إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مذبحة قانا (1996)





قصف معسكر القوات الدولية في قانا

أوضاع مليشيات حزب الله
موقف القوات المختلفة
المخيمات الفلسطينية في لبنان



المبحث السابع

المبحث السابع

نتائج العدوان الإسرائيلي

أولاً: نتائج العدوان الإسرائيلي

1. حقائق مؤثرة على أبعاد الحملة الإسرائيلية

قبل أن نتحدث عن أبعاد الحملة الإسرائيلية، هناك عدة حقائق، يجب أن نتوقف عندها، كمؤشرات ذات أبعاد مؤثرة في كل ما ترتب على هذه الحملة من تداعيات، هي على جانب كبير من الخطر. وهي:

أ. صدر تصريح عن موظف في المكتب الصحفي الأمريكي، في البيت الأبيض، مفاده أن إسرائيل قد أخذت الضوء الأخضر من واشنطن، قبيل البدء بعملياتها العسكرية ضد حزب الله.

ب. أعلنت إسرائيل، هي الأخرى، رداً على طلب لبنان عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن، لبحث عدوانها على شعب لبنان وأراضيه، ووقف هذا العدوان، أنها لن تستجيب لأي طلب بوقف عملياتها العسكرية في الجنوب اللبناني، إلاّ إذا طلبت ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الوحيد لإسرائيل.

ج. إن أي قرار يصدر بإدانة إسرائيل من مجلس الأمن، هو معرض للسقوط، وذلك بعد أن أعلنت واشنطن، أيضاً، أن أي قرار في هذا الشأن، لا يكون متوازناً، سيقابل، من جانبها، بالاعتراض.

د. إن دول الاتحاد الأوروبي، بعد أن كان منتظراً أن يكون لها وحدة موقف جماعي، تجاه العدوان على لبنان، حدث ما صدّع وحدة هذا الموقف، إثر انفراد وزير الدفاع البريطاني بموقف، أعلن فيه تأييده لإسرائيل.

2. الحصيلة السياسية للأطراف المشتركة في الأزمة

تشابكت أدوار الأطراف المشتركة في هذه الأزمة، واستطاع كل طرف، من خلالها، تحقيق بعض من أهدافه، التي يمكن إبرازها في الآتي:

أ. فإسرائيل، وهي محور هذه الأزمة، والبادئة بتفجيرها، على هذه الصورة من حجم عملياتها العسكرية، الجوية والبرية والبحرية، فكرت في التراجع الفوري، ووقف العدوان، الذي تصيب خسائره الفادحة شعب لبنان، أكثر مما تصيب حزب الله. لماذا؟ لأن عنصر الاندفاع، الذي شكل الأزمة على هذه الصورة المفجعة، أصبح مرتبطاً بالمفهوم العام لأيديولوجية التركيب السياسي، بين الحزبين المتصارعين على الحكم في إسرائيل، وهما حزب العمل، بقيادة شيمون بيريز، رئيس الوزراء، وحزب الليكود، بقيادة بنيامين نتانياهو. ويتمثل ذلك المفهوم العام في حجم أصوات الإسرائيليين، التي يحصل عليها كل طرف في الانتخابات. ومن ثم، فإن شيمون بيريز، لا يهمه، من أجل أن يكسب المعركة الانتخابية، سوى الظهور بأنه رجل الأمن القوي، في مواجهة تكتل الليكود، وأنه أحد الصقور، التي يمكن الاعتماد عليها، لتحقيق أمن إسرائيل.

ب. أمّا إيران، وهي القوة، التي لا يشك أحد في أنها وراء دعم حزب الله في لبنان، فهي الطرف الأقوى، الذي يستطيع الضغط على حزب الله، وإيقاف أي عمليات عسكرية، من داخل لبنان، ضد المدنيين في شمالي إسرائيل. ومن أجل ذلك، فإن الضغوط الودية، من جانب بعض الدول الأوروبية، التي لها علاقات صداقة بإيران، مثل فرنسا، قد تجد صداها الإيجابي في طهران، من أجل التدخل لوقف هجمات حزب الله على إسرائيل.

ج. أمّا لبنان، البلد الذي قدِّر له أن يظل في وجه المدفع، فساحته هي الساحة العربية الوحيدة الساخنة في مواجهة إسرائيل، بدأ يتجه، إثر القضاء على حربه الأهلية، نحو التعمير والبناء. ولم يكد يبدأ، حتى فُرض عليه شوط آخر من أجل تحرير أرضه، تلازم مع كارثة أخرى، من قصف إسرائيلي لتدمير ما بناه. والنتيجة أن لبنان، هو الخاسر الوحيد في هذا الصراع، بين إسرائيل وحزب الله، وأن المنتصر هو حزب الله، الذي بدأ دعم صفوفه وقدراته، ليقف في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية.

د. وفي شأن سورية، تساءل البعض، خلال الحملة الإسرائيلية، لماذا لم تتخذ دمشق الوسائل الضاغطة، التي تستطيع أن تعيد بها إلى القيادة الإسرائيلية صوابها، وتذكرها أن عليها أن تفكر، وأن تعيد حساباتها مراراً، إذا لم تتراجع عن الاستمرار في هذه المعركة غير المتكافئة؟ ترى سورية، أن لها سياسة ثابتة، تقوم على إستراتيجية، تتمسك بها تجاه حركة الصراع مع إسرائيل. وقيادتها تعتقد، أن الصراع هو صراع حضاري، لا انفعالي، وأنها في خوضها معاركها المصيرية، تحتفظ لنفسها باختيار الزمان، الذي تراه ملائماً لتحرك حاسم. ومن ثم، فإنها في دائرة هذا الصراع، لا تعطي لخصمها فرصة استدراجها إلى التوقيت، الذي يختاره للدخول في مواجهة عسكرية معها، وبذلك تفوت عليه الفرصة، وتحبط مخططه، انتظاراً للتوقيت المناسب، الذي يحقق الأهداف السورية.

هـ. أمّا حزب الله فمن الواضح، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أضفتا كياناً معنوياً، وأدبياً، على وجوده في المنطقة. ذلك أنهما في تحركهما، كانتا تحاولان أن تعودا إلى اتفاق 1993، بين حزب الله وإسرائيل، لتجعلا منه قاعدة انطلاق، في التعامل المستقبلي بين الجانبين. فواشنطن، أضفت، من خلال المشروع، المكون من ست نقاط، لتسوية الأزمة بين إسرائيل وحزب الله، كياناً إقليمياً على حزب الله، وكأنه دولة داخل دولة، هي المعنية بلغة التخاطب، بل محور الاهتمام في كل تداعيات هذه الأزمة.

والأهم من ذلك، وعلى الرغم من الخسائر، التي سببتها إسرائيل للشعب اللبناني، بقتلها الأطفال والنساء، وهدم منازل الفقراء وتشريدهم ... فإن حزب الله خرج من كل هذه المذابح سالماً، بل أصبح طرفاً قوياً في الصراع مع إسرائيل، يُحسب حسابه، بدليل تلك المبادرة، التي تقدمت بها الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه هي، باختصار، حصيلة العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي لم يمنع حزب الله من ممارسة نشاطه القتالي ضد القوات الإسرائيلية، بل جعله يدير حرب استنزاف ضد إسرائيل، التي أسرعت إلى تقديم مبادرة للانسحاب، في مارس 1998، شريطة ضمان أمن حدودها، الأمر الذي يؤيد ما قيل سابقاً، إن حزب الله هو الفائز الوحيد من هذه الحملة.

3. الحصيلة العسكرية للعدوان

ذكرت جريدة "معاريف" الإسرائيلية، في عددها الصادر في 4 مايو 1996،"أن المدفعية الإسرائيلية، أطلقت 20 ألف قذيفة، متعددة الأوزان، ونفذ سلاح الجو الإسرائيلي 16 ألف طلعة، استهدفت 410 أهداف، كما شارك سلاحا الطيران والبحرية، في ضرب 50 جسراً، وأكثر من 30 مفترق طرق.

وأضافت الجريدة، أن ما بين 170 مدنياً و200 مدني لبناني، قتلوا في عملية "عناقيد الغضب"، إضافة إلى مقتل ضابط وجندي سوريين، وإصابة 10 آخرين بجروح.

وقالت الجريدة إنه في المقابل، أطلق رجال المقاومة اللبنانية 700 صاروخ على شمالي إسرائيل، أسفرت عن مقتل 5 جنود من الميليشيا اللبنانية، الموالية لإسرائيل، وإصابة عشرين آخرين، إضافة إلى إصابة 3 جنود إسرائيليين و63 مستوطناً، وإلحاق أضرار بألف وخمسمائة وخمسين منزلاً ومشروعاً صناعياً.

وقدرت الجريدة الخسائر، التي نزلت بالبنية التحتية اللبنانية بنحو 500 مليون دولار.

4. نتائج عملية "عناقيد الغضب"، والدروس المستفادة منها:

أ. النتائج والدروس المستفادة للجانب الإسرائيلي

ارتكب الإسرائيليون، في عدوانهم على لبنان، عدداً من الجرائم البربرية، ضد المدنيين اللبنانيين، وصلت إلى الذروة بقصف قرية قانا، التي أدت إلى استشهاد أكثر من مائة مواطن لبناني. وقد جرى كل ذلك بدعوى تأمين الحماية لسكان المستعمرات الإسرائيلية الشمالية ـ منطقة الجليل ـ وهي الحجة نفسها، التي استخدمت في تبرير الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، الذي وصل إلى حد اقتحام العاصمة بيروت.

وجاء العدوان الإسرائيلي، هذه المرة، بقرار من حكومة حزب العمل اليسارية، وقبيل بضعة أسابيع من إجراء الانتخابات الإسرائيلية، بعد أن عجزت عن إنجاز اتفاق سلام، على صعيد عملية التسوية مع سورية أو لبنان، يمكن أن تقدمه في برنامجها الانتخابي. ونظراً إلى التردد والمراوغة الإسرائيليتين في إتمام التسوية على المسارات المختلفة، بما فيها فلسطين، فقد جرت بعض العمليات الاستشهادية، التي تدخل في إطار الكفاح المسلح المشروع، للحصول على الحقوق الوطنية المشروعة، وهي العمليات، التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس، في أواخر فبراير وأوائل مارس 1996. الأمر الذي أفقد المواطن الإسرائيلي كل إحساس بالأمن، فشعرت الحكومة الإسرائيلية بحرج موقفها الانتخابي. وبدلاً من البحث عن صيغة، لتنشيط عملية التسوية، والوصول إلى سلام شامل، وعادل، يمنح الأمن لجميع الأطراف، انساقت الحكومة الإسرائيلية وراء الاتهامات اليمينية بالضعف والتردد والتفريط في أمن إسرائيل. ولم تفهم فحوى رسالة مؤتمر صانعي السلام، الذي عقد في شرم الشيخ، وفهمت تماماً الضوء الأخضر الأمريكي، في مؤتمر المتابعة، الذي عقد في واشنطن، بعد ذلك، حين نجحت الإدارة الأمريكية  في تحويله إلى مؤتمر مواجهة ما أسمته "الإرهاب الأصولي". وكان هذا المؤتمر الضوء الأخضر، لبدء العدوان الإسرائيلي على لبنان.

وقد حققت إسرائيل عدداً من النتائج، وخرجت بدروس مستفادة، يمكن إجمالها في الآتي:

(1) النتائج

بينما كانت المحادثات الإسرائيلية ـ السورية، تسير قُدُماً نحو تحقيق السلام، إذا بإسرائيل توقف هذه المسيرة، وتبادر إلى الاعتداء على لبنان. بل تتمادى في اعتداءاتها،التي بلغت قلب العاصمة اللبنانية، بيروت، وبعلبك، وطالت قوات سورية أيضاً. وقد أدركت إسرائيل، وأدرك شيمون بيريز، بعد عدة أيام من القصف المستمر، أن سياسة التأديب بالعصا الغليظة، لم تستطع أن تحقق الأهداف، المعلنة والخفية، بعد أن أسفرت عملية "عناقيد الغضب" عن لا شيء، سوى إثارة الغضب، في الشرق والغرب على السواء، فضلاً عن مذبحة مخزية، سببت لإسرائيل الكثير من الأضرار بحساباتها الإستراتيجية. ولم يستطع  بيريز، أن يحصل على اتفاق يقضي على حزب الله، أو ينزع سلاحه، أو يحمل سورية، على القضاء على المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل على العكس فإن الاتفاق خوّل لحزب الله حق الدفاع عن أرضه وعن نفسه، ووضعه مع إسرائيل في مستوى واحد، بإلزامها عدم ضرب المدنيين، أو استخدام المناطق السكنية، لشن هجمات عسكرية.

ولا بد أن بيريز، قد أيقن، بعد هذا العدوان، أنه كشف عن وجهه، وطمس صفحات كتابه، "الشرق الأوسط الجديد"، ومزق تعويذة مخططه تمزيقاً، ووئدت فكرته عن السوق الشرق أوسطية. فعندما تطارد الطائرات الإسرائيلية، بصواريخها، سيارات الإسعاف، وتقتل الأطفال الجرحى، يطرح السؤال: ماذا بقي من السلام؟

بل إن مراسلاً غربياً، أكد، في برقية له، أن أباً لبنانياً، لم يستطع دفْن أطفاله، لأن طائرات إسرائيل، كانت تحلّق في السماء وتمطر الإحياء والمنازل بصواريخ الموت.  والأدهى من ذلك، أن شيمون بيريز، أجرى مكالمة مع صديقه، الروائي الإسرائيلي، عاموس عوز، ليبرر له الجريمة، بأنه يلاحق المقاومة اللبنانية، لتدمير حزب الله. ولكن الحقيقة، أن الانتخابات الإسرائيلية، دفعت شيمون بيريز، إلى إظهار التشدد تجاه العرب، ولو أن ذلك عاد بنتيجة عكسية؛ فمواصلة عمليات التحرش والهجوم على الأراضي اللبنانية، أعطت المقاومة اللبنانية حقها المشروع في الدفاع عن أرضها، ومن ثم، تتمادى إسرائيل في عمليات القصف الوحشي.

بعد العرض السابق، يمكن أن نصل إلى أهم النتائج، التي حققها العدوان، بالنسبة إلى إسرائيل:

·   إن إسرائيل، لم تحقق أهدافها. والدليل على ذلك، أن صواريخ الكاتيوشا، ظلت تدوي في مستعمرات الشمال الإسرائيلي، التي هجِّر معظم سكانها، فبلدة كريات شمونة، البالغ عدد سكانها 20 ألفاً، لم يبقَ فيها سوى 50 فرداً.

·   إن الحرب دخلت في تعقيدات، لم يُحسب حسابها من قبْل، مثل مذبحتَي قانا والنبطية، اللتين كشفتا إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وتحولت عملية ترحيل اللبنانيين من الجنوب، والتي حاول بيريز إظهارها على أنها لحماية هؤلاء السكان، إلى عملية "ترانسفير" نازي، تُعَدّ من جرائم الحرب المحظورة.

·   والحرب التي أرادها بيريز مادة لدعايته الانتخابية، انقلبت نتائجها عليه؛ فالمواطنون العرب في إسرائيل، الذين كانوا، حسب مخطط بيريز، مؤيدين مضمونين له في الانتخابات، انقلبوا عليه. وأكثر من ذلك، فلقد أصبحت المؤسسة العسكرية تواجه انتقادات حادّة، لعجزها عن وقف الكاتيوشا، وأصبحت قيادة الجيش تلقي على جهاز الاستخبارات مسؤولية فشل "عناقيد الغضب"، في لبنان؛ فنائب وزير الدفاع، اضطر إلى الاعتراف، قائلاً: "كنا نعرف أن لدى حزب الله صواريخ كثيرة. لكننا لم نعتقد أنه سيواصل القصف بهذه الكثافة".  وأضاف "أن جيش الدفاع، لم يتمكن حتى من تحديد مواقع ذخيرة حزب الله، ولا من ضرب خطوط إمداده. وعلى الرغم من الجهود، التي بذلها الجيش، مستخدماً وسائـل متطورة جداً، ولا سيما الرادارات الأمريكية، التي تحدد مواقع انطلاق الكاتيوشا، فإن الصواريخ، ظلت تنهال بالعشرات على شمالي إسرائيل، ليل نهار".

·   تحققت الوحدة الوطنية بين طوائف لبنان، وسقطت أحلام نسف هذه الوحدة، وفشلت محاولات إعادة نيران الحرب الأهلية.

·   عدم تحقيق الطموحات الإسرائيلية إلى نزع سلاح المقاومة، الشرعية، في لبنان.

·   خسرت إسرائيل السلام؛ إذ زرع عدوانها الكراهية والعداوة بينها وبين العرب.

ولكن هناك بعض المحللين، الذين يدافعون عن شيمون بيريز، وكيف أنه استطاع، من خلال العدوان، أن يحصل على مكاسب عديدة، منها:

·   حصل على اتفاق صريح بوقف عمليات المقاومة، المنطلقة من جنوبي لبنان، ضد شمالي إسرائيل. وكبح جماح حزب الله، بالتحديد، في ظل ضمانات لبنانية ـ سورية، وأمريكية، وفرنسية، وبمباركة عربية.

·   قبل الاتفاق وبعده، استطاع تنشيط ذراع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بالتجاوب مع كبار جنرالاتها في تدمير الجنوب اللبناني، مدنياً وعسكرياً، سياسياً ونفسياً، وفي تصفية كل من يرفع شعار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي كسب جولة من جولات التحدي والمبارزة، بين جيش إسرائيل، الذي لا ينهزم، والمقاومة الوطنية، التي لا تستسلم، بل هي تنتحر ملغومة بالبارود.

·   تمكن، عملياً ونظرياً، من إحراج سورية سياسياً وعسكرياً وإعلامياً؛ إذ استباحت طائراته سماء لبنان في أكثر من خمسمائة غارة. بينما لدمشق أكثر من ثلاثين ألف جندي في لبنان، اكتفوا بمشاهدة ما يجري. وذلك من أجل تطويع التشدد السوري، خلال المفاوضات القادمة.

·   استطاع أن يحاصر النفوذ الإيراني في لبنان، من طريق ضرب حزب الله، المدعوم من طهران، ثم من طريق إدخال سورية، حليفة إيران، طرفاً في مفاوضات إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، القاضي بمنع نشاط حزب الله ضد شمالي إسرائيل. وهو أمر، إن تحقق، فإنه سيترك علامات، بل خدوشاً، في العلاقات السورية ـ الإيرانية، ذات الخصوصية المعروفة.

·   استطاع أن يحصل على مكاسب إستراتيجية من حليفته، الولايات المتحدة الأمريكية، بعد عدة أيام من وقف إطلاق النار.

(2) الدروس المستفادة

لم تكن الدروس المستفادة، التي أفرزها العدوان الإسرائيلي، ببعيدة عن نظر أطراف الصراع المختلفة، ولكنها مشاهد تتكرر باستمرار، ومن خلال الأطراف نفسها، تقريباً. ودروس هذا العدوان تضفي أبعاداً جديدة، يمكن أن نلخصها في الآتي:

·   موضوعية الدور الفرنسي ـ الأوروبي وإيجابيته، في مواجهة الانحياز الأمريكي المطلق إلى إسرائيل.

·   إن العرب يمكنهم الكثير، إذا ما نسقوا خطواتهم، ونظموا مواقفهم، ولا سيما أن هناك العديد من القوى الدولية، التي تنتظر مثل هذا التنسيق، لكي تعمل بشكل يساند الحقوق العربية.

·   عجز منطق القوة عن تحقيق أهداف، لا صلة لها بالأمن والاستقرار. وتكفي الإشارة إلى أن صواريخ الكاتيوشا، ظلت تضرب شمالي إسرائيل، حتى اللحظات الأخيرة، التي سبقت سريان اتفاق وقف إطلاق النار، الأمر الذي يعني فشل حملة بيريز على المدنيين اللبنانيين.

·   إن الحكومة الإسرائيلية، لا تعرف سوى منطق القوة. فشنت هذه الحرب، لأسباب انتخابية داخلية آملة أن يتحسن وضعها الانتخابي، بتقديم وهم الأمن الغاضب.

ب. النتائج، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية

ومنذ بدء العدوان، في الحادي عشر من أبريل 1996، بسطت الولايات المتحدة الأمريكية حمايتها السياسية على العدوان الإسرائيلي. وهددت باستخدام حق الاعتراض (الفيتو)، في مجلس الأمن، ضد أي مشروع قرار، يطالب إسرائيل بوقف عدوانها، أو يحمل شبه إدانة لهذا العدوان. وهو الأمر الذي أجهض مشروع الدول غير المنحازة، ووضع العقبات أمام المشروع الفرنسي. وبدا واضحاً الصدام في الرؤية، بين الموقف الأمريكي، من ناحية، والمواقف الفرنسية والروسية والصينية، من ناحية أخرى، ولا سيما بعد أن رفضت واشنطن المشروع الفرنسي، وصاغت مشروعاً مضاداً، سعى إلى إلغاء قرار مجلس الأمن الرقم 425، بالدعوة إلى مفاوضات جديدة، بين إسرائيل ولبنان، للنظر في شأن الانسحاب من الجنوب اللبناني. وبدت فرنسا أكثر تفهماً لمواقف لبنان والدول العربية، على النحو الذي انعكس في وجود وزير الخارجية الفرنسي في المنطقة، بتكليف من الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، وتبلور قناتين للوساطة: الأولى فرنسية، في اتجاه بيروت ودمشق. والثانية أمريكية، في اتجاه تل أبيب.

وقد وضح من هذا العدوان، أن الولايات المتحدة الأمريكية أبعد ما تكون عن اتخاذ مواقف معتدلة، تجاه الأطراف المختلفة، إذ إنها اختارت طريق الانحياز المطلق إلى إسرائيل، وقررت تتويجه بمعاهدة تحالف، تدافع، بموجبها، القوات الأمريكية عن إسرائيل، إذا تعرضت لأي هجوم. 

وأدركت واشنطن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها، وذلك من خلال الجولة، التي قام بها كريستوفر، على امتداد ستة أيام، بين العواصم المختلفة، في المنطقة. وأيقن كريستوفر، أن السياسة الشرق أوسطية، قد تحولت إلى ما يشبه الثوب المهلهل المملوء بالثقوب.

كما أدرك كلينتون، أيضاً، أن سياسة التأييد لإسرائيل، أدت إلى التشكيك في مصداقية واشنطن وسياستها في المنطقة.  بل إن كريستوفر، شعر أن ثمة أطرافاً أخرى، أصبح لها ثقل، وبدأت تتدخل في المنطقة، وأن وجود كل من وزيرَي الخارجية، الفرنسي والروسي، داخل المنطقة، قد أفرغ المبادرة الأمريكية من مضمونها. وشعر أنه لن يستطع أن يملي  هذه المبادرة على العرب، ومن ثم، كان لا بد أن يستمع إلى وجهة نظر الأطراف الأخرى، حتى لا تفشل مهمته. بل إن دخول فرنسا في اللجنة الخماسية، أغلق الباب أمام الولايات المتحدة الأمريكية، دون فرض سيطرتها على مهمة هذه اللجنة ونشاطها.

ج. النتائج على مستوى دول المنطقة

ومن الواضح، أن عدوان إسرائيل، أدى إلى تصاعد المواقف في المنطقة، ومن ثم، أصبح هناك ركائز أساسية من أجل استمرار هذا التصاعد. وهي:

(1) بروز جيل جديد من المنظمات الثورية، الراغبة في تدمير نمط التسويات، السياسية والعسكرية، القادرة على شن أعمال فدائية ضد إسرائيل، وخاصة من داخل الأراضي اللبنانية والفلسطينية، وأبرز هذه المنظمات: حزب الله ومنظمة حماس. وهذه المنظمات، لا تستطيع، قطعاً، أن تتصدى لإسرائيل، عسكرياً، أو أن تهزم آلة الحرب الإسرائيلية، بقدراتها الهائلة أو أن تحطم نمط التسويات القائم. ولكنها تستطيع أن توجد مناخاً سياسياً ومعنوياً، قد يفضي إلى تحطيم هذا النمط.

(2) إن الدول العربية، ولا سيما تلك التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل، أصبحت غير قادرة على ردع العدوان الإسرائيلي، عند تكراره؛ فإسرائيل، التي تتمتع بآلة حرب جبارة، لن يكون لديها مانع من تكرار أعمال العدوان، إلاّ إذا واجهت مخاوف حقيقية من ردع إستراتيجي.

ثانياً: موقف الأطراف المختلفة من عملية السلام ، بعد العدوان

1. إسرائيل

ضربت إسرائيل عرض الحائط بعملية السلام، عندما استغلت نتائج مؤتمر شرم الشيخ، وأساءت استخدامها، وتحويلها من هدف ترسيخ السلام، وحفظ الأمن المتكافئ، لكل الأطراف، إلى رخصة لممارسة حماقة القوة، وفرض الأمر الواقع، وإطلاق زمام العدوان. وأيقنت الدول العربية، أن السلام الذي تدّعيه إسرائيل، ليس إلا ستاراً لتحقيق أهداف جديدة، تحت اسم "دولة إسرائيل الكبرى"، ومن ثمّ، بدأت عملية السلام في التراجع.

2. السلطة الفلسطينية

فالفلسطينيون أدركوا أن الاتفاق، الذي عقد مع الجانب الإسرائيلي، ما هو إلا ورقة، لتفتيت الضفة الغربية، وتحويلها إلى "كنتونات" خاضعة لسيطرة إسرائيل، تحاصرها وقتما تشاء.

3. لبنان

أدرك اللبنانيون، أن الصراع مع إسرائيل، من أجل تحرير أرضهم، صراع طويل ولكن ينبثق الأمن من القتال، ومواصلة الضغط على القوات الإسرائيلية المحتلة.

4. سوريه

أدركت سورية، أن إسرائيل، لن تتخلى عن الجولان، وأن الصراع ممتد، وألاّ أما في تحقيق سلام، في هذه المرحلة.

5. مصر

أمّا مصر، فقد تحول السلام بينها وبين إسرائيل، إلى سلام بارد، في ظل مقاطعة شعبية وثقافية. وأيقنت أن إسرائيل دولة لا تهدف إلى تحقيق السلام، وأن سياستهـا في العـدوان، ما زالت مستمرة، وأن أهدافها القديمة، لم تتغير.

6. دول الخليج

أيقنت دول الخليج، أن شيمون بيريز، الذي وعدها بسلام زاهر، كشف عن وجهه الحقيقي، ودمرت إسرائيل، بعدوانها، كل أقاويل السلام والمفاهيم الشرق أوسطية.

ثالثا: العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، بعد توقف العدوان

خلال الأسبوع الأخير من أبريل 1996، وبعد أيام قليلة من وقف القتال في لبنان، توجّه شيمون بيريز إلى واشنطن، للحصول على ثمن اعتدائه على لبنان، من خلال توقيع اتفاق إستراتيجي، أمريكي ـ إسرائيلي، يمثّل حلقة جديدة من سياسة الدعم العسكري الأمريكي، المتواصل، لإسرائيل، حتى أصبحت، بالفعل، "غابة من الأسلحة والمفاعلات والنفايات النووية، تهدد جيرانها وسائر المنطقة بالدمار.

ووفقاً لما أعلنه وليم بيري William Perry ، وزير الدفاع الأمريكي، فإن حجم الدعم العسكري السنوي، الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل حالياً، يصل إلى حدود مليار و 800 مليون دولار، عدا المنح والمساعدات العينية.

ويضم هذا الاتفاق الإستراتيجي الجديد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ما يلي:

1. التزام واشنطن الكامل بالدعم العسكري للجيش الإسرائيلي، وتحديثه وتطويره، حتى يحقق هدف الحفاظ على تفوّقه النوعي المباشر، في مواجهة الدول العربية كلها.

2. التزام الولايات المتحدة الأمريكية، إمداد إسرائيل بأيّ أنواع من الأسلحة، كالطائرات  والمدرعات والصواريخ وغيرها، في حالة حصول أيّ دولة عربية على نوعيات مماثلة، على أن تكون النوعيات المقدمة إلى إسرائيل، أكثر تطوراً من تلك التي تحصل عليها الدول العربية.

3. الالتزام الأمريكي بالتعاون، في إطار الاتفاقية المبرمة مع إسرائيل، في حالة نشوب عمليات عسكرية بين إسرائيل وأي دولة عربية أو إسلامية في المنطقة، قد يكون من نتائجها تهديد أمن إسرائيل.

4. تلتزم واشنطن بالعمل على أن تحقق لإسرائيل كل متطلباتها، في إطار الوضع المماثل تماماً لدول حلف شمال الأطلسي NATO، والتزامها بالسعي إلى قيام علاقات عسكرية وثيقة، بين إسرائيل وبقية دول الحلف.

5. تمديد التعاون بين الجانبين، في مجال الفضاء الخارجي، خاصة الأقمار الصناعية التجسسية، مع اشتراك إسرائيل الفعلي في برنامج حرب النجوم الأمريكي.

6. يلزم الاتفاق الجانبين بالتعاون، العسكري والإستراتيجي، الكامل، إزاء أي تهديدات عسكرية بعيدة المدى، ولاسيما في مواجهة الإرهاب، وتشكيل لجنة، عسكرية وأمنية، مشتركة، تخصص لهذا الغرض.

7. يبدأ الجانبان، الأمريكي والإسرائيلي، في إنشاء مخازن لذخائر وأسلحة أمريكية متطورة، في المناطق الإستراتيجية المهمة، التي تتيح القيام بالعمليات العسكرية السريعة، في المنطقة.

8. إنشاء روابط أمنية، بين رئاستي الأركان، الإسرائيلية والأمريكية، والموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA).

9. التشجيع على إقامة أحلاف عسكرية، بين إسرائيل ودول المنطقة.

وأكد شيمون بيريز، أن هذا الاتفاق الجديد، سيضمن تعهداً أمريكياً صريحاً، للحفاظ على أمن إسرائيل، وضمان التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، على القوات المسلحة لكل الدول العربية كافة. ويتضح من هذا التعليق، أن إسرائيل ما زالت تتحدث بلغة الحرب، التي تفهم السلام على أنه سلام الخضوع والإذعان، كما قال إيهود باراك، في حديث له إلى جريدة "هيرالد تربيون"، في أوائـل مايو 1995: "إن العرب اختاروا السلام، لأنهم أدركوا أنهم لا يستطيعون هزيمة إسرائيل، عسكرياً. ولأنهم على وعي بحقيقة حيازة إسرائيل الأسلحة النووية. ثم إنهم يعرفون جيداً مدى العلاقة الخاصة، التي تربط إسرائيل  بالولايات المتحدة الأمريكية.

هكذا أسدل الستار على واحدة من الجولات اللبنانية ـ الإسرائيلية، التي شدت العالم، وغيرت مسار الحكم في إسرائيل. كما بدلت طريق مسيرة السلام، لتلقي به في غياهب، لم يتمكن أحد، حتى الآن، من إضاءة النور ليكشف المجهول، وراء هذا الظلام. وكان لمذبحة قانا آثارها السياسية الهائلة، في كل أطراف الصراع. فقد أكدت عدوانية إسرائيل، وأن كل ساستها صقور، على اختلاف درجات الشراسة. وأثبتت أنه لا يزال لبنان مسرحاً للحرب بالوكالة وأوضحت دور إيران في المنطقة، وأن لها حدوداً مشتركة مع إسرائيل، ممثلة في حزب الله. وأكدت أنه مهما تقدم الزمن، وتبدلت الظروف، فإن واشنطن تكيل بمكيالين، وأن المصالح الإسرائيلية، تغلغلت في الأوساط السياسية الأمريكية، حتى لا يمكن فصل مصالح إسرائيل عن أهداف أي إدارة أمريكية. وقد صعدت هذه الجولة الدور الفرنسي إلى درجة المسؤولية، المتضامنة مع شعوب المنطقة، واكتسبت فرنسا احترام الجميع، على الرغم من الجفاء، الذي قابلت به إسرائيل الدور الفرنسي.

ولكن، بقي شيء خطير، وهو ضعف الدور العربي، ومحدودية التضامن بين الدول العربية، في مواجهة الأزمات، التي تحلّ بالمنطقة.

أمّا على مستوى الأمم المتحدة، فقد شهدت قاعات الجمعية العامة حرباً حقيقية، بين شجاعة الأمين العام، الذي أصر على أن يعلن التقرير الكامل لمذبحة قانا، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة الأمريكية، واستهجان إسرائيل. ولكن الدكتور غالي، رأى أن مسؤوليته الأدبية، وموقعه، يحتمان أن يكون إلى جانب تحقيق العدل والسلام الدوليين، فيعلن للعالم من هو الجاني ، ومن هم الضحية، وربما تكون شجاعته، هي التي أطاحت منصبه، بعد ذلك، ولكن التاريخ، سيسجل له هذه الشجاعة.

وأخيراً، وبعد أن أغلق ملف قانا، فإن الأوضاع في الجنوب اللبناني، أصبحت أشد حساسية، ولم يهدأ القتال في يوم من الأيام. ولكن الجديد في الأمر، هو أن حزب الله، نجح في اختيار أهدافه، التي يوجّه إليها ضرباته، التي تؤلم إسرائيل (اُنظر خريطة موقف القوات المختلفة)