إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القرصنة البحرية




محاكمة قراصنة صوماليين
السفينة الأوكرانية المخطوفة
القراصنة فوق الناقلة السعودية
القرصان ويليام كيد
القرصان جون روبرتس
القرصان ذو اللحية السوداء
استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة
قراصنة يعتلون سفينة

ملابس القرصان
العملية الأوروبية "أتلانتا"
علم القراصنة

الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح
الملاحة عبر قناة السويس
التواجد الأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر
طرق الملاحة البحرية



الفصل الأول

المبحث الأول

القرصنة البحرية في البحار والمحيطات

أولاً: تاريخ القرصنة

القرصنة مهنة قديمة، وأول ظهور لها في التاريخ كان في المصادر الفرعونية قبل الميلاد بألف وتسعمائة عام، وقد أطلق المصريون القدماء على القراصنة "أجانب البحر"، لكن الفرعون "ممبتاح" أطلق عليهم لقب "شعوب البحر"، وكان هؤلاء يعتدون على الشواطئ المصرية، ينهبون القرى والمدن. وقد استطاع قراصنة بحر إيجة أسر "يوليوس قيصر" في عام 75 ق. م، وطلبوا فدية قدرها 20 مثقالاً من الذهب. وبعد إفراجهم عنه، عاد إليهم بجيوشه، وقضى عليهم. كما أسر القراصنة "الفيكونج القديس باتريك"، كما قبض قراصنة آخرون على الأسقف الكاثوليكي الذي حضر ممثلاً للفاتيكان في المجمع المقدس بالقسطنطينية، وذلك في القرن الثالث الميلادي.

1. القرصنة في العصور الوسطى

نشطت القرصنة في العصور الوسطى نشاطاً هائلاً، وشارك فيها العرب وبربر شمال إفريقيا، وكانت لهم صولات وجولات ملأت شواطئ إسبانيا وإيطاليا وفرنسا بالرعب، حتى إن سكان تلك الشواطئ اضطروا إلى الهجرة منها إلى الداخل. ثم انتعشت القرصنة في العصر الحديث في البحر الكاريبي والمحيط الأطلسي، لسرقة الذهب الذي كانت تحمله السفن الإسبانية من أمريكا الجنوبية.

2. القرصنة في القرن الماضي وهذا القرن

تركزت القرصنة في القرن الماضي والقرن الحالي في جنوب شرق آسيا، في الممرات البحرية الضيقة، بالمحيطين الهندي والهادي، وأشهرها ممر مالقة (إندونيسيا)، وممر سنغافورة، وممرات بحر الصين الجنوب، وهي قرصنة نشطة جداً، وتقترب في هجماتها من 300 عملية اختطاف في العام، معظمها ناجح. وأخيراً انتقلت القرصنة إلى خليج عدن وبحر العرب، على يد الصوماليين.

وقد ألقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها المياه الإقليمية في البحر الأحمر، قبالة سواحل الصومال واليمن، بظل مخيف على ظاهرة من أشد الظواهر خطورة على الأمن الإقليمي والدولي، وهي ظاهرة "القرصنة البحرية"، وأصبح من الواضح أن مختلف دول العالم التي كانت تتعامل مع خطر هذه الظاهرة من وجهة نظر شبه نظرية، وجدت نفسها مضطرة إلى إعادة حساباتها والوقوف أمام التداعيات الشاملة التي تترتب على تفاقم هذه الظاهرة واتساع نطاقها.

ورغم أن القرصنة البحرية في الوقت الحاضر هي التهديد الرئيس في بحار العالم، إلا أن الاهتمام الدولي الحقيقي بخطورة هذه الظاهرة ارتبط بطبيعة الحال بتزايد عمليات خطف السفن والحاويات في المياه الساحلية للصومال، بسبب تعقيد الوضع في منطقة القرن الإفريقي، وتسارع وتيرة الأحداث في هذه المنطقة.

وعلى الرغم من وجود قواعد أمريكية وفرنسية في القرن الإفريقي، وتعهد مجلس الأمن الدولي باتخاذ خطوات لمكافحة القرصنة، فقد رأى المراقبون أن الجهود الدولية المبذولة لمكافحة القرصنة غير كافية حتى الآن، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها تباطؤ المجتمع الدولي في الاستماع إلى جرس الإنذار الذي ظل مدوياً طوال الأشهر الماضية، من خلال سلسلة من حوادث اختطاف السفن في هذه المنطقة الحساسة.

وجدير بالذكر أن مضيق باب المندب أمام القرن الإفريقي يستقبل أكثر من 20 ألف سفينة كل عام، بما يمثل حوالي ثلث تجارة الحاويات العالمية، ومن ثم فإن المياه الدولية التي تطل عليها الصومال تُعد أحد أهم الممرات التي تمخر عبابها السفن التجارية، حيث يربط الطريق الملاحي في بحر العرب بين اليمن والصومال، آسيا وأوروبا، من خلال قناة السويس، وله أهمية كبيرة للغاية لشحنات النفط من الخليج.

3. القرصنة في البحر المتوسط

برزت القرصنة طوال العصور القديمة على امتداد البحر المتوسط، حيث كانت هناك بعض المدن المزدهرة، مثل صور وقرطاجنة وأثينا، والتي كانت ذات أساطيل وتجارة غنية، وكان لا بد من القضاء على تلك الجماعات الخارجة على القانون من قراصنة وعصابات، ومن أجل ذلك جهزت المدن الإغريقية أول الأساطيل البحرية، غير أن النتائج ظلت دون المستوى المطلوب، وكان القراصنة يهاجمون السفن المنفردة والموانئ ذات الدفاعات الضعيفة، وكان سكان جزيرة كريت هم أول من فكروا في التصدي لهؤلاء، فأعدوا أسطولاً سار إلى أقصى نقطة من شرقي جزيرة صقلية، في مهمة طرد القراصنة، وتمكنوا من إحراز نجاح نسبي. وفي عام 67 ق. م. بدأت القوات الرومانية، بقيادة "بومبي" العظيم، حملة إخلاء المنطقة من القراصنة لعدة سنوات، غير أن هجمات القراصنة استمرت في البحر المتوسط، إلى أن استولت القوات الفرنسية على قاعدة القراصنة في الجزائر، عام 1830.

4. القراصنة الآسيويون

بدءاً من أوائل القرن السابع عشر الميلادي، أخذ القراصنة القادمون من آسيا في مهاجمة السفن الأوروبية والسفن التجارية الأخرى، في كثير من البحار الآسيوية، وقد تولى العرب أعمال المقاومة ضد هجمات القراصنة قبالة سواحل مالابار في الهند. كما كان القراصنة الماليزيون يهاجمون السفن في بحر الصين الجنوبي. أما قراصنة تايوان والصين، فكانوا يبحرون قبالة الصين واليابان. إلا أن البحرية البريطانية، تدعمها دول أخرى، تمكنت مع حلول منتصف القرن التاسع عشر الميلاد من خلاص البحار من معظم القراصنة، ومن ضمنهم القراصنة الآسيويين.

5. قراصنة البحر الأحمر

انتشرت القرصنة في البحر الأحمر، في القرن الثامن عشر، وواجهت التجارة الدولية مجموعات القراصنة، ما دعا الدول الأوروبية، في ذلك الوقت، (إنجلترا، وفرنسا، وهولندا)، إلى توزيع أدوار الحماية، حيث أخذ الهولنديون على عاتقهم مراقبة البحر الأحمر، بينما تولى الانجليز حراسة مصالحهم في بحار الهند، بينما بقي الفرنسيون في الخليج العربي لحماية مصالحهم.

ومع اكتشاف النفط في كركوك العراقية، عام 1908، تسابقت شركات النفط الكبرى إلى منطقة الخليج، الأمر الذي أدى إلى نشر أساطيل لحماية الامتيازات، ما أدى إلى اندثار عمليات القرصنة. إلا أن تنظيم القاعدة ساعد على عمليات القرصنة، وتزويد القراصنة بالسلاح، لا سيما في المناطق الواقعة جنوب البحر الأحمر، كالصومال وإريتريا واليمن، لأهداف تخريبية ضد المصالح الأمريكية بالذات، بعد إعلانها الحرب على الإرهاب. ولكن القرصنة نشطت وانتشرت انتشاراً واسعاً في الشواطئ الصومالية، منذ أن سقطت الدولة الصومالية عقب الإطاحة بالرئيس "محمد سياد بري"، عام 1991. ولكن عندما سيطرت حركة المحاكم الإسلامية على السلطة، عام 2006، استطاعت القضاء عليهم نهائياً، ولكن ما لبثوا أن عادوا من جديد في ظل الفوضى التي عمت البلاد خلال العامين الماضيين، لعدم وجود حكومة مستقرة تحكم السيطرة على البلاد.

ثانياً: مفهوم القرصنة البحرية

يمكن تعريف القرصنة البحرية، بأنها "الجرائم أو الأعمال العدائية والسلب أو العنف المرتكبان في البحر ضد سفينة ما أو طاقمها أو حمولتها". كما يمكن تعريف القرصان بأنه "المغامر الذي يجوب البحار لنهب السفن التجارية.

وقد استُخدمت كلمة قرصان، في عام 140 ق. م، من جانب المؤرخ الروماني "بوليبيوس". كما أشار إليها المؤرخ اليوناني "بلوتارك" عام 100 م، ليعبر بها عن أقدم تعريف واضح للقرصنة، فقد وصف القراصنة بأنهم "أولئك الأشخاص الذين يهاجمون بدون سلطة قانونية، ليس فقط السفن، ولكن المدن الساحلية أيضاً".

كما انتشر في العصور الوسطى في بريطانيا معنى آخر للقرصنة، هو "أنهم لصوص البحر". وظهر تعريف آخر لكلمة قرصان، في القرن الثامن عشر، بأنهم "أشخاص خارجون عن القانون". فالقرصان شخص يقوم بمهاجمة السفن وسرقتها، وأطلق على هؤلاء اللصوص صفات شتى، مثل مغامرون، ولصوص بحر، ونهابون، وأفاقون، وجوابو بحار. فالقراصنة غير مرخص لهم من جانب أية دولة.

إذاً فالقرصنة على مفهومها الشائع، هي سرقة السفن المبحرة في أعالي البحار، ويدخل فيها أحياناً السطو على قرى شاطئية وحمل ما يمكن حمله والهرب به إلى مراكبهم. والقرصنة جريمة سرقة واعتداء على ممتلكات الغير، واختطاف البحارة لبيعهم رقيقاً أو إطلاق سراحهم بفدية. ولقد استقر العرف الدولي على أن القرصان عدو للجنس البشري، لأن أفعاله موجهة في الحقيقة ضد الجماعة الدولية بأسرها. وقد عرف اتفاق جنيف، عام 1958، في المادة 15 منه، القرصنة بأنها: "إتيان أعمال إكراه في البحر العام، دون وكالة مشروعة، وخارج اختصاص أي دولة".

وتحتاج القرصنة، بطبيعة الحال، إلى موانئ خاضعة للقراصنة، يأوون إليها بسفنهم ومسروقاتهم، ولذلك أسسوا دولاً صغيرة على بعض الشواطئ، وذلك عندما تغيب الحكومات المركزية، وهذا ما يحدث في الصومال حالياً.

ثالثاً: تطور أعمال مكافحة القرصنة

كانت القرصنة في الماضي تتشكل من مجموعات من البحارة تعيش على سواحل صقلية، وتهاجم السفن المنفردة والموانئ ذات الدفاعات الضعيفة، وكان سكان كريت هم أول من فكروا للتصدي لهؤلاء، ثم جاء بعد ذلك دور مصر في عهد الفراعنة، حيث جهزت لأول مرة في التاريخ أسطولاً حربياً صغيراً لمحاربة القراصنة الذين ينهبون سفن البحر المتوسط ومدنه، وكان القراصنة يهاجمون الأراضي في العمق، فينهبون المواشي والمحاصيل، ثم يأسرون الرجال والنساء والأطفال ويبيعونهم.

وكانت القرصنة تتطلب شروطاً أساسية لتنفيذها، منها: توافر الغابات لصنع السفن، ووجود ورش لصناعة تلك السفن، ووجود أيد ماهرة لصناعة السفن القوية التسليح، ووجود أسواق لتصريف البضائع المستولى عليها.

وبعد بضعة قرون، ازدهرت شواطئ بلاد الإغريق الممتدة على مسافات شاسعة، حيث تكونت ثروة ملك إسبارطة "مينيلاس" في أساسها من السلب والنهب. وفي القرن الثامن قبل الميلاد، انطلق الفينيقيين والإغريق لإنشاء تجارة بحرية نشطة، وأنشأوا مستعمرات في جميع أرجاء حوض البحر المتوسط، والتنافس بينهما دفع شعبيهما إلى اللجوء إلى القرصنة. ثم فرضت أثينا سيطرتها على العالم الإغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد، وتسلمت مهمة مكافحة القرصنة.

لكن القرصنة بلغت ذروتها خلال القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وبنهاية القرن السابع عشر، ومع نمو القوة المركزية في اليابان وفي الصين، قُضي على معظم القراصنة، وزاد حجم السفن التجارية. كما تطورت تكنولوجيا الاتصالات ودوريات الحراسة البحرية في معظم الطرق الرئيسة على المحيط، وقويت الإدارة المنظمة لمعظم الجزر والمناطق البحرية في العالم، وأقرت الحكومات المختلفة تجريم القرصنة، الأمر الذي أدى إلى إحداث تراجع كبير في حجم القرصنة في القرنين التاسع عشر والعشرين.

وعلى الرغم من التقدم الحضاري الكبير في العالم، وعلى الرغم من وجود منظمات دولية، ومحاكم وقوانين دولية، ووسائط رصد ومراقبة فائقة القدرة، وطيران سريع، وأسلحة فعالة، عادت أعمال القرصنة البحرية لتطل برأسها من جديد، ولا سيما بعد هجمات القراصنة التي شهدتها جنوب شرق آسيا، علاوة على القرصنة قرب السواحل الإفريقية، منذ بداية التسعينيات.

وتنتشر عمليات القرصنة البحرية حالياً شمالاً إلى خليج عدن، وجنوباً إلى سواحل كينيا. ويقول مكتب البحرية الدولي "إن عمليات القرصنة قبالة القرن الإفريقي وفي خليج عدن، ومساحتها حوالي مليون ميل مربع، تمثل ثلث عمليات القرصنة في العالم.

رابعاً: حياة القراصنة وأسباب اللجوء إليها

يتحول بعض الناس إلى قراصنة لأسباب مختلفة، فأحياناً كانت بسبب الحياة القاسية في البحر، والتي تدفع بحارة شرفاء إلى التمرد على قادة سفنهم والاستيلاء عليها. ومثل هؤلاء كانوا غالباً ما يتحولون إلى قراصنة ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة. وهناك رجال آخرون أصبحوا قراصنة طلباً للغنى، وحباً في المغامرات. كذلك فإن بعض غزاة البحر كانوا ينخرطون في أعمال القرصنة توقف الحروب بين الدول، بينما كانت معيشة بعض منهم بائسة، وآخرون، في الغالب، إما مشاكسون أو مطلوب القبض عليهم.

وعلى الرغم من أسلوب الحياة غير الشرعي لهؤلاء القراصنة، فإن معظم أطقمهم كانوا ينشئون لهم قواعد وأنظمة تحكم تصرفاتهم داخل سفنهم، بالإضافة إلى انتخاب قائد لهم، ويسنون قانون عقوبات ضد المخالفين، كما يضعون قواعد مكافآت لتقدير نصيب كل شخص من الغنائم، بدءاً من القائد حتى البحار العادي والخدم من الرجال والطهاة. كل ذلك لضبط الحركة والمعيشة على السفينة، ولمعاقبة المتمردين، وكانت الوسائل المتبعة في معاقبة المتمردين إما الحبس في زنزانة أو الإلقاء في البحر.

1. أعلام القراصنة

يستخدم القراصنة أعلاماً ورايات يرفعونها على السفن التي يجوبون بها البحار بحثاً عن فريسة، وكانت في صورة جمجمة وعظام متقاطعة على خلفية سوداء، أو على شكل رسم لهيكل عظمي، أو ساعة رملية، وأحياناً يرفعون راية حمراء يُطلقون عليها "الراية الدموية" مرسوماً عليها أشكال سيوف ملتهبة، بهدف إدخال الرعب في قلوب الضحايا، وظلوا هكذا ردحاً من الزمن، حتى أصبح من المألوف لدى الجميع معرفة سفنهم من بعيد. (اُنظر شكل علم القراصنة)

2. الدفاع ضد القرصنة البحرية

كانت السفن التجارية تحمل السلاح لصد أي هجوم يقع عليها، إلا أن عدد طاقم سفينة القراصنة كان عادة يفوق طاقم السفن الأخرى، ما يمكنهم من التغلب عليها في صراع المواجهة، بعد أن يعتلوا ظهر السفينة. وكانت طريقتهم التي يستولون بها على السفن التجارية تتلخص في إجراء مناورات أولاً بمراكبهم قرب السفينة، ثم اعتلاء ظهرها باستخدام الخطافات والحبال لمهاجمتها ونهب محتوياتها. وربما قتلوا الأبرياء أو أخذوهم أسرى طلباً للفدية، وأحياناً يعذبونهم للحصول على معلومات عن الثروات المخبأة. (اُنظر صورة قراصنة يعتلون سفينة)

3. تسليح القراصنة

عادة ما يستخدم القراصنة زوارق سريعة تعمل انطلاقاً من سفينة كبيرة، ويتسلحون بالرشاشات وقاذفات القنابل اليدوية، ويستخدمون هواتف تعمل بنظام الأقمار الصناعية. وهناك مصادر معلومات تفيد أنهم يمتلكون أسلحة هجومية وقاذفات صاروخية أرضية، وأخرى مضادة للطائرات، وأجهزة اتصال متطورة جداً، ووسائل تقنية في الاستطلاع، حيث إنهم يستهدفون السفن التي قد يكون بينها ناقلات نفط، من طريق مطاردتها بزوارق سريعة، والصعود على متنها بسلالم من الحبال، وهم مدججون بالسلاح.

ومن الملاحظ أن الأجهزة والمعدات الإلكترونية والقتالية التي يملكها القراصنة، والموانئ التي تستقبل الناقلات والسفن، المختطفة والمحتجزة علناً دون تدخل لمنع ذلك، يكشف أن القراصنة ليسوا صوماليين فقط، وإنما يقودهم ويأويهم خبراء من مجموعة الدول التي تسعى إلى تدويل البحر الأحمر وخليج عدن، وإسقاط قيمة قناة السويس وأهميتها، وتحويل التجارة الدولية إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

وجدير بالذكر أن هجمات القراصنة عادة ما تكون ناجحة، وذلك لأنهم يستخدمون زوارق مسلحة ضد سفن مدنية غير مسلحة، ما يؤدي إلى استسلامها سريعاً، وأحياناً كثيرة لا يكون هناك قتال على الإطلاق.

ونستنتج من ذلك أن أركان جريمة القرصنة هي

أ. أعمال إكراه، حيث توجه للمال أو للأشخاص، على أن تُرتكب هذه الأعمال ضد سفينة أو طائرة، أو تكون السفينة أو الطائرة هي أداة ارتكابها.

ب. أن يُرتكب الفعل في البحر العام، أو في مكان يقع خارج ولاية أية دولة أي خارج المياه الإقليمية للدولة. فالقرصنة على هذا النحو هي جريمة بحرية، وعليه فإن الأفعال التي تُرتكب في نهر داخلي لا تكون جريمة قرصنة.

ج. ألا تكون هناك وكالة مشروعة للقيام بتلك الأعمال، أي لا تكون هذه الأعمال مما يقرره القانون الدولي، فالدولة التي تأذن لرعاياها بإتيان أعمال الإكراه في البحر العام من قُبيل الدفاع عن النفس، لا تُعد قرصنة.

د. أن يكون الدافع لارتكاب الفعل مصلحة شخصية، أي يكون بقصد تحقيق الكسب والمنفعة الخاصة، أو بغية السلب والنهب.

4. تطور أسلوب عمل القراصنة

لقد بدأت عمليات القرصنة صغيرة في البداية، باختطاف قوارب صغيرة أو سفن صغيرة، ولم ينتبه كثيرون إلى الخطر المستقبلي، حيث طور القراصنة أساليبهم ومعداتهم، وكونوا ميليشيات قوية توظف آلافاً من الرجال واقتصاداً قوياً يعتمد على الفُدى التي يدفعها أصحاب السفن المختطفة للإفراج عن سفنهم وطواقمها، حتى وصلنا إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم، إذ أصبحت القرصنة أزمة دولية تستلزم حشد الأساطيل لمواجهة تلك الأعمال التي تهدد الملاحة الدولية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، هو كيفية حصول القراصنة على المعلومات عن تحركات السفن، والكيفية التي يتلقون بها الأموال والتي تُقدر بنحو 150 – 200 مليون دولار في العام، ومن هي الجهات الوسيطة التي تنظم لهم الحصول على الأسلحة ومعدات الاتصال.

لقد نجح القراصنة في جذب انتباه العالم إلى الأزمة الصومالية المنسية، فهم أحد إفرازات المشكلة هناك، والحل يجب ألا يقتصر فقط على مواجهة أعمال القرصنة في البحر، ولكن في تكاتف دولي وإقليمي من أجل إعادة بناء الدولة هناك، والمساعدة في إيجاد حكومة قوية تستطيع أن تفرض سيطرتها على البلاد وتطبيق القانون.

فمن البدهي أن لا أحد ينازع في أن ظاهرة القرصنة في البحار والمحيطات أصبحت تمثل "صداعاً مزمناً" للمجتمع الدولي بأكمله، حيث إن هذه القضية تكتسب بُعداً إستراتيجياً خطيراً، خاصة أن حوالي 16 ألف سفينة تجارية تعبر سنوياً مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر وخليج عدن، كما أن 30% من حركة النفط الخام العالمي تمر عبره، علماً بأن القرصنة الدولية تتسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد العالمي. كما أن القرصنة البحرية قد فجرت قضايا عديدة، وفتحت ملفات مغلقة، ولفتت النظر إلى أمور كانت غائبة عن كثير من الناس، وأول ما تفجره عمليات القرصنة هو ما هية أهداف القراصنة وتوجهاتهم. ولعل ازدياد العمليات ازدياداً ملحوظاً، ومدى التقدم التقني والعسكري الذي يبديه القراصنة، يجعلنا نتساءل عن الجهة التي تمول القراصنة وتدربهم، والمصلحة التي تعود عليهم من هذا الدعم.

وترهب الموجة الجديدة من القراصنة المتوحشين خطوط الملاحة العالمية، حيث يستخدمون زوارق سريعة مزودة بمحركات قوية، فيهاجمون بسرعة ويطلقون النار على نوافذ السفينة، لبث الرعب في طاقمها وإجبارهم على التوقف، ثم يسيطرون عليها ويحتجزون طاقمها رهائن، مطالبين بفدية تُقدر بملايين الدولارات، ثم يقتادون السفينة والبحارة إلى المياه الإقليمية المسيطر عليها.

وجدير بالذكر أن هدف القراصنة هو الربح، وليس الإرهاب، حيث لا يوجد دليل حتى الآن على أية صلة لهم بتنظيم القاعدة.

5. ملابس القرصان

صورت لنا الأساطير القرصان، بأنه رجل فظ غليظ الملامح، وذو لحية كثيفة سوداء، ودائم الغضب، وعنيف، وأيضاً فوضوي، ودائم السكر وتلازمه رائحة الخمر، ويأتي بأفعال عنيفة وغير مسؤولة، يريد من ورائها استعراض عضلاته، وقد تودي في النهاية بحياته، ناهيك عن عمليات التحطيم لأي شيء حوله، والإصابات التي تُلحق به. وأن ملابسه غالباً مهلهلة وغير متناسقة، وأحياناً تصوره بملابس أنيقة، عبارة عن حذاء أسود طويل العنق، وسروال قصير حتى الركبة، وصدرية مزركشة، حاملاً مسدسات وخناجر وسيوف طويلة، تتدلى من حزام البنطلون، بالإضافة إلى قنصوة كالتي يرتديها نابليون بونابرت، ورقبته مرسوم عليها جمجمة أو هيكل عظمي. (اُنظر شكل ملابس القرصان)

6. أشهر القراصنة

احتفظ لنا التاريخ بأسماء أشهر القراصنة في البحر، والذين تركوا بصمة في عالم القرصنة، وهم:

أ. ذو اللحية السوداء "إدوارد تيتش": وهو ذلك القرصان الذي أثار الرعب في سواحل كارولينا وفيرجينيا، وهو انجليزي الأصل، وُلد في مدينة بريستول في انجلترا، في 23 نوفمبر 1675، وعُرف قرصاناً في آواخر عام 1716، وقُتل خلال معركة مع البحرية الملكية، في 22 نوفمبر 1718. (اُنظر صورة القرصان ذو اللحية السوداء)

ب. ذو اللحية الحمراء "خير الدين بربروس": توفي عام 1543، وكان قائد الأساطيل العثمانية، واتخذ من الجزائر محطة له في معاركه، وصار اسم بربروس مثيراً للرعب في المدن والجزر الأوروبية المطلة على البحر المتوسط.

ج. "ويليام كيد"، وُلد في اسكتلندا، في 23 مايو 1645، وكان صاحب شهرة واسعة في البحار، حيث استُجوبه البرلمان الإنجليزي، كان أقل نهباً وسرقة من بعض القراصنة المشهورين، وأعدمته في انجلترا العام 1701 الحكومة الإنجليزية. (اُنظر صورة القرصان ويليام كيد)

د. "جون روبرتس": وُلد في 17 مايو 1682، وكان قرصاناً من ولاية ويلز، هاجم السفن في الأمريكتين وغرب إفريقيا من عام 1719 حتى 1722، وكان القرصان الأكثر نجاحاً في العصر الذهبي للقراصنة، حيث أسر الكثير من السفن، تُقدر بأكثر من 470 سفينة، وقد عُرف باسم "بالويلزي"، بعدما أُعدم في 10 فبراير 1722. (اُنظر صورة القرصان جون روبرتس)

هـ. السير "فرانسيس دريك"، والسير "جون هوكنز": اللذان أرسلتهما الملكة البريطانية إليزابيث للإغارة على الأساطيل الإسبانية، إلا أنهما انفصلا عن بريطانيا، وارتكبا أعمال القرصنة، وكان ذلك في القرن السادس عشر.

خامساً: أشهر عمليات القرصنة

من أشهر حوادث القرصنة، على سبيل المثال لا الحصر، خلال عام 2008 فقط.

1. اختطاف ناقلة النفط السعودية "سيروس ستار"، وذلك عام 2008، والتي يزيد طولها عن ألف قدم، وزنتها 318 ألف طن، وتقوم بتشغيلها شركة "فيلا إنترناشيونال"، والناقلة تحمل طاقماً مكون من 25 بحاراً، وتقدر حمولتها من النفط المملوك لشركة آرامكو السعودية بمليوني برميل، وتقدر قيمتها بنحو 100 مليون دولار، وهذه السفينة يبلغ حجمها ثلاثة أضعاف حاملة طائرات أمريكية. اختطفها القراصنة في خليج عدن والقرن الإفريقي، وتتجلى هذه السابقة الخطيرة في بُعد السفينة بأكثر من 800 كم من السواحل الكينية، وهو ما يعني أن القراصنة زادوا من تسليحهم، وربما يحصلون على مساعدة من آخرين، نظراً لضخامة العملية، فهذه العملية تدل على القدرة النوعية العالية للقراصنة، وقدرتهم على الاستمرار في شن هجماتهم. وقد طلب القراصنة فدية قدرها 25 مليون دولار لإطلاق سراح الناقلة وطاقمها، ومنحوا مُلاك الناقلة مهلة أسبوعً لتنفيذ مطلبهم مهددين بتفجيرها بعد ذلك. وقد تم إطلاق سراحها بعد دفع فدية قدرها خمسة ملايين دولار. (اُنظر صورة القراصنة فوق الناقلة السعودية)

2. اختطاف الباخرة الأوكرانية "فاينا"، أثناء توجهها إلى ميناء مومباسا الكيني، وعلى متنها 33 دبابة من نوع T-72، بالإضافة إلى 20 بحاراً، وطالب الخاطفون بفدية قدرها 20 مليون دولار، تم تخفيضها إلى سبعة ملايين دولار. (اُنظر صورة السفينة الأوكرانية المخطوفة)

3. اختطاف اليخت الفرنسي الفخم "لوبوتان"، مع طاقمه المكون من 22 فرنسياً، وست فلبينيين، وأوكرانية، وكاميرونية. وبعد حصول القراصنة على مليوني دولار فدية، أطلقوا سراحهم مع اليخت، إلا أن قوة من الكوماندوز الفرنسية هاجمت القراصنة وقتلت بعضهم، واعتقلت ثمانية منهم، نقلتهم إلى باريس بعد استعادة جزء من الفدية.