إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع التركي ـ اليوناني، ومشكلة قبرص





نيقوسيا والخط الأخضر

الاقتراح التركي
بحر إيجه والجزر
قبرص التقسيم الفعلي



أولى حروب القرن

المبحث الثالث

الانقلاب العسكري والغزو التركي لقبرص

أولاً: الانقلاب العسكري في اليونان، عام 1967، وموقفه من قبرص

1. موقف العسكريون في اليونان من قبرص

عندما وقع الانقلاب، في 21 أبريل 1967، في اليونان، اتّبع العسكريون سياسة غير متوقعة، تجاه مشكلة قبرص. وحاولوا، في البداية، علاجها بطريقة مختلفة. فقد سعى الحكم العسكري في اليونان إلى إقامة علاقات وثيقة بالحكم العسكري في تركيا، بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية ومباركتها. واتجه التفكير إلى إمكانية تطبيـق خطـة المبـعوث الأمريكـي، دين أتشيسون.

وفي أعقاب الانقلاب، أصدرت الحكومة اليونانية بياناً رسمياً، في الأول من يوليه 1967، نُشر في كل الصحف اليونانية، طالب بسرعة إبعاد كل زعماء القبارصة، الذين يخلقون الظروف غير الملائمة، ويضعون الشروط الهدامة، التي تجعل "الإينوسيس" مستحيلة وغير ممكنة. وعليهم إفساح المجال لمن يثق بالحكومة اليونانية الوطنية. بيد أنه في السنوات التالية، اتخذت اليونان موقفاً مغايراً، إزاء المشكلة القبرصية.

وعقد اجتماع قمة بين رئيس وزراء تركيا، سليمان دميريل Suleyman Demirel، ورئيس وزراء اليونان، قسطنطين كولياس Constantine Kollias، في 9 سبتمبر 1967، ووافق فيه الجانب اليوناني على كل الاقتراحات، التي قدمها الجانب التركي. وبذلك، أغلق الباب أمام نداء اليونانيين بالوحدة مع قبرص، وصرح دميريل، رئيس الوزراء التركي، عقب عودته إلى تركيا، بأنه تمكن، خلال المباحثات، من تمييع اقتراح اليونان بالوحدة مع قبرص، وأنه أصر على تنفيذ اتفاقية زيورخ، التي لا يمكن تغييرها، إلاّ بعد الرجوع إلى تركيا واليونان وإنجلترا.

2. الضغط والإنذار الموجَّه إلى مكاريوس

جاء موقف حكومة الانقلاب العسكري اليوناني من مكاريوس، ليزيد من المشكلات، التي تواجهه، فضلاً عن المشكلة الطائفية. فقد أرسلت تلك الحكومة مبعوثاً شخصياً إلى الرئيس القبرصي، لإقناعه بتقديم مزيد من التنازلات للمطالب، التي ينادى بها القبارصة الأتراك، من أجل الاستقلال الإقليمي، إضافة إلى التخلي عن العناصر اليسارية، المشتركة في الحكومة القبرصية.

ولهذا، أرسلت الإنذارات المتتالية إلى مكاريوس، ومنها الإنذار الموجَّه إليه في فبراير 1972، الذي تضمن النقاط الثلاث الآتية:

أ. ضرورة إعادة الوحدة الوطنية، الممزقة، إلى الجزيرة.

ب. منع وقوع أي مواجهة محتملة، الأمر الذي يزيد من احتمالات شحنات الأسلحة التشيكية[1].

ج. وتضمن الإنذار مسؤولية اليونان عن المحافظة على الأمن في الجزيرة. وطالب بضرورة تعديل الوزارة القبرصية، لتختفي منها العناصر اليسارية.

وبالفعل، قام مكاريوس بإحداث هذا التعديل، وإن كان لم  يرضخ للمطالب اليونانية، في ما يتعلق بالقبارصة الأتراك. ولم تكتفِ الحكومة اليونانية بالضغوط والإنذارات، الموجَّهة إلى مكاريوس، بل لجأت إلى تحريك العناصر الدينية، كأداة مساعدة للضغط.

3. عنف داخل الصف اليوناني

تحولت أجواء انعدام الثقة، بين مكاريوس والحكام العسكريين في اليونان، إلى عداء مكشوف. فكان الحكام العسكريون يدركون، أن مكاريوس مناصر متحمس للملكيـة، وأنـه كان يتعاون سراً مع الراغبين في إسقاطهم. أمّا مكاريوس، فلم يكن يحمل مشاعر ودية للحكام العسكريين، لأنهم رضخوا، بسرعة، لطلب تركيا سحب القوات اليونانية من قبرص، بعد عمليه كوفينو.

بحلول شهر أبريل 1969، كان العديد من المجموعات السرية، قد تسرب في القطاع القبرصي اليوناني، لمواصلة الكفاح من أجل الإينوسيس، وكانت الجبهة الوطنية أنشط هذه المجموعات.

4. مطالبة الكنيسة القبرصية باستقالة مكاريوس

تعرض الرئيس القبرصي مكاريوس، خلال عام 1972، لحملة شعواء، من جانب الكنيسة القبرصية، لكي يستقيل من منصبه. وقد وجهت الكنيسة إنذارين إلى مكاريوس، أحدهما في فبراير، والآخر في يوليه من العام نفسه، وتزامن إنذار الأساقفة مع الإنذارات اليونانية! وقرروا في يوليه 1972، عزل مكاريوس عن منصبه، كرئيس للجمهورية، واتهموه بأن سياسته قد أسفرت عن اضطرابات، وطنية ودينية، وتقسيم الجزيرة. غير أن جلافكوس كليريديس، رئيس البرلمان القبرصي، تقدم باقتراح، ينص على استمرار مكاريوس في منصبه، كرئيس للدولة، إلى حين انتهاء فترة رئاسته في فبراير 1973، مقابل تعهده بالاستقالة من سلطاته المدنية، بعد انتهاء هذه المدة. ثم جاءت إعادة تنصيب الأسقف مكاريوس، والتأييد الواضح، من جانب الشعب القبرصي؛ رداً حاسماً على الحكومة اليونانية، وأنصارهــا داخل قبرص.

وفي 8 مارس 1970، جرت محاولة اغتيال رئيس الأساقفة، مكاريوس، من طريق إسقاط الطائرة العمودية، التي كان على متنها. لكن مكاريوس، نجا من هذه المحاولة، في حين أصيب قائد الطائرة.

وفي  سبتمبر 1971، عاد جورج جريفاس، الزعيم السابق لـ "إيوكا"، سراً إلى الجزيرة، بعد أن أُخرج منها، بموجب المساعي، التي بذلت في أعقاب مذبحة كوفينو، عام 1967. وبدأ يعمل على إعادة تنشيط إيوكا، تحت إسم جديد هو إيوكا ـ ب EOKA- B.وقد ساعده الضباط اليونانيون، الموجودون في قبرص على إعادة هذه المنظمة الجديدة. وكان لعودته انعكاس مباشر، في ازدياد حوادث الانفجارات والاغتيالات في قبرص. مما أتاح للقبارصة الأتراك المبرر الكافي، للمطالبة بتأمين وجودهم في قبرص، من طريق الحماية الخارجية، والحكم الذاتي داخلياً. كما شكّل تهديداً للأسقف مكاريوس، إزاء معارضة الرئيس القبرصي للاتحاد مع اليونان، بل صار مناوئاً له. وتأسست ثلاث صحف، تعبّر عن الدعوة للإينوسيس، بدعم من الحكم العسكري في أثينا.

وفي 26 أكتوبر 1971، أصدر جريفاس بياناً، يدين فيه القيادة القبرصية ـ اليونانية، برئاسة مكاريوس باعتبارها غير جديرة بالطائفة اليونانية. وأعلن أنه عاد لكي ينجز الطموح القديم للقبارصه، اليونانيين، بتوحيد قبرص مع اليونان. وعلى الرغم من أن اليونان، تنصلت من أي مسؤولية عن عودة جريفاس السرية إلى قبرص، إلاّ أن الزعامة القبرصية اليونانية، كانت مقتنعه بأنه قد سُمِح له بالهرب إلى قبرص، بهدف زعزعة موقف مكاريوس.

5. انتخابات عام 1973 ونتائجها

تجدد الأزمة الداخلية الطاحنة، التي مرت بها قبرص، مرة أخرى، وانعكس ذلك، ليس على الصراع بين مكاريوس والكنيسة فحسب، بل على موجة العنف والانفجارات، التي اجتاحت الجزيرة، من جانب أنصار الجنرال جريفاس، الداعين إلى الاتحاد مع اليونان، وذلك قبل مرور أقلّ من شهر على إعادة تولي مكاريوس منصب الرئاسة لمدة خمس سنوات أخرى، وكذلك انتخاب رؤوف دنكتاش، ممثل الأتراك القبارصة، نائباً لرئيس الجمهورية. وجاءت الانتخابات، بعد تحديات وضغوط، تعرض لها مكاريوس، من جانب أطراف متعددة، في الداخل والخارج. وازدادت حدة التنافس بين مكاريوس وجريفاس.

ثانياً: انقلاب 15 يوليه 1974، في قبرص: أسبابه ونتائجه

في 28 يناير 1974، مات جريفاس، أقوى دعاة الإينوسيس، بنوبة قلبية، في ليماسول. فتخلص مكاريوس من أشرس منازع له. وبعد موته، أصبحت منظمة (إيوكا ـ ب)، تخضع، مباشرة، لإشراف المجموعة العسكرية في أثينا. وقد جاهر مكاريوس برفضه عمليات الإرهاب، التي كان يرعاها الحكام العسكريون، وطلب منهم سحب الضباط اليونانيين من الجزيرة. فانفجر الصراع بين الطرفيْن، حتى بدا أن أحدهما، لا بد أن يرحل.

في 25 نوفمبر 1973، تغيرت الحكومة اليونانية، بانقلاب عسكري، أطاح بالرئيس جورج بابادوبولوس George Papadopoulos. وأصبح الجنرال فايدون جيزيكيس Phaidon Gizikis رئيساً للدولة. وقاد هذا الانقلاب الجنرال ديمتريوس إيوانيدس Dimitrios Ioannides، رئيس الشرطة العسكرية، والرجل القوي في أثينا. وكان هذا الجنرال، قد خدم في قبرص، عام 1960، كضابط يوناني. وكان يرى أن قضية قبرص، تُحل بالوحدة مع اليونان، أو بشكل من التقسيم (أُنظر خريطة قبرص التقسيم الفعلي).

وقع الانقلاب العسكري المنتظر، ضد مكاريوس، في صباح 15 يوليه 1974. وخلال بضع ساعات احتُل مبنى الإذاعة، ودَمرَت المدافع القصر الجمهوري، وأغُلق مطار نيقوسيا. وأعلن الحرس الوطني، أنه استولى على الحكم للحيلولة دون وقوع حرب أهلية في الجزيرة. وقال الإعلان، إن مكاريوس مات، وإن الحرس الوطني، يسيطر سيطرة كاملة، على الوضع، باستثناء جيوب صغيرة للمقاومة. وبعد الظهر، عُيّن نيكوس سامبسون Nicos Sampson [2]، المعروف بعدائه الشديد للأتراك، رئيساً بدلاً من مكاريوس.

لكن الحقيقة، أن مكاريوس لم يمت. ففي الساعة الثالثة والثلث من بعد ظهر يوم الانقلاب، أعلنت إذاعة "البيرق"، القبرصية التركية، أن رئيس الأساقفة، مكاريوس، تمكن من مغادرة القصر الجمهوري، ولجأ إلى مخبأ جبلي، في منطقة بافوس، التي كانت تشهد صدامات مسلحة. وأكد ذلك رئيس الأساقفة نفسه، عندما أذاع، من مخبئه، بياناً، حثّ فيه أنصاره على القتال، ومقاومة انقلاب الزمرة العسكرية.

بعـد بضعـة أيام، روى مكاريوس قصته لمجلس الأمن الدولي، في نيويورك (اُنظر ملحق خطاب مكاريوس في مجلس الأمن بعد الانقلاب في 17 يوليه 1974). فقال إنه قرر مغادرة قبرص في اليوم الثاني للانقلاب، كي يتلافى وقوعه في أيدي الحكام العسكريين. وقد نُقل بطائرة عسكرية بريطانية، من أبرشية بافوس، حيث كان مختبئاً، إلى القاعدة البريطانية في دخليا، ومنها طار إلى مالطة، ثم لندن ومنها إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات مجلس الأمن الدولي، المخصصة لبحث التطورات الخطيرة، التي تشهدها جزيرة قبرص.

أبلغ مكاريوس مجلس الأمن، أن النظام العسكري اليوناني، انتهك بشكل سافر استقلال قبرص، ومد دكتاتوريته إلى الجزيرة. وقال إن الانقلاب، هو انتهاك فاضح لاستقلال جمهورية قبرص وسيادتها. وحول الوضع في الجزيرة، قال: "أخشى أن يكون عدد الضحايا كبيراً، لأن أدوات التدمير كبيرة ... إن همّنا، في الوقت الحاضر، هو إيقاف المأساة". وأشار إلى أن الأحداث، التي تجرى في قبرص، ليست قضية داخلية، تخص القبارصة اليونانيين، وحدهم، بل إنها تصيب أيضاً القبارصة الأتراك؛ فاليونانيون والأتراك، سيعانون معاً نتائج هذا الغزو، الذي نفّذه الحكام العسكريون.

وهذه المرة، لم يكن للأتراك، لا في قبرص نفسها، ولا في تركيا، أي علاقة بما حدث، بل كانت القضية يونانية ـ يونانية بحت، إذ إن رجل الإينوسيس الأول، كان هدفاً للانقلاب العسكري، الذي جاءت الأوامر به من عاصمة الإينوسيس. والانقلاب لم يفاجئ أحداً، فضلاً عن مكاريوس، لكن ما كان مفاجئاً، هو تلك الشراسة، التي تعامل بها القائمون بالانقلاب، ضد مكاريوس، وضد كل أتباعه، من دون استثناء. وخلال بضع ساعات، كانت شوارع نيقوسيا، والمدن القبرصية الأخرى، تمتلئ بمئات الجثث، وكانت، حقاً مجزرة، ذهب فيها من القبارصة اليونانيين، أكثر ممن سقطوا على مدى السنوات الثلاثين الماضية.

1. القائمون بالانقلاب

نفذ الانقلاب قادة الحرس الوطني القبرصي اليوناني، الذي يضم 12 ألف رجل، تحت سيطرة 650 من الضباط اليونانيين. وحرص قادة الانقلاب على عدم إعلان نياتهم الحقيقية المستترة وراء حركتهم العسكرية العنيفة، أَلا وهى تحقيق حلم الإينوسيس.

أعلنت سلطات الانقلاب بياناً بسياستها الجديدة، التي تقوم على المبادئ التالية:

أ. عزل الرئيس  مكاريوس، وتعيين نيكوس سامبسون، المعروف بعدائه للأتراك، رئيساً لجمهورية قبرص.

ب. التوحيد الكامل للسكان اليونانيين، في سلام، في ظل الكنيسة.

ج. مواصلة البحث عن حل شامل لمشكلة قبرص، من طريق المفاوضات بين الجــاليتين.

د. تسوية المشكلات الحيوية للشعب القبرصي.

هـ. تنظيم انتخابات عامة خلال عام، لإقامة حكومة تعبّر عن الرضاء الشعبي.

و. الإبقاء على العلاقات الودية بين قبرص والعالم الخارجي، والحفاظ على سياســة عدم الانحياز.

2. أسباب الانقلاب

لم يكن المجتمع القبرصي، حتى بداية يوليه 1974، يعاني مشاكل خطيرة، تستوجب قلب أوضاعه السياسية الرسمية، على النحو الذي حدث في 15 يوليه 1974. والأسباب الكامنة وراء الانقلاب العسكـري لقوات الحرس الوطني اليوناني القبرصي، ضد الرئيس مكاريوس، تتلخص في ما يلي:

أ. مذكرة مكاريوس للحكومة اليونانية

كان السبب المباشر، الذي جاء الانقلاب رداً فورياً عليه، هو مذكرة رسمية، شديدة اللهجة، من ست صفحات، كتبها الأسقف مكاريوس بيده، وأرسلها إلى الرئيس اليوناني، الجنرال فايدون جيزيكيس، في 2 يوليه 1974، اتهم فيها الحكومة العسكرية بالعمل على تقويض حكمه، بدعم منظمة إيوكا الإرهابية، وإشاعة الانقسام في الجزيرة. وطلب مكاريوس، بأسلوب حاد، من اليونان، سحب الضباط اليونانيين، الذين يعملون في الحرس الوطني القبرصي، في موعد أقصاه 30 يوليه 1974، وأن تصدر الأوامر من أثينا إلى منظمــة "إيوكا"، لتضع حداً لأنشطتها. (اُنظر ملحق رسالة مكاريوس إلى الجنرال جيزيكيس)

وذكر في مذكرته إلى الحكومة العسكرية اليونانية، أنه "تم ضبط وثائق، توضح تمويل "إيوكا ـ ب" مباشرة من قبل أثينا".

ب. تصاعد أعمال العنف، من جانب منظمة "إيوكا ـ ب EOKA-B "

كان من أسباب الانقلاب، تصاعد عمليات العنف، من جانب أعضاء منظمة "إيوكا ـ ب"، خلال النصف الأول من عام 1974، حين لقي ثمانية من أنصار مكاريوس مصرعهم، واختطف وزير الداخلية القبرصي.

ج. إخفاق مكاريوس في تقدير أصحاب السلطة الحقيقة في اليونان

استبعد مكاريوس، أن يقوم الحكم العسكري اليوناني بارتكاب فعل جسيم الأثر، يترتب عليه حرب شاملة بين تركيا واليونان. وكان تقديره هذا سليماً، من الناحية الموضوعية المنطقية. إلاّ أنه كان بعيداً عن الصواب، بالنظر إلى الحكومة، التي كانت قائمة، في ذلك الحين، في أثينا، إذ لم تكن القوة الحقيقية، تتمثل في شخص الجنرال فايدون جيزيكيس، الرئيس اليوناني، ولكن في شخصية أكثر صلابة، هو الجنرال ديمتريوس إيوانيدس، رئيس شرطة الأمن الحربي، الذي اشتهر بتحقيقاته الإرهابية. ودفع مكاريوس ثمناً فادحاً لسوء تقديره لطبيعة ردود فعل خصمه، في أثينا، إزاء نزعته الاستقلالية، وتصميمه على إقامة دولة مستقلة، غير تابعة لقوى خارجية، على أراضي قبرص.

د. التقارب القبرصي السوفيتي

اتجه مكاريوس نحو الاتحاد السوفيتي، منذ سبتمبر 1964، طالباً معونته السياسية في المحافل الدولية، ومساعداته العسكرية، من أجل موازنة النفوذ الغربي المتزايد في الجزيرة، ولمواجهة ضغوط الأقلية التركية لتقسيم الجزيرة بين الطائفتين. ومع استمرار هذا التقارب، تضاعفت مخاوف اليونان، بصفة خاصة، والمعسكر الغربي بصفة عامة.

هـ. إخفاق  مكاريوس في حل المشكلة الطائفية

أسهم إخفاق مكاريوس في حل المشكلة الطائفية، التي تعصف بالجزيرة، في وقوع الانقلاب العسكري، الذي قادته قوات الحرس الوطني القبرصي اليوناني. فلقد اعتقد مكاريوس أن مجرد إعلان استقلال الجزيرة، ومحاولة التخلص من النفوذ الغربي، وانتهاج سياسة القومية القبرصية الموحدة، وغير المنحازة، هو الحل الوسط التوفيقي لمنازعات الطائفتين.

ولقد شنّت قوات الحرس الوطني هجمات شرسة على القرى التركية في الجزيرة، راح ضحيتها الأبرياء العزل. وشُرِّد 22000 قبرصي تركي، من 27 قرية، واحتُجز 35880 شخصاً رهائن، في 80 قرية، وحوصر 26150 شخصاً، داخل 60 قرية. كما فصل كل الذكور، ممن تتراوح أعمارهم بين 14 و60 عاماً، عن عائلاتهم، واحتُجزوا في ملاعب كرة القدم، في ليماسول وبافوس ولارناكا.

و. الأوضاع اليونانية الداخلية وانعكاساتها

بلغت الحكومة العسكرية اليونانية، سنة 1974، من الضعف والاهتزاز داخل البلاد، حداً قامت معه بطرد عدد من المراسلين الأجانب، خوفاً من افتضاح أمرها أمام الرأي العام العالمي. وتلا ذلك موجات عنف واعتقالات، ووقف لصدور الصحف، واتهام طلاب الجامعات بالنشاط اليساري، جعل القائمين على النظام في اليونان، يتجهون إلى معارك، سياسية وعسكرية، خارج البلاد، ابتغاء تحويل انتباه الرأي العام المحلي عن الاضطرابات والمساوئ الداخلية.

3. ردود فعل انقلاب 15 يوليه 1974

ترتب على الانقلاب العسكري في قبرص، مجموعة نتائج، سياسية وعسكرية، ذات أهمية بالغة، بالنسبة إلى الدولة القبرصية، محلياً وإقليمياً وعالمياً، منها:

أ. فَضَحَ مكاريوس الحكومة العسكرية في اليونان، أمام الرأي العام العالمي، من خلال كلمته أمام مجلس الأمن.

ب. تصاعد الخلافات بين تركيا واليونان.

ج. الغزو التركي للجزيرة القبرصية.


 



[1] كانت هذه الشحنات قد هزت استقرار الجزيرة عام 1966، عندما تناقلت الأنباء نبأ استيراد الرئيس القبرصي لهذه الشحنات، من أجل تسليح قوات البوليس القبرصية التي تتلقى أوامرها من الحكومة القبرصية، وذلك عكس الحرس الوطني، الذي كان يخضع في هذه الآونة للجنرال `جريفاس`، وكان يدين بالولاء لليونان، مما أدى إلى توقف المحادثات بين الطائفتين، ومطالبة كل من تركيا واليونان بتسليم هذه الشحنات إلى قوات الأمم المتحدة، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاق في 11 مارس 1972، يقضي بتخزين الأسلحة في القيادة العامة للبوليس في `أثالا`، مع الحرية التامة لقوات الأمم المتحدة في التفتيش عليها في أي وقت، ودون إخطـار مسبق، وطبقاً للقائمة التي سلمتها الحكومة القبرصية إلى ممثل الأمم المتحدة في الجزيرة.

[2] نيكوس سامبسون : صحفي قبرصي يوناني، كان محكوماً عليه بالإعدام من قبل البريطانيين لنشاطه الإرهابي. كان عضواً مؤسس للمنظمة القومية للكفاح القبرصي `إيوكا`. توجهت الأنظار إليه بعد موت جريفاس