إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



الصراع الهندي - الباكستاني

المبحث الثالث عشر

تطورات العلاقات الهندية ـ الباكستانية، في أعقاب غزو أفغانستان

ما إن شرعت الولايات المتحدة الأمريكية تغزو أفغانستان، حتى اتخذت المواقف بين الهند وباكستان منحنًى جديداً، اتسم بتفاوت التوتر بين الدولتَين، والإفصاح عن رغبتهما في مستقبل جديد للعلاقات بينهما. إلا أنه لم يتحقق شيء من تلك الرغبات؛ وإنما تعددت اللقاءات، في المستويات المختلفة، من دون حلول جذرية على أرض الواقع؛ لا، بل ازداد التوتر في بعض الأوقات، وكاد يشعل حرباً بين الدولتَين. وقد توزعت العلاقات بين الهند وباكستان مرحلتان:

الأولى: في ظل حكم التآلف، بقيادة حزب "بهاراتيا جاناتا"، الذي يرأسه رئيس الوزراء "إتال بيهارى فاجباي"،. وسادها التوتر المتفاقم بين الطرفَين، والناجم عن الاتهامات المتبادلة بدعم الإرهاب؛على الرغم من مشاركتهما الحملة الدولية عليه، التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001.

الثانية: كانت في ظل حكم المؤتمر الهندي، الذي فاز في الانتخابات، عام 2004، بقيادة رئيس الوزراء، "فان موهان سينج"، الذي أعلن من الفور دعمه لخطوات السلام، والرغبة في حلول جذرية مع باكستان. غير أنه لم يتحقق شيء من ذلك؛ وإنما استمر الحال على ما هو عليه، بدليل إعلان وزير الخارجية الهندي، في 17 نوفمبر 2006، أن بلاده تمتلك أدلة قوية، ومؤكدة، على تورط وكالات حكومية باكستانية في النشاط الإرهابي، على أراضيها؛ وذلك في إشارة إلى جهاز الاستخبارات الحربي الباكستاني، "ISI". وأضاف أنه غير مقتنع بنفي باكستان لهذا التورط؛ مشيراً إلى أن أيّ دولة، لا يمكن أن تصرح بأنها تجيز النشاط الإرهابي.

إن مشكلة كشمير، تمثل لب الصراع بين الهند وباكستان. وتؤثر تأثيراً مباشراً في العلاقات بينهما، وتتحكم في تفاقهم الأزمات، وعمليات العنف والعنف المضاد. وهي مشكلة تاريخية، أثيرت منذ قرار التقسيم. وتأسس مسارها على تعارض الرؤى بين الهند وباكستان، وتمسك كلّ منهما الدائم بما يراه. فقد رأت إسلام آباد أن كشمير جزء من قرار التقسيم، الصادر عن الأمم المتحدة، عام 1947؛ وأن السبب الرئيسي للمشكلة، يرجع إلى عدم التطبيق الأمين لحق تقرير المصير في الإقليم. وفى المقابل، رأت نيودلهي، أن الإقليم جزء أصيل من الأراضي الهندية، في إطار الهند العلمانية، على أغلبيته الإسلامية؛ وفي إطار المبدأ الهندي: "دولة واحدة وأمّتان".

واعتمدت باكستان، في صراعها مع الهند، على إستراتيجية، قوامها الدعوة إلى المفاوضات المباشرة مع الجانب الهندي؛ وتخفيف حدة الصراع في شأن كشمير، والعمل على تدويله لموازنة ثقل الهند (وهو ما واجه صعوبات كثيرة، بسبب رفض فكرة التدويل)؛ إضافة إلى استمرار دعم حركات التحرر في كشمير.

أمّا الهند، فكان أهم ما اشتملت عليه إستراتيجيتها، في هذا المجال، هو التأكيد أن الإطار الثنائي هو الإطار الوحيد المقبول للتفاوض في شأن كشمير، وقضايا الصراع الهندي – الباكستاني؛ واستدراج باكستان إلى سباق تسلح، و"خاصة في المجال النووي"، يرهق اقتصادها بنفقات وأعباء اقتصادية، تفوق قدراته الحقيقية؛ ما يقوده إلى انهيار مؤكد، في المدى البعيد؛ والعمل على عزل النظام الباكستاني، من خلال اتهامه المستمر بمساندة الإرهاب؛ وكذلك موازنة النفوذ والدور الباكستانيَّين، من خلال العمل على تطوير سلسلة من التحالفات مع العديد من الدول، وخاصة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

أولاً: الأزمات الحادة بين الدولتَين، في أعقاب حرب أفغانستان

تعرضت العلاقات الهندية- الباكستانية لأزمة حادة، في أعقاب حادثَين: أحدهما عاصر الحرب في أفغانستان، والآخر بعد احتلالها.

1. الحادث الأول: في 13 ديسمبر2001، عندما هجم مسلحون على البرلمان الهندي. وفسرت الهند الهجوم بأنه مؤامرة، للقضاء على الزعماء والقيادات السياسية الهندية، وزعزعة الاستقرار في البلاد. واتهمت الاستخبارات الباكستانية بتدبيره. ورفضت إشراكها في التحقيق. وطلبت الهند تسليم 20 شخصاً من الإرهابيين، الذين يناهضونها، وتؤاويهم باكستان. واتخذت إجراءات: دبلوماسية واقتصادية أخرى. وحُشدت الجيوش على كِلا جانبَي الحدود.

وقد استخدم رئيس الوزراء الهندي مفردات الخطاب الأمريكي نفسه، في شأن الحرب على الإرهاب، مثل: التأكيد أن الحرب على الإرهاب، "ستكون، بالضرورة، طويلة الأمد"؛ "واستعداد الشعب الهندي، مثل الشعب الأمريكي، لتحمُّل الآلام، التي قد تترتب على تلك الحرب". وهدد باتخاذ إجراءات منفردة، للقضاء على الجماعات والتنظيمات الإرهابية، داخل خط السيطرة، على الجانب الباكستاني، في حالة عجز إسلام آباد عن الاضطلاع بالتزاماتها، أو الوفاء بتعهداتها.

في المقابل، اتسم الرد الباكستاني بالجمع بين محاولة التجاوب مع الضغوط: الهندية والأمريكية، من ناحية؛ وتأكيد ثوابت الموقف الباكستاني من كشمير. أضف إلى ذلك العديد من الإجراءات، في مقدمتها إدانة الإرهاب بصوره المختلفة، ورفض اتخاذ الأراضي الباكستانية قاعدة لأيّ نشاط إرهابي، وحظر تحركات خمس جماعات إسلامية، من بينها جماعتا "جيش محمد، وعسكر طيبة"، اللتان اتهمتهما الهند بتدبير الهجوم. زد على ذلك مبادرة باكستان إلى حملة اعتقالات، شملت ألفَي شخص، بحلول يوليه 2002.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس الباكستاني، أكد التزامه الدعم: السياسي والمعنوي، لحركات التحرير الكشميرية. ورفض تسليم أيّ شخص إلى الهند.

2. الحادث الثاني: في 14 مايو 2002. تلا الزيارة الخائبة للرئيس الباكستاني، برويز مشرف، إلى واشنطن، في فبراير2002. وقد رأى بعض المحللين، أن خيبتها تمخضت به. أمّا الحادث نفسه، فهو هجوم على إحدى الحافلات، التي كانت تقلّ عسكريين هنوداً، في أحد المواقع العسكرية، داخل كشمير الهندية؛ وأودى بحياة 35 شخصاً. وقد كررت الهند السيناريو السابق نفسه؛ فضلاً عن طرد السفير الباكستاني، وتخفيض أعداد البعثة الدبلوماسية الباكستانية في نيودلهي.

وفي كِلا الحادثَين، حاولت كل من الهند وباكستان إقحام الولايات المتحدة الأمريكية في المشكلة، واستغلال المتغيرات في مصلحتها. إلا أن واشنطن كانت حريصة على عدم اتخاذ موقف في مصلحة جانب دون الآخر. غير أنها سخَّرت جهودها للحيلولة دون تأثير الأحداث في مهمتها الرئيسية في أفغانستان، أو نشوء صراع جديد، لم تحسب حسابه.

وفى المجال عينه، فإن الطرفَين: الهندي والباكستاني، أكدا عدم استعدادهما للجوء إلى السلاح النووي، في البداية. كما أبرزا حسن النية، والرغبة عن اللجوء إلى الحرب. ومُسَاوَقَةً لهذا التوجه، أدلى وزير الدفاع الهندي بتصريح، إبّان الأزمة، "أكد فيه تصريحات رئيس وزراء بلاده، والتي تبرز عدم رغبتها في البدء باستعمال السلاح النووي. وأكد أن بلاده لديها ميثاق نووي، ينص على أنها لن تكون هي البادئ باستخدام هذا السلاح، وأنها لن تستخدمه ضد أيّ دولة غير نووية. كما أنها تَعُدّه مجرد رادع، ليس أكثر. وفي المقابل، طالما أكد الرئيس الباكستاني، برويز مشرف، خلال تفاقم الأوضاع على جانبَي خط السيطرة في كشمير، أن بلاده لا تميل إلى استخدام السلاح النووي؛ ولن تكون البادئ باستخدامه، لكنها، قد تلجأ إلى استخدامه، إذا ما استدعى بقاؤها ذلك.

ثانياً: الرغبة في التهدئة

بدأ التحول في العلاقات الهندية- الباكستانية، منذ النصف الأول من أكتوبر 2002؛ نتيجة للانتخابات، التي أجريت في كلّ من باكستان، وولاية جامو وكشمير، الخاضعة للسيطرة الهندية. فقد أسفر عنها، في باكستان، فوز "جناح قائد أعظم " أو حزب الرابطة الإسلامية، الموالي للرئيس مشرف، بالمرتبة الأولى. يليه حزب الشعب، المؤيد لرئيسة الوزراء السابقة، "بنظير بوتو". ثم تجمع الإسلاميين. أمّا في كشمير الهندية، فقد تمخضت الانتخابات بتكوين ائتلاف حاكم، من حزبَي الشعب الديموقراطي والمؤتمر المعارض. أكسب هذه الانتخابات أهميتها عاملان:

1. الأول، تسخير النظامَين: الباكستاني والهندي، تلك الانتخابات تسخيراً سياسياً، يسبغ الشرعية على ممارساتهما:

أ. في باكستان، وَفَى الرئيس مشرف بوعده إجراء الانتخابات، بعد أن كان قد اتخذ العديد من الإجراءات، إثر اضطلاعه بالانقلاب عام 2000، والتي استهدفت تمكينه من البقاء في السلطة، رئيساً للدولة؛ وأهمها إجراء 28 تعديلاً، يعزز مجملها سلطانه وصلاحياته، في مواجهة أيّ حكومة مدنية، قد تسفر عنها الانتخابات، التي أجريت في أكتوبر 2002.

ب. في كشمير، توخت الهند أن تحقق تلك الانتخابات عدة أهداف، يزكي بعضها شرعية حكمها للولاية؛ وذلك من خلال إثباتها للعالم قدرتها على التطبيق الديموقراطي الحقيقي فيها، ودحض اتهامات سابقة بتلاعبها بإرادة الناخبين الكشميريين.

2. الثاني، نتائج الانتخابات

أ. في باكستان، تقدَّم الإسلاميون، الذين حصلوا على 59 مقعداً في البرلمان. ويمثلهم ائتلاف مجلس العمل المتحد، الذي يضم ستة أحزاب دينية. وحصل حزب الرابطة الإسلامية على 103 مقاعد، وحزب الشعب على 80 مقعداً.

ب. في كشمير: فَقَدَ حزب المؤتمر الوطني، المتحالف مع الحكومة المركزية، في نيودلهي، سيطرته على حكم الولاية، وانتقل إلى مقاعد المعارضة.

وقد انعكست نتائج هذه الانتخابات على الصراع الهندي – الباكستاني، كالآتي:

أ. في باكستان

(1) افتقار الرئيس إلى الشرعية الكافية – في رأي شعبه، والعديد من الأحزاب الباكستانية- وهو ما عرضه للعديد من الأزمات الداخلية؛ فضلاً عن تعريضه للعديد من محاولات الاغتيال.

(2) التطاحن الحزبي، وعدم احترام قواعد اللعبة السياسية وتنكُّر القيادة السياسية، وقادة الأحزاب المعارضة لقواعد المنافسة السياسية (وهو ما أدى إلى عدم الاستقرار، داخل باكستان نفسها).

(3) التنسيق ما بين الأحزاب الدينية الإسلامية، واكتسابها شعبية في الشارع الباكستاني، اتساقاً مع رفْعها شعارات مناهضة للوجود الأجنبي على أرض باكستان وأفغانستان، ورفْضها الإجراءات الحكومية المناوئة للمؤسسات الإسلامية، و"المجاهدين".

(4) انعكاس هذه النتائج على القرار السياسي الباكستاني، في مواجهة الصراع مع الهند؛ إضافة إلى انعاكسها على التأييد الشعبي لذلك القرار، الذي يَعُدّه الباكستانيون مصيرياً، وهُم الذين فقدوا الثقة بالحكومة، التي وعدتهم بمكاسب، نظير ما ضحت به في سيبل دعم العمليات العسكرية في أفغانستان؛ ثم لم تتحقق هذه الوعود؛ بل ساءت الأحوال، نتيجة للاحتلال الأمريكي لذلك البلد.

ب. في كشمير

فضحت نتيجة الانتخابات الممارسات الفاسدة لحزب الحكومة؛ فأطاحته. لا، بل أجبرت الهند على إعادة تقييم سياستها في كشمير.

ثالثاً: دوافع التهدئة

1. الضغوط الأمريكية على الدولتين، وخاصة في مرحلة غزو العراق، التي استدعت نوعاً من الاستقرار في شبه القارة الهندية وأفغانستان، يجنِّبها التأثر بالصراعات فيهما.

2. محاولة الطرفَين الاستجابة لمطالبة الداخل بتحقيق عوامل النمو، التي تقتضي أن تُخْمِد القيادات السياسية الصراعات الخارجية.

3. استعداد الهند للانتخابات التشريعية، عام 2004، والتي فاز فيها حزب المؤتمر.

4. محاولات نيودلهي الإبقاء على الوضع في كشمير على ما هو عليه، مستغلة الضغوط الأمريكية على باكستان، بمطالبتها بالسيطرة على حدودها، ومنع تسلل المخربين إلى الشطر الهندي من المنطقة المذكورة.

5. وَطْأة الخسائر، التي تتفاقم بتفاقم المشكلة.

رابعاً: التمهيد للتهدئة

على الرغم من استمرار الأحداث الإرهابية، من آن إلى آخر، واتهام الهند باكستان بالتحريض على هذه العمليات؛ إلا أنه في المستوى السياسي، عُقد العديد من اللقاءات والإجراءات بينهما، أهمها:

1. في 29 أبريل 2003، ألقى رئيس الوزراء الهندي خطبة، أثناء زيارته ولاية جامو وكشمير، دعا فيها إلى مرحلة جديدة من الحوار بين الطرفَين، لمناقشة قضاياهما كافة. وقال: "إننا نمد يد الصداقة إلى باكستان، مرة أخرى. وينبغي أن يقرر الجانبان، إذا كانا يريدان العيش في سلام. كما أن هناك ضرورة لتغيير الخريطة في العلاقات الهندية الباكستانية؛ وقد جاء الوقت لهذا التغيير".

وقد لاقت هذه المبادرة صدى في باكستان، حيث أعلن رئيس الوزراء الباكستاني، "أن لديه شعوراً بأنها مبادرة لمرحلة جديدة في حياتنا، قد تفضي إلى نتائج إيجابية، تدخل التاريخ". وقد أجرى رئيسا وزراء البلدَين اتصالاً هاتفياً، لتأكيد عزمهما على هذا التوجه.

2. في 8 مايو 2003، بادر وفد برلماني باكستاني إلى زيارة الهند زيارة غير رسمية؛ لتأكيد حُسن النيات، وتدعيم أواصر الصداقة.

3. مهدت المبادرة الآنفة لعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدَين؛ إضافة إلى عودة المواصلات والاتصالات بيهما. وأكدت باكستان حُسن نياتها، من خلال إفراجها عن 20 بحاراً هندياً، دخلوا البلاد بصورة غير شرعية. وردت الهند بالإفراج عن 130 باكستانياً، كما حظرت إسلام آباد على إسلاميين دخول الشطر الباكستاني من كشمير.

4. في يونيه 2003، زار باكستان وفد برلماني هندي، اقترح إنشاء اتحاد آسيوي جنوبي، يساعد على تقارب الشعبَين.

5. قابلت باكستان المقترح الهندي بمبادرة، استهدفت تحقيق الاستقرار والأمن في شبه القارة الهندية. ودَعَت إلى نزع السلاح النووي، وجعل جنوبي آسيا منطقة خالية منه. وجعلت باكستان تحقيق ذلك، رهيناً بتسوية النزاع في كشمير، وإحلال السلام والأمن في المنطقة، واتخاذ الهند إجراءً مماثلاً.

واستكمالاً لهذه المبادرة، طرحت باكستان، في مؤتمر لنزع السلاح، في جنيف، تابع للأمم المتحدة، "إضفاء الصفة الرسمية على وقف التجارب النووية مع الهند؛ وذلك على أساس أن هذه الاتفاقية، تلزم الجانبَين إبلاغ كلّ منهما الآخر، مسبقاً؛ ما سوف يجريه من تجارب نووية".

واتسعت المبادرة الباكستانية، من خلال دعوة الرئيس الباكستاني إلى إبرام الطرفَين معاهدة "لا حرب" بينهما؛ وذلك بعد تسوية كلّ المسائل العالقة بينهما.

لم يَرَ المحللون الهنود في العرض الباكستاني إلا مناورة، تستهدف تبديد مخاوف واشنطن من برنامج إسلام آباد النووي؛ مع إبقاء القضية الكشميرية حية، ولفت الانتباه إلى أنها تجاوزت كونها قضية ثنائية فقط، لتصبح موضع اهتمام العالم كلّه أجمع.

أمّا في كشمير، فقد قوبلت هذه المبادرة برفض شديد من الجماعات المسلحة، وأهمها جماعة المجاهدين، التي رأت أن خطوة الزعيم الباكستاني، ستضعف كلاًّ من كشمير وباكستان. وأنكر آخرون على مشرف اتخاذه قراراً، نيابة عن كشمير، متسائلين: "من أعطى مشرف هذا الحق؟"؛ وهو ما حمل الرئيس على التراجع عما أعلنه، وقوله: "ينبغي لباكستان والهند تسوية نزاعهما حول كشمير، وفق روح قرارات مجلس الأمن الدولي".

واستكمالاً لإجراءات التهدئة، اتفق الطرفان، عام 2004، على استئناف الرحلات الجوية بين بلدَيهما، والسماح بتحليق الطائرات في أجوائهما؛ واستئناف النشاط الرياضي، بِزيارة فريق الكريكت الهندي باكستان. كما تبادل الطرفان معلومات حول منشآتهما النووية (بموجب اتفاق مطبق منذ عام 1992). كذلك اتفقا على التعاون الفني على إنتاج أفلام سينمائية مشتركة. وكلّ تلك الخطوات، أسهمت في بناء جو إيجابي للقمة، التي عقدها الزعيمان: "فاجباي" و"مشرف" في غضون اجتماعات رابطة دول جنوبي آسيا، "سارك"، عام 2004.

وفي مجال الضغوط الأمريكية على باكستان للاستمرار في إجراءات التهدئة، أثارت واشنطن مسألة تسريب أسرار القنبلة النووية الباكستانية إلى العديد من الدول، وتورط العالم الباكستاني، "عبد القدير خان"، في بيع تلك الأسرار. وقد أحرجت هذه القضية بعض الدول، ولاسيما باكستان، التي أضعف هذا الوضع مواجهتها الهند في صراعهما.

خامساً: الانتخابات الهندية وانعكاساتها على الصراع

أجريت، عام 2004، الانتخابات الهندية. ففاز فيها حزب المؤتمر. وتولى زعيمه، "فان موهان سينج"، السلطة. واجتهد في جعْل الهند قوة عالمية ذات مسؤوليات في النظام العالمي الجديد، تتخطى مسألة الصراع الهندي- الباكستاني. وفي خطبته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عقدت في سبتمبر 2004، حدد الإستراتيجية الهندية، بقوله: "إن علينا جميعاً أن نخرج من شرنقة المألوف، وننفض عنا غبار عادات الفكر الصارمة، ونتقدم إلى الأمام، بثقة، للوفاء بمتطلبات الحاضر والمستقبل. وعلى كلّ منا أن يستعد للاضطلاع بالتزامات جديدة، ومسؤوليات جسيمة، تتصل بحاجات العصر، الذي نعيش فيه. وإن الهند تدرك المسؤوليات التي تنتظرها، ألا وهي الهند التي تتطور، على طريق التحولات الزائدة: الاقتصادية والتكنولوجية والتنموية".

توضح تلك الإستراتيجية، أن الهند اختارت الاقتداء بالنهج الصيني، في التقدم: الاقتصادي والتكنولوجي، بصفتها قوة كبرى في محيطها. ومصداق ذلك هو الانفتاح، وبناء القوة، اللذان تنتهجهما الهند، في الوقت الحاضر؛ لتلحق بالدول المتقدمة، في مستوى العالم. وهو ما يصعب على إسلام آباد اللحاق بنيودلهي، أو إحداث توازن معها. في السياق عينه، سعت الهند إلى إحياء حركة عدم الانحياز؛ لتجعل علاقاتها متميزة بالعديد من دول العالم الثالث، حيث يُرْجَى استهلاك المنتجات الهندية، واستغلال الخامات الدفينة في أراضي الدول المذكورة، وخاصة في إفريقيا. وآية ذلك إنشاء الهند مصنعاً ضخماً في السنغال، لإنتاج الكيماويات؛ بلغت نفقاته 155 مليون دولار. وتصدَّر منتجاته إلى الهند. وهي بذلك، تبعد عنها التلوث البيئي، وتستغل الطاقة الرخيصة المنتجة، في المناطق القريبة من السنغال.

وإمعاناً في تأكيد الرغبة في التهدئة، فقد حرص الرئيس الهندي على توجيه رسائل طمأنة إلى باكستان. والتقى، عام 2005، القطبان: الهندي والباكستاني.

سادساً: المؤثرات الخارجية في اصطراع الهند وباكستان

ليست هذه المؤثرات إلا انعكاساً للمصالح المشتركة، بين كلّ من الهند وباكستان مع دول العالم. وهى تنقسم بين إيجابية وسلبية، وأهمها:

1. العلاقة بإسرائيل

تبدو إسرائيل ورقة رابحة، في العلاقات بأيّ دولة، تُؤْذِن بالتقارب بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كانت الهند وباكستان، قد أسستا، في السابق، علاقاتهما بالدول العربية على أسس وطيدة، فإن العلاقات بأوْلاهما، بدأت تتلاشى، منذ سبعينيات القرن العشرين؛ أمّا الأخرى، فتريثت حتى تسعينياته.

أ. العلاقات الهندية – الإسرائيلية

هي العلاقات الأقدم والأقوى في شبه القارة الهندية. بدأت في أعقاب حرب أكتوبر 1973، بزيارات عسكرية هندية إلى إسرائيل؛ للحصول على خبراتها الناجمة عن تلك الحرب. وفي أعقاب حرب لبنان، عام 1982، سعت الهند إلى الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية، في مجال الاستطلاع الجوي والإنذار المبكر. وخطا التعاون العسكري خطوات سريعة، انعكست على مجالات التعاون الأخرى. وبلغ درجة متميزة، منذ عام 1992، حين وصل ميزان التبادل التجاري الإسرائيلي إلى مائتَي مليون ومليونَي دولار؛ ثم إلى  مليار و600 مليون دولار، عام 2000؛ فمليارَي دولار، عام 2005.

ووقع الجانبان العديد من الاتفاقيات، في المجالات المختلفة، وخاصة المجال الاقتصادي، إذ وقعت 170 اتفاقية للتعاون الزراعي، مع شركات إسرائيلية، لنقل التكنولوجيا الإسرائيلية، في مجال زراعة الصحراء، والري، والمزارع التجريبية، وغيرها.

وتعاون الطرفان، في المجال العسكري، تعاوناً متميزاً، ولاسيما في مجال الطيران، والأسلحة المتقدمة، والإلكترونيات. وقد فاقت قِيمة عقود الهند، لشراء أسلحة إسرائيلية، مليارَي دولار؛ وأهمها صفقة طائرات الفالكون. وبلغت مبيعات إسرائيل من السلاح للهند، عام 2005، 900 مليون دولار. وهناك اتفاقيات للصناعات العسكرية المشتركة بين البلدَين.

يُعْزَى تزايد التعاون الإسرائيلي ـ الهندي إلى العديد من العوامل، أهمها:

(1) احتاجت الهند إلى تكنولوجيات حديثة، تخوِّلها بناء قوّتها على أسس فائقة. وقد وجدت ضالتها في إسرائيل، التي زودتها بأسلحة وتكنولوجيات متقدمة؛ فكانت بديلاً من الاتحاد السوفييتي السابق، وخاصة بعد تراجع روسيا، في تسعينيات القرن العشرين، وانكفائها على مشكلاتها الداخلية.

(2) اتخذت الهند إسرائيل معبراً إلى التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت هي نفسها راغبة في استمالة الهند.

(3) رغبت إسرائيل في تعاون نووي مع الهند، يدعم قدرتها، ويتيح لها الاطلاع على التكنولوجيات الهندية، في هذا المجال. وفى الوقت عينه، سعت إسرائيل لأن تكون الهند بديلاً آمناً من جنوب إفريقيا، بعد زوال نظامها العنصري.

(4) استشعرت الهند ضعف التأثير العربي، وانقسام رؤيته، في مجال السلام، والصراع العربي ـ الإسرائيلي، وخاصة أن حركة عدم الانحياز، التي كانت تقربها من مصر، قد تقلص تأثيرها، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، وبزوغ النظام العالمي الجديد، أحدي القوة. كذلك فإن نيودلهي، استشعرت ميل العرب إلى تأييد باكستان "المسلمة" على حساب علاقاتهم بالهند (على الرغم من أن حجم المسلمين في الهند، يكاد يعادل القوة البشرية في باكستان). ولذلك، فقد آثرت الهند التوجه إلى تحقيق مصالحها، التي وجدتها في إسرائيل، ولم تجدها لدى العرب.

وقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية جهود التقارب الهندي – الإسرائيلي؛ بل رأت أن زيارة شارون الهند، عام 2003، هي تحالف ثلاثي أمريكي ـ هندي ـ إسرائيلي. كما تطلق واشنطن يد إسرائيل في بيع أسلحة متطورة لنيودلهي، منها صفقة طائرات، "الفالكون" وصفقة صواريخ "آرو" المضادة للصواريخ البالستية؛ وهو ما تقيد بيعه لدول أخرى.

إلى جانب ذلك، فقد نجحت الهند وإسرائيل في تسخير أحداث 11 سبتمبر2001 لمصلحتها، بالإيحاء أن أُوْلاهما تتعرض لإرهاب، تدعمه باكستان؛ والثانية تتعرض للإرهاب الفلسطيني.

ب. العلاقات الباكستانية – الإسرائيلية

لم تَحُل العلاقات الوطيدة السابقة، بين العرب وباكستان، منذ نشأة الدولة واعتناقها الدين الإسلامي؛ ولا تمويل العديد من الدول العربية البترولية برنامج إسلام آباد لصنع القنبلة النووية، وإنفاقها على ذلك 1300 مليار دولار ـ لم يَحُل كلّ ذلك دون تنكُّر باكستان للعرب، وإيثارها عليهم التعاون مع إسرائيل، من خلال مرحلتَين: الأولى، سِرية، "اقتصرت على اجتماعات بين سياسيين ومفكرين؛ وعلاقات اقتصادية محدودة، بطرائق مباشرة وغير مباشرة. أمّا في المرحلة الثانية، فقد تطور الفكر الباكستاني، فجهر، عام 2006، بالاعتراف بإسرائيل والتعاون معها بصورة علنية. ويعود التوجه الباكستاني للأسباب الآتية:

(1) تبيَّن لباكستان مدى الفائدة، التي عادت بها على الهند علاقتها بإسرائيل، سواء في التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو امتلاك أسلحة حديثة، أو تطوير المجال الزراعي وبعض المجالات الأخرى. واستخلصت إسلام آباد، أن توانيها في نسج علاقات بإسرائيل، يحرمها كلّ تلك المكاسب.

(2) جاهرت فئات، داخل باكستان، بأن بلدهم، ليس طرفاً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي؛ وأن هناك دولاً عربية رئيسية، تعترف بإسرائيل، وتتعاون معها، فلماذا تحجم إسلام آباد عن ذلك؟

(3) استشفت باكستان، أن الموقف العربي ضعيف، وغير مؤثر في سير الأحداث، وخاصة في الصراع الهندي – الباكستاني. لا، بل أيقنت، أن التعاون الهندي مع دول الخليج، يزداد نماءً؛ وأن الموقف العربي من قضية كشمير، يزداد ميله إلى الاعتدال؛ وكذلك هو موقف الدول العربية من البرنامجَيْن النوويَّين: الهندي والباكستاني، وتفجيراتهما النووية، أيْ أنها أزمعت أن توازن علاقاتها بكِلْتا الدولتَيْن، غير منحازة إلى الموقف الباكستاني. واستطراداً، فقد رأت إسلام آباد، أن طبيعة العلاقات الباكستانية- العربية ومحدداتها التقليدية؛ إضافة إلى ما طال تلك المحددات من تحوُّل ـ لا تمثل قيداً قوياً للمجاهرة بعلاقاتها بتل أبيب.

ويرى مؤيدو توطيد العلاقة الباكستانية – الإسرائيلية، أن توطيدها سوف يعود على باكستان بالعديد من المكاسب، مثل:

(أ) وعْد الرئيس بوش نظيره الباكستاني، في يونيه 2003، بمساعدات، قيمتها 3 مليارات دولار، خلال خمس سنوات، بواقع 600 مليون دولار، سنوياً، في حالة اعتراف باكستان بإسرائيل.

(ب) تعزيز علاقة باكستان بالولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب عامة. وتسليم واشنطن إسلام آباد 75 طائرة ف – 16، كانتا قد تعاقدتا عليها سابقاً.

(ج) تحييد التحالف الهندي – الإسرائيلي، ومنع انفراد الهند بالحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية.

(د) حماية المنشآت النووية الباكستانية من أيّ محاولات إسرائيلية لتدميرها، انطلاقاً من أنها تمثل "قنبلة نووية إسلامية".

(هـ) اطمئنان باكستان إلى أن ردود الفعل العربية، لن تؤثر فيها تأثيراً جذرياً؛ إذ إنها ستكون فَوْرِيَّة وحَنْجَرِيَّة، وعَرَضِيَّة.

هكذا أصبح توطيد العلاقات بإسرائيل محوراً للتنافس الهندي – الباكستاني. واضمحل التأثير العربي اضمحلالاً شبه كامل.

2. روسيا الاتحادية والتوجهات الهندية – الباكستانية

لا شك أن هناك علاقات هندية – روسية قديمة، تمخضت بتعاون على المستوى: الاقتصادي والعسكري والسياسي. وتوجت بزيارة الرئيس الروسي، "بوتين"، للهند، في النصف الأول من عام 2004، والتي وقِّع خلالها العديد من اتفاقيات التعاون. ولا ريب أن روسيا تقول بالرؤية الهندية لقضية كشمير؛ إذ إن موسكو ونيودلهي حليفان؛ وكان الرئيس الروسي، "يلتسين"، قد أعلن عام 1993، "أن بلاده ترى، أن كشمير جزء لا يتجزأ من الهند". وفي الوقت عينه، كانت روسيا تعلن، باستمرار، أن الموقف المتوتر، بين الهند وباكستان، لن يبلغ مستوى المواجهة، وخاصة بعد ما صارت كِلتا الدولتَين تمتلك أسلحة نووية.

وطالما توسطت روسيا في الأزمات المتفاقمة، بين الهند وباكستان. وكان آخر الوساطات في يونيه 2002، حينما اجتمع الرئيس الروسي، "بوتين"، مع رئيس وزراء الهند، "فاجباي"، والرئيس الباكستاني "برويز مشرف"، في غضون مؤتمر الأمن الإقليمي، في كازاخستان.

وسرعان ما نشطت باكستان لتحقيق تعاون مع روسيا، يحقق لإسلام آباد توازناً في علاقاتها الدولية، يوطد علاقاتها بموسكو، حليف نيودلهي القديم؛ فيقلص، استطراداً، الدعم الروسي للهند. وما لبثت روسيا وباكستان، أن وقَّعتا اتفاقية فريدة في نوعها، من أجل "وضع إستراتيجية مشتركة للتعاون على الحرب على الإرهاب". وأبدى فيها الطرفان رغبة حارة في تقارب وثيق، لم تعهده علاقاتهما من قبل. وربما يكون هذا الاتفاق خطوة أولى، تكسر حلقة الاستمالة التي تطوق الولايات المتحدة الأمريكية بها باكستان.

3. الصين والتوجهات الهندية – الباكستانية

تمتد جذور العلاقات، بين الصين والهند وباكستان، التي تجمعها حدود مشتركة، إلى عقود ماضية. وقد تطورت بتطور المتغيرات. وأدت إلى نشوب حرب بين الأُوْلَيَيْن، عام 1962؛ وتتهم نيودلهي فيها بكين باقتطاع جزء من الأراضي الهندية، يقدر بنحو 90 ألف كم2. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، وبعد الحرب الباكستانية- الهندية، عام 1971، تطورت العلاقات بين الدول الثلاث، إذ اتجهت باكستان لتكوِّن صداقة وتحالفاً مع الصين. في حين استمر فيه توتر بين العلاقة الهندية- الصينية. وقد سخَّرت إسلام آباد ذلك للحصول على تقنيات صينية، وخاصة في المجال النووي، وصناعة الصواريخ البالستية؛ حققت من خلالها توازناً مع الهند، في هذَين المجالَين. زِدْ على ذلك أن الصين، كانت تؤيد، باستمرار، موقف باكستان من كشمير.

إثر انهيار الاتحاد السوفيتي، حليف الهند، في بداية العقد الأخير من القرن العشرين؛ وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم؛ بدأت الهند والصين عهداً جديداً من العلاقات، قوامه المبادئ، التي وضعها رئيس الوزراء الهندي الأسبق، "جواهر لال نهرو"، ونظيره الصيني، "زوه اتلال"، والتي تنص على عدم الاعتداء، وحسن الجوار، والتنسيق والتعاون في المجالات المختلفة، والتعايش السلمي طبقاً لمبادئ الأمم المتحدة. وهناك اتفاق، حالياً، بين الطرفَين، على " التعامل مع الاختلافات، من خلال الحوار السلمي؛ وأن يجد الطرفان حلولاً معقولة، وعادلة، ومقبولة، لهذه الاختلافات". وهو ما شهدت به العلاقات، في الآونة الأخيرة، على الرغم من تحفُّظ كلّ منهما عن الآخر. وقد تجلى هذا الموقف في زيارة الرئيس الصيني الهند، منتصف نوفمبر 2006، إذ أعلن أن التبادل التجاري بين الدولتَين، بلغ، هذا العام، 20 مليار دولار، وسوف يتضاعف، عام 2010؛ وأن التعاون بين الدولتين يسير بخطى سريعة.

في السياق عينه، وفي أعقاب مبادرة الهند إلى تحسين علاقاتها بالصين، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وطي خلافات الماضي، أعلنت نيودلهي أن قضية التبت (التي تُعَدّ أساس الخلاف الصيني ـ الهندي)، هي شأن داخلي صيني. ومنذئذٍ، تغير موقف الصين من قضية كشمير، ليصبح متوازناً مع حرصها على حث الهند وباكستان على خفض حدة التوتر بينهما.

وفي مستوى العلاقات الصينية – الباكستانية، فقد انعكست نتائج الاتفاق النووي، الهندي – الأمريكي، على التعاون الصيني ـ الباكستاني، في هذا المجال، وأعلنت الصين، أن هذا الاتفاق يفتح مجالاً لتعاون صيني ـ باكستاني أعمق من السابق.

ومن كلّ ما سبق، فإن الدلالات في تطور العلاقات الهندية- الباكستانية، تشير إلى الآتي:

1. إذا كان الصراع الهندي- الباكستاني، لم تحلّه الحروب المدمرة، أو الصراعات المسلحة، التي خاضتها الدولتان من قبل، في ظل السلاح التقليدي، فليس من المنظور، أن يُحَلّ في ظل امتلاك كلّ منهما لترسانة نووية. وهو ما يدل على أن حَلّه، وتحقيق الاستقرار، لن يتأتَّيا إلا باللجوء إلى خطوات سياسية، ومفاوضات جادة، وتخلِّي الطرفَين عن بعض مطالبهما، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة. وهو أمر ممكن، في ظل النظام العالمي الجديد، وتوجه دول العالم تجاه التنمية بدلاً من الصراع، والتعاون بدلاً من المواجهة، والتفاهم وقبول الآخر بدلاً من الرفض؛ ولكن ذلك يتطلب وقتاً ليس بالقصير.

2. إن التوافق مرهون باستجابة الأطراف الداخلية، وخاصة التيارات الإسلامية المسيطرة على كشمير؛ وهو ما يتطلب جهوداً: دولية وإقليمية، وطمأنة هذه الشعوب إلى تقرير مصيرها، من خلال حرية، وشفافية.

3. إن تفكيك البنية الأساسية للإرهاب، يُعَدّ ضرورة، ليس في مسألة الصراع الهندي- الباكستاني فقط، بل في مستوى العالم كلّه أجمع.

4. إن المبادرة، التي قدمتها باكستان، يمكن إعادة صياغتها، لتواكب مطالب الطرفَين؛ على أن تكون قابلة للتنفيذ.