيس الحريري، أن إسرائيل، تضرب أهدافاً اقتصادية في لبنان، من بينها الطرق والمنازل ومحطات الكهرباء ووسائل الاتصال. وقال إن نصف بيروت، يعيش في ظلام كامل، بعد قصف محطتين للكهرباء، حتى إن البعض تساءل، هل يختبئ حزب الله داخل محطات الكهرباء!

كما كثفت إسرائيل اعتداءاتها، الجوية والبرية والبحرية، على 40 قرية ومدينة لبنانية، معظمها في المنطقة الواقعة شرق صور، مما رفع حصيلة الضحايا اللبنانيين إلى 156 قتيلاً و 304 جرحى. إذ نفذت الطائرات الإسرائيلية 48 غارة جوية على القرى اللبنانية، قدرت بنحو 200 طلعة طائرة. كما قصفت المدفعية الإسرائيلية القرى اللبنانية ومواقع حزب الله قصفاً مركزاً. وأطلقت، للمرة الأولى، قذائف صاروخية، من عيار 240مم، إضافة إلى قذائف المدفعية، من عيارَي 155مم و 175مم. أمّا البحرية الإسرائيلية، فقصفت مدخل صيدا الشمالي. وأعلنت مصادر الجيش اللبناني مصرع جنديين لبنانيين، وإصابة ثلاثة بجروح، اثنان منهم في حالة الخطر، إثر قصف الطيران الإسرائيلي منطقة جنوب صور، حيث طال بعض الشظايا منطقة تمركز الكتيبة النيبالية، في قوات الطوارئ الدولية، من دون إصابات.

(2) نشاط حزب الله

أمّا قوات حزب الله، فقد أطلقت 38 صاروخ كاتيوشا على شمالي إسرائيل، أدت إلى بعض الخسائر المادية المحدودة. كما أعلن حزب الله اسـتعداده لوقف إطلاق الصواريخ، شرط الحصول على ضمانات، لا تتعارض مع استمرار عمل المقاومة ضد قوات الاحتلال.

ب. الموقف السياسي الدولي

(1) الموقف الأمريكي

بدأ وزير الخارجية الأمريكية، كريستوفر، تحركه بين دول المنطقة، من أجل وضع اتفاق مكتوب في شأن وقف إطلاق النار. وصرح كريستوفر، عقب لقائه الرئيس السوري، حافظ الأسد، بأن الاجتماع تركز في الأهمية العظمى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإعادة تأكيد تفاهم يوليه 1993. أمّا الرئيس الأمريكي، بيـل كلينتون، فقال، خلال مؤتمر صحفي في موسكو: "إن الهدف الحقيقي لتنظيم حزب الله، هو قتل عملية السلام في الشرق الأوسط". وأضاف قائلاً: إن وقف إطلاق النار ضروري. ولا أريد أن أعرب، لا عن التفاؤل، ولا عن التشاؤم.

(2) الموقف الفرنسي

صرح الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، قائلاً: "إن الدول، التي تحضر قمة الأمان النووي، تقوم بتنسيق جهودها الدبلوماسية، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان. وإن الجهود المبذولة، حالياً، تسعى إلى التوصل إلى اتفاق، يكون "نسخة محسنة" للاتفاقية، التي سبق التوصل إليها، في هذا الصدد، بين حزب الله وإسرائيل، عام 1993؛ وهناك فرصة كبيرة لتحقيق ذلك".

كما التقى وزيرا الخارجية، الفرنسي والأمريكي، من أجل تنسيق المواقف، في إطار المشاورات للتوصل إلى حل للأزمة. كما التقى دي شاريت وزيرَ الخارجية الإيراني، علي أكـبر ولاياتي، طالباً من إيران الإسهام بشكل إيجابي، من أجل وقف إطلاق النار. وقال دي شاريت إن فرنسا قدمت اقتراحات من أجل تشكيل لجنة أمنية، تحُول دون تحوّل أي حادث، يقع في الجنوب اللبناني، إلى حريق وتصـعيد للعنف. وأكد أن إيران، ستبذل كل ما في وسعها، من أجل ضمان أمن السكان المدنيين. وقال إن دمشق، ترى أن المقترحات الفرنسية لإعادة الهدوء إلى جنوبي لبنان، يمكن أن تشكل أساساً للمناقشات التي تجري حالياً.

(3) موقف الاتحاد الأوروبي

بدأ وفد الاتحاد الأوروبي زيارته إلى كل من دمشق وبيروت والقاهرة وإسرائيل، من أجل الإسهام في تنسيق الجهود مع فرنسـا، لوقف القتال في أقرب وقت ممكن. ويأتي هذا التحرك من أجل دعم لبنان، والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في محنته.

ج. موقفا لبنان وحزب الله

(1) الموقف اللبناني

على صعيد المبادرات المطروحة، أعلن فارس بويز، وزير الخارجية اللبناني، أنه تسلم من السفير الفرنسي في بيروت، مشروعاً من السيد هيرفيه دي شاريت، يتضمن بلورة للورقة الفرنسية الأولى، التي عُدَّت أساساً للحل، بعد إجراء التعديلات عليها. وأن الحكومة اللبنانية، ستقوم بدراسة هذا المشروع.

وعلى الصعيد الشعبي، دعت المنظمات الأهلية، في لبنان، جميع اللبنانيين، إلى الاعتصام بساحة المتحف، في بيروت، تعبيراً عن تضامن جميع فئات الشعب اللبناني ضـد العدوان الإسرائيلي. وقالت إن الاعتصام، سيقام تحت شعار "عناقيد الوحدة".

(2) موقف حزب الله، والتنسيق مع كلٍّ من سورية وإيران

قال خليل قاسم، المسؤول الثاني في حزب الله، عقب اجتماعه مع وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، إن حزب الله، يرفض مشاركة واشنطن في آلية دولية، اقترحها الفرنسيون، لضمان وقف إطلاق النار في لبنان. وأكد ضرورة تشكيل لجنة، تشـارك فيها سورية وإيران، إلى جانب روسيا وفرنسا وإيطاليا. وأكّد قاسم، أنه اتفق مع الوزير الشرع على ضرورة ارتكـاز أي اتفاقية لوقف إطلاق النار، على اتفاق عام 1993، الشفوي. كما اتفقا على أن المقاومة اللبنانية، يجب أن تستمر.

وخلال الاجتماع، الذي عُقد بين حسن نصر الله، زعيم حزب الله، ووزير الخارجية الإيراني، ولاياتي، أكّد الوزير دعـم بلاده للمقاومة اللبنانية، لمواصلة حربها المقدسة، حتى ينتهي الاحتلال الإسرائيلي للبنان، مهما كانت التضحيات. كما أكّد ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب اللبناني، وإيجاد حل جذري، وفق قرار مجلس الأمن الرقم (425).

د. مؤتمر تضامن الشعوب الأفريقية ـ الآسيوية

عقدت منظمة تضامن الشعوب الأفريقية ـ الآسيوية، مؤتمراً طارئاً، في القاهرة، وأعلنت وقوفها إلى جانب الشعبين، اللبناني والفلسطيني، في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، واستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية. ودان المؤتمر الاعتداء الإسرائيلي على المدنيين اللبنانيين، وطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني.

3. تطور الموقف العسكري يوم 21 أبريل، واستمرار القتال

أ. الموقف الإسرائيلي

واصلت إسرائيل هجومها، الجوي والبحري والبري، على جنوبي لبنان لليوم الحادي عشر، على التوالي. في الوقت الذي بدأت فيه الأمم المتحدة التحقيق في المجزرة، التي نفذتها المدفعية الإسرائيلية، عندما قصفت مقراً تابعاً لقوات حفظ السلام، في قرية قانا. ووصل إلى لبنان فرانك فان كابن، المستشار العسكري لبطرس غالي، الأمين العـام للأمم المتحـدة، من أجل بدء التحقيق في المذبحة. وتوجّه المبعوث إلى مقر قوات فيجي، التابعة لقوات حفظ السلام الدولية، في قرية قانا. ثم توجّه إلى مقر قيادة قوات حفظ السلام، في الناقورة، داخل المنطقة المحتلة في جنوبي لبنان، وطلب مقابلة ضابط المدفعية الإسرائيلية، الذي ارتكب المجزرة.

ومن جهة أخرى، نفّذ الطيران الإسرائيلي أكثر من 20 غارة (نحو 80 طلعة طائرة) على إقليم التفاح، المعقل الرئيسي لحزب الله في جنوبي لبنان. وتزامن الهجوم الجوي مع قصف مدفعي مكثف، من جانب المدفعية الإسرائيلية، من عيار 175مم، على النبطية وصور. كما قصفت السفن الحربية الإسرائيلية المدخل الشمالي لمدينة صيدا، والقرى الواقعة شرقي المدينة. مما أدى إلى إصابة أربعة لبنانيين، أحدهم جندي في الجيش اللبناني، وبذلك، تصل الخسائر اللبنانية، في اليوم الحادي عشر للقتال، إلى عشرة أفراد، بينهم جنديان لبنانيان.

كما أصدر الجيش الإسرائيلي بياناً، أكّد فيه استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، على طول السواحل اللبنانية، لمنع توجّه مقاتلي حزب الله إلى الجنوب. وذكرت إذاعة إسرائيل، أن حزب الله أطلق 500 صاروخ كاتيوشا على الجلـيل وجنوبي لبنان المحتل، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، في 11 أبريل. ومن ناحية أخرى، وجّهت الجرائد الإسرائيلية، ووسائل الإعلام الأخرى في إسرائيل، انتقادات حادة إلى قيادات الجيش الإسرائيلي، بسبب فشلهم في منـع حزب الله من إطلاق الصواريخ، على الرغم من مرور 11 يوماً على عملية "عناقيد الغضب". وعلى سبيل المثال، قالت جريدة "هاآرتس"، في عددها الصادر في 11 أبريل، نقلاً عن مسؤولين عسكريين قولهم: "إن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أخطأت في تقييمها إمكانات حزب الله في إطلاق الصواريخ". وقالت الجريدة، إن الجيش الإسرائيلي، لم يتمكن بعد من تحديد المواقع، التي يختزن فيها حزب الله ذخيرته، ولا من ضرب خطوط إمداده. وقالت إن الشيء الوحيد، الذي نجحت فيه طائراتF-16، المزودة بقذائف، توجَّه بالليزر، من خلال 3000 طلعة، حتى الآن، وكذا المدفعية الثقيلة، التي أطلقت 15 ألف قذيفة، خلال أحد عشر يوماً، إضافة إلى مدافع البحرية ـ هو ضرب المدنيين اللبنانيين، الذين سقط منهم أكثر من 150 قتيلاً.

وردت المصادر العسكرية الإسرائيلية، دفاعاً عن هذه الاتهامات، بأن العملية العسكرية، أسفرت، حتى الآن، عن إصابة 50 شخصاً من عناصر حزب الله، وتدمير 5 قواذف كاتيوشا. أما أوري أور، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، فقال: "إن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، كانت على علم بأن حزب الله لديه صواريخ كثيرة. ولكنها لم تكن تعتقد أنه سيواصل إطلاق الصواريخ بهذه الوتيرة".

ب. الموقف اللبناني

وعلى الجانب اللبناني، أطلقت ميليشيا حزب الله 4 رشقات من صواريخ الكاتيوشا، على منطـقة الجليل في أقصى شمالي إسرائيل، أسفرت عن إصابات مادية فقط، ولم ينجم عنها أي إصابات بشرية.

4. أعمال قتال يوم 22 أبريل، وتطور الموقفَيْن، العسكري والسياسي

أ. الموقف العسكري لطرفَي الصراع

(1) الموقف الإسرائيلي

تصاعدت حدة الغارات الجوية، والقصف المدفعي الإسرائيلي، من القطع البحرية، والمدفعية، المنتشرة في الشريط الحدودي المحتل، ضد جميع قرى الجنوب اللبناني، وذلك في اليوم الثاني عشر للعدوان. كما قامت إسرائيل بتوسيع نطاق عدوانها، إذ قصفت المقاتلات الإسرائيلية، والزوارق البحرية، المرتفعات الواقعة جنوب العاصمة بيروت، والطريق الساحلي الرئيسي، الذي يربط بيروت بجنوبي لبنان. كما أطلقت قذائفها ضد المدخل الشمالي لمدينة صيدا، وعلى الطريق بين صيدا وصـور، وذلك للحيلولة دون وصول المواد الطبية والغذائية إلى السكان، الذين لم يغادروا القرى والمدن. ونفذ الطيران الإسرائيلي 9 طلعات طائرة على مشارف مدينة صور، ونحو20 طلعة طائرة على القرى والبلاد، المحاذية للمنطقة التي تحتلها إسرائيل. وقدّرت مصادر الأمم المتحدة عدد القذائف، التي سقطت على الجنوب اللبناني، خلال هذا اليوم، بنحو 1400 قذيفة مدفعية. وقد حال القصف الإسرائيلي دون وصول قافلة لبنانية، تضم 30 مركبة، كانت محملة بالإمدادات، إلى الجنوب.

ومن جهة أخرى، أعلن الجيش الإسرائيلي، أنه سيكثف عملياته العسكرية ضد قرى جنوبي لبنان، المحاذية للمنطقة التي يحتلها. وقال بيان الجيش، إن العمليات تستهدف عشر قرى، في منطقتَي صور والنبطية، على بعد 80 كيلومتراً جنوب بيروت. كما هدّد شيمون بيريز بضرب بيروت، بمختلف أنواع الأسلحة، إذا لم تتوقف هجمات المقاومة على شمالي إسرائيل.

(2) الموقف اللبناني

وذكرت الأنباء العسكرية، الواردة من بيروت، أن مقاتلي حركة "أمل"، تمكنوا من إسقاط طائرة عمودية إسرائيلية، من نوع "أباتشي" في جنوبي لبنان، اشتعلت فيها النيران بعد إصابتها بنيران الأسلحة المضـادة للطائرات. كما أطلق مقاتلو حزب الله 24 صاروخاً على شمالي إسرائيل، مما أسفر عن إصابة شخصين، وتعرض بعض المباني لأضرار مادية.

ب. الموقف على الساحتين، الدولية والإقليمية

(1) الموقف الأمريكي

استمر وارن كريستوفر، وزير الخارجية الأمريكي، في جولته المكوكية، فتوجّه إلى دمشق ثم إلى تل أبيب، من أجل مناقشة الرد السوري على اقتراح وقف إطلاق النار، وصرح نيكولاس بيرنز، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، بأن كريستوفر، قدّم إلى الأسد مقترحات وقف القتال، وتعليق الجانب الإسرائيلي عليها، وأشار إلى أن المفاوضات صعبة، وشاقة، لوجود العديد من الأفكار، التي يتم بحثها بين عدد من الأطراف. وأكّد أنه تم إحراز تقدُّم، خلال اليومين الماضيين، مما يزيد من فرص التوصل إلى اتفاق، في نهاية هذا الأسبوع.

(2) الموقف الإسرائيلي

صرح شيمون بيريز، في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، في جلسته الاستثنائية، في 22 أبريل 1996: "أن عملية "عناقيد الغضب"، ليست محددة بزمن، إلا أنها محددة في أهدافها، المتمثلة في إحداث هدوء طويل الأمد في شمالي إسرائيل". وأضاف بيريز قوله: "إنه إذا لم يعد الهدوء إلى الجانب الإسرائيلي، فلن ينعم به الجانب اللبناني".

أما إيهود باراك، وزير الخارجية الإسرائيلي، فصرح في حديث صحفي، أن الخيار الأفضل لإسرائيل، هو مواصلة العملية العسكرية، لوقف إطلاق صواريخ الكاتيوشا. وقال إنه يجب استمرار القصف، حتى يتم التوصل إلى اتفاق تفاهم لوقف إطلاق النار، على جانبي الحدود.

(3) الموقف اللبناني

أعلن لبنان الإضراب، حداداً على ضحايا قانا واحتجاجاً على استمرار العدوان الإسرائيلي دون توقف. وأغلقت المتاجر والمصارف والأنشـطة، الصناعية والتجارية، أبوابها، في اليوم الثاني عشر للعدوان الإسرائيلي على لبنان. كما أُغلق مطار بيروت، لمدة ساعة. وتجمعت عشرات السيارات في وسط بيروت، في قافلة للتوجه إلى قرية قانا، التي شهدت المجزرة الأخيرة. كما توقفت الإذاعات ومحطات التليفزيون، عن تقديم برامجها المعتادة. وفي معظم العواصم العربية، وإيران، أُعلن الحداد العام، تضامناً مع الشعب اللبناني في مِحنته.

(4) الموقف السوري

أكّدت الأنباء الواردة من دمشق، أن الخطة الأمريكية، سيتم تعديلها وفق مسارات التفاوض، لتضمن التزام لبنان وسورية بعدم شنّ حزب الله هجمات ضد عمال إسرائيل، مقابل التزام إسرائيل بعدم قصف لبنان انطلاقاً من أراضيها، أو من المنطقة، التي تحتلها في الجنوب اللبناني. 

(5) موقف الاتحاد الأوروبي

على هامش اجتماعات وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، في لوكسمبورج، قالت وزيرة الخارجية الإيطالية، سوزانا أتنيلّي، والتي تتولى بلادها رئاسة الاتحاد الأوروبي: "إن واشنطن تريد أن تعمل منفردة، للتوصل إلى حل الأزمة اللبنانية. وإن الأمريكيين، يفضلون أن يكون الأمر متعلقاً بهم فقط". كما أكّدت، أن واشنطن، "لن تنجح في إمكان التوصل إلى اتفاق بمفردها. وركّزت على أن الحل للأزمة يتمثل في التوصل إلى اتفاق دائم".


 



[1] مدينة سان بطرسبرج، هي إحدى المدن المهمة في روسيا، أنشأها بطرس الأكبر، والمعروفة باسم ليننجراد

[2] طلب مشروع القرار، مطالبة إسرائيل بوقف عدوانها واحترام سيادة لبنان واستقلاله وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 425

[3] تصريح للمتحدث باسم القوات الدولية تيمور جوكسيل لوسائل الإعلام، في 23 أبريل 1996، نقلته وكالات الأنباء والإذاعة اللبنانية.