إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مذبحة قانا (1996)





قصف معسكر القوات الدولية في قانا

أوضاع مليشيات حزب الله
موقف القوات المختلفة
المخيمات الفلسطينية في لبنان



الفصل الثالث

المبحث السادس

ردود فعل الأطراف المختلفة

جاء في بيان رسمي، صادر عن رئاسة الوزراء الإسرائيلية، في أوائل مايو 1996، أن عملية "عناقيد الغضب"، التي شنتها القوات الإسرائيلية على جنوبي لبنان، كلفت الاقتصاد الإسرائيلي حوالي 400 مليون دولار أمريكي، متمثلة في أيام عمل ضائعة وحركة سياحية متدنية.

كما جاء في البيان، أن الحكومة ستقوم بإعادة بناء أجزاء من المستوطنات الإسرائيلية، في شمالي إسرائيل، التي هدمتها صواريخ حزب الله، خلال العمليات العسكرية، التي وقعت في الفترة ما بين 11 و26 أبريل 1996. وقال أوري دورومي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية، إن نفقات الإعمار وإعادة بناء ما هدمته صواريخ الكاتيوشا، ستصل إلى 1.2 مليار شيكل Shekel  400 مليون دولار. وهو ما يفوق تقديرات الخسائر، التي كانت حكومة إسرائيل قد توقعتها، قبل بدء العمليات العسكرية، وكانت لا تتجاوز مائة مليون دولار. وخلال الاقتتال، غادر أكثر من 20 ألف مستوطن إسرائيلي منازلهم، في شمالي إسرائيل. وكان سدسهم، تقريباً، يقطن في مرمى صواريخ حزب الله.

من جهة أخرى، أعلنت وزارة السياحة الإسرائيلية، أن عمليات إلغاء الحجز في الفنادق خلال العمليات العسكرية، للقادمين من خارج إسرائيل، قدرت نسبتها بنحو 30%، من إجمالي الحجز الكلي. كما ألغى 15% من السـائحين، الذين كانوا يعتزمون القدوم إلى إسرائيل، عبر خطوط " العال El Al " حجزهم أيضاً. وهو ما أثر، سلباً، في السياحة، بوجه عام، داخل إسرائيل.

ومن ناحية أخرى، فقد قدّر الخبراء العسكريون النفقة العسكرية، لتشغيل آلة الحرب الإسرائيلية، خلال أيام العدوان الستة عشر، بحوالي 214 مليون شيكل (66 مليون دولار). كما قدّرت قيمة الذخائر المستهلكة بنحو 950 مليون شيكل (293 مليون دولار).

وفي أوائل مايو 1996، تظاهر مستوطنو مستعمرة كريات شمونة، الواقعة في شمالي إسرائيل، في مدينة القدس، مطالبين حكومة إسرائيل بسرعة دفع التعويضات المالية، التي قُدّرت لهم.

وقد قدرت الخسائر البشرية لعملية "عناقيد الغضب"، التي شنّتها إسرائيل، للقضاء على الهجمات الصاروخية لميليشيا حزب الله، على مستوطنات الشمال الإسرائيلي، بنحو 165 شخصاً، على الأقل، معظمهم من المدنيين. كما أدت إلى إصابة نحو 300 فرداً، من كلا الجانبين، معظمهم من اللبنانيين، وذلك طبقاً للتقديرات، اللبنانية والإسرائيلية، والبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة. كما غادر أكثر من 400 ألف لبناني ديارهم، في جنوبي لبنان، بحثاً عن ملاذ آمن من الهجمات الإسرائيلية.

ووسط هذا الكمّ الضخم من الخسائر، المادية والبشرية، ستبقى مجزرة قانا، راسخة في الأذهان. وسيبقى أثرها، المادي والمعنوي، راسخاً في أعماق المشاعر، العربية والإنسانية، الداعية إلى السلام ونبذ العدوان.

فبالنسبة إلى إسرائيل، فقد انعكست سلبيات هذه المذبحة على نفسية المواطن العربي، في إسرائيل، في وقت كان شيمون بيريز يسعى فيه إلى الحصول على تأييد عرب إسرائيل، في معركته الانتخابية. فقبل مذبحة قانا، كان بيريز يحظى بتأييد 90% من أصوات عرب إسرائيل؛ فكان يعدهم سنده الرئيسي، الذي لا شك فيه. ولكن هذه الثقة تزعزعت، بعد مذبحة قانا، التي هبطت بنسبة تأييد العرب الإسرائيليين لبيريز، إلى 50%. حتى الأحزاب العربية، التي أيّدت، وصوتت لمصلحة بيريز، وحشدت له التأييد، وجدت نفسها في موقف صعب، عقب تلك المذبحة. وانطلقت المظاهرات، الرافعة للأعلام السوداء، في جميع القرى والمدن العربية، في الجليل والناصرة.

كذلك، فإن مذبحة قانا، فتحت، من جديد، ملف الممارسات العدوانية العسكرية الإسرائيلية، التي تتنافى مع قواعد القانون الدولي والضمير الإنساني، والتي لم تميز بين هدف مدني أو عسكري، بل استهدفت الهدف المدني، أحياناً، قبل العسكري. وهو ما أكدته تقارير الأمم المتحدة، ونمّ به كلام القادة الإسرائيليين، الذين شاركوا في هذه العمليات، ولم يستطيعوا إخفاء ما قاموا به من جرم.

وكما لا ينسَ شعب مصر مذبحة مدرسة "بحر البقر"[1]، كذلك لن ينسى شعب لبنان مجزرة قانا؛ فكلتا المجزرتين، وقعتا في إطار انتقام متعمد، وليس خطأً فنياً، كما تدّعي إسرائيل.

لماذا اسم "عناقيد الغضب"؟

اختارت إسرائيل تسمية دينية، للعملية العسكرية، التي قامت بها في لبنان، بهدف القضاء على عناصر حزب الله. فمن سفر التثنية (الإصحاح 23: 32)[2]، استوحى المسؤولون الإسرائيليون اسم عمليتهم: "… أعنبهم عنب سمّ، ولهم عناقيد مرارة" ناهيك بأن عبارة "أعناب الغضب"، التي اشتهرت في العالم كله، بسبب رواية تحمل العنوان عينه، كتبها الروائي الشهير، جون شتايبنك. ويحكي فيها عن فترة الكساد العظيم، التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، في الثلاثينيات، وكيف أن الجفاف، الذي تعرضت له البلاد، والظروف الاقتصادية الصعبة، حوّلا الحلاوة والسعادة إلى مرارة وغضب. من هنا جاءت التسمية أنيقة، لتترك أصداء قوية في مسامع العالم الغربي. وقد تزداد هذه الأصداء قوة وتنوعاً، في نفوس الخاصة، من الذين يعلمون أن السطور التي تلي هذه العبارة، تقول: "إن يوم الكارثة قد دنا وقرب، بالنسبة إليهم (الأشرار)، وإن القدر غدا يهرع صوبهم".

كل هذا يأتي ضمن فنون الدعاية والإعلام، التي تبرع فيها إسرائيل. ولكن الحقيقة، أن هذه العملية، لا علاقة لها بالأديان، أو الآداب، أو سياسات الدول، أو حتى مكافحة الإرهاب. وإنما هي في الدرجة الأولى، عملية بربرية، تنمّ على الاستهتار بكل القِيم.

وعلى الرغم من بشاعة القصف واستمراريته، إلاّ أن إسرائيل لم تستطع أن تحقق شيئاً من أهداف هذا العدوان الوحشي، الذي زعمت أنه يستهدف ضرب قواعد ميليشيا حزب الله وتصفيتها. وإنما على العكس، وكما قال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان: "إن إسرائيل أسهمت في تقوية حزب الله، وزيادة حجم المؤيدين له. ثم إنها وجّهت رسالة واضحة إلى العالم العربي، تقول فيها إنها ليست مستعدة للسلام، وإن مشاركتها في المفاوضات، ثم قيامها بتجميد المشاركة، بين الحين والآخر، يكشف أنها تراهن على الوقت، لخلخلة الأوضاع العربية، ليس إلاّ".

ومن خلال نتائج هذا القتال، وطبقاً للآراء، التي خرجت من العواصم المختلفة، يمكن الوصول إلى الآتي:

1. إن إسرائيل، لم تكسب شيئاً، من سياسة العدوان. وإنها لم تحقق أوهام القدرة على الردع. ولم تنجح في أن توجع لبنان، أو أن ترهب سورية، أو أن تضغط على الفلسطينيين.

2. إن السلام الإسرائيلي، لن يتحقق باستمرار العدوان، واحتلال الأرض، حتى لو باركته الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض العواصم الأوروبية.

3. إن سياسة العدوان، مهما بلغت وحشيتها، ومهما حظيت بحماية واشنطن، لن تجعل المقاومة اللبنانية تستسلم أو تتوقف، ما دام الاحتلال الإسرائيلي باقياً في الجنوب اللبناني.

4. إن خطأ إسرائيل الفادح، أنها تجاهلت عجز الوسائل العسكرية، مهما بلغت قوتها، على مدى التاريخ، عن هزيمة أي حركة مقاومة، تستمد قوّتها من شرعية مقاومة الاحتلال. وإن إسرائيل، ما زالت تخطئ في الحساب، السياسي والإستراتيجي، عندما تتجاهل دروس الماضي.

5. إن كل الشواهد والأحداث، تؤكد أن إسرائيل، هي التي رغبت في هذا التصعيد، لأسباب داخلية، تتعلق بالانتخابات، ورغبة بيريز، وحزب العمل، في الفوز فيها، وأسباب تفاوضية، تتعلق بسياسة الضغط والابتزاز، التي هي جزء أساسي من أسلوب التفاوض الإسرائيلي. فضلاً عن أسباب أمريكية، رأتها إسرائيل مواتية لها، في صدى ضرورات معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية، وما تضمنه، دائماً، لإسرائيل، في هذا التوقيت، من تأييد بلا حدود.

وربما تدلل هذه الواقعة على صحة ما سبق، بالنسبة إلى الدوافع الانتخابية في إسرائيل، التي أفرزت هذا العدوان الوحشي. ففي مساء 11 أبريل 1996، وهو اليوم الأول للعدوان، عقد شيمون بيريز مؤتمراً صحفياً، لكي يشرح أهداف هذه الحرب الجديدة ضد لبنان. وحرص بيريز على أن يحضر معه كل من رئيس الأركان الإسرائيلي، وقائد سلاح الطيران، ورئيس الاستخبارات العسكرية.

وخلال المؤتمر، وجّه أحد الصحفيين سؤالاً إلى رئيس الاستخبارات العسكرية، قال فيه: إن رئيس الحكومة، شيمون بيريز، تحدث، قبل أسبوع، عن خطة، أعدتها دولة معادية (إيران) لإسقاط حكومة السلام. فهل أنت، كرئيس للاستخبارات، موافق على هذا الاستنتاج؟ وهنا، اتجه رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ببصره، نحو بيريز، الذي أعطاه الإشارة بالموافقة، فبادر إلى الإجابة: "إن المعلومات المتوافرة لدينا، من مصادر عديدة مؤكدة، تشير إلى أن إيران، قررت ضرب عملية السلام، من طريق إسقاط حكومة بيريز. وأنها قد تفعل ذلك، من طريق توفير الدعم السخي لحزب الله، وتشجيعه على إطلاق صواريخ الكاتيوشا على مستوطنات الجليل، فضلاً عن دفع حركتَي حماس والجهاد الإسلامي، إلى تنفيذ سلسلة عمليات انتحارية، داخل إسرائيل".

وعلى الرغم من أن حزب الليكود، كان قد اكتفى، في بداية العدوان على لبنان، بإعلان تأييده، والقول إنه صاحب فكرة الرد الحازم على فصائل حزب الله، وإن ما يفعله حزب العمل، الآن، ليس سوى تنفيذ لبرنامج حزب الليكود في هذا المجال. إلا أن الموقف تغير تماماً، في الأيام الأخيرة، بعد أن شعر تكتل الليكود بأن العدوان، قد رفع من رصيد حزب العمل في الشارع الإسرائيلي.

وفي أبلغ تعبير عن قلق حزب الليكود، من ردود فعل المؤتمر الصحفي لبيريز، الذي استعان فيه بجنرالات الجيش، الذين يقودون العدوان، هاجمت عضو الكنيست، ليمور لفنان، رئيسة فريق العمل الإعلامي للجنة الليكود الانتخابية، بيريز هجوماً ضارياً. واتهمته، صراحة، بأنه سخّر الجيش لأهداف سياسية حزبية، وأنه كان يتحتم عليه، أن يمنع رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، من الحديث في ذاك المؤتمر الصحفي، الذي خُصص للدعاية لحزب العمل، وليس لشرح أهداف حملة "عناقيد الغضب".

أولاً: إسرائيل وأهداف العدوان

1. لماذا كانت "عناقيد الغضب"؟

رداً على قصف إسرائيل الجنوب اللبناني، وتعدد الخسائر في الأرواح، أطلق حزب الله عدداً محدوداً من صواريخ الكاتيوشا، سقطت في قلب مستوطنة كريات شمونة، وأصابت تسعة أشخاص بجراح إلى جانب إصابة سيارة، كانت تقودها سيدة إسرائيلية، أصيبت بحالة من الذعر، وتم نقلها إلى المستشفى.

وهنا يأتي التساؤل، هل قصف بعض صواريخ الكاتيوشا الفردية[3]، يتساوى مع حشد إسرائيل هذه القوات والأسلحة، من أجل الاعتداء على لبنان، مدناً وشعباً ومرافق؟ والإجابة لا بد أن تكون بالنفي طبعاً. إذاً، ما الدوافع الكامنة وراء هذه الحملة الكبرى؟

قد يكون أحد الدوافع هو الهجمات الانتحارية، التي وقعت، خلال شهرَي فبراير ومارس 1996، داخل إسرائيل، وأودت بتسعة وخمسين إسرائيلياً، في غضون تسعة أيام، وهو ما دفع قوات الأمن الإسرائيلية إلى مطاردة أعضاء منظمة حماس، في جميع مدن الضفة الغربية وغزة، وأمكنها القبض على عدد كبير من أفراد هذه المنظمة. وكان يمكن الاكتفاء بهذه الإجراءات، إضافة إلى إخماد مصادر النيران، التابعة لحزب الله. ولكن الذي حدث، أن سكان إسرائيل، بكافة طوائفهم، بدأوا يشعرون بالخوف والخطر، بعد حوادث الانفجار، في قلب القدس وتل أبيب وعسقلان؛ إذ طالما كان الخطر بعيداً، في ما وراء إسرائيل. ولكن عندما وصل الخطر، مهما كان حجمه ومصدره، إلى قلب الشارع الإسرائيلي، كان رد الفعل هو الذعر الزائد عن حدّه، وازدياد الضغط الشعبي على الحكومة، من أجل إيجاد حل لهذه الظاهرة.

وكان يمكِن أن تكتفي الحكومة الإسرائيلية بالإجراءات، التي قامت بها كرد فعل، من دون حاجة إلى استخدام الترسانة الضخمة من الأسلحة، وانتهاك سيادة لبنان.

ولكن تصادف، في هذا الوقت، أن الانتخابات الإسرائيلية توشك أن تجري، بعد عدة أسابيع. فاستغلت المعارضة الإسرائيلية مخاوف المواطن الإسرائيلي، وبدأت تشكك في سياسة السلام وإنجازاته، التي يفتخر بها حزب العمل الحاكم. وبدأ بنيامين نتانياهو يتحدث عن ضرورة تنفيذ الإجراءات العسكرية، التي تكفل الأمن للشعب الإسرائيلي.

كان يمكن لحزب العمل، أن يجد ثغرة واضحة، في اتجاهات الليكود، وكل المتشددين في إسرائيل، بأن يقول لهم إن هذا العنف هو الثمن الذي تدفعه إسرائيل، لعدم تحقيق السلام الشامل مع الأطراف الأخرى. وإننا  ـ أي حزب العمل ـ قطعنا شوطاً كبيراً، وعلينا تكملة المسيرة حتى النهاية، تجنباً لأي عنف في المستقبل. ولكن بدلاً من أن يقول ذلك، تبنى الإجراءات الصارمة، التي وعد بها الليكود والمعارضة، كما لو كان يريد أن يقول، إننا يمكن أن نقوم بما يعدون هم بالقيام به، إذا ما تولوا السلطة. ومن ثم، جاء الرد الإسرائيلي على صواريخ الكاتيوشا، مبالغاً فيه مبالغة صارخة، أدّت إلى فشل حزب العمل وشيمون بيريز، في الانتخابات.

وقد يكون السبب وراء هذه العملية، هو الرغبة الإسرائيلية في استعراض القوة العسكرية، لترهيب الجانب السوري، والضغط عليه، من أجل إيقاف نشاط حزب الله. ولكن الخطأ العسكري، الذي ارتكبته القيادة العسكرية الإسرائيلية، في تنفيذ هذا الهدف، والذي أدى إلى مذبحة قانا، وقصف مواقع الأمم المتحدة، قلّل، إلى حدّ ما، من النتائج العسكرية التي خططتها إسرائيل.

وقد يكون السبب، كما قال يوسي بيلين، مستشار بيريز: "إن الهدف هو حزب الله. ولكن الوسيلة إلى تحقيق ذلك، هو الضغط على حكومة لبنان".

وفي ذلك، جسّد بيلين آلام حوالي مليون مواطن من سكان القرى اللبنانية، وآلام ألوف آخرين، بين هذه القرى والعاصمة بيروت، جسّدها واختزلها في عبارة: "الضغط على حكومة لبنان". ومن ثمّ، فإن تشريد الألوف، وإحداث المجازر، وقصف عربات الإسعاف، وقتل الأطفال، هي في منطق إسرائيل، نوع من الضغط، لمنع إزعاج سكان بعض المستوطنات في شمالي إسرائيل!

2. أبعاد عملية عناقيد الغضب

صحيح أن شيمون بيريز، واجه انتخابات صعبة، في مواجهة منافس قوي، هو حزب الليكود. وصحيح أن عمليات التفجير في المدن الإسرائيلية، أحدثت هزة عنيفة في حزب العمل. إلاّ أن "عناقيد الغضب"، كان لها أبعاد خفية. أحدها هو اقتناع الناخبين بقدرة حزب العمل على الاستخدام اللامحدود للآلة العسكرية الإسرائيلية، وأنه ـ أي شيمون بيريز ـ ليس أقلّ من سابقيه إراقة للدماء العربية، لضمان الحصول على ثقة الناخب الإسرائيلي. ناهيك بأبعادها تجاه الأطراف المختلفة، المهتمة بعملية السلام. وتتلخص في الآتي:

أ. بالنسبة إلى لبنان

إظهار ضعف الوجود العسكري السوري، الذي تعترف إسرائيل بسيطرته على لبنان، وبعدم قدرته على الدفاع عنه. وأن السلطات اللبنانية، لا حول لها، ولا قوة، ما دامت تسير في ركاب سورية، لأن القوة العسكرية الإسرائيلية قادرة على أن تفعل ما تريد. ولذلك، يجب على لبنان أن يوقّع، رسمياً، اتفاق سلام مع إسرائيل، أو على الأقل، يقدم ضمانات مكتوبة، تحمل في مضمونها مثل هذا الاتفاق. وبذلك، ينفصل لبنان عن سورية.

ب. بالنسبة إلى سورية

توجيه رسالة واضحة إلى دمشق والمفاوض السوري، بأن عليهما ألاّ ينسيا الدور العسكري الإسرائيلي وقدراته وتأثيره. وأن على سورية أن تفاوض، في ما يعنيها فقط، من دون لبنان، لأن إسرائيل قادرة على حسم الموقف في هذا البلد، متى تشاء.

ج. بالنسبة إلى باقي الدول العربية

انشغال الدول العربية بما يحدث في لبنان، وانصرافها إلى مساعي الحل وإيقاف إطلاق النار. ومن ثم، تنسى حصار الفلسطينيين، وتنصرف عن الاهتمام بالتعاون العسكري والتدريب المشترك، بين إسرائيل وتركيا[4]، وعمّا يتم تدبيره ضد كل من سورية والعراق.

د. بالنسبة إلى الفلسطينيين

إرسال رسالة واضحة إلى الفلسطينيين، بأن ما حدث في لبنان، يمكن أن يحدث في الضفة الغربية وغزة. وأن اتفاقات السلام، لن تمنع القوة العسكرية الإسرائيلية من تحقيق الأمن المطلوب، التام، والشامل، لإسرائيل. ومن ثم، فإن على السلطة الفلسطينية تنفيذ الأوامر الإسرائيلية، فوراً، ومن دون شروط.

هـ. بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية

تأكيد أن أمن إسرائيل مهدد، ولن يحميه سوى التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودعم الدولة العبرية بما تحتويه المخازن الأمريكية، من أحدث التكنولوجيا والأسلحة. وتأكيد أن إسرائيل قوة مهيمنة في المنطقة، ومسؤولة عن تحقيق الاستقرار فيها، وأن على واشنطن أن تعتمد عليها في تنظيم أي ترتيبات أمنية في المنطقة.

و. بالنسبة إلى إيران

توجيه رسالة واضحة إلى إيران بأنها قد تتعرض لضربة جوية، إذا حاولت، أو استمرت في محاولاتها امتلاك قدرات، نووية وصاروخية، تهدد بها إسرائيل، ولا سيما بعد أن أتاح التعاون العسكري الإسرائيلي ـ التركي، للدولة العبرية، عمقاً إقليمياً جديداً، لاستخدام قواتها الجوية.

3. الأهداف الإسرائيلية "غير المعلنة"، من عملية عناقيد الغضب

أثبتت الأحداث أن هذا العدوان، لم يكن لتأديب أو ترهيب ميليشيا المقاومة اللبنانية، التابعة لحزب الله فقط، كما ورد في المبررات الإسرائيلية. وإنما كان واضحاً أن لإسرائيل عدة أهداف أخرى، لم تعلنها. وهي:

أ. كسر وتعطيل إرادة التعمير والبناء لدى الشعب اللبناني، ومحاولة إشعال حرب أهلية جديدة، بتقسيم الشعب اللبناني، إلى مؤيدين لنشاط المقاومة ومعارضين له.

ب. إحراز نجاح أمني وعسكري، يعيد الثقة بآلتها الحربية وأجهزتها الأمنية، التي كانت قد اهتزت، بعد سلسلة العمليات الانتحارية، في قلب المدن الإسرائيلية، بوساطة حركة حماس الفلسطينية.

ج. إضعاف لبنان وفاعلياته، كورقة تفاوضية، في المراحل الحاسمة من المفاوضات، التي يمكِن أن تلي مرحلة وقف إطلاق النار.

د. تحقيق الهدف الإسرائيلي ـ الأمريكي المشترك، في تعزيز فرص النجاح أمام شيمون بيريز، الذي راهنت الإدارة الأمريكية على نجاحه، على أساس أنه أكثر الساسة الإسرائيليين تفهماً لأهداف السياسة الأمريكية ومخططاتها في المنطقة.

هـ. ضرب بعض مشروعات البنية الأساسية اللبنانية، وعلى رأسها محطات الكهرباء، إذ إن أحد أهداف العدوان الإسرائيلي، هو إيقاف عملية بناء ما خربته الحرب الأهلية، والاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.

و. سعي إسرائيل إلى القضاء على دور لبنان الاقتصادي، لعلمها أن منافسته لن تكون سهلة. وأن المهارات اللبنانية، لن تنهزم أمام الذكاء اليهودي وأن مصارف بيروت وبيوتها المالية، هي الوعاء المفضل، الذي تصب فيه فوائض المال العربي، وواشنطن لا تريد للمال العربي مقراً ولا مستقراً، سوى في مصارفها.

وإسرائيل تريد أن تنهزم هذه القلعة اللبنانية، الجاذبة للمال والسياح، والمسيطرة على التجارة، بتخويف أصحاب رؤوس الأموال، ومنعهم من الاقتراب من بيروت. ولهذا، تلجأ إلى سلاحها الأخير، وهو محاولة حرق الأرض اللبنانية، ودك البنية الأساسية، وإظهار لبنان بلداً غير آمن، إذ إن توافر الأمن شرط ضروري، حتى يمكن لبنان استعادة دوره.

4. هل استطاعت إسرائيل، أن تحقق أهدافها من العدوان؟

لم يتحقق الهدف، كما خططت له إسرائيل، وذلك لعدة أسباب:

أ. إن الضربة العسكرية نفسها، لم تؤثر في البنية العسكرية للمقاومة اللبنانية، بدليل أن سقوط صواريخ الكاتيوشا على مستعمرات إسرائيل الشمالية، لم يتوقف، إلاّ مع توقف إطلاق النار.

ب. إن البيئة الحاضنة للمقاومة اللبنانية، سواء على المستوى الشعبي، أو على مستوى الدولة اللبنانية نفسها، لم تصل، على الرغم من كل الضربات التي نالتها، والنزف الذي فرض عليها، إلى موقف، ترى منه تعارضاً متصاعداً بين مصالحها الأساسية وبقاء هذه المقاومة، بعدّتها ورجالها.

ج. إن هذه الغزوة العسكرية، استوفت شروطاً أساسية، لم تتح لغيرها من قبْل، على المستويين الدولي والإقليمي.

فعلى المستوى الدولي: نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، أن تعزل الغزوة العسكرية عن أي تأثير أو رد فعل دولي، من خلال استخدام وسائل الضغط في مجلس الأمن، أو التهديد باستخدام حق النقض (الفيتو)، لو اضطرت إلى ذلك، من أجل إجهاض أي قرار يدين إسرائيل، أو يؤدي إلى إحباط أهدافها.

وعلى المستوى الإقليمي: فقد أدت الأوضاع، الإقليمية والعربية، السائدة في ذلك الوقت، إلى عدم القدرة على التأثير الفعال، أو إيجاد عامل ردع ضد إسرائيل. فالجانب العربي، على سبيل المثال، لم يستطع استخدام الآليات، التي يمكن أن يؤثر بها في كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى هذا، نجحت هذه الغزوة، في ضوء الظروف السابقة، وإلى حدّ ما، في تحقيق أهدافها، سواء كانت أهدافاً سياسية أم عسكرية.

د. إن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه، قد أكد وجود المقاومة داخل المعادلة اللبنانية، بدليل أنها كانت طرفاً أصيلاً في جميع مراحل الاتفاق، ولها حق القبول والرفض. وبدليل أن الاتفاق، لم يمنع عمل المقاومة العسكري، ضد الشريط الحدودي، الذي تحتله إسرائيل في جنوبي لبنان، والذي تصل مساحته إلى نحو (700 ـ 800 كم2).

بيد أن ثمة آراء أخرى، ترى أن لإسرائيل مكاسبها من هذا الاتفاق، لعدة أسباب:

أ. إن القبول بوقف إطلاق النار، بالنسبة إلى لبنان والمقاومة اللبنانية، هو إذعان سياسي للاتفاق، إذ قضى بوقف العمل العسكري ضد المستعمرات الإسرائيلية الشمالية.

ب. إن الاتفاق، لم ينص على انسحاب إسرائيل من الأرض، التي تحتلها. ولم يُشِر إلى القرار الرقم (425)، القاضي بالانسحاب.

ج. إن الاتفاق، لم يتضمن أي إشارة إلى أن إسرائيل، ستدفع أيّاً من التعويضات، خاصة عن الأضرار، التي لحقت بالبنية الأساسية اللبنانية.

د. إن إسرائيل، استثمرت هذا العدوان في الحصول على مكاسب أمريكية كبيرة، من خلال تطوير اتفاق التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأمريكي، الموقع في نوفمبر 1981، يضمن لها تحقيق التفوق العسكري الدائم على العرب[5].

ثانياً: مواقف وأدوار الأطراف المختلفة

1. موقف الولايات المتحدة الأمريكية ودورها

ثمة من يرى، أن إسرائيل استطاعت أن تستثمر نتائج قمة "صانعي السلام" التي عُقدت في شرم الشيخ، في 13 مارس 1996، في مصلحتها. إذ عمدت إلى تغيير الحقائق، وحولتها من هدف ترسيخ السلام، وحفظ الأمن المتكافئ لكل الأطراف[6]، إلى رخصة لممارسة القوة، وفرض الأمر الواقع، وإطلاق زمام العدوان. واستغلت إسرائيل الدعم الأمريكي لها وزيارة الرئيس الأمريكي إليها، في 14 مارس 1996، بعد القمة مباشرة، من أجل الانطلاق نحو العدوان.

ومن الواضح، أن كل الأزمات التي حدثت أو تحدث في منطقة الشرق الأوسط، وتكون إسرائيل طرفاً فيها، تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية، بكل ثقلها، لتكون المدافع عن إسرائيل والمدعم لها، انطلاقاً من اتفاق التعاون الإستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي، الموقع بين البلدين، في 30 نوفمبر 1981، والذي تم تطويره في عام 1988، في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان Ronald Reagan .ثم جاء التطور الأكبر لهذا الاتفاق، في عهد الرئيس كلينتون، من خلال توقيع اتفاق تعاون إستراتيجي أمريكي ـ إسرائيلي جديد، في واشنطن، في 28 أبريل 1996، أي بُعيد توقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. والذي يُعَدّ من أهم الاتفاقات، العسكرية والإستراتيجية، بين الطرفين.

وخلال مراحل الأزمة الإسرائيلية ـ اللبنانية (أبريل 1996)، استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، أن تستخدم كل إمكاناتها، من أجل دعم إسرائيل والوقوف إلى جانبها، وإحباط أي قرار من مجلس الأمن يدين عدوان إسرائيل.

وتقول "نيويورك تايمز New York Times " ، في هذا الصدد: "مهما كانت الترتيبات، التي اتخذت لوقف القتال في جنوبي لبنان، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية، حققت فشلاً دبلوماسياً. كما أن الشواهد كلها، تؤكد أن عدوان إسرائيل على لبنان، كان وراءه ضوء أخضر أمريكي، يدعم موقفها داخل مجلس الأمن، ويرفض إدانتها؛ فالاعتراض (الفيتو) الأمريكي هو دائما صوت إسرائيل. ولم يكن هذا الموقف الأمريكي، هو الأول في تاريخ الصراع العـربي ـ الإسرائيلي. إذ سبق لواشنطن، أن اتخذته، عام 1982، حينما اجتاحت إسرائيل لبنان، بموافقة من حكومة الرئيس الأسبق ريجان. وفي كلتا المرتين، كان الجاني هو إسرائيل، والمجني عليه هما الشعبين، الفلسطيني واللبناني.

ولعل بنود المبادرة الأمريكية لوقف إطلاق النار في لبنان، قبل تعديلها واندماجها في المبادرة الفرنسية، دليل واضح على النيات الأمريكية ـ الإسرائيلية المشتركة، إذ إن البنود الستة للمبادرة، كانت تفرض شروطاً مستحيلة على لبنان وسورية، مقابل لا شيء من جانب إسرائيل، سوى أنها تضمن فقط وقف اعتداءاتها على لبنان. فكان واضحاً أن هذه المبادرة، تستهدف مطالبة اللبنانيين بقبول استمرار احتلال إسرائيل لجزء من الأراضي اللبنانية، في مقابل ألاّ يتعرضوا للعقاب والعدوان الإسرائيليين. بل إنه بعد وقف إطلاق النار، نوّه شيمون بيريز بتوقيع اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، لتطوير قدرات إسرائيل الهجومية.

2. الموقف الإسرائيلي

لقد وظفت الحكومة الإسرائيلية الموقفين، الدولي والإقليمي، المؤيدَين لها، بعد أحداث انفجارات فبراير ومارس 1996، وبعد قمة شرم الشيخ، في 13 مارس 1996، من أجل الحصول على مكاسب سياسية، تدعم بها حزب العمل، خلال خوضه للمعركة الانتخابية القادمة (مايو 1996). فالدعم السياسي الدولي، خاصة من الجانب الأمريكي، عَدّته حكومة حزب العمل دافعاً لها إلى خوض انتخابات ناجحة.

ولكن، كان هناك الاتجاه الآخر، وهو الاتجاه العسكري، والذي كان لا بدّ أن تخوضه بنجاح، ليكتمل بذلك عنصري النجاح. وكان الضغط، من الشعب الإسرائيلي وتكتل الليكود، دافعاً لها إلى إثبات قدراتها على استخدام العامل العسكري ضد العرب. ولم يكن أمامها سوى الجبهة اللبنان¬ة المشتعلة، التي يمكن أن تحقق، من خلالها، هذا الهدف، بل تضمن نجاحه، بمساندة سياسية أمريكية. ومن ثم، تحركت من أجل تنفيذ أهدافها، عسكرياً، بتصعيد القتال في جنوبي لبنان.

والواقع أن إسرائيل، حينما حركت آلتها العسكرية لتنفيذ هذا الهدف، فإنها، وطبقاً لِما عبّرت عنه "النيويورك تايمز"، قد تخلت، كلية، عن أهدافها، التي انتخبها الشعب الإسرائيلي على أساسها، في يونيه 1992، والتي تتمثل في إنجاح مسارات عملية السلام، وتطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام، الذي وافقت عليه في مؤتمر مدريد، أكتوبر 1991. وبذلك تكون العجلة الإسرائيلية قد عادت إلى مفاهيمها السابقة، الداعية إلى العدوان والتمسك بالأرض.

3. موقف فرنسا ودورها

الدور الذي اضطلعت به فرنسا، في التوصل إلى الاتفاق المكتوب لوقف إطلاق النار، بين إسرائيل ولبنان، قام به دي شاريت، وزير الخارجية الفرنسي، في هدوء وإصرار، الذي استطاع، بحنكة شديدة، إعادة الأمور إلى نصابها، ومنع التعصب الأمريكي لإسرائيل من استمرار سفك الدماء، من ناحية، ومن فرض اتفاق ظالم، يُضيع حق اللبنانيين في المقاومة والدفاع عن أنفسهم، من ناحية أخرى.

ويزيد من أهمية هذا الدور، أن فرنسا قامت به منفردة، من دون دعم أوروبي حقيقي. فقد وقفت دول الاتحاد الأوروبي موقفاً غير واضح من العدوان، بل إن بعضها بادرت إلى إصدار تصريحات تأييد أعمى لإسرائيل، مثل بريطانيا. ولم تخفِ واشنطن ضيقها بالجهود التي بذلتها باريس، فشنّت الصحف الأمريكية حملة انتقادات على فرنسا وروسيا وإيران، لأنها أقحمت نفسها في ما لا شأن لها به، كما قالت "واشنطن بوست Washington Post  " .

ويتضح هذا الدور من خلال قيام فرنسا بتقديم مبادرة، تختلف عن المقترحات، التي جاء بها وارن كريستوفر، وزير الخارجية الأمريكي. وكان لوساطة فرنسا بمقترحات، بدت أكثر إنصافاً وتوازناً، وبقاء وزير خارجيتها في المنطقة، على مقربة من سير المفاوضات، حتى نهايتها، كان لهما أثر كبير في الأخذ بمعظم بنود المبادرة الفرنسية.

واضطرت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، في ضوء الضغط العالمي، بعد مذبحة قانا، إلى قبول معظم المقترحات، التي سبق أن عرضتها فرنسا على جميع الأطراف، ورفضها بيريز، بصلف، قائلاً: "إنه لن يقبل غير الوساطة الأمريكية. بل إن الدبلوماسية الفرنسية، استطاعت أن توظف الدور الإيراني، بذكاء شديد، واستفادت من ظهور وزير خارجية إيران على مسرح الأحداث، في دمشق، مشاركاً في الاتصالات والوساطات والمقترحات. ولا ريب أن الدور الإيراني كان أكثر إيجابية وتأثيراً من أدوار عربية كثيرة، وقفت موقف المشاهد من عربدة إسرائيل، في المنطقة، من دون رادع.

ومن الواضح، أن سياسة فرنسا، في عهد شيراك، قد اجتازت أول امتحان لها، باتخاذ موقف قوي، ومنصف، إزاء هذه الأزمة، وهو ما يؤكد أهمية علاقات العرب بفرنسا وأوروبا.

4. الموقف الإيراني

لا بد من الاعتراف بأن أهداف إيران، قد نجحت، مرحلياً. وكان ظهور وزير خارجية إيران، في دمشق وبيروت، إعلاناً لهذا النجاح. بل إن وزير الخارجية الفرنسي، رأى أن اجتماعه مع وزير خارجية إيران، كان مهماً من أجل دعم سعيه إلى ضمان عدم قيام حزب الله بقصف مستوطنات إسرائيل الشمالية. وهكذا بدأ يبرز على الساحة الدور الإيراني، من خلف قوة ميليشيا حزب الله، والتي اعترف العالم أجمع بأنها بدأت تأخذ دورها على الساحة اللبنانية، في المواجهة العسكرية ضد إسرائيل.

وبمعنى آخر، أصبح لإيران دور رئيسي في تحريك العمل العسكري ضد إسرائيل، من خلال تصعيد هذا العمل على الساحة اللبنانية، ضد القوات الإسرائيلية المحتلة.

5. الموقف العربي

كان الموقف العربي ضعيفاً، خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان. وقد نمّ على ذلك:

أ. تنادى العرب إلى عقد اجتماع لوزراء الخارجية، في مقر الجامعة العربية، فجاء نصفهم وغاب النصف الآخر. ومن جاءوا، تناقشوا، فاختلفوا، فأصدروا بياناً، يشجب ويدين، لا أكثر.

ب. دعا الدكتور عصمت عبدالمجيد، الأمين العام للجامعة العربية، إلى سرعة عقد قمة عربية، ولو مصغرة، لمواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان. فذهبت دعوته أدراج الرياح؛ لأن أحداً لا يهتم، أو لأن البعض مشغول بأمور، تصرفه عن الأزمة اللبنانية.

ج. تسابقت الإذاعات العربية إلى بث بيانات الشجب والإدانة.

د. بينما كانت الغارات الإسرائيلية تدمر لبنان، كان المجلس الوطني الفلسطيني، يجتمع في غزة، ليقرر تعديل الميثاق الوطني، بأغلبية 504 أصوات ضد معارضة 54 صوتاً فقط، لإسقاط المواد التي تريد إسرائيل إلغاءها. وهو القرار الذي وصفه بيريز بأنه "أخطر تحول إيديولوجي في القرن العشرين".

6. الموقف المصري

رفضت مصر العدوان الإسرائيلي على لبنان. وأكدت أن فيه خطراً على السلام في المنطقة، وأن الحرب لا طائل فيها، وأنها قتل للأرواح، وتخريب للممتلكات، وتأخير لفرص التقدم، ليس إلا.

وقالت مصر، في بيان صادر عن الخارجية المصرية: "من المؤسف، أن عقلية القتل والدمار والتخريب، لا تزال قائمة على الجانب الإسرائيلي. وهي عقلية لا ترى أن هناك ما هو أثمن من الاحتلال، وإنزال الدمار بالبشر وممتلكاتهم". وأضاف البيان: "أن العالم، أصبح ينادي بالسلام، ويؤكد المبادئ الضرورية لقيامه. ولكن يبدو أن إسرائيل لا تسمع، ولا ترى، ولا تدرك أهم هذه المبادئ، التي يقوم عليها السلام، وهو إنهاء الاحتلال، لإعطاء الآخرين فرصة للتفكير في العيش معها، في سلام وتعاون".

وخلال زيارة وفد من مجلس الشعب المصري إلى لبنان، عبّر، رئيس المجلس، عن مساندة مصر للشعب اللبناني على تحرير أرضه. كما أكد أن هذا الاعتداء، لم يكن على لبنان وشعبه فقط، وإنما على الأمم المتحدة بمبادئها. ولكن ما ارتكبته إسرائيل من تدمير لن يؤثر في عزم اللبنانيين. واستطرد قائلاً: "إن راية السلام، لا بدّ أن ترتفع بالسلام، لا بالقتل والتدمير، وإن الذين يريدون السلام، يجب ألاّ يعتدوا على الشعوب المسالمة".

وفي اجتماعات الدورة الثانية والخمسين للجنة حقوق الإنسان، التي عقدت في مركز الأمم المتحدة، في جنيف، في 19 أبريل 1996، حذرت مصر، في بيانها، من خطر التمادي في العدوان الوحشي على لبنان، بما يهدد بتقويض عملية السلام برمّتها، في منطقة الشرق الأوسط. وأكدت مصر ضرورة الوقف الفوري للهجمات البربرية الإسرائيلية على لبنان، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 425.


 



[1] في 8 أبريل 1970، قصف الطيران الإسرائيلي إحدى مدارس محافظة الشرقية، وهي مدرسة ``أطفال بحر البقر``، للضغط على مصر كي توقف حرب الاستنزاف على طول جبهة قناة السويس، المستمرة على امتداد أعوام 1968، 1969، 1970، كما قصف أهدافاً مدنية أخرى، للتأثير النفسي في الشعب المصري

[2] جاء في أسفار العهد القديم، في الإصحاح الثاني والثلاثين ـ 33، من سِفر التثنية، أقوال موسى إلى بني إسرائيل، وهي ما يُطلق عليها التشريع. إذ ورد فيها النص التالي: ``عِنَبهم عِنَبُ سُم، وَلَهُمْ عَنَاقيدُ مَرارَة``. وكلمة المرارة أو غضب أو ثورة داخلية، هي كلها تدل على معنى واحد، وتُلفظ باللغة العبرية: `"مهيخ"

[3] الكاتيوشا هي قواذف صاروخية، إمّا فردية أو متعددة الفوهات، أي يمكِنها إطلاق عدد من الصواريخ، بفاصل زمني قصير، ومركبة على مقطورة، وهي ذات مدى محدود. ويصل وزن المقذوف، إلى 25 كيلو جراماً. وهي ذات منطقة انتشار كبيرة، وتُحدث نوعاً من الإزعاج، يثير الذعر بين السكان المدنيين في المستوطنات الإسرائيلية

[4] المقصود هنا اتفاق التعاون الإستراتيجي بين تركيا وإسرائيل، الموقع بينهما في فبراير 1996

[5] وقع كل من الرئيس الأمريكي، كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، في 28 أبريل 1996، في البيت الأبيض، في واشنطن، اتفاقاً جديداً للتعاون الإستراتيجي بين البلدين. ويعدّ تطويراً لاتفاقَي عامي 1981، 1988، إذ ينص الاتفاق الجديد على تزويد إسرائيل بمعدات عسكرية حديثة، خاصة في مجال القوات الجوية، واستمرار دعم برنامج ``باتريوت`` الإسرائيلي للصواريخ المضادة للصواريخ، وزيادة حجم المعدات الأمريكية المخزنة، في إسرائيل، وتطوير برنامج التدريبات المشتركة، وغيرها. المرجع: جريدة ``الأهرام``، العدد الصادر في 29 أبريل 1996

[6] عقدت قمة صانعي السلام في شرم الشيخ، في 13 مارس 1996، برئاسة كل من الرئيس حسني مبارك والرئيس كلينتون. وشارك فيها 16 ملكاً ورئيس دولة ورئيس حكومة، وممثلون عن 14 بلداً ومنظمة دولية. وكانت تهدف إلى استعادة ثقة الإسرائيليين والفلسطينيين بعملية السلام، ومحاولة تعزيز مستوى الثقة بينهما. وصدر عن القمة بيان أكد الرغبة في تشجيع عملية الأمن والاستقرار، ونبذ جميع أعمال الإرهاب، والدعم الكامل لعملية السلام. المرجع: جريدة ``الشرق الأوسط``، العدد 6316، الصادر في 14 مارس 1996

[7] حشد النيران هو توجيه نيران عدة كتائب مدفعية إلى قطاعات نيران في منطقة واحدة. أمّا قطاع النيران، فهو هدف يُوجَّه إليه نيران كتيبة مدفعية واحدة (غالباً) لإسكاته أو تدميره. وهذا ما نفذته إسرائيل، بالفعل، وقد استخدمت المدفعية الإسرائيلية ذخائر انفجار جوي، لإحداث أكبر خسائر ممكنة للأهداف المتخندقة أو الموجودة فوق سطح الأرض

[8] في العادة، ولأغراض تحقيق الأمان للقوات، خاصة عند وجود قوات دولية في مناطق الاشتباكات، في الجنوب اللبناني، من المفترض أن تضع وحدات المدفعية الإسرائيلية، عند التخطيط لإدارة النيران، خطوطاً حمراء، تحدد المناطق المحظور الاشتباك فيها أو الاقتراب منها. ومن ثمّ، فإن احتمال الخطأ، وقصف هذه المناطق، يكون ضعيفاً، ويزداد ضعفاً عندما تُدار النيران بواسطة طائرة عمودية

[9] حاولت الولايات المتحدة الأمريكية حجب هذا التقرير، وإغفاله، ولكن الأمين العام للأمم المتحدة أصر على نشره. وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عدم انتخابه لمدة أخرى، إذ استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) عند التصويت على إعادة ترشيحه

[10] نقصد التحقيقات بوساطة لجان إسرائيلية، أي التحقيقات من جانبها