إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع التركي ـ اليوناني، ومشكلة قبرص





نيقوسيا والخط الأخضر

الاقتراح التركي
بحر إيجه والجزر
قبرص التقسيم الفعلي



أولى حروب القرن

 

رابعاًً: إعلان جمهورية قبرص الشمالية التركية

1. مقدمات تدويل المشكلة القبرصية

تركت وفاة رئيس الأساقفة، مكاريوس، فراغاً في الزعامة السياسية، على الجانب اليوناني، مما أدّى إلى أن يصبح "سبيروس كبريانو  Spyros Kyprianou"، زعيم الحزب الديموقراطي، والذي كان، في ذلك الحين، رئيساً للمجلس النيابي القبرصي اليوناني ـ رئيساً بالوكالة من 31 أغسطس 1977، وحتى إجراء الانتخابات العامة في فبراير 1978. وفي 5 فبراير 1978، أصبح رئيساً، من دون أي منافس. وقد رفضت تركيا والقبارصة الأتراك، الاعتراف بكبريانو رئيساً للجمهورية، إذ نظروا إليه على أنه ليس سوى رئيس للإدارة القبرصية اليونانية.

انعقدت القمة السابعة لدول عدم الانحياز، في العاصمة الهندية (نيودلهي)، ما بين 8 و12 مارس 1983. وأصدرت قراراً يؤكد الدعم والتأييد الكاملين لحكومة جمهورية قبرص، ويؤكد ضرورة احترام استقلال قبرص وسيادتها ووحدة أراضيها وعدم انحيازها. وعبّر المشاركون في القمة عن قلقهم ببقاء جزء من جمهوريــة قبرص تحت الاحتلال، من قِبل قوات أجنبية (القوات التركية)، وأكّدوا أن انسحاب هذه القوات هو أساس ضروري لإيجاد حل للمشكلة القبرصية.

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً، في 13 مايو 1983، دعا إلى السحب الفوري لكل قوى الاحتلال من الجزيرة، وعودة اللاجئين إلى منازلهم بأمان، وعقد مؤتمر دولي حول قبرص، ونزع سلاح الجزيرة.

هذان الحدثان، قمة دول عدم الانحياز، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانا ثمرتين بالغتي الأهمية من ثمار سياسة التدويل، التي انتهجها الجانبان، اليوناني والقبرصي اليوناني.

منذ مجيء "أندرياس باباندريو Andreas Papandereou"إلى السلطة في أثينا، أواخر 1981، شهدت العلاقات التركية ـ اليونانية حالة من التدهور الحادّ. واحتلت المسألة القبرصية موقعاً متقدماً في السياسة اليونانية، لكي تكون سلاحاً، تستخدمه حكومة باباندريو في مواجهة الأتراك. وفي خطاب ألقاه باباندريو، يوم 18 أكتوبر 1981، أعلن أن حكومته ستقدم دعماً أقوى إلى جمهورية قبرص. وقال إن المحادثات الجارية، بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، برعاية الأمم المتحدة، ليست ذات فائدة كبيرة، وإن الجانب اليوناني، إنما يفاوض، في الواقع،  تركيا نفسها، وليس القبارصة الأتراك.

بعد تسعة أيام على هذا الإعلان، التقى أندرياس باباندريو والرئيسَ القبرصي سبيروس كبريانو، في أثينا، لكى يبحثا الإستراتيجية، التي ينبغي اتّباعها في الكفاح القومي. وأعلنا أن فصلاً جديداً قد بدأ في المسألة القبرصية. وإضافة إلى زيادة الدعم، الدبلوماسي والعسكري، أعلن باباندريو مضاعفة الدعم الاقتصادي اليوناني لقبرص.

وفي 28 فبراير 1982، قام باباندريو بما لم يسبق أن قام به، قبل أي رئيس وزراء يونــاني، إذ وصل، في زيارة رسمية، إلى الشطر اليوناني من الجزيرة، حيث أعلن، على مقربة من الخط الأخضر، الفاصل بين الشطرين، أنه اتفق مع كبريانو على إطلاق حملة لتدويل المشكلة القبرصية، والسعي إلى عقد مؤتمر دولي لحلها. والفكرة ليست جديدة، إذ سبق للاتحاد السوفيتي أن طرحها عام 1974، غير أن باباندريو برر العودة إلى طرحها، بقوله: إنه "غير متفائل بالنتائج، التي يمكن أن تسفر عنها محادثات الطائفتين. ولذلك، ليس من الضروري انتظار فشل المحادثات، للسعي إلى تدويل المسألة". (أُنظر شكل الخط الأخضر ونيقوسيا)

(أولى نتائج التدويل، عرقلة القبارصة اليونانيين ـ عن عمد ـ المفاوضات الثنائية بين الطائفتين، التي كانت تُجرى برعاية الأمم المتحدة. وفي المقابل، نشطت الحكومة القبرصية اليونانية، في تشاورها الدائم مع الحكومة اليونانية، للحصول على تأييد واسع من الحكومات والمنظمات الدولية، التي نجحت في الحصول على اعترافها بأنها تمثل جمهورية قبرص، على الرغم من الوقائع كافة، التي تثبت عدم صحة هذا الزعم، وذلك لتعزيز موقفها، وتوفير غطاء لكل أشكال الحصار، التي لا تزال تمارسها ضد القبارصة الأتراك، فضلاً عن تبرير سعيها الدؤوب إلى تعزيز قواتها العسكرية، حتى تكون جاهزة للاستخدام عندما تتغير المعطيات، الإقليمية والدولية، ويصبح في الإمكان بعث طموحات الهلّينية (القومية اليونانية) من جديد.

2. ولادة دولة جديدة

حيال هذا الواقع، وجد القبارصة الأتراك أنفسهم أمام خيار وحيد، وهو أنه إذا كانوا يريدون أن يصل صوتهم إلى العالم، لتتم، على الأقل، المقارنة بين موقفهم وموقف القبارصة اليونانيين، فإن عليهم أن يرتقوا بمؤسساتهم، لكي تبلغ مستوى الدولة الكاملة، المؤهلة لطلب الاعتراف الدولي، والحصول عليه.

وذلك ما حدث بالفعل. إذ بعـد أيام قليلة على قرار الجمعية العامـة للأمم المتحدة، الصادر في 9 مايو 1983، يدين الغزو التركي، أصدر المجلس النيابي لدولة قبرص التركية الفيدرالية، قراراً يؤكد فيه حق الشعب القبرصي التركي في تقرير المصير، وأن يكون له كيانه وسيادته.

وبعد أشهر قليلة، وتحديداً في 15 نوفمبر 1983، أعلنت ولادة "جمهورية قبرص الشمالية التركية". ولا بد من العودة قليلاً إلى الوراء، لإلقاء نظرة على المراحل، التي قطعتها إدارة القبارصة الأتراك لشؤونهم بعد انهيار جمهورية قبرص بأيدي القبارصة اليونانيين، ومن ثم، حرمانهم من حقهم، المكفول دستورياً، في المشاركة الفاعلة في السلطة. في هذا الإطار، يمكن تسجيل المحطات الخمس التالية:

أ. اللجنة العامة

في الأشهـر الأولى من عام 1964، وعلى الرغم من الإجماع العالمي ـ باستثناء اليونان ـ علـى إدانة المجازر التي ارتكبهـا القبارصـة اليونانيون في حق القبارصة الأتراك ـ اندفـع اليونانيون، مستفيدين من القرار، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، في 4 مارس 1964، والقاضي باعتبار حكومة مكاريوس، هي الحكومة الشرعية في قبرص، اندفعوا في إتمام ما كانوا قد بدأوا به.

وبالفعل، قام القبارصة اليونانيون، في غياب القبارصة الأتراك، بتعديل العديد من المواد الأساسية في دستور 1960، وذلك في ضوء المقترحات الثلاثة عشر، التي قدمها مكاريوس، ورفضها القبارصة الأتراك، لأن هدفها الأساسي هو تحويل جمهورية قبرص إلى دولة يونانية، توجد فيها أقلية تركية، وذلك على مراحل، وعلى أساس فرض الأمر الواقع[1].

وفي  المقابل، أظهر القبارصة الأتراك صلابة غير متوقعة، في مقاومتهم، التي مكنتهم من السيطرة على بعض المناطق، والاحتفاظ بها. وكان القبارصة الأتراك، الذين يعيشون في هذه المناطق، يخضعون لهيئة مركزية، تعرف باسم "اللجنة العامة"، مكونة من نائب الرئيس والوزراء القبارصة الأتراك الثلاثة، وعدد آخر من الأعضاء، وكانت لقراراتها قوة القانون.

وتولت اللجنة العامة، والإدارة القبرصية التركية المؤقتة، التي خلفتها، الاهتمام بشؤون القبارصة الأتراك، من خلال:

   إعادة توطين أكثر من 20 ألف مُهجَّر.

   توزيع المساعدات القادمة من تركيا.

   السعي لدى قوات حفظ السلام الدولية، إلى الحصول على مساعدات ضرورية للمناطق المعزولة، من الغذاء والمياه والأدوية.

   رعاية الشؤون التربوية.

   العمل على تحسين الشؤون الاقتصادية، ومنها دفع 30 جنيهاً، شهرياً، إلى كل موظف من الموظفين القبارصة الأتراك، الذين فقدوا وظائفهم العامة، من جراء الحرب والتعديلات الدستورية المستمرة والمفاجئة.

ب. الإدارة القبرصية التركية المؤقتة

(1) تأسست هذه الإدارة، في 28 ديسمبر 1967، في أعقاب تجدد الاشتباكات، بعد ما وصل عدد القوات اليونانية في الجزيرة إلى 20 ألف جندي. وقد نصّ القانون التأسيسي لهذه الإدارة، على أنه ريثما يتم تطبيق كافة بنود دستور 1960، فإن كل القبارصة الأتراك، الذين يقيمون بالمناطق التركية من قبرص، مرتبطون بتلك الإدارة. كما نص على تنظيم فروع تنفيذية وتشريعية وقضائية للإدارة، مؤكداً أن دستور 1960، يطبق في المناطق التركية، التي يشملها القانون التأسيسي.

(2) ونظراً إلى الوضع غير الطبيعي، الذي ساد الجزيرة منذ أواخر 1963، لم يكن في الإمكان إجراء أي انتخابات، نيابية أو طائفية، سواء في الجانب اليوناني أو في الجانب التركي. وجرت في 5 يوليه 1970، أول انتخابات لاختيار أعضاء مجلسَي البرلمان والطائفة (15 نائباً في البرلمان و15 عضواً في مجلس الطائفة)، شكلوا معاً الجمعية العمومية للإدارة القبرصية التركية المؤقتة. وانتخب الدكتور فاضل كوجك رئيساً، بالإجماع. وفي 18 فبراير 1973، تم انتخاب رؤوف دنكتاش نائباً للرئيس، من دون منافسة.

ج. القبرصية التركية المستقلة

في أعقاب الانقلاب العسكري، الذي شهدته الجزيرة، في 15 يوليه 1974، والتدخل العسكري التركي لإنقاذ القبارصة الأتراك، أصبحت الإدارة القبرصية التركية المؤقتة، تعرف باسم "الإدارة القبرصية التركية المستقلة"، دون أي تغيير في بنيتها الداخلية.

د. دولة قبرص التركية الفيدرالية

في 13 فبراير 1975، ومع عدم ظهور أي مؤشرات إلى استعداد القبارصة اليونانيين للالتزام بدستور 1960، وادعاء حكومة مكاريوس القبرصية اليونانية أنها حكومة كل قبرص، أعلن القبارصة الأتراك إنشاء دولة قبرص التركية الفيدرالية.

وقد شكّلت جمعية تأسيسية من 50 عضواً، لوضع مسوّدة الدستور، الذي أصبح نافذاً، بعد إجراء استفتاء شعبي، في 8 يونيه 1975. وأيّد 99.4% من القبارصة الأتراك الدستور، الذي تضمن في بنوده أنه "مؤقت". وترك الباب مفتوحاً لإقامة دولة فيدرالية في قبرص، تكون "دولة قبرص التركية الفيدرالية" شريكاً فيها.

هـ. جمهورية قبرص الشمالية التركية

أعلن القبارصة الأتراك ولادة جمهوريتهم المستقلة، مع فوارق كثيرة، جوهرية، بين هذه الجمهورية والإدارات السابقة، أبرزها أنها جمهورية قابلة للاعتراف.

وكان موعد إعلانها، ينطوي على الكثير من الدلالات، لأنه جاء في وقت، كانت تعيش فيه تركيا مرحلة انتقالية بين حكومتين، إحداهما قديمة، شكلتها القيادة العسكرية في سبتمبر 1980، لتعيد إلى تركيا حالة الأمن والاستقرار، التي كانت مفقودة خلال السنوات السابقة، بسبب الصراعات الحادّة بين الأحزاب. والأخرى كانت قادمة للحكم بمقتضى الانتخابات البرلمانية، التي جرت، للمرة الأولى، في 6 نوفمبر 1983.

واختيار التوقيت، كان أشبه بفرض أمر واقع على الحكومة التركية، لا تخضع معه فكرة إعلان الجمهورية المستقلة لأي مساومة أو خلاف أو اجتهادات. ولإثبات أن القرار هو قبرصي تركي بحت، أي نابع من الإرادة الحرة للشعب القبرصي التركي.

فور الإعلان، وفي اليوم نفسه، اعترفت تركيا بالدولة الجديدة، التي قامت على أساس حق الشعب القبرصي التركي في تقرير مصيره، أسوة بالشعب القبرصي اليوناني وكل شعوب العالم. وأكد القبارصة الأتراك، أن ما قاموا به، هو حق تؤيده وتناصره المواثيق والمبادئ الدولية، ومتفق مع ما أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966: "كل الشعوب تتمتع بحق تقرير المصير. وبمقتضى ذلك، فإنها تحدد، بحرّية، وضعها السياسي، وتسعى، بحرّية، إلى تحقيق تطورها، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي"[2] .

وطالما أكّد مجلس الأمن الدولي هذا المبدأ مرات عديدة. تمثلت إحداها في القرار الرقم 183، بتاريخ 11 ديسمبر 1963. كما أكّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار الرقم 2625، بتاريخ 24 أكتوبر 1970، وهو القرار المعروف باسم "إعلان مبادئ القانون الدولي، الخاصة بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول، وفق ميثاق الأمم المتحدة". وفي القرار الذي أصدرته الجمعية العامة، في 10 نوفمبر 1975، أعادت تأكيد أهمية حق الشعوب في تقرير المصير والسيادة ووحدة الأراضي.

3. ما استتبعه إعلان الجمهورية

اجتمع رؤوف دنكتاش، في يوم إعلان الجمهورية، بموفد الأمين العام للأمم المتحدة، وسلمه نسخة من الإعلان مرفقاً بها رسالة إلى "خافيير بيريز دى كويلار  Perez de Cuellar Javier ، الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، يشرح له فيها: "أن الشعب القبرصي التركي، لم يجد أمامه أي خيار سوى اتخاذ الخطوات المصيرية، القائمة على حقنا العادل، بوصفنا شريكاً مؤسساً، في الاستقلال والسيادة". كما عبّرت الرسالة عن خيبة الأمل، التي تسبب بها مواقف الجانب القبرصي اليوناني، في المحادثات الثنائية بين الطائفتين. وشددت على أن فيدرالية حقيقية، يمكن أن تقوم فقط بين شريكين متساويين، لهما الوضع السياسي عينه. وأكدت أن الشعب القبرصي التركي، بعد انتظار 20 عاماً، وفي ظل وضع سياسي غير مستقر، قد اتخذ الخطوة الشرعية لإعادة تحديد وضعه السياسي، في شكل جمهورية مستقلة، وغير منحازة، وممارسة حقه الطبيعي في تقرير المصير. وأعرب دنكتاش عن رغبته في استمرار مهمة الوساطة، التي يقوم بها الأمين العام والاستعداد لاستئناف المفاوضات تحت رعايته، في أي وقت. وأشار إلى أن اقتراحه عقد قمة جديدة مع "كبريانو" لا يزال قائماً.

4. مكونات إعلان الجمهورية

تألف إعلان الجمهورية من مقدمة وإعلان. احتوت المقدمة عرضاً مفصلاً لكل ما عاناه القبارصة الأتراك، على مدى السنوات العشرين الماضية، من تدمير القبارصة اليونانيين لدولة المشاركة، واغتصابهم المجلس التشريعي، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، واحتكارهم الوظائف العامة والتمثيل الدبلوماسي في الخارج، والشرطة والقوات المسلحة، واستئثارهم بالموازنة والخدمة العامة، وشنهم حرباً اقتصادية ضد القبارصة الأتراك، وقيامهم بوضع وتنفيذ مخططات الهجوم المسلح والإبادة ضد الشعب القبرصي التركي، وممارستهم سياسة تمييز لا إنسانية ضده.

كما تضمنت المقدمة تأكيد حق الشعب القبرصي التركي في العيش بأمان وحرية، ورفض عودة الاستعمار اليوناني. وتضمنت عرضـاً مفصلاً لكل الجهود، التي بذلها القبارصة الأتراك في سبيل إيجاد حل فيدرالي للمنطقتين.

وتعرض المقدمة الأسُس والمبادئ، الإنسانية والقانونية، التي تجعل تقرير المصير، ليس فقط حقاً للشعب القبرصي التركي، بل واجباً أيضاً. وتركت المقدمة الباب مفتوحاً للاتحاد الفيدرالي، لمتابعة المساعي الحميدة التي تقوم بها الأمم المتحدة. وحدّدت سياسة جمهورية قبرص الشمالية التركية:

أ. الالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

ب. الالتزام بسياسة عدم الانحياز.

ج. إعطاء الأهمية القصوى لضرورة صون السلام والاستقرار، والحفاظ على توازن القوى في شرق البحر الأبيض المتوسط، وعدم الانضمام إلى أي تكتل عسكري.

د. السعي إلى إقامة علاقات ودية بجميع البلدان. ومنع قيام أي نشاط في أراضيها، معادٍ لأي بلد.

هـ. الالتزام بمعاهدات التأسيس والضمان والتحالف. (تأكيد الالتزام بالاتفاقات، التي قام عليها دستور "جمهورية قبرص"، في زيورخ ولندن، ومعاهدتَي الضمان والتحالف، اللتين تضمنهما الدستور، ونص على أنهما جزء لا يتجزأ منه).

أمّا الإعلان، فنص على ما يلي:

إن مجلسنا:

ـ الذي يمثل الإرادة الحرة للشعب القبرصي التركي،

ـ والذي يؤمن بأن جميع البشر، الذين يولدون أحراراً ومتساوين، ينبغي أن يعيشوا في حرية ومساواة،

ـ وإذ يرفض التمييز بين البشر، على أساس العرق، أو الموطن، أو اللغة، أو الدين، أو لأي سبب آخر. وإذ يرفض، كذلك، جميع أشكال الاستعمار والعنصرية والقهر والسيطرة.

ـ وإذ يعرب عن الأمل أن يسود السلم والاستقرار، وأن تزدهر الحرية وحقوق الإنسان، لا في قبرص وحدها، بل في  شرق البحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط، والعالم أجمع،

ـ وإذ يتمسك بالرأي القائل بأن هذين الشعبين، اللذين قدر لهما أن يتعايشا جنباً إلى جنب في الجزيرة، في إمكانهما، بل يتعين عليهما، إيجاد حلول سلمية، وعادلة، ودائمة، لجميع الخلافات القائمة في ما بينهما، من طريق المفاوضات، وعلى أساس المساواة.

ـ وإذ يقتنع اقتناعاً راسخاً بأن إعلان قيام جمهورية قبرص الشمالية التركية، لن يعرقل، بل سوف ييسر إعادة نظام المشاركة بين الشعبيين، في إطار اتحادي، وسوف ييسر تسوية المشكلات القائمة بينهما.

ـ وإذ يراوده أمل أكيد، أن المفاوضات ستجري على أساس المساواة، وتحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، بغية حسم جميع المسائل المعلقة بين الشعبين، بطريقة سلمية، وتوفيقية، وقناعة بأن اجتماع القمة المقترح، سيكون مفيداً في هذا الصدد.

ـ وإذ يعمل باسم الشعب القبرصي التركي،

يوافق على تأسيس "جمهورية قبرص الشمالية التركية"، وعلى إعلان الاستقلال.

وبعد إعلان الجمهورية المستقلة، انعقد المجلس التشريعي لدولة قبرص التركية الفيدرالية في 2 ديسمبر 1983، واستمع إلى خطاب، ألقاه دنكتاش، ثم اتخذ قراراً بتشكيل جمعية تأسيسية، مؤلفة من 70عضواً (40 نائباً و19 ممثلاً للاتحادات العمالية، والهيئات المهنية، وبعض الأحزاب الصغيرة، التي لا تمثيل لها في المجلس، وشخص يُعيّنه فاضل كوجك، النائب السابق لرئيس جمهورية قبرص، وعشرة أشخاص يُعيّنهم رؤوف دنكتاش، بوصفه رئيساً لدولة قبرص التركية الفيدرالية).

كانت الجمعية التأسيسية مكلفة بوضع مسوّدة دستور للدولة الجديدة. وقد عرض الدستور الجديد على استفتاء شعبي، في 5 مايو 1985، فتمت الموافقة عليه بنسبة 70.1%. وكان دستور 1975، الخاص بدولة قبرص التركية الفيدرالية، الأساس الذي قامت عليه مسوّدة دستور 1985. ولكن الدستور الجديد، تضمن عدداً من البنود الإضافية، لتلبية حاجات الدولة. كما تضمن بنوداً أكثر تفصيلاً، لحماية الحقوق الإنسانية الرئيسية، منها ـ على سبيل المثال ـ حق الحماية من الجوع، والحماية من البطالة والعوز، وحماية المستهلك، وتنمية الرياضة، فضلاً عن الحق في الجنسية المزدوجة لمواطني الدولة.

وبإعلان القبارصة الأتراك دولتهم المستقلة، أصبحت الجزيرة تتضمن دولتين، واحدة قبرصية يونانية، والأخرى قبرصية تركية. وإن ادعاء أي من الدولتين، بأنها تمثل قبرص مجتمعة، إنما هو ادعاء باطل، ما لم يتم التوصل إلى حل فيدرالي، تقوم بموجبه سلطة مركزية شرعية، موحدة. وتقوم معها سلطتان فرعيتان، يختص كل منهما بشؤون إحدى الطائفتين، أو الجماعتين الاثنتين، اللتين يتكون منهما سكان الجزيرة.

5. لماذا لم يعترف سوى تركيا بجمهورية قبرص الشمالية التركية؟

هناك عدد من الأسباب الموضوعية، التي أدت إلى هذا الواقع المؤقت هي:

أ. لقد أثار إعلان القبارصة الأتراك قيام جمهوريتهم المستقلة، عدداً من ردود الفعل الغاضبة في الدول العظمى، فضلاً عن الدول، التي تدعم، لسبب أو لآخر، الموقف القبرصي اليوناني. مما أدى إلى إصدار مجلس الأمن الدولي توصية صريحة، تدعو كافة الدول إلى عدم الاعتراف بالدولة الجديدة.

ب. تلقّى القبارصة الأتراك طلباً من الأمين العام للأمم المتحدة، ألاّ يسعوا إلى الحصول على الاعتراف، لكي يظل الباب مفتوحاً أمام المفاوضات، الجارية بين الطائفتين القبرصيتين. وقد استجاب القبارصة الأتراك لهذا الطلب، على أساس أنهم قد أكدوا، في صلب قرارهم إعلان الاستقلال، عن تمسكهم بالمفاوضات الثنائية، وإيمانهم بضرورة التوصل إلى حل فيدرالي.

ج. إنه من الصعب إحداث تغيير جذري، بين ليلة وضحاها، في مواقف الكثير من دول العالم، بما فيها الدول الإسلامية، التي تعاملت، على مدى أكثر من ربع قرن، مع الطرف القبرصي اليوناني على أنه الممثل الشرعي لجمهورية قبرص.

د. إن الأمر يبدو أفضل كثيراً، بالنسبة إلى الجمهورية الوليدة. فالقبارصة الأتراك، بات لهم، داخل البرلمان البريطاني، حوالي 55 صوتاً، يشكلون ما يسمى "أصدقاء دولة قبرص الشمالية". كما أنهم أقاموا علاقات ممتازة بمعظم دول السوق الأوروبية المشتركة، فضلاً عن أنهم أقاموا علاقات طيبة بالعديد من الدول الإسلامية[3].

إن قضية الاعتراف بالدولة الوليدة (جمهورية قبرص الشمالية التركية)، ليست سوى مسألة وقت. وقد قال القبارصة الأتراك كلمتهم، وما زالوا ينتظرون رد القبارصة اليونانيين.


 



[1] المادة 182 من دستور عام 1960، تنص على أن البنود الرئيسية لا يمكن تعديلها بأي شكل. عدنان حطيط، `قبرص الوجه الآخر للقضية`، ص195.

[2] هذا القرار تأكيد حرفي للقرار الرقم 1514 الصادر من الأمم المتحدة في 14 ديسمبر 1960 تحت اسم (الإعلان الخاص بمنح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة.

[3] على سبيل المثال، أدلى الرئيس `دنكتاش` أثناء وجوده في الكويت في يناير 1987 لحضور مؤتمر القمة الإسلامية بصفة مراقب، بحديث لجريدة `الأنباء` الكويتية قال فيه `إن المملكة العربية السعودية لم تعترف بنا، لكنها تقدم لنا مساعدات مادية لبناء الطرق والمشاريع الإسكانية وما إلى ذلك`، كذلك قام السيد `كنعان أتاكول Kenan Atakul ` وزير الخارجية والدفاع في جمهورية قبرص الشمالية التركية بزيارة رسمية إلى بنجلاديش في يونيه 1987، قابل خلالها كبار المسؤولين هناك، ووصف نتائجها بأنها كانت طيبة للغاية، وقد تحدثت تقارير صحفية عديدة عن حصول جمهورية قبرص الشمالية التركية على بعض المساعدات من عدد آخر من الدول الإسلامية.