إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع التركي ـ اليوناني، ومشكلة قبرص





نيقوسيا والخط الأخضر

الاقتراح التركي
بحر إيجه والجزر
قبرص التقسيم الفعلي



أولى حروب القرن

المبحث الخامس

تطورات الأزمة القبرصية والصدام التركي ـ اليوناني (حتى عام 2000)

أولاً: نقاط الخلاف الجوهرية في قضية قبرص حالياً

يطالب الرئيس القبرصي، كليريديس، بما يطلق عليه "ضرورة إيجاد أرضية مشتركة" للتفاهم والاتفاق. ويتلخص موقف القبارصة اليونانيين في النقاط التالية:

1. الأمـن

يتمسكون بإلغاء اتفاق الضمان، أو على الأقل تعديله، بما يضع قيوداً لتدخل تركيا. كما يوافقون على الاقتراح الأمريكي، وجود قوات دولية في الجزيرة، مع توسيع مساحة المنطقة العازلة بين الجانبين. وفي هذا الصدد، تقدم كليريديس، عام 1995، بمبادرة لنزع سلاح الجزيرة، وإنشاء صندوق تحت إشراف الأمم المتحدة يتم تمويله بما كان يستخدم في شراء الأسلحة، وتكون مهمته إعادة وبناء البنْية الأساسية في الجزء الشمالي من الجزيرة. كما تضمنت المبادرة ضرورة سحب القوات التركية، وتسريح قوات الحرس الوطني القبرصي.

2. السيادة

يرى القبارصة اليونانيون، أن ثمة سيادة واحدة لدولة قبرص، لا يمكن تجزئتها. ويرفضون الاعتراف بأي حقوق سيادية  للجانب القبرصي التركي، على الأقاليم التي يسيطر عليها. ويرفض كليريديس مبادلة اعتراف الجانب القبرصي اليوناني بالسيادة القبرصية التركية، مقابل قبول الجانب القبرصي التركي انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي.

3. الأراضي

يتمسك الجانب القبرصي اليوناني، بضرورة تنازل القبارصة الأتراك عن بعض الأقاليم الخاضعة لسيطرتهم، من 37% من مساحة الجزيرة إلى 24% منها فقط.

4. الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

يضغط كليريديس من أجل العمل على انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي، قبل تسوية المشكلة القبرصية. ويلوّح، ومن خلفه اليونان، بالتعويق الكامل لمسيرة تركيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في حالة عدم قبول القبارصة الأتراك انضمام قبرص إليه، قبل التسوية النهائية.

ثانياً: موقف الجانب القبرصي التركي

يرى القبارصة الأتراك، أن الحكومة القبرصية، لا تملك إرادة حقيقية للتوصل إلى تسوية. وتتعمد وضع العراقيل، خصوصاً أن الأرضية المشتركة، التي ينادي بها كليريديس، قائمة منذ فترة طويلة، من خلال نتائج المباحثات رفيعة المستوى بين الطرفين، في أواخر السبعينيات، التي لم يكتب لها التنفيذ، والتي تمثلت في إنشاء جمهورية فيدرالية، ثنائية المناطق والطوائف، تكون مستقلة، وغير منحازة. وأنه تتحدد حد الأراضي، التي يسيطر عليها كل طرف، في ضوء الحالة الاقتصادية، وظروف الإنتاج والملكية. كما يتم بحث حرية التنقل والسكن والتملك، مع مراعاة الطبيعة الفيدرالية للدولة. ويتلخص الموقف القبرصي التركي في النقاط التالية:

1. الأمـن

يرون أن تعديل اتفاق الضمان، هو أمر غير قابل للنقاش، إذ ينبغي، من وجهة نظرهم، أن يظل لتركيا حق التدخل، حتى في حالة تسوية المشكلة القبرصية. ويوافقون على الاقتراح الأمريكي، وجود قوات دولية في الجزيرة، بشرط عدم المساس بحق تركيا في التدخل لحمايتهم.

2. السيادة

يؤكد القبارصة الأتراك، ضرورة اعتراف الجانب القبرصي اليوناني بسيادة قبرص التركية على أراضيها، ويفضلون أن تكون الدولة الجديدة، التي ستنشأ نتيجة التسوية، دولة كونفيدرالية، وإن كانوا لا يمانعون في أن تأخذ الشكل الفيدرالي في المناطق والطوائف، مع إعطاء استقلالية لكل طائفة في إدارة شؤون منطقتها.

3. الأراضي

يوافقون على إمكانية التنازل عن بعض الأراضي، للقبارصة اليونانيين، من 37% من إجمالي مساحة الجزيرة إلى 29% فقط.

4. انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي

يؤكّد الموقف القبرصي التركي، عدم الموافقة على انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي، قبل تسوية المشكلة القبرصية، ولا قبل انضمام تركيا إلى الاتحاد، إذ يشيرون، في هذا الصدد، إلى نصوص اتفاق الضمان، التي تشترط لعضوية قبرص في أي منظمة دولية، أن تكون تركيا واليونان عضوين فيها.

ثالثاً: الصواريخ الروسية لقبرص

جاء إعلان الحكومة القبرصية، في 4 يناير 1997، توقيع عقد، يقضي بالحصول على 20 صاروخاً روسي الصنع، ليلقي الضوء، مرة أخرى، على أزمة الجزيرة، المقسمة منذ 1974، وقصور الجهود الدولية، التي بذلت طوال العقدين الماضيين عن التوصل إلى حل سلمي دائم لها. غير أن البعد، الأكثر أهمية، هو ما يتعلق بالموقف التركي، الرافض لنشر هذه الصواريخ في الجزء الجنوبي من الجزيرة، والأخذ في تصعيد ردود فعله، استناداً إلى أن هذه الصواريخ، تهدد الأمن التركي مباشرة، نظراً إلى خصائصها الفنية، واقتراب جزيرة قبرص من الأراضي التركية. في الوقت نفسه، فإن مهمة المبعوث الأمريكي، وعلى الرغم من نجاحها في تهدئة التوتر بين أطراف الأزمة المباشرين، تركيا وجمهورية شمالي قبرص التركية، من ناحية، وقبرص واليونان من ناحية أخرى، إلاّ أنها لم تصل إلى تسوية محددة في شأن نشر الصواريخ أو عدمه. ومن ثم فإن جوهر الأزمة، ما زال قائماً، من حيث القابلية للانفجار، في وقت لاحق، لا سيما إذا لم يتم تنشيط جهود الأمم المتحدة، بدعم دولي واضح، للتوصل إلى تسوية سلمية، بناء على القرارات الدولية والاتفاقات السابقة.

1. مواصفات الصاروخ "S 300"

تعمل الصواريخ "إس 300"، كصواريخ (أرض ـ جو)، في مجال الدفاع الجوي، بمدى حتى 150 كم، وكصواريخ مضادة للصواريخ البالستيكية (أرض ـ أرض) بمدى حتى 40 كم.

واستخدامها، كصواريخ (أرض ـ جو)، سيمنع الطائرات التركية، التي اعتادت التحليق فوق أجـواء الجزيرة، من اختراق المجال الجوي القبرصي، لذا، ترى تركيا، أن هذه الصواريخ، تمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

2. مواقف إقليمية

أثارت الصفقة ردود فعل عديدة. أبرزها الموقف التركي، الذي عَدّ نفسه معنياً أكثر من غيره، وقد برزت فيه العناصر الآتية:

أ. الرفض التام لنشر هذه الصواريخ في الجزء الجنوبي من الجزيرة، نظراً إلى ما تمثله من تهديد مباشر للأمن التركي، وإن تركيا، سوف تقصف، إذا استدعى الأمر، قواعد هذه الصواريخ.

ب. إن هذه الخطوة نوع من التصعيد غير المبرر، من قبل حكومة القبارصة اليونانيين، وحلفائهم اليونان. وأن تركيا ستواجه التصعيد بتصعيد مماثل، كما كان الأمر عام 1974.

ج. إن هذه الخطوة، تخل بالتوازن العسكري بين قسمي الجزيرة، وتزيد من النزعات العدوانية لدى القبارصة اليونانيين، وهو ما ترفضه تركيا.

وبالنسبة إلى الموقف القبرصي، فقد اختلفت ذرائعه، إذ رأى أن الصفقة دفاعية الطابع، وإن لم ينفِ أنها تهدف إلى منع الطائرات التركية من التحليق في أجواء الجزيرة. وقال المتحدث باسم الحكومة القبرصية في تصريح في 1 مايو 1998: "أن طلب شراء صواريخ روسية تدبير سياسي صحيح يندرج في إطار أهدافنا الإستراتيجية". رافق ذلك تأييد يوناني، وإن اتسم بالهدوء الظاهري، وفقاً للافتراض بأن من شأن المبالغة التركية في رد الفعل تجاه  صفقة الصواريخ أن تعيد فتح ملف الأزمة القبرصية، والوجود العسكري التركي في القسم الشمالي من الجزيرة. وهو ما يساعد اليونان على تكثيف الضغوط الأوربية على تركيا، ويقيد مساعيها إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

لا يتوقف فهم الأزمة وأبعادها على طرفيها المباشرين، فهناك أدوار ظاهرة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ولكل أسبابها الخاصة.

3. موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الصواريخ

بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد بادرت إلى التعبير عن رفضها نشر هذه الصواريخ، ورأت فيه خطأ كبيراً، وتطوراً من شأنه أن يهدد الوضع الإقليمي في شرقي البحر الأبيض المتوسط، ويفجر الوضع داخل حلف شمال الأطلسي، نظراً إلى أن كلاً من اليونان وتركيا عضو في الحلف. ومن الناحية العملية، نجحت مهمة المبعوث الأمريكي، بعد مباحثات في تركيا واليونان وقبرص، في الفترة  من 14 إلى 20 يناير 1997، في تهدئة الأزمة، من دون حلّها. إذ ظل كل طرف متمسكاً بمواقفه، المعلنة قبل مهمة المبعوث الأمريكي. وفي نهاية أبريل 1998، صرح وزير الدفاع الأمريكي، وليم كوهينWilliam S. Cohen، في ختام زيارته القصيرة لأثينا، بأنه من الخطأ نشر صواريخ إس 300 في قبرص. كما انتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية، مادلين أولبرايتMadeleine Albright، قرار روسيا عزمها على تسليم قبرص الصواريخ إس 300 في موعدها المحدد وهو أغسطس 1998، قائلة "إنه من المفيد عدم زيادة تدهور الأوضاع في الجزيرة".

4. الموقف الروسي

يعد الموقف الروسي من الأزمة القبرصية، موقفاً غير مبالٍ، فروسيا طرف أساسي في صفقة الصواريخ، التي لا تفهم إلاّ في إطار أكثر اتساعاً من أبعادها الاقتصادية المباشرة. ذلك أن روسيا، في ظل عهد وزير خارجيتها، يفجيني بريماكوف Yevgeny Primakov، أخذت تبلور سياسة خارجية، قوامها "الخارج القريب"، وتعني أن هناك محيطاً خارجياً، يحيط بروسيا، يمثل لها مصلحة سياسية وإستراتيجية مباشرة. وأن على روسيا أن تمارس دوراً في هذا الخارج إمّا لتحقيق مكاسب مباشرة، أو لمنع قوى منافسة من تحقيق مكاسب، هي، أصلاً، من المكاسب المحتملة لروسيا.

ويتضمن الموقف الروسي رسالة سياسة موجهة إلى حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، وقوامه أن بقدرة روسيا أن تسبب المتاعب للحلف، ما لم يضع في حسبانه المصالح الإستراتيجية الكبرى لروسيا، عند صياغته للمشروعات، الخاصة بتوسيع الحلف وامتداده إلى شرق أوروبا. فضلاً عن كونه محاولة لإثبات قدرات السلاح الروسي، وأن روسيا ما زالت قادرة على أداء دور دولي، في أماكن مختلفة من العالم. وفي هذا السياق، يُشار إلى وجود قدر من التوافق في المصالح بين كل من روسيا واليونان في مواجهة تركيا، ورغبتهما معاً في تقييد حركتها الإقليمية.

وجدير بالذكر، أن روسيا، وقبل بدء مهمة المبعوث الأمريكي، اقترحت عقد لقاء عاجل للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي لصياغة خطة عمل مشتركة، إزاء المشكلة القبرصية. على أن يتم تشكيل مجموعة اتصال خاصة، تساعد مهمة المساعي الحميدة، التابعة للأمم المتحدة في شأن قبرص، على أن تعمل على تطبيق قرارات مجلس الأمن. وهو الاقتراح الذي وجد تأييداً من الرئيس القبرصي، الذي اقترح، بدوره، نزع سلاح الجزيرة، وهو ما أيدته روسيا.

5. التهدئة المؤقتة

ويتضح من حسابات الأطراف المعنية، على النحو السابق، أن الأمر يتعدى مسألة نشر الصواريخ. وأن هناك أهدافاً غير معلنة، خاصة بكل طرف على حدة. وأن التهدئة، التي تم التوصل إليها بواسطة المبعوث الأمريكي، لا تمثل سوى هدنة مؤقتة، الأمر الذي يطرح احتمال حدوث مواجهة عسكرية، أو رد فعل عسكري من قبل تركيا، التي استمرت في إظهار تمسكها بالخيار العسكري، عبْر إرسال عدد من القطع البحرية التركية إلى الميناء القبرصي الرئيسي، الموجود في الجزء التركي من الجزيرة.

رابعاً: الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

يستخدم موضوع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ورقة ضغط، تمارسه اليونان لعرقلة أي مساع لضم تركيا، واستخدام حق النقض ضد أي قرار، يقرب تركيا من العضوية الكاملة. وتشترط اليونان، من ضمن شروطها، لعدم استخدام حق النقض على عضوية تركيا إيجاد تسوية لمشكلة قبرص. في المقابل، تهدد تركيا بضم الجزء الشمالي، الذي تقوم فيه جمهورية شمالي قبرص التركية. إن إقرار المجلس الأوروبي في يوليه 1997 لتقرير "أجنده 2000"، قد زاد الأمور تعقيداً، فقد قرر المجلس بدء مفاوضات انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي في أعقاب المؤتمر الوزاري للاتحاد المقرر عقده في نهاية عام 1997، مع إيضاح الخطوط العريضة لمنهج الانضمام ، في الوقت نفسه، الذي أكد فيه التقرير أحقية تركيا بالانضمام، مستقبلاً، في صياغة عامة لا تتضمن أي تفصيلات أو خطوات محددة . وأسفر عن إفشال جولة المباحثات القبرصية وعن إعلان تركيا توقيع اتفاق"اندماج جزئي" مع جمهورية شمالي قبرص التركية، والتهديد بالضم الكامل، في حالة انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي قبل إيجاد تسوية للمشكلة القبرصية.

ولهذا زاد التوتر بعد قرار الاتحاد الأوروبي بالنظر في ضم قبرص اليونانية للاتحاد ، على الرغم من اعتراض بعض دول الاتحاد على عدم تمثيل القبارصة الأتراك.

خامساً: مساع جديدة نحو حل المشكلة القبرصية

للمرة الأولى منذ أكتوبر 1994، أمكن الاتفاق على بدء أول جولة لمحادثات سلام، بين رؤوف دنكتاش، زعيم القبارصة الأتراك، والرئيس القبرصي، كليريديس، في الفترة من 9 إلى 13يوليه 1997، في منتجع توروتبيك، قرب نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت إشراف الأمم المتحدة . وقد أوكل كوفي Kofi Annan  ، الأمين العام للأمم المتحدة، مهمة إشراف المنظمة الدولية على هذه المحادثات إلى دييجو كوردوفيز Diego Cordovez [1]، كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة لحل المشكلة القبرصية. وقد قدم مقترحات جديدة للتسوية ـ هي في الأساس مقترحات، كان قد طرحها بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة السابق عام 1992، تقوم على أساس أن يتمتع دنكتاش وكليريديس بوضع رئاسي، كل في منطقته على أن يتكون اتحاد فيدرالي، له سيادة موحدة. ويتعهد  كل جانب بعدم السعي إلى الانفصال أو الانضمام إلى تركيا أو اليونان. إلاّ أن أجواء التفاؤل، التي بدأت بها هذه الجولة، تحولت إلى أجواء تشاؤمية مع نهايتها، إذ فشل الطرفان في إحراز أي تقدم يذكر، وأعلنا أن مقترحات الأمم المتحدة، لم تفِ بمطالبهما، كما لم يتطرقا إلى القضايا الرئيسية. وانتهت هذه الجولة، من دون الاتفاق على شيء، إلاّ عقد جولة ثانية، في الفترة من 11 إلى 16 أغسطس 1997 في سويسرا.

إلاّ أنه في تطور مفاجئ، وقبل 5 أيام من بدء الجولة الثانية، وقعت تركيا وجمهورية شمالي قبرص التركية في 6 أغسطس 1997، "اتفاق ارتباط" يمهد لعملية "اندماج جزئي" لهذه الجمهورية في تركيا، إذ ينص على حدوث اندماج، اقتصادي ومالي، تدريجي، واندماج جزئي على صعيد الأمن والدفاع والشؤون الخارجية. وعلى الرغم من ذلك، انعقدت الجولة الثانية، في موعدها ومكانها سالفي التحديد، دون تأجيل أو تعديل، ولكن وسط أجواء تشاؤمية، بدأها دنكتاش، المدعوم بشكل رسمي وقوي من تركيا بعد اتفاق الارتباط، بالتهديد بأنه في حالة بدء محادثات لانضمام القبارصة اليونانيين إلى الاتحاد الأوروبي، فإنه سيتخذ خطوات مماثلة تجاه تركيا.

وقد فشلت الجولة الثانية من المباحثات القبرصية، بسبب إعلان الاتحاد الأوروبي ترشيح قبرص لعضويته، من دون النظر إلى تمثيل القبارصة الأتراك.

وقد سعى دييجو كوردوفيز إلى اتباع منهاج الخطوة خطوة، مؤكداً أن هدف هذه الجولة الأساسي، هو الحفاظ على استمرار مسيرة التفاوض بين طرفَي الأزمة، مع تجنب التركيز في لب القضية. فقدم مقترحات جاءت في وثيقتين: إحداهما تتناول طريقة التسوية، وجدولاً زمنياً. والثانية أقرب إلى ملحق يضم الخطوط العريضة لدستور مقترح، لحل مختلف المشكلات، التي أدت إلى تقسيم الجزيرة  منذ 23 عاماً.

وعيّنت الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثاً خاصاً لقبرص هو ريتشارد هولبروك Richard Holbrooke [2]، إلى جانب توماس ميللرThomas Miller، منسق الشؤون القبرصية في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي زار قبرص عدة مرات آخرها في أول مايو 1998، وتباحث مع الأطراف المعنية بالنزاع القبرصي في أنقرة وأثينا. وذلك لتأكيد تصميم الإدارة الأمريكية على تحريك مفاوضات السلام لإعادة توحيد قبرص في إطار اتحاد فيدرالي مؤلف من منطقتين ومجموعتين حسب اقتراحات الأمم المتحـدة. وهذا ما أعرب عنه وزير الخارجية البريطاني، روبن كوك Robbine Cook، الذي تتولى بلاده رئاسة الدورة الحالية (أبريل 1998) للاتحاد الأوروبي.

وتوجه الرئيس القبرصي كليريديس في 24 أبريل 1998 إلى أثينا للتباحث مع الرئيس اليوناني كوستاس سيميتيس Costas Simitis حول الجهود الرامية لإيجاد حل في قبرص.

وفي الوقت ذاته جدد زعيم القبارصة الأتراك رؤوف دنكتاش موقفه الداعي إلى الاعتراف الدولي بجمهورية قبرص التركية الشمالية شرطاً أساسياً للحل. ودعا إلى دولتين قبرصيتين متحدتين.وقال أن "ليست ثمة فرصة لتسوية المشكلة القبرصية إذا لم تقر الأطراف المعنية بضرورة ألاّ يحكم القبارصة اليونانيون القبارصة الأتراك، وأن يتمتع القبارصة الأتراك بإرادتهم الخاصة وحكومتهم ودولتهم الخاصة بهم، وإجراء محادثات بين الطائفتين".

كما أكّد الرئيس الروسي بوريس يلتسن Boris Nikolayevich Yeltsin لوزير الدفاع اليوناني أكيس تسوهاتسو بولوس لدى استقباله له في موسكو أن روسيا لن تتراجع عن تعهدها تسليم قبرص اليونانية نظام الصواريخ إس 300، المضاد للصواريخ لحمايتها من إي هجوم من الجانب التركي. وكانت تركيا اعتبرت نشر هذا النظام المتطور للصواريخ في قبرص  يمكن أن يشعل فتيل الحرب.

سادساً: النـزاع حول بحر إيجه والجرف القاري والمياه الإقليمية

يمتد بحر إيجه Aegan Sea نحو الشمال الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، إذ يحده من الشمال الغربي الساحل اليوناني، ومن الشرق الساحل التركي، بينما يحده من الجنوب عديد من الجزر، أهمها "كريت Crete" و"رودس Rhodes" ويمثل هذا البحر فاصلاً مائياً بين شبه جزيرة الأناضول والأراضي اليونانية، باستثناء المنطقة الشمالية، حيث تتشابك حدود الدولتين. ويتوسط هذا البحر آلاف الجزر الصغيرة، المتفاوتة في أحجامها.

يُعَدّ بحر إيجه، بمشاكله، أحد المعوقات الرئيسية لتحسن العلاقات بين كل من تركيا واليونان، إذ يحتوي على العديد من عناصر الخلاف، التي تمتد جذورها في التاريخ، ومتطلبات القانون الدولي، مثل مشكلة البحر الإقليمي، والجرف القاري، والمجال الجوي، ونزع سلاح جزر شرقي بحر إيجه. وهي أمور معلقة، حتى يومنا هذا، على الرغم من المحاولات العديدة للمفاوضات من قبل الجانبين.

1. الأصول التاريخية لتطور السيادة في بحر إيجه

فرضت الدولة العثمانية سيطرتها على بحر إيجه وبلاد اليونان، منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وجعلت منه بحيرة عثمانية، وتحكمت في كل مداخله، بعد فتح القسطنطينية، عام 1452.

مع استقلال اليونان، عام 1832، عن الحكم العثماني، بدأت في محاولة جمع شمل الكيان اليوناني السابق، وهو الأمر الذي عدّته الدولة العثمانية، ومن بعدها تركيا، محاولة للتوسع على حسابها. ففي عام 1864، تنازلت بريطانيا عن العديد من الجزر الإيونية (Ionian Islands) جنوب بحر إيجه لمصلحة اليونان. وتنفيذاً لقرارات مؤتمرَي برلين، عام 1878، ومعاهدة إستانبول 1881، تنازلت تركيا عن مقاطعتَي "ثيثالي "Thessaly و"لاريسا Larissa "، مما زاد من قبضة الجانب اليوناني على بحر إيجه.

وفي أعقاب حرب البلقان (1912 ـ 1913)، بدأ الجانب اليوناني زحفه نحو السيطرة على الجانب الشمالي لسواحل بحر إيجه، وهو ما عَدّته الدولة العثمانية محاولات توسعية يونانية. وبدأ الأتراك محاولات لاستعادة سيطرتهم على الجزر، التي احتلها اليونانيون في بحر إيجه. وأعيدت إلى تركيا جزيرة (كوجه أدا Gokceada) أو (إمبروس Imbroz) وجزيرة (بوزجه أدا Bozca Ada) أو (تينيدوس Tenedos) بموجب معاهدة أثينا، عام 1913، لأهميتهما الإستراتيجية، إذ تتحكمان في مضيق الدردنيل.

تُعَدّ معاهدة لوزان ، الموقعة في24 يوليه 1923، بين الجانب التركي والحلفاء، إحدى أهم الركائز التاريخية، التي رسمت الحدود البرية والبحرية بين تركيا واليونان، (اُنظر خريطة بحر إيجه والجزر اليونانية والتركية) حتى وقتنا هذا. وقد جاءت هذه المعاهدة، بعد المحاولة اليونانية الفاشلة لاحتلال أزمير، وتصدّى الجيش التركي لها، بقيادة مصطفي كمال أتاتورك (في سبتمبر 1922). إذ نصت هذه المعاهدة على إجبار الجانب التركي على التنازل عن العديد من الجزر في بحر إيجه، لمصلحة الجانب اليوناني، ونصت هذه الاتفاقية، كذلك، على النقاط المهمة التالية:

أ. الهجرة الإجبارية للأقليات والسكان الأتراك في الجزر، المتنازل عنها لمصلحة اليونان، وللأقليات اليونانية، التي كانت تقيم بتركيا، فيما عدا مدينة إستانبول.

ب. نزع سلاح الجزر، المتنازل عنها لمصلحة اليونان.

ج. وضع بحر إيجه خارج نطاق السيادة الكاملة لأي دولة.

وعلى الرغم من تحسن العلاقات اليونانية ـ التركية، في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن ضم جزر دوديكانس إلى اليونان عام 1947، وادعاء اليونان أحقيتها في مد بحرها الإقليمي إلى 12 ميلاً بحرياً، وكذلك محاولتها مد مجالها الجوي إلى 10 أميال بحرية، أفقياً، كل ذلك أدى إلى ظهور العديد من الخلافات بين الطرفين.

بدأ النزاع بين تركيا واليونان، حول بحر إيجه، في عام 1974، عندما علمت تركيا بأن رئيس الوزراء اليوناني، أندرياس باباندريو، يخطط لتأميم "شركة نفط إيجه" (وهي اتحاد شركات كندية وأمريكية وألمانية) ونية الشركة العمل في التنقيب عن النفط، شرقي جزيرة "ثاسوسThasos" وشعرت تركيا بالقلق من ذلك، فأصدرت، في المقابل، التصاريح لشركة النفط التركية، للتنقيب في مياه أخرى، متنازع عليها. وأمرت الحفار العائم "شيمشك Simsek- البرق-1)" بالتحرك نحو جزر يونانية ثلاث، هي: " ليسبوس Lesbos و"ليمنوس Limnos" و"ساموتراكي "Samothraki، للتنقيب عن النفط، داخل نطاق الأميال الأثني عشر، حول الجزر. وأمرت اليونان، بدورها، سفنها الحربية في بحر إيجه، بالتصدي للحفار العائم، ومنعه من دخول المياه الإقليمية للجزر. وأصدرت تركيا أوامرها إلى سفنها الحربية، بمرافقة الحفار، والتصدي لأي قوة معادية، تحاول اعتراض أي سفينة، تحمل العلم التركي.


 



[1] دييجو كوردوفيز Diego Cordovez   هو وزير خارجية الإكوادور الأسبق، والذي سبق أن رعى المفاوضات التي أسفرت عن اتفاق لانسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، عام 1988.

[2] كان مساعداً لوزير الخارجية الأمريكي، وقام بمساع صعبة ومكثفة خلال أزمة البوسنة والهرسك، تكللت باتفاقية دايتون، في 14 ديسمبر 1995.