إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القرصنة البحرية




محاكمة قراصنة صوماليين
السفينة الأوكرانية المخطوفة
القراصنة فوق الناقلة السعودية
القرصان ويليام كيد
القرصان جون روبرتس
القرصان ذو اللحية السوداء
استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة
قراصنة يعتلون سفينة

ملابس القرصان
العملية الأوروبية "أتلانتا"
علم القراصنة

الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح
الملاحة عبر قناة السويس
التواجد الأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر
طرق الملاحة البحرية



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث الخامس

تأثير القرصنة على الأمن العربي والدولي

والمنظومة العربية في مواجهتها

أولاً: أمن البحر الأحمر وعمليات القرصنة

يمثل أمن البحر الأحمر أهمية إستراتيجية عربية وإفريقية، فقد كان غلق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عام 1973، أحد المعطيات المؤثرة في صناعة نصر أكتوبر، وهو الدرس الذي لم ينسه الإسرائيليون، حيث يسعون منذ ذلك الحين إلى تعظيم قدراتهم في التأثير على المحددات الحاكمة لأمن البحر الأحمر حالياً ومستقبلاً.

كما أن انهيار مؤسسة الدولة الصومالية، ووجود قواعد عسكرية لكل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في جيبوتي، يعظمان من مصادر التهديد للمصالح العربية والإفريقية بصفة عامة، والدول المتشاطئة عليه بصفة عامة (مصر، والسودان، والسعودية، والأردن، وإريتريا، واليمن، والصومال).

للبحر الأحمر أهمية كبرى للأمن العربي، سواء على المستوى القومي للدول العربية المطلة عليه، أيضاً للأمن العالمي وأمن الدول الإفريقية، وهذه الدوائر الأمنية متصلة ومتداخلة، ومركز ثقلها الإستراتيجي هو القرن الإفريقي وما يجاوره من مناطق، وإذا كان القرن الإفريقي هو المركز الحيوي لدوائر الأمن المختلفة، فإن باب المندب وخليج عدن يصبحان البؤرة التي تتركز عندها الأهمية القصوى لأمن جميع الأطراف.

يُعد البحر الأحمر أحد الممرات الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية بين أوروبا وآسيا، وتُقدر نسبة السفن العابرة للبحر الأحمر سنوياً بأكثر من 20 ألف سفينة.

يمتاز البحر الأحمر بأنه قناة اتصال بين البحار والمحيطات المفتوحة، ومن هنا تزيد أهميته الإستراتيجية، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو الأمنية، كما أن البحر الأحمر هو الطريق الرئيس الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا.

ثانياً: التداعيات الأمنية والإستراتيجية على الدول المتشاطئة

تسبب أعمال القرصنة المتزايدة في الآونة الأخيرة، المنتشرة قبالة سواحل الصومال وفي المياه الدولية للبحر الأحمر وأمام خليج عدن، ضد السفن التجارية المارة، حالة من الإرباك والتداعيات الخطيرة على سلامة البحر الأحمر وأمنه، وعلى استمراره ممراً مائياً آمناً للتجارة، وأيضاً على المصالح الإستراتيجية للدول المطلة عليه أو تلك التي تعتمد عليه اعتماداً رئيساً في تجارتها الدولية، وهو ما دفع العديد من شركات النقل البحري العالمية للإعلان عن تغيير خط سيرها الملاحي وتحويله إلى طريق رأس الرجاء الصالح، برغم تضاعف التكلفة. (اُنظر خريطة الدول المطلة على البحر الأحمر)

رفع قيمة التأمين على السفن المتجهة إلى منطقة البحر الأحمر، وخاصة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن، لاعتبارها من أخطر الممرات المائية في العالم.

ثالثاً: الظروف البيئية التي تتم فيها عمليات القرصنة

1. إن عمليات القرصنة لا بد أن يتوافر لها أمران، هما: سفينة أم ترسل الزوارق، وقاعدة أرضية للسيطرة وتبادل المعلومات والأوامر.

2. إن هذه الزوارق أصبحت مزودة بمضادات للطائرات وقاذفات صواريخ، إضافة إلى الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية.

3. طرق عمليات القرصنة احترافية، فمثلاً زوارق القراصنة مصنوعة من مواد لا يمكن رصدها بواسطة أجهزة السفن المقتربة قبالة السواحل الصومالية، وهو ما يشير إلى أن التخطيط لهذه العمليات يقوم به محترفون.

4. تجري عمليات القرصنة في منطقة يوجد بها قطع بحرية لدول مختلفة، سواء لحلف الناتو وقطع لبعض الدول الأوروبية.

وهذه البيئة تخلق العديد من الأسئلة حول الجهات المسؤولة عن هذه العمليات، وذلك في اتجاهين: الأول إسكان أن تتطور عمليات القرصنة مستقبلاً من طلب المال إلى تبني أجندات معينة، ربما لجماعات إرهابية.

رابعاً: المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر

يمثل البحر الأحمر عصباً حيوياً لإسرائيل في الوقت الراهن، وذلك في وضوء وجود إستراتيجية إسرائيلية للنفاذ والتأثير في الدول الإفريقية عامة، وذلك لاعتبارات سياسية واقتصادية تتعلق بالخبرات التاريخية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، بالإضافة إلى ما تتمتع به الدول الإفريقية من خيرات وخامات لم تُستغل حتى الآن.

كما أن لمنطقة القرن الإفريقي أهمية خاصة لإسرائيل، لتحجيم فرص التعاون العربي ـ الإفريقي، على النحو الذي تم في حرب أكتوبر 1973.

أما فيما يتعلق بالأهداف الاقتصادية الإسرائيلية في إفريقيا، فإن الحصول على ثرواتها الكامنة، وجني الأرباح التجارية مسألتان حاكمتان في الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تحصل إسرائيل على حصة من ماس الكونغو، كما أنشأت عدداً من الشركات البترولية في إفريقيا بغطاءات مناسبة، حيث إن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) قد قدرت احتياطيات النفط في إفريقيا بنحو 80 مليون برميل، كما تحتكر حالياً تجارة المنتجات الغذائية في إثيوبيا.

في هذا السياق يقوم البحر الأحمر بوظائف اقتصادية حيوية في هذه الإستراتيجية الإسرائيلية، منها مرور 20% من حجم التجارة الإسرائيلية الإجمالية فيه.

تحتضن إفريقيا جاليات يهودية متفاوتة الأحجام ومتباينة القوة والتأثير، ففي شمال إفريقيا جماعات اليهود السفارديم الذين قدموا في الأساس من إسبانيا والبرتغال خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، إضافة إلى جماعات من اليهود الأشكيناز قدمت إلى إفريقيا من شمال وشرق أوروبا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. كما أن الجالية اليهودية في جنوب إفريقيا تُعد واحدة من أغنى الجاليات اليهودية في العالم، وطبقاً للتقديرات العالمية، فإن مساهمة يهود جنوب إفريقيا في خزانة الدولة العبرية تأتي في المرتبة الثانية بعد مساهمة يهود الولايات المتحدة الأمريكية.

خامساً: تداعيات القرصنة على أمن البحر الأحمر وممراته

1. إمكان تحول طرق التجارة الدولية والنقل البحري عنه ما يُضعف الدول المطلة عليه اقتصادياً.

2. أن يتحول البحر الأحمر إلى بؤرة للصراعات والحروب والتداخلات الإقليمية والدولية النشطة وجماعات الإرهاب الدولي.

3. تدويل البحر الأحمر وممراته، ما يفقد الدول المطلة عليه السيادة، والثروات التي يحتويها.

4. أن تكون إسرائيل المخطط الأساسي في رسم الإستراتيجية الأمنية والاقتصادية وفق مصالحها ومصالح حلفائها الجدد، بعيداً عن المصالح العربية.

سادساً: التداعيات الإقليمية والدولية للقرصنة البحرية

1. التداعيات الأمنية: احتمالات تدويل الأمن في البحر الأحمر

أضافت عمليات القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية خلال الآونة الأخيرة مزيداً من الأهمية والدفع تجاه تلك القضية، فمن المعروف أن أهمية البحر الأحمر لا تتوقف عند كونه أحد شرايين التجارة العالمية التي تربط بين ثلاثة قارات، هي آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وإنما تمتد أيضاً إلى الجوانب الإستراتيجية والعسكرية التي جعلته محط اهتمام دولي كبير عبر فترات التاريخ المختلفة، خاصة أثناء الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، حيث يمثل البحر الأحمر ممراً للسفن الحربية الأمريكية إلى الخليج العربي.

وفي ضوء الأهمية الإستراتيجية والعسكرية للبحر الأحمر، لم يكن من المستغرب أن تدفع عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية وفي خليج عدن، العديد من الدول الكبرى إلى الإسراع بإرسال وحدات من قواتها البحرية لحماية سفنها من هجمات القراصنة، ما أدى إلى تصاعد هواجس ومخاوف الدول العربية من تداعيات ذلك الوجود العسكري الكثيف للقوات البحرية الدولية على سيادتها وأمنها ومصالحها الإستراتيجية، حيث إن تدويل أمن البحر الأحمر، وهو مطلب إسرائيلي قديم، يهدد كون البحر الأحمر بحيرة عربية، بما ينطوي عليه هذا الأمر من تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي، الذي يمكن أن يؤدي إلى حرمان الدول العربية من السيطرة على حركة الملاحة فيه، والذي تُعد غالبية الدول المطلة عليه عربية، باستثناء إسرائيل وإريتريا. بل قد تكتسب أطرافاً دولية حقوقاً في المنطقة، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن التي خولتها استخدام القوة في مواجهة القراصنة, والأكثر من ذلك، ربما تسعى تنظيمات إرهابية لاستقطاب عناصر القراصنة إلى مزيد من الأعمال الإرهابية في مضيق باب المندب، وذلك لتعميم الأضرار.

2. التداعيات الاقتصادية

أ. التأثير السلبي على طرق الملاحة البحرية

لا تقتصر تهديدات القرصنة البحرية على طرق الملاحة المارة عبر خليج عدن إلى قناة السويس فحسب، وإنما تشمل أيضاً الطريق المار عبر الخليج العربي ـ رأس الرجاء الصالح، والذي لجأت ناقلات النفط من دول مجلس التعاون الخليجي إلى استخدامه بكثافة في الآونة الأخيرة لنقل النفط إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبح الإبحار في المياه الدولية حول القارة الإفريقية محفوفاً بالمخاطر، ولعل الدليل على ذلك قيام القراصنة باختطاف ناقلة النفط السعودية من المياه الدولية في المحيط الهندي، بعيداً عن السواحل الصومالية، كما أن عدم مواجهة عمليات القرصنة قد يدفع أصحاب السفن إلى إعادة توجيه سفنهم للمرور عبر رأس الرجاء الصالح، وما يعنيه ذلك من عواقب خطيرة على التجارة الدولية.

ومن المعلوم أنه يمر يومياً 33 مليون برميل من النفط الخام عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، بما يساوي 4% من الطلب العالمي على النفط، وفقاً لإحصاءات وزارة الطاقة الأمريكية، وأن هناك نحو 21 ألف ناقلة نفط تستخدم هذا الممر سنوياً، وأن السفن التجارية التي تمر من خلاله تحمل نحو 10% من إجمالي الشحنات البحرية العالمية سنوياً، يتضح مدى الخطر الذي تمثله عمليات القرصنة في هذه المنطقة. وفي واقع الأمر فإن تفكير بعض الشركات الملاحية في تغيير خطوطها الملاحية يواجه العديد من العقبات التي قد تجعل هذه الشركات تتريث قبل اعتماد مثل هذا الخيار، ومن أبرزها زيادة التكاليف.

ب. التأثير السلبي على التجارة الدولية

بجانب تأثيرها السلبي على طرق الملاحة البحرية الدولية، أدت عمليات القرصنة البحرية إلى ارتفاع تكاليف تأمين السفن، إضافة إلى ارتفاع تكلفة شحن البضائع والمنتجات جاهزة الصنع، علاوة على إلحاق أضرار بالغة بالتجارة العالمية. كما يمثل تحول مسار السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح ضربة قوية للدول الموجودة على البحر الأحمر، في حال قيامها باستيراد وتصدير بضائع إلى أوروبا، لأن المسافة المقطوعة ستتضاعف ثلاث مرات، وهو ما سيؤدي إلى تكبدها تكاليف إضافية وارتفاع رسوم الشحن.

3. التداعيات الحالية والمحتملة لجريمة القرصنة

أ. تأثير أعمال القرصنة على دخل قناة السويس وحركة الملاحة الدولية

(1) تمثل قناة السويس الشريان الحيوي الأكثر أمناً والأقل تكلفة أمام حركة التجارة العالمية، خاصة من آسيا وأوروبا، فالرحلة من جدة إلى اليونان عبر قناة السويس تستغرق حوالي أربعة أيام (نفس الرحلة من طريق رأس الرجاء الصالح تستغرق حوالي 28 يوماً).

(2) ذكر تقرير نُشر بصحيفة "الجارديان" البريطانية، أن زيادة أعمال القرصنة التي تجري في خليج عدن قد تؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية في منطقة القرن الإفريقي، وإلى توقف الرحلات التجارية عبر قناة السويس. ولفت التقرير إلى أن قيمة التأمين على السفن التي تعبر خليج عدن قد ارتفعت بنسبة كبيرة، ومع زيادة المخاطر، وارتفاع التكاليف قد ينتهي الأمر بأن تفضل شركات الملاحة الانصراف من خليج عدن وقناة السويس، والاتجاه نحو رأس الرجاء الصالح. (اُنظر خريطة طرق الملاحة البحرية)

(3) ستتأثر الملاحة في قناة السويس بارتباك الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، لأنهما امتداد للقناة، إذ لا بد أن تمر السفن العابرة لقناة السويس بالبحر الأحمر، إما قبل العبور أو بعده، ومن ثم فإن دخل مصر من القناة يتأثر بما يحدث من قرصنة في البحر الأحمر وقناة السويس، إذا عدنا إلى احتمال الانتقال إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فإن أثره على دخل قناة السويس يمكن أن يكون كبيراً.

(4) وقد حذر التقرير أيضاً من إمكان أن يحدث تفاهم بين القراصنة وجماعات إرهابية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إغراق سفينة في مدخل قناة السويس مثلاُ، وطالب التقرير بضرورة وجود قوة بحرية دولية في المنطقة بمشاركة أوروبية بارزة للتصدي لعمليات القرصنة التي تنطلق من الصومال.

(5) كما دعا التقرير إلى أن رسوم التأمين على النقل البحري زادت إلى عشرة أضعاف عبر خليج عدن، محذراً من أن الملاحة قد تضطر إلى التوقف عبر قناة السويس وتحويل المسار الملاحي إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وقال أن القراصنة الحاليين لا يطالبون إلا بفدية مالية، ولكن المطالب قد تتغير إذا دخل أفراد من شبكة إرهابية الحلبة، فسيكون همهم إحداث أكبر قدر من الضرر.

(6) قال الخبير العسكري الإستراتيجي المصري "طلعت مسلم": إن البحر الأحمر يُعد امتداد لقناة السويس، كما أن خليج عدن امتداد للبحر الأحمر، بما يوجب على مصر التحرك لتأمين الملاحة في المنطقة، من منطلق تأمين نشاط القناة، وإن لم تكن هناك مسؤولية دولية على مصر في تأمين حركة السفن في البحر الأحمر.

ب. تأثير جريمة القرصنة على الترتيبات الأمنية في البحر الأحمر

(1) توفير موارد لتغذية حالة التفكك للدولة الصومالية وتحولها لبؤرة لتنفيذ أعمال العنف والإرهاب والتطرف في المنطقة، مع تزايد مقاومة الجماعات المستفيدة من أعمال القرصنة لأية محاولات لتهدئة الأوضاع أو استعادة الأمن والنظام.

(2) التأثير السلبي على الدور العربي، سواء في مستقبل الترتيبات الاقتصادية بالشرق الأوسط، وبصفة خاصة إقليم البحر الأحمر، أو اتجاه إفريقيا خاصة  بالقرن الإفريقي وباقي دول حوض النيل.

(3) توفير الأسباب لتدويل الأوضاع في البحر الأحمر، خاصة مع توفر مؤشرات عن تحرك دولي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لإصدار قرارات تسهم في زيادة فرص عمل القوة العسكرية الدولية في المنطقة (مثل قرارات مكافحة الإرهاب التي هي إحدى المسوغات المبررات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول).

(4) دعم وتعزيز الدور الإسرائيلي والثقل الإقليمي لبعض دول القرن الإفريقي ودول حوض البحر الأحمر (إسرائيل ـ إريتريا ـ إثيوبيا) كإحدى أدوات تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية.

(5) فرض صيغ أمنية جديدة بواسطة القوى الدولية لخدمة مصالحها وأهدافها بالمنطقة، على حساب دور وثقل الدول العربية، مع تعزيز المطالب الإسرائيلية الرامية إلى تدويل وضعية مضيق باب المندب والجزر العربية المسيطرة عليها.

(6) وجود مخاوف من الأهداف الأمريكية والأوروبية غير المباشرة، وتجنبهم حل جذور المشكلة، خاصة الأزمة الصومالية، وذلك بهدف تحقيق مكاسب سياسية بتهيئة الأسباب لاحتلال شمال الصومال والسيطرة الكاملة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

سابعاً: الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر وتأثير جرائم القرصنة على النواحي الاقتصادية والعسكرية والأمنية به

يتصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر قناة السويس، كما يتصل بالمحيط الهندي في الجنوب عبر مضيق باب المندب، الذي لا يتجاوز اتساعه 23 كم. وقد أدى حفر قناة السويس إلى تزايد أهمية البحر الأحمر، رغم صعوبة جغرافيته، حيث أصبح طريقاً للنقل البحري بين آسيا وأوروبا، وهو أهم طريق لنقل نفط الخليط العربي، بالإضافة إلى أن البحر الأحمر يعد المنفذ البحري الوحيد لبعض الدول المطلة عليه، مثل الأردن، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي.

يتحكم في البحر الأحمر ثلاثة مضايق مائية، في الشمال مضيق ثيران، ومضيق صنافير، عند مدخل خليج العقبة، ومضيق "جوبال" عند مدخل خليج السويس، والذي يُعد المنفذ الرئيسي إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس. أما في الجنوب فيوجد مضيق باب المندب المنفذ إلى البحر العربي والمحيط الهندي، وهو المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

تتمثل أهمية البحر الأحمر في الآتي:

1. من الناحية الاجتماعية

يمثل حلقة الاتصال بين مصر والدائرتين الغربية والإسلامية، بالإضافة إلى دائرة حركاته الحيوية في إفريقيا، خاصة مع دول حوض النيل، فضلاً عن الأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر ذاته.

2. من الناحية العسكرية

أ. قرب البحر الأحمر من المناطق ذات الأهمية الحيوية والإستراتيجية في الخليج العربي والقرن الإفريقي والمحيط الهندي، بالإضافة إلى وقوعه في قلب مناطق التوتر، خاصة منطقة الشرق الأوسط، أدى إلى وجود أطماع لقوى جديدة بالمنطقة في السيطرة عليه، خاصة مع وجود المشكلات الحدودية التي تعاني منها معظم دول المنطقة.

ب. يُعد البحر الأحمر أحد المراكز المهمة للسيطرة والتأثير على المحيط الهندي (بحر اليابان ـ بحر الصين الجنوبي ـ الخليج العربي ـ ساحل شرق إفريقيا)، إذ هو أقصر طرق نقل القوات، سواء إلى الشرق أو جنوب شرق آسيا.

ج. اكتسبت بعض الجزر المنتشرة شمال البحر الأحمر وجنوبه أهمية عسكرية خاصة، تتمثل في إمكان فرص السيطرة على الطريق الملاحي من خلالها، وقد أدت سيطرة القوات المصرية على جزيرة ثيران عام 1967، وبعض الجزر في جنوب البحر الأحمر عام 1973، إلى ظهور أطماع دولية وإقليمية للسيطرة على الجزر الرئيسة بالبحر الأحمر.

3. من الناحية الأمنية

أ. استمرار تشجيع التوجهات الانفصالية بمنطقة القرن الإفريقي، مثل جنوب السودان، وشمال الصومال، في إطار الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.

ب. فرض صيغة أمنية بواسطة القوى الدولية لخدمة مصالحها وأهدافها بالمنطقة.

ج. دعم وتعزيز الدور الإسرائيلي والثقل الإقليمي لبعض دول القرن الإفريقي وحوض البحر الأحمر (إسرائيل ـ إريتريا ـ إثيوبيا) لتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية.

د. سعي إسرائيل لتدويل باب المندب والجزر العربية المسيطرة عليه، ودعم الوجود العسكري الإسرائيلي في منابع النيل والقرن الإفريقي والبحر الأحمر.

هـ. استكمال الترتيبات الأمنية الأمريكية بعيدة المدى بمنطقة القرن الإفريقي وحوض البحر الأحمر، الأمر الذي يتيح لها الانفراد بالهيمنة والسيطرة على المنطقة، ويأتي ذلك على حساب الدور العربي في هذه المنطقة.

و. التأثير السلبي على الدور العربي، سواء في مستقبل الترتيبات الاقتصادية بالشرق الأوسط، وبصفة خاصة بإقليم البحر الأحمر، أو باتجاه إفريقية، خاصة بالقرن الإفريقي وباقي دول حوض النيل.

ز. تحالف إسرائيل مع دول القرن الإفريقي تحت المظلة الأمريكية، أدى إلى زيادة الفجوة واختلال في معادلة القوة العسكرية لغير صالح القوى العربية بالشرق الأوسط.

ح. المحاولات المستمرة لتدويل عملية تأمين المجرى الملاحي بخليج عدن وسواحل الصومال، تحت شعار مكافحة أعمال القرصنة، يمكن أن يؤدي إلى

(1) إمكان استخدام الحشد العسكري الأجنبي للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

(2) اكتساب أطراف أجنبية حقوقاً في المنطقة تحت ستار مكافحة القرصنة.

(3) قد تؤدي أعمال التدويل إلى مشاركة إسرائيل في أعمال المكافحة وتداعيات ذلك على أمن الدول العربية.

ثامناً: القرصنة تهدد الأمن العالمي

ظهرت القرصنة مهددة للأمن العالمي في مياه القرن الإفريقي مؤخرا، لكنها كانت موجودة في غرب إفريقيا، وفي مياه المحيط الهندي، وفي بحر الصين الجنوبي، وفي البحر الكاريبي. وقد بدأت معدلات عمليات القرصنة في العالم في التصاعد في أوائل التسعينيات، ووصلت إلى ذروتها في الفترة ما بين عامي 2000 – 2004، بمعدلات تراوح بين 350 – 450 هجوم سنوي تقريباً، حسب بيانات المكتب البحري الدولي IMP، وهو فرع من الغرفة الدولية للتجارة. ثم انخفضت إلى النصف تقريباً بحلول عام 2005. وفي عام 2007 وقعت نصف هجمات القراصنة في العالم تقريباً في المياه الإفريقية، وبصفة أساسية في نيجيريا والصومال، وقد تضاعف عدد الهجمات في المياه الصومالية في عام 2008 لكي يصل إلى 111 هجوماً، بنسبة 40% من هجمات القراصنة التي وقعت في أنحاء العالم في العام نفسه، وعددها 293 هجوماً.

وفي عام 2009، زاد هذا الرقم إلى 180 هجوماً، نجح القراصنة خلالها في اختطاف أكثر من 50 سفينة، كما حصلوا على مبالغ تراوح ما بين 50 – 60 مليون دولار.

ومن مظاهر تدهور الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر:

1. تزايد أعمال القرصنة في البحر الأحمر

أ. زادت أعمال القرصنة زيادة خطرة في خليج عدن وحوض الصومال، إذ بلغت 61 حادثة خلال الربع الأول من عام 2009، مقارنة بست حوادث عن نفس الفترة من عام 2008.

ب. أدت العمليات البحرية العسكرية في المنطقة دوراً رئيساً في الحد من عدد حوادث الاختطاف الناجحة قبالة السواحل الصومالية، ما أبرز الحاجة إلى مواصلة هذه العمليات.

ج. دفع الوجود العسكري في المنطقة القراصنة إلى استخدام أساليب قتالية أكثر جرأة، وتنفيذ عملياتهم بالتوغل في البحر، واستخدام أسلحة أكثر تطوراً. ولوحظ أيضاً خلال العمليات العسكرية البحرية في المنطقة أن الهجمات التي وقعت في حوض الصومال تبدو متسمة بدرجة عالية من التنظيم وبقدر أكبر من الدقة.

2. التحركات الدولية والعربية إزاء التهديدات الأمنية في البحر الأحمر

أ. في منتصف يونيه 2008، ومع تسارع اختطاف السفن، كان المجتمع الدولي أسرع استجابة لهذا النوع من المخاطر، وصدرت ستة قرارات بهذا الشأن من مجلس الأمن الدولي.

ب. على الجانبي العربي والإفريقي، يمكن أن نلاحظ الآتي

(1) عدم استجابة النظام العربي لمصادر التهديد في البحر الأحمر، رغم محاولة، منذ عام 1974، لإنشاء منظومة عربية لأمن البحر الأحمر في إطار الجامعة العربية، تزايدت الحاجة إليها مع تلغيم هذا البحر عام 1984، وأيضاً عدم فاعلية النظام العربي مع الأزمة الراهنة، وغياب المبادرات العربية المعنية بضمان أمن البحر الأحمر في إطار تحركات مجلس الأمن الدولي.

(2) ضعف القدرات العسكرية العربية في البحر الأحمر، من حيث قلة الأساطيل البحرية العربية، وعدم وجود تعاون بينهم في الوقت الحالي. وعلى الجانب الإفريقي، فإن معاناة الصومال من الانهيار، وضعف اقتصاديات إريتريا والسودان وكينيا، وانشغال الجميع بالصراعات الداخلية، يضعف من أدوارها في تفعيل المشاركة في أمن البحر الأحمر.

(3) التفاعل العربي الضعيف مع دولة مثل إريتريا، مع وجود نفوذ إسرائيلي، جعلها تتجاهل المصالح العربية.

(4) اقتصر التفاعل العربي مع الأزمة على عقد اجتماع مجلس السلم والأمن العربي في إطار الجامعة العربية، في 20 نوفمبر 2008، ولم يقدم على اتخاذ أية تدابير بشأن الأزمة، واكتفى بإصدار بيان وتحديد موعد للاجتماع في صنعاء باليمن، في يناير 2009، وهو اجتماع لم يعقد حيث جرفته أحداث غزة، بما يجعل بعض المراقبين يتوقع أن من بين أهداف الحرب على غزة لفت الأنظار بعيداً عن البحر الأحمر.

3. انهيار الأوضاع الأمنية الصومالية من الأسباب الأساسية لانهيار الأمن في البحر الأحمر

يعد انهيار الدولة في الصومال، منذ عام 1991، واستمرار هذا الانهيار حتى وقتنا الراهن، معضلة أساسية أمام مسألة الأمن في البحر الأحمر. فالصومال يمتلك أطول شواطئ على البحر الأحمر، وتتحرك فيها المحاكم الإسلامية التي تصنف غربياً حركة إرهابية من ناحية أخرى. ومن هنا خاضت إثيوبيا حرباً بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية في الصومال، وذلك بعد أن أجهضت المحاولات العربية في سياق الجامعة العربية وخارجها لصالح إثيوبيا.

فالموقع الإستراتيجي لبلد مثل الصومال يجعله بيئة مناسبة لتشكل كل ألوان الجماعات والتجمعات العقائدية والنفعية معاً، والحل الأساسي لن يأتي من الخارج بل من الداخل، وذلك بتحقيق تعاون عربي وإفريقي على دعم حكومة مركزية قوية قادرة على فرض الهيبة والنظام، وقمع كل من يخرج على القانون. أما ترك مجتمع دولي ثبت عدم جدواه، سقطت صدقيته وتحركه مصالح كبرى، فلن يؤدي إلى نتيجة، بل سيعقد الوضع ويزيد طينته بلاً.

فمنذ صعود المحاكم الإسلامية ونجاحها في القضاء على أمراء الحرب، وتحقيق الأمن والاستقرار، وسيطرتها على معظم أراضي الصومال، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على هذه القوة الشابة، وإعادة الصومال إلى الفوضى، وقد تطابقت المصالح بين إثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية في ذلك.

ولا شك أن إثيوبيا قبلت أداء هذا الدور لأن لديها ما تخشاه بدورها من ترك المحاكم الإسلامية تسيطر على الصومال وتوحدها، وتصبح قوة شابة صاعدة، وهكذا قامت القوات الإثيوبية بغزو الصومال علناً، وبإعلان حكومي إثيوبي كامل بعد أن كان ذلك يتم سراً، ووصل حجم القوات الغازية إلى 20 ألف جندي، بدأوا معاركهم بالطائرات والدبابات، منذ 24 ديسمبر 2006.

نشأت المحاكم الإسلامية بصورة أولية، عام 1994، وذلك بتوافق من شيوخ القبائل، لتكون حكماً في النزاعات بين الناس، بعد أن غابت الحكومة وتفككت الإدارة، ومع إحساس الناس بنزاهة وتجرد تلك المحاكم، التفوا حولها، وزاد عدد المحاكم وأصبحت شبكة كبيرة، ثم اندمجت في كيان واحد، عام 2004.

ومنذ ذلك الوقت، تصاعدت قوة الحركة وأصبح الشيخ "شريف أحمد" رئيساً للمكتب التنفيذي للمحاكم، وانضم إليها العسكريون الصوماليون السابقون، وعدد كبير من قوات أمراء الحرب. ونجحت المحاكم بذكاء سياسي وإرادة عسكرية صلبة في القضاء على الفوضى والفتن والإتاوات والاعتداء على الأموال والأعراض، الذي كان يقوم به أمراء الحرب، مما أشعر الأهالي الصوماليون بالأمان لأول مرة منذ 15 عاماً على الأقل.

وهكذا أصبحت المحاكم الإسلامية هي القيادة الطبيعية للشعب الصومالي، بالإضافة إلى ذلك فإن الفكرة الإسلامية مقبولة لدى شعب مسلم كله ، بل ويجمعه الانتماء إلى المذهب الشافعي، بمعنى أن لا مشكلات مذهبية أو دينية في هذا الصدد.

فالمحاكم الإسلامية تحولت إلى حركة سياسية تقود المجتمع، وبديهي أن داخلها تفاعلات بين متشدد ومعتدل، ولكنها تحلم بتوحيد الصومال كله، لأنها إسلامية وصومالية، وهذا يعني تحرير أوجادين من إثيوبيا، وتريد تحرير منطقة إنفدي التي ضمتها كينيا عام 1963، ولكن هذه أحلام لن تصبح واقعية قبل فترة طويلة.

تاسعاً: الخطر الذي يهدد الأمن القومي العربي والدولي من جراء القرصنة البحرية

هناك فارق كبير بين الحدود السياسية وبين حدود الأمن القومي، فالمتخصصون قالوا أن الحدود البحرية لأية دولة تمتد لمسافة 12 ميلاً من البر إلى داخل مياه البحر، وفقاً لقواعد القانون الدولي، وقد قامت بعض الدول برفع هذه المسافة إلى 20 ميلاً. أما حدود الأمن القومي فهي الحدود التي لا تسمح بأي تهديد لأمن الدولة، أي لا تسمح بالوصول إليها بالصواريخ أو الطائرات، ولذا فإن ما يحدث حالياً من أعمال قرصنة في البحر الأحمر، يُعد تهديداً للأمن القومي العربي والدولي.

1. انعكاس الأخطار الصادرة من القرصنة البحرية على الأمن القومي العربي

أ. لا زال البحر الأحمر يمثل ضرورة إستراتيجية للأمن القومي العربي، إذ هو القلب الإستراتيجي للدول العربية المطلة عليه بصفة خاصة، والعالم كله بصفة عامة، حيث يرتبط أمن البحر الأحمر بأمن الأراضي العربية، حيث يشكل البحر الأحمر العمق الدفاعي الإستراتيجي لكل من المملكة العربية السعودية ومصر. لذا يظل أمن البحر الأحمر مرتبطاً عضوياً بأمن المنطقة العربية، كما يظل البحر الأحمر يمثل قمة التعاون العربي الإفريقي، ويعد مدخل إفريقيا من الشرق.

ب. إن الوضع الاقتصادي لدول البحر الأحمر، سيظل ركيزة أساسية لها انعكاساتها على نظريات الاقتصاد العالمي، لأن هذا البحر يمر به 20% من حجم التجارة العالمية، و30% من استهلاك العالم من النفط الخام. ولا يجب أن ننسى دور قناة السويس الذي أدى إلى زيادة أهمية البحر الأحمر. ومن هذا المنطلق، فإن القوى العظمى والكبرى ستظل تحاول السيطرة عليه، ما يستعدي الدول المطلة على البحر الأحمر فتقاوم هذا التداخل الأجنبي في المنطقة، وأن هذا يتطلب ظروف إقليمية ودولية يمكن تهيئتها جزئياً من خلال التعاون الإقليمي، خاصة بين الدول العربية، فهذا التعاون هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يبعد أو على الأقل يقلص من التنافس الدولي في البحر الأحمر الذي يهدد المصالح الإستراتيجية لدوله، ومن ثم أمنه العربي.

ج. أما تدويل البحر الأحمر وفقاً للرؤية الأمريكية، لا يحقق المصالح العربية وأمن البحر الأحمر، ومن الضروري لأي بلد عربي أن يحرص على المشاركة في الجهود الغربية المشتركة لأمن البحر الأحمر، وإلا ظلت ثغرة في الإطار العام للأمن الإستراتيجي لجميع الدول العربية، وأن يصبح البحر الأحمر بحراً للسلام وليس بحراً للصراع.

2. مخاطر تدويل مسألة أمن البحر الأحمر على الأمن الإقليمي العربي

أ. لعل العامل الذي لا يقل خطورة عن مشكلة القرصنة، هو تلك الأجواء والإجراءات التي قد تترتب على عملية مكافحة القرصنة. فهناك واقع جديد بدأت تنكشف ملامحه، يتمثل في مخاطر التدويل وتحكم أطراف معادية في الملاحة في البحر الأحمر، أو اكتسابها حقوقاً في المنطقة بتقنين أوضاع ومبادئ جديدة سوف يُساء استخدامها بلا شك، وستكون على حساب حقوق وأمن وسيادة الدول العربية، وتؤدي إلى زيادة الوجود العسكري الأجنبي تحت ستار القرصنة لاستخدامه في الضغط على دول المنطقة لخدمة المصالح الأجنبية، وخاصة الإسرائيلية.

ب. تدويل المشكلة سيؤدي إلى مشاركة إسرائيل في أعمال المكافحة، وهذا ما يلقى تأييداً من الولايات المتحدة الأمريكية، وسيستخدم ذريعة لنشر القوات الأجنبية في القرن الإفريقي وبقائها، لا سيما الأمريكية والإسرائيلية، ما يؤثر على أمن الدول العربية.

ج. يمكن أن يؤدي هذا الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر إلى مزيد من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، فضلاً عن الحصار البحري لتلك الدول والقضاء على فرصة حصولها على أسلحة من الخارج، واعتراض سفنها دون مسوغ شرعي.

3. التعاون والتنسيق العربي ضرورة لتحقيق أمن البحر الأحمر

ضرورة أن يظل البحر الأحمر أداة ووسيلة لتوثيق العلاقات العربية وتكاملها ما بين الأقطار العربية المطلة عليه، وأن يكون حاملاً على إقامة جهود اقتصادية وعسكرية مشتركة في المنطقة، وقد دلت حرب أكتوبر 1973، على الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر بالنسبة للعرب، عندما قدمت التسهيلات البحرية العربية قرب باب المندب للسفن الحربية المصرية، وأتاحت هذه التسهيلات والخدمات لمصر أن تغلق مضيق باب المندب.

عاشراً: المنظومة الإستراتيجية العربية والدولية لمواجهة أعمال القرصنة

1. على المستوى العربي

أ. يجب وضع إستراتيجية عربية مشتركة لتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية، وذلك بتنفيذ الخطوات التالية:

(1) إعطاء الأهمية لجزر البحر الأحمر وتحويلها إلى قواعد عسكرية عربية تخضع لقيادة عربية مشتركة.

(2) إنهاء أي وجود عسكري أجنبي، بما في ذلك تحجيم وجود إسرائيل، ومنع إقامة قواعد عسكرية أجنبية في البحر الأحمر.

(3) عقد اتفاق ما بين اليمن وجيبوتي لإنشاء قواعد وأسس دائمة تنظم مرور السفن خلال باب المندب.

(4) إعطاء أهمية لموانئ البحر الأحمر العربية، وتحويلها إلى آلية لربط الأقطار العربية والإسهام في تكاملها.

ب. تأكيد الثقة السياسية بين دول وشعوب البحر الأحمر لتحقيق التعاون الأمني بين الشعوب العربية، حيث يظل هناك عاملان إيجابيان لتحقيق هذا التعاون والتنسيق العربي، والقضاء على العوامل السالبة التي تؤدي دوماً إلى صعوبة اتفاق البلدان العربية على هدف مشترك.

(1) العامل الأول: الموقع الجغرافي للبحر الأحمر في قلب الوطن العربي، وأن قيام تعاون وتنسيق بين السياسيات العربية أمر ضروري لتحقيق فاعلية الأمن العربي في البحر الأحمر.

(2) العامل الثاني: التعاون والتنسيق العربي ـ الإفريقي، بما يحقق المشاركة لمجموعة من العوامل الجغرافية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ليكون التعاون العربي ـ الإفريقي متصلاً بقدر ما هو ضروري وحتمي لأمن البحر الأحمر، ولا يمكن أن نغفل أن الجوانب الإيجابية للتعاون العربي ـ الإفريقي تحققت خلال حرب أكتوبر 1973، عندما قطعت الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل تأييداً للموقف العربي في مواجهة إسرائيل، بجانب المساعدات الاقتصادية العربية التي قُدمت إلى الدول الإفريقية.

ج. تحقيق التنمية والتكامل، حيث تمثل التنمية الفعلية تنمية القدرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والعسكرية لدول البحر الأحمر، لتكون درعها الأمني في الحاضر والمستقبل، وتظل مسألة التكامل أمراً حيوياً للأمن العربي عامة ولأمن دول البحر الأحمر خاصة، حيث إنه في عالم اليوم والمستقبل، وبالأخص الكيانات السياسية الصغيرة، تظل مهددة بواسطة الكيانات الأكبر والأقوى، حيث أن أمن كل بلد عربي جزء من الأمن العربي الشامل.

د. يجب الوضع في الاعتبار أن إستراتيجية التكامل على المستوى العربي أمر حيوي له أهميته، ما يتطلب البدء في تحقيق التكامل، بدءاً من الممكن وصولاً إلى المستحيل. من هذا المنطلق يجب التعاون بين دول المنطقة من أجل الارتقاء بشعوبها وتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، وإلا ظلت إسرائيل وتعاونها الإستراتيجي مع إثيوبيا وإريتريا عامل يهدد وينتقص من فاعلية وضع أي إستراتيجية عربية أمنية متكاملة الأبعاد للبحر الأحمر.

هـ. إحياء دور جامعة الدول العربية، وإنشاء محكمة العدل العربية للنظر في قضايا الخلافات العربية ـ العربية، وإنشاء آلية لفض المنازعات الإفريقية، للقيام بدورها في إنهاء الخلافات العربية ـ الإفريقية. كما أن مجلس التعاون الخليجي يجب أن يكون له دور حيوي في فض المنازعات العربية ـ العربية الآسيوية، لتحقيق الاستقرار والهدوء لدول الخليج، نظراً للارتباط الإستراتيجي الوثيق بين أمن الخليج وأمن البحر الأحمر.

و. العمل على بناء نظام إقليمي له مصالحه المشتركة الإقليمية، ومصالحه مع القوى العالمية، بما يحقق أقصى تعاون من أجل أن يظل البحر الأحمر ممراً ملاحياً مؤمناً يمكن لدوله أن تستثمر الموارد الاقتصادية المتاحة مع تنميتها.

ز. تحجيم الوجود العسكري الإسرائيلي في البحر الأحمر، وذلك بتحقيق السلام العادل والدائم بين العرب وإسرائيل، مع استبعاد مخاطر استخدام القوة العسكرية، وقبول تنظيمات عسكرية أمنية لحماية الملاحة في البحر الأحمر، دون أطماع توسعية، ليكون البحر الأحمر بحيرة سلام.

ح. وضع إستراتيجية شاملة ومتكاملة تشكل الإستراتيجية العسكرية أحد مكوناتها الرئيسة، تشترك فيها مصر والمملكة العربية السعودية والدول المطلة عليه، وذلك لمواجهة أي تحديات أو تهديدات متحملة يمكن أن توجه لأمنها القومي من هذا الاتجاه. والإستراتيجية العسكرية في هذا السياق تهدف إلى تحقيق المهام الإستراتيجية من خلال الردع في السلم، أو باستخدام القوة لهزيمة الخصم إذا ما تهددت المصالح الحيوية العربية في البحر الأحمر، بالإضافة إلى أن هذه الإستراتيجية الشاملة تهدف إلى ضمان حرية الملاحة فيه لجميع دول العالم، دون المساس بالمصالح الحيوية والأمن الوطني لجميع الدول المطلة عليه.

2. على المستوى الدولي

أ. ضرورة توحيد مصادر تجميع ورصد معلومات عمليات القرصنة البحرية عالمياً، حتى يتم إمداد المجتمع البحري بمعلومات صحيحة من خلال مصدر واحد مسؤول عن بث المعلومات عن عمليات وهجمات القرصنة البحرية، لأنه يوجد في الوقت الراهن تضارب في بث المعلومات للأرقام الصحيحة لعمليات وهجمات القرصنة بين كل من المنظمة البحرية الدولية IMO والمكتب البحري الدولي IMP وغرفة الملاحة الدولية ICS، والاتحاد الدولي لعمال النقل ITFO (الشعبة البحرية).

ب. ضرورة الاعتراف الدولي بأن القرصنة البحرية هي شكل من أشكال الإرهاب الدولي، وذلك طبقاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع ومعاقبة أعمال الإرهاب الموجهة ضد الأفراد والممتلكات والدول ووسائل النقل والمواصلات، على غرار الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، لعام 1998، والتي أوضحت أن الجريمة الإرهابية في أحد مقاصدها هي القتل العمد والسرقة المصحوبة بإكراه ضد الأفراد والسلطات، أو وسائل النقل والمواصلات.

ج. ضرورة تأييد فكرة تدويل الأمن البحري على المستويين العالمي والإقليمي، لتفادي كافة السلبيات التي تؤدي إلى خلخلة الأمن البحري في بعض مناطق العالم، ليس على القرصنة البحرية فحسب، وإنما لتغطية كافة اتجاهات الأمن البحري على المستوى الاقتصادي، مثل: الإرهاب البحري ـ السطو المسلح ـ الاحتجاز ـ تهريب المخدرات ـ تهريب السلاح ـ الهجرة غير الشرعية، ومختلف الجرائم التي تؤثر على البيئة البحرية.

د. وضع الخريطة الملاحية الدولية على نطاقات التدويل، من خلال تأسيس مراكز دولية يُطلق عليها مراصد الأمن البحري، للقيام بعمليات التحريات والتحقيقات الدولية البحرية، ومراقبة الأقمار الصناعية بواسطة الخبراء، وذلك على غرار المكتب البحري الدولي IMP الكائن في انجلترا، الذي يأخذ صفة استشاري للمنظمة البحرية الدولية، ويأخذ صفة مراقب للإنتربول الدولي، والمكتب البحري الدولي التابع لغرفة التجارة العالمية ICC، التي تعمل تحت مظلة منظمة التجارة العالمية WBO. وفي الوقت الراهن أسهم المكتب البحري الدولي في تأسيس مركز إقليمي لمكافحة القرصنة في كوالالمبور، في سنة 1992، ويتلقى المركز جميع بلاغات حوادث القرصنة البحرية التي تقع في أي منطقة بحرية، ويبث هذا المركز تقارير منتظمة عن حوادث القرصنة والسطو المسلح على السفن عبر الأقمار الصناعية، ومن خلال خدمة شبكة السلامة المتخصصة للسلامة البحرية. وأيضاً على غرار مركز الإنقاذ البحري في كينيا، المتواجد في ميناء مومباسا الكيني، والذي أسس لمكافحة الهجمات المتزايدة التي تتعرض لها السفن المبحرة في مياه المحيط الهندي، خاصة أمام سواحل الصومال.

هـ. العمل على تنفيذ إجراءات التدويل البحري Inter Nationalization Maritime بمفهومه الإستراتيجي البحري الذي يهدف إلى تعاون مجموعة من الدول في إقليم جغرافي بحري واحد لحفظ الأمن لمنطقة بحرية معينة، دون المساس بأمن الدول المتشاطئة في تلك المنطقة وسيادتها، أو طلب المعاونة العالمية من أجل المصالح المشتركة، ويشارك الدعم العالمي المشترك في حفظ الاستقرار والطمأنينة في أعالي البحار، وفق ميثاق الأمن العالمي الدولي.

و. ضرورة الاهتمام والتركيز على استخدام الأقمار الصناعية لمكافحة القرصنة، والتي تختلف عن الأقمار التي تستخدم في العمليات العسكرية. فالأقمار الصناعية التي تستخدم للوقاية من القرصنة هي أقمار لخدمات الأمن البحري، والتي تدرس في الأكاديميات والكليات البحرية وترتبط بالاستغاثة وتحديد أماكن السفن التي تتعرض للقرصنة أو السطو المسلح، من أجل تحديد مكان السفينة واتجاهها، وذلك على غرار نظام Shiploc الذي يقدم خدمة متابعة السفن لفترات طويلة، وبموجب هذا النظام تجري متابعة السفن عن طريق الأقمار الصناعية، وتتولى تشغيله وكالة الفضاء الفرنسية، وهو نظام واسع الانتشار دولياً، وترسل بموجبه قوة مسلحة لتقديم الدعم لها.

ز. ضرورة التعاون الدولي مع مجلس السلم والأمن بجامعة الدول العربية، من أجل تنفيذ قرارات مجلس الأمن بالأمم المتحدة الأرقام 1814 و1816 و1838 و1846، حيث تركز تلك القرارات على أن تتعاون الدول مع حكومة الصومال لمواجهة القرصنة البحرية، وذلك من أجل القضاء على القرصنة في البحر الأحمر.

ح. التزام الدول المتعاقدة على الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، بتطبيق شروط المهارات الوظيفية لإجراءات الأمن على متن السفن والموانئ، مع التدريب والتأهيل على مختلف العمليات الأمنية، مثل المفاوضات الأمنية، والتعامل مع المتفجرات والأسلحة، ومعرفة الأنماط الاجتماعية والسلوكية والإجرامية التي تهدد أمن الملاحة البحرية، وذلك في الأكاديميات والكليات البحرية.

ط. ضرورة تأهيل وإعداد الطلبة البحريين في الأكاديميات والكليات البحرية على الاهتمام بمواكبة العلوم البحرية المستخدمة في المجتمع الدولي، ومنها الدراسات الإنسانية التي تُدرس مختلف المشكلات الاجتماعية في المجتمع البحري، حتى يستطيع الطالب البحري التعرف على مشكلات المجتمع البحري بأبعادها الأمنية، مثل القرصنة وغيرها من المشكلات الأمنية البحرية.