إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



المبحث الرابع عشر

المبحث الرابع عشر

تطور العلاقات الهندية ـ الباكستانية، بعد انطلاق عملية السلام 2004

الباحث عن تطور العلاقات الهندية ـ الباكستانية في مطلع القرن الحادي والعشرين، يجد أن التوتر القائم في العلاقات الهندية ـ الباكستانية لا يمكن عزله عن حقائق التاريخ والجغرافيا والسكان والعقائد، في منطقة جنوب آسيا؛ حيث يتسم هذا الإقليم بخلل واضح في توازنات القوي، زاد من حدته انتشار آثار العولمة، وتوجهات النظام العالمي الجديد، وتصاعد أطماع القوى العالمية والإقليمية لتحقيق السيطرة والهيمنة، إلى جانب صراع المصالح وتأكيد الذات، وغيرها. ولم يقتصر كل ذلك على العلاقة ما بين الهند وباكستان فقط، بل أدى إلى تقسيم توازنات الدول في منطقة جنوب آسيا إلى ثلاثة أقسام، طبقاً للاعتبارات الجغرافية والديموجرافية والقدرات العسكرية والاقتصادية، حيث تجمع هذه المنطقة دولاً حرص الاستعمار القديم على خلق الفتن بينها، خاصة بين الهند وباكستان.ويزيد على ذلك انعكاسات المتغيرات عليها. ويتحدد هذا التقسيم في الآتي:

1. دولة كبيرة واحدة ذات قدرات متعددة جغرافياً وسكانياً وعسكرياً وتقنياً، وتحظى بقدر كبير من الديمقراطية، وهي الهند. وتتحدد أهدافها في تبوء مكانة عظمى في منطقتها، تأسيساً على ما تمتلكه من قدرات.

2. دول متوسطة القوى وفي مقدمتها باكستان وبنجلاديش وإندونيسيا، وهي تحاول تسخير قدراتها للحفاظ على مكانتها الإقليمية والدولية ـ وهنا تبرز باكستان كند طبيعي للهند ـ تأسيساً على التاريخ والجغرافيا الذي بدأ بتقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، مروراً بالحرب بينهما عام 1971، والذي أدى إلى انفصال إقليم البنجاب (بنجلاديش) عن باكستان، فضلاً عن مشكلة كشمير التاريخية.

3. وأخيراً، تصنف باقي دول الإقليم بأنها دول محدودة القوة والمساحة، تحاول الانطواء على نفسها بقدر الإمكان حتى لا تدخل في صراعات تهدد أمنها.

أدى الخلل في التوازنات إلى فقدان الإحساس بالأمن في المنطقة، وإلى بناء محاور وتحالفات بين دول المنطقة، وقوي خارجية، وإلى سباق تسلح سواء تقليدي أو فوق تقليدي أو نووي. كما أدى إلى استحالة الاتفاق على حلول للقضايا التاريخية، التي تتصاعد بسببها التوترات، مثل قضية كشمير.

وأخيراً، يأتي الإرهاب بصوره المختلفة، واتهام الغرب للإسلام بدعم الإرهاب ولجوء منظمة القاعدة إلى المنطقة، إلى جانب تنظيم طالبان، وهما معاً يشكلان الأصولية الإسلامية وذلك في مواجهة أصوليات أخرى في المنطقة ، كعامل رئيسي لاحتدام الصراعات والتوترات.

أولاً: تطور الصراع الهندي ـ الباكستاني منذ عام 2004

لم يدم الصراع على وتيرة واحدة، ولكن سار في تصاعد وهبوط كالآتي:

1. اتفاق التهدئة بين الهند وباكستان عام 2004

في ضوء الجهود التي بُذلت مع بداية القرن الحادي والعشرين، وفي أعقاب غزو أفغانستان ومن خلال الاجتماع الذي عقد بين رئيس وزراء الهند والرئيس الباكستاني خلال اجتماعات قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، في إسلام آباد، فقد أدى هذا الاجتماع إلى تحقيق نوع من الوفاق والتوجه نحو تخفيض حدة المواجهة بين البلدين، إذ تقرر فيه:

أ. استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.

ب. إعادة تشغيل بعض خطوط النقل عبر الدولتين .

ج. رفع القيود التي تمنع الدبلوماسيين من التحرك خارج العاصمة، وزيادة حجم البعثات الدبلوماسية.

د. استمرار العمل وفق هدنة وقف إطلاق النيران، على طول خط المواجهة. 

هـ. إعلان باكستان عدم تمسكها بشرط إجراء استفتاء لتقرير المصير لكشمير المقسمة بين الدولتين، وفقاً لقرار الأمم المتحدة الذي ترفضه الهند.

كما اتفق الطرفان على بدء حوار ثنائي شامل يتناول القضايا الخلافية كافة، وفي مقدمتها القضية الكشميرية، حيث بدأت أولي اجتماعات هذا الحوار في فبراير 2004 على مستوى فنيين ودبلوماسيين. كما شمل الحوار قضايا مشتركة لمجابهة الإرهاب والقضايا الأمنية وترسيم بعض المناطق الحدودية، وإحياء العلاقات الاقتصادية، وتحرير التجارة، وتنشيط المجال الثقافي. ولم تنس الدولتان بحث الملف النووي وسباق التسلح، إلى جانب الملف القنصلي.

وقد أدى ذلك إلى التوافق السياسي بين الهند وباكستان، في بداية عام 2004، من أجل التوجه نحو السلام وإيقاف تبادل العنف بين الدولتين، وإتباع سياسة حسن الجوار.

وقد كان الدور الأمريكي بارزاً ومؤثراً في توصل الدولتين إلى هذا الاتفاق، من أجل تثبيت مصالحها في المنطقة، وإنجاح هدف الحرب ضد الإرهاب، والحفاظ على التوازن النووي في المنطقة والعالم، خاصة بعد اتهام عالم الذرة الباكستاني "عبدالقدير خان" تسريب بعض الوثائق والنظريات إلى دول أخرى، وهو ما يؤدي إلى الانتشار النووي، الذي تقاومه الولايات المتحدة الأمريكية.

2. تفجيرات مومباي عام 2008، وعودة التوتر بين الدولتين

لم يمض وقت طويل على تفعيل هذه الاتفاقية، وتحقيق قدر من السلام بين الدولتين، إلا وعادت الأمور إلى ما كانت عليه من احتقان، وذلك نتيجة لتفجيرات مومباي، التي استمرت ثلاثة أيام بين 27 – 29 نوفمبر 2008، وأسفرت عن مصرع 180 شخصاً، وإصابة مئات آخرين. وقد اتهمت منظمة القاعدة بالتنسيق مع تنظيم "عسكر طيبة" الباكستاني، بالإعداد للتفجييرات بدقة شديدة، دون رقابة باكستانية، ودون إحكام إجراءات الأمن الهندية.

وقد استهدفت هذه التفجيرات الفنادق التي يقيم بها إسرائيليون يعملون في الهند، وما أدى إلى انتقاد إسرائيلي حاد للهند في جدية اتخاذ إجراءات وقائية، أو إدارة الأزمة أثناء الأحداث، بما تسبب في زيادة الخسائر، سواء في عدد الإسرائيليين أو الجنسيات الأخرى. وقد أدت هذه الأحداث إلى تداعيات خطيرة، كالآتي:

أ. عودة التوتر بين الهند وباكستان وإنهاء حالة التطبيع بينهما. وقد اتخذت حكومة الهند إجراءات لضبط النفس حيث كان هناك من يرى ضرورة شن حرب على باكستان؛ ولكن الهند أكتفت بإدانة باكستان ومطالبتها بتسليم مدبري الحادث لمحاكمتهم في الهند.

ب. عودة مشكلة كشمير إلى المربع الأول، وتصاعد التهديد برد انتقامي، وعادت المدفعية لإطلاق نيرانها عبر الحدود.

ج. تصاعد المعارضة ضد الحكومة الهندية، بما يؤثر على بقائها في الحكم.

أدت هذه الأحداث إلى تداعيات خطيرة على استقرار باكستان نفسها، والوحدة الجيوسياسية للدولة. فقد كانت القوى الأصولية تنشط في الجزء الشمالي الغربي لباكستان، وتحديداً في منطقة القبائل التي تحتضن الزعامة الروحية للقاعدة والقيادات الميدانية للتنظيم؛ وإضافة إلى تداعيات تلك المواجهة المتصاعدة بين الحكومة وقوي المعارضة ـ خاصة القوى الأصولية الإسلامية ـ  على الدور الذي تقوم به باكستان لدعم وجود قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، وإمدادها عبر الأراضي الباكستانية، الأمر الذي أدى بدوره لبقاء قوة لا يستهان بها من الجيش لباكستاني، تقدر بنحو 120 ألف جندياً بتلك المنطقة لمحاربة التيارات الأصولية النشطة فيها.

وفي الوقت نفسه نشطت الجماعات الأصولية في التعرض لخطوط المواصلات الخاصة بحلف شمال الأطلسي عبر باكستان، وتعرضت في الربع الأخير من عام 2009 لخمس قوافل دمرتها جميعاً. وهذا الأمر يؤثر على الوجود الأمريكي وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان.

حققت الهند العديد من أهدافها لإزالة آثار هذه التفجيرات، وكان في مقدمتها قيام الحكومة الباكستانية بسلسلة من الإجراءات استهدفت اعتقال بعض قيادات عسكر طيبة، وإغلاق معسكرات متطرفين إسلاميين داخل باكستان. فضلاً عن دعم الولايات المتحدة لباكستان في شن حملة مكثفة للتخلص من العناصر الأصولية في أراضيها، خاصة تنظيم طالبان الباكستانية. ومع كل هذا تصر الهند على ضرورة تسليم منفذي جريمة مومباي لمحاكمتهم في الهند.

ثانياً: الأسباب الرئيسية لاستمرار الصدام بين الهند وباكستان

يجمع المحللون أن حالة العداء والشك المتبادل والسائد ـ تاريخياً ـ ما بين الهند وباكستان، ترجع أسبابه إلى الطريقة والظروف التي تم فيها تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، على أسس عقائدية ودينية، برزت من خلالها مشكلة كشمير كقضية تفرض نفسها لاستمرار النزاع بين الدولتين.

ومن ثم، أجج هذا التقسيم التصادم بين حضارتين وثقافتين، وهما الثقافة الإسلامية والثقافة الهندوسية، بكل ما يمثلهما من خطاب ديني وقومي متطرف، إلى جانب تنافس سياسي وعسكري بين الدولتين، وهو ما يعكس آثاره بشدة على أي تقارب في العلاقات بين الدولتين. ومع صعود النظام العالمي الجديد، وانعكاساته على القوى الإقليمية والعالمية، فإن قضية العلاقات الهندية ـ الباكستانية تجاوزت بكثير قضية كشمير، أو تطبيع العلاقات، حيث تتوجه الهند بسياستها إلى تبوء المكانة الإقليمية في منطقة جنوب آسيا، والصعود إلى مصاف الدول الكبرى في القرن الحادي والعشرين. ويرسخ في فكر قادة الهند أنه إذا لم تتمكن من ممارسة هذا الدور في منطقتها الإقليمية في الوقت الحالي، فلن يكون لدورها في أي مكان أو وقت آخر، مصداقية مناسبة.

والعقبة الرئيسية أمام الهند في تبوء هذه المكانة هي باكستان، التي تمتلك قوة نووية مضادة للهند وتحاول أن تصعد كقوة مؤثرة بوصفها المسؤولة عن حماية راية الإسلام في جنوب آسيا وشبه القارة الهندية. وهي ترفع هذا الشعار كإستراتيجية ثابتة لها، وهو ما تحاول الهند تفنيده من خلال إستراتيجية مضادة تحاول تطبيقها في المنطقة.

1. الإستراتيجية الهندية في القرن الحادي والعشرين تجاه باكستان

تنظر الهند إلى نفسها على أنها قوة عظمى في منطقة جنوب آسيا، وأن قدراتها أكبر من قدرات الدول السبع المشاركة لها في المنطقة مجتمعة. ففي الهند يوجد 77% من سكان جنوبي آسيا، 72 % من مساحة المنطقة، 84% من الأراضي الصالحة للزراعة، 81% من الغابات، 69% من الأراضي المروية. كما أن ناتجها القومي يفوق إجمالي ناتج الدول الأخرى مجتمعة، على الرغم من أن مستوى دخل الفرد الهندي أقل من دول أخرى في المنطقة.

وتمتلك الهند رابع أكبر جيوش العالم عدداً، وسادس أكبر أسطول في العالم، وثامن أكبر قوة جوية في العالم، وهي ترى نفسها الدولة المحورية الرئيسية في جنوب آسيا، وكل ذلك يجعل علاقاتها بدول جنوب آسيا محاطة بالشك والريبة، نظراً للعلاقات التاريخية، ومحاولات الهند الهيمنة على هذه المنطقة.

ومنذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، وبعد نجاح الهند في تقسيم باكستان إلى دولتين، طورت الهند ما يسمي "مبدأ الهند India Doctrine"، والذي بموجبه تعد الهند إقليم جنوب آسيا بمثابة منظومة إستراتيجية واحدة، تقوم فيها الهند بدور حامل لواء الأمن والاستقرار، وهو ما يقابل بمقاومة عنيفة من باكستان، والتي ترى نفسها نداً رئيسياً للهند. وقد حاولت الهند منذ بداية القرن الحادي والعشرين استخدام إستراتيجية القوة الناعمة تجاه دول جنوب آسيا، وتحت مسمي "مبدأ جو جارال" "gujaral Doctrine"، الذي يهدف إلى تنشيط الحوار الثنائي مع دول المنطقة من خلال إدارة الصراعات بشكل سلمي وتحسين العلاقات معها. وقد طبقت الهند ذلك أيضاً مع باكستان في بداية عام 2004؛ ولكن سرعان ما انقلبت الأمور، وعاد الصراع مرة أخرى.

تتضمن الإستراتيجية الهندية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في مواجهة باكستان (كدولة مواجهة رئيسية في إقليم جنوب آسيا، العوامل الآتية".

أ. المجال العقائدي

(1) تأكيد الطابع العلماني للدولة الهندية، كإطار لاحتواء أية نزاعات طائفية أو دينية أو عرقية أو غيرها. ويكون تطبيق ذلك من خلال نظم ديموقراطية جعلت من الهند إحدى أهم الدول في التطبيق الديموقراطي.

وعلي النقيض، فإن باكستان لم تتصد لهذه الإستراتيجية، من خلال إجراءات ديموقراطية مشابهة بما أدى إلى جعلها في نظر النظام العالمي الجديد، مصدراً لتصدير الإسلام السياسي الراديكالي.

(2) تبني مواقف معتدلة إزاء القضايا العربية والإسلامية ذات الاهتمام لمسلمي الهند ـ الذين يمثلون 14% من السكان ـ وأبرزها مكافحة الاستعمار، والقضية الفلسطينية، والصراع العربي/ الإسرائيلي، بهدف استقطاب الرأي العام العربي لصالح الهند، وموازنته  ـ علي الأقل ـ مع الرأي العام العربي المتعاطف مع باكستان.

(3) استطاعت للهند بفضل هذه الإستراتيجية تأكيد تفوق نموذجها السياسي، في مقابل النموذج السياسي لباكستان، وإقناع دول العالم بذلك.

(4) على الرغم من ذلك فإن الهند تضم العديد من الأصوليات المؤثرة على الداخل الهندي، والتي تحاول باكستان التأثير عليه، بما يضع على الحكومة الهندية مسؤوليات جسام في محاولة منها لتخفيف الآثار الناتجة عنها، ومنع التصادمات بين الطوائف المختلفة والحفاظ على وحدة الهند السياسية، وتلافي أخطار الحركات الانفصالية. وتتحدد الحركات الأصولية في الهند كالآتي:

(أ) الهندوسية: والتي تهدف إلى إضفاء الطابع الهندوسي على الهند، وتطبيق سياسة "النقاء الثقافي الهندوسي"، وتجريد الأقليات من ميراثها الثقافي. ويمثل الهندوس نسبة  80 % من سكان الهند.

(ب) السيخ: الذين يقودون حركة انفصالية في البنجاب بزعامة حزب أكالي "Akali Dal"، علماً بأن نسبة السيخ تصل إلى 2% من سكان الهند فقط.

(ج) النظام القبلي في الأقاليم الشمالية الشرقية للهند: حيث تدور حركات انفصالية في ولايات أسام والبنغال الغربية وغيرها، ينتج عنها العديد من المواجهات بين الحكومة والانفصاليين، ما أدى إلى بناء قوات عسكرية لكل جبهة انفصالية، وهو ما يؤثر على الأمن القومي الهندي.

(د) الأقليات العرقية التي تنادي بالمساواة والحقوق الإنسانية: وتتعدد هذه الأقليات وتنتشر على مستوى الهند بالكامل، ويعيش معظمها تحت مستوى الفقر. إلي جانب أقليات أخرى ترفع شعارات سياسية، أو شعارات من أجل بناء نظم اقتصادية، وغير ذلك.

ب. المجال السياسي ـ الأمني

تهدف الإستراتيجية الهندية في هذا المجال إلى تفتيت، أو إضعاف القدرة الباكستانية، سواء على مستوى الداخل أو الخارج، وذلك من خلال الآتي:

(1) تحطيم الوحدة الإقليمية لباكستان، وقد نجحت عام 1971 في فصل بنجلاديش، وتحاول في الوقت الحالي إشعال الفتن في داخل باكستان من أجل التحريض على مزيد من التفتيت، من خلال محاولات لإقامة دولة منفصلة في إقليم السند شمال غربي باكستان، على غرار ما حدث في بنجلاديش.

(2) دعم صلاتها بأطراف أفغانية، وتكثيف وجودها الأمني والعسكري، وتقديم المساعدات الاقتصادية لطوائف أفغانية، من أجل الحصول على نقاط ارتكاز داخل أفغانستان تستغلها لإضعاف باكستان، وبذلك، فقد أصبحت أفغانستان أداة ومسرحاً في الصراع الهندي الباكستاني.

(3) تأكيد التفوق العسكري الهندي في المجال التقليدي، خاصة بعد نجاح باكستان في تحقيق التوازن في المجالين النووي، والصاروخي. وتتجه الهند إلى تحقيق التفوق المطلق في المجال البحري لتأكيد هيمنتها على منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي، بشكل عام. وقد خططت لأن يضم أسطولها، حتى عام 2015، ثلاث حاملات طائرات، وثلاث غواصات نووية، وكذلك تحديث ما تمتلكه الآن من أسطول يتعدى 155 قطعة بحرية متنوعة، إلى جانب التوسع في إدخال التكنولوجيات الحديثة، خاصة في مجال المعلومات والقوات الجوية. ومن غير المنتظر أن تلحق باكستان بالهند في هذا المجال.

ومن أجل ترسيخ قواعد الهيمنة الهندية على المحيط الهندي في منطقة جنوب آسيا، أعلنت الهند على لسان وزير دفاعها، في أبريل 2000، أن منطقة مصالح الهند تمتد إلى نحو 11.200 كم، وتبدأ من سواحل أستراليا، وحتى الخليج العربي، وهو ما تعده مجالاً لعمل الأسطول لتأمين مصالح الهند. وبذلك يتسع نطاق المياه الإقليمية الهندية ليشمل مليون كم2 إضافية، تتاخم المياه الإقليمية الباكستانية وعمان واليمن في الغرب، وحدود دول جنوب آسيا الأخرى (بنجلاديش ـ ميانمار ـ تايلاند ـ إندونيسيا ـ سريلانكا)، في الشرق والجنوب. وبما يؤدي ـ بالدرجة الأولي ـ إلى حصار باكستان بحرياً، عند اندلاع صراع بينها والهند.

ولتأكيد هذه الإستراتيجية، تبني الهند حالياً "القيادة البحرية للشرق الأقصى"، في ميناء بلير في جزر إندمان "Indman"، التي تقع في منتصف الطريق بين خليج البنغال ومضيق مالقا، وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يقتصر إنشاء هذه القاعدة على مواجهة باكستان؛ بل إنه بمثابة ردٍ عمليٍ على إنشاء الصين لقيادة بحرية في جزيرة كوكو في ميانمار، والسيطرة على الملاحة في مضيق مالقا.

(4) تأكيد العلاقات الهندية مع القوى الدولية في النظام العالمي الجديد، بهدف حثها على الاعتراف بالهند كقوة آسيوية كبرى تسيطر على جنوب آسيا، وتطبق الديموقراطية الغربية. وتتعدد أهداف العلاقات الهندية كالآتي:

(أ) تجاه الولايات المتحدة الأمريكية: كقوة فاعلة للحد من نفوذ الصين في آسيا، والتحالف من أجل التصدي للإرهاب الأصولي خاصة الراديكالية الإسلامية.

(ب) تجاه الصين: من أجل التعاون للاستقرار في آسيا، وتقليل حدة النزاع، إلى جانب الحد من دعم الصين لباكستان، ومحاولة إحياء طريق الحرير، الذي يمكن أن يشكل منظومة تعاون بين دول شرق وجنوب ووسط آسيا.

(ج) تجاه روسيا الاتحادية: استغلال الوضع الاقتصادي الروسي في تنمية التعاون، خاصة في المجال العسكري لدعم القدرات الهندية.

(د) تجاه إسرائيل: لتحقيق أكبر استفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية، إلى جانب رؤيتها أن إسرائيل هي المحطة الأولى للوصول إلى قلب واشنطن.

(هـ) الإتحاد الأوربي: لتنمية العلاقات التي تحقق المصالح الهندية بمجالاتها المختلفة.

(و) تجاه الأمم المتحدة: في محاولة للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، وفي نطاق "إصلاح الأمم المتحدة".

ج. المجال الاقتصادي

تهدف الإستراتيجية الهندية إلى تحقيق المصالح في المجال الاقتصادي، ودعم قدراتها بجذب الاستثمارات وجذب التكنولوجيا التي تمكنها من احتلال مكانة اقتصادية تتناسب مع حجمها الطبيعي، وبما يعكس تأثيرها السياسي في مجالها الحيوي

وتحاول الهند فتح جميع المجالات والتعاون مع مختلف القوى العالمية والإقليمية في المجال الاقتصادي، بما فيها الدول التي تختلف أو تتصادم أهدافها مع أهداف الهند. وفي هذا المجال:

(1) بدأت الهند في تأكيد علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في بداية القرن الحادي والعشرين، بما أسفر عن توقيع الهند على تفاهم إستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية في المجال النووي، عام 2006، يقضي بإمداد الهند بالتكنولوجيا النووية السلمية، مقابل فتح الهند بعض منشآتها النووية للتفتيش، إلى جانب التوسع في المجال الاقتصادي وتبادل التكنولوجيا مع الولايات المتحدة الأمريكية في المجالات المختلفة. وقد عكست زيارة رئيس وزراء الهند للولايات المتحدة الأمريكية، أواخر نوفمبر 2009، حجم التفاهمات الأمريكية والهندية، ورغبة الطرفين في تنميتها، بما يجعل الهند حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة جنوب آسيا. ولا شك أن هذا سوف يكون على حساب باكستان، حيث أُشير إليها ـ دون ذكر أسمها ـ في ضرورة تخفيف منابع الإرهاب على أراضيها.

(2) بناء تفاهم إستراتيجي مع الاتحاد الأوربي، انطلاقاً من أن 28% من تجارة الهند الخارجية تتم مع دول الاتحاد الأوربي. كما أن الاستثمارات الأوربية في الهند تتعدي عشرة مليارات دولاراً، وتهدف الهند إلى زيادتها.

(3) دفع العلاقات الاقتصادية مع روسيا إلى الأمام كوريثة للإتحاد السوفيتي السابق، خاصة في مجال صفقات التسليح، والتنقيب عن النفط.

(4) الانفتاح على دول شرق آسيا ووسطها، لبناء علاقات اقتصادية متينة، خاصة مع اليابان وأستراليا، ودول وسط آسيا المستقلة عن الإتحاد السوفيتي السابق، والتي تشكل طوقاً شمالياً شرقياً لحصار باكستان مروراً بأفغانستان.

(5) تجميد الخلافات السياسية مع الصين، وتصعيد مجال التعاون الاقتصادي كوسيلة لتحقيق التقارب السياسي، إلى جانب استخدام هذا المجال للحد من دعم الصين لباكستان في مواجهة الهند.

(6) السعي لتأمين مواردها من البترول كقوة ناشئة اقتصادياً، من خلال مشروع ضخم لإنشاء خطوط أنابيب بترول، سواء مع إيران، أو دول بحر قزوين. وهذه الخطوط سوف تمر عبر باكستان، ولا توجد أي اعتراضات للهند في ذلك، طالما سوف يحقق ذلك مصالحها الاقتصادية. بل إن مثل هذا المشروع قد يؤدي إلى تخفيض حدة المواجهة بين الهند وباكستان.

2. الإستراتيجية الباكستانية تجاه الهند في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين

أ. تحديات الإستراتيجية

تقدم الحالة الباكستانية نموذجاً للدور المهم الذي لعبته النخبة السياسية الباكستانية في تكريس أزمة دولتها، ليس الآن فقط، ولكن منذ قيام الدولة مروراً بالحكومات المتعاقبة، والذي ارتكز على الأساس الديني للقومية الباكستانية، والتفاعل بين الجيش والأحزاب والقوي الدينية والقوميات الأساسية؛ وبما أدى إلى تصاعد السلبيات، وتعدد الانقلابات وتزايد حدة البيروقراطية في أنظمة الحكم، بجناحيها العسكري والمدني. وقد نجحت البيروقراطية العسكرية، من خلال دورها في الدفاع عن الدولة، في اختزال "ثنائية" الدولة والمجتمع" إلى ثنائية "الجيش والمجتمع".

وعلى الرغم من التحالف التاريخي بين الجيش والقوى الإسلامية في باكستان، والذي يعود تاريخه إلى وقت قيام الدولة الباكستانية ذاتها، إلا أن فترة حكم الرئيس "برويز مشرف" (1999 – 2008) شهدت تحولات أساسية في محاولة لفض هذا التحالف؛ إلاّ أنها لم تصل إلى الحد المقبول الذي يمكنه أن يواجه الاتجاه العلماني، الذي يفرضه التحالف الأمريكي ـ الباكستاني لمواجهة الإرهاب، إلى جانب توجهات مشرف السياسية الخارجية للتنصل من نظام طالبان، وإدارة عملية تطبيق منهجية مع الهند بهدف استقرار الأوضاع في شبه القارة الهندية، وإعادة صياغة الثوابت والخطاب الباكستاني تجاه إقليم كشمير.

وكان من نتيجة هذه التحولات التأثير على الداخل الباكستاني ذاته، وتصاعد التيارات الدينية السلفية، وليس إخمادها، وإعلاء رمزية الدين على حساب واقع قومي معقد، وصعود النزعات القومية العرقية. وقد أدت هذه البيئة غير المستقرة إلى الاستعانة بالجيش ـ المنقسم على نفسه ـ كأداة رئيسية لإخماد هذه النزعات، بهدف الحفاظ على تماسك الدولة وسيادتها. وكما أدت هذه التحولات، في النهاية، إلى الإطاحة بحكم الرئيس "برويز مشرف"، وصعود حزب الشعب إلى الحكم، في انتخابات عام 2008.

ويجمع المحللون على أن أي إستراتيجية تضمن خروج باكستان من أزمتها الراهنة، لا بد أن تشمل ركيزتين أساسيتين:

الأولي: بناء نظام ديموقراطي حقيقي، وبناء سياسة تنموية عادلة، يستوعبان المشاعر القومية والطائفية، وإعادة صياغة العلاقة بين الجيش والمجتمع.

الثانية: إعادة النظر في مفهوم الدولة الباكستانية على نحو يحد من الأساس الديني للدولة، ويعيد صياغة العلاقة بين الدين والدولة.

ب. مما سبق يمكن حصر التحديات التي تواجه الإستراتيجية الباكستانية تجاه الهند في الآتي:

(1) التحدي الأول: التوجه الهندي الذي يهدف إلى حصار باكستان إقليمياً ودولياً، ويصل في أهدافه إلى محاولة تفتيت باكستان، وانفصال الإقليم الشمالي الغربي (السند)، على نمط ما حدث عام 1971 في إقليم البنجاب (بنجلاديش)، وبناء تحالفات من أجل إضعافها والتشكيك في قدرتها، خاصة في تحقيق أمن أسلحتها النووية.

(2) التحدي الثاني: من الجانب الأمريكي، الذي يكيل بمكيالين، حيث يؤكد تحالفه مع باكستان من أجل إنجاح حملته في الحرب على الإرهاب وتأمين أعمال القتال لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، ومن جهة أخرى فإنه يرى الهند شريكاً إستراتيجياً أساسياً في المنطقة، ويعقد معها العديد من الاتفاقيات التي يحجبها عن باكستان.

(3) التحدي الثالث: الحرب المشتعلة في أفغانستان منذ عام 2001، والتي ألقت بتداعياتها على باكستان، حيث انتقلت ساحة الحرب إلى إقليمها الشمالي الغربي.

(4) التحدي الرابع: في الداخل الباكستاني ذاته، حيث سادت عوامل عدم الاستقرار وتصاعد الإرهاب، سواء في الداخل، أو تجاه الخارج، وكان أبرزه حادث مومباي، عام 2008، إلى جانب اغتيال "بنظير بوتو" في نهاية عام 2007، أثناء قيادتها لحملتها الانتخابية، التي أطاحت بالرئيس "برويز مشرف"، والذي ترك ميراثاً ثقيلاً تحملت بسببه القيادة الجديدة مسؤوليات جسام للسيطرة على عوامل عدم استقرار الدولة.

ج. بدايات تغير الفكر الإستراتيجي الباكستاني

بدأ التغير في الفكر الإستراتيجي الباكستاني، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة الأمريكية، حين سعت الهند إلى بناء تفاهم إستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، ضد باكستان وأفغانستان في وقت واحد، بإدعاء أن باكستان تدعم نظام طالبان. وفي هذا الإطار عرضت الهند على الولايات المتحدة الأمريكية تقديم تسهيلات عسكرية لشن الحرب، ليس فقط على أفغانستان، ولكن على باكستان أيضاً. وقد خالف تقدير الهند، التوجه الأمريكي، حيث كانت باكستان هي الحليف  المقبول للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على أفغانستان، نظراً للآتي:

(1) الجوار المباشر بين باكستان وأفغانستان، والذي يؤدي إلى تسهيل عمل القوات الأمريكية.

(2) باكستان دولة إسلامية لا يشكل التحالف معها ضد أفغانستان "الطالبانية" إحراجاً للولايات المتحدة الأمريكية، أمام العالم الإسلامي.

(3) سعت القيادة الباكستانية، في السياق نفسه، دائماً إلى بناء التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال، لتحقيق عدة أهداف إستراتيجية، أهمها:

(أ) إحباط مشروع التحالف الأمريكي ـ الهندي، بكل ما يمثله من مخاطر على الأمن القومي الباكستاني.

(ب) حماية الترسانة النووية الباكستانية من احتمال التهديد، الذي قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات في غير صالح باكستان.

(ج) العمل على إنهاء المقاطعة الاقتصادية الأمريكية لباكستان، التي فرضت في أعقاب التفجيرات النووية عام 1998.

(د) إعادة تنشيط الدور الباكستاني في منطقة جنوب آسيا، في مقابل تصعيد الدور الهندي.

(4) ظلت الذاكرة الباكستانية تحتفظ بتداعيات أحداث عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وحجم الدعم الذي قدمته الهند للإتحاد السوفيتي السابق إبان غزوه لأفغانستان (1979 – 1989)، والذي أدى بدوره إلى توريط باكستان في تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلها قاعدة لانطلاق المتطوعين لدعم الأفغان في مقاومتهم للاحتلال السوفيتي، ما أدى بدوره إلى قيام منظمة القاعدة، إلى جانب تصاعد الأصولية الدينية في باكستان نفسها. وكل هذا قاد إلى وضع أمني غير مناسب في داخل البلاد، وألقى بأعباء جسيمة على الحكومة في فرض الاستقرار على الدولة. لذلك، حرصت الحكومة الباكستانية إلى المبادرة بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى لا يزداد التأثير السلبي عليها نتيجة تحالف هندي ـ أمريكي جديد.

(5) ترى باكستان أن فرص التقاء المصالح بين الهند، من جانب، ودول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، والولايات المتحدة الأمريكية واليابان، من جانب آخر، يمكن أن يؤثر على دورها الإقليمي، الأمر الذي أدى إلى توجه باكستان للارتباط بالصين ودول آسيا الوسطى الإسلامية وإيران، لتحقيق نوعٍ من التوازن في مجابهة الهند.

(6) سار هذا التغير ـ بضغط أمريكي، من جهة، أو بفعل الإرهاب، من جهة أخرى ـ ما بين صعود في مستوى العلاقات الباكستانية ـ الهندية  في أعقاب اتفاق عام 2004، ثم انتكاسة في أعقاب تفجيرات مومباي عام 2008، ليعود طرفا الصراع إلى المربع الأول للأزمة بينهما.

د. المجال العقائدي في الإستراتيجية الباكستانية

نظراً لأن باكستان قامت على أسس دينية ، فإن العقيدة تلعب دوراً رئيسياً في رسم إستراتيجيتها، وتنحصر في الآتي:

(1) تأكيد الطابع الإسلامي للدولة، مع محاولة السيطرة على التيارات الأصولية في الداخل، بما يحقق الاستقرار ووحدة الدولة في مواجهة الأخطار المحيطة بها.

(2) تأكيد دور باكستان في منظمة المؤتمر الإسلامي، واستقطاب جهود الدول الإسلامية ـ خاصة الدول العربية ـ لدعم الموقف الباكستاني، وتلقي الدعم المادي، الذي يحقق بناء القوة الباكستانية في مواجهة الهند.

(3) عزل الهند ومنعها من المشاركة في منظمة المؤتمر الإسلامي، على الرغم من أن عدد مسلمي الهند يقارب ـ تقريباً ـ عدد مسلمي باكستان. ويأتي إصرار باكستان على ذلك من أجل حجب الهند عن التأثير في المنظمة، ولكي تبقي باكستان متميزة عليها في هذا المجال. وقد نجحت باكستان في استصدار قرارٍ من المنظمة أثناء اجتماعها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 4 أكتوبر 2009، لصالح موقفها من قضية جامو وكشمير، بما أدى إلى استصدار الخارجية الهندية بياناً ترفض وتدين فيه قرار منظمة المؤتمر الإسلامي، وتعده تدخلاً في شؤونها الداخلية.

(4) استخدام الحركات الإسلامية المسلحة، سواء داخل قطاع كشمير التابع لباكستان، أو المتمركزة على الحدود الباكستانية ـ الهندية، في الحرب بالوكالة عنها، واستنزاف القدرات الهندية. وتبرز ضمن هذه الجماعات جيش محمد والعسكر الطيبة.

(5) تحاول باكستان السيطرة على الجماعات الأصولية التي تهدف إلى الانفصال، خاصة في إقليم السند، أو كسب مميزات سياسية أو اقتصادية، والتي يتعامل بعضها مع الأجهزة السرية في الهند، من أجل تحقيق عدم الاستقرار في باكستان وتفتيتها. كما يتعامل بعضها مع حركة طالبان في باكستان، علماً بأنها جميعاً تعارض بناء دولة علمانية باكستانية طبقاً للرؤية الأمريكية، التي تحاول أن تطبقها في كل من باكستان وأفغانستان، كمحاولة للقضاء على الأصولية الإسلامية، في مجال الحرب على الإرهاب.

هـ. المجال السياسي والأمني في الإستراتيجية الباكستانية

يتحدد الهدف السياسي لباكستان في بناء توازن سياسي إقليمي في منطقة جنوب آسيا، تعمل من خلاله كإحدى الدول الفاعلة المؤثرة على أمن المنطقة في النظام العالمي الجديد، مع دعم تحالفها مع القوتين الكبيرتين: الولايات المتحدة الأمريكية، كقطب للنظام العالمي، والصين، كقوة رئيسية في قارة آسيا، مع مقاومة امتداد الهند، كقوة فاعلية في المنطقة، وتحقيق التوازن معها بقدر الإمكان. كل ذلك إلى جانب استخدام الموقع الإستراتيجي لباكستان كأداة للربط ما بين الصين ودول وسط آسيا وجنوبها، وكذلك دول الشرق الأوسط. يمكن لباكستان أن تحقق ذلك من خلال الآتي:

(1) تأكيد التحالف الباكستاني ـ الأمريكي في مجال الحرب على الإرهاب، بهدف محاولة تقليص التقارب الهندي ـ الأمريكي، الذي يستند على تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة جنوب آسيا، وجعل الهند قوة تحقق بها التوازن مع الصين.

(2) دعم القدرة الأمريكية وقدرة حلف الناتو في عملياتها في أفغانستان، حيث تشكل أفغانستان العمق الإستراتيجي لباكستان، والذي يجب أن يحظي بقدر من الأمن والاستقرار تنعكس آثاره على الأمن القومي الباكستاني ذاته.

(3) التصدي بشدة للحركات الانفصالية في إقليم السند، والتي تدعمها الهند، خاصة أن هذا الإقليم تتعدد فيه القوميات، التي تسودها القومية البشتونية الممتدة في داخل باكستان وأفغانستان. وعدد البشتون في باكستان حوالي 25 مليوناً، أي ضعف عدد البشتون (12 مليوناً) في أفغانستان، إلى جانب أن منظمة طالبان تنبع أساساً من هذه القومية، لذلك تبذل باكستان قصارى جهدها لإخضاع منطقة شمالي غرب باكستان لسيطرة الدولة. وقد بدأت حملة عسكرية مكثفة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة، ابتداءً من مارس 2009، حشدت لها باكستان حوالي 120 ألف جندي، إلى جانب قدرات الدولة من القوات الجوية.

(4) لباكستان رؤية إستراتيجية تتمسك بها، وسبق أن عرضتها على الولايات المتحدة الأمريكية لتخفيف التوتر بينها وبين الهند، بصفة خاصة، وتحقيق الاستقرار في منطقة جنوب آسيا، بصفة عامة، وذلك مع بدايات تصاعد الحرب على الإرهاب؛ وما زالت ترغب في تطبيقها حتى الآن، وهي تتلخص في الآتي:

(أ) تخفيض الهند وباكستان قدراتهما النووية والصاروخية إلى أدنى مستوى ممكن، والحفاظ على مستوى منخفض من الردع المتبادل.

(ب) التوصل إلى اتفاق بشأن ضبط الأسلحة التقليدية، وذلك للحفاظ على استقرار التوازن في الردع النووي وتقليل الفاقد في الإنفاق الدفاعي.

(ج) الحل السلمي لكل النزاعات القائمة في المنطقة، خاصة النزاع حول كشمير، وعلاج مصادر التوتر والعمل على إنهائها.

(د) دعم قدرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، من خلال تكامل إقليمي وكوني، للقضاء على ظاهرة الفقر التي ينمو الإرهاب من خلالها.

وقد عارضت الهند هذه الرؤية، لاستقرار عامل الهيمنة في فكرها الإستراتيجي.

(5) تأكيد التحالف الإستراتيجي مع الصين، خاصة في مجال الإمدادات والصناعات العسكرية (التقليدية وفوق التقليدية)، إلى جانب المجال الاقتصادي، من أجل مجابهة الهند، ودون أن يثير هذا التحالف الولايات المتحدة الأمريكية.

(6) تثبيت الأوضاع الباكستانية مع دول آسيا الوسطى، من خلال التجمع الإسلامي والجوار المباشر بهدف تحجيم النفوذ الهندي تجاهها.

(7) تأكيد الروابط العربية ـ الباكستانية، حيث ترى باكستان أن الدول العربية ـ من خلال عقيدة الإسلام ـ هي السند الرئيسي لها، وتتأكد هذه الروابط بهدف:

(أ) الحصول على التأييد العربي الدائم للقضايا الباكستانية.

(ب) دعم البلاد العربية تجاه قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي، والتأييد المطلق للقضية الفلسطينية، وبما يقابل هذا الدعم بدعم عربي مماثل لقضايا باكستان.

(ج) ضمان إمداد البترول العربي لباكستان.

(د) تأييد قضايا باكستان في منظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمات الدولية الأخرى.

(هـ) الحصول على الدعم المادي العربي، عندما يتطلب الموقف ذلك.

(و) إيجاد فرص عمل للأيدي العاملة الباكستانية، في دول الخليج العربية.

(ز) تشجيع الاستثمارات العربية، في باكستان.

(8) التصدي للتعاون الإسرائيلي ـ الهندي، والذي يحقق تأثيراً سلبياً على باكستان وعلى الدول العربية في آن واحد.

و. المجال الاقتصادي في إستراتيجية باكستان تجاه الهند

يشكل العامل الاقتصادي أحد عوامل الخلل في التوازن الهندي ـ الباكستاني، والذي تحاول باكستان علاجه من خلال العديد من الوسائل، التي أهمها:

(1) إجراء الإصلاحات الاقتصادية الداخلية، والتي تواجه بعراقيل نتيجة لعدم الاستقرار الذي يسود باكستان خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، إلى جانب الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة.

(2) التوسع في الحصول على معونات، سواء من الولايات المتحدة الأمريكية، أو من الدول العربية الخليجية مثل السعودية ودولة الإمارات والكويت.

(3) جذب الاستثمارات الخارجية، خاصة من الدول العربية ومن الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

وفي النهاية، فإن متوسط نصيب الفرد الباكستاني من الدخل القومي، يتناسب مع نظيره الهندي مع الأخذ في الاعتبار الفارق الكبير في التعداد السكاني، وحجم الناتج القومي.

ومن كل ما سبق فإن الإستراتيجيتين الهندية والباكستانية، هي إستراتيجيات متصادمة، لا تتجه إلى إيجاد خطوط وفاق بينهما ولو مرحلية. وقد يتعارض ذلك مع توجه النظام العالمي الجديد تجاه منطقة جنوب آسيا، وسوف يكون عاملاً مؤثراً ـ سلباً ـ في تحقيق التوازن وبناء رؤية لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة.

ثالثاً: دور الإستراتيجية الأمريكية وأبعادها تجاه أطراف الصراع

ترتكز الإستراتيجية الأمريكية على أربعة أسس، هي:

1. أهمية منطقة جنوب آسيا بالكامل في بناء إستراتيجيتها للحرب على الإرهاب.

2. الربط بين المناطق الثلاث التي تشكل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، وهي مناطق جنوب آسيا ـ وآسيا الوسطى ـ والشرق الأوسط.

3. أهمية الهند كقوة ناشئة في مواجهة الصين، التي تضع إستراتيجيتها لتصبح قوة عظمى في القرن الحادي والعشرين.

4.أهمية باكستان كحليف في الحرب على الإرهاب، واستغلالها لوضعها الإستراتيجي كمنطقة مركزية بين جنوب وشرق ووسط آسيا.

خلال السنوات الأولي من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حدثت متغيرات كبيرة في هذه المنطقة، عالجتها الإدارة الأمريكية السابقة من خلال عسكرة السياسة الأمريكية؛ لذلك تواجه الإدارة الديموقراطية الأمريكية الحالية، برئاسة الرئيس "باراك أوباما"، تحديات عديدة في معالجة الأزمة والأوضاع في منطقة جنوب آسيا، والتي تستنزف جهود الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو خاصة في أفغانستان، بل وامتدت آثارها لباكستان، دون احتمال حلول قريبة.

 وقد أدى ذلك إلى ازدواجية الاهتمام الأمريكي بالشأن الباكستاني، كشق رئيسي لاستقرار الأوضاع في أفغانستان، حيث أقرت الإدارة الأمريكية إستراتيجية متكاملة، في مارس 2009، كعلاج للموقف وأجرت تعديلات عليها في نهاية نوفمبر عام 2009، شملت باكستان وأفغانستان، بهدف القضاء على تنظيمي القاعدة وطالبان، والقضاء على الفساد، والعمل على استقرار المنطقة، من خلال إجراءات عسكرية وسياسية في آن واحد. مع تعديل أبعاد الإستراتيجية تجاه باكستان وأفغانستان

1. الإستراتيجية تجاه أفغانستان

أ. سرعة السيطرة على ربوع أفغانستان، من خلال زيادة القوة العسكرية الأمريكية بمعدل 30 ألف فرد، وقوات حلف شمال الأطلسي بمعدل 7 - 10 آلاف فرد، وبما يحقق انتشار القوات والقضاء على عناصر طالبان وعناصر القاعدة.

ب. سرعة إعداد وتنظيم وتدريب القوات الأفغانية (الجيش والشرطة)، بحجم حوالي 120الف فرداً، وبما يمكنها من تولي مسؤولية الأمن في البلاد.

ج. العمل على القضاء على الفساد في أفغانستان، بدءاً من فساد نظام الحكم، إلى الفساد السائد في تجارة المخدرات وغيرها.

د. تُنفذ الإستراتيجية فوراً، على أن يبدأ سحب القوات بدءاً من منتصف عام 2011.

2. الإستراتيجية تجاه باكستان

هي إستراتيجية سبقت الإستراتيجية تجاه أفغانستان، وتم الربط بينهما في الإستراتيجية الجديدة. وهي تتحدد في الآتي:

أ. البعد العسكري

التصدي بحزم للتنامي المتزايد لحركة طالبان باكستان، وذلك من خلال عدة إجراءات، أهمها:

(1) إيقاف التمدد الإستراتيجي لحركة طالبان داخل المناطق والأقاليم الباكستانية، وذلك من خلال توجيه ضربة عسكرية قاصمة في منطقة وادي سوات، ومنطقة الحدود الشمالية الغربية المحاذية لأفغانستان.

(2) رفع كفاءة الجيش الباكستاني في مواجهة طالبان، وذلك من خلال توفير الدعم الأمريكي اللازم لحسم الموقف في إقليم سوات.

(3) ضمان عدم التأثير على المنشآت والمواقع النووية الباكستانية أو وصول المتشددين إليها.

(4) استغلال الموقف الشعبي الباكستاني الرافض لحركة طالبان، وما تقوم به من تفجيرات واغتيالات، أدت إلى خسائر بشرية كبيرة، وذلك بهدف استغلال القبائل في القضاء على هذه الحركة.

ب. البعد السياسي والاقتصادي

(1) محاولة فك الارتباط بين طالبان وتنظيم القاعدة، من خلال الحوار مع قادة طالبان، والاستجابة إلى مطالبهم المشروعة.

(2) دعم الحكومتين في باكستان وأفغانستان للسيطرة على قبائل البشتون المشتركة بينهما.

(3) زيادة حجم الدعم الاقتصادي لباكستان، وبما يحقق إيقاف انضمام فئات من المجتمع لحركة طالبان (وقد أقر المؤتمر الذي عقد في طوكيو، عام 2009، توفير دعم مادي لباكستان قدره خمسة مليارات دولار على سنتين، من أجل إقامة العديد من المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية، والتي قد تسهم في تقليص حجم البطالة وزيادة الدخل القومي)

ج. البعد الإقليمي

(1) وهو يتعلق بالأمن في جنوب آسيا، حيث ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الفاعل الرئيسي في المنطقة هو الهند، ومن ثم فيجب دعمها من أجل توفير بيئة إقليمية لنموها وتصاعد قدرتها، لتصل إلى تحقيق التوازن مع الصين، التي تشكل خطورة مستقبلية في التوازنات مع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؛ لذلك يجب بناء قوة إقليمية للتصدي لها كبديل للولايات المتحدة الأمريكية.

(2) إعادة تشكيل التحالفات في منطقة جنوب آسيا، وفق الدوافع الآتية:

(أ) مواجهة المد الإسلامي عبر تطوير العلاقات مع كل من الهند وإسرائيل وجمهوريات آسيا الوسطى، بأنظمتها التي تغلب عليها النزعة العلمانية.

(ب) مواجهة تصاعد الدور الآسيوي العالمي لكل من الصين واليابان، وما يتبعه من تحالفات، خاصة تجاه التحالف الصيني ـ الباكستاني.

(ج) مواجهة التعاون الإيراني مع باكستان والدول الإسلامية الأخرى، بما يهدد المصالح الأمريكية في جنوب آسيا.

(د) مواجهة احتمالات التعاون الهندي ـ الإيراني، بما يهدد المصالح الأمريكية.

(هـ) مواجهة احتمالات تطور العلاقات الصينية ـ الهندية، بما قد يهدد الدور الأمريكي في آسيا، إلى جانب التأثير على النظام العالمي الجديد.

رابعاً: تطور التعاون الهندي ـ الإسرائيلي، وانعكاساته على باكستان والدول العربية

على الرغم من أن إعلان العلاقات الدبلوماسية الهندية ـ الإسرائيلية رسمياً تم في 29 يناير 1992، في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام، إلاّ أن هذه العلاقات كانت لها جذور قديمة، تعود إلى ما قبل قيام إسرائيل نفسها. وكانت الهند من بين 13 دولة عارضت قرار الأمم المتحدة الرقم 181 لعام 1947 بتقسيم فلسطين، بل اقترحت الهند وقتها إقامة دولة فيدرالية في فلسطين تمنح حكماً ذاتياً للسكان اليهود. وفي أعقاب إعلان إسرائيل عام 1948، كان ثمة تقارب خفي ما بين الدولتين، بدأ يتحول إلى تعاون شبه علني في أعقاب معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، ثم تحول إلى العلن الكامل بدءاً من عام 1992، نتيجة العديد من المتغيرات. وقد تصاعد هذا التعاون بعد ذلك بشدة، نتيجة للعديد من الدوافع والأسباب، حتى استقر حالياً لتحقيق العديد من الأهداف، وفي مقدمتها:

1. الجانب الهندي

أ. رغبة الهند في تطوير وتحديث قدراتها العسكرية، ببعديها التقليدي وفوق التقليدي، وبما يدعم نفوذها في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا.

ب. الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية لمواجهة ما اسمته الإرهاب، في ضوء ما تشهده الهند خلال السنوات الأخيرة من تفجيرات وأعمال إرهابية.

ج. تنظر الهند على أن إسرائيل على أنها البوابة الرئيسية إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية.

د. تري الهند أن تدعيم علاقاتها مع إسرائيل يعد إضافة مهمة إلى رصيدها الإستراتيجي في مواجهتها مع باكستان في شأن قضية كشمير، من ناحية، وتدعيماً للتوازن بينها وبين الصين، من ناحية أخرى.

2. الجانب الإسرائيلي

أ. تسعي إسرائيل إلى كسب مؤيدين جدد لموقفها من قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتحييد المواقف المساندة للعرب.

ب. اختراق السوق الهندية الواسعة، والتي أصبحت مفتوحة للمنتجات الإسرائيلية.

ج. السعي لتطوير برنامجها النووي دون اللجوء إلى إجراء التجارب بواسطة تفجيرات فعلية، نظراً لضيق رقعتها الجغرافية، وهو ما توفره لها الهند، سواء في المحيط الهندي، أو في صحراء راجستان.

د. الرغبة في تطويق إيران، ومراقبة تطوراتها العسكرية والنووية، حيث يمكن لإسرائيل ـ من خلال الهند ـ الإطلاع عن كثب على ما حققته طهران من تقدم في هذه المجالات.

هـ. حاجة إسرائيل إلى تصدير خبراتها التكنولوجية، لجذب تمويلات خارجية تدعم أبحاثها العلمية.

و. وثمة عامل مشترك للجانبين تجاه الولايات المتحدة، إذ تتوافق مساعيهما مع الحسابات الإستراتيجية لواشنطن فيما يتعلق بالصين وروسيا وإيران والإرهاب.

3. مجالات التعاون الهندي ـ الإسرائيلي

أ. مجال التعاون العسكري ـ الأمني

يعد مجال التعاون العسكري والأمني هو المجال الأوسع انتشاراً في العلاقات بين الهند وإسرائيل؛ ولكن لم يصل هذا التعاون إلى درجة التحالف الإستراتيجي، والذي من شأنه أن يشارك كل طرف في المشاكل المتعلقة بالطرف الآخر، وهو ما تتجنبه كلتا الدولتين حتى لا تفقد تعاملاتها مع الدول الأخرى؛ لذلك تضمن هذا المجال الآتي:

(1) نقل التقنية الإسرائيلية في تصنيع الأسلحة إلى الهند، وهو هدف مشترك بين الدولتين؛ فالهند تهدف إلى إقامة قاعدة صناعات عسكرية ضخمة ومتقدمة، وإسرائيل تهدف إلى تسويق التكنولوجيا من أجل استرداد جزءٍ من التكلفة تستخدمه في تطوير هذه التكنولوجيا. وتستغل الهند التقدم الإسرائيلي في مجال الإلكترونيات بمختلف استخداماتها، جواً وبحراً وبراً، في تطوير وحداتها في القوات البحرية والجوية والبرية.

(2) التعاون في مجال البعد الفضائي، حيث شهد مطلع عام 2008 إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي المتقدم "تيكسمار" "Tecksmar"، بواسطة صاروخ هندي من قاعدة "سريهاركوتا" الفضائية الهندية. وهذا القمر يعمل بخاصية الرادار إلى جانب الوسائل الأخرى، وبما لا يعيق حصوله على المعلومات في أي وقت وتحت أي ظروف جوية. وهناك قمر آخر من النوع نفسه، سوف يطلق منتصف عام2010؛ فضلاً عن استفادة الهند من التكنولوجيا الإسرائيلية في صناعة الأقمار الصناعية الهندية.

(3) الإنتاج المشترك للعديد من منظومات الأسلحة بالاتفاق بين الشركات الإسرائيلية والشركات الهندية المماثلة، في مجال الإلكترونيات والصناعات الجوية والدبابات والمدفعية والطائرات من دون طيار، والصواريخ المضادة للصواريخ، وغيرها.

(4) تزويد الهند بمنظومات إلكترونية متقدمة في مجال الاستطلاع والقيادة والسيطرة. وقد كانت صفقة طائرات الفالكون، عام 2006، من أكبر الصفقات التي عقدتها إسرائيل مع الهند وبموافقة أمريكية، حيث حجبت الولايات المتحدة الأمريكية هذه التكنولوجيا عن الصين في صفقة مماثله، وأجبرت إسرائيل على إيقافها.

(5) وصلت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند، خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لأكثر من ملياري دولار.

(6) تتعاون الهند وإسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب، وهناك لجنة وزارية مشتركة في هذا المجال منذ عام 1998.

(7) لعل أهم مجالات التعاون بين الهند وإسرائيل هو التعاون في المجال النووي. ويشير العديد من المحللين إلى أن إسرائيل أمدت الهند بأجهزة غاية في الدقة ساعدتها في صناعة قنابلها النووية. كما يشيرون إلى أن التفجيرات النووية الهندية عام 1998، تضمنت تفجيرين لقنابل إسرائيلية. وقد لزمت إسرائيل الصمت تجاه هذه المعلومة؛ ولكن الهند نفت ذلك، بسبب ما قد يؤدي إليه من حرج سياسي لها.

ب. مجال التعاون الاقتصادي

يعد التعاون الاقتصادي مجالاً مهماً لأنه ينمو باستمرار، ويعمل على التكافؤ بين الصادرات والواردات بين الدولتين. وقد بلغ حجم التعاملات عام 2006 حوالي ثلاثة مليارات دولار، مناصفة بين الدولتين إلى جانب التوسع في إقامة الشركات المشتركة خاصة في الهند، والتي بلغ عددها حوالي 200 شركة تعمل في مجالات الهندسة، وإدارة المياه الجوفية، ومحاربة التصحر، والتكنولوجيا المتقدمة.

ج. مجال التعاون السياسي والإستراتيجي

وهو مجال له تأثير خاص على الأوضاع في الشرق الأوسط، حيث برز اهتمام إسرائيل بمنطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا وباب المندب، كدرس مهم مستفاد من دروس نصر أكتوبر 1973. وحققت إسرائيل أهدافها من خلال الهند لتكون معبراً للمصالح الإسرائيلية في تلك المنطقة، سواء المصالح الاقتصادية أو الأمنية.

وفي السياق نفسه، فإن لإسرائيل اهتماماً خاصاً مع دول آسيا الوسطى ذات القدرات البترولية الواعدة، وهو اهتمام الهند ذاته، ولذا يجري التنسيق بينهما في هذا المجال، خاصة تجاه المصالح الصينية ـ الباكستانية.

خلاصة القول، إن إسرائيل حققت علاقات مع الهند تتصف بالاستدامة وتبادل المصالح، بل وتصل إلى الاستقطاب، والتأثير على العلاقات الهندية ـ العربية في جميع المجالات، بما فيها إمدادات البترول من دول الخليج، حيث أصبحت القوة الشرائية للدول هي المتحكمة في مجال النفط، وليست الدول المنتجة، في الوقت الذي حققت فيه الهند تعاوناً مع إيران ليكون النفط والغاز الإيراني بديلاً للنفط العربي.

4. ردود الفعل الباكستانية تجاه التعاون الهندي ـ الإسرائيلي

ينحصر تأثير التعاون الهندي ـ الإسرائيلي على باكستان في الآتي:

أ. دعم القدرة الهندية في المجال العسكري، خاصة نظم الأسلحة المتقدمة، وبما يزيد من حجم الخلل في التوازن العسكري بين الهند وباكستان.

ب. دعم القدرة الاستخباراتية والمعلوماتية الهندية، خاصة في مجال التغلغل في دول آسيا الوسطى، وجنوب آسيا، إلى جانب أفغانستان، وكلها مناطق تحاول الاستخبارات الإسرائيلية أن تلعب دوراً رئيسياً فيها، بدعم من الاستخبارات الأمريكية. ووصول هذه المعلومات إلى الهند، يضر بالأمن الباكستاني.

ج. تعد إسرائيل إحدى البوابات التي تنفذ منها الهند لدعم العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويتحقق ذلك دوماً على حساب العلاقات الباكستانية ـ الأمريكية. وقد كان توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لاتفاقية التعاون النووي مع الهند عام 2006، ورفضها توقيع اتفاقية على النمط نفسه مع باكستان على الرغم مما قدمته من تعاون لدعم الحملة الأمريكية على أفغانستان، إحدى صور الكيل بمكيالين في العلاقات الدولية نتيجة تدخلات خارجية.

د. استغلت كل من الهند وإسرائيل أحداث 11 سبتمبر 2001، والحرب على الإرهاب، لتصفية حساباتهما مع الدول أو المنظمات الإسلامية المعادية لهما. وكان بينهما تنسيق في ذلك، حيث سعت الهند إلى محاولة بناء تعاون إستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية لشن الحرب على باكستان إلى جانب أفغانستان، من أجل إنهاء قضية كشمير والقضاء على نظام طالبان؛ ولكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت هذا التعاون، حيث تشكل باكستان الحليف الأهم للولايات المتحدة الأمريكية للحرب ضد أفغانستان، نظراً للتجاور الجغرافي، ولأن باكستان دولة إسلامية لا يشكل التحالف معها ضد أفغانستان ـ الإسلامية أيضاً ـ إحراجاً للولايات المتحدة الأمريكية أمام العالم الإسلامي.

تجاه هذه التأثيرات اتخذت باكستان العديد من القرارات لإحباط النوايا الهندية، كالآتي:

أ. أعلن الرئيس الباكستاني "برويز مشرف"، عام 2005، مبادرة لاحتمال إنشاء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، الأمر الذي عارضته كل القوى السياسية في باكستان، وبما أدى إلى سحب الرئيس مشرف لمبادرته.

ب. تأكيد باكستان لتحالفاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على نظام طالبان والقاعدة في أفغانستان، بهدف قطع الطريق على أي إدعاءات باتهامها بالإرهاب، أو تصدير الإسلام السياسي.

خامساً: تطور العلاقات والمصالح الهندية ـ الباكستانية مع العالم العربي

ترتبط الهند وباكستان مع الأمة العربية برباط الجوار والأمن الإقليمي، إلى جانب تبادل المصالح، خاصة أن الدولتين تعتمدان على النفط العربي في إنتاج الطاقة، إلى جانب جذب الاستثمارات الخليجية، وتشغيل العمالة في دول الخليج. وفي السياق نفسه تختلف الإستراتيجيات لكل منهما في التعامل مع الدول العربية، من واقع تحقيق مصالحهما، طبقاً للمتغيرات الإقليمية والعالمية السائدة. وقد تطورت هذه العلاقات بصورة جذرية على مدي أكثر من نصف قرن من الزمان، حتى وصلت إلى ما نحن فيه الآن كالآتي:

1. تطور العلاقات والمصالح الهندية مع العالم العربي

أ. بدأت هذه العلاقات منذ استقلال الهند عام 1947، وتوجهها نحو محاربة الاستعمار في المنطقة، كوسيلة للتقارب الهندي/ العربي.

ب. توطدت هذه العلاقة منذ عام 1954، عند الشروع في بناء منظمة عدم الانحياز، التي بدأت بمشاورات مصرية ـ هندية ـ يوغسلافية، وأعلنت عام 1955.

ج. لعبت الهند دوراً مهماً على مستوى الأمم المتحدة إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وكان وزير خارجيتها "كريشنامينون" هو صاحب فكرة "قوات الطوارئ الدولية"، من أجل الإشراف على انسحاب القوات المعتدية من مصر، والتي تحولت بعد ذلك إلى قوات حفظ السلام الدولية.

د. بدأ التطور السلبي في العلاقات العربية ـ الهندية من عام 1971، في أعقاب الحرب الهندية ـ الباكستانية، التي أدت إلى انفصال إقليم البنجاب (بنجلاديش) عن باكستان، حيث تصاعد التطور السلبي نتيجة عدة عوامل، أهمها:

(1) التعاطف العربي مع باكستان المسلمة ضد الهند.

(2) رفض طلب الهند الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، على الرغم من أن أعداد المسلمين فيها يقارب عدد مسلمي باكستان، بل يفوق أعداد كثير من مسلمي الدول العربية نفسها. وقد لعبت باكستان دوراً رئيسياً في هذا الرفض.

(3) تمويل عدد من الدول العربية المشروع النووي الباكستاني، الذي أدى إلى توازن القوى فوق التقليدية في شبه القارة الهندية، وذلك ضد رغبة الهند.

(4) ضعف تأثير منظمة دول عدم الانحياز، خاصة بعد رحيل قادتها التاريخيين "نهرو ـ عبد الناصر ـ تيتو"، وتوجه القوتين الأعظم إلى استقطاب دول العالم النامي والسيطرة على المناطق الإستراتيجية.

هـ. في أعقاب انتهاء الحرب الباردة عام 1990، غيرت الهند توجهاتها نحو العالم العربي، بما يؤدي إلى تحقيق مصالحها المطلقة، كالآتي:

(1) وضع قواعد للتنافس العربي ـ الإيراني من أجل إمداد الهند بالبترول، وجعل البترول الإيراني بديلاً إستراتيجياً للبترول العربي في حالة نشوب أزمات.

(2) السعي، بشدة، لاستقطاب رؤوس الأموال الخليجية للاستثمار في الهند.

(3) التوسع في تصدير العمالة الهندية إلى دول الخليج العربية، وبناء تجمعات كبيرة في العديد من هذه الدول، حيث بلغت حجم العمالة الهندية في منطقة الخليج أكثر من عشرة ملايين عامل في جميع التخصصات والمهن، إلى جانب رجال الأعمال والمستثمرين الهنود، على أرض الخليج.

(د) محاربة المصالح الباكستانية في الدول العربية، واتهام باكستان باستقطاب الإسلام السياسي، بالتعاون مع المنظمات الإسلامية في الدول العربية.

2. تجنيس العمالة الهندية في دول الخليج

ابتداءً من عام 2008، أثارت الهند قضية شائكة وخطيرة، وهي قضية تجنيس العمالة الهندية في دول مجلس التعاون الخليجي، ومنحهم حقوقاً سياسية تتوازن مع مواطني هذه الدول، وعدم تحديد مدة بقاء عمالتها في دول المجلس بوصفها عماله مهاجرة، وليست عمالة وافدة.

طرحت الهند هذا المطلب في "حوار المنامة"، الذي عقد في 18 ديسمبر 2008، وفي جلسة مغلقة بعنوان "العمالة والأمن"، مستندة على الاتفاقيتين الدوليتين الرقم 97 لسنة 1949، والرقم 143 لسنة 1975، واللتين تنصان على أحقية العامل، الذي يمضي على وجوده في الدولة التي يعمل بها أكثر من خمس سنوات، الحق في أن يتحول من وافد إلى مهاجر.

كان الدافع ـ الظاهر ـ للمطلب الهندي، هو اتخاذ دول مجلس التعاون الخليجي إجراءات نحو تحديد سقف زمني لبقاء العمالة الأجنبية في هذه الدول مدته لمدة خمس سنوات فقط، ويستثني من ذلك العمالة الماهرة التي تحتاج إليها، ومن ثم أرادت الهند إعلان موقف مسبق يتعارض مع قرار دول مجلس التعاون الخليجي.

أما الدافع الحقيقي، فهو يتعلق بإستراتيجية الهند في القرن الحادي والعشرين وتوسيع نطاق نفوذها في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من منطلق أنها تعد قوة ناشئة سوف يكون لها دور رئيس في العالم، على المدى البعيد.

فإذا نجحت الهند في تغيير التركيبة السكانية الخليجية، وتحويل دول الخليج إلى ولايات هندية، بكل ما يعنيه ذلك من آثار ثقافية واجتماعية، فإن ذلك سوف يؤدي بدوره إلى تحويل هذه المنطقة من المنظومة العربية، إلى أن تصبح جزءاً من المنظومة الهندية تأتمر بأوامر الهند. وسوف يؤدي ذلك إلى تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي، بمجالاته المختلفة.

وفي السياق نفسه، فإن الهدف الهندي يعمل على التأثير على المصالح الباكستانية في المنطقة، والتأثير على الدعم المادي والمعنوي العربي لدولة باكستان، التي ترتبط برباط وثيق مع معظم الدول العربية، ويعتمد اقتصادها على المعونات العربية، بما ينعكس أثاره على إضعاف باكستان.

ومن الثابت أن نسبة كبيرة من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي ذات أصول هندية، توطنت في المنطقة على مدي قرون من الزمان، وقبل استقلال دول الخليج، ثم اكتسبت جنسية هذه الدول. لذلك، فإن التحليل السكاني لمنطقة دول الخليج يوضح الأصول الهندية التي نالت جنسية هذه الدول، حيث تصل النسبة إلى 20% من السعوديين ذوي الأصول الآسيوية ومن بينها الهنود؛ كذلك نسبة 9% من الكويتيين، و30% من الإمارات ذوي أصول هندية، إلى جانب 18% من قطر، و13% من البحرين، كذلك فإن 27% من عمان. ذوي أصول أخرى، من بينها هندية.

ورفض هذا المطلب تماماً من دول الخليج، استناداً إلى أن الاتفاقيات الدولية تحدد نسبة وجود العمالة بحيث لا تزيد عن 15% من إجمالي عمالة الدولة، وهو ما لا يتوافر في حالة الهند، حيث تفوق أعداد العمالة الأجنبية في بعض دول الخليج أعداد مواطنيها الحقيقيين. ودللت على ذلك بأن العمالة الهندية في دولة الإمارات عام 2007 بلغت حوالي 2.4 مليون نسمة، وهي تشكل نسبة 36.5% من تعداد السكان؛ بينما يشكل مواطنو الإمارات الأصليون نسبة 13.48%، من تعداد السكان فقط.

3. إستراتيجية الهند لتطوير علاقاتها بالدول العربية حالياً، في مواجهة باكستان:

أ. محاولة تحقيق توازن في العلاقات العربية بينها وبين باكستان، والتأثير على حجم الدعم العربي ـ خاصة الخليجي ـ لباكستان

ب. اتخاذ موقف الحياد في الخلافات العربية ـ العربية، حتى لا تثير مشاكل تنعكس آثارها على الهند نفسها.

ج. اتخاذ موقف الحياد في التوترات ما بين الدول العربية وإيران، بحيث لا تتأثر علاقاتها بأي طرف نتيجة موقف معين.

د. تحرص الهند على تأكيد علاقاتها بدول مجلس التعاون الخليجي، بهدف:

(1) تأمين تدفق النفط الخليجي إلى الهند، والذي يمثل حوالي 50% من احتياجات الهند حالياً، وسوف تتطور هذه النسبة مع انطلاق خطط التنمية الهندية.

(2) ضمان تدفق الاستثمارات الخليجية في الهند، والتي تعمل على جذبها باستمرار، ووصل حجم الاستثمارات لدول مجلس التعاون الخليجي في الهند خلال عقد التسعينيات إلى حوالي 33.5 مليار دولار، 25% منها استثمارات سعودية، و21% استثمارات إماراتية، و17.5% استثمارات كويتية، و17% استثمارات عمانية، و13.5% استثمارات قطرية، و6% استثمارات بحرينية. وقد زادت هذه الاستثمارات خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

(3) ضمان استقرار العمالة الهندية في منطقة الخليج، والتي تشكل مصدر اقتصادٍي مناسب للهند، إلى جانب إيجاد فرص للعمالة الهندية في الخارج.

(4) الحفاظ على معدل التجارة الخليجي ـ الهندي، الذي يصل إلى حوالي 15%، من حجم صادرات الهند الخارجية.

4. تطور العلاقات والمصالح الباكستانية مع العالم العربي

أ. تطور العلاقات

(2) تميزت العلاقات العربية ـ الباكستانية بالفتور الشديد في منتصف عقد الخمسينيات من القرن العشرين، نتيجة للتحالف الباكستاني ـ الغربي، ومشاركة باكستان في حلف بغداد، ثم الحلف المركزي. وقد ساعد في تصاعد هذا الفتور، نشوء حركة عدم الانحياز، التي تشترك الهند في قيادتها، والتي تأكدت من خلالها علاقات الهند بالدول العربية الفاعلة، خاصة مصر.

(2) تطورت هذه العلاقة إلى الأفضل في منتصف عقد الستينيات، وبعد أداء منظمة المؤتمر الإسلامي مهامها، وتحمل باكستان مسؤوليتها نحو الحفاظ على الهوية الدينية في إقليم جنوب آسيا.

(3) في أعقاب الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، زاد التعاطف العربي الإسلامي تجاه باكستان، وهو ما استغلته باكستان في منع انضمام الهند لمنظمة المؤتمر الإسلامي، من ناحية، وسعيها إلى الحصول على الدعم المادي لبناء البرنامج النووي الباكستاني في مواجهة البرنامج النووي الهندي من ناحية أخرى. وقد استخدمت باكستان في هذا الوقت شعار "القنبلة النووية الإسلامية"، كوسيلة للتحفيز على دعم برنامجها النووي.

ب. الإستراتيجية الباكستانية لتطوير علاقاتها مع العالم العربي

تتأسس هذه الإستراتيجية على بناء علاقات باكستانية- عربية متميزة في مواجهة الهند، انطلاقاً من الآتي:

(1) أن باكستان دولة إسلامية يدين معظم شعبها بالمذهب السني، ومن ثم فهي تستغل ذلك في التقارب مع الدول العربية السنية، وفي مقدمتها مصر والسعودية، في مواجهة إيران، التي تحاول نشر المذهب الشيعي في منطقة جنوب آسيا.

(2) التصدي للتوجه الهندي – الإيراني، الذي جاء من خلال "إعلان مبادئ"، وقعّ عام 2001، ويتضمن الآتي:

(أ) محاصرة المد الأصولي "الإسلامي ـ السني" المتصاعد، في وسط آسيا وأفغانستان.

(ب) تأكيد دعم كل طرف للطرف الآخر في القضايا الرئيسية، التي تهدد أمنه القومي بصورة مباشرة (والمقصود هنا باكستان).

(ج) تأمين تدفق النفط الإيراني إلى الهند، في حالة منعه من قبل دول الخليج العربية.

(د) التوجه لبناء تحالف عسكري، خاصة في الصناعات العسكرية المشتركة.

(3) يمثل هذا الإعلان تحدياً مباشراً للأمن القومي العربي، إلى جانب كونه نوعاً من حصار باكستان من خلال تحالف هندي ـ إيراني.