إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القرصنة البحرية




محاكمة قراصنة صوماليين
السفينة الأوكرانية المخطوفة
القراصنة فوق الناقلة السعودية
القرصان ويليام كيد
القرصان جون روبرتس
القرصان ذو اللحية السوداء
استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة
قراصنة يعتلون سفينة

ملابس القرصان
العملية الأوروبية "أتلانتا"
علم القراصنة

الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح
الملاحة عبر قناة السويس
التواجد الأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر
طرق الملاحة البحرية



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث الثاني

الوجود الأجنبي وأثره على أمن البحر الأحمر

أولاً: الوجود الأجنبي في البحر الأحمر قبل الحرب العالمية الثانية

1. بعد توطيد النفوذ السياسي والعسكري البريطاني في عدن وبعض جزر البحر الأحمر، بدأت بريطانيا تتلهف للسيطرة على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، غير أنها لم تكن هذه المرة وحيدة في الميدان فاصطدمت مصالحها بالمنافسة والوجود التركي في جنوب الجزيرة العربية، والمطالب المصرية على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر، بالإضافة إلى ظهور النشاط الإيطالي في عصب ومصوع، وكانت بريطانيا في ذلك الوقت تنظر إلى البحر الأحمر بوصفه المسرح الموعود لأغراضها الاستعمارية والتجارية والإستراتيجية، لذلك أولت بريطانيا دعمها علانية للحكم المصري العثماني في البحر الأحمر؛ إذ تحتسب أنه يحول بين الدول الأوروبية الأخرى وبين بناء قواعد لها على طول البحر الأحمر.

2. في عام 1879، نزلت إيطاليا في منطقة خليج عصب في جنوب البحر الأحمر منتهزة فرصة تغلغل النفوذ البريطاني في مصر صاحبة السيادة على هذه المناطق، وأعلنت إيطاليا أنها ترغب في استغلال هذه المنطقة لأغراض التجارة، واضطلعت بالنشاط في هذه المنطقة شركة (وباتينو) الإيطالية، وقد استطاعت هذه الشركة أن تعقد عدداً من المعاهدات مع شيوخ القبائل في منطقتي عصب ورهيطة في جنوب البحر الأحمر، وقد حرصت السلطات الإيطالية من خلال هذه المعاهدات على إنكار السيادة المصرية على هذه المناطق، وضمنت ذلك صراحة في معاهداتها مع شيوخ القبائل، وما لبثت الشركة أن تنازلت عن هذه المنطقة للحكومة الإيطالية، وتحولت إلى مستعمرة تحمل اسم مستعمرة عصب، في يوليه 1884، أي بعد عامين من دخول الانجليز إلى مصر، وكانت السياسة البريطانية في ذلك الوقت تعارض نزول الإيطاليين في هذه المناطق؛ لأنها رأت في ذلك تهديداً لطريق البحر الأحمر الملاحي وقاعدتها في عدن، وتذرعت بحقوق السيادة المصرية على هذه المناطق، ولكن بعد فترة بدأت تتحول عن الرأي المعارض للتوسع الإيطالي في جنوب البحر الأحمر، وكان سبب هذا التحول هو أن السياسة البريطانية كانت تزعجها محاولات الفرنسيين تقويض النفوذ البريطاني في مصر، من جهة، ومحاولة الوصول إلى قلب إفريقيا، وتأسيس نفوذهم في حوض النيل الأعلى من جهة أخرى، لاسيما أن الفرنسيين كانوا قد نزلوا في إفريقيا منذ فترة مبكرة، وحصلوا على معاهدات أتاحت لهم امتلاكها عام 1862. ومن هنا رأت السياسة البريطانية أن من مصلحتها مهادنة السياسة الإيطالية في التوسع على حساب أملاك مصر في ساحل البحر الأحمر الغربي، حتى يحين الوقت الذي تستولي فيه بريطانيا على هذه المناطق.

3. وبدأت السياسة البريطانية تتحول بعد ذلك في اتجاه التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، بدءاً بإجبار مصر على توقيع اتفاقية عام 1877، التي تخلت بموجبها مصر عن ممتلكاتها في سواحل الصومال، ثم واصلت تدخلها حتى أعلنت احتلالها لمصر عام 1882، مخالفة بذلك معاهدتها معها، وفى العام نفسه، ضمت بريطانيا مزيداً من الأراضي (اليمنية) منشئة بذلك مستعمرة عدن، كما احتلت أيضاً ميناءي الصومال زيلع وبربرة عام 1884، ثم السودان عام 1899، وعللت هذه الأعمال كلها على أساس أن تلك المناطق كانت تحت سيادة العثمانيين الذين لا تلزمها تجاههم معاهدة عام 1877، أما زيلغ وبربرة فقد احتلتها بدعوى أنها تريد أن تحفظ النظام في المنطقة، وأن تحمى مصالحها في عدن والمنطقة بأسرها، ومن ثم استخدمتهما في تدعيم القاعدة البحرية البريطانية في عدن، بل وأدرجتهما في إطار الإستراتيجية البريطانية الدولية ضمن قواعد العمليات العسكرية البريطانية فيما بعد، على أن بريطانيا لم تستطع بعد احتلالها لمصر أن تمنع احتلال فرنسا وإيطاليا مناطق الصومال وجيبوتي على البحر الأحمر.

4. أما فرنسا فقد رسخت أقدامها على الساحل الأفريقي للبحر الأحمر وخليج عدن قرب باب المندب، بغية موازنة النفوذ البريطاني في عدن، ومن خلال المعاهدات التي أبرمها الفرنسيون مع رؤساء القبائل هناك، بسطوا حمايتهم على المنطقة، ثم احتلت ميناء جيبوتي عام 1888، وقد استخدم الفرنسيون هذه الموانئ نقاط إمداد لسفنهم المارة من خلال مضيق باب المندب، كذلك أتاحت للفرنسيين الاستمرار في مواصلاتهم البحرية مع الشرق الأقصى، وعلى الرغم من المنافسة الحادة بين بريطانيا وفرنسا على المناطق الإفريقية الشرقية، إلا أن كلتا الدولتين اتفقتا على تجنب الصراع وإتباع أسلوب التفاوض، فوصلتا إلى اتفاق في فبراير 1888، جرى بموجبه تقسيم الساحل الصومالي، فاحتفظ الفرنسيون بالمناطق التي تشكل حالياً جيبوتي، وفى سبيل استغلال موارد إفريقيا اتفقت فرنسا مع إمبراطور إثيوبيا عام 1894، على بناء سكة حديد تربط أديس أبابا بالبحر الأحمر، من طريق ميناء جيبوتي، حيث تشحن المنتجات والخامات الأولية الإفريقية على متن سفن متجهة إلى أوروبا، ومن هذا أصبحت جيبوتي نافذة فرنسا الوحيدة على العالم الخارجي إلى أن احتلت فرنسا إريتريا عام 1952.

5. أما بالنسبة لإيطاليا، فإنها بعد ما اطمأنت إلى حقيقة موقف إنجلترا من مشروعاتها التوسعية في ساحل البحر الأحمر، أخذت توجد من الأسباب ما تتذرع به لاحتلال هذه المناطق، منتهزة فرصة الاعتداء الذي وقع على بعض الإيطاليين وقتلهم بمنطقة الدناكل بالقرب من مصوع، فدعت إلى ضرورة حماية ممتلكاتها في خليج عصب بكل الوسائل، وأعلنت أنها سوف تعمل في هذه المناطق بالاتحاد مع بريطانيا، وقامت باحتلال مصوع وويبلوك عام 1885، وقد أيدت السياسة البريطانية تنفيذ هذا المشروع الاستعماري لسببين هما:

أ. السبب الأول: هو الحيلولة دون وصول الفرنسيين إلى وادي النيل، والاحتفاظ بساحل البحر الأحمر بعيداً عن أيدي الفرنسيين.

ب. السبب الثاني: أن يكون الإيطاليون عوناً للإنجليز في ضرب الثورة المهدية، التي اندلعت في السودان عام 1883.

6. وعلى ذلك فقد شرع الإيطاليون في الزحف على ساحل البحر الأحمر من مصوع شمالاً إلى عصب جنوباً، وفى الداخل في اتجاه الحبشة/ وكان نتيجة لهذا التوسع أن اصطدم الإيطاليون بالأحباش وحدثت أول هزيمة لهم أمام الحبشة في دوجالى، في 26 يناير 1887. وقد دخل الإيطاليون في مباحثات مع بريطانيا حول تحديد مناطق النفوذ على ساحل البحر الأحمر، واتفق الطرفان على اتخاذ رأس قصار حداً فاصلاً بين نفوذ الطرفين، على أن تتعاون الإدارتان البريطانية في سواكن والإيطالية في مصوع لتبادل وجهات النظر والمعلومات حول النشاط التجاري وغيره، وأن تبذل الحكومة الإيطالية جهودها في منع تجارة الرقيق، وأن يعطى الأسطول البريطاني حق البحث عن سفن الرقيق في شواطئ المنطقة الخاضعة لإيطاليا. وقد وافقت الحكومة الإيطالية على هذا الاتفاق، في 31 مايو 1887.

7. شرع الإيطاليون في التوغل في أراضى الحبشة منتهزين فرصة النزاع بين الأحباش والمهديين، فاستولوا على بعض المناطق وأعلنوا سيادتهم على مصوع، وأرسلوا مذكرة إلى الدول الأوروبية ينفون فيها سريان الامتيازات الأجنبية على مصوع، وبدأت تظهر مطامع إيطاليا في الاستيلاء على كسلا في السودان الشرقي، بعد أن استولوا على أسمرة، واحتلوا كسلا والمناطق المجاورة لها حتى عطبرة، إلا أن بريطانيا احتفظت بحق الحكومة المصرية في استرجاع هذه المناطق من إيطاليا عندما تتهيأ لها ـ أي للحكومة المصرية ـ الظروف لاستردادها.

8. وقعت دول الحلفاء (فرنسا ـ بريطانيا ـ الولايات المتحدة الأمريكية) مع تركيا، بعد الحرب العالمية الأولى، معاهدة لوزان، عام 1924، والتي تنازلت بمقتضاها عن كل حقوقها في السيادة على أية أراض غير تركية.

ثانياً: الوجود الأجنبي في منطقه البحر الأحمر خلال الحرب الباردة

1. تطور التدخل الأمريكي

من المؤكد أن القوى الأجنبية قد لعبت دوراً مهماً ومؤثراً في منطقة الشرق الأوسط في فترة ما بين الحربين الأولى والثانية، فقد كانت فرنسا وبريطانيا من أبرز الدول الاستعمارية في تلك الحقبة، إذ أحكمت الدولتان سيطرتهما الكاملة على الإقليم.

وبنهاية الحرب العالمية الثانية برزت قوى جديدة في النظام الدولي، تمثلت في الاتحاد السوفيتي (السابق) والولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامتا بملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب بريطانيا من المنطقة.

برزت الولايات المتحدة الأمريكية قوى عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، التي لعبت فيها دوراً حاسماً ومؤثراً، فأصبحت بذلك نداً للاتحاد السوفيتي (السابق).

فمنذ بداية الحرب الباردة في الخمسينيات، قامت السياسة الأمريكية على الاعتقاد بأن الاتحاد السوفيتي (السابق) يستغل الصراع (العربي ـ الإسرائيلي) لتثبيت نفوذه في الشرق الأوسط، والسيطرة على ثرواته النفطية وعلى طرق المواصلات البحرية، من أجل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا واليابان.

ولقد بُنيت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط على مبدأين أساسيين هما:

أ. حماية مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في المنطقة.

ب. الوقوف أمام الاتحاد السوفيتي (السابق) ومحاولة احتوائه، حتى تحد من نفوذه في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، ومنطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي بصفة خاصة.

ركزت الولايات المتحدة الأمريكية جهدها في هذه الفترة لإحباط محاولات الاتحاد السوفيتي (السابق) الحصول على قدر من النفوذ أو المصالح الحقيقية في المنطقة.

لقد تأثرت السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المنطقة بعدد من العوامل والمعطيات، مثل الصراع (العربي ـ الإسرائيلي)، وسعي الإدارة الأمريكية إلى إقامة علاقات متوازنة بينها وبين العرب وإسرائيل، بينما يقف الاتحاد السوفيتي إلى الجانب العربي، وهو ما يزيد من النفوذ السوفيتي الذي طالما سعى الأمريكيون إلى اختفائه.

ترتكز المصالح الأمريكية الاقتصادية أساساً في منطقة الخليج العربي، ذات الارتباط الجيوبوليتيك بالبحر الأحمر وغرب أوروبا من طريق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.

عمدت الإستراتيجية الأمريكية إلى ضمان تدفق إمدادات النفط، مع إبعاد التفكير باستخدامه ورقة ضغط من العرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، على غرار ما حدث في حرب أكتوبر 1973.

إبقاء طرق المواصلات مفتوحة أمام الملاحة البحرية في البحر الأحمر وما يعلوه من مجال جوي، ونتيجة لهذا المفهوم كثفت الولايات المتحدة الأمريكية قواعدها ووجودها في المحيط الهندي، لإقامة نوع من التوازن العسكري والإستراتيجي في ظل الوجود السوفيتي في المحيط الهندي.

لقد اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ إستراتيجيتها أسلوب المشاركة الإقليمية، واتبعت إستراتيجية الاحتواء، وذلك من طريق التحكم في البحر والسيطرة على المنطقة التي تحيط به، من طريق وجود قواتها وجوداً فعلياً، سواء في المسطح المائي أو الدول الصديقة المشاطئة، وذلك من طريق القواعد العسكرية والتسهيلات البحرية لقواتها هناك.

2. تطور التدخل السوفيتي

اتجهت الإستراتيجية السوفيتية للوصول عبر المضايق إلى المياه الحارة والدافئة، من أجل الحصول على منافذ بحرية في المحيط الهندي وشرق المتوسط وبحر العرب، أصبح حقيقة بل أحد مستلزمات الإستراتيجية السوفيتية. فمنذ انسحاب البريطانيين من شرق السويس عمل الاتحاد السوفيتي (السابق) على ملء الفراغ الإستراتيجي الذي نتج عن الانسحاب البريطاني، ولقد وجد في البحر الأحمر نقطة رئيسة في إستراتيجيته الشاملة وإستراتيجيته البحرية، حيث تحول الوصول إلى المياه الدافئة من مجرد حلم قيصري إلى أنجاز سياسي سوفيتي.

أولت السياسة السوفيتية اهتماماً كبيراً بالمحيط الهندي، الذي أخذ يلعب دوراً متزايداً في اقتصاد البلدان النامية، بحسب ما أورده أدميرال الأسطول في الاتحاد السوفيتي "سرجي جورشكوف" في كتابه (القوات البحرية ماضيها وحاضرها). ولقد كانت سياسة الاتحاد السوفيتي تقوم على لعبة الأحزمة وتطويق الأنظمة الموالية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وذلك من طريق إرسال الخبراء العسكريين والمساعدات الاقتصادية والمعاهدات التي يبرمها مع دول المنطقة، وذلك لخلق موازنة مع الوجود الأمريكي في الإقليم.

كما يمكن تحديد المصالح السوفيتية في منطقة البحر الأحمر من طريق مجموعة من العوامل ذات الأهمية العسكرية والإستراتيجية والسياسية، حيث يقع البحر الأحمر ضمن القطاع الجنوبي للكتلة السوفيتية، ويعد أيضاً عمقها الإستراتيجي، ويمثل كذلك عاملاً إستراتيجياً لكسر طوق الحصار الذي فرضته قوة التحالف الغربي المتمثلة في حلف الناتو حوله، كما يمثل البحر الأحمر ممراً مائياً حيوياً بالنسبة للاتحاد السوفيتي يوازي أهمية قناة بنما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

لقد شهدت منطقة القرن الإفريقي والخليج العربي تحولات كبيرة منذ بداية الستينيات، أثرت تأثيراً مباشراً على الأحداث فيها، وقد استطاع الاتحاد السوفيتي بالكثير من الانتهازية فرض وجوده المؤثر فيها، وخلق من هذا الوجود مصدراً للتهديد المباشر للمصالح الغربية في المنطقة.

ارتكزت الإستراتيجية السوفيتية على أساس اقتصادي وسياسي أيديولوجي، فعلى المستوى الاقتصادي نجد أن البحر الأحمر شريان إستراتيجي من الدرجة الأولى ينساب عبره النفط إلى أوروبا الغربية.

كما تعد الإستراتيجية السوفيتية في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي امتداداً للحزام الأمني الذي يحيط بحدوده الجنوبية، والذي يمتد من تركيا حتى باكستان مروراً بالعراق وإيران وأفغانستان.

لقد سعى الاتحاد السوفيتي إلى بسط نفوذه السياسي والدبلوماسي في منطقة البحر الأحمر بغض النظر عن الصراعات السياسية للدول التي يقيم معها علاقاته الدبلوماسية.

لقد حاول الاتحاد السوفيتي التدخل لحل الخلافات بين دول الإقليم، مثل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والصراع في القرن الإفريقي، وفي حل خلافات اليمنيين، كما أعطى النزاع العربي ـ الإسرائيلي الاتحاد السوفيتي فرصة ذهبية للتأثير والتدخل في إقليم الشرق الأوسط، ولقد كان لهذا الصراع مدلولاته وانعكاساته على المصالح السوفيتية، والتي تركزت على ضرورة تأكيد حرية الملاحة في قناة السويس لجميع الدول، حتى إسرائيل.

وقد انتقد الروس السياسية الأمريكية في المنطقة، ولاسيما الوجود العسكري المكثف للولايات المتحدة الأمريكية في إقليم الشرق الأوسط، بعدما حققت نجاحاً، وبعد عام 1977 خاصة، بتمركزها في هذه المنطقة الإستراتيجية والحساسة، ومن المؤكد أن الاتحاد السوفيتي قد نجح في ضرب المصالح الأمريكية في العمق، وإشاعة حالة من عدم الاستقرار في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية والخليج العربي، حيث استطاع أن يخلق محوراً مناوئاً للمحور الأمريكي، ممتد من كابل ماراً بعدن ثم أديس أبابا ومنتهياً في لواندا، ولقد كان لهذه السياسات أثرها في خلق حالة من الاستقطاب بين دول حوض البحر الأحمر أثرت في علاقات دوله، وخلقت حالة من التوتر بين وحدات نظامه الإقليمي، وهو ما أضعف وتيرة التعاون بينها.

3. التدخل الفرنسي

لقد أبدت فرنسا اهتماماً بالبحر الأحمر والمحيط الهندي، ومن الواضح أن المصالح الفرنسية في الإقليم ذات صبغة اقتصادية وإستراتيجية، لذا اهتمت فرنسا اهتماماً مباشراً بتأمين انسياب الإمدادات البترولية من الخليج إلى دول الاتحاد الأوروبي، وفتح أسواق المنتجات الفرنسية في دول إفريقيا وآسيا، ولذلك فإن فرنسا مازالت باقية في جيبوتي على الرغم من استقلالها العام 1977م.

سعت فرنسا إلى بناء خط مستقل لسياستها الخارجية بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبح هذا الخط هو أسلوب السياسة الفرنسية منذ أيام الجنرال ديجول. إن استقراءً خاصاً لجوهر الإستراتيجية والسياسة الخارجية الفرنسية يكشف بوضوح عن وجود رغبة متأصلة لدى الزعامات الفرنسية المتعاقبة في تمكين فرنسا من نهج سلوك يتسم بالعالمية والشمولية، بحيث لا يقتصر على مجرد حضور ثانوي ومحدود.

سعت الإستراتيجية الفرنسية إلى إعادة صياغة العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، بما يضمن استمرارها ولاسيما في إفريقيا، التي تصر فرنسا على وضعها في منطقة نفوذها بحكم ارتباطاتها الاستعمارية التقليدية معها، وبهذا يمكننا أن نفهم دوام عقد قمة سنوية تضم رؤساء فرنسا وإفريقيا، ويتجلى الاهتمام الفرنسي الخاص بمنطقة البحر الأحمر ببقاء ارتباط فرنسا بجيبوتي بعد استقلالها، وذلك لضمان عدم سيطرة قوة أخرى عليها، لأنها من الدول المطلة على البحر الأحمر الذي تنقل عبره المساعدات العسكرية إلى حلفائها في المنطقة.

أصبحت فرنسا أكبر دولة أجنبية لها وجود عسكري في المنطقة بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت فرنسا قد احتلت مينائي أوبك وتاجورا في عامي 1884 و1885، ثم ميناء جيبوتي عام 1888، وقد شعرت فرنسا بالأهمية الإستراتيجية لجيبوتي بوصفها الشرفة المطلة على خانق مضيق باب المندب وعلى قرب إستراتيجي نسبي من مضيق هرمز، بالإضافة إلى قواعدها في جزيرتي (ينون) و(مانون) في المحيط الهندي. وفي عام 1879، شكلت فرنسا لواء (التدخل عبر البحار)، الذي يمكن نقله إلى مناطق الاضطرابات إذ ما دعت الحاجة لذلك، على غرار قوة التدخل السريع الأمريكية.

جاء اهتمام فرنسا بالمنطقة محاولة منها للانفتاح على العالم الخارجي، وبتعبير أدق، لنشر النموذج الثقافي الفرنسي لمواجهة النموذج الأمريكي الذي يفتقد الجذور التاريخية.

وعلى الرغم من الصراعات في منطقة القرن الإفريقي والشرق الأوسط، فإن ذلك من منظور الإستراتيجية الفرنسية ينبغي ألا يعرقل التعاون بين مختلف دول المنطقة في سبيل تحقيق هدف أساس، وهو (تحييد البحر الأحمر)، من خلال إخراج القوتين العظميين منه وتحويله إلى بحيرة سلام، بعيداً عن رياح الصراعات الدولية والإقليمية.

ركزت فرنسا اهتمامها على المحافظة على الأمن والسلم في المنطقة، حيث قامت بدور رئيس في حل النزاع (الاريتري ـ اليمني) حول جزيرة حنيش، وفي حل النزاع في الشرق الأوسط،  حيث صوتت إلى جانب القرار الرقم 242 الصادر عن مجلس الأمن في 22 نوفمبر 1967، والذي طالب فيه المجلس بانسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي العربية التي استولت عليها إسرائيل، في يونيه 1967.

ثالثا: وجود القوى الفاعلة العالمية والإقليمية في البحر الأحمر بعد الحرب الباردة

1. روسيا الاتحادية

الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره العام 1991، احتلت المنافسة مع الولايات المتحدة الأولوية على ما عداها من الأهداف، حيث أصبحت هي المحرك الأساس للسياسة الخارجية الروسية، إذ تمحورت حول الحيلولة دون انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على الشؤون الدولية، مع تجنب نشوب حرب عالمية، والمحافظة على مكانة الاتحاد السوفيتي قوة عظمى في النظام العالمي، وكذلك على النفوذ السوفيتي في محيطه الإقليمي.

وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي ومولد الدولة الروسية، ثار جدل بين الساسة وصانعي القرار في روسيا حول السياسة الخارجية الواجب إتباعها، وأولويات هذه السياسة، وتمحور هذا الجدل حول اتجاهين أساسيين، أولهما يعطي الأولوية للقضايا الداخلية، وثانيهما يرى ضرورة إتباع سياسة خارجية نشطة وفاعلة والمحافظة على المكانة الدولية لروسيا ضمن القوى العظمى.

تمر روسيا الاتحادية الآن بحالة انعدام الوزن إلى حين معالجة قضاياها ومشكلاتها الداخلية والاقتصادية الملحة، ولذلك يصعب التكهن بإستراتيجية روسية واضحة المعالم تجاه أهم بؤر الصراع في العالم، المتمثلة في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي والبحر الأحمر، وهذا ما اتضح إبان حرب الخليج الثانية والحرب بين شطري اليمن عام 1994، والصراع الإريتري ـ الإثيوبي الأخير، والغزو الأمريكي للعراق.

ما زالت روسيا تنفرد بأهم القدرات العسكرية والجيوبوليتيكية والديموغرافية والعلمية والتكنولوجية، وتسيطر تقريباً على موارد البترول، وعلى حصة كبيرة من الموارد المعدنية والطبيعية، كما تسيطر على الترسانة النووية والعسكرية السوفيتية، ولذا فإنها على الرغم من واقع الانهيار وفقدان الاتجاه، ستظل قوة فاعلة في النظام الدولي بالموروث النووي السابق لها.

2. الاتحاد الأوروبي

بدأت الدول الأوروبية تأخذ موقفاً جماعياً وليس فردياً باتجاه مشكلات ونزاعات منطقة البحر الأحمر، إذ إنها أصبحت تعمل تحت آلية موحدة هي آلية الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

أصبح مجلس الإتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي يسهمان، إسهاماً مباشراً أو غير مباشر، في تحديد مصالح دول الإتحاد الأوروبي في مختلف مناطق العالم بما فيها منطقة البحر الأحمر.

وقف الإتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في تدخلها غير المباشر في النزاعات الموجودة في منطقة البحر الأحمر وأهمها:

أ. الصراع الصومالي.

ب. النزاع الإثيوبي ـ الإريتري على إقليم أوجادين.

ج. الصراع الحدودي والقبلي في القرن الإفريقي.

د.المشاركة ضد القرصنة مؤخراً في منطقة البحر الأحمر.

وقف الإتحاد الأوروبي موقفاً عسكرياً مع الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الغزو الأمريكي للعراق، ودفع بأساطيل بحرية في البحر الأحمر لتطويق مضيق باب المندب، كما دفع بسفن حربية وقوات طيران لتطويق شمال الخليج العربي عبر مضيق هرمز، كما حدث ذلك في المحيط الهندي.

وقف الإتحاد الأوروبي ضد إيران في نزاعها النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتدخل في قرار الأمم المتحدة الرقم 854، الخاص بإرسال مفتشين للتفتيش على السلاح النووي الإيراني، كما يقوم الإتحاد الأوروبي بالوقوف بجانب الولايات المتحدة الأمريكية في حث وكالة الطاقة الذرية على تطبيق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.

ويتدخل الإتحاد الأوروبي اقتصادياً في دول المنطقة بعقد اتفاقيات شراكة أوروبية للتبادل التجاري وفتح أبواب الصادرات.

أما من جهة المواقف  العسكرية فقد نسقت دول الإتحاد الأوروبي مواقفها للتدخل في أية منطقة، بما فيها منطقة البحر الأحمر من طريق مجلس الدفاع لحلف الناتو.

3. الصين

تُعد الصين إحدى أهم القوى الدولية الكبرى في العالم، في مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة، حيث اتخذت من السودان الآن موقعاً استثمارياً صينياً كبيراً، إذ قدمت الصين لتطوير الحقول النفطية ما يقارب (خمسة بلايين دولار)، وتملك الآن 50% من مصفاة نفط بالقرب من الخرطوم، كما قامت الصين أيضاً بمد خط أنابيب من حقول امتيازاتها في الجنوب إلى بور سودان على البحر الأحمر. في ضوء هذا الاندفاع الصيني في إفريقيا استطاعت أن تتجاوز اليابان في العام الماضي في حجم الواردات، لتصبح المستورد الثاني الأكبر عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ووصل حجم استيرادها إلى 6.5 مليون برميل يومياً من البترول، وستتمكن الصين، مع تنامي طلبها على النفط والمقدر سنوياً بنسبة 30%، على تجاوز حجم المستوردات الأمريكية، لقد تحولت هذه الوقائع إلى محركات لسياسة الصين في إفريقيا من دون ضجيج وتهويل، وإشعال الحرائق واختراع حركات تمرد، أو إحداث انقلابات، حرب باردة مما كان يألفه عالم الغرب، ويعرف أدواته المختلفة.

4. إسرائيل

تعتمد سياسة إسرائيل زيادة مصالحها الاقتصادية ونفوذها العسكري في منطقة البحر الأحمر، باستخدام عدة طرق، كالتالي:

أ. استخدام التدخل العسكري غير المباشر في النزاعات القائمة في المنطقة، وذلك بإمداد المتنازعين بالسلاح والخبراء العسكريين.

ب. تتولى إسرائيل، بوصفها عضواً مراقباً في حلف الناتو، فجمع معلومات واستخبارات عن دول المنطقة.

ج. استأجرت إسرائيل بعض القواعد العسكرية والجزر في بعض دول المنطقة، مثل جزيرة دهلك.

د. تنفيد إسرائيل مشروعات اقتصادية عملاقة، خاصة في البنية الأساسية كالكهرباء والطاقة والغاز والمياه والبترول، في بعض دول المنطقة (إثيوبيا واريتريا).

هـ. تسعى إسرائيل، من طريق وكالة الهجرة اليهودية، إلى دفع آلاف الأفارقة في دول منطقة البحر الأحمر للهجرة والنزوح إلى إسرائيل والاستيطان بها.

يمكن القول إن الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في مرحلة الحروب (1948 - 1985)، وفي مرحلة إقامة السلام التي بدأت عملية التفاوض في شأنها في مؤتمر السلام للشرق الأوسط (مدريد، 30 أكتوبر 1991)، تتجسد في ما يلي:

أ. تأمين الملاحة البحرية بين إسرائيل وآسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر حماية ميناء إيلات، وحق المرور في مضيق باب المندب وقناة السويس، والتمركز العسكري في بعض جزر البحر الأحمر للمراقبة وجلب المعلومات.

ب. التعاون مع بعض الدول الإفريقية على تحقيق الوجود العسكري أو الفني، في بعض المواني والمواقع والجزر في البحر الأحمر.

ج. العمل على تدويل مضيق باب المندب وتصنيفه ممراً دولياً للملاحة.

د. الاستناد إلى الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر، من أجل ترسيخ علاقات إسرائيل الاقتصادية والسياسية بالدول.

هـ. تعطيل أي مشروع للتضامن أو التعاون العربي في البحر الأحمر، والسعي إلى طمس هويته العربية.

و. فرض وجود إسرائيل دولة إقليمية في البحر الأحمر.

ز. ترسيخ انشطار الوطن العربي إلى قسمين منفصلين آسيوي وأفريقي.

من أجل تحقيق بعض هذه الأهداف تعاونت إسرائيل مع الدول غير العربية المطلة على البحر الأحمر، ويأتي في مقدمتها إثيوبيا/ خاصة حينما كانت تطل على هذا البحر قبل استقلال إريتريا، في عام 1993. وقد بنت إسرائيل علاقاتها بإثيوبيا على أساس المصالح المشتركة في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، ومن المعروف أن لإثيوبيا على مختلف مراحل التاريخ القديم والحديث والمعاصر مطامع تكاد تكون ثابتة في هاتين المنطقتين، وهو ما جعل العلاقات (العربية ـ الإثيوبية) عرضة، في أغلب الأحيان، للتوتر.

5. إيران

تحاول إيران تدعيم علاقاتها مع دول القارة الإفريقية، وذلك رد فعل للحصار والمقاطعة التي تنتهجها السياسة الأمريكية ضدها، وتستند السياسة الإيرانية في سبيل تحقيق مصالحها إلى عدة محاور هي:

أ. التركيز على منطقة القرن الإفريقي التي حظيت باهتمام السياسة الإيرانية.

ب. تتمتع إيران بعلاقات جيدة مع إثيوبيا.

ج. تسعي إيران إلى تدعيم علاقاتها في منطقة الجنوب الإفريقي/ وتعد إيران المورد الرئيس للنفط بجنوب إفريقيا.

رابعاً: أثر الوجود الأجنبي في منطقة البحر الأحمر

إن التداعيات التي واجهت منطقة البحر الأحمر في المجالات المختلفة سياسياً، وأمنياً، وعسكرياً، واقتصادياً، وثقافياً، تؤثر على الأمن القومي للدول المطلة عليه، وتتمثل هذه التهديدات على المستوى الدولي في: (اُنظر خريطة التواجد الأجنبي)

1.  الوجود الأمريكي جنوب خليج عدن، والفرنسي والأمريكي بجيبوتي.

2.  وقعت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقاً عسكرياً مع جيبوتي، يكفل لها مرابطة عناصر من القوات الخاصة، إضافة إلى تسهيلات جوية بالقواعد الجوية، ومن ثم فإن الوجود الأجنبي بالبحر الأحمر ربما يكون تهديداً للملاحة فيه، نظراً لوجوده بالقرب من باب المندب، كما يمكن أن يكون تهديداً لكل المواني المطلة عليه والمشاطئة له.

خامساً: أثر الوجود الإقليمي من بعض دول المنطقة

1. إسرائيل

الوجود الإسرائيلي بجزر إريتريا، كذلك في الصراع بين بعض دوله المتشاطئة أو التي لها تأثير به، كما هو الحال بين إريتريا وإثيوبيا، أو الصراعات داخل القرن الإفريقي، كذلك الصراعات الداخلية لدولة مشاطئة مثل ما يحدث في السودان وإمكان تقسيمه، وما لهذا التقسيم من تداعيات تؤثر على الأمن القومي العربي عامة. في المجالات المختلفة الآتية:

أ. قناعة دول المنطقة بثقل إسرائيل سياسياً على المستوى الدولي، وما تمثله من دعم رئيس للدول الكبرى نظراً لما تتمتع به من نفوذ مؤثر، ولاسيما تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

ب. تأثر مكانة دول منطقة البحر الأحمر على المستويين الإفريقي والدولي، نتيجة فقد سيطرتها على مضيق باب المندب وضعف هيمنتها على الملاحة في البحر الأحمر.

ج. الوجود الإسرائيلي في إثيوبيا والدور الذي تلعبه حيال ومساعدتها للقيام بالدور المركزي الإقليمي في شرق إفريقيا.

د. بالإضافة للآثار السياسية هناك آثار للسياسة الإسرائيلية في دول القرن الإفريقي، منها آثار المساعدات الاقتصادية والفنية والعسكرية، وأيضاً أثر التحركات الإسرائيلية والتي يترتب عليها خلق مواقف فيها تهديد مباشر للأمن القومي العربي.

هـ. إسرائيل هي المستفيد الوحيد من الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب, حيث ألقت بكل ثقلها في الحرب ضد الإرهاب, وأصبح هناك تمركز إسرائيلي إلى جانب الوجود الأمريكي في أرض الصومال، خاصة بعد تفجير الفندق المملوك لإسرائيل في مومباسا بكينيا، ما أعطي إسرائيل ذريعة للبقاء في البحر الأحمر والقرن الإفريقي في إطار الحرب على الإرهاب.

2. إريتريا

أ. عمدت إسرائيل على أن تكون حلقة إقليمية في السلسلة الجيوإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي، حيث تعاونت في ذلك مع إريتريا حديثاً، وحصلت على تسهيلات عسكرية في مينائي عصب ومصوع (أرخبيل دهلك)، وحصلت على مواطئ قدم في جزيرتي جبل الطير و"أبو زعبل".

ب. ولقد بدأت إسرائيل على أثر ذلك بتكثيف أنشطتها العسكرية في البحر الأحمر، بل ورصد التحركات فيه ومراقبتها، وقد يتخذ هذا النشاط العسكري أبعاداً أخطر في المستقبل إلى حد الإقدام على احتلال بعض الجزر المهمة في البحر الأحمر، خاصة وأن معظم هذه الجزر ليست موضع اهتمام من الدول العربية التي تمتلكها.

ج. يمثل البحر الأحمر وما يحويه من جزر أهمية قصوى لإسرائيل في الاتجاه الجنوبي، لذلك سعت دائماً للتعاون والحضور مع إثيوبيا وإريتريا، وكان ذلك بطبيعة الحال تلبية للمصالح العليا الإسرائيلية، ودعماً للمصالح الأمريكية أيضاً في المنطقة.

د. إذا جمعنا بين الوجود العسكري الإسرائيلي والتعاون مع إثيوبيا وإريتريا من ناحية، والوجود العسكري الفرنسي والأمريكي في جيبوتي، لاكتملت حلقة السيطرة والتهديد لأمن البحر الأحمر من الجنوب، ومن ثم لأمن دول منطقة البحر الأحمر وللأمن القومي العربي.

3. إيران

تنبني السياسة الخارجية الإيرانية، على مبادئ وأفكار الثورة الإسلامية، وعلي رأسها مبادئ نشر الحكم الإسلامي وتطبيقه وفقاً لوجهة نظرها في تفسير الشريعة الإسلامية، وسعت إيران إلى تجاوز مناخ العزلة الدولية والإقليمية التي فرضت عليها وإلى كسب تأييد بعض دول المنطقة والدول الإفريقية.

اقتنصت إيران فرصة حاجة دول القرن الإفريقي والسودان للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لمواجهة مشاكلها الداخلية، بالإضافة لمحاولتها النافذة إلى تلك الشعوب، من خلال استغلال الدين واجهة مقبولة للتحرك على الأصعدة العربية والإسلامية. ومن مظاهر التحرك الإيراني وانعكاسه السلبي على دول المنطقة الأتي:

أ. دعم الإرهاب: السعي نحو تصدير مبادئ وأفكار الثورة الإيرانية إلى دول المنطقة، ودعمه الجماعات الإسلامية، المتطرفة منها خاصة، ويمثل التأييد السياسي والمعنوي والمادي لهذه الحركات قوة دفع لها.

ب. منافسة الدور العربي في منطقة القرن الإفريقي: إن وجود قوة إقليمية مثل إيران في القرن الإفريقي، بما لها من نوايا في نظم موالية لها في المنطقة من طريق مساندة الحركات الأصولية الإسلامية في (الصومال ـ إريتريا ـ السودان... الخ)، مما يهدد ثوابت العلاقات لدول المنطقة.

وملء الفراغ الإستراتيجي في منطقة الخليج العربي، بعد احتلال العراق وغيابه عن ساحة الصراع، منذ عام 1991، بهدف تحقيق مطامحها للاضطلاع بدور بارز في الترتيبات الأمنية بمنطقة الخليج العربي، للمحافظة على مبادئ الثورة الإسلامية وأيديولوجيتها، مع احتفاظها بالتفوق على جيرانها في منطقة الخليج العربي.

سادساً: تأثير التدخلات الدولية في منطقة البحر الأحمر على الأمن القومي العربي

1. على المستوى السياسي

أ. تهديد مباشر للأمن القومي العربي بعامة من خلال تهديدها للمدخل الجنوبي للبحر الأحمر وصولاً إلى بحر العرب.

ب. تداعيات إعادة تشكيل الأوضاع بدول منطقة البحر الأحمر وفقاً لقيم ومعايير جديدة، تستهدف التغيير من مراكز الثقل بالمنطقة لصالح الدول غير العربية.

ج. تزايد فرص التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول، وتسوية النزاعات وفقاً لشروط مصالحه، وصياغة نظام إقليمي جديد للتعاون والأمن في البحر الأحمر، يتجاوز مفاهيم الأمن والتعاون العربي المشترك في المنطقة.

د. قد تشرع الدول الأجنبية في مضاعفة الضغوطات على الحكومة اليمنية لإقامة قواعد العسكرية على أراضيها في عدن.

2. على مستوى قضية الأمن المائي

أ. محاولة نقل مطالب إعادة التفاوض وإبرام اتفاقات جديدة لمياه النيل، مع إمكانية نقل الانتفاع لإسرائيل وهو أمر غير وارد.

ب. محاولة دول تجمع شرق إفريقيا الضغط بورقة المياه.

ج. التدخل للحد من فرص التعاون المصري ـ السوداني خلال المرحلة الانتقالية لاتفاق السلام في السودان، وإذا نجحوا في ذلك فهو خيبة أمل عربية ومصرية سودانية.

د. الربط بين استكمال مشروعات تنمية الموارد المائية بأعالي النيل، بإبرام اتفاقات بمعايير جديدة للانتفاع بمياه النيل، خاصة حالة انفصال جنوب السودان.

هـ. إمكان التدخل الدولي، خاصة الأمريكي، لتحقيق تسوية شاملة لقضية المياه في الشرق الأوسط باستغلال مياه النيل.

و. توفير موارد لتغذية حالة التفكك للدولة الصومالية وتحولها لبؤرة لتنفيذ أعمال العنف والإرهاب والتطرف في المنطقة.

ز. تعزيز المطالب الإسرائيلية الرامية إلى تدويل مضيق باب المندب والجزر العربية المسيطرة عليه.

ح. فرض القوى الدولية صيغاً أمنية جديدة لخدمة مصالحها وأهدافها بالمنطقة، وذلك على حساب ثقل الدول العربية ودورها.

ط. دعم وتعزيز الدور الإسرائيلي والثقل الإقليمي لبعض دول القرن الإفريقي وحوض البحر الأحمر (إريتريا ـ إثيوبيا) من أدوات تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية.

سابعاً: الآثار الناتجة عن عمليات القرصنة وانتشار القوات الأجنبية

1. إصابة حركة الملاحة في خطها عبر خليج عدن بالشلل التام.

2. تهديدها حركة الملاحة الدولية في موانئ المنطقة.

3. تغيير مسار معظم السفن من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح.