إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



الصراع الهندي - الباكستاني

المبحث الثاني

النزاعات بين الهند وباكستان

أولاً: النزاع الأول عام 1947-1948

بدأ النزاع الأول بين الدولتين في أكتوبر 1947 حول ولاية جامو وكشمير. وكانت الولاية التي تقع في أقصى الشمال من شبه القارة الهندية في إقليم الهمالايا، أكبر الإمارات الهندية، حيث يبلغ مساحتها 84.500 ميلاً مربعاً تقريباً. وبلغ عدد سكانها حسب تعداد عام 1941، أربعة ملايين نسمة منهم ثلاثة ملايين مسلم يحكمهم مهراجا هندوسي هو سير "هاري سينغ". وفي 17 يوليه 1947 أصدر البرلمان البريطاني قانون استقلال الهند الذي أنهى الحكم البريطاني. وتم تنفيذه اعتباراً من 15 أغسطس 1947. وبناءً عليه، نشأت دولة باكستان الجديدة. وكان على الولايات والإمارات الهندية، طبقاً لهذا القانون أن تنضم إمّا إلى الهند أو باكستان.

وانضمت معظم الولايات والإمارات إما إلى الهند أو باكستان في تواريخ مختلفة، إلا أن مهراجا ولاية جامو وكشمير لم يستطع أن يتخذ بسرعة أي قرار. ولم ترحب كل من الهند وباكستان بتردد المهراجا. وكان من الصعب تحقيق استقلال كشمير، حيث أنها تعتمد اقتصادياً على الهند وباكستان.

وشهدت الولاية منذ يوليه 1947 ثورة مسلحة في إقليم "بونش" في الجزء الأوسط الغربي من كشمير، حيث تمكن الثوار من إقامة أول حكومة لـ "آزاد كشمير" أو كشمير الحرة. وقد أمدت باكستان الثورة بالسلاح وأيدتها. وفي شهر أغسطس من نفس العام قامت جماعات إرهابية من الهندوس والسيخ بمذابح طائفية ضد المسلمين، أدت إلى فرار حوالي خمسة ملايين مسلم من المنطقة لجأ معظمهم إلى أراضي "آزاد كشمير". وقد اشترك مهراجا ولاية جامو وكشمير وأعوانه في هذه الفتنة الطائفية مما أشعل منطقة الحدود بين كشمير وباكستان.

وفي 14 أغسطس 1947، عقدت حكومة كشمير اتفاقاً مؤقتاً مع باكستان تقوم فيه الأخيرة بإمداد الولاية بالمواد الغذائية وإدارة المواصلات والبرق والبريد. وفي أوائل أكتوبر 1947، بدأ المهراجا يشكو من حصار اقتصادي تفرضه باكستان على كشمير. وزعم أن باكستان لا تفي بالتزاماتها طبقاً لاتفاق 14 أغسطس 1947. وأرسلت باكستان السكرتير المساعد لوزارة الخارجية الباكستانية إلى كشمير لتسوية الخلاف، ولكن المهراجا رفض إجراء أي مباحثات معه.

وفي 18 أكتوبر 1947، طلبت حكومة كشمير تحقيقاً محايداً لمشكلة الحصار الاقتصادي، وقد تضمن هذا الطلب تهديداً لباكستان أنه في حالة عدم قبوله، فإن كشمير ستقوم بطلب المساعدة من الأصدقاء.

وبينما كانت باكستان وكشمير تتبادلان الاتهامات، بدأ رجال القبائل المسلحة غزو كشمير في 23 أكتوبر 1947، قادمين من مناطق شمال غرب باكستان. وواصل الغزاة تحركهم نحو العاصمة، ولم تكن قوات ولاية كشمير قادرة على صد هذا الغزو.

وفي 24 أكتوبر 1947، أرسل المهراجا يطلب مساعدة الهند العسكرية، وأعلن لورد "مونباتن" الحاكم العام للهند إلى أنه لا يمكن إرسال أي قوات هندية إلا بعد انضمام كشمير إلى الهند. وأضاف أن انضمام مهراجا كشمير يجب أن يكون مؤقتاً لحين معرفة رغبات شعب كشمير. وسرعان ما وقع المهراجا وثيقة انضمام كشمير إلى الهند وطلب الاستعانة بالقوات الهندية. وفي 27 أكتوبر 1947، وافقت الهند على انضمام كشمير إليها. وفي أول ضوء من هذا اليوم، بدأت القوات الهندية في الوصول بطريق الجو إلى "شري نجر" واستطاعت أن تدافع عن العاصمة التي كان رجال القبائل الغزاة قد وصلوا على بعد خمسة أميال فقط منها.

وفي أوائل نوفمبر 1947 بعد تعزيز القوات الهندية في كشمير، بدأت عملياتها على طول محور الغزو الرئيسي لتطهير المنطقة من رجال القبائل. وفر رجال القبائل إلى مدينة "مظفر آباد". وما إن علم "محمد علي جناح" الحاكم العام لباكستان بتدخل القوات النظامية الهندية حتى أصدر أوامره يوم 27 أكتوبر 1947 إلى الجنرال "جراسي" القائد البريطاني المؤقت للقوات الباكستانية لإرسال قوات باكستانية إلى كشمير. وقد اعتذر الجنرال "جراسي" بأنه لا يستطيع أن ينفذ أوامره على أساس أن ذلك يعني انسحاب جميع الضباط الإنجليز من الجيش الباكستاني.

وفي أوائل نوفمبر 1947، اجتمع لورد "مونباتن" الحاكم العام للهند، بعد أن اعتذر "نهرو" لمرضه، إلى "محمد علي جناح"، الحاكم العام لباكستان، في "لاهور". وكانت هذه أول مباحثات هندية باكستانية تدور حول كشمير. وقدّم "محمد علي جناح" مقترحات تدعو إلى إيقاف القتال فوراً وانسحاب القوات الهندية ورجال القبائل المغيرين، في وقت واحد، وبأقصى سرعة، من أراضي ولاية جامو وكشمير. وكذلك أن تتولى الهند وباكستان إدارة الولاية، ويجرى استفتاء تحت إشرافهم المباشر. وقد رفضت الهند هذه المقترحات.

واستمر القتال في كشمير، خلال شتاء وربيع 1948. وبدأت القوات النظامية الباكستانية في الاشتراك في القتال، في أواخر مارس 1948. وتمكنت، في مايو 1948، من الدفاع عن قطاع "مظفر آباد"، مما اضطر القوات الهندية للتوقف. وصار القتال متقطعاً بعد أن أصبحت القوات الباكستانية نداً للقوات الهندية، كما تأثر بالنشاط الدبلوماسي للدولتين في الأمم المتحدة.

1. عرض النزاع على الأمم المتحدة

في أوائل يناير 1948، اتخذت الهند المبادأة وعرضت النزاع على مجلس الأمن طبقاً للمادة 35 من الميثاق. وطلبت من مجلس الأمن الإيقاف الفوري للقتال وانسحاب الغزاة من ولاية جامو وكشمير فقط. ولم تطلب الهند تدخل مجلس الأمن في مسألة مستقبل الوضع في كشمير، حيث رأت أن هذا قد يحد ويقيد من رغبات شعب كشمير.

وفي النصف الأول من عام 1948، أصدر مجلس الأمن بالنسبة للنزاع أربعة قرارات هي: القرار الصادر في 17 يناير 1948، والقرار الصادر في 20 يناير 1948، والقرار الصادر في 21 أبريل 1948، والقرار الصادر في 3 يونيه 1948. وكان أهم هذه القرارات القرار الصادر في 20 يناير 1948، والقرار الصادر في 21 أبريل 1948. فقد نص قرار 20 يناير 1948 على تشكيل لجنة وساطة من ثلاثة أعضاء تختار أحدهم الهند والثاني باكستان، أمّا الثالث فيختار بواسطة العضوين السابقين. ومهمة اللجنة الذهاب فوراً إلى منطقة النزاع لتقوم بالوساطة بين أطراف النزاع. أمّا القرار الصادر في 21 أبريل 1948، فقد زاد عدد أعضاء لجنة الوساطة إلى خمسة أعضاء. وحدد مهمة اللجنة بالذهاب فوراً إلى شبه القارة الهندية بغرض تسهيل اتخاذ إجراءات استعادة السلام والنظام وإقامة استفتاء في كشمير.

تكونت لجنة وساطة الأمم المتحدة من تشيكوسلوفاكيا التي اختارتها الهند، والأرجنتين التي اختارتها باكستان، واختار مجلس الأمن بلجيكا وكولومبيا والولايات المتحدة، وقد اختارت لجنة الوساطة اسماً لها هو "لجنة الأمم المتحدة للهند وباكستان".

وأجرت اللجنة مباحثات مع الهند وباكستان. وأصدرت قرارها الأول، في 13 أغسطس 1948، يحتوي على ثلاثة أجزاء:

أ. الجزء الأول: وهو خاص بأمر إيقاف النار بين الدولتين.

ب. الجزء الثاني: وهو خاص بالشكل الأساسي لاتفاقية هدنة.

ج. الجزء الثالث: وهو خاص بالاستفتاء ومستقبل وضع ولاية جامو وكشمير.

وقد أعطت اللجنة الأسبقية الأولى لإيقاف النار، واعتبرت أن الاستفتاء لا يجري إلا بعد عقد اتفاقية الهدنة بين الدولتين.

وفي 5 يناير 1949، اتخذت اللجنة قرارها الثاني، وعدّته مكملاً لقرارها الأول. ونص القرار الثاني على المبادئ الأساسية للاستفتاء، أي أنه جاء موضحاً لتفصيلات الجزء الثالث من قرارها الصادر في 13 أغسطس 1948. ونجحت اللجنة في تحقيق إيقاف النار بين الدولتين، ليصبح نافذ المفعول في أول يناير 1949. وتمكنت اللجنة، في يوليه 1949، من عقد اتفاق بين الدولتين، لتحديد خط إيقاف النار، وعدم زيادة القوات على جانبيه. ولكن "لجنة الأمم المتحدة للهند وباكستان" فشلت في حل مشكلة قوات آزاد كشمير وتحديد ما هي معظم القوات الهندية التي تنسحب من كشمير بعد انسحاب القوات الباكستانية ورجال القبائل وكذلك مشكلة إدارة المناطق الشمالية الجبلية للولاية. وظهر الخلاف بين الدولتين حول هذه المشاكل[1].

وفي 5 ديسمبر 1949، قدمت "لجنة الأمم المتحدة للهند وباكستان" تقريرها الثالث والأخير إلى مجلس الأمن وأوصت فيه بتعيين فرد واحد ممثلاً للأمم المتحدة يقوم بالوساطة بين الدولتين حول المسائل التي لم تحل.

وأعقب لجنة الوساطة الدولية عديداً من الوسطاء الدوليين. ففي 17 ديسمبر 1949، عيّن مجلس الأمن رئيسه، الجنرال "مكناهتون"، وسيطاً غير رسمي للأمم المتحدة. وفي 12 أبريل 1950، عيّن مجلس الأمن سير "ديكسون". وفي 30 مارس 1951، عُيّن الدكتور "جراهام"، ممثلاً للأمم المتحدة، وبعد أن أجرى مباحثات بين الدولتين، وقدم خمسة تقارير، كان آخرها في 27 مارس 1953، مشيراً إلى فشل وساطته لحل الخلاف بين الدولتين، خصوصاً مسألة نزع السلاح في ولاية كشمير، واقترح إجراء مباحثات مباشرة بين قادة الدولتَيْن.

وهكذا انتهت وساطة الأمم المتحدة، التي استمرت من عام 1948 إلى عام 1953، بالفشل في حل نزاع كشمير.

2. المباحثات المباشرة بين الدولتين

وفي 16 أغسطس 1953، بدأت المباحثات المباشرة بين الهند وباكستان، في "دلهي"، بين "جواهر نهرو" ومحمد علي بوجرا"، رئيسي وزراء الدولتين. واتّفِق على ضرورة إجراء استفتاء محايد، للتحقق من رغبات شعب كشمير، وعلى تعيين مدير للاستفتاء، وكذلك تعيين لجان من الخبراء العسكريين وغيرهم، لتقديم المشورة إلى رئيس الوزراء.

وأعقب اتفاقية "دلهي" تبادل المراسلات الكثيرة من خطابات وبرقيات بين "محمد علي بوجرا" و"نهرو". وكشفت تلك المراسلات عن تصاعد الخلافات بينهما.

ثم ازداد موقف الهند تشدداً بعد أن انضمت باكستان إلى الحلف المركزي، عام 1953، وحلف جنوب شرقي آسيا، عام 1954، وظلت قضية كشمير معلقة بين البلدين مع زيادة التوتر بينهما.

وفي مايو 1954، وقعت باكستان اتفاقية مساعدة الدفاع المتبادل مع الولايات المتحدة. وقد وجد "نهرو" في ذلك سبباً للتخلي عن التزاماته بعقد استفتاء في كشمير. وكذلك صدقت الجمعية التشريعية في كشمير على انضمام الولاية إلى الهند، التي قامت بتطبيق الدستور الهندي على كشمير. وقد احتج "محمد علي بوجرا" على تراجع "نهرو" عن إجراء استفتاء في كشمير وعلى قرار الجمعية التشريعية في كشمير لانضمام الولاية إلى الهند.

ثانياً: عودة النزاع إلى الأمم المتحدة مرة أخرى (1957-1960)

في 16 يناير 1957، اجتمع مجلس الأمن ليناقش طلب باكستان. وفي 24 يناير 1957، أصدر قراراً يؤكد قراراته السابقة، وكذلك قرارات "لجنة الأمم المتحدة للهند وباكستان". ونبّه قرار المجلس الحكومتين أن الاستفتاء الحرّ، الذي يجري تحت إشراف الأمم المتحدة، هو الذي يحدد الوضع النهائي لولاية "جامو وكشمير"، وأن قرار الجمعية التشريعية في كشمير يعدّ عملاً غير شرعي ولا يغير من وضع الولاية. واحتجت الهند على القرار بينما رحبت به باكستان.

وفي 21 فبراير 1957، اتخذ مجلس الأمن قراراً بتعيين رئيسه "جونار يارنج" وسيطاً دولياً جديداً لكي يبحث مع حكومتي الهند وباكستان أي مقترحات قد تؤدي إلى تسوية النزاع، واضعاً في اعتباره قرارات المجلس السابقة. وبعد أن قام مستر "يارنج" بإجراء مباحثات في الهند وباكستان، قدم تقريره إلى مجلس الأمن، في آخر أبريل 1957. واقترح أن تعرض الخلافات حول تنفيذ مقترحات "لجنة الأمم المتحدة للهند وباكستان" على التحكيم، ووافقت باكستان ولكن الهند عارضت ذلك، وفشلت مهمة جونار يارنج.

وفي 2 ديسمبر 1957، أصدر مجلس الأمن قراراً بتعيين دكتور "جراهام" مرة أخرى وسيطاً دولياً بين الدولتين لتنفيذ مقترحات "لجنة الأمم المتحدة للهند وباكستان". وأجرى مباحثات بين الدولتين وقدم تقريره إلى مجلس الأمن في 18 مارس 1958. ووافقت باكستان على مقترحاته بينما رفضتها الهند، وبذلك توقفت جهود الأمم المتحدة.

ثالثاً: الحوار الهندي الباكستاني (1960-1964)

في أوائل أكتوبر 1958، تولى الجنرال "محمد أيوب خان" السلطة في باكستان، وأظهر اهتماماً بحل مشكلة كشمير سلمياً وبطريقة ترضي الجانبين. وبدأت مرحلة جديدة من الحوار الهندي الباكستاني. وعندما ذهب "نهرو" إلى باكستان لتوقيع معاهدة مياه السند، في 19 سبتمبر 1960، أجرى في "كراتشي" مباحثات مطولة مع "أيوب خان"، وأظهر البيان المشترك تقدماً ضئيلاً بالنسبة إلى مشكلة كشمير.

وشهد عام 1961 كثيراً من تصريحات القادة الهنود والباكستانيين حول مشكلة كشمير. وأعلن القادة الهنود موقفهم المتشدد أنهم يمكنهم فقط إجراء مباحثات في كشمير فقط لتعديل خط إيقاف النار.

وفي 11 يناير 1962، طلبت باكستان، نتيجة لجمود الموقف، عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لمناقشة مشكلة كشمير. وأشارت باكستان إلى فشل المفاوضات المباشرة بين الدولتين. واستمع المجلس في عدة جلسات إلى بيانات مطولة من الجانبين. وقدم مندوب ايرلندا، في 22 يونيه 1962، مشروع قرار إلى المجلس. وقد حثّ مشروع القرار الحكومتين على الدخول في مفاوضات مباشرة على أساس القرارات السابقة لمجلس الأمن، و"لجنة الأمم المتحدة للهند وباكستان"، وميثاق الأمم المتحدة. واستخدم الاتحاد السوفيتي حق الفيتو لإسقاط القرار.

أدى إخفاق الجهود التي بذلت لإجراء استفتاء لسكان كشمير تحت إشراف الأمم المتحدة إلى انصراف كل من الهند وباكستان لمعالجة الموقف تبعاً لمصالحه القومية، بعيداً عن أي التزامات إقليمية بينهما. فالهند دعمت إنشاء الجمعية التأسيسية في الإقليم التي أقرت دستور الولاية متضمناً الاعتراف بأن "دولة جامو وكشمير ستبقى جزءاً مكملاً من اتحاد الهند".

وفي أواخر عام 1962، بدأت فكرة العودة إلى المفاوضات المباشرة بين الهند وباكستان لحل مشكلة كشمير. فقد حدث تغير خطير في شبه القارة الهندية بنشوب الحرب الصينية الهندية وهزيمة القوات الهندية. وطلبت الحكومة الهندية المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ووصل على عجل إلى شبه القارة الهندية المستر "دنكن ساندز" وكيل وزارة الخارجية البريطانية والمستر "آفريل هاريمان" السكرتير العام المساعد في وزارة الخارجية الأمريكية. وتمكنا من إقناع "نهرو" بعودة المفاوضات المباشرة مع باكستان حول كشمير. وصدر بيان مشترك للدولتين، في 29 نوفمبر 1962، يعلن عن إجراء مباحثات على المستوى الوزاري للتمهيد للاجتماع النهائي بين "أيوب خان" و"نهرو" لحل النزاع حول كشمير.

وعقدت المباحثات بين الوفد الهندي برئاسة "سوران سينغ" والوفد الباكستاني برئاسة "ذو الفقار علي بوتو" في المدة من 27 ديسمبر 1962 حتى 16 مايو 1963 على مدار ست اجتماعات منفصلة. وانتهت الجولة السادسة والأخيرة في نيودلهي في 16 مايو 1963 دون إحراز أي تقدم نتيجة للخلاف العميق في وجهات النظر. وصدر بيان مشترك أعلن عدم الوصول إلى اتفاق نحو تسوية مشكلة كشمير. ولم يدع البيان المشترك إلى عقد مؤتمر قمة بين "نهرو" و"أيوب خان".

ونتيجة للحرب الهندية الصينية واحتلال الصين أراض تدعي الهند عائديتها لها (التبيت)، الأمر الذي أفضى إلى تغيير جذري في الحدود الصينية- الهندية على حساب الحدود بين كشمير وكل من سينكيانغ والتبيت.

وقد أدى ذلك إلى تطور العلاقات الصينية- الباكستانية، وقد تجسد ذلك في توقيع إعلان اتفاق الحدود بينهما في 2 مارس 1963، الأمر الذي أدّى إلى تعقد الموقف الأمني بالنسبة إلى الهند، التي اتهمت باكستان والصين بالتصرف في حقوق شرعية للهند، على الرغم من أن الاتفاق المذكور عُدّ مؤقتاً إلى حين توصل الهند وباكستان لحل شامل لمشكلة جامو وكشمير، إذ بالإمكان عقد اتفاق دائم يحل محل الاتفاق المؤقت[2].

إن الاتفاق الباكستاني ـ الصيني، في الوقت الذي يؤمن خاصرة الصين في كشمير في أي أزمة عسكرية قد تحدث مع الهند، فإنه يحقق مجالاً أفضل لباكستان للمناورة وممارسة الضغط إزاء الهند، في الوقت نفسه الذي عزز موقع باكستان الإقليمي إزاء الولايات المتحدة الأمريكية والغرب باتجاه تعزيز الدعم المقدم لباكستان لضمان المصالح المشتركة في جنوب آسيا، الأمر الذي قاد بدوره إلى تعزيز العلاقات الهندية- السوفيتية.

وفي الفترة من ديسمبر 1963 إلى يناير 1964، توتر الموقف بصورة خطيرة، نتيجة حدوث اضطرابات طائفية بين المسلمين والهندوس، كادت تؤدي إلى صدام مسلح بين الدولتين، وقد أمكن تهدئة الموقف وتجنب الصراع المسلح وإن ظل التوتر قائماً في الإقليم، مما دعا كلا الدولتين إلى زيادة تسلل أفرادها المسلحين داخل الإقليم لتدعيم الشعب الذي يؤيده. وقد تطور ذلك إلى نشوب الحرب بين الدولتين في سبتمبر 1965.

وبينما كانت الجهود تبذل لتحسين العلاقات الهندية الباكستانية، فوجئ الجميع بتصريح نهرو لصحيفة "الواشنطن بوست" أن هدف الهند النهائي هو قيام اتحاد هندي باكستاني. وأثار هذا التصريح غضب وشكوك باكستان من أن الهند تريد ابتلاعها وتوحيد شبه القارة الهندية، ولو بالقوة. ولجأت باكستان مرة أخرى إلى مجلس الأمن. ففي 16 يناير 1964، طلبت باكستان من مجلس الأمن عقد اجتماع عاجل للنظر في مخالفات الهند لقرارات المجلس بالنسبة لكشمير. واجتمع المجلس من دون أن يصدر أي قرارات.

وبينما كان مجلس الأمن يناقش مشكلة كشمير، أفرجت الهند عن "الشيخ عبد الله" في 8 أبريل 1964. وفي 29 أبريل 1964، أجرى محادثات مع "نهرو" حول مشكلة كشمير ثم ذهب إلى باكستان وأجرى محادثات مع "أيوب خان"، في 24 مايو 1964، وكانت فكرة الوساطة التي يقوم بها "الشيخ عبد الله" بين الهند وباكستان هي ما أطلق عليه "نهرو" "الطريق الدستوري" لحل مشكلة كشمير، وذلك إما بقيام اتحاد بين الهند وباكستان تكون فيه كشمير جزءاً من الهند أو قيام حكم ثنائي هندي باكستاني لكشمير مما يوجد علاقة دستورية بين الهند وباكستان. ورفضت باكستان هذه المقترحات لأنها كانت ترى فيها خطط الهند المستمرة لإلغاء تقسيم شبه القارة الهندية الذي تم في 1947. وفي 26 مايو 1964، أعلن "الشيخ عبد الله" في "روالبندي" أن "أيوب خان" و"نهرو" سيتقابلان، في نيودلهي، في يونيه 1964، لمناقشة مشكلة كشمير وباقي المشاكل الأخرى.

وفي 27 مايو 1964، توفي "نهرو" وتلاشت الآمال في عقد مؤتمر قمة بين رؤساء الحكومتين. وتولى "شاستري" رئاسة الحكومة الهندية. وعقد أول اجتماع له مع "أيوب خان"، في أكتوبر 1964، في كراتشي، لحل مشكلة كشمير.

وفي ديسمبر 1964، اتخذ "شاستري" خطوة جريئة لم يقدم عليها "نهرو" خلال الستة عشر عاماً الماضية، منذ بدأت مشكلة كشمير، وذلك بضم كشمير نهائياً إلى الهند، وإغلاق باب المفاوضات والتسوية تماماً. ففي 4 ديسمبر 1964، أعلنت الحكومة الهندية إلغاء الوضع الخاص لكشمير، بناءً على المادة 370 من الدستور الهندي، وبذلك أصبحت كشمير ولاية هندية، وجزءاً لا يتجزأ من الهند. وعقب ذلك أصدر الرئيس الهندي، في 21 ديسمبر 1964، قراراً جمهورياً بناء عليه تولى سلطات ومهام كل من الحكومة والجمعية التشريعية في كشمير.

واحتجت الحكومة الباكستانية لدى الهند من ضم كشمير إليها، وعدم التمسك بالالتزامات الدولية، ومعارضة رغبة شعب كشمير. وعمل الإجراء الهندي الجدي على إبعاد مشكلة كشمير عن المناقشة الدولية والداخلية. وكان على باكستان أن تجعل الباب مفتوحاً لمناقشة المشكلة. وزاد من مخاوف باكستان إعادة الهند تسليح قواتها. وهكذا تحول "أيوب خان" إلى التفكير في سياسة استخدام القوة والتخلي، عن الوسائل السياسية، مما جعل العمل العسكري أمراً لا يمكن تجنبه. وبدأت باكستان تستعد للحرب.

رابعاً: النزاع الثاني في صيف 1965

كان النزاع الثاني بين الدولتين حول منطقة "ران كوتش". وهو أول اختبار لاتجاه سياسة "أيوب خان" نحو اللجوء إلى القوة لحل المنازعات بين الهند وباكستان، بعد ضم "شاستري" كشمير نهائياً إلى الهند، في نهاية 1964.

ومعنى "ران كوتش" في اللغة الهندية هو أرض المستنقعات. وتقع على الحدود الشمالية الغربية للهند مع باكستان، وتطل على البحر العربي على مسافة 350 ميلاً شمال غرب ميناء "بومباي" ومسافة 250 ميلاً جنوب شرق ميناء "كراتشي". ويبلغ طول المنطقة 320 ميلاً أمّا عرضها فهو 50 ميلاً. وهي غير آهلة بالسكان نظراً لكونها سهل طيني ساحلي وأراضي مجدبة. وتغطي المنطقة المياه التي تأتي من البحر العربي نتيجة الرياح الموسمية غزيرة الأمطار التي تبدأ من شهر مايو حتى شهر أكتوبر. وعلى ذلك فهي منطقة عديمة القيمة من الناحية الاقتصادية والإستراتيجية.

ومنذ الاستقلال، عام 1947، كانت "ران كوتش" أرضاً متنازع عليها بين الهند وباكستان. وكان النزاع حول موقع الحدود بالنسبة للنصف الشمالي للمنطقة، وهو جزء غير منتظم الشكل يبلغ مساحته حوالي 3500 ميل مربع ويقع تقريباً شمال خط عرض 24. وفي يناير 1965، حدث اشتباك بين الشرطة الهندية ودوريات حرس الحدود الباكستانية. وبعد أن قامت بطردها أقامت عدداً من المخافر لتأمين المنطقة. وفي ليلة 4/5 أبريل 1965، شنّت القوات الهندية هجوماً على موقع باكستاني في أقصى الطرف الشمالي الغربي من المنطقة. وتكرر الهجوم الهندي مرة أخرى على نفس الموقع في 8 أبريل 1965. وتمكنت القوات الباكستانية من صد الهجومين. وفي 9 أبريل 1965، بدأت القوات الباكستانية عملياتها الهجومية. فقامت بالهجوم على المواقع الهندية في بلدة "سردار بوست" بجوار قلعة "كنجاركوت" ونجحت القوات الباكستانية في الاستيلاء على المواقع الهندية. وتراجعت القوات الهندية إلى الخلف تاركة بعض عتادها.

وفي 24 أبريل 1965، شنت القوات الباكستانية هجوماً كبيراً على أربعة مواقع هندية في المنطقة بين بلدة "شدبت" وبلدة "بياربت" مستخدمة الدبابات والأسلحة الأمريكية لأول مرة. ونجح الهجوم الباكستاني في اكتساح القوات الهندية التي حاولت دون جدوا استعادة مواقعها.

ولم يقبل الرأي العام الهندي أن تنتصر باكستان في هذه الحرب الصغيرة. وفي 28 أبريل 1965 هدد "شاستري" بالقيام بعمل عسكري ضد باكستان على أرض المعركة من اختيار الهند. وحذر "أيوب خان"، في أول مايو 1965، أن [3]هذا التهديد يعني حرباً شاملة بين الهند وباكستان.

وقامت الهند بحشد قواتها في البنجاب ودعمتها بالمدرعات واتخذت أوضاعاً هجومية. وسارعت باكستان، في 8 مايو 1965، بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن. ولعبت الحكومة البريطانية دوراً هاماً لتجنب تصاعد هذه الأزمة وتخفيف حدة التوتر بين الدولتين. ونجحت جهود السلام التي قام بها "هارولد ولسن" رئيس وزراء بريطانيا، وتم توقيع اتفاق، في 30 يونيه 1965، بين الهند وباكستان. ونص الاتفاق على عودة القوات الهندية في البنجاب إلى مواقعها في الخلف، وبالنسبة لنزاع "ران كوتش" تم الاتفاق على وقف النار وانسحاب متبادل لقوات الدولتين والعودة إلى حالة ما قبل الحرب، وإجراء مفاوضات وزارية مباشرة بين الهند وباكستان لتسوية النزاع. وفي حالة فشل المفاوضات يعرض النزاع على لجنة تحكيم تتكون من ثلاثة أشخاص محايدين، تختار كل حكومة عضواً على أن يختار السكرتير العام للأمم المتحدة العضو الثالث الذي يعمل كرئيس للجنة، وذلك في حالة عدم الاتفاق عليه بواسطة الحكومتين. وبعد سلسلة من الاتصالات تم الاتفاق على تحديد يوم 20 أغسطس 1965، لاجتماع وزيري خارجية الدولتين في نيودلهي لإجراء المفاوضات المباشرة لتسوية النزاع. ولكن في 18 أغسطس 1965، ألغي الاجتماع باتفاق الجانبين بناء على طلب الهند.

كانت "ران كوتش" تمثل أول نجاح حقيقي للقيادة العسكرية في باكستان، حيث اختارت بعناية الهدف في ميدان قتال بعيد ووقت قصير محدد، بحيث لم تعط المفاجأة أي فرصة للردع الهندي المؤثر.

جرت هذه الحرب الصغيرة في سباق مع الزمن قبل أن تصبح أرض المعركة مغمورة بالمياه مع بداية الرياح الموسمية الغزيرة الأمطار في الصيف، ويصبح موقف الهند سيئاً، حيث يتحتم على قواتها أن تنسحب عدة أميال إلى الجنوب، بينما تضطر القوات الباكستانية أن تنسحب مسافة قصيرة فقط إلى الأراضي المرتفعة إلى الشمال. علاوة على ذلك كان من الصعب على القوات الهندية أن تقوم بهجوم كبير لأن خطوط الإمداد والمواصلات كانت طويلة وصعبة، بينما كانت لباكستان خطوط مواصلات مناسبة نسبياً. وقد منع ذلك قيام الهند بعمليات ردع كبيرة ضد الهجوم الباكستاني، وألا ترسل أي وحدات إضافية كبيرة في هذه المنطقة خوفاً من عزلها وإبادتها. كما أنها كانت تريد تجنب أي هزائم كبيرة.

خامساً: النزاع الثالث في سبتمبر 1965

بدأ النزاع الهندي الباكستاني حول كشمير في النصف الأخير من عام 1965. واتبعت باكستان الطريقة نفسها، التي استخدمتها في النزاع الأول، عام 1947-1948. ففي 5 أغسطس 1965، عبر المئات من المتسللين الباكستانيين المسلحين بالأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية والعبوات الناسفة خط وقف النار إلى داخل كشمير. واتجهت القوة الرئيسية للغزاة نحو العاصمة "شري نجر" لإثارة انتفاضة شعب كشمير بغرض قلب الحكومة بالقوة والاستيلاء على السلطة وتشكيل مجلس ثوري الذي يطلب المساعدة الفورية من باكستان، وبذلك تتدخل القوات النظامية الباكستانية في كشمير.

وعندما فشلت خطة الثورة، شنّت باكستان، في أول سبتمبر 1965، هجوماً قوياً بالمدرعات في منطقة "شامب" جنوب غرب كشمير. ونجح الهجوم الباكستاني في دفع القوات الهندية للخلف، واستولت القوات الباكستانية على مدينة "أخانور" على مسافة حوالي 20 ميل داخل الأراضي الهندية.

وبينما كانت المعارك تدور في كشمير بين القوات النظامية الباكستانية، أبلغ السكرتير العام للأمم المتحدة مجلس الأمن، في 3 سبتمبر 1965، عن الموقف الخطير في كشمير. واجتمع مجلس الأمن واتخذ قراراً، في 3 سبتمبر 1965، دعا فيه حكومتي الهند وباكستان لإيقاف النار فوراً واحترام خط وقف النار وانسحاب جميع الأفراد المسلحين، مع التعاون مع "المراقبين العسكريين للأمم المتحدة في الهند وباكستان" للإشراف على مراقبة وقف النار.

وفي 6 سبتمبر 1965، شنّت القوات الهندية هجوماً واسع النطاق، شمل الجبهة الغربية بأكملها، وتركّز في منطقة البنجاب في قطاع مدينة "لاهور" ومدينة "سلكت". وكان الهدف من الهجوم الهندي وقف تقدم القوات الباكستانية الناجح في جنوب كشمير.

ندد كثير من دول العالم بالهجوم الهندي، وَعَدّته غزواً لباكستان، وتحدياً لقرار مجلس الأمن، الصادر في 4 سبتمبر 1965. واجتمع مجلس الأمن، في 6 سبتمبر 1965، للنظر مرة أخرى في النزاع، وأصدر قراراً يدعو أطراف النزاع إلى إيقاف الأعمال العدائية في منطقة النزاع فوراً، وانسحاب جميع الأفراد المسلحين إلى مواقعهم التي كانوا يحتلونها قبل 5 أغسطس 1965. وطلب المجلس من السكرتير العام للأمم المتحدة أن يبذل كل جهده لتنفيذ هذا القرار.

وفي 9 سبتمبر 1965، بدأ السكرتير العام للأمم المتحدة بزيارة الدولتين للقيام بمهمة شخصية للسلام في شبه القارة الهندية. وقام بمفاوضات مكثفة مع قادة باكستان والهند دون أي تقدم ملحوظ. فقد كان الرأي العام في كل من الدولتين يعارض بشدة أي تنازلات ويدعو لاستمرار الحرب.

وأثناء اتصالات السكرتير العام للأمم المتحدة الدبلوماسية، كانت تدور معركة كبيرة بالدبابات في قطاع "سلكت"، حيث زعمت الهند أنها دمرت 250 دبابة باكستانية. وكانت شدة القتال تدل على أن الهند كانت تريد إنزال ضربة قاصمة لباكستان في هذا القطاع قبل انتهاء العمليات الحربية ووقف النار.

وانتهزت الصين الفرصة للتدخل في النزاع، وبدأت حرب الإنذارات والتهديدات ضد الهند. وعندما ظهر خطر قيام الصين بعمل عسكري ضد الهند، حذّرت الولايات المتحدة الأمريكية الصين أنه لا يمكن لبكين أن تهاجم الهند، من دون أن تتعرض للردع الأمريكي.

وفي هذه الأثناء، كان مجلس الأمن يقوم بنشاط دبلوماسي مكثف لاتخاذ قرار جديد للسلام في شبه القارة الهندية. وأصدر المجلس، في 20 سبتمبر 1965، قراره الثالث منذ بدأ النزاع. ونص قرار المجلس على وقف النار بدءاً من يوم 22 سبتمبر 1965، وبالتالي انسحاب الأفراد المسلحين من كلا الجانبين إلى المواقع التي كانوا يحتلونها قبل 5 أغسطس 1965. وطلب المجلس من السكرتير العام للأمم المتحدة أن يشرف على وقف النار والانسحاب وأن يبذل جهده لتنفيذ القرار والبحث عن حل سلمي وتبليغ المجلس مباشرة. وقبلت الهند وباكستان وقف النار اعتباراً من يوم 23 سبتمبر 1965.

وبدأت الدولتان بعد انتهاء القتال، انتظاراً للمساومة السياسية، في انتهاز الفرصة في ظل وقف النار للتوسع في الاستيلاء على مزيد من الأراضي وتعزيز المواقع العسكرية القائمة، مما دفع مجلس الأمن إلى إصدار قراره الرابع بوقف النار، في 27 سبتمبر 1965، معبراً عن قلقه البالغ لعدم تمسك حكومتي الهند وباكستان بوقف النار.

ودعا القرار الطرفين إلى احترام التزامهما أمام مجلس الأمن بمراعاة وقف النار والانسحاب الفوري للأفراد المسلحين كخطوات ضرورية لتنفيذ القرار الصادر في 20 سبتمبر 1965. وعلى الرغم من ذلك، لم يحدث أي تقدم لانسحاب قوات الطرفين.

وفي 5 نوفمبر 1965، أصدر مجلس الأمن قراره الخامس، معلناً أسفه لعدم تنفيذ قرارات المجلس السابقة، ويطلب من حكومتي الهند وباكستان، أن تتعاون في تنفيذ هذه القرارات، لتحقيق وقف إطلاق النار، والانسحاب السريع للأفراد المسلحين إلى المواقع، التي كانوا يحتلونها، قبل 5 أغسطس 1965.

وفي 4 يناير 1966، بدأت مباحثات السلام، في مدينة "طشقند"، في الاتحاد السوفيتي، بين "أيوب خان" و"شاستري"، بناء على العرض السوفيتي، في 4 سبتمبر 1965، والذي تجدد يوم 7 سبتمبر 1965. وبذل "اليكسي كوسيجين"، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، جهوداً مكثفة لنجاح المفاوضات بين الجانبين، ووقِّعَت اتفاقية "طشقند" في 10 يناير 1966. ولو أن اتفاقية "طشقند" لم تحل مشكلة كشمير، إلاّ أنها كانت خطوة كبيرة نحو السلام، فقد اتفِق على انسحاب قوات الطرفين، ليس متأخراً عن 25 فبراير 1966، إلى المواقع التي كانوا يحتلونها، في 5 أغسطس 1965، وأن يراعي كل من الطرفين شروط وقف النار. وكذلك وافقا على عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية، والنظر في الإجراءات لعودة العلاقات الاقتصادية والثقافية، ومناقشة مشكلة اللاجئين فيما بعد. إن أهم ما جاء في هذه الاتفاقية، أن الطرفين وافقا على مبدأ نبذالقوة طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، وأن يقيما علاقاتهما على أساس مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لكل منهما، وأن يمتنعا عن القيام بأية دعاية توجه ضد الدولة الأخرى، وعلى تشجيع تلك التي تساهم في بناء العلاقات الودية.(أُنظر ملحق اتفاقية طشقند بين الهند وباكستان 10 يناير 1966) ورحبت الولايات المتحدة باتفاقية "طشقند"، وعدّتها كسباً للسلام في شبه القارة الهندية، ونظرت إليها على أنها إيقاف للنفوذ الصيني، الذي أراد أن يستغل الموقف لصالحه.

ولطبيعة موقف الشعب الباكستاني الداعي إلى تحرير عموم كشمير الإسلامية من سيطرة الهند، جوبهت اتفاقية طشقند برد فعل سلبي من عموم الرأي العام الباكستاني استثمره "ذو الفقار علي بوتو" في قيادة حملة شعبية واسعة ضد الرئيس الباكستاني "يحيى خان"، شكلت بداية التغييرات السياسية، التي أفضت إلى اضطرابات واسعة، انتهت بحرب ديسمبر 1971، وانفصال بنجلاديش.

 وهكذا يتأكد أن عدم الحسم في الحرب الهندية الباكستانية عام 1947-1948، أبقى على الوضع غير المستقر في كشمير من دون تسوية، مما أدّى إلى حرب جديدة. وإن عدم الحسم في حرب عام 1965، وظهور التكافؤ النسبي أثناء القتال، جعل التسوية السياسية أكثر صعوبة، بعد انتهاء تلك الحرب.

ومن الدروس المستفادة لحرب عام 1965، أدراك باكستان أن حرب العصابات في كشمير مخاطرة غير مضمونة، كما أن هجومها الخاطف المدرع لم يكن مؤثراً. أمّا الهند فقد عرفت أنه على الرغم من تفوقها الساحق في العدد والعتاد، فإنها غير قادرة على إنزال هزيمة عسكرية لباكستان. وإن الخطر العسكري الحقيقي للدولتين يقع خلال السهول الواسعة للبنجاب، إذ يمكن استخدام المدرعات، وليس في الجبال والوديان الضيقة لكشمير.

وأبرزت حرب 1965 الحقائق التالية:

1. إن الإستراتيجية الهندية ظلت ثابتة دون تغيير، فإن أي قتال في كشمير يؤدي إلى تصاعد النزاع وقيام حرب شاملة بين الدولتين، وذلك ما حذّر "نهرو" منه.

2. تصميم الهند على منع أي حل عسكري لمنطقة كشمير.

3. إن خطر تعرض الهند لهجوم مزدوج لباكستان والصين قد أُبطل باستعداد الولايات المتحدة لردع الصين لو اشتركت في القتال.

4. لا يمكن الإخلال بـ "الوضع القائم" في جنوب آسيا، إلاّ إلى المدى الذي تسمح به الدول الكبرى، وهذا ما عبرت عنه اتفاقية طشقند.



[1] وقد عرضت اللجنة القرار أولاً على الهند وباكستان، فوافقت الهند عليه في 23 ديسمبر 1948، وباكستان في 25 ديسمبر 1948.

[2] ترى الهند أن باكستان من أجل أن تربح تأييد الصين لموقفها في كشمير، سلمت الصين نحو 2000 ميل مربع من كشمير في منطقة لاداخ من دون وجه شرعي، حيث أن الجزء الذي تسيطر عليه باكستان قائم على الاحتلال غير الشرعي للإقليم، إذ أن البلدين ليست بينهما حدود عامة، كونهما يفصل بينهما الإقليم الهندي في جامو وكشمير. وبالمقابل أشارت رسالة ممثل باكستان الدائم لدى الأمم المتحدة في 10 أبريل 1963 إلى مقررات مجلس الأمن واللجنة الخاصة للأمم المتحدة عامي 1948-1949، والتي بموجبها تصرفت باكستان بحق طبيعي لها في كشمير.

[3] عرضت مشكلة `ران كوتش` في عام 1968 على لجنة تحكيم ثلاثية وقررت أن أي من الطرفين لم يثبت أنه مارس سلطاته المستمرة والفعلية على الأراضي المتنازع عليها، ومنحت اللجنة 90% من الأراضي إلى الهند و10% لباكستان.