إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / العنف والعنف المضاد بين العرب والإسرائيليين









أولاً:

المبحث الأول

أحداث العنف بين العرب والإسرائيليين من 1882 حتى 1973

يقصد بأعمال العنف والعنف المضادّ تلك الأعمال، التي قامت بها المنظمات والقوات المسلحة العربية، وتلك التي شكلتها المنظمات اليهودية، ثم القوات الإسرائيلية، ضد عناصر غير مسلحة أو غير عسكرية من الجانب الآخر. ولا شك أن هذه الأعمال اختلفت، من حيث شدتها والأسلحة المستخدمة فيها، وطبيعة أهدافها، وطول مددها، وحجم وطبيعة ونوع  الخسائر الناجمة عنها.

لقد تطور العنف، في الصراع بين العرب والإسرائيليين، وفقاً للمراحل التي مر بها. فكانت بداية الصراع بين عرب فلسطين والمستوطنين الإسرائيليين، الذين تمكنوا من شراء أراضي محدودة، قبل الحرب العالمية الأولى، أي من عام 1882 إلى عام 1914. وما لبث أن تطور، في الفترة من 1914 إلى 1948، تطوراً واضحاً أثناء الحرب وبعدها، وعلى أثر وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وتشجيع المندوب السامي البريطاني هجرة اليهود إلى فلسطين، وحماية تنظيماتهم العسكرية فيها، حيث تصاعدت المقاومة العربية للمشروع الصهيوني، في حين توحشت المنظمات اليهودية، العسكرية وشبه العسكرية الإرهابية، وأصبحت تمارس أعمال عنف أشد قسوة ضد الفلسطينيين، الذين لا يستجيبون لمطالبها، وليس ضد الذين يقاومونها فقط. واشتد العنف مع اقتراب موعد انسحاب قوات الانتداب، في 15 مايو 1948، بهدف إخلاء فلسطين من أهلها. ولم يتوقف العنف، بعد انسحاب القوات البريطانية، وإعلان قيام إسرائيل، بل أمعنت إسرائيل في استخدامه، إنما ضد الأهداف ذات الطابع المدني.

أولاً: أحداث العنف والعنف المضاد بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود (1882 - 1914)

الاستيطان الصهيوني

بدأت الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين، في العام 1882. وقاومها الشعب الفلسطيني بأشكال متعددة، جمعت بين أسلوب العنف، متمثلاً في مهاجمة بعض المستعمرات، (مستعمرة بتاح تكفاه (1886) ومستعمرة الخضيرة (1892) والأساليب السلمية، متمثلة في الجهود الدبلوماسية، والتوعية الإعلامية.

ثانياً: العنف بين الحربين العالميتين

1. الهجرة اليهودية

سنت الإدارة البريطانية في فلسطين مجموعة من القوانين والأنظمة، التي تساعدها على الوفاء بتصريح بلفور، وإيصال فلسطين إلى حالة، تمكِّن الصهيونيين من ترسيخ الاستعمار الاستيطاني وتوسيعه، أرضاً ومهاجرين. ومن تلك القوانين والأنظمة قانون المهاجرة (1920)، وقانون الأراضي المحلولة (1921)، وقانون منع الجرائم (1933)، إضافة إلى فتح باب الهجرة، وإباحة بيع الأراضي لليهود. ولم تفعل سلطات الانتداب شيئاً للحدّ من الهجرة غير المشروعة، أو الأساليب غير القانونية لبيع الأراضي، أو الحؤول دون تهريب السلاح إلى المنظمات العسكرية الصهيونية. وجندت حرساً للمستعمرات اليهودية، وأنشأت قوة خاصة من الشرطة، عرفت بـ "البوليس الإضافي"، للدفاع عن المدن والمستعمرات اليهودية. واندفعت تعزّز حرس المستعمرات وتضاعف ضباط "البوليس الإضافي" وجنوده. زوّدتهما بكميات وفيرة من الأسلحة والمعدات، التي كانت موجودة في معسكرات الجيش البريطاني في فلسطين، وفي حين حظرت على المواطنين العرب حمْل أي سلاح للدفاع عن حقوقهم وحياتهم.

2. ثورة عام 1920

ثار الفلسطينيون على هذه السياسة وتلك التشريعات، فضلاً عن الغزوة الصهيونية. وتصاعدت المقاومة الفلسطينية وأصبحت فلسطين مسرحاً لأعمال العنف، التي سادت أرجاءها. ورد الصهيونيون، بدعم من حكومة الانتداب ومساعدتها، بعنف مماثل، للاحتفاظ بما حققوه من مكاسب. أخذت جماعات فلسطينية تهاجم بعض المستعمرات، مثل مستعمرتَي حي والمطلة، في منطقة الحولة، في مارس 1920، وبعض الحاميات البريطانية. وفي مناسبة احتفال العرب بموسم النبي موسى، في مدينة القدس، تعرضوا لهجوم من اليهود والجنود البريطانيين، واستمر القتال في المدينة خمسة أيام (4 ـ 8 إبريل 1920).

3. تصاعد  المقاومة الفلسطينية

نشطت المنظمة الصهيونية العالمية، بجناحيها: المدني (الوكالة اليهودية)، والعسكري ("الهاغاناه" 1921) و("الإرغون" 1931) ثم (" شتيرن" 1937)، لجعل وعد بلفور واقعاً. وكثف الجناح العسكري، عملياته العسكرية، وصعّد العنف والإرهاب بمختلف أشكالهما، واستعمل شتى الأسلحة لتوسيع قاعدة الاستعمار الاستيطاني، واحتلال المزيد من الأرض، وطرد المزيد من أصحابها العرب، تمهيداً لإقامة الدولة العبرية.

بادرت المقاومة الفلسطينية إلى العنف، رداً على العنف الصهيوني المسلح ومنظماته الإرهابية. فنشبت ثورات وانتفاضات متعددة، ومترابطة الحلقات، أبرزها: ثورة 1921، وثورة البراق 1929، وثورة 1935، والثورة الكبرى 1936 - 1939، ضد الانتداب البريطاني والاستعمار الصهيوني معاً.

وشهدت مدينة يافا اصطدامات دموية، انتهت باستشهاد 157 عربياً ومقتل 47 من الصهيونيين والبريطانيين.

4. ثورة البراق 1929

وقعت أحداث البراق في القدس ونابلس والخليل وصفد وغيرها، في أغسطس 1929. وتجسدت في اصطدامات دموية، استشهد فيها 116 عربياً، وقتل 133 يهودياً. ودمرت القوات البريطانية عدة قرى، ودمر العرب عدة مستعمرات.

ونظّم أهل صفد جماعة مناضلة، لمقاومة البريطانيين والصهيونيين، هي عصابة الكف الأخضر. اعتصم رجالها بجبل الجرمق، على بعد 10 كم من صفد. وعملت كتيبة فرسان بريطانية، أكثر من عام، في البحث عنهم.

بدأت العصابة نشاطها بالهجوم على الحي اليهودي في صفد، في أكتوبر 1929، وكررته في منتصف نوفمبر التالي، بعد إنضم إليها عدد من الثوار السوريين، الذين تمرسوا بحرب الاستعمار الفرنسي، في ثورة 1925. وعمد المناضلون، بعد ذلك، إلى نصب المكامن في عكا. ولكن سلطات الانتداب عملت على محاصرتهم، وشن عمليات عسكرية كثيفة عليهم، لا سيما في الشهرين الأولين من عام 1930، واعتقلت 16 مناضلاً من أفراد الجماعة المؤسسين، وألقت القبض على قائدها في الأردن. وبذلك، توقف نشاطها.

5. ثورة القسام 1935

وجد الشيخ عز الدين القسام، في مدينة حيفا ومنطقتها، مكاناً صالحاً لخلق بؤرة ثورية منظمة، تعمل بكتمان وسرية، وتكون رداً على الغزوة الصهيونية والاستعمار البريطاني، وضداً لهما. وأعطى لثورته طابعاً قومياً، ونشر دعوته بين الفلاحين والعمال. قام بالإعداد النفسي، ونشر الروح الثورية، ثم أنشأ حلقات سرية، وألَّف لجاناً لجمع التبرعات وشراء السلاح، ثم قام بالثورة المسلحة.

بدأ القسام بالضربات الخاطفة، والأعمال الفردية، والمحلية، ضد المستعمرات الصهيونية ودوريات الجيش البريطاني والشرطة، بأسلوب حرب العصابات: اضرب واهرب. وحافظ على سرية المنظمة، حتى إنه حينما قرر مباشرة العمل الثوري، ميدانياً، لم يكن البريطانيون أو اليهود يعلمون شيئاً عن منظمته. إلى جانب ذلك، قام ببعض الاصطدامات الشديدة، والواسعة، في مدن وقرى الناصرة وبيت جن وجبل الكرمل وبلد الشيخ وأم الزينات وفرادة وعرابة والبطوف ومستعمرة نهلال ومستعمرة عتليت.

قاد القسام عدداً من رفاقه إلى الجبال القريبة من حيفا، حيث انتشروا في أحراج "يعبد" من قضاء جنين، وجعلوا قرية الشيخ زيد قاعدة لهم، في حين تسرب عدد آخر من المنظمة إلى حيفا، لمساندة الهجوم المنتظر من القسام على المدينة.

حاصر الجيش البريطاني أحراج "يعبد" بقوات كبيرة، مدعومة بالمدرعات والطائرات. فوقعت اصطدامات بين الطرفين، استمرت نحو خمسة أيام. ثم شدد البريطانيون هجومهم، حتى استشهد القسام وبعض رفاقه، في 20 نوفمبر في حين جُرح وأُسر آخرون.

أعاد القساميون تنظيم أنفسهم، بقيادة خليل محمد عيسى (أبو إبراهيم الكبير)، في حين ازداد عدد أفراد المنظمة. واستأنفت شن الهجمات على المستعمرات الصهيونية وقوات الجيش والشرطة. ووقعت معارك خطيرة في دالية الكرمل، وشعيا والمغار ولوبية وصفورية وغيرها.

6. ثورة 1936

أبت الحكومة البريطانية أن تحترم إرادة العرب، وواصلت تحديها لهم، وأعلن مستر أورمسبي غور، أمام مجلس العموم،  أن الحكومة لا تفكر إطلاقاً في وقف الهجرة. فيما أعلن المندوب السامي البريطاني في فلسطين بياناً رسمياً، تضمن هذا المعنى. وقررت الحكومة البريطانية إصدار شهادات هجرة جديدة، لإدخال أربعة آلاف وخمسمائة مهاجر يهودي إلى فلسطين، خلال أبريل 1936.

أهاج هذا التحدي السافر شعور الفلسطينيين، وقرر مجلس قيادة تنظيم سري، برئاسة عبد القادر الحسيني، تخويل رئيسه ومجلسه نفسه إعلان الثورة في الظرف المناسب، وأعلنوها في 7 مايو 1936.

فوجئ اليهود والبريطانيون، فجر السابع من مايو، بهجمات مسلحة عنيفة، ومنظمة، ومركزة، تشن عليهم في مختلف أنحاء البلاد، وطرق المواصلات الرئيسية تدمر، والجسور تهدم، وأسلاك البرق والبريد تقطع، ومراكز الحكومة ودوائرها، في المدن الكبرى، تنسف وتحرق. وانقضّ الثوار من بيت سوريك، شمال غربي القدس، على ثكنة للجيش البريطاني بالقرب منها، حيث دمروا الرادار فيها، ثم انطلقوا إلى منطقة القسطل، لقطع طريق المواصلات الرئيسي بين القدس ويافا. وفي الوقت نفسه، اندفعت قوات الجهاد المقدس، من قواعدها، في بتير وقالونية وعين كارم وساريس وأبو ديس وقطنة وصوبا والعيسوية وغيرها من قرى قضاء القدس، اندفعت تهاجم ثكنات الجيش ومراكز الشرطة وحرس المعسكرات اليهودية. بينما شرعت فِرق التدمير، التابعة لجيش الجهاد المقدس، تنسف الجسور وبعض طرق المواصلات، وتزرع الألغام تحت الخط الحديدي وفي الطرقات، التي كان من المتوقع وصول النجدات العسكرية البريطانية عبْرها، وتقوّض أعمدة الهاتف والبرق وتقطع الأسلاك. وانطلقت فصائل المجاهدين وخلاياهم، المخصصة للعمل داخل المدن، تهاجم مراكز الجيش والشرطة في مدينة القدس، وتشعل النيران في دوائر الحكومة، وتزرع الألغام في المناطق المُحيطة بالأحياء اليهودية. ووقعت في سائر فلسطين أعمال مماثلة، كان مسرحها الجبال وبعض المدن، منها معارك في نور شمس (21 يونيه 1936)، ومالجاعونة (12 أغسطس)، وبلعة (13 سبتمبر)، واليامون (3 مارس)، وبئر السبع (9 سبتمبر)، وطبرية (أكتوبر) والقدس (17 أكتوبر). وقد استشهد في هذه العمليات 224 ثائراً عربياً، في حين قتل 33 بريطانيا و80.

7. ثورة 1937

في الأسبوع الأخير من مارس 1937، باشر اليهود اقتراف أعمالهم العدوانية ضد العرب. ففي 26 مارس، فجروا الألغام والقنابل في سوق حيفا القديم، فقتلوا عدداً من الأطفال والنساء والشيوخ. وفي 28 منه، اقترفوا جريمة مماثلة في يافا، وأعقبوها بإلقاء القنابل والمتفجرات، في 30 مارس، في القدس والرملة، على المراكز التي يحتشد فيها الناس، كالمقاهي والأسواق، فقتلوا وجرحوا عدداً كبيراً من المدنيين. وفي 31 مارس، هاجمت قوة يهودية مسلحة، تابعة للهاغاناه، بعض القرى العربية في قضاء يافا. وردّ العرب، فوراً، على الأعمال اليهودية بالمِثل. وفي مطلع أبريل، وقعت اشتباكات واصطدامات بين العرب واليهود في القدس ويافا وصفد ... وتوقفت على أثرها الاعتداءات اليهودي.  

8. معركة بني نعيم

كانت معركة بني نعيم ـ قرية قريبة من الخليل ـ أعنف معارك الثورة وأشدها خطراً. وقد وقعت في مطلع يوليه 1938. إذ قرر المجاهدون، بعد الانتصارات التي حققوها في مختلف أنحاء فلسطين، أن يعملوا على طرد  القوات البريطانية من مدينة الخليل، وقرى جبل الخليل، ثم تحرير منطقة الجنوب.

حشد عبدالقادر الحسيني، قائد جيش الجهاد المقدس، قوة كبيرة من المجاهدين، تقدر بألف مقاتل، في قرية بني نعيم وما حولها. فجهز البريطانيون، بدورهم، حملة كبيرة، قدر عددها بثلاثة آلاف جندي، إضافة إلى نحو ألف رجل من رجال الشرطة و"البوليس الإضافي" وقوة حدود شرق الأردن. وزوّدت الحملة بسبع عشرة عربة مدرعة، وبطاريتَي مدفعية، ورشاشات ثقيلة، نقلت، جواً، من قاعدة بريطانيا في قناة السويس.

دارت معركة عنيفة بين الجانبين، استمرت نحو أربعين ساعة، تغلب فيها المجاهدون على قوات حكومة الانتداب، في اليوم الأول. لكن القوات البريطانية، أرسلت دعماً جديداً، في الليل، وتمكنت من إيقاف انتصار المجاهدين، وتطويقهم من جميع الجهات، ومهاجمتهم. فأمر عبدالقادر الحسيني المجاهدين بالانسحاب، وشق طريقه، بالقوة، عبْر خطوط الجيش البريطاني، وانقض عليه من الخلف، فقصفت القوات البريطانية المجاهدين بالمدفعية، وأطلقت نيران الرشاشات، فاستشهد أكثر من مائة وأربعين من العرب، وجُرح الكثيرون. كما قُتل وجُرح كثيرون من الجانب الآخر.

لما أعيت حكومة الانتداب الوسائل في القضاء على الثورة، عمدت إلى أقسى الإجراءات الظالمة ضد الشعب الفلسطيني، كما أمعنت في خطة النسف والتدمير في عشرات القرى ومئات البيوت في المدن.

بدأت الثورة يوم 2 نوفمبر 1937، بإضراب عام، شامل، في مناسبة ذكرى وعد بلفور. إذ انقض، فجر ذلك اليوم، عبدالقادر الحسيني وفصائله على مراكز الجيش البريطاني وثكناته وتجمعاته في لواء القدس، وهوجمت طرق المواصلات الرئيسية، التي تربط القدس بالساحل (يافا ـ تل أبيب)، ونشبت معركة على مقربة من ممر باب الواد. كما هاجم المجاهدون حراس المستعمرات اليهودية، وهاجمت حاميات المدن الفلسطينية ثكنات الجيش والشرطة، فألقيت المتفجرات على دوائر الحكومة ومراكزها، وقطعت أسلاك البرق والهاتف، وطُوقت الأحياء اليهودية في القدس ويافا وصفد. 

في 19 مايو 1939، أعلنت الوكالة اليهودية، في بيان لها، رفض الكتاب الأبيض البريطاني. وتظاهر اليهود في القدس وحيفا وتل أبيب، ضد السياسة البريطانية. وبعد أيام، انطلق اليهود يعتدون على العرب، في المناطق القريبة من تل أبيب والمستعمرات اليهودية. واندفع الإرهابيون والعديدون من أفراد منظمة الهاغاناه، يقترفون المجازر والجرائم ضد العرب. وفي 30 مايو هاجم اليهود بحشود كبيرة المدنيين العرب في القدس، فقتلوا منهم خمسة، وجرحوا خمسة عشر. ثم راحوا يزرعون الألغام والمتفجرات في الأحياء والأسواق العربية. فقتل في سوق الخضار في حيفا، تسعة عشر رجلاً وسبع نساء وثلاثة أطفال، وجُرح كثيرون. كما قتل في أسواق الرملة والقدس وحيفا، من جراء المتفجرات والألغام، عدد غير قليل من النساء والأطفال والشيوخ.

9. العنف قبل انتهاء الاحتلال البريطاني 1947 ـ 1948

بعد التصويت على قرار تقسيم فلسطين، في 29 نوفمبر 1947، انفجرت الاضطرابات في فلسطين. فقد دعا العرب إلى إضراب، مدته ثلاثة أيام، ونظموا المظاهرات الاحتجاجية. وانبرى اليهود يحتفلون بانتصارهم السياسي. وقدر أن حوالي 1700 شخص، من كلا الجانبين، لاقوا حتفهم، خلال الأيام المائة، التي تلت إقرار مشروع التقسيم، مما دعا الأمم المتحدة إلى التفكير في إعادة النظر في القرار المذكور.

في 24 مارس 1948، حذر مندوب الوكالة اليهودية مجلس الأمن الدولي، من "أن الشعب اليهودي، سيعارض أي اقتراح، يهدف إلى منع أو تأجيل إقامة الدولة اليهودية". وقرر الصهيونيون إحباط كل محاولة، يقوم بها مجلس الأمن الدولي، قد تبطل مفعول قرار التقسيم، وأن يكونوا هم أنفسهم القانون، ويواجهوا الأمم المتحدة بالأمر الواقع. فعمدت الهاغاناه، والجماعتان المنشقتان عنها: الإرغون تسفائي لؤومي وعصابة شتيرن، إلى مهاجمة السكان العرب بضراوة.

كان من سياسة اليهود تشجيع العرب على مغادرة ديارهم، واقتلاع المتشبثين منهم بقراهم، عنوة. غير أن الحادث الذي أشاع الذعر، وعجّل في هرب السكان العرب، كان المذبحة، التي ذهب ضحيتها 250 قتيلاً، بين امرأة ورجل وطفل، في قرية دير ياسين، في 9 إبريل 1948. ووفقاً لوصف الكاتب اليهودي، جون كيمشي، فإن هذا الاعتداء "أبشع وصمة في تاريخ اليهود". ووصف وزير العدل الإسرائيلي السابق، دوف جوزيف، الهجوم بأنه "كان متعمداً وبلا استفزاز". في حين أن قائد الهجوم، مناحم بيجين، يقول: "لولا النصر في دير ياسين، لما كان هناك دولة إسرائيل". 

أما دافيد بن غوريون، فيقول: "ما أن أطل شهر أبريل 1948، حتى كانت حربنا الاستقلالية، قد تحولت بصورة حاسمة من البالماخ، وسرعان ما أظهروا الحماسة التي أحيت جيشنا بسرعة، وقادته إلى النصر. وفي عملية نخشون، نظفت الطريق المؤدية إلى القدس، في مطلع أبريل، وتم احتلال القدس الجديدة كلها تقريباً. وطرد الثوار من حيفا ويافا وطبرية وصفد بينما كان الانتداب أو يومين من الغزو العربي لم تكن مستعمرة قد فقدت أو طريق قد قطعت . وبدأ العرب بالهرب من المدن، حالما بدأت الاضطرابات، تقريباً، في الأيام الأولى من ديسمبر 1947.

ويقول مناحم بجين، رئيس جماعة إرغون تسفائي لؤومي الإرهابية: "كنا في القدس وغيرها أول من انتقل من الدفاع إلى الهجوم، وبدأ العرب يفرون خائفين، وكانت الهاغاناه تقوم بهجمات ناجحة على الجبهات الأخرى، فيما كانت جميع القوات اليهودية، قد بدأت تتقدم عبْر حيفا، كالسكين في الزبد. وراح العرب يفرون مذعورين، وهم يصيحون: "دير ياسين"، ويتابع مناحم بجين، قائلاً: "في الأشهر التي سبقت الغزو العربي، وفيما كانت الدول العربية الخمس تتأهب، كنا نواصل هجماتنا على الأراضي العربية. ويُعَدّ اجتياح يافا حدثاً له أهميته الأولى في الكفاح من أجل الاستقلال العبري. وكان ذلك في أوائل مايو، أي عشية الغزو الذي قامت به الدول الخمس ...".

توزعت الهجمات الإسرائيلية الرئيسية وعمليات الاحتلال والطرد، التي جرت قبل أن يغادر البريطانيون فلسطين، في 14 مايو، وقبل أن يدخل جندي واحد من الدول العربية فلسطين على ثلاثة محاور:

أ. الأراضي المخصصة للدول العربية : هوجمت القرى العربية: قزاز وسلمة وسريس والقسطل وبيار عدس ومدينتا يافا وعكا، خلال الفترة بين ديسمبر 1947 ومنتصف مايو 1948.

ب. الأراضي المخصصة للدولة اليهودية: هوجم السكان العرب في مدن طبرية وحيفا وصفد وبيسان، ومئات من القرى العربية، وأجبروا على الفرار، أو طردوا قبل 15 مايو 1948.

ج. ضمن المنطقة المخصصة لقطاع القدس الدولي: وقعت مذبحة دير ياسين، في 9 أبريل 1948، وهوجم حي القطمون العربي، واحتل، في 29 أبريل 1948.

طرد، خلال هذه الأشهر الستة، حوالي 400 ألف عربي فلسطيني من ديارهم، وأصبحوا لاجئين، أي أن أكثر من نصف عرب فلسطين، صاروا لاجئين؛ فقد طردوا طرداً أو حُمِلوا على الفرار، قبل 15 مايو، اليوم الذي دخلت فيه القوات العربية فلسطين.

10. مذبحتا بلد الشيخ وحواسة (1/1/1948)

هاجم الصهيونيون قريتَي بلد الشيخ وحواسة، الواقعتين إلى الجنوب الشرقي من حيفا، مستهدفين إشاعة الذعر، وبث الخوف بين العرب، من أجل تهجيرهم من قراهم. وقد بدأ الهجوم في الساعة الأولى من اليوم الأول من عام 1948. وكان عدد المهاجمين يراوح بين 150 صهيونياً و200 صهيوني، قذفوا البيوت بالقنابل، وقتلوا سكان القريتين بالرشاشات، بعد أن حاصروهما.

11. مذبحة دير ياسين (9 ـ 10 أبريل 1948)

تعرضت قرية دير ياسين التي فاق عدد سكانها 600 فلسطيني، عام 1948، لمذبحة، لعبت الدور الأول فيها منظمتان صهيونيتان إرهابيتان، هما: الإرغون تسفائي لؤومي، وكان يرأسها، حينئذ، مناحم بجين والثانية هي شتيرن. ولعبت الهاغاناه في المذبحة دوراً مهماً، حاولت إخفاءه. وقد أصبح اسم القرية العربية، التي أبيد أهلها العرب، ولم ينجُ منهم إلا أفراد قلائل، رمزاً للإرهاب الصهيوني، المرتبط، بدوره، ارتباطاً عضوياً بالعقيدة الصهيونية. تهيأت قوة المنظمتين الإرهابيتين، الإرغون تسفائي لؤومي وشتيرن، التي يفوق قوامها ثلاثمائة مقاتل، لاحتلال دير ياسين، في عملية عسكرية، اسمها "أحدوت"، متفرعة من عملية "ناخسون"، المتعلقة بالقدس ومنطقتها.

في الساعة الثانية من صباح 10 أبريل 1948، أُعطي الأمر بالهجوم على دير ياسين، فتحركت وحدات الإرغوان، إضافة إلى عناصر من منظمتَي الهاغاناه والبالماخ، لاكتساح دير ياسين من الشرق إلى الجنوب. وتبعتهم وحدة من شتيرن، في سيارتين مصفحتين، وضع عليهما مكبر صوت. ويروي بجين، في حديثه عن المذبحة، أن العرب دافعوا عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة، فكان القتال يدور من منزل إلى منزل. وكان اليهود كلما احتلوا بيتاً، فجّروه على مَن فيه. بالمتفجرات (ت. ن. ت)، التي كانوا قد أحضروها لهذا الغرض. وبعد تقدم بطيئ في الظلام، وقبيل ساعات الصباح الأولى، بدأ احتلال القرية وتدميرها على من فيها. ودخل إرهابيو شتيرن، تتقدمهم سيارة مصفحة، تحمل مكبراً للصوت، وهدفهم أن يصِلوا إلى قلب القرية. وكان المذياع يقول للعرب: " إنكم مهاجمون بقِوى أكبر منكم. إن المخرج الغربي لدير ياسين، الذي يؤدي إلى عين كارم، مفتوح أمامكم، فاهربوا منه سريعاً، وأنقذوا أرواحكم".

لكن سكان القرية، الذين صدقوا النداء، وخرجوا من بيوتهم هاربين، اصطيدوا برصاص الإرهابيين الصهيونيين. وأما الذين بقوا في منازلهم، ومعظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، فكان لا بد من الإجهاز عليهم. فأخذ اليهود يلقون القنابل داخل البيوت، فيدمرونها على من فيها. وعندما بدا أن تقدم الإرهابيين الصهيونيين كان أبطأ مما توقعوا، واستغرق الوصول إلى قلب القرية نحو ساعتين، انبرى محاربو الإرغون وشتيرن، ومعهم المتفجرات، إلى قتل كل ما يتحرك في دير ياسين. واستمر تفجير المنازل وإطلاق الرصاص حتى قبل ظهر 10 أبريل 1948، حين تم احتلال القرية كلها. ثم عمدت وحدة من الهاغاناه إلى حفر قبر جماعي، دفنت فيه مائتين وخمسين جثة عربية.

قال مناحم بيجين، في كتابه "الثورة"، عن المذبحة: "قبل أن تسقط القدس، قمنا بأعمال كثيرة جليلة؛ فقد استطاع رجالنا أن يخترقوا باب العمود وباب الخليل، ويكبدوا العدو العربي خسائر جسيمة. وهاجم رجالنا قرية شعفاط. وفي 9 ـ 10 أبريل قاموا، أيضاً، مع رجال شتيرن، باحتلال دير ياسين، وأما تنصل الهاغاناه وقائدها من عملية دير ياسين، فقد واجنهاه برسالته، التي وجّهها إلى قائدنا وقائد شتيرن في المعركة، في 7 أبريل ... كان لهذه الحملة الصهيونية نتائج كبيرة غير متوقعة. فقد أصيب العرب، بعد أخبار دير ياسين، بهلع لا حدود له، فأخذوا بالفرار، للنجاة بأرواحهم، وسرعان ما تحول هذا الهرب الجماعي إلى اندفاع هائج، جنوني، لا يمكن كبْحه أو السيطرة عليه. فمن أصل 800000 عربي، كانوا يعيشون على أرض إسرائيل الحالية، لم يتبقَ سوى 165000 فقط. إن الأهمية الاقتصادية والسياسية لهذا التطور، لا يمكن المبالغة فيها، مهْما قيل".