إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



المبحث الرابع عشر

المبحث الخامس عشر

التوازن بين الهند وباكستان

في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين

التوازن لا يقتصر على قدرات الدول فقط، ولكن يمتد ليشمل التحالفات والمصالح، والوضع الإقليمي والعالمي، والغايات والأهداف، إلى غير ذلك. وتتمثل الصورة الإستراتيجية العامة في منطقة جنوبي آسيا، في ظهور معسكرين متصارعين، هما:

المعسكر الأمريكي ـ الهندي: وتدعمه اليابان وأستراليا. وقد قوى هذا المعسكر، منذ عام 2006، في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" للهند، وتوقيعه اتفاقية إمداد الهند بتكنولوجيا نووية متقدمة في المجال السلمي. وازدادت فاعليته بتولي الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" السلطة، في بداية عام 2009، وإعلانه أن الهند شريك إستراتيجي طبيعي للولايات المتحدة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل مع الهند في عدة قضايا مهمة، تراوح بين منع الإرهاب إلى دعم السلام والاستقرار في آسيا.

ويتزايد تأثير هذا المعسكر سلباً على باكستان، التي تحالفت مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب وقدمت الدعم اللا محدود للقوات الأمريكية في حربها في أفغانستان، ضد رغبة معظم الشعب الباكستاني، وبما أدى إلى انعكاس آثار هذه الحرب على الداخل الباكستاني نفسه، وإشاعة حالة من عدم الاستقرار واشتعال الصراع في الشمال الغربي الباكستاني، خاصة إقليم السند.

المعسكر الصيني ـ الروسي: وتدعمه ـ جزئياً ـ باكستان، نظراً لعلاقاتها التاريخية مع الصين؛ كذلك تؤيده دول آسيا الوسطى، مع محاولة روسيا إبقاء خطوطها مفتوحة مع الهند بحكم المصالح الاقتصادية، والحفاظ على مسافة بينها وبين باكستان، حتى لا تصطدم مع المصالح الأمريكية في هذه المنطقة.

ويعني ذلك أن منطقة جنوب آسيا، التي تضم الهند وباكستان، أصبحت منطقة صراع تسودها التحالفات والمصالح الدولية والإقليمية، بما سيفرض نفسه على حسابات التوازن في هذه المنطقة، والذي سيزيد من حدة المواجهة بين الهند وباكستان، خاصة أن الهاجس الإستراتيجي لباكستان، هو التخوف من أن تسعي الهند إلى إعادة ضمها إليها، عندما تمتلك القوة إلى تحقيق ذلك، أو إلى العمل على تفتيتها لإضعاف قدراتها على مواجهتها.

أولاً: التوازن في المجال الإستراتيجي

تحقق الهند تفوقاً على باكستان في جميع المجالات، تقريباً، عدا المجال النووي، وهو المجال الذي غير توجهات الهند نحو باكستان، وأدي إلى تحقيق توازن إستراتيجي تمكنت باكستان من خلاله من تقليص حجم السياسية العدائية الهندية تجاهها. وتشير التوازنات على المستوى الإستراتيجي إلى الآتي:

1. تبلغ مساحة الهند حوالي 3.2 مليون كم2، وتمتد شواطئها بأطوال تصل إلى حوالي 7 آلاف كم على بحر العرب والمحيط الهندي، وخليج البنجاب؛ بينما تبلغ مساحة باكستان حوالي 804 ألف كم2، وتمتد سواحلها على بحر العرب لمسافة حوالي 1046 كم. وبذلك تصل نسبة التفوق الهندي إلى حوالي 4 : 1 في المساحة  وحوالي 7 : 1 في الانفتاح على البحار والمحيطات.

2. تعداد الهند حوالي للهند 1.17 مليار نسمة، بينما تعداد باكستان حوالي 166 مليون نسمة، بنسبة تفوق هندي 7 : 1. كما أن نسبة المسلمين في الهند حوالي 13.4% من عدد السكان أي حوالي 157 مليون نسمة، وهو ما يقارب عدد المسلمين في باكستان، حيث تبلغ نسبتهم 97%، أي حوالي 159 مليون نسمة.

3. يصل حجم الناتج القومي الهندي حوالي 720 مليار دولار، بينما يصل حجم الناتج القومي الباكستاني إلى 90 مليار دولار، بنسبة تفوق هندي 8 : 1.

4. خصصت الهند للإنفاق العسكري خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ما بين 18 – 21 مليار دولار سنوياً؛ بينما خصصت باكستان ما بين 3.5 – 5 مليار دولار، إلى جاب تلقي مساعدات عسكرية خارجية يصل حجمها 1 – 2 مليار دولار. هذا يمثل تفوقاً هندياً بنسبة حوالي 3 : 1.

5. يعد متوسط دخل الفرد في كل من الهند وباكستان متدنياً، مقارنة بالدول المتقدمة، إذ يضع مقياس التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2007 – 2008، دولة الهند في الترتيب 128 على العالم، ودولة باكستان في الترتيب 136. كما يشير إلى أن 34% من سكان الهند، و17% من سكان باكستان يعيشون تحت مستوى خط الفقر. علماً بأن متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في الهند يصل إلى 3400 دولاراً، وفي باكستان 2400 دولاراً

وفي السياق نفسه، فإن برامج الإصلاح الاقتصادي أدت إلى تحقيق معدلات تنمية مناسبة في كلتا الدولتين، حيث وصل معدل النمو في الهند عام 2005 – 2006 إلى 6.1%، وفي باكستان إلى 7.1%، وقد تأثر استمرار هذا المعدل بالأزمة الاقتصادية، التي فرضت تأثيراتها على العالم من النصف الثاني من عام 2008. وعلى الرغم من تحقيق الهند قفزة في مجال صناعة البرمجيات، إلا أن صادرات الهند ذات التكنولوجيا المتقدمة، لا تزيد عن نسبة 2.4% من إجمالي الصادرات الصناعية، بينما تصل إلى 4%، من إجمالي صادرات باكستان.

ثانياً: التوازن في المجال العسكري

يعد التوازن في مجال القدرة العسكرية، هو عامل التوازن الرئيسي بين قدرات الدولة الشاملة، وهو المقياس الذي يبني عليه شأن الدولة في محيطها الإقليمي. كما أن مفهوم القدرة العسكرية للدولة يرتبط بمدى إمكانية متخذي القرار السياسي توظيف قواتها المسلحة، كماً ونوعاً لخدمة أهدافها القومية. وهذا هو ما تحاول كل من الهند وباكستان تحقيقه في مواجهة الآخر، وبما يتيسر لديها من تكنولوجيا وموارد تسليح وإعداد للقوات، واستقرار داخلي. ومن خلال النظرة الأولي للقدرات التي تحقق هذا التوازن، فإن الهند تتميز في العديد من المجالات، خاصة في مجالات امتلاك التكنولوجيا الحديثة، وتنويع مصادر السلاح، والاهتمام بالمجال الفضائي ونظم المعلومات.

وفي المجال ذاته، فإن التطبيق الديموقراطي داخل نظام الدولة يعكس آثاره على تحقيق التوازن؛ فبينما تتحلي الهند بقدر كبير من الديموقراطية، ويرتبط العسكريون فيها بمهامهم الرئيسية لدعم الكفاءة القتالية وبناء جيش حديث، فإن باكستان ـ شأنها شأن معظم الدول النامية ـ يعتمد نظام الحكم فيها على القوات المسلحة في إحكام السيطرة وتحقيق النفوذ، إذ تعد المؤسسة العسكرية الباكستانية ـ منذ الاستقلال وحتى الآن ـ هي صاحبة الدور الرئيسي في الحياة السياسية الباكستانية، وعادة ما تحسم الأمور لصالح الصفوة العسكرية أو في الحياة البرلمانية، وهو ما يتعارض مع تفرغ العسكريين إلى بناء القدرات العسكرية المتميزة، ويؤثر على الكفاءة القتالية للجيش.

وفي مجال التوازن، فإن باكستان لم تتمكن ـ حتى الآن ـ من اللحاق بالهند في بناء جيش حديث يعتمد على صناعات حربية متقدمة، ومعدات حديثة، واحتياطي إستراتيجي كبير؛ بينما تمكنت من تحقيق التوازن في مجال الردع النووي، وهو مجال يجعل الهند تعيد التفكير غير مرة في شن حرب شاملة على باكستان.

ثالثاً: التوازن في المجال العسكري النووي

أتاحت القدرات الهندية تحقيق السبق على باكستان، في امتلاك السلاح النووي، بما دفع باكستان لبذل كل الجهد في محاولة لتحقيق التوازن في المجال نفسه، وهو المجال الأكثر قدرة على بناء التوازنات الإستراتيجية، والتحكم في احتمالات الحرب والسلام. وقد حققت باكستان هذا التوازن في خلال عشر سنوات. وانطلقت الدولتان في استعراض قواهما النووية، ما أدى إلى التراجع المتبادل من كلتيهما عندما يحتدم الصراع بينهما لتفادي وقوع كارثة نووية، وهو ما حدث فعلاً في أزمة عام 1999، ثم في أزمة عام 2002، عندما سعت الهند إلى ممارسة سياسة "حافة الهاوية" ضد باكستان، لإجبارها على إيقاف دعمها للمقاتلين في كشمير. وبَنَت الهند –حينذاك- أكبر حشد عسكري على خط السيطرة، والذي تزامن مع حشد باكستاني مماثل.

 وقد مارست الدولتان مناوشات محدودة، أدت بدورها إلى تدخلات عالمية وإقليمية لإيقاف تدهور الموقف خشية قيام حرب نووية في منطقة جنوبي آسيا، إذ اضطرت باكستان للاستجابة، والضغط على جماعات المقاومة لإيقاف نشاطها.

وقد تكرر هذا الضغط، أيضاً، في أعقاب إجراء عناصر المقاومة القادمة من باكستان تفجيرات مومباي (نوفمبر 2008)، ثم تفجيرات مارس 2009، حيث بدأت باكستان حملة بضغط أمريكي ـ هندي، بدءاً من يونيه 2009، لتصفية جميع حركات المعارضة أو المقاومة المسلحة في باكستان، سواء ضد طالبان في الغرب، أو عناصر المقاومة في الحدود مع كشمير، وذلك بتمويل أمريكي يقدر بحوالي 5 مليار دولار على مدى خمس سنوات.

رابعاً: مستوى التوازن في القدرات النووية الذي حققته الدولتان

حققت كل من الهند وباكستان توازناً حقيقياً في المجال النووي، سواء في عدد الرؤوس النووية، التي تمتلكها كل منهما، أو في وسائل وصول السلاح النووي إلى هدفه. كما أنهما تتكافآن، تقريباً، في عدم امتلاك أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ، يمكن أن توفر لكل منهما درعاً للوقاية من الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، التي قد يطلقها الآخر؛ عدا أن الهند طورت نظاماً للدفاع الصاروخي "أكاش" "akash" يشبه نظام باتريوت الأمريكي، إلى جانب سعيها لشراء نظام "S-300" من روسيا.

ولإدارة الحرب النووية المحتملة، شكلت كلتا الدولتين نظاماً للقيادة والسيطرة يحقق قدرة مناسبة على استخدام الترسانة النووية، وتوظيف قدرتها في إدارة حرب شاملة. فأنشأت باكستان "سلطة القيادة القومية"، ويرأسها رئيس الجمهورية، ونائبه رئيس الوزراء. وقد اتخذت هذه القيادة قراراً، في 6 يناير 2003، على أن استعمال السلاح النووي لا يكون إلا في إجماع أصوات القيادة، وليس بالأغلبية، أو لا ينفرد به رئيس الجمهورية.

وفي السياق نفسه، أنشأت الهند قيادة مماثلة، وبالمسمي نفسه وفي الشهر والعام نفسهما. وعلى الرغم من أن الدولتين تتجهان لتجنب المواجهة النووية بينهما، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحرص بشدة على مراقبة الموقف جيداً، حتى لا ينشب صراع نووي في المنطقة. يضاف إلى ذلك ما توصل إليه الطرفان من اتفاقيات، لضمان عدم شن حرب نووية. كما تبادل الطرفان الخرائط التي تحدد أماكن المنشآت النووية لكل منهما.  وقد ثبت تاريخياً أن امتلاك السلاح النووي وإمكانية استخدامه ليس بالشيء اليسير، ويتطلب قواعد وأسس لاستخدامه من واقع العقيدة العسكرية للدولة، والذي يتم، عادة، من خلال عقيدة نووية، منفصلة، يراعي فيها الموقف العالمي بالدرجة الأولي.

خامساً: العقيدة النووية للهند وباكستان

بلورت الدولتان عقيدتين عسكريتين نوويتين، تحددان احتمالات المواجهة النووية وأسلوبها، والأسباب التي تحتم استخدام السلاح النووي، وذلك كالآتي:

1. العقيدة النووية الهندية تتضمن:

أ. أن القدرة النووية الهندية ينبغي أن تنظم على أساس مفهوم الحد الأدنى من الردع الفعال. وبما يعني:

(1) بناء القدرة النووية الهندية بحجم يحقق البقاء في مواجهة هجوم نووي مفاجئ، والقدرة على شن ضربة عقابية سريعة. (وهذا هو المفهوم التقليدي لتوازن الرعب، الذي تبلور إبان الحرب الباردة بين القوتين العظميين).

(2)    أهمية التفوق العددي في الرؤوس النووية للصمود أمام هجوم من جهات متعددة (وهو ما يشير إلى أن الهند تضع حساب إمكان تدخل الصين في الصراع). كما حددت وثيقة العقيدة أسلوب التفوق عن طريق توفير أدوات نقل ثلاثية متكاملة، تتمثل في الطائرات والصواريخ المتحركة المحمولة أرضاً، والصواريخ التي تطلق من الغواصات. والهدف من ذلك هو عدم تمكين العدو من تدمير قدرة الهند على شن الضربة العقابية التالية.

ب. بلورة الإستراتيجية النووية الهندية على أساس أسوأ الاحتمالات، وهو هجوم من دولة كبرى، أو دول إقليمية متعددة.

ج. أهمية الاستعداد العملياتي للأسلحة النووية، بحيث تتحول في أقصر وقت ممكن من الانتشار في أوقات السلم، إلى الاستعمال العملياتي عند اتخاذ القرار.

د. إمكان استخدام الأسلحة النووية كرد على هجوم معادي يستخدم الأسلحة الكيماوية، أو البيولوجية.

هـ. بلورة هذه العقيدة في وثيقة تلتزم بها أجيال القيادات المتعاقبة، من منطلق الديموقراطية الهندية.

2. العقيدة النووية الباكستانية

لم تتبلور في وثيقة محددة، ولكن أمكن تجميعها والاستدلال عليها من خلال تصريحات المسؤولين. وهي عقيدة ترى أن الأسلحة النووية هي أسلحة الملاذ الأخير؛ بمعني إمكانية المبادرة باستخدامها عندما تستنفذ إمكانيات الوسائل الأخرى.

وهي بذلك تختلف عن العقيدة الهندية، التي تشير ـ فقط ـ إلى عدم المبادرة باستخدام السلاح النووي. وتستند باكستان في ذلك على رفض الهند للعرض الصيني بالتعهد المشترك بعدم استخدام أسلحة أي منهما ضد الآخر؛ إلى جانب ذلك، فإن باكستان تعد سلاحها النووي هو الأداة الرئيسية في مواجهة التفوق الهندي، وتعترف بمحدودية قدرتها على تحقيق التوازن في مجالات الأسلحة التقليدية، التي تتفوق فيها الهند.

وتتضمن العقيدة النووية الباكستانية الآتي

أ. أهمية توفير الحد الأدنى من الردع (على غرار العقيدة الهندية)، على أن يتحقق ذلك من خلال تحقيق التوازن مع الهند في قدرات الرؤوس النووية، والصواريخ البالسيتية. (ولا يعني ذلك حتمية تساوي الرؤوس النووية والصواريخ مع الهند؛ ولكن لا ينبغي أن تكون هناك فجوة في هذا المجال).

ب. التركيز على أنظمة الصواريخ الأرضية متوسطة المدى مع تحسين القدرات التصويبية. (وهذا عكس العقيدة الهندية ذات الأبعاد الثلاثية).

ج. حددت باكستان أربع حالات يمكن أن تبادر فيها باستخدام السلاح النووي، وهي:

(1) أن تهاجم الهند باكستان وتحتل جزءاً كبيراً من أراضيها.

(2)    أن تدمر الهند جزءاً كبيراً من القوات البرية، أو الجوية الباكستانية.

(3) أن تحاول الهند خنق باكستان اقتصادياً.

(4) أن تمارس الهند ضغوطاً لضرب الاستقرار السياسي في باكستان، أو خلق فتن داخلية.

د. مع تصاعد حالة عدم الاستقرار في باكستان، خططت لتكثيف نظم تأمين المنشآت النووية، بمختلف أنواعها حتى لا تصل إليها أيادي المخربين، وحتى لا تتهم من قبل الولايات المتحدة بعدم قدرتها على تأمين منشآتها النووية. وكان نظام التأمين هذا يتكون من ثلاث حلقات أمنية.

(1) الحلقة الأولي: التأمين الفني الداخلي، وهي مسؤولية العاملين في المنشآت النووية.

(2)    الحلقة الثانية: تأمين المنشآت النووية، وهي مسؤولية أجهزة الأمن المخصصة لذلك.

(3) الحلقة الثالثة: التأمين الخارجي، وهي مسؤولية القوات المسلحة، وتشمل كل إجراءات الدفاع عن المنشآت، سواء برياً أو الدفاع الجوي.

هـ. ونتيجة للأحداث المشتعلة منذ عام 2008، والمخاوف الباكستانية من تعرض منشآتها لهجمات أو محاولات سطو على المواد النووية، شدّدت الحراسة، بإضافة خمس دوائر جديدة، كالآتي:

(1) تقسيم المنشآت النووية إلى وحدات غير متصلة، لإمكان الدفاع عن كل منها بتركيز.

(2)    نشر 10 آلاف رجل من القوات الخاصة، لتكثيف الدفاع عن المنشآت النووية.

(3)    وضع لواء من الجيش كاحتياطي، للتدخل ضد أي عناصر معادية.

(4) تكثيف عناصر المخابرات العسكرية والعامة لاكتشاف احتمالات العمل ضد هذه المنشآت، أو تهديدها.

(5) وضع نظام دقيق لتأمين وحراسة وتنظيم تداول المواد المشعة الخاصة بالأجهزة العلاجية في المستشفيات، أو المنشآت الأخرى، لمنع تسربها إلى الإرهابيين.

(6) وعلاوة على كل تلك الإجراءات الداخلية، كثفت السلطات الباكستانية إجراءات مراقبة الحدود، بنشر أعداد كبيرة من أجهزة الرصد الإشعاعي لمراقبة كل ما يدخل أو يخرج من البلاد، ضماناً لعدم تسرب أي مواد نووية.

وفي تطور مفاجئ، في 29 نوفمبر 2009، أعلن الرئيس الباكستاني تنازله عن السلطات المخولة له فيما يتعلق بالشأن النووي إلى رئيس الوزراء، وهي خطوة توضح تقليص سلطات رئيس الجمهورية، التي حرص الرئيس السابق "برويز مشرف" لتجميعها في سلطاته، إلى جانب تجاوبه مع الضغوط، سواء الأمريكية أو من الداخل، لإعطاء قدر أكبر للأمان النووي الباكستاني، وتعميق مجال الديموقراطية في باكستان

3. المقارنة بين العقيدتين

أ. تضع الهند في عقيدتها احتمال الهجوم عليها من عدة قوى واتجاهات، من بينها باكستان؛ بينما تضع باكستان عقيدتها على أساس احتمالات هجوم من الهند فقط.

ب. تصيغ الهند عقيدتها على أساس احتمال المبادرة بتوجيه الضربة، أو الاستعداد لتلقي الضربة وصدها، ثم القيام بالضربة المضادةP بينما تبني باكستان عقيدتها على المبادرة فقط بالضربة، وعدم إجراء حسابات صد الضربة الأولي، وشن الضربة الثانية> وأهم ما يلاحظ في ذلك هو عدم سعي باكستان لامتلاك أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ.

ج. تخطط الهند على أن تطول قذائفها النووية أرجاء دولة باكستان، بينما تهتم باكستان بالصواريخ ذات المدى المتوسط، والتي تجعل المفاعلات النووية الهندية في الجنوب خارج مرمي الصواريخ الباكستانية، وهو ما يعد إخلالاً بالتوازن النووي، ويجعله أكثر ميلاً لصالح الهند.

سادساً: القدرات النووية الحالية للدولتين

لا توجد بيانات موثقة لما تمتلكه الدولتان من رؤوس نووية، ولكن التقديرات المتاحة تنبع من تحليلات المتخصصين في هذا المجال. وتشير معظم التقديرات إلى الآتي:

1. الهند

تمتلك نحو 30 – 40 قنبلة نووية، قدرة كل منها تراوح ما بين 5 – 25 كيلوطن، طبقاً لتقديرات معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI)، وما بين 20 – 35 قنبلة، طبقاً لتقديرات "خدمة بحوث الكونجرس الأمريكي"، ونشرة العلماء النوويين الصادرة عام 2002.

2. باكستان

تمتلك ما بين 30 – 50 قنبلة نووية، طبقاً لتقديرات معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي، وما بين 24 – 48 قنبلة، حسب تقدير "خدمة بحوث الكونجرس الأمريكي".

سابعاً: القدرات الخاصة بتوصيل القنابل إلى أهدافها

تمتلك الدولتان قدرات صاروخية، إلى جانب الطائرات، لإطلاق هذه القنابل، كالآتي:

1. الهند

أ. الطائرات

تمتلك أسطولاً من الطائرات الروسية الصنع "ميج ـ 27، ميج ـ 29، بمتوسط مدى حوالي 800 كم؛ وطائرات جاجوار البريطانية ـ الفرنسية بمتوسط مدى 1600 ك؛ والطائرات الفرنسية ميراج 2000 بمتوسط مدى 1850 كم؛ والطائرات الروسية سوخوي ـ 30 بمتوسط مدى 3200 كم، يمكن أن يصل إلى 7000 كم بالتموين من الجو"، وهذه الطائرات يمكنها حمل قنابل نووية بوزن من 4760 كجم وحتى 6300 كجم.

ب. الصواريخ البالسيتية

الصاروخ أجني – 1 بمدى 700 كم، أجني – 2 بمدى 2000 كم، وكلاهما قادر على حمل قنابل نووية بإجمالي 1000 كجم. وتعمل الهند حالياً على تطوير الصاروخ أجني – 3 ليصل إلى مدى 3200 كم وبحمولة أكبر.

ج. التوجيه والمعلومات

تمتلك الهند منظومة أقمار صناعية توفر لها إنذاراً مبكراً حول إطلاق صواريخ معادية، إلى جانب أقمار الاتصالات والاستخبارات.

2. باكستان

أ . الطائرات

تمتلك طائرات إف – 16 الأمريكية بمدى 1600 كم، وحمولة 1000 كجم.

ب. الصواريخ البالسيتية:

الصاروخ غزنوي (حتف – 1) بمدى 290 كم، وحمولة 500 كجم، والصاروخ شاهين (حتف – 4) بمدى 450 كم وحمولة 1000 كجم، والصاروخ غوري – 1 (حتف – 5) بمدى 1200 كم وحمولة 1000 كجم، والصاروخ شاهين – 2 (حتف – 6) بمدى 2000 كم، ويستطيع حمل رؤوس نووية متعددة.

ثامناً: موقف الولايات المتحدة الأمريكية من امتلاك الهند وباكستان للقدرات النووية

لم تبد الولايات المتحدة الأمريكية أي موافقة تجاه امتلاك الدولتين لقدرات نووية. ولكنها فرضت عليهما عقوبات بعد تفجيرات مايو 1998. وفي ضوء سياسة الرضوخ للأمر الواقع، طورت الولايات المتحدة سياستها تجاه الموقف النووي في منطقة جنوب آسيا، لكي تحصل على مميزات ومصالح في تلك المنطقة. وكان تصرفها تجاه الدولتين يتسم بالكيل بمكيالين، ووضع الإسلام في دائرة الشكوك، واستخدام الهند كقوة ناشئة في إحداث التوازن مع القوة الناشئة الأخرى (الصين)، التي قد تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تحدد الموقف الأمريكي، منذ عام 2004 كالآتي:

1. تجاه الهند

موقف مبني على الثقة، وتعاون يصل إلى درجة التحالف الإستراتيجي بذريعة مسؤولية الهند عن تحقيق الاستقرار في منطقة جنوب آسيا، الأمر الذي أدى إلى توقيع اتفاقية لإمداد الهند بتكنولوجيا نووية متقدمة في المجال المدني، بشرط فتح منشآتها النووية للتفتيش الدولي.

2. تجاه باكستان

على الرغم مما بذلته باكستان في إطار التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الحرب على الإرهاب، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" رفض توقيع اتفاقية مع باكستان على نمط الاتفاقية مع الهند. وكان هاجسه الأكبر في ذلك، أن باكستان تصدر الإسلام السياسي، الذي يشكل خطورة على نظام الأمن والسلم الدوليين.

ومع تصاعد الأحداث داخل باكستان بدءاً من عام 2008، أبدت الولايات المتحدة الأمريكية تخوفها من وصول إرهابيين إلى المنشآت النووية الباكستانية. وطالبت الحكومة الباكستانية باتخاذ إجراءات مضافة لتأمينها، إلى جانب قيام الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية ذاتها بإجراءات مراقبة لهذه المنشآت. كما أشاعت ـ إعلامياً ـ أن المنشآت النووية الباكستانية أصبحت عرضة لهجمات إرهابية، وذلك لإقناع الرأي العام العالمي بضعف الإجراءات الأمنية لهذه المنشآت، وخطورتها على الأمن والسلم العالميين.

تأسيساً على ذلك، أصدر الكونجرس الأمريكي، في النصف الثاني من عام 2009، قانوناً بمنح باكستان مساعدات اقتصادية تبلغ خمسة مليارات دولار على مدى خمس سنوات، بهدف دعم جهودها لمواجهة حركات التطرف الباكستانية. وقد تضمن هذا القانون فقرة من القانون الأمريكي "خفض المخاطر"، وهو قانون استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في بداية التسعينيات لتفكيك القدرات النووية لبعض دول الإتحاد السوفيتي السابق، بما يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تضع في اعتبارها إمكانية التخلص من القدرات النووية في باكستان في وقت ما، طبقاً للمتغيرات العالمية والإقليمية. فعند الإحساس بالخطر ستسعي الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد أوضاع على الأرض تظهر عدم قدرة باكستان على تأمين منشآتها النووية، وأن هذه المنشآت عرضه للوقوع في أيدي الجماعات الإرهابية، ومن ثم تستصدر قراراً من الأمم المتحدة بفرض الوصاية الأمريكية على الترسانة النووية الباكستانية وتفكيكها، حرصاً على السلم والأمن الدوليين.

وأشد ما يقلق القادة الباكستانيين حالياً، هو تعمد الكونجرس الإشارة إلى قانون "خفض المخاطر" تحقيقاً لسيناريو قد يكون اكتمل إعداده. ويبدأ بتعرض منشآت باكستانية نووية لهجمات مسلحة خلال الفترة المقبلة، تشنها جهات ذات صلة أمنية بالاستخبارات الأمريكية، لتأكيد رؤية الولايات المتحدة الأمريكية أن تلك المنشآت غير آمنه. ومع أن هذه الهجمات ستكون ضد المحيط الخارجي فقط، ولكن صورتها سوف تضخم إعلامياً، لتحقيق الهدف المنشود.

ويعني ذلك أن البرنامج النووي الباكستاني، بوصف باكستان دولة إسلامية، هو أمر غير مقبول أمريكياً؛ بينما البرنامج النووي الهندي مقبول لمواجهة البرنامج الصيني.

تاسعاً: التوازن في مجال الأسلحة التقليدية

1. العقيدة العسكرية لبناء التوازن

في أعقاب استقلال الدولتين، الهند وباكستان، وبدءاً من عقد الخمسينيات من القرن العشرين، ارتبطت باكستان بالعقيدة الغربية والهند بالعقيدة الشرقية، خاصة بعد تصاعد حركة عدم الانحياز في منتصف الخمسينيات. وقد انعكس أثر ذلك على نظم التسليح والقيادة والسيطرة والتدريب، وغيرها.

ومع انتهاء الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفيتي القديم، اضطرت الهند إلى تنويع مصادر سلاحها، مع تكثيف قدراتها على بناء الصناعات العسكرية المتطورة. واستغلت الظروف الاقتصادية التي مرت بها روسيا لتعقد معها صفقات تسليح ضخمة، إلى جانب بناء صناعات عسكرية مشتركة.

وفي السياق نفسه، دعمت الهند علاقاتها بإسرائيل للاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة في صناعاتها العسكرية، إلى جانب تسخير هذه العلاقات من أجل أن تكون إسرائيل البوابة الرئيسية التي تمر منها الهند إلى الولايات المتحدة للحصول على التقنيات الحديثة.

أما بباكستان، فقد استمر اعتمادها على التسليح الغربي، بوجه عام، والأمريكي، بوجه خاص، إلى جانب توطيد علاقتها مع الصين في هذا المجال، سواء من أجل الحصول على الأسلحة، أو التصنيع الحربي المشترك.

في الوقت نفسه ساعدت الظروف باكستان في الحصول على معونات أمريكية في المجال العسكري، إلى جانب عقد صفقات خاصة في مجال الطيران، وذلك نتيجة لموقف باكستان من الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979 – 1989) ودعمها للجهود الأمريكية لمقاومة هذا الغزو، فضلاً عن تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على الإرهاب، ودعمها للقوات الأمريكية في غزو أفغانستان عام 2001، وحتى الآن.

2. القدرات الهندية لتحقيق التوازن

تنظر الهند في مجال تحقيق التوازن في مجال الأسلحة التقليدية، إلى العديد من العوامل، وأهمها:

أ. أن السلاح النووي، على الرغم من تأثيرها، لن يستخدم في الصراعات المحدودة، لذلك يجب إحراز التفوق في السلاح التقليدي كرادع إقليمي إضافي.

ب. أن تكون الهند قوة إقليمية مؤثرة لها وزنه السياسي والعسكري إقليمياً وعالمياً، مع التركيز على تحقيق مصالحها في منطقة جنوب، وجنوب شرق آسيا؛ لذلك تخطط الهند لتصبح قوة عالمية مؤثرة.

ج. التعامل مع النظام العالمي من منطلق قوة رئيسية في القارة الآسيوية، ومسيطرة على المحيط الهندي، ومن ثم تجبر هذا النظام على التفاهم معها قبل أن تسعي هي إليه.

د. أن الصين، على الرغم من التقارب الهندي ـ الصيني، لازالت تشكل تهديداً رئيسياً للهند؛ فالتوازنات تضع قدرات الصين التقليدية في المرتبة الأولي، ومن ثم فعلي الهند أن تسعي لسد الفجوة بينهما.

هـ. تمتلك الهند العديد من القدرات التي تمكنها من بناء القوة، وفي مقدمتها القدرة الاقتصادية، وامتلاك تكنولوجيا متقدمة، وقدرة بشرية كبيرة، وقدرة سياسية تمكنها من فتح مجالات التعاون مع العديد من القوى العالمية، إلى جانب أن التطبيق الديموقراطي في الهند يحقق لها قدراً من الاستقرار في الداخل، تؤسس عليه سياستها الخارجية.

و. توفر القدرة البشرية الهندية مطالب القوات المسلحة، حيث تبلغ الطاقة البشرية للشباب القادرين على حمل السلاح (15 – 49 عاماً) حوالي 180 مليون فرد، وتبلغ أعداد الشباب في سن التجنيد (17 – 20 عاما) أكثر من 15 مليون فرد، وباستغلال هذه القدرات، فإن تعداد الجيش الهندي حالياً حوالي 1.2 مليون فرد، إلى جانب أكثر من نصف مليون فرد في الاحتياط.

ز. تضع الهند إستراتيجيتها لإعادة بناء القوات المسلحة على أسس حديثة طبقاً لأسبقيات محددة، وتعمل جاهدة على تحقيق الآليات، التي توصلها إلى أهدافها، سواء من خلال استعادة مجالات التعاون مع روسيا الاتحادية، أو التعاون مع إسرائيل، أو التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوربي. وتتحدد هذه الأسبقيات في الآتي:

(1) بناء منظومة المعلومات والقيادة والسيطرة، التي تعتمد على نظم متقدمة تستخدم فيها الأقمار الصناعية والمستشعرات، والوسائل الإلكترونية والحاسبات الآلية. وتستعين في ذلك بإسرائيل، ودول الإتحاد الأوربي.

(2) بناء قوات جوية حديثة قادرة على تحقيق المهام وتوجيه ضربات نيرانية، إلى جانب دعم قدرات قواتها البرية والبحرية. وقد عقدت في هذا المجال العديد من صفقات الطائرات مع روسيا الاتحادية لأنواع "سوخوي – 30، ميج - 29 وغيرها، مع تطوير وتحديث أسطولها الجوي، وإقامة صناعات جوية مشتركة مع روسيا، وامتلاك أسطول من الطائرات من دون طيار.

(3) بناء قدرات صاروخية متعددة المديات والرؤوس المتفجرة، بإمكانيات ذاتية هندية.

(4) بناء أسطول بحري قوي يعتمد على حاملات الطائرات والغواصات والقطع الأخرى، من أجل السيطرة الكاملة على المجال البحري في منطقة جنوب آسيا.

(5) دعم القدرات البرية بأسلحة حديثة، خاصة الدبابات (أكثر من 3000 دبابة، منها حوالي50% دبابات حديثة) إلى جانب المدفعية وغيرها.

3. القدرات الباكستانية لتحقيق التوازن في المجال العسكري التقليدي

أ. تواجه باكستان العديد من المشكلات في مجال تحقيق التوازن على المستوى التقليدي، وذلك كالأتي:

(1) تعدد جبهات الصراع التي لا تقتصر على الهند وحدها، ولكن تبرز أحداث أفغانستان المشتعلة منذ الغزو السوفيتي عام 1979، وما طرأ عليها من تغيرات بالغزو الأمريكي عام 2001، ثم تطور الأحداث التي جعلت من الشمال الغربي الباكستاني مسرحاً للحرب أيضاً.

(2) ضعف عوامل الاستقرار الداخلي، خاصة في أعقاب استقالة الرئيس "برويز مشرف" وتولي سلطة مدنية للحكم، وهو ما لا يتناسب مع توجه المؤسسة العسكرية في باكستان في التدخل، في شؤون الحكم.

(3) تصاعد عمليات الإرهاب التي تطاول الداخل والمصالح الباكستانية، وتمتد إلى دول الجوار التي تتهم باكستان بدعم جماعات الإرهاب، بما يؤثر على بناء القرار الباكستاني في مواجهة التحديات المتصاعدة.

(4) عدم قدرة الحكومة الباكستانية على بناء الثقة مع الولايات المتحدة، خاصة في مجال الإمداد بالأسلحة الحديثة، وهو ما يؤثر على القدرة العسكرية الباكستانية.

(5) في السياق نفسه، فإن الدعم الصيني لباكستان يعد محدوداً، إلى جانب أن قدرة الأسلحة الصينية لا تحقق توازناً مع مثيلتها الروسية أو الغربية، بصفة عامة.

(6) تتأثر باكستان بالتوجهات الأمريكية نحو إعادة تشكيل التوازنات الإستراتيجية والعسكرية في منطقة جنوب آسيا، والتي أدت إلى تعميق الفجوة في التوازن الهندي الباكستاني، نتيجة إخلال الولايات المتحدة بالتزاماتها نحو باكستان، خاصة في مجال التسليح والمعونات العسكرية. وتحمل التوجهات الأمريكية الدوافع الآتية:

(أ) مواجهة المد الإسلامي عبر تطوير العلاقات مع الهند وإسرائيل وجمهوريات آسيا الوسطى، لنشر الأنظمة العلمانية في المنطقة (وهو ما يتعارض مع توجهات باكستان الإسلامية، والتي يتصف بعضها بالسلفية والتعصب).

(ب) مواجهة أي تعاون إيراني مع باكستان أو الهند أو الدول  الإسلامية الأخرى، والذي قد يهدد المصالح الأمريكية في منطقة جنوب آسيا.

(ج) التمسك بأن تظل باكستان قاعدة الانطلاق للقوات الأمريكية، لتنفيذ مهامها في أفغانستان.

(د) الضغط على باكستان لتولي دور مهم في الحرب على الإرهاب، ودعم القدرة الأمريكية في مواجهة نظام طالبان ومنظمة القاعدة.

(هـ) الضغط على باكستان من أجل إيجاد حل – بالتعاون مع الهند- لمشكلة كشمير.

ب. تحقق القدرة البشرية لباكستان إنشاء جيش قوي، حيث يبلغ تعداد أفرادها القادرين على حمل السلاح (15 - 45 عاماً) أكثر من 25 مليون فرد، والأفراد في سن التجنيد (17 - 25 عاماً) حوالي 11 مليون فرد. كما يبلغ تعداد القوات المسلحة الباكستانية حالياً حوالي 619 ألف فرد، إلى جانب قوات احتياط بقوة حوالي 304 ألف فرد.

ج. تعتمد باكستان في بناء قدراتها العسكرية على أسلحة أمريكية وأخرى صينية، إلى جانب قاعدة صناعات عسكرية، بالتعاون مع الدول الغربية، والصين.

د. تضع باكستان إستراتيجيتها في تطوير قواتها المسلحة بالقدر الذي يمكنها من تحقيق ذلك، حيث تواجه بإجراءات حظر التسليح المتقدم، إلى جانب أن قدرات الصناعات العسكرية الصينية محدودة. وتركز باكستان على تحقيق الأسبقيات الآتية:

(1) بناء قدرة جوية حديثة، حيث أبرمت صفقة طائرات ف-16 مع الولايات المتحدة.

(2) بناء قدرات صاروخية برؤوس تقليدية أو فوق تقليدية وبمديات مختلفة.

(3) محاولة دعم قدرات الأسطول البحري لمواجهة السيطرة الهندية على البحار المحيطة في منطقة جنوب آسيا.

(4) الاهتمام بالقوات البرية، خاصة سلاح المدرعات (2461 دبابة أنواع)، وسلاح المدفعية، والأسلحة الأخرى، خاصة في مجال الدفاع الجوي.

4. تحليل القدرات في مجال الأسلحة التقليدية للدولتين

أ. على الرغم من حجم القوى البشرية الكبير، إلا أن القدرات لا تساير النظم الحديثة ـ حتى الآن. فإذا وضعنا القدرات النووية جانباً، فإن إمكانيات الأسلحة التي تمتلكها الدولتان تعد أقل من القدرات التي تمتلكها دول الشرق الأوسط الرئيسية، مثل مصر وإسرائيل.

ب. نظراً لطبيعة الأرض الجبلية، خاصة على الحدود بين الهند وباكستان، فإن تشكيلات المشاة المزودة بإمكانيات حديثة هي السائدة من أجل إمكانية المناورة بما يتناسب مع الطبيعة الجغرافية.

ج. تبرز قدرات الهند في سعيها لامتلاك نظم قيادة وسيطرة حديثة، خاصة أن لديها قدرة في التعامل مع البرمجيات، وهو ما يمكن أن يشكل تفوقاً كبيراً في المستقبل.

د. تستنزف الأحداث، سواء في الداخل أو على الحدود بين الهند وباكستان، قدرات الدولتين على التفرغ لبناء الذات، وربما تكون قدرة الهند أكبر من باكستان في مواجهة هذه الأحداث والتغلب عليها.

هـ. سيبقي الإرهاب عاملاً رئيسياً مؤثراً على الدولتين كلتيهما في المستقبل، وبما سوف يؤثر على نماء قدراتهما.

عاشراً: الموقف الأمريكي تجاه التوازن بين الهند وباكستان

1. المحددات المؤثرة على الموقف الأمريكي تجاه تحقيق التوازن بين الهند وباكستان

تُعد الولايات المتحدة الأمريكية هي قائدة النظام العالمي الجيد، ولديها مسؤولية في تحقيق التوازنات على مستوى العالم، خاصة المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، إلى جانب مسؤوليتها في إيقاف تصاعد التوترات التي قد تؤثر على السلام والأمن الدوليين. كما أنها تعد الدولة الآمرة، التي يمكنها فرض التزامات بالحد من التسلح أو امتلاك بعض الدول لقدرات فوق تقليدية، أو استصدار قرارات من الأمم المتحدة في هذا الشأن.

وقد مارست الولايات المتحدة الأمريكية هذه المسؤولية في العديد من المرات، منها  ما أصدرته إدارة "بوش الأب" عقب حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) عام1991، من قرارات بشأن ضبط التسلح في منطقة الشرق الأوسط، وحظر امتلاك أسلحة أو نقل تكنولوجيات لأسلحة فوق تقليدية، أو أسلحة دمار شامل.

وكذلك ما مارسته إدارة الرئيس "بيل كلينتون" بعد ذلك، في إبرام أو تحديد الاتفاقيات الدولية بخصوص حظر انتشار الأسلحة النووية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ثم منع استخدام الألغام المضادة للأفراد. وتستند الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك، على الاتفاقيات في ممارسة الضغط على الدول المختلفة بشأن ضبط التسلح.

تحظى منطقة جنوب آسيا باهتمامات أمريكية، نظراً لصعود القوى الناشئة فيها، مثل الهند إلى جانب الصين في شرق آسيا، مع انتشار الأسلحة النووية في قارة آسيا، حيث تمتلك خمس دول منها أسلحة نووية (الصين ـ الهند ـ باكستان ـ إسرائيل ـ كوريا الشمالية)، وتحاول دولة (إيران) امتلاك هذه الأسلحة. وكل ذلك يؤثر على إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، ويؤدي إلى متغيرات تفرض تكاليف باهظة عليها مستقبلاً.

تستنزف الصراعات والتوترات في منطقة جنوب آسيا قدراً كبيراً من جهود الولايات المتحدة، خاصة في وجود أزمات أخرى، مثل الأزمة الاقتصادية، وتصاعد الأحداث على المستوى العالمي، إلى جانب أزمات منطقة الشرق الأوسط المجاورة لمنطقة جنوب آسيا، وهو ما يتطلب أن تسارع الولايات المتحدة بإنهاء الحرب في أفغانستان، باستخدام كافة الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وفي السياق نفسه يتصاعد سباق التسلح بين الهند وباكستان، سواء على المستوى التقليدي أو فوق التقليدي، وتتوجه الدولتان إلى بناء تحالفات، وتعظيم التعاون مع قوي خارجية بهدف تعظيم قدراتها، وهو ما يؤدي إلى فقد النظام العالمي الجديد سيطرته على الأحداث في المنطقة، والتي تنعكس آثارها على المصالح الأمريكية ذاتها، وعلى أمن المحيط الهندي.

 يبرز في هذا المجال، أيضاً، التوجه الباكستاني نحو تعظيم التعاون مع الصين في مجال التسليح والصناعات العسكرية، خاصة فوق التقليدية، على الرغم من حصول باكستان على دعم ومعونات أمريكية في مجال التسليح، كذلك توجه الهند إلى التعاون مع روسيا في تعظيم قدرتها العسكرية، على الرغم من تعاونها مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.

إن تصاعد الأحداث الداخلية في باكستان، وعدم قدرة النظام الباكستاني على تحقيق الاستقرار، قد يؤدي إلى تهديد للمنشآت النووية الباكستانية، أو وصول إرهابيين إليها أو تسرب مواد إشعاعية لأيدي الإرهابيين، وبما يمثل خطورة على السلام والأمن الدوليين.

2. الإستراتيجية الأمريكية لتحقيق التوازن بين الهند وباكستان

لا تخرج هذه الإستراتيجية عن نطاق الإستراتيجية الأمريكية، سواء على المستوى العالمي، أو المطبقة في منطقة جنوب آسيا، وهي تهدف إلى ضبط التسلح، والسيطرة على نزعة سباق التسلح السائدة في المنطقة، خاصة بين الهند وباكستان، من أجل تقليل الأخطار، وضمان عدم تصاعد الأحداث لتصل إلى صراعات عسكرية غير تقليدية تهدد المصالح الأمريكية في منطقتي جنوب آسيا والشرق الأوسط، وقد تمتد آثارها لتصبح حرباً عالمية رابعة. وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية  العديد من الآليات لتحقيق تلك الإستراتيجية، أهمها:

أ. عسكرياً

من خلال الوجود العسكري الكثيف في المنطقة، سواء في منطقة جنوب آسيا أو منطقة الشرق الأوسط، القريبة منها، وبما يحقق سرعة التدخل الأمريكي في الأزمات. ويعتمد هذا الوجود على الآتي:

(1) منظومة معلومات متكاملة تعتمد على أقمار التجسس، وأجهزة الاستخبارات بمجالاتها المختلفة، والتي تجعلها قادرة على مراقبة التوجهات السياسية والعسكرية التي تؤثر على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

(2) قواعد عسكرية منتشرة داخل وحول المنطقة، بها قوات عسكرية على درجة استعداد تحقق التدخل عند اللزوم، بإمكانيات متفوقة.

(3) حكم في امتلاك الدول للأسلحة بأنواعها المختلفة طبقاً لمنظور أمريكي، وباستخدام كل وسائل الضغط السياسي والعسكري والمعنوي.

(4) فرض عقوبات دولية على الدول التي لا تنساق لإرادة الولايات المتحدة في مجال التسلح، وتكوين شبكة تحالفات دولية لحصار تلك الدول، ومنعها من تحقيق إرادتها، خاصة الدول التي تتوجه لامتلاك برامج نووية.

(5) تطبيق نظم احترازية تؤدي إلى التحكم في قرار الدول التي تمتلك أسلحة نووية، سواء في التحفظ على أسلحتها أو تأمينها ومنع وقوعها في أيدي إرهابيين، أو فيما يتعلق بقرار استخدام تك الأسلحة بواسطة الدولة نفسها.

(6) لعمل على إنهاء حالة الحرب في المنطقة، خاصة الدائرة في أفغانستان وفي العراق، لبناء حالة من الاستقرار تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إيقاف استنزاف جهودها في تلك المنطقة.

(7) تحديد عمل قوات حلف شمال الأطلسي بدعم القدرات الأمريكية في منطقة جنوب آسيا كمهمة رئيسية للحلف.

مجال تطبيق الإستراتيجية الأمريكية تجاه الهند وباكستان

تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية  نوعاً من الازدواجية في تطبيق إستراتيجيتها، تجاه كل من الهند وباكستان، بما يشير إلى عمق الاختلاف في التوجه الأمريكي، نحو تحقيق المصالح في منطقة جنوب آسيا. ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية، في مجال التوازنات، تتبع منهجية إستراتيجية خاصة تنظر فيها إلى تحقيق مصالحها الذاتية قبل مصالح الآخرين، وتتضمن سيطرتها كقائد للنظام العالمي الجديد.

وتعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على وجودها الكثيف في المنطقة، كآلية رئيسية لمنع وقوع صدام شامل بين الهند وباكستان، والتحكم في مسار التوترات القائمة، إلى جانب استمرارها في الحرب على الإرهاب ومحاولة تجفيف منابعه، بوصف أن هذا الإرهاب هو الذي يؤدي دوماً إلى اشتعال الصدامات بين الهند وباكستان.

ب. المجال النووي

وهو المجال الأهم في نظر الولايات المتحدة من أجل تطبيق عقيدتها في منع انتشار السلاح النووي وحظر إجراء التجارب النووية، إلى جانب تجميد قدرات الدول التي تمتلك أسلحة نووية من التمادي في تطويرها، أو امتلاك المزيد منها. لذلك تبذل جهوداً حثيثة باستخدام آلياتها في تحقيق الآتي:

(1) المحافظة على التوازن النووي بين الهند وباكستان كأداة رئيسية لمنع نشوب حرب نووية في منطقة شبه القارة الهندية، نتيجة لتحقيق توازنات الرعب بينهما.

(2) وضع قيود لمنع الدولتين من دعم أي دول أخرى في امتلاك برامج نووية مشابهة، أو إجراء تحالفات تهدف إلى انتشار القدرات النووية في المنطقة.

(3) الحصول على معلومات متكاملة عن البرامج النووية للدولتين، وبما يساعد الولايات المتحدة في السيطرة على حظر الانتشار النووي في المنطقة، أو مراقبة استعداد أي من الدولتين في استخدام السلاح النووي. كذلك مراقبة التجارب النووية وأسلحة توصيل هذه القنابل إلى أهدافها.

(4) تدخل الولايات المتحدة الأمريكية حسابات التوازن بين الصين والهند ضمن حساباتها الإستراتيجية وعلى ذلك فهي تهتم بالمحافظة على القدرات النووية للهند كوسيلة ردع للصين؛ بل تعمل على تدعيم هذه القدرات، سواء من خلال تنظيم التعاون بين الهند وإسرائيل، أو من خلال دعم أمريكي مباشر في نطاق الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والهند.

(5) في السياق نفسه، فهي تحاول الحد من التعاون الصيني ـ الباكستاني في هذا المجال، من أجل تطويق الصين، وعدم تمكينها من امتداد تحالفاتها جنوباً وشرقاً، بما يؤثر على مصالح الولايات المتحدة.

ج. مجال الأسلحة التقليدية

يعد التطور ـ عالمياً ـ في هذا المجال قد قطع أشواطاً بعيدة، حققت الولايات المتحدة الأمريكية فيها تفوقاً حاسماً، سواء في مجال حرب المعلومات، أو الأسلحة الذكية، أو الإصابة عن بعد، وغير ذلك؛ إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تحرص، حتى الآن، على عدم امتلاك كل من الهند وباكستان قدرات حديثة إلا بأقل قدر، وتهدف من ذلك إلى الحدّ من قدرة  كل منهما على شن حرب حديثة ضد الآخر. وفي الوقت نفسه، فإنها تسمح للهند بامتلاك بعض القدرات المتميزة، سواء من خلال الحصول عليها من إسرائيل أو روسيا الاتحادية، بهدف تحقيق التوازن مع الصين أساساً. وتحرص الولايات المتحدة الأمريكية ـ في هذا المجال ـ لتحقيق الآتي:

(1) تجاه الهند

(أ) تشجيع التعاون العسكري بين الهند وإسرائيل، بما يحقق عدة مميزات للولايات المتحدة الأمريكية:

·   الأول: التعرف المستمر على حجم التقدم في مجال الأسلحة في الهند.

·   الثاني: التحكم في حجم التكنولوجيا التي يمكن تزويد الهند بها.

·   الثالث: فتح مجال لمبيعات الأسلحة الإسرائيلية، والتي ستضطر الولايات المتحدة لشرائها إذا لم تجد إسرائيل مشتر خارجياً طبقاً لاتفاقيات أمريكية – إسرائيلية.

·   الرابع: فتح المجال للانتشار الإسرائيلي في منطقة جنوب آسيا، بما يحقق الدعم للقدرات الأمريكية، إذ تمثل إسرائيل حليفاً قوياً للولايات المتحدة الأمريكية.

(ب) مراقبة التعاون الهندي مع القوى العالمية المصنعة للسلاح، خاصة التعاون الهندي ـ الروسي، والتحكم في مجال هذا التعاون من خلال ضغوط على الأطراف المختلفة، وبحيث لا يزيد حجم هذا التعاون على المستوى الذي تخططه الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق التوازن من وجهة نظرها. وفي هذا المجال:

·   تشجع الولايات المتحدة الأمريكية الهند في دعم أسطولها البحري، وتزويده بحاملات طائرات وغواصات متطورة، وبما يحقق قدرة عسكرية في المحيط الهندي يمكنها التأثير على محاولة الصين الهيمنة على تلك المنطقة.

·   لا تعترض الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير القوات الجوية أو البرية الهندية، بدعم روسي وإسرائيلي، لدعم قدرات الهند تجاه الصين.

(2) تجاه باكستان

لا تزال باكستان هي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على الإرهاب في منطقة جنوب آسيا. ويتأثر هذا التحالف بعاملين رئيسيين تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التغلب عليهما، وهما: الإسلام السياسي، الذي يراه الغرب، بصفة عامة، منتجاً للإرهاب، إلى جانب التعاون الصيني ـ الباكستاني، والذي يشكل خطورة على المصالح الأمريكية ويهدد بانتشار سيطرة الصين على المنطقة. وفي هذا المجال تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية العديد من السياسات، وأهمها:

(أ) عقد الاتفاقيات الأمنية مع باكستان، وتحديد دور رئيسي لها في الحرب على الإرهاب في المنطقة.

(ب) استمرار المساعدات العسكرية لباكستان، بما يحقق دعم قدراتها، خاصة في مجال الطيران.

(ج) تخصيص ميزانية (خمسة مليارات دولار) على خمس مدى سنوات، لدعم القدرات العسكرية الباكستانية في القضاء على الإرهاب أو الإسلام السلفي، في ربوع باكستان.

(د) محاولة تضييق مستوى التعاون الباكستاني ـ الصيني في مجال التسليح، والاستبدال به تعاوناً أمريكياً باكستانياً.

حادي عشر: الحرب في أفغانستان وانعكاساتها على التوازن في المنطقة

على الرغم من أن باكستان ترى جارتها أفغانستان عمقاً إستراتيجياً في مواجهة الهند، إلا أن الحقائق تدل على أن العلاقات الأفغانية ـ الباكستانية لا تحقق هذا المفهوم. فقد تشبعت العلاقات الباكستانية – الأفغانية بروح العداء وهواجس الأمن والاختلاف على تحديد خط الحدود (ديوراند)، خاصة بعد لجوء نظام طالبان في أفغانستان وتنظيم القاعدة للتمركز في مناطق حول هذه الحدود ذات الطبيعية الجبلية، والتي يقطنها "البشتون"، الممتده جذورهم وانتماءاتهم بين باكستان وأفغانستان.

وتستغل الهند العلاقات المتوترة بين أفغانستان وباكستان في تأجيج هذه الخلافات، لإضعاف قدرات باكستان في مواجهة الهند في الصراع حول كشمير؛ بل وإبعاد القدرات العسكرية الباكستانية في اتجاه معاكس للحدود مع الهند. كما أن الهند لن تسمح لباكستان الإنفراد بأفغانستان كعمق إستراتيجي، يحقق لها الاتصال بجمهوريات آسيا الوسطى.

1. المحددات المؤثرة على التوازن

تتجه هذه المحددات إلى التأثير على قدرة باكستان في تحقيق توازنها مع الهند، حيث تستنزف هذه الحرب وتداعياتها قدرة باكستان في مواجهة الهند، للأسباب الآتية:

أ. أن جذور العلاقة الأفغانية تميل باستمرار ناحية الهند وإلى غير صالح باكستان؛ بل إن النزاعات تكررت على الحدود ما بين باكستان وأفغانستان، إلا أن أفغانستان وقفت موقف الحياد في جولات الصراع الهندية ـ الباكستانية.

ب. أن الصراعات في المنطقة، خاصة في أعقاب الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979 – 1989) وحتى الآن، قلبت موازين التحالفات. ومن ثم كان التوجه نحو تحديد العدائيات، كالآتي:

(1) دعمت حكومة باكستان نظام طالبان في أفغانستان إبان الغزو السوفيتي، واستقبلت حوالي خمسة ملايين أفغانٍ كمهاجرين إلى أراضيها، وجعلت من هذه الأراضي قاعدة لانطلاق عناصر المقاومة ـ بدعم أمريكي ـ لمقاومة الاحتلال السوفيتي.

(2) انقلبت موازين التأييد في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وتوجه الولايات المتحدة الأمريكية لغزو أفغانستان لكي تصبح باكستان حليفاً لها؛ ولم تكن باكستان ضد نظام طالبان بصورة كاملة، بل سمحت لها ولتنظيم القاعدة باللجوء إلى المناطق الجبلية الشمالية الغربية، حيث المناطق القبلية.

(3) أدى القرار الباكستاني إلى تداعيات خطيرة، ذلك أن المناطق الجبلية الشمالية الغربية، التي تقطن بها قبائل البشتون المنتشرة بين باكستان (25 مليوناً) وأفغانستان (12 مليوناً)، كانوا يطالبون منذ زمن طويل بدولة مستقلة لهم. وقد استفادوا من تلك المتغيرات، خاصة مع تصاعد التيارات الإسلامية السلفية، فتكونت جبهة طالبان الباكستانية وحملت السلاح وقاومت السلطات الباكستانية، التي بدأت شن حرباً كاملة عليها في هذه المنطقة، منذ يونيه 2009، حرب أدت إلى استنزاف القدرات الباكستانية.

ج. تشير جهات باكستانية، أن ثمة خطاً متصلاً بين أفغانستان والهند لدعم طالبان باكستان وإمدادهم بالسلاح، من أجل تفتيت باكستان واستقلال إقليم السند في منطقة شمال الغرب الباكستاني، إلى جانب استنزاف جهود الجيش الباكستاني والتأثير على قدراته في مواجهة الهند. ويستدل في هذا المجال بالأحداث الآتية:

(1) احتفظت الهند بعلاقات حميمة مع جميع الحكومات الأفغانية، التي ناصبت باكستان العداء حول أزمة خط "ديوراند"، بل ووقفت ضد نظام طالبان عندما كان يحكم أفغانستان وعندما كانت باكستان تؤيده.

(2) بعد سقوط نظام طالبان، قدمت الهند مساعدات كبيرة لأفغانستان للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، وفتح قنصليات هندية في المدن الرئيسية القريبة من باكستان، الأمر الذي آثار قلق السلطات الباكستانية من استخدام هذه القنصليات في أعمال تخريبية ضدها.

(3) كان تفجير السفارة الهندية في كابول (عاصمة أفغانستان)، في يوليه 2008، يمثل قمة تصفية الحسابات بين البلدين على الأراضي الأفغانية، واتهمت الهند وأفغانستان، الاستخبارات الباكستانية بتدبير هذا الحادث، الأمر الذي رفضته إسلام أباد.

2. الإستراتيجية الباكستانية لتحقيق التوازن في هذا المجال

تتحدد الرؤية الإستراتيجية الباكستانية من خلال عدة ثوابت:

أ. عدم السماح للهند بالتأثير على العمق الإستراتيجي الباكستاني في اتجاه الغرب.

ب. تأكيد التحالف مع الولايات المتحدة كقوة فاعلة لإنهاء الصراعات، وتحقيق الغايات القومية الباكستانية في المنطقة.

ج. السعي لبناء الثقة مع الحكومة الأفغانية، وبما يزيل التوتر القائم، وإحباط أي توجهات هندية لتعميق الخلافات الأفغانية – الباكستانية.

د. تصعيد الموقف في كشمير باستخدام منظمات المقاومة فيها للحرب بالوكالة عنها، حتى تظل مشكلة كشمير قائمة، وتؤثر على استقرار الهند، وربما تكون تفجيرات مومباي 2008 آلية لتحقيق الهدف الباكستاني.

هـ. استخدام أقصي قدراتها في القضاء على نظام طالبان باكستان في إقليم السند، للمحافظة على وحدة باكستان، خاصة أن هذه القدرات تدعمها قدرات أمريكية مضافة.

و. التحرك على المستوى الداخلي من أجل الاهتمام بالمنطقة الشمالية الغربية، ووضع خطط لتنميتها وتأكيد حقوق المواطنة، والتطبيق الديموقراطي فيها، وبما يؤكد ولاء وانتماء القبائل للدولة الباكستانية.

ز. تعميق التحالف ضد الإرهاب، والذي يجمع بين باكستان وأفغانستان والولايات المتحدة في تحقيق تقارب مناسب، وبما يحقق بدوره الهدف الإستراتيجي الباكستاني في امتداد التأثير الباكستاني إلى دول آسيا الوسطى.

3. احتمالات عودة الوئام بين الهند وباكستان

يشكل الصراع الهندي ـ الباكستاني ظاهرة تاريخية امتدت لأكثر من 60 عاماً في منطقة جنوب آسيا وشبه القارة الهندية، دون التوصل إلى حلول جذرية حاسمة لإنهاء هذا الصراع. ويوجد العديد من المشاكل التي تغذي هذا الصراع، وأهمها:

أ. مشكلة كشمير، التي تمثل السبب الرئيسي في هذا الصراع. وقد أصبحت قضية كشمير تشكل قضية دينية قومية تاريخية، لدي الطرفين:

فالهند: منذ عام 1991، رأى التيار القومي الهندوسي المتطرف، الذي صعد إلى السلطة في هذا الوقت، قضية كشمير قضية قومية دينية لا يمكن التنازل عنها لباكستان، وحدث التطور الأبرز مع التقارب الهندي ـ الإسرائيلي، الذي سمح بوجود عناصر عسكرية لإسرائيل داخل كشمير، من أجل محاربة المجاهدين الكشميريين. ويقدر عدد هذه العناصر بـ300 فرد.

وباكستان: كانت ترى منذ بداية التقسيم أن كشمير جزء لا يتجزأ من أرضها، وهي متمسكة بذلك، ويعد الباكستانيون مسألة كشمير قضية قومية إسلامية لا تتحمل تنازلات. وعلى الرغم من أن اتفاقية عام 2004، حققت استعداد الطرفين لتقديم تنازلات بخصوص الوضع في كشمير، وبناء الثقة، والقضاء على الإرهاب، وتطبيع العلاقات، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، وعادت القضية إلى مربعها الأول في أعقاب تفجيرات مومباي 2008.

ب. تصاعد التيارات الدينية، والتي تتصادم ما بين الإسلام والهندوسية والسيخ، وكل تيار له سلفيته ومتشددوه، الذين يحاولون إيجاد أزمات تنعكس آثارها على الأمن في المنطقة.

ج. الحرب في أفغانستان، والتي طالت آثارها المنطقة وما حولها.

د. الوجود الأجنبي الكثيف في المنطقة، والذي يسعي إلى تحقيق مصالحه، دون النظر إلى مصالح الآخرين.

ومن كل ما سبق قد يبدو في الصورة أن الوئام لا يمكن تحقيقه على المدى القريب؛ ولكن يمكن تحقيقه على المدى المتوسط (أكثر من عشر سنوات) أو البعيد، إذا تغلبت الإرادة السياسية للدولتين على المشاكل القائمة بينهما انطلاقاً من الاعتبارات والركائز الآتية:

1. أن النظام العالمي الجديد قد أحدث تغيرات كبيرة في أرجاء العالم، شملت النظم السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، وباتت هذه التغيرات تعكس آثارها على حياة الشعوب، بما قد يؤدي إلى تغيير الفكر والأهداف والغايات.

2. أدي الوجود الكثيف للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في المنطقة، إلى متغيرات مهمة في ضبط التوازنات والتحالفات، وضمانات الأمن، وبما يعكس آثاره على مسار الصراع، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية ضامناً لعدم نشوب حرب كبيرة في المنطقة.

3. يضاف إلى ذلك التوازن في ميزان الرعب الهندي ـ الباكستاني، الذي يقلص احتمالات قيام حرب شاملة بين الدولتين.

4. على المستوى الاقتصادي، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، أفرزت العديد من المفاهيم، في مقدمتها سعي الدول إلى عدم استنزاف مواردها، ودعم خطط التنمية، وبناء الاقتصاديات التي تعتمد على نفسها في مواجهة الأزمات، وكل ذلك سوف يؤدي ـ مستقبلاً ـ إلى حرص الدول على تقليص حجم نفقات الدفاع والإنفاق العسكري، وهو ما يؤدي بدوره إلى خفض حجم التوترات وعدم العمل على تصعيد المواقف.

5. علي المستوى الثقافي والاجتماعي، فإن الشعوب كرهت الحروب، إلى جانب أن الإرهاب انكشفت أوراقه، وبدأت الدول والشعوب في وضع الخطط لمقاومته، وبما يشير إلى تجفيف منابعه على المدى المتوسط.

6. أن هناك تجارب على المستوى العالمي نجحت من خلال الإرادة السياسية في بناء الثقة وإيجاد حلول للمشاكل المستعصية بينها، والتوجه نحو السلام. وأهم الأمثلة على ذلك الدول الأوربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والوضع ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية في أعقاب تفكك الإتحاد السوفيتي، ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية في أعقاب نصر أكتوبر 1973.

ويعني ذلك أن التغلب على جميع المشاكل الهندية ـ الباكستانية، وإشاعة الاستقرار والسلام في شبه القارة الهندية، ممكن لو توفرت الإرادة السياسية لكلتا الدولتين.