إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القرصنة البحرية




محاكمة قراصنة صوماليين
السفينة الأوكرانية المخطوفة
القراصنة فوق الناقلة السعودية
القرصان ويليام كيد
القرصان جون روبرتس
القرصان ذو اللحية السوداء
استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة
قراصنة يعتلون سفينة

ملابس القرصان
العملية الأوروبية "أتلانتا"
علم القراصنة

الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح
الملاحة عبر قناة السويس
التواجد الأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر
طرق الملاحة البحرية



مقدمة

مقدمة

أدت الحرب الأهلية في الصومال، وترك الرئيس "سياد بري" للسلطة عام 1991، إلى حدوث انقسامات وفوضى ومجاعات، وتعرض المواطنون للصدامات المسلحة، ما ساعد على ظهور القرصنة البحرية وانتشارها، حتى أصبحت ظاهرة لا بد من وقفها والتصدي لها بعدما باتت خطراً عاماً يهدد الملاحة الدولية.

الظروف الصعبة التي واجهت المواطنين الصوماليين هي السبب الرئيس وراء تحول البحارة والصيادين الفقراء إلى القرصنة حرفة، بهدف الكسب السريع؛ إذ هي في اعتقادهم حرفة مربحة وسهلة. وبعد انتشار ظاهرة القرصنة وظهور قراصنة مدربون ومحترفون، فمن المحتمل جداً، في المستقبل القريب، بروز جهات تغذي هؤلاء القراصنة وتقدم لهم الدعم المادي بشتى صوره لاستخدامهم في أعمال أخرى إرهابية.

لقد أعادت ظاهرة القرصنة في الصومال إلى الأذهان عمليات القرصنة في البحار والمحيطات، التي كتب عنها الرحالة والمؤرخون في العصور القديمة، ولكنها لم تكن بهذه القوة والضراوة والجرأة التي نراها حالياً على أيدي قراصنة الصومال، بما يؤكد أنهم لا يعملون وحدهم، وإنما وراءهم جهات منظمة تزودهم بالسلاح وأحدث المعدات الملاحية والمعلومات عن السفن المبحرة في البحر الأحمر، والدليل على ذلك الاستيلاء على السفينة الأوكرانية التي كانت تحمل دبابات روسية، وأيضاً ناقلة النفط السعودية العملاقة "سيروس ستار"، وغيرها من السفن الأخرى الكبيرة التي تحمل أعلاماً لبلدان من الشرق والغرب.

وفجرت عمليات القرصنة قضايا عديدة، وفتحت ملفات مغلقة، ولفتت الأنظار إلى أمور وزوايا كانت غائبة عن كثيرين من الناس، وأول ما فجرته عمليات القرصنة هو ماهية القراصنة وأهدافهم وتوجهاتهم، ولعل ازدياد العمليات ازدياداً ملحوظاً، ومدى التقدم التقني والعسكري الذي يُبديه القراصنة، يجعلنا نتساءل عن الجهة التي تمول القراصنة وتدربهم، والمصلحة التي تعود عليهم من هذا الدعم، علماً بأن البحر الأحمر وخليج عدن هما الطريق الوحيد لتجارة الدول العربية المطلة عليهما كالأردن والسودان وجيبوتي، وهو طريق شديد الأهمية لتجارة كلتيهما مصر والسعودية، على الرغم من أن لكل منهما إطلالة على بحار غيره، كالبحر المتوسط بالنسبة لمصر والخليج العربي بالنسبة للسعودية.

كذلك تتأثر الملاحة في قناة السويس بارتباك الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، لأنهما يعدان امتداداً للقناة، إذ لا بد أن تمر السفن العابرة لقناة السويس بالبحر الأحمر، إما قبل العبور أو بعده، ومن هنا فإن دخل مصر من القناة يتأثر بما يحدث من قرصنة في البحر الأحمر.

لقد تصاعدت ظاهرة القرصنة البحرية في العالم عموماً، وبالذات القرصنة الصومالية في منطقة خليج عدن وبحر العرب، التي يضعها الإعلام العالمي في بؤرة الاهتمام لأنها تمثل ممراً لجزء كبير من حركة التجارة العالمية المحملة بالنفط والمتجه من البلدان العربية وإيران إلى الأمريكتين وأوروبا غرباً، وشرقاً وإفريقيا.

ولقد أثار هذا التصاعد الكبير لعمليات القرصنة الصومالية في خليج عدن وبحر العرب اهتماماً كبيراً، حول أسباب هذه الظاهرة وتضخمها السريع، والآليات الممكنة لمواجهتها في الأجل القصير والأجل الطويل، حيث من الواضح أن تفكك الدولة الصومالية جعل أرض هذا البلد العربي المنكوب بصراعات القبائل وأمراء الحرب مرتعاً لكل أنواع الخارجين على القانون، الذين لم يواجهوا بأي ردع إقليمي أو دولي، ما أغرى القراصنة بتوسيع نطاق أعمالهم نتيجة لتوفر الأموال التي تتدفق عليهم.

وقد بدأت موجة عالمية من الحديث عن أمن السفن المارة في قناة السويس، وأعلنت بعض الشركات الملاحية عن نيتها لتحويل مسار السفن التي تملكها أو تديرها عن القناة، باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح، البديل الوحيد، ما وضع قضية القرصنة الصومالية في بؤرة الضوء في مصر ومنطقة البحر الأحمر وقطاع النقل البحري العالمي عموماً، ولكن هذا التحول مرتفع التكاليف من ناحية، ولا يخلو من المخاطر الإضافية المتعلقة بالطقس والتموين والصيانة من ناحية أخرى، بينما تختصر الرحلة البحرية عبر قناة السويس نحو ثلاثة أسابيع عن زمن نظيرتها عبر طريق رأس الرجاء الصالح ، بكل ما يعنيه ذلك من انخفاض التكاليف بصورة مؤثرة وسرعة وصول السفن إلى مقصدها.

وجدير بالذكر أن إسرائيل سعت منذ نشأتها لتدويل البحر الأحمر، إذ إن جميع دول البحر عربية، وهو الأمر الذي يحد من مخططاتها للسيطرة على المنطقة العربية بأسرها، ولذا ركزت على تمزيق الصومال استهلالاً لتدويل البحر، والسيطرة على طرق الملاحة فيه، ونتيجة لذلك مهدت إسرائيل لمخطط تدويل البحر الأحمر حيث قامت في 24 أغسطس 1980 بوضع حجر الأساس لمشروع قناة "البحرين" التي تصل البحر الأحمر بالبحر الميت، خطوة أولى نحو إنشاء الجزء الثاني من القناة، التي ستسير غرباً لتصل إلى البحر المتوسط عند منطقة حيفا، وذلك لإيجاد قناة مشابهة لقناة السويس. وينطلق هذا المخطط من حقيقة كونها لا تمتلك سوى عدة أميال في إيلات على شاطئ البحر الأحمر، لا تتيح لها أن تكون القوة البحرية، أو تأمين خطوط الإمداد في حالتي السلم والحرب.

لذا لا بد من العمل على إيجاد حلول جذرية لمعاناة الشعب الصومالي، والعمل على توحيد فصائله المتناحرة على السلطة، لأن المحافظة على هذا البلد سيحل الكثير من المشكلات التي باتت تؤرق بال العالم، وسيقضي على ظاهرة القرصنة التي إن بدت صغيرة في مفهومها السطحي عملاً إجرامياً فردياً أو عصابياً محدوداً، إلا أنها تحولت إلى كابوس يهدد الملاحة البحرية وأمن البحر الأحمر، ثم قناة السويس.

ومنذ بدء أعمال القرصنة، لم تختطف سفينة أمريكية واحدة أو إسرائيلية في البحر الأحمر، ولا يُستبعد وجود دور خفي للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في إبقاء عمليات القرصنة في البحر الأحمر، في محاولة لتدويل القضية، والذي يُعد استعداداً طبيعياً لمشروعات الوجود الأمريكي في إفريقيا، وهدفه غير المعلن هو تأمين تدفق النفط من قارة إفريقيا، بينما الهدف الخفي هو وضع اليد على الأماكن الواعدة بالنفط في السودان وفي أماكن أخرى بالمنطقة، علماً بأن التدويل سوف يضر بمصر والسعودية في الموارد الملاصقة لشواطئها، بالإضافة إلى أن مصر لديها 1080 كم من سواحلها على البحر الأحمر، والسعودية لديها 1200 كم.

وفي ضوء التطورات الجارية في البحر الأحمر بعد انتشار عمليات القرصنة البحرية فيه، والأساطيل الأمريكية والسفن الغربية التي تجوب مياهه بصفة مستمرة، وكذا صدور قرارات من مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن، فمن الضروري التعرض لأبعاد هذه المشكلة من زاوية تأثيرها في أمن البحر الأحمر، بدءاً من انتشار عمليات القرصنة البحرية، والشكوك المتعلقة بها، وكذلك المصالح الإسرائيلية في هذه المنطقة، ثم التحركات الدولية والعربية إزاء تهديد الأمن في البحر الأحمر، خاصة وأنه ذو أهمية إستراتيجية للتجارة العالمية وللدول المتشاطئة عليه.

فلا يقتصر البحر الأحمر على كونه القلب الإستراتيجي للعالم، ولكنه سيبقى مفتاح الأمن، كما كان منذ العصور القديمة، فلهذا ستبقى الدعوة مرفوعة إلى أن تكون هناك إدارة عربية إستراتيجية موحدة لتأمين سيطرة إستراتيجية قوية على البحر؛ إذ إنه يمثل العمق الدفاعي الإستراتيجي لكل من السعودية ومصر. لذا سيظل أمن البحر الأحمر مرتبطاً عضوياً بأمن المنطقة العربية، وأي انفجار في أمن البحر الأحمر سيؤثر مباشرة على أمن الدول العربية، كما يمثل قمة التعاون العربي الإفريقي، حيث يُعد مدخل إفريقيا من الشرق.

وقد أكد الدكتور "بطرس غالي" وزير الدولة للشؤون الخارجية في مصر سابقاً، أن البحر الأحمر أداة ووسيلة لتوثيق العلاقات العربية وتكاملها بين الأقطار العربية المطلة عليه، بالإضافة إلى أنه عامل من العوامل الرئيسة في إقامة جهود اقتصادية وعسكرية مشتركة في المنطقة. وقد دلت حرب أكتوبر 1973 على الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر بالنسبة للعرب، عندما قُدمت التسهيلات البحرية العربية للسفن الحربية المصرية، ما أتاح لمصر أن تغلق مضيق باب المندب.

وفي هذا الصدد، أكد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" تصميمه على التصدي لأعمال القرصنة في إفريقيا، ودعا إلى تعاون دولي لمحاسبة القراصنة على جرائمهم، وحشد الجهود الدولية لمواجهة خطر القرصنة الذي أصبح يهدد الملاحة الدولية قبالة الساحل الصومالي.

إن استقرار الصومال واستعادة استقلاله تأمين وحدته الوطنية، وتكوين سلطة شرعية ممثلة للشعب الصومالي بجميع أطيافه وانتماءاته، هي الضمان الوحيد للقضاء على القرصنة، لأن القراصنة ازدادوا زيادة كبيرة، حيث لا ضابط ولا رادع في ظروف ضائقة مالية وظروف اقتصادية صعبة أنهكت هذا البلد، لا سيما إذا علمنا أن التقرصن لا يحتاج إلا لقارب سريع، ومدفع رشاش، وسلم من الحبال للتسلق عليه عند مهاجمة أية سفينة عابرة.