إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



الصراع الهندي - الباكستاني

المبحث الحادي عشر

أحداث 11 سبتمبر2001 وانعكاساتها على الهند وباكستان

مثلت هجمات 11سبتمبر2001، على نيويورك وواشنطن، نقلة نوعية مهمة في تطور ظاهرة الإرهاب. وبدت أقرب إلى ما يسمَّى "الإرهاب الجديد"، الذي تداولته الأدبيات السياسية، خلال تسعينيات القرن العشرين، بوصفه شكلاً متميزاً من أشكال الإرهاب، تحركه الأيديولوجيات ذات الأساس الإثني المتطرف، أو الديني المتشدد. ويعتمد هذا النمط من الإرهاب على شبكات تنظيمية واسعة؛ إضافة إلى كونه أكثر تصميماً على استخدام أسلحة الدمار الشامل في ضرب أهداف محددة.

ومن ثَم، فإن أحداث 11 سبتمبر 2001، شكلت نقطة تحوّل في النظام الدولي، إذ أصبح الإرهاب الجديد واحداً من الأشكال الرئيسية للصراع المسلح، على الساحة الدولية، وليس أداة فقط من أدوات ذلك الصراع؛ لا، بل يمكن القول إنه أصبح بديلاً من الحروب التقليدية، في الكثير من المجالات، على الساحة الدولية.

وقد أدى هذا الحادث إلى تحوُّل في النظام الدولي برمّته، انعكس في ردود فعل الولايات المتحدة الأمريكية، والقوى الدولية الأخرى، والتي لم تقتصر على شن حملة دولية واسعة على الإرهاب، أعلنها الرئيس جورج بوش، في الثالث عشر من سبتمبر2001؛ وإنما تخطتها إلى اعتماد الرئيس الأمريكي موقفاً، قوامه "أن وقف الإرهاب، ومحاسبة الدول التي ترعاه، أصبحا هُما الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية". وهو ما يعني أن هذه السياسة، أصبحت موجهة إلى مكافحة الإرهاب، بما تنطوي عليه من تخصيص للموارد، وإعادة تشكيل التحالفات الدولية، طبقاً لما أشار إليه الرئيس الأمريكي: "من ليس معنا، فإنه مع الإرهاب".

وقد كانت كلّ الدلائل تشير إلى توجه الولايات المتحدة الأمريكية، في حربها على الإرهاب، إلى منطقة شبه القارة الهندية؛ لإنزال العقاب بأفغانستان (إيذاناً بتلك الحرب، وتمهيداً للقضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان). وهو ما يعني أن على كلّ من الهند وباكستان، أن تستعد لمواجهة الموقف الإستراتيجي، الذي نقل الحرب، من دون إنذار مسبق، إلى منطقتهما.

المتغيرات في العلاقات الهندية- الباكستانية، قبل أحداث11سبتمبر2001

1. في أعقاب تولِّي الرئيس الباكستاني، "برويز مشرف"، السلطة في البلاد، في النصف الثاني من عام2000، عمد لإجراء إصلاحات داخليه شاملة، استوجبت توجهاً سياسياً باكستانياً، يدعو إلى السلام مع الهند. وقد أدى ذلك إلى تطور واسع النطاق، في الخطاب السياسي للقيادتَين: الهندية والباكستانية، اللَّتَين تبادلتا، بحذر، إيماءات التهدئة، وإظهار الرغبة في السلام، وعدم الاكتراث لآراء بعض القوى المتشددة. وقد أدى ذلك إلى تمديد المبادرة الهندية للسلام في كشمير، السابق طرحها؛ وتقديم الرئيس الباكستاني مبادرة تقول بمحاورة الهند في شأن كشمير، والذهاب إلى نيودلهي، لعقد مباحثات، في المستوى الرسمي.

2. بناء على المبادرة الباكستانية، فقد عقدت قمة هندية- باكستانية، في "أجرا"، في الفترة من14 إلى 16 يوليه 2001. وكانت طليعة أولوياتها، أن يتخلى الطرفان عن الاستخدام غير البناء، لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لِكِلْتَا الدولتَين؛ والتركيز، بإيجابية، في استخدام باقي الآليات، التي سبق تعليقها؛ لتفعيل العلاقات بينهما.

ومن الطبيعي، أن تسود هذه القمة لحظات من التوتر، وتمّسك كلّ طرف بوجهة نظره. وكانت الخطوة الإيجابية الوحيدة، هي اتفاق الطرفَين على فتح قنوات اتصال بينهما، في مستوى القمة، ومستوى وزراء الخارجية. واتفقا على لقاء مقبل، خارج اجتماعات دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر 2001، والذي حالت دونه أحداث 11 سبتمبر من ذلك العام.

أولاً: التوجهات الهندية ـ الباكستانية، في أعقاب أحداث 11سبتمبر2001

مجاراة للنظام العالمي الجديد، وتأثيره في مجريات الأحداث؛ وإيماناً ببشاعة الحدث؛ فقد اتسم الموقفان: الهندي والباكستاني، في آن واحد، بالاتفاق على نبذ الإرهاب، وعلى الانضمام إلى التحالف على محاربته، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. بيد أن هذا التوافق، لم يَحُل دون توتر علاقاتهما البينية، الناجم عن حسبان مخططي السياسة في كلا البلدَين، أن أيّ مكسب، سيحصل عليه الطرف الآخر، هو انتقاص لرصيده: الأمني والسياسي، وخسارة سيصعب تعويضها، في وقت لاحق.

وكانت هناك قضايا رئيسية، تمس أمن المنطقة، ولا بدّ من اتخاذ قرارات مؤثرة حيالها. ويأتي في مقدمتها الحرب في أفغانستان، وموقف الدولتين منها، ثم موقف كشمير، وخاصة أن بعض المنظمات الكشميرية، تَعُدُّها الولايات المتحدة الأمريكية منظمات إرهابية. وكذلك أحداث الحدود بين الهند وباكستان، في وقت، ستركز فيه الجهود الباكستانية في اتجاه الجبهة الأفغانية؛ بما شكل ميزة لأُوْلاهما على حساب الثانية، علاوة على أسلوب تلبية مطالب واشنطن، وكيف تستقيم الاستجابة لها؟ وما هو المردود: السياسي والاقتصادي، لتلك الاستجابة.

وقد أضيف عامل إيجابي في التوجهات الباكستانية- الهندية؟ في هذه المرحلة، وهو حرص الولايات المتحدة الأمريكية على بناء تعاون بين الطرفَين: الهندي والباكستاني، على حرب الإرهاب، من دون زيادة مستويات التوتر، وخاصة في مرحلة الحرب في أفغانستان؛ وحثهما على دعم جهودهما في استمرار مطاردة تنظيم القاعدة، الذي جعلت واشنطن القضاء عليه، هو أول أهداف الحرب العالمية على الإرهاب.

ويمكن رصد ثلاث مراحل، لاستخدام الهند وباكستان قدراتهما، وخاصة في مجال السياسة الخارجية، في تحقيق أهدافهما. وهذه المراحل هي:

1. المرحلة الأولى (11 سبتمبر ـ الأول من اكتوبر2001): هي مرحلة، تميزت بالتوتر والتنوع في استخدام كلّ طرف لأدوات تحقيق أهدافه السياسية الخارجية، في ظل أزمة عالمية شاملة، أثرت في مصالحهما تأثيراً مباشراً. واستخدمت في هذه المرحلة الدعاية الإعلامية، وتبادل الاتهامات بأن كلاًّ منهما، تؤيد الإرهاب؛ ومحاولة كلّ منهما استمالة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانبه.

2. المرحلة الثانية (الثاني من أكتوبر ـ 13 ديسمبر2001): هي مرحلة الاستعداد لغزو أفغانستان، وشن الحرب الفعلية عليها. وقد تميزت هذه المرحلة بعدة ميزات، تراوحت ما بين التهدئة والتصعيد وطرد الدبلوماسيين.

وقد روعي فيها الاستخدام الإيجابي لآليات التهدئة، وما نجم عن هجوم جماعات مسلحة (عسكر طيبة، وجيش محمد)، في الأول من أكتوبر2001، على البرلمان المحلي في سريننجار، في كشمير، حيث أودى بحياة 38 شخصاً. واستُهدِف التخفيف من آثار هذه العملية، التي قوبلت برد هندي عنيف، تمثل في ضرب 11موقعاً باكستانياً، على طول خط المراقبة في كشمير، وردّ مدفعي باكستاني مضاد.

وقد حملت هذه الأحداث وزير الخارجية الأمريكي، "كولين باول"، على زيارة الدولتَين للتخفيف من آثار الحدث، عسى ألاّ تنعكس على الغزو الأمريكي لأفغانستان. وقد نجح بعض الشيء في ذلك، إلا أن آثار الأزمة، تمخضت بطرد كلّ دولة لأحد دبلوماسيي الدولة الأخرى، في الأول من نوفمبر 2001. وقد عمدت الدولتان لتحقيق أهدافهما، من خلال الآليات الآتية:

أ. على الجانب الباكستاني

(1) تعديل لغة الخطاب السياسي، بما يهادِن الهند.

(2) الإفراج عن 31 مواطناً هندياً، اعتقلوا في فبراير2001.

(3) معالجة الآثار الناتجة من حادث الأول من أكتوبر.

ب. على الجانب الهندي

حاولت الهند التهدئة، بتعديلها لغة الخطاب؛ إضافة على حثها واشنطن على التصدي للجماعات الإرهابية في كشمير.

3. المرحلة الثالثة (ما بعد 13ديسمبر 2001): هي مرحلة إعادة التصعيد في المواجهة بين الدولتَين، إثر الهجوم على البرلمان الهندي، فى13ديسمبر، واشتداد التصريحات المتضادة لمسؤولي الطرفَين؛ ومبادرة الهند إلى استدعاء سفيرها لدى باكستان؛ ووقف المواصلات بين الدولتَين؛ ومطالبة أُوْلاهما الثانية بإغلاق مكاتب "جيش محمد" و"عسكر طيبة" على أراضيها. وعاد الحديث، بقوة عن استخدام العمليات العسكرية، داخل كشمير. إلا أن الموقف الأمريكي، كانت آثاره إيجابية في إيقاف التصعيد بين الدولتَين، وتعاونهما على استكمال مهمة القضاء على فلول الإرهاب، في أفغانستان.

وقد شملت التوجهات الهندية- الباكستانية، خلال هذه المراحل أربعة موضوعات، تتعلق بالأمن القومي لكلّ منهما؛ وهي:

أ. إستراتيجية كلّ من الدولتَين في دعم الحرب على الإرهاب.

ب. مستوى التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية على الحرب على الإرهاب.

ج. المحددات الداخلية المؤثرة في قرارات الدولتين.

د. قضية كشمير ن بصفتها عاملاً رئيسياً في استمرار الصراع.

ثانياً: إستراتيجية كلّ من الدولتَين في دعم الحرب على الإرهاب

تأسست إستراتيجية كِلتا الدولتَين على تحقيق أهداف محددة، وهى استقطاب الولايات المتحدة الأمريكية، قائدة النظام العالمي الجديد؛ ومحاولة الحصول على أقصى فائدة، مع حجب أيّ مميزات عن الطرف الأخر؛ وكذلك تأكيد الأمن القومي لكلّ دولة؛ ومحاولة السيطرة على الأوضاع الداخلية، حتى لا تنتقل تداعيات الحرب إلى أيّ منهما

وقد تميزت الفترة الزمنية، المتاحة لكِلتا الدولتَين، باتخاذ قرارها على عجل؛ ما أدى إلى ازدياد عامل المفاجأة والتهديد، وخاصة مع الغموض، الذي اكتنف هذه المرحلة، والناجم عن نيات واشنطن. وقد حددت كلّ منهما إستراتيجيتها، من المنظور الآتي:

1. الإستراتيجية الباكستانية

كان موقف باكستان هو الأصعب، في مجال الحرب على الإرهاب، التي كانت حَوْمَتها على طول حدودها الشمالية والشمالية الشرقية، المتاخمة لأفغانستان. كما أن الأعراق الباكستانية ـ الأفغانية متداخلة، على الحدود بين البلدَين. والدين الإسلامي يجمعهما. ناهيك بأن باكستان تحاول إفراغ أيّ موقف هندي من دعم الحرب على أفغانستان من مضمونه؛ حتى لا تحقق نيودلهي مكاسب على حساب إسلام آباد. وقد وفر قرار الرئيس برويز مشرف، في 20 سبتمبر2001، استعداد بلاده للتعاون الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، عمقاً إستراتيجياً مهماً للهجمات العسكرية لقوات التحالف الدولي، في أفغانستان وهو ما قد يغني التحالف، ليس عن التعاون مع روسيا، فقط؛ بل مع دول آسيا الوسطى كذلك، في حالة تدخُّل موسكو لمنع تعاون تلك الدول معه. والجديد بالذكر، أن القرار الروسي، التعاون مع التحالف الدولي، جاء بعد ثلاثة أيام فقط على القرار الباكستاني.

وقد تحددت الأهداف الإستراتيجية الباكستانية بالآتي:

أ. تأمين البلاد، ودرء الأخطار الخارجية عنها.

ب. محاولة الاستفادة من الأزمة، من أجل النهوض بالاقتصاد الباكستاني ودعمه.

ج. تحقيق الأمن المطلق لترسانة باكستان: النووية والصاروخية، وتجنيبها أيّ تهديدات محتملة.

د. حماية المصالح الباكستانية، في ما يتعلق بقضية كشمير. وإحباط محاولات الهند إقحام هذه القضية في مجال الحرب على الإرهاب.

وقد حددت باكستان الآليات لتحقيق أهدافها الإستراتيجية بالآتي:

أ. قبول التعاون الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية على الحرب على تنظيم القاعدة، وحركة طالبان، في أفغانستان. وتقديم تسهيلات كبيرة لها، أدت إلى نجاح الحملة الأمريكية. وتمثلت أهم عوامل الدعم في الآتي:

(1) تبادل المعلومات الاستخبارية، عن طالبان وتنظيم القاعدة، وهي معلومات متوافرة لباكستان وتفتقدها الولايات المتحدة الأمريكية.

(2) السماح باستخدام المجال الجوي الباكستاني. وكان لذلك أهميته القصوى، إذ تنطلق الطائرات من حاملاتها الأمريكية، الراسية في المحيط الهندي، أو بحر العرب، عبْر باكستان لتغِير على أهدافها في أفغانستان. كما تتخذ القاذفات الأمريكية، المتمركزة في قاعدة "ديبجو جارسيا"، الطريق نفسه.

(3) توفير الدعم اللوجيستي للقوات الأمريكية في أفغانستان، وذلك من خلال وسيلتين:

(أ) استخدام الموانئ الباكستانية، والأرتال البرية، في إيصال ما تحتاجه القوات الأمريكية في أفغانستان.

(ب) تخصيص قواعد جوية باكستانية (شمالي باكستان) لاستخدام القوات الجوية الأمريكية. وقد اختلفت الآراء في مدى كثافة استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لهذه القواعد، في عمليات عسكرية في أفغانستان.

ب. السؤال الذي يطرح نفسه، في هذا المجال: لماذا كلّ هذا الدعم الباكستاني للولايات المتحدة الأمريكية، في حربها في أفغانستان؟ علماً بأن الحرب تؤثر تأثيراً مباشراً في الأمن القومي الباكستاني؟!

وقد كشف الرئيس الباكستاني، "برويز مشرف"، عن ذلك، بعد خمس سنوات، إذ أعلن، أثناء زيارته الولايات المتحدة الأمريكية، في سبتمبر2006، "أن وزير الخارجية الأمريكي، وجّه إليه، قبل شن الحملة على أفغانستان، تهديداً مباشراً، بأنه إن لم تستجيب باكستان للمطالب الأمريكية، فستجبر على ذلك". وكان في تقديره، أن أمن باكستان، لا يحتمل المزايدة؛ لذلك، وافق على تلك المطالب.

وعلى ذلك، فقد تأسس الموقف الإستراتيجي من الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال الآتي:

(1) عدم الرغبة في وصف باكستان بالدولة الراعية للإرهاب.

(2) تجنُّب التبعات السلبية، التي يمكن أن تنجم عن رفض التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتحالف الدولي المناهض للإرهاب.

(3) حرمان الهند ما يمكن أن تجنيه من إيجابيات، في حالة انحياز باكستان إلى المعسكر المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية، والتحالف الدولي.

(4) محاولة دفع الولايات المتحدة الأمريكية -في مرحلة لاحقة- إلى إقناع الهند بالدخول في مفاوضات أكثر جدية في شأن كشمير.

(5) الاستفادة - قدر الإمكان- من الموقف في جذب المساعدات: الأمريكية والغربية؛ بهدف دعم الاقتصاد الباكستاني؛ وإلغاء العقوبات المفروضة على باكستان، منذ عام 1998.

(6) ضمان موقف قوي من الترتيبات الخاصة بمستقبل السلطة في أفغانستان، إذ تهتم باكستان اهتماماً كبيراً بأن يكون لها دور رئيسي في احتواء السلطة الأفغانية المقبلة؛ نظراً إلى تأثيرها في الأمن القومي الباكستاني، وما تمثله من عمق إستراتيجي لباكستان.

ج. حدد الرئيس برويز مشرف الأهداف الإستراتيجية لباكستان، في أفغانستان، في خطبته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نوفمبر2001، بالآتي:

(1) منع حدوث فراغ في السلطة، يؤدي إلى حالة من الفوضى، عقب سقوط طالبان.

(2) استقرار أفغانستان وأمنها هدف، يتطلبه استقرار المنطقة، وتستدعيه مصالحها الحيوية، وخاصة المصالح الباكستانية.

(3) توفير ظروف أفضل لاستقبال 3 ملايين لاجئ أفغاني، يعيشون في باكستان.

(4) إنشاء صندوق دعم، تحت إشراف الأمم المتحدة؛ لإعادة تأهيل وإعمار أفغانستان، والمناطق المتضررة من الحرب

(5) تأكيد عدم المساس بأمن البرنامج النووي الباكستاني، أو عدم تعريض الترسانة الصاروخية الباكستانية لأيّ أخطار، سواء من الولايات المتحدة الأمريكية، أو من الهند، في حالة استغلال نيودلهي للموقف المتصاعد.

د. ونظراً إلى ما تشكله كشمير من أهمية، في استمرار الصراع في منطقة شبه القارة الهندية؛ وحؤولاً دون استغلال الهند لهذه المشكلة، متذرعة بأنها منطقة يسودها الإرهاب؛ ما قد يحمل واشنطن على توجيه الآلة العسكرية الأمريكية تجاهها؛ فقد حدد الرئيس الباكستاني أهداف إستراتيجية الباكستانية تجاه قضية كشمير بالآتي:

(1) التمسك بالثوابت الباكستانية، المتعلقة بالتأييد: السياسي والمعنوي، للثوار الكشميريين، من أجل حصولهم على حق تقرير المصير.

(2) دعوة الهند لوقف أعمال العنف، في الشطر الخاضع لسيطرتها؛ وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، في بشأن كشمير؛ والتوصل إلى حل عادل، ودائم، للأزمة.

(3) إدانة باكستان لأيّ أعمال إرهابية في المنطقة، وخاصة العدوان على البرلمان المحلي في جامو وكشمير، في الأول من أكتوبر 2001.

2. الإستراتيجية الهندية

اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، مثلت فرصة نموذجية لسياسة الهند في المنطقة؛ إذ إن الاتهام الأمريكي، وجّه إلى نظام طالبان (صنيعة عدوها الأول، باكستان)، وإلى تنظيم القاعدة. وهو أمر، أدركت الهند، مبكراً، أهمية تسخيره لتحقيق مكاسب، في مواجهة حركة المعارضة المسلحة في كشمير. فأغفلت تحفّظها المبدئي من نسج علاقات أمنية مباشرة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبادرت أجهزتها الاستخبارية إلى عرض التعاون مع نظيرتها الأمريكية. وتلقفت واشنطن هذا العرض، واتخذته مَفْزَعَة لباكستان، إن هي لم تستجب المطالب الأمريكية، عبر تهديدها، في حالة الرفض، بالتعاون الأمريكي المطلق مع الهند، ودعم موقفها من قضية كشمير، وربما التعاون، في صورة ثلاثية، تشمل الهند وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، على تحييد البرنامج النووي الباكستاني.

وعلى ذلك، فقد حاولت الهند، في تطبيق إستراتيجيتها، الحصول على أكثر مكاسب ممكنة، وضمان الدعم الأمريكي، مستقبلاً، لتحقيق أهدافها في المنطقة، بصفتها قوة كبرى فاعلة؛ فضلاً عن استغلال التوجه الأمريكي إلى الحرب على الإرهاب، من أجل إيجاد حلول لمشكلة كشمير، والقضاء على الفصائل، التي تدعمها باكستان، وتنفذ عمليات ضد الهند، على أساس أنها منظمات إرهابية.

وقد تأسست الإستراتيجية الهندية على الإدانة الكاملة للهجمات الإرهابية في 11سبتمبر2001. ورأت الهند أنها هي والولايات المتحدة الأمريكية في قارب واحد، وكانت قد أعلنت "أن الولايات المتحدة الأمريكية والهند شريكان طبيعيان، بكونهما أكبر ديموقراطيتَين؛ وأن كِلْتَيْهما تعرضت لسقوط ضحايا، على يد تنظيم القاعدة، في أحداث 11سبتمبر2001. ولم يتردد رئيس الوزراء الهندي، "أتاري فاجباي"، في وصف الضحايا الهنود، الذين سقطوا في أحداث برج التجارة العالمي، في نيويورك، بأنهم: "أبناؤنا الذين كانوا يستعملون عبقريتهم في توحيد الهند والولايات المتحدة الأمريكية، وسعيهم المشترك لتحقيق مستقبل، يعمه السلام".

وقد تحددت الإستراتيجية الهندية بالآتي:

أ. الإدانة الكاملة للإرهاب، والدعم غير المحدود للحملة عليه، وتطبيق مبدأ المواجهة الشاملة معه.

ب. المناداة بتوقيع دول العالم معاهدة شاملة، للتصدي للإرهاب؛ وعقد مؤتمر دولي، لمكافحته.

ج. رفض مبدأ أن الدين، يحض على الإرهاب؛ إذ إن الهند، فقدت اثنَين من رؤساء وزرائها، على يد إرهابيين، ليسوا من المسلمين ( وفي هذا، فهي حاولت عدم استثارة الدول: العربية والإسلامية، ضدها).

د. تضخيم الدعاية ضد ثوار كشمير. وحث الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام نفوذها وقوّتها في القضاء على المنظمات الإرهابية، التي تتخذ كشمير قاعدة لها، وتضر بأمن الهند. وقد نجحت نيودلهي في ذلك، من خلال إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، أن جماعتَي "جيش محمد"، و"عسكر طيبة"، هما جماعتان إرهابيتان؛ وأنها قد حجرت عليهما في أرصدتهما.

هـ. الدعم الكامل للولايات المتحدة الأمريكية، في حربها في أفغانستان، وتقديم مساعدات لقواتها، والتنسيق معها في العديد من المجالات؛ ما أدى إلى نتائج إيجابية، حصدتها الهند، على حساب جارتَيْها: باكستان والصين. وكان التنسيق في المجالات الآتية:

(1) المعلومات الاستخباراتية، وخاصة ما يتعلق بطالبان وتنظيم القاعدة.

(2) تأمين الأسطول الأمريكي، العامل في المحيط الهندي، وبحر العرب، قبالة الشاطئ الباكستاني.

(3) زيادة التعاون الأمريكي ـ الهندي، في المجال العسكري، من خلال توقيع اتفاقية التعاون الثنائي المتبادل، في مجال المساعدات القانونية. وهو ما عَدَّته الهند خطوة مهمة في التعاون الثنائي على مكافحة الإرهاب.

(4) فتح مجال مبيعات السلاح الأمريكي للهند، وإقامة تعاون دفاعي بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، في منطقة جنوب شرقي آسيا.

(5) تحقيق مكاسب: سياسية ومعنوية، في أفغانستان، بعد الحرب، تتمخض بها مواقف نيودلهي، سواء من حركة طالبان، في أفغانستان؛ وحركات المقاومة، في كشمير. كما أن الهند تسعى إلى استمالة أفغانستان – والتي تُعَدّ عمقاً إستراتيجياً لباكستان؛ فتحرم إسلام آباد ذلك العمق.

(6) المشاركة في إعادة إعمار أفغانستان، بعد الحرب؛ ما يسهم في دعم الاقتصاد الهندي.

و. تركيز الجهود في دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إلغاء العقوبات، التي فرضتها على الهند، عام 1998. وسرعان ما أدى ذلك إلى إعادة التوازن للاقتصاد الهندي، الذي واجه صعوبات، بعد أحداث 11سبتمبر2001، نجمت عن التضخم وتباطؤ التنمية، وارتفاع أسعار البترول، وتقلص تدفقات الاستثمار الأجنبي، والتي سادت العالم، في أعقاب الأحداث، واستمرت فترة غير قليلة.

ثالثاً: التعاون الهندي - الباكستاني - الأمريكي على محاربة الإرهاب

تطبيقاً للإستراتيجيات: الهندية والباكستانية، يمكن القول إن الدولتَين، تعاونتا تعاوناً كاملاً مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب، وخاصة في العمليات العسكرية في أفغانستان؛ إلى جانب محاولات التهدئة في منطقة كشمير، وتأكيد إجراءات الأمن الداخلي، واقتلاع جذور الإرهاب، وسن القوانين المنظمة لذلك.

وقد استمر التعاون طوال فترة الحرب في أفغانستان، والمستمرة حتى الآن. وعلى الرغم من تضحيات باكستان، للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، في هذا المجال، فإن الحصاد الأوفر، كان من نصيب الهند. ويمكن تحديد الإستراتيجية، التي اتبعتها الدولتان، لتحقيق التعاون مع واشنطن بالآتي:

1. مستوى التعاون الباكستاني

أ. سخّرت باكستان جميع إمكانياتها لتحقيق أكبر نجاح للحملة الأمريكية على أفغانستان، إذ فتحت مجالها الجوي، وسمحت للطيران باستخدام العديد من مطاراتها الداخلية.

ب. أحكمت القوات الباكستانية قبضتها على المناطق الحدودية مع أفغانستان، لمنع تقديم أيّ مساعدات لمقاتلي طالبان أو القاعدة. كما أحكمت السيطرة على المناطق، ذات الأغلبية العرقية الممتدة جذورها إلى أفغانستان.

ج. لم تحكِم باكستان سيطرتها على الأوضاع في كشمير- بقصد أو بدون قصد- ما أدى إلى بعض الحوادث المؤثرة في الهند.

2. مستوى التعاون الهندي

أ. اتَّبعت الهند إستراتيجية التعاون المطلق مع الولايات المتحدة الأمريكية، في كلّ المجالات.

ب. حاولت الحكومة الهندية تمرير قانون مكافحة الإرهاب "Poto"، من خلال البرلمان الهندي، حيث واجهته الأحزاب المعارضة مواجهة شديدة؛ بل اتهمت الحزب الحاكم، "بهاراتيا جاناتا"، بتدعيم شعبيته، تمهيداً للانتخابات التشريعية، التي ستجري عام 2002.

ج. واجهت الهند الأحداث المتصاعدة بإجراءات عنيفة، على أساس أنها حوادث إرهابية.

د. أصرت الهند على أن الأزمات في كشمير أمر داخلي، تؤثر فيه أطراف خارجية (باكستان). ومن ثَمّ، فقد حثت نيودلهي واشنطن على التأثير في إسلام آباد؛ لمنع تدخُّلها؛ وإنما حفْزها إلى ضرب الجماعات الإرهابية، الضالعة من تلك الأزمات.

رابعاً: المؤثرات الداخلية في قرارات الدولتَين

لم تكن الإستراتيجيات، التي اتخذتها الدولتان في مواجهة الحرب على الإرهاب، بالشيء الهين؛ إذ إن الحرب على أفغانستان، أثارت النعرة: القبلية والعقائدية، داخل باكستان، التي يمثل "البشتون" 15% من إجمالي سكانها. وفى الوقت نفسه، كان هناك عداء ما بين طالبان والحكومة الهندية، انعكست آثاره على المواجهات وأعمال الانتقام، التي اضطلع بها بعض الجماعات الثورية، في كشمير.

1. المؤثرات الرئيسية، في باكستان

ا. الضغط على الحكومة الباكستانية، بمظاهرات، وإجراءات مقاومة، رعتها الجماعات المؤيدة لحركة طالبان، للتنديد بالتأييد الحكومي للقوات الأمريكية ومساعدتها على حربها على أفغانستان.

ب. اتخاذ الحكومة الباكستانية إجراءات عنيفة، للتصدي لحالة الفوضى على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية. وإصدار الرئيس الباكستاني أوامره بتحديد إقامة ثلاثة من الزعماء الدينيين المتشددين، ممن كانت لهم علاقات وطيدة بطالبان والقاعدة.

ج. قبول الرئيس الباكستاني تعديل مناهج المدارس الدينية، والتعليم الديني، بما ينزهها أن تكون مصدراً للقلاقل السياسية، وأعمال العنف، في البلاد، مستقبلاً.

د. مطاولة إجراءات الرئيس الباكستاني العديد من قادة الجيش والاستخبارات، ممن كانت لهم علاقة بطالبان أو القاعدة، أو اتصفوا بالتشدد الديني، إذ استُبْدِل بِهِم آخرون، من أصحاب الرؤى والأفكار المعتدلة -من وجهة نظره-.

هـ. إبراز الميزات، التي حصلت عليها باكستان، نتيجة لتعاونها، في مجال الإرهاب، وخاصة الميزات الاقتصادية، والمعونات، الأمريكية لباكستان، وقدرها 379 مليون دولار، في هيئة منح وقروض طويلة الأجل؛ مع إعادة جدولة القروض الباكستانية.

و. تنكّر الرئيس الباكستاني للإصلاحات الداخلية، التي كان وعد بها، لدى تولية السلطة. لا، بل إنه استبدل بها قمعاً داخلياً، وإجراءات أمنية، وتسقّطاً لنتائج غزو أفغانستان، ولاسيما انحسار ثقة غالبية الشعب الباكستاني بقيادتهم، والذي انعكس، فيما بعد، في العديد من محاولات اغتيال الرئيس برويز مشرف.

2. المؤثرات الرئيسية، في الهند

أ. عانت الهند، بصفتها دولة ديمقراطية، تداعيات الأحداث، سواء نتيجة لانعكاسات الحرب على الإرهاب، واشتعال الحرب في أفغانستان من جانب؛ أو الأحداث الإرهابية، في الأول من أكتوبر، والثالث عشر من ديسمبر 2001، والتي أتاحت الفرصة للأحزاب المعارضة، كي تتهم الحكومة بالعجز عن إدارة الأزمة، والقصور عن استغلال الموقف الدولي في القضاء على المنظمات الإرهابية في كشمير. واستطراداً، فقد نشطت تلك الأحزاب للحيلولة دون تمرير قانون مكافحة الإرهاب، في البرلمان الهندي؛ على أساس أنه يحوي مواد، يمكن أن تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات في البلاد. وفي الوقت نفسه، زاد عمق الخلافات بين الحكومة والمعارضة استعدادُهما لخوض انتخابات الولايات، التي ستجرى عام 2002.

ب. حاولت الحكومة إبراز المميزات، التي حصلت عليها، نتيجة لإلغاء الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات، التي كانت فرضتها على الهند، عام 1998، في أعقاب التجارب النووية. ولكن هذه المبررات، لم تقنع رجل الشارع الهندي، نتيجة التداعيات الاقتصادية، التي أفرزتها أحداث 11سبتمبر 2001، وأدت إلى انحسار الاقتصاد العالمي، بمجالاته الواسعة، وازدياد التضخم، والتي عكست آثارها على سوق العمل، والأسعار، والتنمية الشاملة.

خامساً: كشمير تستديم الصراع الهندي – الباكستاني

مسألة كشمير، تمثل لب الصراع الهندي- الباكستاني. وطالما بذل الأطراف كافة الجهود في حلها أو تهدئتها. وكانت في طليعة أولويات اللقاءات والمؤتمرات، في المستويات المختلفة، بين الهند وباكستان. بيد أن كل ذلك، لم يؤثر في مسار الأزمة الكشميرية؛ لا، بل إنها باتت وضعاً تاريخياً في صراع البلدَين.

وقد حاولت الهند، إبّان الحرب في أفغانستان، إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بأن ما يحدث في كشمير، هو إرهاب؛ وأن ابن لادن وطالبان، يمتد نفوذهما إليها، وقد تصبح ملاذاً لرجالهما، بعد فرارهم من أفغانستان. إلاّ أن واشنطن، لم تحاول توسيع مجال الحرب، ليطاول كشمير؛ وذلك لعدة أسباب:

1. تجنُّب استثارة باكستان، حليفتها الرئيسية في الحرب؛ إذ إن الدعم الباكستاني للقوات الأمريكية، التي تقاتل في أفغانستان، مطلب أمريكي إستراتيجي مهم، يجب الحفاظ عليه.

2. الحؤول دون اتساع مجال الحرب إلى مناطق جبلية وعرة، لم تتمكن الهند، على إمكانياتها من السيطرة عليها؛ فوصول القوات الأمريكية إليها، يعني تورطها فيها.

3. مسالة كشمير مسألة إقليمية، لا تتجاوز آثارها منطقتها. وهى تمثل صراعاً بين دولتَين، يمكن تخطيه، إذا رغبت أطرافه المتعددة في ذلك. ومن ثَمّ، فهي ليست اهتماماً أمريكياً، في مجال الحرب على الإرهاب.

4. عزوف الولايات المتحدة الأمريكية أو التحالف الدولي، عن إدارة العمليات العسكرية على جبهتَين، في وقت واحد، يتميز كلّ منهما بأن مسرح عملياته جبلي، حيث يصعب عمل القوات البرية؛ إضافة إلى أن الوصول إليه، سيكون عبْر باكستان، التي سترفض ذلك، بالتأكيد؛ أو عبْر الهند، وهو ما سوف تتصدى له باكستان؛ وفي النهاية، سوف يكون الخاسر هو الولايات المتحدة الأمريكية، في كلّ الحالات.

5. قضية كشمير، يشوبها الخلط بين شرعية الكفاح المسلح لتقرير المصير، وهو ما تعلنه الجماعات المسلحة الكشميرية، وتساندها باكستان؛ وبين الاتهامات الهندية، بأن تلك الجماعات، ليست إلا منظمات إرهابية، تحاول النيل من استقرار الهند والتأثير فيها، بصفتها أكبر دولة ديموقراطية في المنطقة. وتستند نيودلهي في ذلك إلى الاعتداءات على البرلمان الهندي، وبرلمانات الأقاليم في كشمير؛ والحوادث اليومية المتفرقة، من اغتيالات واعتداءات على المنشآت وخلافه.

سادساً: الإستراتيجية الهندية، في كشمير، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001

استغلت الهند أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما أعقبها من تغيير في اهتمامات النظام العالمي الجديد، والتي تصدرتها مسألة محاربة الإرهاب؛ وأصبح واضحاً للجميع، أن تيار إدانة العنف المتصف بالإرهاب، هي إدانة عالمية تتفق عليها كلّ الأطراف الدولية. ومن ثَمّ، فقد سعت الهند، في إستراتيجيتها، إلى تحقيق الآتي:

1. إضعاف الموقف الباكستاني، المرتبط بدعم الجماعات الإسلامية المتشددة، في كشمير. ومحاولة إبعاد باكستان عن الحملة الأمريكية؛ لأنها دولة مناصرة للإرهاب، في كشمير وأفغانستان.

2. السعي إلى فتح قنوات، لمحاورة المقاومة الكشميرية؛ عسى أن يمكِن استبدالها بالأحزاب المتشددة، في الانتخابات المقبِلة، مثل حزب المجاهدين، الأمر الذي يضمن لها سيطرة مستقرة في الإقليم.

3. المطالبة بإلغاء قرار مجلس الأمن الدولي، الصادر في 24 يناير1975، والقاضي "بعدم الاعتراف بضم الهند لإقليم كشمير، بقوة السلاح".

4. مواصلة الضغط السياسي على باكستان، من أجل إجبارها على التخلي عن قضية كشمير. وهو ما اتضح جلياً بإعلان نائب رئيس الوزراء الهندي، "لاي كرشنا أدفاني" في كلمة أمام البرلمان الهندي، بأنه "يجب على المجتمع الدولي، أن يعلن باكستان دولة إرهابية، إن لم تفِ بتعهداتها، وتدمر معسكرات تدريب المقاتلين الإسلاميين، الذين لا يزالون على أراضيها".

والمعنى نفسه، كرره رئيس الوزراء، "فاجباى"، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 13سبتمبر 2002، بقوله: "كيف تدّعى باكستان أنها شريك مهم في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وتواصل استخدامه في سياستها ضد الهند!".

5. نجاح إستراتيجية الهند، إلى حدّ ما، في الربط ما بين المقاومة في كشمير، ودعمها الباكستاني؛ الأمر الذي أدى إلى أن تذكر جريدة "الواشنطن بوست"، في افتتاحية عددها في 11 فبراير 2002، أن الخطوة المقبلة، في الحرب على الإرهاب، يجب أن تكون في باكستان؛ لمواجهة جماعات الإرهاب، التي تتهمها الهند بالاعتداءات على البرلمان.

6. حشْد الهند حشداً شبه دائم نحو نصف قواتها المسلحة، في منطقة كشمير والحدود مع باكستان. وتقدر إسلام آباد الحشود الهندية بنحو 600 ألف جندي. وتنفي نيودلهي ذلك. وتسعى الهند، باستمرار،، إلى الحؤول دون بلوغ الصراع مع باكستان درجة اللاعودة؛ حتى تتجنب حرباً نووية، في منطقة جنوب شرقي آسيا.

سابعاً: الإستراتيجية الباكستانية، في كشمير

نجحت الضغوط: الأمريكية والهندية، في آن واحد، في حَمْل باكستان على تغيير إستراتيجيتها، في شأن كشمير، لتصبح أكثر مجانسة للحملة الدولية على الإرهاب، وخاصة في أعقاب زيارة "مشرف" واشنطن، في 19 فبراير2002، والتي حاول أن يمارس خلالها قدراً من الضغط والمداورة، مع حليفه الأمريكي، الذي لم يبدِ له أيّ رغبة جادة في مساعدته. وهو ما عَدّه الرئيس الباكستاني تخلياً من واشنطن عنه، وجحوداً بجهوده في حربها على الإرهاب. ثم جاءت، في 14يونيه 2002، عملية اقتحام معسكرات الجيش الهندي، في جامو، والتي أدت إلى مصرع العشرات من جنوده، وارتفاع حالة التوتر إلى ذروتها، على جانبَي خط السيطرة، في إقليم كشمير. ناهيك باتهام الهند باكستان بتدبير هذا الحادث، وشروعها في اتخاذ العديد من الإجراءات الصارمة، مثل: إبلاغ السفير الباكستاني مغادرة البلاد، وتقليص البعثة الدبلوماسية الباكستانية في نيودلهى، ومنع الطائرات الباكستانية من العبور فوق أراضى الهند؛ إلى جانب رفع حالة الاستعداد، واستدعاء الاحتياطي. وجارت باكستان جارتها اللدّاء؛ ما أدى إلى استنفار نحو مليون جندي، على جانبَي الحدود الهندية- الباكستانية؛ وهو ما أخطر الأمن في المنطقة، وأحرج الولايات المتحدة الأمريكية، الموجودة في مسرح الأحداث، من دون سيطرة منها عليه؛ فبادرت إلى الضغط على باكستان، التي اضطرت إلى اتخاذ العديد من الإجراءات، منها:

1. العمل على إزالة التنظيمات المسلحة، التي تعمل ضد الهند، سواء في كشمير وباكستان.

2. تنفيذ حملات دهم واعتقالات لأعضاء الجماعات الإسلامية، المتورطة في أعمال إرهابية.

3. حظر التعامل مع الجماعات الكشميرية، التي أدرجتها وزارة الخارجية الأمريكية في لائحة المنظمات الإرهابية، وفى مقدمتها منظمة "جيش محمد".

4. منع عمليات التسلل، عبْر حدودها، إلى منطقة كشمير، التي تسيطر عليها الهند.

5. إغلاق ما يراوح بين 50 و60 معسكراً للمنظمات المسلحة في كشمير. وإجبار العديد من المنظمات الأخرى على إغلاق معسكراتها.

ثامناً: مواقف القوى الكشميرية

أثبتت أحداث العقود الخمسة الماضية، أن حل القضية الكشميرية، لا يقتصر على اتفاق طرفَي الصراع: الهند وباكستان، بل يشمل البعد الداخلي، المتمثل في المئات، من الحركات والأحزاب والجماعات الكشميرية، سواء الموجودة داخل كشمير وتلك التي خارجها، وخاصة من باكستان. ويتوزَّع تلك القوى اتجاهان:

1. الاتجاه الأول: هو الاتجاه القومي العلماني، المنادي بالانضمام إلى الهند. والقائل بأن إجراء انتخابات، في الجزء الهندي من كشمير، يُعَدّ خطوة أولية نحو الحكم الذاتي، بل نقطة تحوُّل في المسألة الكشميرية. وقوام هذا الاتجاه أحزاب، علاقاتها بالهند وطيدة، مثل: حزب المؤتمر الوطني الكشميري، وهو الحزب الحاكم في كشمير الهندية؛ وحزب المؤتمر القومي الهندي؛ وحزب "بهاراتيا جاناتا".

2. الاتجاه الثاني: هو الاتجاه المنادي بضرورة الاستقلال عن الهند. ويضم، وفقاً للمصادر الأمنية الهندية، 158 منظمة، تنقسم في تحقيق الاستقلال بين خيارَين مختلفَين:

أ. الخيار الأول: يدعو لإعلان كشمير مستقلة، لا علاقة لها بالهند ولا بباكستان، إلا من خلال تعاون الجوار فقط. وعماده: جبهة تحرير جامو وكشمير، المؤتمر الشعبي، الجبهة الشعبية الديموقراطية).

ب. الخيار الثاني: ينادي بضم كشمير إلى باكستان. ويؤيده كثير من الجماعات والتنظيمات، سواء في كشمير وباكستان. وترى هذه القوى، أن حل القضية، يكون من خلال حوار مباشر، وغير مشروط، بينها وبين الحكومة الهندية، وبمشاركة باكستان.

تاسعاً: الرؤية الأمريكية لمسألة كشمير، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومواقف أطراف الصراع منها

رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لمسألة كشمير، تنبثق من يقينها، أن الحرب على الإرهاب، تطاول جميع البؤر والمناطق، التي يمكن أن تصبح مراكز للنشاطات الإرهابية. ومن ثَمّ، تنشط واشنطن للحيلولة دون تحوُّل كشمير إلى أفغانستان أخرى. وتسعى إلى السيطرة على النزاع بين الهند وباكستان؛ خشية اندلاع حرب بينهما، قد تستخدم خلالها الأسلحة النووية. وقد طرحت الولايات المتحدة الأمريكية رؤيتها لحل هذا النزاع، في يونيه 2002، من خلال زيارة مساعد أول وزير الخارجية الأمريكي، "ريتشارد أرميتاج"، نيودلهي وإسلام آباد. وتستند تلك الرؤية إلى مبدأَين:

1. الأول: مطالبة باكستان بمنع الجماعات المسلحة من عبور خط الحدود، الفاصل بين شطرَي كشمير، ومنبع الأنشطة العسكرية الدافقة.

2. الثاني: اعتراف الهند بوجود المشكلة الكشميرية، التي أقرت الأمم المتحدة، عام 1975، بوجودها؛ إضافة إلى النص عليها في العديد من الوثائق الدولية، التي تقر لسكان كشمير بتقرير مصيرهم.

وقد أدى هذا الطرح إلى تصادم رؤى طرفَي الصراع فاتسم الموقف الباكستاني بالتزام وضع حدّ لأعمال التسلل؛ لكنه رفض المقترح الهندي، الداعي إلى تنظيم دوريات مشتركة، على حدود منطقة كشمير المتنازع فيها؛ مطالباً بنشر مراقبين أجانب، على أساس أنه ليس لأيّ دولة أن تكون الخصم والقاضي، في آن واحد.

أمّا الهند، فظلت متمسكة بموقفها الثابت، والمتمثل في أن القضية الكشميرية شأن داخلي، وليست من اختصاص أيّ طرف سوى الحكومة الهندية وحدها. كما رفضت المقترحات الأمريكية؛ لأنها لا تماشي ثوابت سياستها نحو قضية كشمير. وأعلنت، منذ بداية أغسطس 2002، عزمها على إجراء انتخابات تشريعية، في الجزء الهندي من كشمير؛ لاختيار أعضاء البرلمان الكشميري، البالغ عددهم 78 عضواً. ولم يتأتَّ حتى عام 2006، للمسألة الكشميرية حلّها.