إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مذبحة قانا (1996)





قصف معسكر القوات الدولية في قانا

أوضاع مليشيات حزب الله
موقف القوات المختلفة
المخيمات الفلسطينية في لبنان



الفصل الثالث

ثالثاً: الموقف على الجبهة اللبنانية، بعد توقف القتال

1. الموقف الإسرائيلي

الواقع، أن وقف إطلاق النار في لبنان، فجر يوم 27 أبريل 1996، لم يكن ليمثّل ضماناً لعودة الأمن والاستقرار في شمالي إسرائيل. بل إن هذا الاتفاق الهش، لم يكن ليثني إسرائيل عن معاودة العمل، من أجل تحقيق الأهداف نفسها، التي فشلت حملة "عناقيد الغضب" في تحقيقها. وربما كانت تصريحات المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، بعد وقف إطلاق النار، هي خير دليل على ذلك. إذ قال إيهود باراك، وزير الخارجية الإسرائيلي، ورئيس الأركان السابق: "إن اتفاق وقف إطلاق النار، ليس إلا حلاً مؤقتاً".  أما الجنرال أوري لوبراني، المسؤول عن الأنشطة الإسرائيلية في لبنان، فقد قال: "إنه يتعين على الإسرائيليين أن يدركوا جيداً، أن هذا الاتفاق، لا يمكن أن يضمن وقفاً لعمليات إطلاق الكاتيوشا، ومن ثم، فإن حرية الرد الإسرائيلي، لم تزل طليقة وغير مقيدة".

وفي الثلاثين من أبريل 1996، وبعد عدة أيام من توقيع الاتفاق، أعلنت مصادر عسكرية إسرائيلية، أن موقعين لميليشيا جيش لبنان الجنوبي، الموالية لإسرائيل، قد تعرضا لقذائف هاون، تم إطلاقها من مواقع حزب الله. وأضافت المصادر، أن القذائف، استهدفت موقعين في القطاع الشرقي من المنطقة المحتلة. وأكّدت أن القوات الإسرائيلية، قامت بالرد الفوري، بقصف المواقع التي أطلقت النيران. وقالت إن بنود الاتفاق، لا تقيد إسرائيل في الدفاع وتأمين قواتها. كما استمرت إسرائيل، منذ أوائل مايو، في قصفها للمناطق الحدودية، المحاذية للشريط الحدودي المحتل.

2. الموقف اللبناني (الحكومة اللبنانية ـ حزب الله)

هدد حزب الله بالانتقام لمقتل المدنيين اللبنانيين، الذين استشهدوا من جراء القصف الإسرائيلي لقرية قانا. وقال الشيخ حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في تصريحات، إلى جريدة " إندبندنت أُنْ صندايIndependent on Sunday " البريطانية، في عددها الصادر في 30 أبريل 1996، إن حزبه، سيثأر من القوات الإسرائيلية، لأنها المسؤولة عن مقتل المواطنين اللبنانيين، في قانا.  كما أكد التزام حزب الله بشروط اتفاق وقف إطلاق النار. ولكنه في الوقت نفسه، أشار إلى أن هذه الشروط، لا تمنع حزب الله من مهاجمة القوات الإسرائيلية، التي تحتل الجنوب اللبناني، وأنه لا يوجد نص، يمنع القتال أو المقاومة لتحرير الأرض. وأضاف أنه لا يتوقع استمرار الهدنة وضمان سلامة المدنيين.

واتّهم نصر الله الرئيس الأمريكي، كلينتون، بأنه قرر، شخصياً، أن تشن إسرائيل هجومها على جنوبي لبنان. وقال: إن حزب الله، هزم إسرائيل في القتال، لأنه لم يفقد سوى 14 مقاتلاً، في حين فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها، بسحق الحزب.

ومن جهة أخرى، أكّد الرئيس اللبناني، إلياس الهراوي، في كلمة ألقاها أمام وفد من الصحفيين العرب، في بيروت، في العاشر من مايو 1996: "أن بلاده لن تهرول إلى السلام، على حساب حقوقها وكرامتها".  وطالب بأن تتوقف إسرائيل عن اختبار أسلحتها المدمرة في لبنان، والامتناع عن ارتكاب جرائم جديدة، على غرار مذبحة قانا.

3. استمرار الاشتباكات، بعد توقيع الاتفاق

من الواضح، أن هذا الاتفاق، الذي وقِّع في 26 أبريل 1996، ونفذ فجر 27 أبريل، لم يوقف أيّاً من هجمات حزب الله على المواقع الإسرائيلية، أو القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني. والدليل على ذلك، أن الاشتباكات بدأت، مرة أخرى، بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، بعد أيام قليلة. وعلى سبيل المثال: في الثاني عشر من مايو 1996، كمنت مجموعة من ميليشيا حزب الله لدورية إسرائيلية، في القطاع الأوسط من الجنوب اللبناني المحتل، "حيث تمكنت من تدمير عربة جيب عسكرية، وقتل وإصابة ضابط و6 جنود، كانوا في داخلها. كما تمكنت من إصابة إحدى الدبابات".

وأعلنت الشرطة اللبنانية: "أن المدفعية الإسرائيلية، قامت بالرد، من الفور، فقصفت المناطق المواجهة لموقع الهجوم، مستهدفة مرتفعات إقليم التفاح، أحد معاقل حزب الله في الجنوب اللبناني".  كما أوضحت الشرطة، أن طائرتين حربيتين إسرائيليتين، أغارتا على مرتفعات إقليم التفاح. وقالت وكالة "رويتر": إن الطائرتين حلقتا في أجواء بيروت، لمدة 10 دقائق.

أمّا الجيش الإسرائيلي، فقد أعلن في بيان له: "أن المقاتلات الإسرائيلية، قامت بقصف أهداف في شرقي القطاع الأوسط من الجنوب اللبناني، وأصابت أهدافها".  كما صرح المتحدث باسم الحكومة قائلاً(: "يبدو أن حزب الله مصمم على الاستمرار في تعطيل ما تحقق من إنجاز السلام، بعد جهود مضنية من جانب واشنطن وباريس وأطراف أخرى، للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار".  وأكّد حق إسرائيل وواجبها في الدفاع عن قواتها، مشيرا إلى أن الإسرائيليين، سيواصلون تعقب عناصر الحزب، بما لا يعطل الاتفاق.

وفي باريس، أشار بيان للخارجية الفرنسية، إلى أن الحادث يكشف مدى هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار، ويعكس ضرورة الإسراع في تشكيل اللجنة الدولية، المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين.

4. بدء عمل اللجنة الخماسية، لمراقبة وقف إطلاق النار

في العاشر من مايو 1996، بدأ أول اجتماعات لجنة المراقبة الخماسية للحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية. وعقد الاجتماع في واشنطن، برئاسة دينيس روس، مساعد وزير الخارجية الأمريكي، وشارك في الاجتماع سفراء فرنسا ولبنان وسورية وإسرائيل، المعتمدون لدى واشنطن.

وأعلن متحدث باسم الخارجية الأمريكية، أن هذا الاجتماع، يستهدف بحث تفاصيل تشكيل اللجنة (من خبراء عسكريين ومدنيين)، وكيفية سير العمل فيها، لتحقيق الهدف منها، وهو الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، وتلقّي أي شكاوى من الطرفين، لتلافي أي أحداث، قد تنتج من خرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصل إليه وزير الخارجية الأمريكية، وارن كريستوفر، مع الأطراف المعنية، في السادس والعشرين من أبريل 1996. غير أن هذا الاجتماع، لم يسفر عن تفاصيل محددة.

رابعاً: تقرير الأمم المتحدة حول مذبحة قانا، وردود الفعل المختلفة

1. الوثائق الصادرة عن جهات دولية وتدين إسرائيل

هناك ثلاث وثائق، صادرة من جهات دولية مختلفة، تدين إسرائيل في مذبحة قانا. وهي:

الوثيقة الأولى: التقرير الدولي، الصادر عن الأمم المتحدة، والذي أكد تعمّد إسرائيل قصف معسكر قانا.

الوثيقة الثانية: فيلم فيديو، صوّره أحد أفراد الأمم المتحدة، وكشف، من خلاله، تعمد إسرائيل ضرب المدنيين، داخل المعسكر.

الوثيقة الثالثة: شهادة أمريكية، تصف سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، بأنها فقدت توازنها.

أ. الوثيقة الأولى: التقرير الدولي الصادر عن الأمم المتحدة

يتكون التقرير من عشر صفحات، أعدّه الميجور جنرال فرانك فان كابن، المستشار العسكري للأمم المتحدة، بالتعاون مع فريق من معاونيه، بتكليف من أمينها العام، بطرس غالي. وقد حرص فريق العمل على أن يلتقي جميع الأطراف، من قوات الأمم المتحدة والعسكريين اللبنانيين والإسرائيليين، مما يعكس حجم الجهد الأمين، الذي بذل في إعداده.

وبعد أن أجرى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الجنرال فرانك فان كابن، تحقيقات واسعة مع جميع الأطراف في لبنان، وكذا المسؤولين الإسرائيليين، ضمّن تقريره ما يلي:

·   إن هذا العمل يُعدّ من أخطر الأعمال، التي تعرّض لها أحد مراكز الأمم المتحدة، الذي كان يأوي لاجئين مدنيين أبرياء، معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال.

·   تحديد عدد القذائف والصواريخ، التي أطلقتها القوات الإسرائيلية على مقر الأمم المتحدة، في قانا.

·   أقوال شهود عيان، شاهدوا العديد من الطائرات الإسرائيلية، تجوب سماء المنطقة قبل بدء القصف وبعده، وأن طائرتين عموديتين، كانتا تحلقان على بعد كيلومترين من مقر الأمم المتحدة، أثناء القصف.

·   أن القصف، تعمد إصابة عدداً من النقاط المهمة داخل مقر قوات الأمم المتحدة. وأن التحقيقات، أثبتت أن الاعتداء، كان متعمداً، ولا يحتمل فيه الخطأ، الفني أو الإجرائي.

وقال بطرس غالي، في رسالة، أرفقت بالتقرير: لقد أصدرت توجيهاتي إلى أعضاء بعثة الأمم المتحدة العاملة في لبنان، أن تتعاون مع السلطات اللبنانية، والقوات المسلحة اللبنانية، من أجل جعل منطقة مقر قوات الأمم المتحدة، بعيدة عن أي أعمال عدوانية. وأضاف أنه أصدر توجيهاته أيضاً بإجراء جميع الاتصالات اللازمة مع الحكومة الإسرائيلية، لضمان عدم تعرض أي مواقع للأمم المتحدة للهجوم عليها، من جانب القوات الإسرائيلية.

وقد خلص التقرير إلى ست نتائج، تؤكد تعمّد إسرائيل قصف المعسكر بصورة بربرية، وتتلخص في الآتي:

·   يتبين من توزيع (اُنظر شكل قصف معسكر القوات الدولية في قانا)، أن هناك منطقتين متميزتين للتركيز، تبعد إحداهما عن الأخرى حوالي 140 متراً. ولو كانت المدافع مصوبة على أساس تجميع النيران في منطقة واحدة، كما قالت القوات الإسرائيلية، لكان هناك نقطة رئيسية واحدة فقط لسقوط القذائف.

·   نمط مواضع سقوط القذائف، لا يتفق مع تجاوز الضرب العادي للهدف المعلن، وهو القصف بطلقات فردية قليلة، كما ذكرت القوات الإسرائيلية. ولكن القصف نفذ بأسلوب حشد النيران[7].

·   تغير ملموس في تركيز النيران، أثناء عملية القصف، من طلقات فردية على أحد مواقع الهاون لحزب الله، إلى تركيز نيران المدفعية الإسرائيلية في معسكر الأمم المتحدة.

·   توزيع مواضع سقوط القذائف، التي تنفجر عند الاصطدام، والانفجارات التي حدثت في الجو، يجعل من غير المحتمل حدوث استخدام عشوائي للقذائف، التي تنفجر فور اصطدامها بالهدف، والقذائف الأخرى التي تنفجر، جواً، فوق الهدف. وهو ما يخالف ما ذكرته القوات الإسرائيلية.

·   لم يكن هناك اشتباكات، أو قصف لمنطقة أخرى، زعمت إسرائيل أنها كانت الهدف الرئيسي لهذا القصف. وإنما كان التركيز في معسكر القوات الدولية.

·   وعلى النقيض من الإنكار المتكرر، كانت طائرتان عموديتان إسرائيليتان، وطائرة موجهة عن بعد، تحلّق في منطقة قانا، عند القصف، يحتمل أنها كانت تدير النيران. وعلى الرغم من عدم إمكان استبعاد هذا الاحتمال استبعاداً تاماً، فإنه من غير المحتمل، أن يكون قصف معسكر الأمم المتحدة، نتيجة أخطاء، تقنية أو إجرائية جسيمة.

ب. الوثيقة الثانية

فيلم فيديو، صوّره أحد جنود قوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة في لبنان، لكي يقدم شهادة أخرى على أن إسرائيل كانت تعرف تماماً، أنها تقصف المعسكر الدولي، مما يخلع عليها صفة التعمد، ويدحض ما زعمته، أن هذا القصف جاء نتيجة خطأ في خرائطها العسكرية. وقد فضحت جريدة "الإندبندنت" البريطانية إسرائيل، بمجموعة من الصور، التي ضمها الفيلم. ومن بينها صور القصف الإسرائيلي، لمعسكر القوات في قانا، وأحد جنود قوات السلام النرويجية، وهو يراقب هذا القصف. وصورة ثانية لجندي آخر، وهو يتابع طائرة استطلاع إسرائيلية من دون طيار، فوق قانا. وثالثة لطائرة، تحلّق فوق قانا، وتتساقط قذائفها فوق المعسكر. وصورة رابعة لقاعة اجتماعات الأمم المتحدة، وقد تم تدميرها، واحترق في داخلها 40 لبنانياً، وهم أحياء. أمّا الصورة الخامسة، فهي لجندي من قوات الأمم المتحدة، وهو ينقل جريحاً لبنانياً إلى عربة الإسعاف. ثم مجموعة صور تضم أحد طياري قوات الأمم المتحدة، وهو يحاول إبعاد 3 جرحى لبنانيين، بينهم طفلان، عن ممر الطائرات، الذي غصّ بالجرحى، وقد وضح مع الصورة الصوت أيضاً للطائرات، وهي تقصف الموقع. كل ذلك، يكذب ادعاءات إسرائيل، أن ما حدث كان سببه خطأ في الخرائط العسكرية[8].

وذكرت جريدة "الإندبندنت" البريطانية، أن إسرائيل، كانت قد أبلغت الأمم المتحدة، أنها لم تستخدم طائرات الاستطلاع، من دون طيار، قبل القصف أو أثناءه. إلا أنه بعد ظهور الطائرة الاستطلاعية في شريط الفيديو، عادت إسرائيل لتغيّر رأيها، معترفة بتحليق طائرة الاستطلاع.  كما أشارت الجريدة إلى أن شريط الفيديو، يظهر هذه الطائرة، وهي تحلّق فوق قانا، أثناء سقوط القذائف على كتيبة فيجي، وهو ما جعل إسرائيل، تنقض كلامها السابق.

كما طالبت الجريدة الأمم المتحدة، بالكشف عن نتائج التحقيق، الذي أجراه خبراء المنظمة الدولية، الذي شارك في صياغته ضباط ودبلوماسيون من النرويج وأيرلندا ونيبال وفرنسا وبولندا وفيجي وبريطانيا.

وزعمت إسرائيل، أن تلك الطائرة الاستطلاعية، كانت في مهمة أخرى، وأنها عندما صورت قانا، لم يكن فيها مدنيون. ورد مسؤولو الأمم المتحدة، على هذه المزاعم، قائلين إن قاعدة الأمم المتحدة، موجودة في قانا، منذ 18 عاماً، وإن لدى إسرائيل صوراً لكل قرية في الجنوب اللبناني.

ج. الوثيقة الثالثة

وهو تحليل إخباري، نشره كل من جريدة "نيويورك تايمز" وجريدة " الهيرالد تربيون Herald Tribune " ، تحت عنوان: "سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط، تفقد توازنها"، كتبه الكاتب الأمريكي، ستيفن إيرلانج، جاء فيه: "بعد شهر من بداية الأحداث المأساوية، التي وضع كلينتون، خلالها، الولايات المتحدة الأمريكية، بكل ثقلها، وراء إسرائيل، ووراء المطامع الانتخابية لحزب واحد، بدأ القلق يتزايد لدى المتخصصين بشؤون الشرق الأوسط، من أن أمريكا، عدلت عن ترك المسافة الحساسة، التي تبعدها عن إسرائيل. ونتيجة لذلك، دمرت قدرتها على القيام بدور الوسيط المحايد، بين الإسرائيليين والعرب".

ويقول الكاتب، في موضع آخر: "إن الولايات المتحدة الأمريكية، ما زالت اللاعب صاحب النفوذ القوي. ولكن رفْضها توجيه النقد إلى إسرائيل، لإحكام إغلاقها الضفة الغربية وغزة، ونشاطها العسكري في جنوبي لبنان، تسبب بأن تفقد واشنطن توازنها الأدبي، وبالإساءة إلى تعاملها مع سورية، ونثر بذور جديدة للغضب الشعبي، بين الشباب والدول، أصدقاء أمريكا المعتدلين، الذين فعلوا كل ما في وسعهم من أجل السلام!!".

2. الموقف بعد صدور تقرير الأمم المتحدة

أ. الموقف الأمريكي

بعد أن أصدرت الأمم المتحدة تقريرها، الذي أشارت فيه إلى أن إسرائيل، قصفت معسكر القوات الدولية في قانا في جنوبي لبنان، عن عمد، مما أسفر عن مصرع أكثر من مائة شخص من المدنيين اللبنانيين، أصدرت الحكومة الإسرائيلية تقريراً مضادّاً، حظي بتأييد أمريكي، وزعمت فيه أن عملية قصف معسكر قانا، كانت عارضة، واتهمت الأمم المتحدة بنشر معلومات خاطئة عن هذه العملية. وقد أكّد الرئيس الأمريكي دعمه الكامل للرواية الإسرائيلية حول المذبحة، وقال:"إنها خطأ من نوع تلك الأخطاء، التي تحدث دائماً في الحروب، وليست عملاً متعمداً".  ودافع كلينتون عن الدعم الأمريكي المتزايد لإسرائيل، وأن سياسة بلاده في الشرق الأوسط، ما زالت عادلة، ومتوازنة، وصادقة. وأكّد أن بلاده، ستشارك في جهود إعادة تعمير لبنان. كما أعرب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، عن استيائهما من تقرير الأمم المتحدة عن مذبحة قانا، الذي أكّد أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على المعسكر الدولي في جنوبي لبنان، كان متعمداً. وأعربت مادلين أولبرايت، مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، عن انزعاجها الشديد من الاستنتاج، الذي توصل إليه التقرير، والذي قدمه بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى مجلس الأمن، في 7مايو 1996. وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيكولاس بيرنز، انزعاج الولايات المتحدة من نتائج التقرير الدولي، وقال بيرنز، بلهجة متشددة، إن الأمين العام، اختار استخلاص نتائج غير مبررة من وراء حادث قانا، من شأنها أن تستقطب الوقيعة، بدلاً من استخلاص الدروس العملية لمنع تكراره. وأضاف المتحدث، قائلاً: إنه يبدو كما لو أن علينا أن نرجع إلى نفق زمني، ونعيد مناقشة هذه المسائل ، في وقت لا يحتمل الاستقطاب، وينبغي علينا فيه أن نتحرك إلى الأمام. وأكد بيرنز، أنه من السخف الإيحاء بأن هناك قصفاً متعمداً لمعسكر الأمم المتحدة. وزعم أن مقاتلي حزب الله، كانوا يعملون بالقرب من قواعد المنظمة الدولية، وأن إسرائيل تستحق إيضاحاً، بسبب عدم اتخاذ الأمم المتحدة إجراءات ضد إرهابيين من حزب الله، كما سمّاهم.

وفي مجلس الأمن، بذلت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من الضغوط، من أجل عدم إدانة إسرائيل بعدوانها وقصْفها المدنيين في جنوبي لبنان، خاصة بعد أن أعلن بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة، التقرير[9]، الذي أكّد فيه أن القصف الإسرائيلي لمعسكر القوات الدولية والمدنيين اللبنانيين، في قانا، لم يكن على سبيل الخطأ غير المقصود، بل الأرجح أنه كان متعمداً.

وقد أوضحت واشنطن، منذ بداية المشاورات في مجلس الأمن، أنها ستعارض أي محاولة لتوجيه إدانة صريحة إلى إسرائيل. وإزاء الضغوط الأمريكية، تراجع لبنان، في اللحظة الأخيرة، عن تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن، بإدانة إسرائيل.  وكانت مصر قد أعدَّت مشروع قرار، يدين العدوان الإسرائيلي، ويطالب إسرائيل بتعويض لبنان عن الدمار والخسائر، اللذين لحقا به، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 425، بالانسحاب من الأراضي اللبنانية.

وفي ضوء المعارضة الأمريكية لأي إدانة لإسرائيل، تدخلت مجموعة الدول الأوروبية، الأعضاء في مجلس الأمن، وهي: فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، بصيغة وسط، للتقريب بين مشروع القرار المصري، الذي يمثل وجهة النظر، اللبنانية والعربية، وإصرار واشنطن على عدم إدانة إسرائيل. وعلى الرغم من أن مشروع البيان الأوروبي، لا يدين إسرائيل صراحة، إلاّ أن الوفد الأمريكي أصر على رفض الصيغة الأوروبية أيضاً. وقررت المجموعة العربية داخل المجلس، عدم قبول أي صيغة لبيان أو مشروع قرار، يصدر عن مجلس الأمن، إذ لم تدن إسرائيل.

ومن الواضح، أن الأمم المتحدة، وبطرس غالي، معاً، قد تعرضا لهجوم متعدد الجوانب. إذ ذكرت وكالة "رويتر"، أن الأمم المتحدة، تحولت إلى كرة، يتقاذفها مرشحو الرئاسة الأمريكية: فالمرشح الجمهوري، بوب دول Bob Dole ، حرص، في حملته الانتخابية، على مهاجمة بطرس غالي. وأكّد أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستعيد الأمور إلى نصابها. أمّا بات بوكانن Pat Buchanan ، وهو أحد المرشحين المنافسين، فقد وصف بطرس غالي بالعجرفة، وشكّك في دور الأمم المتحدة. وكذلك الرئيس كلينتون، انبرى يدافع عن إسرائيل، قائلاً إن من حقها الدفاع عن نفسها، ومتذرعاً بأن الخطأ وارد، حتى مع استخدام التكنولوجيا المتقدمة، في إشارة إلى مذبحة قانا.

ب. الموقف الإسرائيلي

(1) رفض ديفيد بيلينج، نائب المندوب الإسرائيلي، في الأمم المتحدة، التقرير، ووصفه بأنه لم يأخذ في الحسبان المعلومات، التي قدمتها إسرائيل إلى الأمم المتحدة. واحتج إيهود باراك، وزير الخارجية الإسرائيلي، في اتصال هاتفي مع بطرس غالي، بعد عدة ساعات من إعلان التقرير، على ما أسماه "مزاعم الأمم المتحدة، التي وردت في التقرير"، واصفاً إياها بأنها تتسم بالسخف. ونقل بيان لبعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة، أن باراك حذر من أن اتهامات المنظمة الدولية لبلاده، قد تضر بالعلاقات بين إسرائيل وقوات الأمم المتحدة، في لبنان.

(2) أمّا رئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، فقد حمّل الأمم المتحدة، بتبجح واضح، مسؤولية مذبحة قانا زاعماً أنه كان يجب على قوة الطوارئ الدولية في لبنان، عدم إيواء لاجئين في معسكرها، من دون إبلاغ إسرائيل، وقال إنه يعتقد أن رجال حزب الله، اختبئوا في المعسكر، بعد إطلاقهم عدداً من الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية.

(3) وزعمت إسرائيل، في ردها على تقرير الأمم المتحدة، أن قواتها لم تتعمد إطلاق النار على موقع قوات الطوارئ الدولية، وأن التحقيقات أثبتت[10]، أن القصف المدفعي، تم بناء على معطيات خاطئة.

(4) زعم الجيش الإسرائيلي، أن عيوباً في خرائطه العسكرية، كانت السبب الرئيسي لقصف قاعدة الأمم المتحدة، في قانا في جنوبي لبنان.

(5) ونفى دوري دروس، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، في مقابلة مع شبكة CNN الإخبارية الأمريكية، علم القوات الإسرائيلية بوجود مدنيين لبنانيين، في الموقع التابع للأمم المتحدة، في قرية قانا. وقال إن الرؤية من الجو، كانت سيئة. ووصف القصف المدفعي الإسرائيلي للموقع، بأنه كان مأساوياً، زاعماً أن مثل هذه الأشياء، يحدث في أوقات الحرب. غير أنه أكّد عدم معاقبة الضباط والجنود الإسرائيليين، الذين تسببوا بهذا الحادث.

(6) ودافع الجنرال ماتان فيلناي، مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي، عن قرار الجيش قصف قانا، قائلاً: "إنه كان يستهدف موقعاً لحزب الله، تطلق منه قذائف الهاون على القوات الإسرائيلية".  واعترف فيلناي بتحليق طائرة استطلاع فوق الموقع، قبل القصف المدفعي وبعده، لاستكشاف ما حدث. غير أنه أضاف أنها كانت في مهمة مختلفة، وتم استدعاؤها، نظراً إلى الظروف الجوية السيئة. وقال إن الخطأ الذي أظهره التحقيق، كان في عدم دقة هوامش السلامة، المسموح بها للمدفعية الإسرائيلية؛ لأن موقع القاعدة الحقيقي، يبعد قليلاً عما تشير إليه خرائط الجيش الإسرائيلي. وزعم أنه لم يكن لدى إسرائيل نية قصف قاعدة للأمم المتحدة، لكن القصف، كان يستهدف موقع هاون لحزب الله، قرب القاعدة.

(7) قال الجنرال دان هاريل، قائد سلاح المدفعية الإسرائيلية: إن الخطأ في تقدير المسافة، جعل وحدة المدفعية تعتقد، أن قاعدة حزب الله المستهدفة، تقع بعيداً عن القاعدة الدولية نحو 350 متراً، في حين أن المسافة الفعلية، كانت 180 متراً فقط. وقال أن هذا الخطأ في التقدير، لم يصحح، إلاّ بعد إطلاق أول قصفة، زاعماً أن القصف، كان يستهدف تأمين وحدة برية إسرائيلية، تعرضت لهجوم من حزب الله. وأضاف أن المدفعية الإسرائيلية، أطلقت 30 قذيفة، خلال تسع دقائق، لوقف مقاتلي حزب الله، وأن قذيفتين أو ثلاثاً، أصابت القاعدة الدولية إصابة مباشرة. أما تيمور جوكسيل، المتحدث باسم قوات حفظ السلام الدولية، في الجنوب اللبناني، فردّ على الادعاءات الإسرائيلية، قائلاً: "إن الجيش الإسرائيلي، كان على علم بأن مدنيين لبنانيين، لجأوا إلى قانا"، مشيراً إلى أن مقر الأمم المتحدة، أبلغ الجيش الإسرائيلي، فور بدء عملية "عناقيد الغضب" بأن ستة آلاف شخص، لجأوا إلى مراكز الأمم المتحدة. وقال جوكسيل، رداً على ما ذكرته إسرائيل: "إن شريط الفيديو، يوضح أن القصف المدفعي، لم يكن مجرد دفعة أو دفعتين من القذائف، وأن طائرة استطلاع إسرائيلية، كانت فوق قانا، في ذلك الوقت، تدير، وتصحح نيران المدفعية".

ج. الموقف العربي من تقرير الأمم المتحدة

أبلغ مندوبو الدول العربية في الأمم المتحدة، بطرس غالي، الأمين العام للمنظمة الدولية، استياء دولهم بخلوّ التقرير من الإدانة الصريحة لإسرائيل. وقالوا عند اجتماعهم مع غالي، إن التقرير، جاء مخيباً للآمال. ولم يتضمن إدانة الجرائم الوحشية الإسرائيلية في لبنان. وأكّدوا أنهم سيسعون إلى إصدار قرار، يدين إسرائيل، على الرغم من هجوم كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، على التقرير، الذي حمّل إسرائيل مسؤولية هذه الجريمة. كما طلبوا من بطرس غالي، إدراج التقرير، كوثيقة رسمية من وثائق الأمم المتحدة، تدين تعمد إسرائيل قصف المدنيين. وقال غالي إنه يرفض التكهنات، التي أثيرت حول احتمال فرض حظر على نشر التقرير، على أساس أنه سري.


 



[1] في 8 أبريل 1970، قصف الطيران الإسرائيلي إحدى مدارس محافظة الشرقية، وهي مدرسة ``أطفال بحر البقر``، للضغط على مصر كي توقف حرب الاستنزاف على طول جبهة قناة السويس، المستمرة على امتداد أعوام 1968، 1969، 1970، كما قصف أهدافاً مدنية أخرى، للتأثير النفسي في الشعب المصري

[2] جاء في أسفار العهد القديم، في الإصحاح الثاني والثلاثين ـ 33، من سِفر التثنية، أقوال موسى إلى بني إسرائيل، وهي ما يُطلق عليها التشريع. إذ ورد فيها النص التالي: ``عِنَبهم عِنَبُ سُم، وَلَهُمْ عَنَاقيدُ مَرارَة``. وكلمة المرارة أو غضب أو ثورة داخلية، هي كلها تدل على معنى واحد، وتُلفظ باللغة العبرية: `"مهيخ"

[3] الكاتيوشا هي قواذف صاروخية، إمّا فردية أو متعددة الفوهات، أي يمكِنها إطلاق عدد من الصواريخ، بفاصل زمني قصير، ومركبة على مقطورة، وهي ذات مدى محدود. ويصل وزن المقذوف، إلى 25 كيلو جراماً. وهي ذات منطقة انتشار كبيرة، وتُحدث نوعاً من الإزعاج، يثير الذعر بين السكان المدنيين في المستوطنات الإسرائيلية

[4] المقصود هنا اتفاق التعاون الإستراتيجي بين تركيا وإسرائيل، الموقع بينهما في فبراير 1996

[5] وقع كل من الرئيس الأمريكي، كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، في 28 أبريل 1996، في البيت الأبيض، في واشنطن، اتفاقاً جديداً للتعاون الإستراتيجي بين البلدين. ويعدّ تطويراً لاتفاقَي عامي 1981، 1988، إذ ينص الاتفاق الجديد على تزويد إسرائيل بمعدات عسكرية حديثة، خاصة في مجال القوات الجوية، واستمرار دعم برنامج ``باتريوت`` الإسرائيلي للصواريخ المضادة للصواريخ، وزيادة حجم المعدات الأمريكية المخزنة، في إسرائيل، وتطوير برنامج التدريبات المشتركة، وغيرها. المرجع: جريدة ``الأهرام``، العدد الصادر في 29 أبريل 1996

[6] عقدت قمة صانعي السلام في شرم الشيخ، في 13 مارس 1996، برئاسة كل من الرئيس حسني مبارك والرئيس كلينتون. وشارك فيها 16 ملكاً ورئيس دولة ورئيس حكومة، وممثلون عن 14 بلداً ومنظمة دولية. وكانت تهدف إلى استعادة ثقة الإسرائيليين والفلسطينيين بعملية السلام، ومحاولة تعزيز مستوى الثقة بينهما. وصدر عن القمة بيان أكد الرغبة في تشجيع عملية الأمن والاستقرار، ونبذ جميع أعمال الإرهاب، والدعم الكامل لعملية السلام. المرجع: جريدة ``الشرق الأوسط``، العدد 6316، الصادر في 14 مارس 1996

[7] حشد النيران هو توجيه نيران عدة كتائب مدفعية إلى قطاعات نيران في منطقة واحدة. أمّا قطاع النيران، فهو هدف يُوجَّه إليه نيران كتيبة مدفعية واحدة (غالباً) لإسكاته أو تدميره. وهذا ما نفذته إسرائيل، بالفعل، وقد استخدمت المدفعية الإسرائيلية ذخائر انفجار جوي، لإحداث أكبر خسائر ممكنة للأهداف المتخندقة أو الموجودة فوق سطح الأرض

[8] في العادة، ولأغراض تحقيق الأمان للقوات، خاصة عند وجود قوات دولية في مناطق الاشتباكات، في الجنوب اللبناني، من المفترض أن تضع وحدات المدفعية الإسرائيلية، عند التخطيط لإدارة النيران، خطوطاً حمراء، تحدد المناطق المحظور الاشتباك فيها أو الاقتراب منها. ومن ثمّ، فإن احتمال الخطأ، وقصف هذه المناطق، يكون ضعيفاً، ويزداد ضعفاً عندما تُدار النيران بواسطة طائرة عمودية

[9] حاولت الولايات المتحدة الأمريكية حجب هذا التقرير، وإغفاله، ولكن الأمين العام للأمم المتحدة أصر على نشره. وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عدم انتخابه لمدة أخرى، إذ استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) عند التصويت على إعادة ترشيحه

[10] نقصد التحقيقات بوساطة لجان إسرائيلية، أي التحقيقات من جانبها