إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القرصنة البحرية




محاكمة قراصنة صوماليين
السفينة الأوكرانية المخطوفة
القراصنة فوق الناقلة السعودية
القرصان ويليام كيد
القرصان جون روبرتس
القرصان ذو اللحية السوداء
استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة
قراصنة يعتلون سفينة

ملابس القرصان
العملية الأوروبية "أتلانتا"
علم القراصنة

الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح
الملاحة عبر قناة السويس
التواجد الأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر
طرق الملاحة البحرية



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث الثالث

الأهمية الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية للبحر الأحمر

أولاً: الأهمية الجيوبوليتيكية للبحر الأحمر

مفهوم الجيوبوليتيكي في الفكر الألماني قائم على أساس المجال الأرضي، بحسبانه المجال الحيوي للدولة التي يصفها بالكائن الحي، ولذلك نجد أن لفظ الجيو Geo، يعني الجغرافية، يسبق لفظ البوليتكس Politics، ويعني السياسية، لربط السياسة بالتربة، لأن الجيوبولتيكي تبين مدى توقف كل تقدم سياسي على العامل الثابت الذي لا يتغير، وهو عامل الأرض أو التربة.

إذاً فعلم الجيوبولتيكس هو العلم الذي يبحث في درجة ارتباط الأحداث والتطورات السياسية بالمجال الأرضي، ويضع أُسس بناء قوى الدولة التي يقوم عليها من العمل السياسي لتأمين مصالح الدولة الحيوية، وبالتالي فهو من هنا يضع سياسة واقعية للدولة على ضوء الحقائق الجغرافية، ويجرى العلاقات الدولية بهدف تحقيق مصالح الدولة وأمنها القومي، ولا ينظر إلى الدولة في إطار حدود ثابتة لا يمكن تغييرها، ولكن ينظر إليها كياناً سياسياً واجتماعياً وحضارياً وثقافياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً، كياناً قابلاً للتمدد والانكماش، أي قابلاً للتغيير طبقاً لنمو قدرات هذا الكيان وانخفاضها، حيث يركز على نظرية الصراع ذات العناصر الثلاثة (تكنولوجيا ـ موارد ـ شعب). فالدراسة الجيوبوليتكية دراسة ديناميكية تنظر للتفاعل السياسي بين المجتمع والأرض التي يعيش عليها سكان هذا المجتمع، والموارد المتاحة، واضعاً في الصدارة النظرة السياسية للدولة التي تعمل على تحقيق المصالح والأهداف القومية العليا للدولة.

1. الأسس الرئيسية لعلم الجيوبولتيكس

أ. الموقع الجغرافي للدولة: للموقع الإستراتيجي أهمية في زمن السلم بالسيطرة على الحركة التجارية، أما في زمن الحرب فيؤثر بقواعده العسكرية.

ب. شكل الدولة ومساحة رقعتها: سواء من حيث قصر الحدود أو مساحة الدولة، حيث تمتاز الدول العظمى باتساع وكبر المساحة.

ج. المناخ: ويحد كثيراً من انتقالات البشر في المناطق التي تشتد برودتها كالجهات القطبية والمناطق التي تتصف بارتفاع حرارتها.

د. السكان: حيث إن النصر في أوقات الحرب هو بعدد من يمكن حشدهم من الرجال في ميدان القتال.

هـ. الموارد الطبيعية: يعد المكون الاقتصادي للدولة من العوامل والأسس الحيوية للقوة السياسية وجيوبولتيكا الدولة.

2. يتحكم البحر الأحمر في الربط بين مدخل البحر المتوسط ومخارجه ومخارج الخليج العربي، إذ إن أي تحرك في البحر المتوسط ينتهي إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس، كما أن أي تحرك في الخليج العربي ينتهي إلى البحر الأحمر عبر مضيق هرمز، وخليج عمان، والمحيط الهندي، وخليج عدن، ومضيق باب المندب. وهو البحر الأحمر طريق الاتصال بين الأساطيل البحرية في البحر المتوسط والمحيط الهندي، كما أنه طريق الاقتراب نحو مصر العليا ومنابع النيل.

3. يُعد البحر الأحمر سياسياً أكثر اتساعاً من البحر الأحمر جغرافياً، إذ لا يقتصر على الوحدات التي تطل عليه مباشرة، بل يتعدى ذلك ليشمل الوحدات السياسية التي ترتبط سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو إستراتيجياً بالبحر الأحمر، لذلك فإن منطقة مثل القرن الإفريقي تدخل في نطاق البحر الأحمر الجيوبوليتيكي إلا أنها تتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث تمر الصادرات النفطية الخليجية من خلاله إلى أوروبا. وبالمثل يمكن القول بأن دول غرب أوروبا الصناعية لها مطالب جيوبوليتيكية في البحر الأحمر، لأنها تعتمد نفط الخليج اعتماداً رئيساً لتلبية حاجاتها من الطاقة، كما أن دولة مثل روسيا لها اهتمام أيضاً بالنطاق الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر، الذي يعد أقصر طريق يربط بين موانئها على البحر الأسود وأسطولها في المحيط الهندي، الذي يحتل أهمية بارزة في الإستراتيجية البحرية الروسية. والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً لها مطالب جيوبوليتيكية في البحر الأحمر، حيث تمر تجارتها وأساطيلها البحرية فيه. ويتضح من ذلك أن النطاق الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر هائل الاتساع، بحيث يمكن أن يشمل الخريطة السياسية للعالم كل، وذلك لعدة خصائص جيوبوليتيكية تميز البحر الأحمر وتدفع به إلى الصدارة من حيث الأهمية الجيوستراتيجية.

4. إن البحر الأحمر، بحكم موقعه الجغرافي المتفرد، يقسم المنطقة إلى قسمين، أحدهما إفريقي والآخر آسيوي، وبذلك يكون عامل وصل أو فصل طبقاً للدور الذي يلعبه. كما أن تجاهل ما يؤثر على البحر الأحمر من صراعات إقليمية أو وجود أجنبي، يعد خطأً جسيماً، حيث يؤثر ما يدور على المستوى المحلي والإقليمي والدولي على الأمن القومي لدول المسرح، وللكتل الإستراتيجية حوله. ونظراً للخصائص الجيوسياسية والجيوستراتيجية للبحر الأحمر، وارتباطه بمنطقة الصراع العربي ـ الإسرائيلي والمحيط الهندي والخليج العربي، فإن التهديدات والصراعات التي تتعرض لها تلك المنطقة تؤثر على أمنه تأثيراً مباشراً.

5. إن مصالح الدول الأجنبية الموجودة في البحر الأحمر والمستخدمة له واهتماماتها لا تطابق بالضرورة مصالح الدول المشاطئة له واهتماماتها، وإنما تسعى لتحقيق مصالحها واهتماماتها وأهدافها الخاصة، كما أن لهذا الوجود الأجنبي تأثيراته المباشرة على ما يجري في البحر الأحمر، وعلى توازن هذه القوى مع القوى الإقليمية. وقد ضاعف من هذه النتيجة وجود قضايا خاصة بدول المنطقة لم تصل أطراف النزاع فيها إلى حل نهائي وشامل لها.

6. لا يزال حوض البحر الأحمر يذخر بالصراعات والأزمات التي لا يرتبط الكثير منها يكون البحر الأحمر ذاته مياهاً أو ممراً ملاحياً، بقدر ارتباطه بمصادر واختلالات هيكلية في البنية الداخلية لمجتمعات الدول المتشاطئة عليه، وبخاصة الأكثر فقراً (الصومال ـ جيبوتي ـ إريتريا ـ السودان)، والذي يهم القوى الغربية الكبرى في إدارتها لأزمات حوض البحر الأحمر هو أن توظف تلك الأزمات لتحقيق هدفين مهمين: الأول يتمثل في الحيلولة دون انفجار الموقف الإقليمي حول البحر برمته في موجة عدم استقرار عارمة تهدد المصالح النفطية للغرب، والثاني يتمثل في أن تجد الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، موطئ قدم راسخة لها حتى تراقب وتحمي وتضمن وتؤمن طرق ملاحة إمدادات النفط في البحر الأحمر عبر المضايق والممرات.

7. يمثل البحر الأحمر أهدافاً ومصالح إستراتيجية للدول الصناعية الكبرى والأوروبية، ودول شرق آسيا، كما يمثل أهمية اقتصادية بالدرجة الأولى. وقد زادت تلك الأهمية بإغلاق مصر لمضيق باب المندب، في حربها عام 1973، في وجه الملاحة الإسرائيلية. كما أن القارة الإفريقية تمثل سوقاً كبيراً للمنتجات الأمريكية، تضم 700 مليون مستهلك، وتوفر فرص عمل لحوالي 100 ألف أمريكي. وكانت إفريقيا مسرحاً لزيارة الرئيس الأمريكي لمدة 12 يوماً، عام 1998، زار خلالها ست دول إفريقية، بما يؤكد أهمية إفريقيا وموقعها في السياسة الأمريكية.

8. إذا كانت أزمات البحر الأحمر تعود في أغلبها إلى أسباب سياسية داخلية لا ترتبط بالبحر الأحمر وأمنه بوصفه مجرى ملاحياً مباشرة، فإن خريطة أزمات المنطقة لا تكتمل بغير الإشارة إلى أزمات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبخاصة المرتبطة منها بالملاحة في خليج العقبة والبحر الأحمر، وما يحويه من مضايق وممرات بحرية بالبحر الأحمر والخليج العربي، ليكونا معاً أخطر وأعمق وأصعب صراعات المنطقة وأزماتها، وليظل الصراع العربي ـ الإسرائيلي على قمة أولويات الصراع في المنطقة الشمالية للبحر الأحمر. ثم يأتي من الخليج العربي الحرب العراقية ـ الإيرانية، واشتعال حرب الخليج الثانية عند الطرف الشمالي للخليج العربي.

9. يتمتع البحر الأحمر بوفرة الثروات في قاع البحر، حيث النحاس، والرصاص، والنيكل، والزنك، والذهب، والفضة، والكالسيوم، والصوديوم، بالإضافة إلى النفط والغاز الطبيعي، والثروة السمكية قبالة السواحل المصرية والسعودية والسودانية، وتجول أساطيل صيد الأسماك للدول الكبرى دون حساب أو مراقبة، وهذا يستلزم وضع إستراتيجية اقتصادية مشتركة تعود بالفائدة على دوله. ويلاحظ تأثير السمة الرئيسة التي تميز سواحل البحر الأحمر الشرقية والغربية، والمتمثلة في ضعف الكثافة السكانية، وعدم وجود مناطق صناعية أو جذب سكاني، باستثناء بعض المدن والموانئ البحرية المطلة عليه، ما كان له الأثر السلبي على إمكان تحقيق دوله الاستغلال الاقتصادي الإيجابي لثرواته.

10. تتعارض مصالح الدول الكبرى وأطماعها مع مصالح الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وأهدافها، وقد تسابقت هذه الدول ليكون لها موطئ قدم به. فنجد إسرائيل في الشمال، وهي مرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تعاون إستراتيجي، وفرنسا وجودها في جيبوتي.

11. تعكس الصراعات الإقليمية والمحلية آثارها على الاستقرار والتنمية في البحر الأحمر، وأهمها الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والصراع في القرن الإفريقي، ومشكلة جنوب السودان، والحرب الأهلية في الصومال، وصراعات أخرى عديدة منها الصراعات الحدودية بين دوله، ما يعيق التنمية والتعاون بينها. كما أن من أبرز المعالم الجغرافية الطبيعية للبحر الأحمر كثرة جزره، ووجود المضايق التي تتحكم في مداخله ومخارجه، مع قلة موانئه الصالحة لاستقبال السفن الكبيرة، بما يؤثر تأثيراً قوياً على مسائل الدفاع عن أمنه.

12. تكمن الأهمية الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية والاقتصادية للبحر الأحمر، في أنه أقصر الطرق الموصلة بين الدول الصناعية والدول النامية المصدرة للمواد الخام والأولية، وهو الشريان الرئيس لانسياب النفط من دول الخليج إلى أوروبا، فضلاً عن أنه أقصر الطرق لمرور منتجات الدول الصناعية إلى أسواقها التقليدية في آسيا وإفريقيا. وتبلغ المسافة  من مضيق جبل طارق إلى مضيق باب المندب حوالي 6500 كم، بينما تصل المسافة بينهما عن طريق رأس الرجاء الصالح إلى حوالي 19 ألف كم، أي ثلاثة أضعاف المسافة، بالإضافة إلى ما توفره من طاقة مستهلكة واختصار للوقت.

13. ترتبط الأهمية الجيوبوليتيكية بالمصالح الاقتصادية العربية، التي تتمثل في الآتي:

أ. ممر ملاحي دولي: يوفر حوالي 17 – 59% من المسافة، وحوالي 50 – 70% من الوقود، تبعاً لحمولة السفن المارة بالبحر الأحمر، بدلاً من مرورها بطريق رأس الرجاء الصالح.

ب. طريق رئيس لتصدير نفط دول الخليج: يؤدي إلى مناطق الاستهلاك في أوروبا، ولقد شجعت هذه الميزة على إقامة خطوط أنابيب لنقل النفط من منطقة الخليج إلى البحر الأحمر، ومنه بالسفن إلى مناطق الاستهلاك عبر قناة السويس.

ج. يتصدر البحر الأحمر قائمة البحار: بما في قاعه من معادن وموارد اقتصادية أخرى.

د. وجود الأيدي العاملة العربية الرخيصة: سواء في مصر أو الأردن أو السودان أو اليمن، وكذلك في باقي دول القرن الإفريقي، فضلاً عن وجود قدر لا بأس به من الكوادر الفنية، ومع توفر رأس المال العربي لدى الدول النفطية، وبصفة خاصة لدى المملكة العربية السعودية، يمكن قيام تعاون مشترك، بما يعود بالمصلحة والفائدة على دول البحر الأحمر، وتحدث التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية المحيطة بالبحر الأحمر على وجه الخصوص، وتمتد إلى باقي دول الوطن العربي والدول الإسلامية، وبذا يمكن أن يُشكل نواة اقتصادية تكاملية ومتماسكة.

14. تتسم الأوضاع الاجتماعية في معظم دول البحر الأحمر بالتوتر والقلاقل، وتصل في بعضها إلى حد الاقتتال، ما ينعكس بالضرر على العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدوله.

15. إن الصراعات الطائفية والقبلية ورغبة بعض دول البحر الأحمر في الهيمنة، تسبب تدهوراً خطيراً في الأوضاع الاجتماعية في هذه الدول، ما يعيق عمليات التنمية والاستقرار، وما ينتج عن ذلك من إحجام المستثمرين واستمرار التخلف والفقر والمجاعات والتصحر، بما لا يحقق المناخ الملائم للتنمية والتعاون مع دول المنطقة، مثلما يحدث في الصومال وإريتريا وإثيوبيا، ودول أخرى في المنطقة.

16. تواجه معظم البلدان عوائق إنمائية عميقة الجذور، كارتفاع معدل النمو السكاني، والتنمية البشرية الضعيفة، وضعف البنية الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، وغيرها من العوامل التي تعد سبباً للأداء الاقتصادي الضعيف ونتيجة له، فضلاً عن ذلك فإن العوامل السياسية أدت إلى تردي البنية الاقتصادية، بل وتدميرها في بعض الحالات، كالحرب الأهلية، والاضطرابات السياسية وغيرها من التغيرات، التي أحدثت آثارها على اقتصاديات بلدان المنطقة فأضعفتها.

17. تأثير البُعد القومي للبحر الأحمر على الأهمية الجيوبوليتيكة

أ. ارتباط أهمية البحر الأحمر بوصفه شرياناً بحرياً بقناة السويس إحدى أهم المرافق الإستراتيجية لمصر، ومن هنا يكون كل خطر هدد أمن البحر الأحمر في الماضي أو يهدده في الحاضر أو في المستقبل، مؤثراً على قناة السويس المرفق الحيوي الإستراتيجي. بما يعني ارتباط الأهمية القومية للبحر الأحمر بالأمن القومي المصري والعربي، ويضاعف في الأهمية الاقتصادية لمنطقة البحر الأحمر.

ب. جاءت بعض القضايا الكونية لتفرض نفسها على قائمة الاهتمامات القومية الملحة، وبالذات قضايا البيئة والتلوث، وأهمية المحافظة على المحميات الطبيعية البرية والبحرية، بما يتطلب تضافر الجهود المبذولة لدول البحر الأحمر مؤيدة عربياً ودولياً، لتحقيق أهداف حماية البيئة، التي أصبحت ملحة.

ج. إن هذا الأمر يعني أن المصالح القومية التي تتأثر تأثيراً مباشراً بأمن البحر الأحمر، تزداد أكثر فأكثر في الفترة الحالية والمستقبلية، وجميعها مصالح حيوية تفتقر إلى الحماية والرعاية اللازمين إستراتيجياً بالمفهومين الأمني والعسكري.

18. الأهمية الجيوبوليتيكية وتأثيرها على النواحي الأمنية للبحر الأحمر

أ. يدخل أمن البحر الأحمر ضمن حسابات الأمن القومي لكل دولة من الدول المطلة عليه.

ب. ظروف الصراع العربي ـ الإسرائيلي فرضت آثارها السالبة على إمكان احتساب البحر الأحمر بحيرة شبه عربية، وإلى قبول تنظيم التعامل الإقليمي مع الدول المشاطئة من غير العربية، كإسرائيل وإريتريا وإثيوبيا.

ج. إن الاهتمام الإسرائيلي بالبحر الأحمر، على الرغم من أنها لا تمتلك من سواحله سوى سبعة أميال فقط (11.4 كم)، كان يأتي دائماً على قمم أولويات إسرائيل بوجودها في البحر الأحمر، سواء في زمن الحرب أو السلم، بما يؤكد ضرورة التعامل مع واقع الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر.

د. تتأثر الأهمية الإقليمية لأمن البحر الأحمر في بعدها الجيوبوليتيكي بارتباطها أساساً بتطورات العلاقة العربية ـ الإسرائيلية، ومدى إمكان تحقيق السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط، وإلا ظلت منطقة البحر الأحمر غير مستقرة أمنياً، وتظل السياسية الإسرائيلية تلعب دورها من خلال استغلال علاقاتها الحسنة مع إريتريا وإثيوبيا.

هـ. إن العلاقات العربية ـ العربية ستظل عنصراً رئيساً سالباً في رسم حدود التعاون الإقليمي للدول المتشاطئة، في ضوء اختلافات النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يفرض بذل الجهود السياسية والدبلوماسية لقبول أدنى حد من التعاون لتحقيق المصالح المشتركة التي يمكن أن تكون البديل عن استمرار الخلافات.

و. لا يمكن النظر إلى الأهمية الجيوبوليتيكية لأمن البحر الأحمر بمعزل عن قضية الأمن والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي، في ضوء الارتباط والتداخل الجيوستراتيجي بينها، حيث تشهد المنطقة حالياً الكثير من مظاهر عدم الاستقرار والنزاعات الإقليمية، لدرجة المواجهات العسكرية، التي ربما تؤثر على الخريطة السياسية للمنطقة والتوازنات الإقليمية بداخلها، الأمر الذي يمس مصالح قومية لدول البحر الأحمر العربية، ويدعم الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر على حساب المصالح العربية.

ز. مع استمرار وجود التناقضات السياسية والاختلافات الاجتماعية، ستظل النزاعات الإقليمية فيما بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر قائمة، بما يؤثر سلباً على تحقيق الأمن والاستقرار لدول البحر الأحمر.

ح. زادت الأهمية الجيوبوليتيكية للبحر الأحمر بالنسبة لتحرك الأساطيل الأمريكية في الخليج العربي والشرق الأوسط، وتلعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً رئيساً في الهيمنة على البحر الأحمر بعد حرب الخليج الثانية والتحالف الإستراتيجي مع إسرائيل، وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية دائماً إلى السيطرة على البحر الأحمر بسبب موقعه الإستراتيجي وقربه من منابع النفط في الخليج العربي، لضمان استمرار حرية الملاحة وتدفق النفط عبر قناة السويس إلى أوروبا، لكي تتحكم في اقتصاديات دول أوروبا، وفي وصول النفط إليها.

ثانياً: الأهمية الجيوستراتيجية للبحر الأحمر

1. مفهوم الجيوستراتيجية

يُعد البحر الأحمر من المناطق الجيوستراتيجية، إذ هو منطقة وثوب بين المسرح الأوروبي والمحيط الهندي، ولذا فإن من يتخذه نقطة ارتكاز، خاصة مداخله في اتجاه البحر المتوسط ومخارجه في اتجاه المحيط الهندي، أو في الجزر الصغيرة بالمنطقة يدعم مركزه في المحيط الهندي، ويكون ذلك عاملاً مؤثراً على الإستراتيجيات لكل من القوى الإقليمية والدولية، حيث يمثل شرياناً رئيسياً لنقل النفط من مصادره في الدول الخليجية إلى مناطق استهلاكه الرئيسية في أوروبا وأمريكا، لذا فإن من يسيطر على هذا الشريان المائي الحيوي، ومن ثم الدول المشرفة عليه، خاصة دول القرن الإفريقي، يستطيع التحكم في إمداد النفط إلى الدول الصناعية.

2. تتمثل الأهمية الجيوستراتيجية للبحر الأحمر من حيث إنه أهم الطرق المائية، حيث يصل بين شمال العالم وجنوبه، ويربط بين منابع النفط والأسواق العالمية، وحلقة وصل بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، بما يمكن القول بأن البحر الأحمر يقع في مركز الثقل العربي، سواء جغرافياً أو قومياً. لذا فهناك أفكار عربية مبدئية في إقامة منظمة عربية لدول البحر الأحمر، أسوة بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنتدى البحر المتوسط.

3. لقد وضحت الأهمية الجيوستراتيجية للبحر الأحمر جلياً إبان حرب تحرير الكويت، فقد كان المعبر الرئيس لنقل قوات دول التحالف من المحيط الأطلسي والبحر المتوسط إلى الخليج العربي، وأسهم بالإسراع في وصول القوات لأماكن تمركزها بدلاً من الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح. كما استُخدم البحر الأحمر خلال هذه الحرب قاعدة لإطلاق الصواريخ "كروز وتوماهوك" من سفن السطح والغواصات لتتجه لأهدافها في قلب العراق. ولقد ظهرت في هذه الحرب مدى سعة البحر الأحمر في استيعاب حتى مجموعة حاملات طائرات في آن واحد. ولكن البحر الأحمر لا يصلح للعمليات البحرية واسعة النطاق، وإنما يصلح أساساً للأعمال القتالية المحدودة، وقد بلغ عدد السفن الحربية التي اتجهت إلى منطقة العمليات بالخليج العربي نحو 262 سفينة حربية من مختلف الأنواع والأحجام، في الفترة من 2 أغسطس 1990 إلى 29 أكتوبر 1991.

4. تؤثر الطبيعة الجغرافية للبحر الأحمر على إمكان استخدامه عسكرياً، فانتشار الحوائط الصخرية العالية التي يراوح ارتفاعها ما بين 200 – 300 قدم على الساحل الإفريقي، وما بين 300 – 700 قدم على الساحل الآسيوي، يحد من عمليات الإبرار البحري على سواحل البحر الأحمر. وعلى الرغم من الطبيعة الهيدروجرافية والأحوال الجومائية السائدة طوال العام في البحر الأحمر، فإنها تسمح باستخدام جميع أنواع الوحدات البحرية، كما أن طبيعة سواحله وجزره المحاطة بالشعاب المرجانية، وعدم توافر المساعدات الملاحية به أدت إلى تحديد الممرات الملاحية التي سلكتها السفن أثناء الإبحار. الأمر الذي يحد من إمكان المناورة لها أثناء العمليات العسكرية البحرية، كما أن نجاح أي قوة بحرية معادية في إغلاق الممرات الملاحية من شأنه الحد من إمكانات امتلاك السيطرة البحرية. وتزداد سيطرة المواقع الساحلية على مياه البحر الأحمر كلما اتجهنا نحو الشمال أو الجنوب، حيث يزداد تغول اليابس على الماء إلى حد الاختناق في الأطراف، والذي غالباً ما يصاحبه أعماق ضحلة، تزيد من ضيق المجرى الصالح للملاحة، بالإضافة إلى تضاؤل فرص استخدام هذه الاختناقات أمام الغواصات.

5. لا شك أن التضاريس القاعية تلعب دوراً مهماً في الإخفاء والتمويه البحري، لملاحة الأعماق خاصة، حيث يمكن لهذه التضاريس تشويه وتضليل الموجات الصوتية أو فوق الصوتية المرسلة من أجهزة الاستكشافات البحرية لرصد الغواصات، ويقلل من قيمة هذا العامل أن أعماق البحر الأحمر في كثير من أجزائه ضحلة لا تجعل قاع البحر ميداناً صالحاً للنشاط البحري الاستكشافي.

6. لعل من أبرز الأحداث المتعلقة بنقاط الاختناق في البحر الأحمر، تلك المتعلقة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، حينما حاول العرب استغلال مواقعهم الحاكمة بالقرب من نقطة الاختناق، لعرقلة الملاحة الإسرائيلية. فقد اتفقت مصر عام 1950 واحتلت مع المملكة العربية السعودية جزيرتي "صنافير" و"ثيران"، وفرضت قيوداً صارمة على مرور السفن إلى إسرائيل عبر مضيق "ثيران"، فضلاً عن منع مرورها في قناة السويس، وكانت نتيجة ذلك اشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، واحتلالها لمنطقة شرم الشيخ التي تتحكم في مضيق "ثيران". وتكررت المحاولة من جانب مصر مرة أخرى عام 1967، وكانت نتيجة ذلك شن إسرائيل عدوانها على مصر واحتلال شبه جزيرة سيناء بأكملها، وجزيرتي "صنافير" و"ثيران". ومرة ثالثة اعترضت مصر، في 6 أكتوبر 1973، الملاحة الإسرائيلية، ولكن هذه المرة عند نقطة الاختناق الرئيسة للبحر الأحمر، الممثلة في مضيق باب المندب، على بعد 1100 ميل من مضيق "ثيران"، الواقع تحت سيطرة إسرائيل، فأصبحت هذه السيطرة الجيوستراتيجية عند "باب المندب" نقطة اختناق ثانوية لإسرائيل، دون تأثير على الملاحة المصرية في البحر الأحمر.

7. تهدف إسرائيل من منطلق الأهمية الجيوستراتيجية للبحر الأحمر إلى تحويله إلى بحيرة يهودية تتولى حماية مصالحها ومطامعها، كما أنها تسعى للانطلاق عبر البحر الأحمر صوب الموارد الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية وما وراءها من شرق ووسط آسيا، كما تسعى إلى بناء ممر بحري بين "عسقلان" و"إيلات"، وهي خطوة نحو تحقيق الأهداف اليهودية بالبحر الأحمر. وتطلق إسرائيل على البحر الأحمر وخليج العقبة تسميات يهودية، ويصبح هدف الإستراتيجية الإسرائيلية واقعاً في رغبتها في توسيع سيطرتها على البحر الأحمر في مضيق باب المندب، بما يحقق الهيمنة على الممرات والجزر والمضايق قدر المستطاع، وتفتيت الهوية العربية لدول الساحل الغربي للبحر الأحمر، بدءاً من جنوب السودان حتى أقصى الجنوب إلى الصومال، مع تركيز علاقاتها وترسيخها مع الدول الإفريقية، وذلك بمنع تلك الدول من أن تكون ضمن حزام أمني عربي لمواجهة إسرائيل، أو على الأقل تحييدها. ومن هذا المنطلق تعمل إسرائيل على ألا يكون البحر الأحمر بحيرة عربية، ألا يظل مقتصراً على تحقيق المصالح العربية وحدها.

8. تتفق الدول العربية على أن إسرائيل تمثل التهديد الرئيس لها في البحر الأحمر، إلا أن هذه الدول لا تتفق جميعها على أن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب الدور نفسه. فقد لفتت حرب أكتوبر 1973 أنظار الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى أهمية استخدام سلاح النفط في معركة التضامن العربي مع مصر، وهو ما كان في الوقت نفسه ضربة إفاقة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فعمدت الأخيرة إلى تحجيم الدور العربي في البحر الأحمر، وفتح خليج العقبة أمام حرية الملاحة الإسرائيلية بصورة دائمة، بما يحقق الأهداف الإسرائيلية.

9. أدى تفكك الاتحاد السوفيتي (السابق) إلى تقليص الوجود السوفيتي في منطقة البحر الأحمر، بعد أن كانت الأهداف السياسية السوفيتية التوغل المنتظم في المحيط الهندي والبحر الأحمر، بغية تحويل البحر الأحمر إلى طريق خاضع للسيطرة السوفيتية، إذ هو في إستراتيجيتها أسرع وأقصر طريق بين البحر الأسود والمحيط الهندي، كما كانت السياسة السوفيتية تهدف إلى الحد من النفوذ الأمريكي والصيني، والعربي عموماً، وعملت على فتح أسواق جديدة أمام منتجاتها المدنية والحربية، في إطار السعي إلى السيطرة على نقل النفط وتأمين خطوط الملاحة بأساطيلها التجارية، ولكن الوجود السوفيتي سرعان ما انهار في منطقة البحر الأحمر، ولم تبق أية قوى دولية منافسة للوجود الأمريكي.

10. كان للبحر الأحمر دور عسكري رئيس في حرب أكتوبر 1973، حيث تمكنت مصر بالتعاون مع الدول العربية المطلة عليه من حرمان إسرائيل من استخدامه لتأمين ميناء إيلات، بينما لعبت مصر دوراً حيوياً في تأمين المضايق والمناطق الحاكمة وسط البحر الأحمر وجنوبه، بالاشتراك مع الدول العربية المطلة عليه.

11. في حرب أكتوبر 1973، برزت المسؤولية الجسيمة التي وقعت على عاتق الدول العربية للسيطرة على المناطق الحاكمة في البحر الأحمر، وبعد حرب أكتوبر 1973، أصبحت مسؤولية الدول العربية "المحافظة على البحر الأحمر صالحاً للملاحة التجارية العالمية". ولكن في عام 1984، أثبتت حوادث إلقاء الألغام في البحر الأحمر لتأمين مداخله  ومخارجه، واستعانت الدول العربية بدول أوروبية لكسح الألغام وتأمين الملاحة بالبحر الأحمر لصالح الملاحة الدولية.

12. استعانت الكويت بالأساطيل الدولية في حرب الخليج الأولى لحماية ناقلات النفط الكويتية ضد هجمات البحرية الإيرانية. وفي حرب الخليج الثانية لجأت دول مجلس التعاون الخليجي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تشكيل القوة المتعددة الجنسيات، لطرد القوات العراقية من الكويت، مما أدى إلى زيادة النفوذ الأجنبي بالبحر الأحمر والخليج العربي، وإلى وجود تحالفات إستراتيجية لدول خليجية عربية مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية (المملكة المتحدة وفرنسا). إن هذا يعني أن الدول العربية كانت تتصدى إزاء المواقف والأزمات في البحر الأحمر، ليس من منطلق وجود سياسات وإستراتيجيات عربية، وإنما تتسم تصرفاتها بردود فعل عفوية ووقتية، وعليه فإنه لا توجد سياسة عسكرية مشتركة للدول العربية المطلة على البحر الأحمر، لها صفة الاستقرار والموضوعية. كما لا توجد أيضاً إستراتيجية عسكرية مشتركة للاستخدام الإستراتيجي للقوة البحرية للدول العربية في البحر الأحمر، مما قد يترتب عليه تداعيات أمنية محتملة مستقبلية.