إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القرصنة البحرية




محاكمة قراصنة صوماليين
السفينة الأوكرانية المخطوفة
القراصنة فوق الناقلة السعودية
القرصان ويليام كيد
القرصان جون روبرتس
القرصان ذو اللحية السوداء
استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة
قراصنة يعتلون سفينة

ملابس القرصان
العملية الأوروبية "أتلانتا"
علم القراصنة

الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح
الملاحة عبر قناة السويس
التواجد الأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر
طرق الملاحة البحرية



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث الرابع

القرصنة البحرية في البحر الأحمر

أولاً: خلفية تاريخية عن القرصنة البحرية في البحر الأحمر

تُعد المناطق الساحلية الصومالية، التي يبلغ طولها حوالي 3700 كم، محوراً رئيساً لعمليات القراصنة الصوماليين، الذين قاموا باستهداف السفن التي تبحر خلال الممرات المائية الرئيسة الخاصة بالملاحة البحرية في المنطقة من خليج عدن إلى المحيط الهندي، حيث أصبحت القرصنة تهديداً متصاعداً على المستوى الدولي، خصوصاً الدول التي تستخدم سفنها الممرات المائية القريبة من سواحل الصومال. (اٌنظر خريطة الصومال)

فقد ظهرت عمليات القرصنة البحرية بالقرب من السواحل الصومالية مع بداية فترة التسعينيات، على إثر انهيار النظام المركزي بالصومال بقيادة الرئيس "سياد بري"، عام 1991، ودخول البلاد في مرحلة الفوضى والحرب الأهلية، وظهور جماعات مسلحة خارج سيطرة السلطة الشرعية، وانتشارها بالمناطق الساحلية، والتي تبدأ من باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، مروراً بخليج عدن، وجنوباً حتى الحدود الكينية، والتي تُعد أحد أهم الممرات البحرية التي تستخدمها حركة التجارة الدولية.

ونتيجة لتدهور الأوضاع الداخلية وانهيار مؤسسات الدولة في الصومال، أصبحت السواحل الصومالية من دون رقابة فعلية، وساحة إستراتيجية تستغلها أطراف إقليمية ودولية في أعمال الصيد البحري، إذ تستخدم سفن الصيد الدولية شباك صيد جائرة لا تصطاد الأسماك والسرطانات البحرية فقط، وإنما الشعاب المرجانية والنباتات التي تغذيها أيضاً، كما تلقي سفن أخرى النفايات السامة في المياه الصومالية، ما أدى إلى نفوق الأسماك، وتدمير البيئة البحرية بصفة عامة، التي يتكسب منها الصيادون الصوماليون، ما دفعهم إلى البحث عن أعمال أخرى، ومن بينها القرصنة.

على الرغم من كل ما تتمتع به دولة الصومال من ثروات هائلة، إلا أن الصومال لم تتمكن من الاستفادة منها بسبب ضعف الإمكانات، وزاد الوضع سوءاً بدء سفن من جنسيات مختلفة وبعض الشركات التجارية الخاصة بنهب الثروات الموجودة في المياه الصومالية، وهو الأمر الذي دفع المواطنين الذين اعتادوا على الصيد قبالة قراهم بأدوات تقليدية للحصول على رزقهم اليومي، إلى الشكوى من وجود هذه السفن التي تقوم بصيد الأسماك دون وجه حق، وتمتلك القدرة على استخراج تلك الثروات بفضل الوسائل الحديثة التي بحوزتها، في حين يعجز المواطنون عن استغلالها، حيث تمنعهم تلك السفن من الاقتراب من عمق البحر، ومن ثم فقد بدأ بعض السكان المحليين القيام ببعض محاولات بدائية للهجوم على السفن المعتدية، ورغم أن بعض هذه المحاولات تنجح في اختطاف إحدى هذه السفن، إلا أن الأمر كان ينتهي بسرعة بعد أن يُدفع للخاطفين القليل من المال.

1. كيف بدأت عملية القرصنة في الصومال؟

بدأ ظهور القرصنة البحرية بقيام عناصر من الصيادين الصوماليين بالتصدي لسفن الصيد الأجنبية، التي كانت تستولي على الثروة السمكية الخاصة بهم، إلى أن تحولت مجموعة من الصيادين الصوماليين إلى جماعات منظمة مسلحة تهاجم سفن الصيد، وكانت تلك الحوادث تنتهي عادة بتسويات مالية (فدية) يطلق بعدها سراح سفن الصيد الأجنبية مقابل تعويضات مالية محدودة، استطاعت من خلالها هذه الجماعات تعزيز قدراتها، والاستيلاء على بعض السفن واللنشات السريعة لاستخدامها في تطوير أساليب مهاجمة السفن التجارية على خطوط الملاحة الدولية، بحثاً عن تحقيق الثراء السريع، مع احتمال حصولهم على الدعم المادي من بعض الأطراف الخارجية.

2. طرق القرصنة

تتبع القرصنة طرائق متماثلة، حيث أمكن لمنظمة الملاحة الدولية وضع تصور لها، فهي تحدث في الليل غالباً فيتسلق القراصنة متن المراكب من أطرافها ومؤخراتها مستخدمين الكابلات أو العصي الطويلة التقليدية أحياناً، ولا يهمهم حجم المراكب أو سرعتها، وكثيراً ما شوهدت حالات سطو على ناقلات النفط أو السفن التجارية حاملة الحاويات ضخمة الحجم، أو السفن السياحية المخصصة للنزهات، والمهاجمون المعتادون جيداً على سلب السفن التجارية يستغلون عموماً مناورات الملاحة أو تخفيف السرعة، أو انشغال أفراد الطاقم كله عند المضايق والممرات الضيقة، وقد يحدث أحياناً أن يتسلل بعض شركاء القراصنة إلى السفن وهي راسية في الميناء ويختبئون فيها، ثم يظهرون فجأة، والسفينة في عرض البحر لمد يد العون لزملائهم القراصنة القادمين في زوارق سريعة، والمهاجمون على علم تام عموماً بهندسة السفن وطبيعتها وقيمة حمولاتها، الأمر الذي يؤكد أنهم يتعاونون مع شركاء في البر، وحتى مع السلطات المرفئية.

وثمة طريقة أخرى للقرصنة، وهي إنزال زوارق صغيرة من السفينة (الأم) لتسير إلى جوارها أو بالقرب منها، الأنوار جميعها مطفأة، بهدف الانقضاض على الفريسة على حين غرة. وقد حددت منظمة الملاحة الدولية ثلاثة أشكال للأعمال التي ينفذها القراصنة، وهي

أ. السلب باستخدام أسلحة خفيفة

وهي سرقات صغيرة باستخدام السلاح، وغالباً ما تُرتكب في الموانئ أو على مقربة من السواحل ضد الصيادين أو المتنزهين في البحر، وتُعرف منظمة الملاحة الدولية ذلك النوع من السلب بأنه "هجوم انتحاري يقع على طول الساحل، وتنفذه مراكب قوية جداً يقودها مجرمون ولصوص مسلحون في البحار، وهم عادة يحملون السكاكين، وأهدافهم عموماً السيولة النقدية، ولا سيما في الصناديق الحديدية الموجودة في كل مركب، وكذلك الأغراض الشخصية غالية الثمن".

ب. السرقة والاعتداء المسلح المتوسط بخطف أو من دون خطف

ويُقصد بذلك هجمات عنيفة وسرقات تسفر عن جروح خطيرة أو سقوط قتلى، وتنفذها عصابات منظمة جداً، وهي عادة مسلحة تسليحاً ثقيلاً، وتعمل لحساب مركب (أم) مستفيدة عموماً من شركاء على البر متواطئين معها، وهذا الشكل من القرصنة يمثل خطراً شديداً على الملاحة، ولا سيما تحييد الملاحين وشل حركتهم أو حجزهم.

ج. الاختطاف الإجرامي الخطير

وهو فعل خطير يرتكب فيه جرم الاختطاف، حيث يستولي القراصنة على المركب ثم يعمدون إلى تمويهه أولاً، ثم تسجيله باسم مزور، وتختطف حمولته أو تُقذف في البحر. وقد حددت المنظمة هذا النوع من القرصنة بأنه "أنشطة إجرامية دولية مخططة، وتحت تصرفها موارد مهمة وتستخدم عصابات من رجال مدربين تدريباً جيداً ومسلحين تسليحاً ثقيلاً، وهم على استعداد لاستخدام الأسلحة النارية، كما يملكون هواتف تعمل بنظام GPS المتصل بالأقمار الصناعية".

والجدير بالذكر أن المنظمة تقدر عدد القراصنة المنتشرين على طول السواحل الصومالية بنحو 1100 فرد. (اُنظر صورة استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة)

3. أهداف القراصنة

لم يُعلن عن أي هدف سياسي للخاطفين، ما عدا الفدية التي يعلنونها والمساومة عليها، وقد بلغت حصيلة أموال الفُدى خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2008 نحو 180 مليون دولار، وبعضهم يحاول تعليل فعلهم بكونهم يضطلعون بعبء خفر السواحل لحماية مياه الصومال من الصيد المحرم ورمي النفايات، ومن ثم يصبح ما يحصلون عليه من أموال عائداً حلالاً لهم.

4. هوية القراصنة

لا يوجد اتفاق بين المراقبين حول هوية القراصنة ومن يقف وراءهم، وهناك عدة افتراضات بهذا الشأن، بيد أن هناك ثمة اتفاق حول بعض الخصائص العامة لهم، وهي أنهم متحدون بصفة عامة، ولا تمثل الانتماءات العشائرية ـ التي أثارت الصوماليين ضد بعضهم بعضاً ـ مشكلة بينهم، وتراوح أعمار المنفذين لعمليات القرصنة ما بين 18 – 25 عاماً، وأن أكثر أسلحتهم يُشترى من السوق السوداء في اليمن. وبخلاف ذلك، فهناك اختلاف حول هوية القراصنة، فهناك من يرى أن القراصنة الصوماليين هم ميليشيات قبلية مسلحة احترفوا هذا العمل لأنه يدر عليهم أموالاً طائلة، تمكنهم من تعزيز نفوذهم في الصراع القبلي في البلاد. بينما يرى آخرون أن القراصنة هم بالأساس صيادون فقدوا أعمالهم بفعل الوجود العسكري الغربي على سواحل الصومال، والنفايات الكيماوية الخطيرة التي تُلقى على مقربة من المياه الإقليمية.

وليس من المستبعد أن يكون القراصنة هم مزيج من هؤلاء وهؤلاء، وتعد مدينة وميناء "هرارديري" أبرز قواعد القراصنة الصوماليين، وتقع المدينة على بعد 300 كم شمال العاصمة الصومالية "مقديشيو"، وأقل من 30 كم من الشاطئ، وكانت معقلاً لتنظيم المحاكم الإسلامية عندما سيطرت على العاصمة مقديشيو وبعض المدن الأخرى من بينها هيراردي. (اُنظر صورة محاكمة قراصنة صوماليين)

5. أسباب مشكلة القرصنة

أدى تدهور الأوضاع في الصومال، بصفة عامة، بدءاً من غياب الأمن وتعطل مشروعات التنمية، وفقدان الوظائف وغير ذلك من النتائج السلبية المترتبة على غياب الدولة، إلى دفع كثير من الصوماليين إلى البحث عن مصادر أخرى للدخل، وكان من الطبيعي أن يتجه بعضهم إلى القرصنة لكسب عيشهم. فإذا أخذنا في الحسبان غياب الأمن وطول السواحل الصومالية، لأدركنا حجم الأموال الطائلة التي تحققها أنشطة القرصنة، حيث وصلت أرباحهم خلال عام 2009 حوالي 50 مليون دولار، حتى أن هناك مقولة شهيرة في الصومال تقول: "كل ما تحتاجه ثلاثة رجال وقارب صغير، لكي تعتبر في اليوم التالي مليونيراً".

6. الآثار الاقتصادية الناجمة عن أعمال القرصنة

يُعد تصاعد هجمات القراصنة الصوماليون مشكل كبير ينبغي العمل على حله في أسرع وقت، لما له من آثار خطيرة على حركة النقل التجاري، نظراً لأن السواحل الصومالية تتحكم في الطريق إلى مضيق باب المندب، وإلى مدخل المحيط الهندي، والتي يبحر منها نحو 3.3 مليون برميل من النفط يومياً، وما بين 16 ألف و22 ألف سفينة سنوياً عبر الممر الملاحي من خليج عدن إلى البحر الأحمر وقناة السويس، ثم أوروبا. فقد ارتفعت قيمة التأمين على السفن التي تعبر خليج عدن بنسبة كبيرة، ومع زيادة المخاطر وارتفاع التكاليف، قد ينتهي الأمر بأن تفضل شركات الملاحة الانصراف عن خليج عدن وقناة السويس، والاتجاه نحو رأس الرجاء الصالح، وهذا ما حدث بالفعل جزئياً على الأقل، حيث أعلنت الهيئة العامة لقناة السويس أن إيرادات القناة انخفضت بنسبة 25% في يناير 2009، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، بسبب أعمال القرصنة، ومن الممكن أن يؤدي استمرار أعمال القرصنة لفترة ممتدة إلى توقف مسار الرحلات التجارية العالمية عبر قناة السويس. (اُنظر خريطة الملاحة عبر قناة السويس) و(خريطة الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح)

7. دوافع القراصنة

مع تزايد عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن، نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية تقريراً موسعاً سلطت الضوء فيه على هذه الظاهرة، وقالت الصحيفة "إن قراصنة اليوم هم في الغالب مقاتلون من الفصائل المتعددة لأمراء الحرب في الصومال الذين حاربوا بعضهم بعضاً من أجل السيطرة على البلاد منذ انهيار حكومة "سياد بري" عام 1991".

ومن الأدلة المعروضة حتى الآن أنهم مقاتلون يبحثون في المقام الأول عن فرص يغتنمونها أو غنائم يفترسونها. فقد سبق لهم أن أقاموا الحواجز على الطرق لإجبار الناس على دفع الإتاوات، أما الآن فهم يجدون الفرص مواتية في عرض البحر.

فهم بدأوا العمل مع الصيادين المحليين، ثم تمكنوا من شراء القوارب والأسلحة بالأموال التي حصلوا عليها إثر استيلائهم على كل سفينة وقعت تحت أيديهم، وكان دافعهم الأول من وراء القرصنة البحرية هو إتمام هذا العمل من أجل البقاء"، فانتزاع الأشياء بقوة السلاح هي الفرص القليلة للعيش في بلاد لا يحكمه القانون، فربما ارتفعت وتيرة أعمالهم مع ارتفاع وتيرة أسعار المواد الغذائية، وقد أصبحت الآن فرصتهم مربحة جداً، فأصبحت مشروعات جنائية معقدة تدر عوائد كبيرة بملايين الدولارات.

8. لمن يعمل القراصنة

يعمل القراصنة غالباً لصالح أنفسهم، ومعظم أعمال القراصنة يعود أصلها إلى إقليم "بونت لاند"، هذا الإقليم شبه المستقل في الساحل الشمالي من الصومال، الذي سرعان ما انفصل عن البلد الأم، وآلاف القراصنة الآن ينطلقون من الساحل الصومالي رغم عدم توافر إحصائية دقيقة لعددهم.

وتشير تقارير الأمم المتحدة التي ترصد عمليات تهريب السلاح في منطقة القرن الإفريقي إلى أدلة على أن عصابات القرصنة قد أنشأت علاقات مع المسؤولين الفاسدين في حكومة بونت لاند.

فالقراصنة يرشون مسؤولي ميناء "إيل" كي يسمحوا لهم باستخدام الميناء وموانئ أخرى قواعد لانطلاق عملياتهم ولإحضار السفن المختطفة إليها لاحتجازها هناك، أثناء مفاوضتهم السفن المخطوفة بشأن الفدية.

وهناك اتهامات بوجود علاقات للقراصنة مع الفصائل الإسلامية المحلية، التي ربما بدأت بدورها استخدام القرصنة لتوفير المال اللازم لشراء الأسلحة.

وبالتأكيد فإن حركة الشباب المجاهد تستخدم القراصنة لتهريب الأسلحة إلى الصومال، البلد الذي يعاني حظراً دولياً على استيراد السلاح، لكن الأدلة على قيام المجموعات الإسلامية باستخدام القرصنة البحرية واحدة من طرق التمويل لا تزال ضعيفة.

9. إجراءات للحماية الذاتية التي تتبعها السفينة المختطفة

حيث تستخدم وسائل بدائية، مثل خراطيم المياه، من خلال دوريات من سطح السفينة، ووضع سجاد المسامير لإعاقة القراصنة من التجوال على سطح السفينة، واستخدام أسلاك كهربائية تحيط بسور السفينة، واستخدام مكبرات صوت تبعث أصواتاً مرتفعة تكون مؤلمة للقراصنة. لأن أغلب الأطقم على متن السفن لا يحملون سلاحاً، خوفاً من المواجهة المسلحة مع القراصنة، الذين يحملون أحدث الأسلحة، ولديهم قدر عالٍ من التدريب، ولذلك تلجأ الشركات الملاحية إلى شركات الأمن الخاص، لأن أفرادها مدربون على حمل السلاح.

10. أموال القراصنة

لقد أثارت عمليات القرصنة المتوالية بسواحل الصومال تساؤلات عديدة عن الحصيلة المالية لتلك العمليات وكيفية التعامل معها. تقدر بعشرات الملايين من الدولارات التي حصل عليها قراصنة الصومال من أصحاب السفن المخطوفة محصنة من الرصد والمصادرة، لأنها تضخ في اقتصاد دولة تخلو من حكومة فاعلة أو قادرة على المراقبة، ورغم أن العصابات الإجرامية تلجأ لغسل إيراداتها عبر النظام المالي لتبدو كأنها أموال مشروعة، فإن خبراء المال يقولون أن هذا لا يحدث في الصومال التي لم تعد بها حكومة مركزية أو نظام مصرفي رسمي، ولا تعرف شيئاً سوى الحرب الأهلية منذ أكثر من 20 عاماً. وقد حصل القراصنة بالفعل على عشرات الملايين من الدولارات نقداً، من عشرات العمليات منذ مطلع عام 2008.

ويرى الخبراء المختصون بمكافحة غسل الأموال أن القراصنة يعيشون مثل الملوك، ويفعلون كل شيء في العلن، دون الحاجة إلى الاختباء أو إخفاء مصدر أموالهم، حيث إن الحكومة المحلية لا تبالي أو لا تملك السلطة للاعتراض أو السيطرة، وأضافوا أيضاً أن القراصنة لا يحتاجون لغسل الأموال؛ لأن سلطة تنفيذ القانون غير موجودة.

ويقدر بعض الخبراء أن الفديات التي حصل عليها القراصنة تقارب 150 مليون دولار حتى الآن، تُستخدم جميعها في تمويل الحرب في الصومال. ومن ضمن الجماعات التي تقول التقارير أنها حصلت على نصيب من تلك الأموال "منظمة الشباب" التي تصنفها واشنطن إرهابية.

وجدير بالذكر أن الدعم الأمريكي الواضح والفاضح لإثيوبيا في حربها ضد الصومال يُعد عاملاً مؤكداً ودافعاً محفزاْ لنشوء عصابات القراصنة وارتقاءها تمويلاً للحرب الأهلية الطاحنة الدائرة هناك.

وقد تحولت القرصنة إلى قطاع صغير ولكنه مربح في إحدى أفقر دول العالم، حيث تستمر هذه الأموال في شراء أراضٍ وعقارات في بلدتهم، حيث يعلمون أنهم لن يُحاكموا.

11. تكوين عصابات القرصنة

تتكون عصابات القرصنة من العناصر التالية:

أ. بحارة سابقون، وهم عقل هذه العمليات لأنهم يعرفون البحار جيداً.

ب. أعضاء سابقون في الميليشيات المتحاربة، والذين يُعدون المنفذين للعمليات بسبب خبرتهم الحربية.

ج. خبراء تقنيون، وهم العقول المحركة للعمليات بسبب خبرتهم في عالم الكمبيوتر، ومعرفتهم بتشغيل أجهزة تحديد المواقع الملاحية وهواتف الأقمار الصناعية، والمعدات العسكرية المتطورة.

وتتقاسم المجموعات الثلاث الفديات المالية الكبيرة المتحققة من وراء عمليات القرصنة، والتي تدفعها الشركات المالكة للسفن البحرية نقداً.

12. ظاهرة القرصنة بالسواحل الصومالية

باتت عمليات القرصنة تشكل تهديداً متصاعداً على المستوى الدولي، خصوصاً للدول التي تستخدم سفنها وبواخرها الممرات المائية القريبة من سواحل الصومال، لا سيما في ظل تصاعد التحذيرات الدولية من تفاقهما بما هو لافت ومنظم في عدة مناطق أخرى من العالم، بهدف الاستيلاء على السفن التجارية.

ورغم كل ما سبق، فإن البعض يرى أن الخطورة الحقيقية للقرصنة لم تبدأ بعد، حيث يتوقع الكثير من المراقبين أن يمد القراصنة نشاطهم لخطف سفن الركاب، وهي التوقعات التي لا تنطلق من فراغ، حيث حاول القراصنة بالفعل في فترات سابقة مهاجمة أكثر من سفينة ركاب، دون أن يحالفهم الحظ.

ثانياً: تأثير تصاعد القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية على التجارة العالمية

ينطوي التصاعد في عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية عند خليج عدن، على أخطار كبيرة على الممرات الملاحية الدولية، وكذلك على التجارة العالمية، ولا سيما تجارة النفط، حيث يتحكم الخليج بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر ويربطه بالمحيط الهندي من طريق باب المندب، ويعد ممراً للنفط من منطقة الخليج العربي إلى البحر الأحمر، ثم إلى قناة السويس، ومنها إلى الأسواق الدولية، ويقصر المسافة التي تقطعها ناقلات النفط إلى أوروبا بنسبة 60%، وهو يُعد أحد المحاور العالمية للملاحة البحرية، حيث يمر عبره قرابة 16 ألف سفينة، ونحو 30% من الإنتاج العالمي للنفط سنوياً.

1. التهديدات والتداعيات المترتبة على ظاهرة القرصنة

نظراً لما تنطوي عليه ظاهرة القرصنة البحرية من انعكاسات وتداعيات سالبة، فقد سارعت القوى الدولية بنشر أساطيلها البحرية في منطقة خليج عدن، مستندة في ذلك إلى القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي لمواجهة تلك الظاهرة، ما أدى إلى بروز مخاوف الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، لا سيما مصر والسعودية، من هذا الأمر، لما قد يترتب عليه من تداعيات سياسية، كتدويل الأمن في البحر الأحمر، الذي يُعد ممراً مائياً شبه عربي، حيث إن جميع الدول المطلة على سواحله (مصر، والسودان، وجيبوتي، واليمن، والسعودية، والأردن) دولاً عربية، باستثناء إسرائيل وإريتريا

وقد دفعت التهديدات والتداعيات المترتبة على ظاهرة القرصنة المجتمع الدولي، سواء على المستوى الجماعي أو على المستوى الفردي، إلى تبني وسائل وأساليب عدة لمكافحتها، لما يترتب عليها من تهديد خطير للسلم والأمن الدوليين، بجانب تأثر بعض الدول تأثراً مباشراً بمخاطر القراصنة وتهديداتها.

2. مظاهر تفاقم القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية

اتساع نطاق عمليات القرصنة البحرية حتى مسافة تراوح بين 200 – 300 ميل بحري من السواحل الصومالية حتى خليج عدن والسواحل اليمنية، دفع المكتب الدولي للنقل البحري، في أغسطس 2008، إلى وصف السواحل الصومالية بأنها تُعد الأخطر على مستوى العالم خلال الربع الثاني من عام 2008، متخطية بذلك سواحل إندونيسيا ونيجيريا.

ثالثاً: أسباب تفاقم القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية

1. أسباب داخلية

أ. انهيار مؤسسات الدولة الصومالية نتيجة الحرب الأهلية

وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تصدر الصومال لتصنيف الدول الفاشلة على المستوى الدولي عام 2008، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية فيها، في ظل استمرار انهيار مؤسسات الدولة منذ تسعينيات القرن العشرين، وعجز الحكومة الانتقالية عن بسط سيطرتها على السواحل الصومالية، بالإضافة إلى قصور الإمكانات العسكرية والأمنية التي تمكن الحكومة الصومالية من السيطرة على كافة أرجاء الإقليم الصومالي.

ب. تفاقم الأوضاع الاقتصادية في الصومال

يُعد هذا العامل أحد الأسباب المهمة وراء تزايد عمليات القرصنة البحرية، حيث لا يتجاوز الناتج القومي الإجمالي للصومال حوالي 2.5 مليار دولار، بمعدل نمو سنوي ضئيل يُقدر بحوالي 2.6%، بينما وصل متوسط دخل الفرد سنوياً إلى حوالي 600 دولار سنوياً.

2. أسباب خارجية

أ. تجاهل المجتمع الدولي للأزمة السياسية الصومالية

يُعد المجتمع الدولي مسؤولاً مسؤولية غير مباشرة عن تفاقم تلك العمليات، حيث يتحمل الغرب عامة، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، جزءاً كبيراً من المسؤولية عن بروز ظاهرة القرصنة البحرية، التي هي إحدى إفرازات الأزمة الصومالية، بتجاهله المتعمد للأزمة.

ب. الدور الإسرائيلي في تزايد عمليات القرصنة

تلعب إسرائيل دوراً كبيراً في أزمة القرصنة أمام السواحل الصومالية، وذلك بهدف تفعيل مشروع تدويل البحر الأحمر، رغم عدم امتلاكها سوى عدة أميال في إيلات على شاطئ هذا البحر، ويستدل على تورط إسرائيل في أعمال القرصنة من المؤشرات التالية:

(1) عدم وجود سفن إسرائيلية على قائمة السفن التي تعرضت للقرصنة.

(2) الوجود الإسرائيلي في إريتريا وإثيوبيا، وما يتردد عن الوجود الإسرائيلي في كل من الصومال وإقليم بونت لاند، وغيرها من دول المنطقة.

(3) الارتباط الواضح بين الأهداف الإسرائيلية والخطط الأمريكية لعسكرة المياه الدولية في البحر الأحمر، حيث تسعى إسرائيل لإحياء مشروع قناة البحرين، التي تصل بين البحر الأحمر والبحر الميت، خطوة أولى لإنشاء الجزء الثاني من القناة التي ستتجه غرباً إلى البحر المتوسط عند منطقة حيفا، وبذلك إفقاد قناة السويس أهميتها الإستراتيجية والتأثير على الأمن القومي المصري.

(4) إن مشروع تدويل البحر الأحمر يعد جزءاً من مخطط إقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحه الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز".

(5) حرص إسرائيل منذ السبعينيات من القرن الماضي على امتلاك سفن حربية وغواصات يبلغ مداها آلاف الكيلومترات، للتمكن من الوصول من ميناء إيلات إلى مضيق باب المندب والعودة دون التزود بالوقود، ومن هنا فإن إسرائيل كان لها دور كبير في تمزيق الصومال لمنع عودة الصومال الكبير بمعناه التاريخي، الذي يشمل خمسة أقاليم، منها الصومال البريطاني، والصومال الإيطالي (وهما قد استقلا تحت اسم جمهورية الصومال)، والصومال الفرنسي وهو ما اتُفق على تسميته بجيبوتي، وإقليم أوجادين الذي ضمته لإثيوبيا، والإقليم الخامس الذي ضمته كينيا، ويُعرف باسم المقاطعة الشمالية الحدودية.

ج. دور المنظمات الإرهابية الدولية

لا شك بعض المنظمات الإرهابية الدولية وراء هجمات القرصنة التي تقع أمام السواحل الصومالية وفي خليج عدن، وهي مسؤولة عن ذلك التطور الذي طرأ على طبيعة هجمات القراصنة، وتحولها من عمل عصابات تسعى فقط للسطو على معدات أو أدوات من السفن، إلى خطف سفن كاملة، بالإضافة إلى امتلاك عصابات القراصنة أسلحة متطورة، وهم مدربون على تكتيكات تساعدهم في سرعة خطف السفن، ويملكون أجهزة حديثة للرصد وتتبع السفن، وزوارق سريعة.