إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع التركي ـ اليوناني، ومشكلة قبرص





نيقوسيا والخط الأخضر

الاقتراح التركي
بحر إيجه والجزر
قبرص التقسيم الفعلي



أولى حروب القرن

المبحث السادس

تطورات الأزمة القبرصية والصراع التركي اليوناني

(الفترة من عام 2000 ـ 2006)

أولاً: تطورات الأزمة القبرصية

بعد توقف المحادثات الثنائية بين الزعيم "دنكتاش" رئيس القبارصة الأتراك، والزعيم "جلافكوس كليريديس" زعيم القبارصة اليونان، بعد عقد الدورة الأولى من المباحثات عام 1999.

عقدت الدورة الثانية من المباحثات تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة في يناير/ فبراير 2000 في جنيف، وتركزت القضايا الرئيسية للجانب القبرصي التركي على الاتحاد الكونفدرالي، أما الجانب القبرصي اليوناني فأهتم بالأرض، وترسيم الحدود، ورفض الكونفيدرالية، فبينما يتمسك أحد الجانبين بإقامة دولتين، يتمسك الأخر بإقامة مجتمعين.

عقدت الدورة الثالثة من المحادثات في يوليه 2000، على أساس المواقف السابقة، ولم تحرز أي تقارب بين الطرفين، وتوقفت المفاوضات في نوفمبر 2000. وأصدر الأمين العام للأمم المتحدة بيانه الهادف إلى التمهيد لمفاوضات جادة تؤدى إلى تسوية شاملة.

أعيدت المفاوضات في ديسمبر 2001، بناء على دعوة خاصة، في قبرص التركية، ثم أعيدت اللقاءات في يناير 2002، واتفق على لقاءات أسبوعية غير معلنة، في إطار الدبلوماسية العامة، دون إحراز أي تقدم بعد إجراء حوالي 66 لقاء حتى يونيه 2002.

برزت هنا نقطة خلاف أخرى، حيث أصر القبارصة اليونانيون على أن تتم التسوية داخل إطار دولي ترعاه الأمم المتحدة؛ لأنهم يعدون غزو تركيا لجزيرة قبرص غزوا أجنبياً، وهو ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ويستدعى تدخلها، بينما رفض زعيم القبارصة الأتراك هذا الأمر؛ لأن جميع قرارات الأمم المتحدة، كانت في مصلحة القبارصة اليونانيين.

قام القبارصة اليونانيون باحتلال مقعد الجمهورية القبرصية في كل المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة إضافة إلى 45 منظمة دولية أخرى، وكان آخرها الانضمام إلى مجموعة الدول الفرانكفونية، حيث باتت عضواً مشاركاً في أخر قمة للمجموعة التي عقدت في رومانيا سبتمبر 2006، كما أنهم ضغطوا بقوة على الهيئات التشريعية في الاتحاد الأوروبي، خاصة البرلمان الأوروبي.

أصدر الاتحاد الأوروبي في قمته بكوبنهاجن ديسمبر 2002 دعوة لقبرص للانضمام للاتحاد الأوروبي في عام 2004، بشرط اتفاق الجاليتين على خطة الأمم المتحدة التي عرضها الأمين العام للأمم المتحدة في نوفمبر 2002، كما سيطر القبارصة اليونانيون على كل السفارات القبرصية في الخارج، ورفضوا الاعتراف للقبارصة الأتراك بأي صوت رسمي في العالم.

على أثر قرار الاتحاد الأوروبي دعوة قبرص للانضمام إليه، هددت تركيا بضم القطاع الشمالي من الجزيرة إليها، في حالة ضم قبرص للاتحاد الأوروبي قبل التوصل إلى تسوية للمشكلة، وبدأت في اتخاذ إجراءات أولية لضم شمال قبرص إليها.

صدر قرار وزارة الداخلية التركية بمنح القبارصة الأتراك مختلف حقوق المواطنة في تركيا، باستثناء حق الانتخاب، وتشمل هذه المزايا إلغاء شرط الحصول على الإقامة في تركيا، ومنحهم حق تأسيس شركات، وتوفير التعليم المجاني لأبنائهم، وتسهيل منحهم الجنسية التركية مع الاحتفاظ بجنسيتهم القبرصية.

شارك الطرفان القبرصي واليوناني، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، في جولات التفاوض حول خطة عنان في الفترة من نوفمبر 2002 حتى مارس 2003، حيث انتهيا إلى رفضها، وأعلن دنكتاش" رئيس قبرص التركية عدم قبوله للخطة، وأعلن عنان بعدها فشل المفاوضات للاتفاق على الوحدة، وطالب بإجراء استفتاء للطرفين على الخطة في 30 مارس، وهو ما رفضه "دنكتاش" وانسحب على أثره من المفاوضات.

دارت مباحثات على جانب آخر بين "أردوغان" و"دنكتاش" حاول فيها رئيس الوزراء التركي إثناء "دنكتاش" عن مواقفه المتشددة، إضافة إلى عدة قرارات أخرى بدت كأنها تمهيد لجولة جديدة لاستئناف المفاوضات، حيث قرر "دنكتاش" في 21 إبريل 2003 عقب توقيع قبرص اليونانية على اتفاقية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فتح الحدود بين الشطرين الشمالي والجنوبي للجزيرة (الخط الأخضر) ما سمح للقبارصة الأتراك واليونانيين بزيارات متبادلة في شطري الجزيرة للمرة الأولى منذ 3 عقود.

أجري، في إبريل 2003، استفتاءان في شطري قبرص على خطة الأمم المتحدة، وجاءت النتائج برفضها من قبل القبارصة اليونانيين وقبولها من قبل القبارصة الأتراك. كما قامت تركيا في مايو 2003 بإصدار قرار يسمح للسائحين من القبارصة اليونانيين بزيارة تركيا دون الحصول على تأشيره، وطلب "أردوغان" من عنان تجديد مساعيه للتوصل إلى حل للمشكلة القبرصية، وبعد اتصال عنان بأطراف الأزمة، الذين أبدوا استعدادهم لاستئناف المفاوضات، لم يتحقق أي تقدم

سقط "دنكتاش" في الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2003 نتيجة لزيادة الشعور الشعبي للقبارصة الأتراك المناوئ لسياسته في التعامل مع ملف المفاوضات لتحديد مستقبل الجزيرة، وشكلت حكومة ائتلافية في يناير 2004 برئاسة "محمد على طلعت"، المؤيد لخطة الأمم المتحدة، وعُيِّن "سردار دنكتاش" ابن "رؤوف دنكتاش" المعارض لخطة الأمم المتحدة نائباً لرئيس الحكومة ووزيرا للخارجية.

أعلن "محمد طلعت" أن حكومته هي حكومة وفاق اجتماعي، وتسوية النزاع القبرصي، وأن هدف الحكومة إيجاد حل للمشكلة القبرصية بحلول مايو 2004. استؤنفت المفاوضات بحضور أطراف الأزمة في فبراير 2004، بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وبعد ثلاثة أيام أظهر الطرفان التزامهما بدخول مفاوضات جادة، للتوصل إلى حل شامل للمشكلة القبرصية، على أساس مشروع الأمين العام للأمم المتحدة.

شهد شهر إبريل 2004 آخر جولات التفاوض، التي انتهت برفض القبارصة اليونانيين خطة الأمم المتحدة. وفي مايو 2004، دخلت قبرص اليونانية عضواً في الاتحاد الأوروبي على أساس أنها منفصلة عن قبرص التركية.

تجمدت المفاوضات السياسية الرسمية بين الجاليتين التركية واليونانية، خلال عامي 2004/2005، إلا من بعض الاتصالات المتبادلة لحل عدد من المشكلات الإدارية، كما سعى القبارصة اليونانيون في مايو 2005 لدى الأمم المتحدة لإحياء المفاوضات الثنائية، ولتوضيح استعداهم لبذل جهود سلمية جديدة، إلا أن الأمر لم يثمر عن نتائج، لتمسك القبارصة اليونانيين بأسسهم السابقة لبناء الدولة الجديدة.

اتفق الزعيمان القبرصي اليوناني "تساوس بابا دوبلس" والقبرصي التركي "محمد على طلعت" يوم 8 يوليه 2006 على استئناف المحادثات، اعتباراً من 31 يوليه 2006، لبحث إعادة التوحيد للتخفيف من الجمود الحالي في النزاع، ومعالجة المسائل الإدارية اليومية المشتركة، والخلافات السياسية، وقضية المفقودين الذين بلغ عددهم نحو 2000 فرد منذ الغزو التركي عام 1974، بوصفها قضية إنسانية، إلا أن المحادثات لم تنعقد بين الطرفين.

أصدر مجلس الأمن بياناً في 30 أغسطس 2006، يوبخ الطرفين على عدم معاودة المباحثات، وتطبيق اتفاق 8 يوليه 2006. وفي أكتوبر أظهر الاتحاد الأوروبي مشكلة قبرص مرة ثانية بضغوط يونانية، حيث طالب تركيا بالسماح للسفن والطائرات القبرصية اليونانية باستخدام الموانيء، والمطارات التركية، طبقاً للبروتوكول الإضافي[1] الذي وقعته تركيا مع الاتحاد الأوروبي، والذي يشير ضمنا إلى اعتراف تركيا بقبرص اليونانية.

طالب الاتحاد الأوروبي تركيا خلال سبتمبر 2006 بالاعتراف رسمياً بقبرص اليونانية، والدفع بالمحادثات الثنائية لحل الأزمة، إلا أن تركيا رفضت المقترحات الأوروبية، ما لم يتم إنهاء العزلة الدولية المفروضة على قبرص التركية.

تعد القضية القبرصية من أكثر المشكلات العالمية تعقيداً، لوجود جهات خارجية فاعلة في حل قضية، والأطراف الداخلية القبرصية لها دوافعها في تعليق حل القضية، فالقبارصة اليونانيون قاموا بتعبئة المواطنين ضد المشروع السلمي للأمم المتحدة.

اعتمدت قبرص اليونانية في هذا السياق شعارات قومية متشددة، وتتمتع دولتها باقتصاد قوي، وشرعية دولية واسعة، وباتت منتجعاً سياحياً عالمياً في أوج الرفاهية والازدهار، ومقرا هاما لفروع شركات الشحن، وبيوت المال الدولية، لذلك فهي تتحرك في المفاوضات باستراتيجية مريحة، وترى في انضمام قبرص التركية عبئاً اقتصادياً عليها، ومن جانب آخر، هم لا يثقون في الضمانات الدولية، التي فشلت في حمايتهم سابقاً، ويتجاهلون المفاهيم الأساسية للقبارصة الأتراك.

أما القبارصة الأتراك فيعانون من حالة اقتصادية متردية، وعزلة اقتصادية من المجتمع الدولي، لدرجة أن محكمة العدل الأوروبية أصدرت قرارا عام 2003، يمنع استيراد الفاكهة من قبرص التركية، كما تعاني الدولة من عزلة سياسية دولية، ولا تتمتع بأي شرعية دولية، ولم يعترف بدولة القبارصة الأتراك المعلنة منذ عام 1983، سوى تركيا وباكستان.

رغم وجود قيادة سياسية اشتراكية ديموقراطية ذات توجهه إصلاحي في قبرص التركية، إلا أنها فشلت في تحقيق أي تقارب مع القبارصة اليونانيين للتغلب على التجزئة القائمة، فهي أيدت مشروع الأمم المتحدة للسلام، وتطالب بالمساواة السياسية والشراكة في المنطقة والنظام الأمني من خلال ضمان فعال من جانب تركيا الشاغل الأساسي لهم، ومشكلتهم الأساسية في كونهم أقلية من حيث الأرض والسكان، لذلك فهم يبحثون عن ضمانات لاستدامة التسوية وفاعليتها، ويرون في الكونفيدرالية الحل الأمثل للقضية القبرصية.

ثانياً : دور الاتحاد الأوروبي

لعب الاتحاد الأوروبي دوراً حيوياً في القضية القبرصية منذ العام 1972، إلى أن تقدمت السلطات الرسمية في قبرص اليونانية بطلب عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي يوليه 1990، و قرر مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي النظر في العضوية سبتمبر 1990.

اعترضت قبرص التركية على انضمام قبرص اليونانية للاتحاد الأوروبي، نظراً لأن الحكومة في الجنوب لا تمثل قبرص التركية، إضافة إلى أن المادة الأولى من معاهدة الضمان بين الجاليتين عام 1960، تحظر مشاركة قبرص الكلية أو الجزئية في أي اتحاد سياسي أو اقتصادي مع أي دولة أو منظمة دولية، وعلى هذا فإن انضمام قبرص اليونانية للاتحاد الأوروبي غير شرعي ويخالف معاهدة الضمانات.

في عام 1995 وقع الاتحاد الأوروبي مع القبارصة اليونانيين بروتوكول تعاون مالي وتقني، وافتتح معها مفاوضات الانضمام عام 1998، وفي قمة هلسنكي للإتحاد عام 1999 أعلن أنه لا يتعين على القبارصة اليونانيين تسوية خلافاتهم مع القبارصة الأتراك شرطاً سابقاً الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

ثار جدل كبير حول قضية انضمام قبرص اليونانية للاتحاد الأوروبي خلال عام 2000/ 2001، حيث نظر القبارصة اليونانيون إلى الانضمام وسيلة لممارسة الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري لفرض تسوية تخضع لشروطهم، وطالما أنهم حافظوا على وضعهم السياسي داخلياً وخارجياً، فإنه يمكنهم مواصلة عزل قبرص التركية والضغط عليهم اقتصادياً.

أما الاتحاد الأوروبي فإنه بذلك اعترف بقبرص اليونانية ممثلاً شرعياً للجزيرة ورفض مناقشة القبارصة الأتراك في أحقية قبرص اليونانية قانونيا وأخلاقياً. أشار زعيم القبارصة الأتراك "رؤوف دكناتش" لصحيفة كبرلسي القبرصية يوم 7 نوفمبر 2001 إلى خشيته من أن هذه القضية سوف تؤدى إلى تقسيم دائم للجزيرة.

على الجانب الآخر صرح زعيم الحزب الحاكم في قبرص اليونانية "أن الانضمام يمثل توحيداً لقبرص اليونانية مع اليونان" بما يتفق مع فكرة الأينوسيس أو الاتحاد اليوناني، التي سادت ما بين عامي 1955 – 1956، واتفق معه في الرأي سفير قبرص التركية في أنقره، بشأن سعى القبارصة اليونانيين إلى الاتحاد مع اليونان اتحاداً غير مباشر من خلال الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء التركي في نوفمبر 2001 إلى التهديد بضم قبرص الشمالية إلى تركيا، واتخذت إجراءات فعلية في هذا الاتجاه.

مع اقتراب اجتماع قمة الاتحاد الأوروبي عام 2002، تصاعدت الأزمة بين أطراف النزاع حول القضية القبرصية، فالأوساط التركية أعلنت خطورة انضمام قبرص اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي، لأن الوضع سوف يؤدى إلى خلق عضو جديد يعارض حلم انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وقد ينهيه، إضافة إلى تعريض مصالح تركيا الحيوية في المنطقة للخطر.

ورأى آخرون في قبول تركيا لهذا الأمر بداية لتنازلات تركية في قضايا أخرى، مثل قضية النزاع التركي اليوناني على جزر بحر إيجه، وقضية الإبادة العرقية للأرمن، وسوف يواصل الاتحاد الأوروبي سعيه في الحصول على تنازلات تركية أخرى حتى لو كانت على حساب مصالح تركيا القومية.

أشارت بعض المصادر التركية إلى وجود قدرات ضغط تركية لم توظف بعد، مثل قدرة تركيا على إثارة مشكلات للاتحاد الأوروبي، وربما تعطيل خططه المستقبلية، باستخدام حقها في الاعتراض على استعانة إتحاد غرب أوروبا، وهى المؤسسة الأمنية العسكرية للإتحاد الأوروبي بأصول حلف شمال الأطلنطي في المستقبل وتركيا عضو في الحلف، وهو أمر حيوي للاتحاد الأوروبي، فاتحاد غرب أوروبا، له مهام أمنية أقل من الدفاع الجماعي، ولا يمكن أن يعمل دون استخدام أصول الحلف وقدراته.

أما اليونان فقد مارست ضغوطا على الاتحاد الأوروبي، رأت في حصول قبرص اليونانية على عضوية الاتحاد، خطوة من الخطوات الرامية إلى حل المشكلة القبرصية، وهددت بعرقلة عملية توسيع الاتحاد في حالة عدم قبول عضوية قبرص، ضمن المرحلة الأولى من الأعضاء الجدد، المقرر قبولهم عام 2004.

جاء قرار الاتحاد الأوروبي في قمته التي عقدت في كوبنهاجن ديسمبر 2002 ليكون متوازناً إلى حد ما، من الناحية الشكلية، وذلك بإدخال تركيا ضمن الدول المرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي، وفيه تطمين للجانب التركي، بما يفسح المجال أمام حل الأزمة القبرصية مستقبلاً، خاصة عند بدء إجراءات انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي، إذ إنه من المتوقع في هذه الحالة أن تمارس أنقره ضغوطاً لإقناع القبارصة الأتراك بتوحيد الجزيرة.

وعلى الجانب الآخر، قبول عضوية قبرص اليونانية في الاتحاد الأوروبي، دون اشتراط توحيد شطري الجزيرة، وإن كان الاتحاد يفضل انضمامها دولة واحدة، ونصت وثيقة كوبنهاجن على أن الاتحاد مستعد لإنجاز التعديلات اللازمة في حالة توحيد شطري الجزيرة لتصبح عضواً في الاتحاد، ووفقاً لهذا النص أفسح الاتحاد المجال أمام انضمام قبرص موحدة إلى الاتحاد الأوروبي في أي وقت يصل الطرفان فيه لاتفاق الوحدة وإقرار السلام.

شارك الاتحاد الأوروبي في جهود الأمين العام للأمم المتحدة لتسهيل المفاوضات التي أجريت الفترة من عام 2001 ـ 2003، وقد ساهمت دول الاتحاد مع الأمين العام في تعديل خطة الأمين العام ثلاث مرات، وباءت أُخراها في مارس 2003.

لم تتوقف جهود دول الاتحاد الأوروبي عند هذه الحدود، حيث أعلنت بريطانيا استعدادها للتخلي عن حوالي 50% من الأراضي الخاضعة للسيادة البريطانية في شكل قواعد عسكرية بريطانية على الجزيرة، أي تخليها عن حوالي 75 كم2 تزيل من عليها الأنشطة العسكرية البريطانية.

كما دعت اللجنة الأوروبية إلى تنظيم مؤتمر دولي للدول المانحة، بشأن دعم قبرص لتغطية نفقات إعادة تسكين القبارصة الأتراك، الذين يقيمون حالياً في مناطق سوف تعاد للقبارصة اليونانيين في حالة تطبيق خطة الأمين العام للأمم المتحدة.

دعا الاتحاد الأوروبي قبرص اليونانية إلى المشاركة في أول عملية إدارة أزمة مدنية، تنجز في إطار السياسة الدفاعية والأمنية الأوروبية بعد تولى الاتحاد الأوروبي المهمة من الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك، حيث شاركت قبرص بأربعة ضباط من إجمالي 531 ضابط شرطة لحفظ الأمن في يناير 2003، وذلك قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

على أثر صدور قرار كوبنهاجن ديسمبر 2002 بانضمام قبرص اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي، قامت قبرص باستيفاء عدد من الشروط والمعايير وفقاً لإستراتيجية ما قبل الانضمام التي أقرها الاتحاد الأوروبي.

حيث قامت بالعمل على تحقيق استقرار المؤسسات الديموقراطية وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان والأقليات، وأعمال آليات السوق بعد تحرير التجارة، وإزالة القيود والعوائق التعريفيه أمام تدفق السلع، وتطوير التشريعات والقوانين؛ لتتواكب مع هدف تحرير التجارة، مثل: قانون الشركات، والنقل، والسياسة الاجتماعية، والبطالة، والصناعة، والبحث العلمي، والاتصالات، والبيئة، والعلاقات الخارجية، والسياسات المالية، وحرية انتقال الأفراد ورؤوس الأموال، والصناعات الصغيرة والمتوسطة، والسياسة الإعلامية والثقافية، والجمارك، والسياسات الأمنية.

استمرت قبرص اليونانية في اتخاذ إجراءات التأهيل تحت رقابة أوروبية، إلى أن انضمت رسمياً إلى الاتحاد الأوروبي، بعد صدور قرار قمة الاتحاد الأوروبي في مايو 2004، بالعاصمة الأيرلندية دبلن، على أن يبدأ تنفيذه، فعلياً، في أكتوبر 2005.

قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات إلى قبرص اليونانية للوفاء بالشروط اللازمة لعضوية الاتحاد، في مرحلة ما قبل الانضمام، وذلك من خلال برنامج يطلق عليه PHARE للمساعدات، لبناء نظام مؤسسي تتواءم فيه التشريعات القبرصية مع تشريعات دول الاتحاد، وإقامة مشروعات استثمارية لتطوير البنية الأساسية، ومساعدات أخرى متصلة بالتدريب وتنمية المجتمع، وحماية البيئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وقدم الاتحاد مساعدات إلى الدول العشر، التي انطبق عليها قرار كوبنهاجن 2002، ومنها قبرص، بقيمة 4 مليار يورو، لدعم قطاع الزراعة، ومساعدات للتنمية الإقليمية بنحو 23 مليار خلال السنوات الثلاث الأول.

باتت قبرص، في أكتوبر 2005، عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته التابعة، مثل البرلمان الأوروبي، ومجلس وزراء الاتحاد الأوروبي، والمجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والبنك المركز الأوروبي، وبنك الاستثمار الأوروبي، إضافة إلى عضوية العديد من الاتحادات، مثل اتحاد تجارة الجملة والتجزئة الأوروبي، واتحاد التجارة الخارجية، واتحاد الغرف التجارية الأوروبية، واتحاد الصناعات والشركات الأوروبية وغيرها.

حصلت قبرص اليونانية، بعد مسيرة مضنية على عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو ما لم تحصل عليه تركيا، ورغم علم الاتحاد الأوروبي بمدى تأثير تركيا في حل الأزمة القبرصية، ومدى تأثير تركيا على الساحة الإقليمية إلا انه لا يرغب في الاصطدام مع تركيا، خاصة في قضية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، نتيجة لمخاوف متعددة.

في محاولة لرأب الانقسام الأوروبي، عرضت النمسا إقامة شراكة خاصة مميزة مع تركيا، يمكن بعدها فتح باب التفاوض في القضية القبرصية، إلا أن الأمر مازال معلقاً ولم يحرز أي تقدم، فانقسام الاتحاد الأوروبي، حول انضمام تركيا للاتحاد، هو انقسام حول استخدام وسائل ضغط على تركيا أو مهادنتها.

شهد النصف الثاني من عام 2006 تحركاً دبلوماسياً أوروبياً للضغط على تركيا لتحريك القضية القبرصية، ملوحاً بملف قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مقابل حل القضية القبرصية، حيث شهدت بلجيكا وفنلندا عددا من اللقاءات الدبلوماسية للأطراف المعنية.

عرضت فنلندا، بصفتها رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، خطة للحل الجزئي لمشكلة قبرص في أكتوبر 2006 ورأت فيها مدخلاً للحل الشامل للقضية، وتضمنت الخطة الفنلندية، فتح الموانئ والمطارات التركية لسفن وطائرات قبرص اليونانية، مقابل إشراف المنظمة على مدينة ماراش بقبرص الشمالية، واستخدام ميناء ماجوستا بالإشراف المشترك مع الاتحاد الأوروبي، وتقديم مساعدات مالية للقبارصة الأتراك بقيمة 259 مليون يورو لدفع عجلة اقتصادهم المتردي.

تحفظت تركيا على استخدام قبرص اليونانية لبعض المطارات التركية، مع استمرار التهديد الأوروبي، بتقرير المفوضية الأوروبية المزمع مناقشته في نوفمبر 2006 لرصد التقدم الذي حققته تركيا في المفاوضات حول انضمامها للاتحاد الأوروبي.

أما الدول الأوروبية التي تسعى إلى مهادنة تركيا، فترى ضرورة عودة المفاوضات بين شطري قبرص بمشاركة الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، وأن طريق الحل يكمن في الاتجاه إلى الأمام من خلال الجهود الأوروبية لدفع عملية التسوية في شمال قبرص، وتغير الرؤية السياسية في جنوب قبرص، بضغوط من الفاعلين الخارجيين على النخب السياسية في شطري قبرص؛ لإحياء المفاوضات والعمل على عدم عزل الشمال عن الجنوب.

ثالثا : جهود الوساطة الدولية

1. أطراف الأزمة

تمثل تركيا واليونان، أطرافاً فاعلة في الأزمة، وهناك نزاع بين الدولتين في قضايا متعددة، وكلا الدولتين عضو في حلف شمال الأطلسي. فتركيا تربط بين حل الأزمة وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، والاعتراف بجمهورية قبرص الشمالية، ولا ترغب في التخلي عن الشعب القبرصي في الشمال، للروابط التاريخية والثقافية والاجتماعية، وتؤيد حكومة قبرص الشمالية في مبدأ الكونفيدرالية المتساوية.

أما اليونان فهي عضو في الاتحاد الأوروبي، ودعمت قبرص الجنوبية لحصولها على الشرعية الدولية، وتحسين اقتصادها وجعله متميزاً بدعم أوروبي، ووقفت خلفها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، ويربطها بالشعب القبرصي الجنوبي علاقات قوية خاصة الثقافية والدينية وترغب في إقامة دولة قبرصية حليفة لها.

تستخدم اليونان الأزمة القبرصية للضغط على تركيا، لاحتواء أطماعها في قبرص وبحر إيجه، إضافة إلى كل القضايا المعلقة بين اليونان وتركيا، وتؤيد اليونان قبرص الجنوبية في رفض مبدأ الكونفيدرالية، والتعامل مع شعب قبرص الشمالية بوصفه أقلية. ومن كل ذلك نجد أن هناك تعارضاً في المصالح بين تركيا واليونان، وارتباط حل القضية القبرصية بشبكة من القضايا العالقة بين الدولتين.

تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً فاعلاً في القضية القبرصية، فهي عضو في حلف شمال الأطلسي الذي يضم كل من تركيا واليونان، ولها مصالح سياسية وعسكرية وأمنية مع تركيا، مرتبطة بقضايا الشرق الأوسط ومنطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز، ورغم تأزم العلاقات بين الدولتين في مرحلة غزو العراق، بعد رفض تركيا السماح للقوات الأمريكية باستخدام أراضيها لغزو العراق، إلا أنَ الولايات المتحدة الأمريكية حافظت على علاقات قوية مع تركيا، إدراكا لدور تركيا وتأثيرها على المصالح الأمريكية في المنطقة. كما تحافظ الولايات المتحدة على علاقات قوية مع اليونان، لما تقدمه من تسهيلات للقوات الأمريكية في منطقة البلقان وأوروبا الشرقية، ولذلك فهي تسعى إلى تحقيق توازن في سياستها الخارجية نحو تركيا واليونان، ورغم أن الميزان كان في اتجاه تركيا في بعض الأحيان، إلا أنها تستخدم القضية القبرصية للضغط على تركيا لتحقيق مصالح أمريكية.

في الواقع، عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن رغبتها في إعادة توحيد قبرص، إلا أنها لم تقدم على اتخاذ موقف واضح من القضية بسبب علاقتها الخاصة مع أنقره، وأظهرت واشنطن خلال الفترة الأخيرة اهتماماً خاصاً بالقضية خلال الجهود التي بذلت،حيث شاركت في محادثات "الفارو دى سوتو" مبعوث الأمم المتحدة عام 2002، وشاركت عن كثب في تطوير الصيغة النهائية لخطة الأمين العام للأمم المتحدة عام 2003، والتي رأى فيها القبارصة اليونانيون، جوانب سلبية، جاءت نتيجة لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية.

تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى القضية من منظور إستراتيجي أمني بحت، لوجود روابط وثيقة جدًا بين الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والقبرصية والكنسية الأرثوذكسية الروسية، وتخشى الولايات المتحدة الأمريكية من التغلغل الروسي في المنطقة عن طريق بوابة قبرص، حيث مازالت لِروسيا مصالح في فرض السيادة على الجزيرة بواسطة القبارصة اليونانيين، لذلك فالفكر الاستراتيجي الأمريكي يرى أهمية قطع الطريق على التغلغل الروسي في شرق البحر المتوسط، وتأمين الساحل والهضبة التركية.

ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الحل يكمن في الكونفدرالية مع ضمان حقوق القبارصة الأتراك، ووجود حامية عسكرية تركية على الجزيرة، وباعتراف سياسي بالقبارصة الأتراك.

اهتمت بريطانيا بالقضية القبرصية، للروابط التاريخية والاجتماعية والعسكرية مع الجزيرة، التي تقع في موقع القلب بالنسبة للاستراتيجية البريطانية بالمنطقة، حيث تحتل موقعاً متقدماً داخل النطاق الجيو– إستراتيجي لكل دول شرق البحر الأوسط خاصة سورية ولبنان وإسرائيل.

ويرى الساسة البريطانيون في قبرص مفتاح السيطرة الجوية على الشرق الأوسط، حيث تعد جزيرة قبرص حاملة طائرات عملاقة، وقاعدة لوجستيه في شرق البحر الأبيض المتوسط، وقد احتفظت بريطانيا بقاعدتين عسكريتين على الجزيرة منذ عام 1960، ولها أكبر مركز إنذار وتصنت في الشرق الأوسط داخل إحدى القواعد. وطالما أيدت السياسة البريطانية القبارصة اليونانيين، وعدت الجزيرة جزءاً من اليونان، لدرجة انه يزور الجزيرة سنوياً مليونا سائح بريطاني يحققون دخلاً سنوياً للجزيرة يبلغ 1.5 مليار دولار،كما أن نسبة كبيرة من الجالية القبرصية في المهجر والبالغ عدد أفرادها نصف مليون شخص تتركز في بريطانيا، وترسل مدخراتها إلى جنوب الجزيرة.

سعت بريطانيا لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع في قضية قبرص، ولها اتصالات عديدة مع تركيا في هذا المسار، حيث قام وزير الخارجية البريطاني بجولة إقليمية شملت قبرص واليونان وتركيا في يناير 2006 لتقريب وجهات النظر، وبحث حل الأزمة، إلا أن الزيارة لم تثمر عن نتائج حقيقة. ونشير هنا إلى تأييد بريطانيا الدائم إلى انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

2. دور الأمم المتحدة

لعبت الأمم المتحدة دوراً بارزاً في الأزمة القبرصية منذ نشأتها، مع تعاظم هذا الدور خلال الفترة الأخيرة، و كانت المحرك الأساسي للمفاوضات. حيث شارك "كوفي عنان" ومستشاره الخاص بالنسبة لقبرص "الفارو دى سوتو" في دورة المفاوضات الأولى ديسمبر 1999 في نيويورك، والدورة الثانية يناير/فبراير 2000 في جنيف، والدورة الثالثة يوليه/أغسطس 2000 في جنيف.

شارك مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة "الفارو دى سوتو" في المباحثات المباشرة التي أجريت في قبرص 2002، وتحملت الأمم المتحدة في هذه المحادثات نفقات تجديد قاعة مطار نيقوسيا القديم[2] وإعدادها، وهي القاعة التي أجريت فيها جولات المباحثات. ومساهمة من الأمم المتحدة لحل المشكلة، تقدم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بمبادرة لإقرار السلام الشامل في الجزيرة.

أجريت مفاوضات مطولة حول خطة "كوفي أنان" خلال الفترة من نوفمبر 2002 حتى مارس 2003 وأدخلت عليها ثلاثة تعديلات لتجنب بعض المشكلات التي أثارها زعماء شطري قبرص، وجرت المفاوضات في نيويورك وجنيف إلى أن توقفت بعد فشلها في لاهاي في 10 مارس 2003، وتمثلت الخطة في الآتي:

·   إقامة دولة مشتركة بحكومة واحدة ذات كيانين أحدهما للقبارصة الأتراك والآخر للقبارصة اليونانيين.

·   تشكيل مجلس من (6) أعضاء منهم (4) أعضاء من الجنوب، وعضوان من الشمال، ينتخبون بالأغلبية من قبل مجلس الشيوخ، وبموافقة أغلبية مجلس النواب، على أن يكون منصبا الرئيس ونائبه بالتداول بين أعضاء مجلس الرئاسة كل 10 شهور، بشرط عدم استمرار الرئيس لأكثر من فترتين متتاليين.

·   تكوين برلمان للدولة يضم مجلس شيوخ ومجلس نواب، ويضم كل منهما 48 عضواً، ويكون مجلس الشيوخ مقسماً بالتساوي بين ممثلي الطائفتين، أما مجلس النواب فتكون المشاركة فيه متناسبة مع عدد السكان، بحيث لا يقل العدد عن 25% من المقاعد.

·   تكوين محكمة عليا لحسم أي خلافات ونزاعات بين الطرفين، وتضم 9 قضاة ثلاثة منهم من الجنوب، وثلاثة من الشمال، وثلاثة من غير القبارصة، للفصل بينهما في حالة الاختلاف.

·   السماح بوجود وحدات يونانية أقل من 11 ألف فرد، وتقوم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية، بالتعاون مع لجنة تمثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وتركيا، واليونان، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة.

·   حظر إمداد قبرص بالسلاح، وحل القوات المسلحة اليونانية والتركية في الجزيرة، ونزع أسلحتهم على مراحل مع إعادة انتشار القوات اليونانية والتركية، وتمتنع قبرص عن وضع أراضيها تحت تصرف أي عمليات عسكرية دولية دون موافقة اليونان وتركيا.

·   كما تحظر الخطة أي تغير من جانب واحد بالنسبة لشئون الدولة، سواء فيما يخص الدولة الموحدة أو جزءاً منها أو أي شكل من أشكال التقسيم.

·   تصبح دولة قبرص الموحدة هي الممثل القبرصي الدولي، وتعنى بالتزامات الجزيرة تجاه الاتحاد الأوروبي.

بعد رفض القبارصة الأتراك واليونانيين الخطة، طرح الأمين العام فكرة إجراء استفتاء عام على الخطة، حيث أشرفت الأمم المتحدة على الاستفتاء العام في شطري قبرص إبريل 2003 والذي أسفر عن موافقته القبارصة الأتراك ورفض القبارصة اليونانيين.

تحركت الأمم المتحدة مرة أخرى لإعادة المفاوضات بين طرفي النزاع، حيث بدأت جولة جديدة من المفاوضات في مقر الأمم المتحدة بنيويورك فبراير ـ  إبريل 2004، حيث انتهت برفض القبارصة اليونانيين خطة الأمين العام للأمم المتحدة، وتجددت جهود الأمم المتحدة مايو 2005 لإحياء المفاوضات، إلا أنها فشلت أيضاً لتمسك القبارصة اليونانيين بثوابتهم، وتكررت الجهود في يوليه 2006 إلا أن المباحثات لم تنعقد ابتداءً.

رابعاً: تطورات الصراع التركي اليوناني

شهدت العلاقات التركية اليونانية ترديا ملحوظاً خلال العقد الأخير من القرن العشرين، بسبب القضية القبرصية وقضايا أخرى، منها التعاون الاستراتيجي بين أنقرة وتل أبيب ما أقلق اليونان وقبرص، وكان من نتائجه أن قبضت السلطات القرصية على جاسوسين إسرائيليين أدينا بالتجسس لصالح إسرائيل، ومن ثم لصالح تركيا، حيث كانا يتجسسان على شحنة دبابات أمريكية طراز أم ـ 48 أرسلها الجيش اليوناني سرا، لدعم قواته المنتشرة في جنوب الجزيرة.

بدأت اليونان خلال هذه الفترة زيادة قدراتها المسلحة حيث تسلمت دفعة أولى من الصواريخ الروسية متوسطة المدى (TOM-1)، فضلاً عن ثلاثة أنظمة للصواريخ الأمريكية، من طراز باتريوت، حيث استلمت النظام الرابع عام 2001، وقامت اليونان بنشر الصواريخ الروسية الجديدة في إحدى الجزر جنوب بحر إيجه، الأمر الذي عارضته الولايات المتحدة الأمريكية بعد أزمة الصواريخ الروسية (S-300) التي أثيرت عام 1998، ونشرتها اليونان في جزيرة كريت بدلاً من بحر ايجة تحت ضغط أمريكي وتهديد تركي، فضلاً عن دخول ثلاث فرقاطات بحرية جديدة الخدمة في البحرية اليونانية، وقد جاء التسليح اليوناني في ظل شائعات ترددت حينها حول سياسة جديدة للحلف الأطلسي، تهدف إلى أضعاف سيطرة اليونان على بحر إيجه، ومنح تركيا حق الإشراف على المناورات البحرية في بحر ايجة.

لم يتوقع أحد أن تكون الكوارث سبباً في إحداث تغير في مواقف كل طرف إزاء الأخر، أو خلق حد أدنى من التلاقي وإمكان الحوار، غير أن زلزالاً مدمراً ضرب تركيا في أغسطس 1999، راح ضحيته 17 ألف مواطن، فما كان من اليونان إلا أن أرسلت عدة طائرات تحمل مساعدات غذائية وإيوائية و فرق إغاثة.

قامت اليونان في أواخر أغسطس 1999 بالتعهد برفع اعتراضها على أي مساعدات اقتصادياً أوروبية لأنقرة، بعد تقدير الخسائر التركية من الزلزال بعشرة مليارات دولار. وحينما ضرب اليونان زلزال في أوائل سبتمبر 1999 أسفر عن مقتل 100 فرد وإصابة 1600 وتشريد 220 ألف فرد، ردت أنقره بإرسال فريق إغاثة من 20 فرداً للمساعدة في أعمال الإنقاذ والإغاثة. وقد خففت الروح الإنسانية المتبادلة بين الطرفين من حدة العلاقات، حيث استأنفا الجولة الثالثة من المفاوضات، في سبتمبر 1999، وتركزت حول تخلي اليونان عن موقفها المتشدد إزاء ترشيح تركيا للاتحاد الأوروبي، إلا أن اليونان اشترطت تخلى قبرص التركية عن الكونفدرالية والجلوس على مائدة التفاوض، وموافقة أنقرة على السماح لأثينا بتحديد حدودها الإقليمية في بحر إيجه لمسافة 12 ميل بحري.

بعد قرار الاتحاد الأوروبي الذي اتخذه في هلسنكي ديسمبر 1999 بترشيح تركيا لعضوية الاتحاد، نشأت تركيا وزارة خاصة لإدارة علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وارتبط الأمر بانفراجة جديدة في العلاقات التركية اليونانية، حيث وقعت الدولتان اتفاقية مشتركة للتعاون في مجال البيئة بمنطقة بحر إيجه، تضمن إنشاء شبكة مشتركة لتبادل المعلومات لحماية البيئة، فضلاً عن اتفاقيات أخرى للتعاون المشترك في المجالات التجارية والثقافية والسياحية.

رغم هذه الانفراجة عادت الأمور لتتعقد من جديد بعد إجراء اليونان وقبرص اليونانية مناورات عسكرية في بحر إيجه في أكتوبر 1999، وردت تركيا بمناورة عسكرية مشتركة مع قبرص التركية في أكتوبر 1999، تحت اسم مناورة "الثور". ومما زاد الأمور تعقيدًا توقيع اليونان مع إسرائيل اتفاقيتين للتعاون العسكري الإستراتيجي في أكتوبر 1999، ومن ثم باتت اليونان تقف على قدم المساواة مع تركيا إزاء التعاون مع إسرائيل، وما كان يثير قلق اليونان فيما مضى أصبح يثير قلق تركيا بعدها.

على أثر هذا التطور استؤنفت المباحثات اليونانية التركية في أنقره أكتوبر 1999، لمناقشة القضايا الخلافية وعلى رأسها الموقف اليوناني من انضمام أنقره للاتحاد الأوروبي، ثم استؤنفت الجولة الرابعة من المفاوضات خلال الشهر نفسه لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك خاصة التجارة والهجرة غير الشرعية والسياحة.

بجهود أمريكية لتخفيف التوتر، نفذت مناورة عسكرية لحلف شمال الأطلنطي بمشاركة تركية ويونانية في أكتوبر 2000، وفيها هبطت أول طائرة عسكرية يونانية على الأراضي التركية في إطاره المناورة العسكرية، إلا أن اليونان انسحبت من المناورة احتجاجاً على سلوك تركيا خاصة الاختراقات الجوية في منطقة بحر إيجه، وتوقف المفاوضات بين شطرَي قبرص.

وفي أواخر أكتوبر 2000 جرت محادثات ثنائية لتخفيف حدة الخلاف، وأعلنت بعدها اليونان تمسكها بعرض الخلاف مع تركيا على محكمة العدل الدولية. وشاع خبر عن اتفاقهما على نزع أسلحة المقاتلات فوق بحر إيجه على أثر المحادثات التي تمت بينهما  في أكتوبر 2000 إلا أن اليونان نفت خبر هذا الاتفاق في إبريل 2001.

خلال شهر سبتمبر 2001 حاولت اليونان فرض سيطرتها على المياه الإقليمية بإجراء مناورة بحرية كبرى، ردت عليها تركيا على الفور باختراق المجال الجوي لبحر إيجه عبر طلعات جوية مكثفة بلغت (18) حالة اختراق خلال شهر سبتمبر، بل قامت الطائرات العسكرية التركية بملاحقة طائرة الرئاسة اليونانية التي كان يستقلها وزير الدفاع اليوناني، الذي كان  في جولة تفقدية فوق بحر إيجه.

على أثر انتكاسه المفاوضات بين شطري قبرص في ديسمبر 2001، تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمبادرة لتقريب وجهات النظر بين تركيا اليونان، إلا أنها لم تثمر عن أي نتائج، إلا تخفيف حدة التوتر في العلاقة بين البلدين.

وجرت العديد من المحادثات  عام 2002 لبناء الثقة بين الطرفين، لكنها لم تثمر إلا عن إقامة خط اتصال مباشر بين وزيري الدفاع التركي واليوناني، وبعد إجراء الانتخابات التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية التركي وشكل الحكومة التركية الجديدة في نوفمبر 2002، أعلنت المصادر اليونانية عن أملها في التعاون والحوار مع الحكومة الجديدة وإقامة علاقات إيجابية جديدة، والبحث عن حلول للقضايا الخلافية المشتركة، حيث قامت بعدها بعدة جولات تفاوضية عام 2003، لم تحقق أي نتائج إيجابية، وفي يناير 2004 أعلنت الحكومة التركية رسمياً تغير موقفها بالموافقة على خطة الأمين العام للأمم المتحدة لإقرار السلام الشامل في قبرص، بعد الضغط على مجلس الأمن القومي التركي، وذلك في خطوه للمجتمع الدولي لإعلان رغبتها عن حل القضية القبرصية والقضايا المعلقة مع اليونان.

اجتمع الرئيس اليوناني ورئيس الوزراء التركي في إحدى المؤتمرات الإقليمية إبريل 2004، وبحثا القضايا الثنائية وأعلنا تمسكهما بمواقفهما السابقة، وسعيهما إلى تحسين جو العلاقات الثنائية. واستمرت المحادثات الثنائية بجهود دولية حتى عام 2006.

أثمرت جهود الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2006، عن إجراء مناورة عسكرية مشتركة بين اليونان وتركيا في جنوب بحر إيجه لأول مرة في سبتمبر 2006، بمشاركة فرقاطة يونانية وأخرى تركية وعمليات إنزال مشترك، وزيارة نادرة لرئيس هيئة الأركان التركي إلى اليونان في نوفمبر 2006 لبحث القضايا الامنية المشتركة.

إذا كانت القضية القبرصية والنزاع حول بحر إيجه هما المشكلتان الرئيسيتان في الصراع اليوناني التركي، إلا أن هناك مشكلات عرقية ودينية أخرى مازالت مستمرة، حيث يقيم 150 ألف تركي مسلم  في اليونان، يعيش معظمهم في منطقة ترافيا اليونانية، يتعرضون لبعض أنواع الاضطهاد من الحكومة اليونانية، وهذا الرقم في تزايد مستمر.

وقد أقرت اليونان بناء مسجد في أثينا، في أكتوبر 2006، حتى تبتعد اليونان عن شبهة الاضطهاد العنصري الديني، وذلك في بادرة لتحسين العلاقة مع المسلمين في اليونان، حيث لا يوجد أي مسجد للمسلمين في العاصمة اليونانية.

كما أن الهجرة غير الشرعية للمواطنين الأتراك إلى اليونان تعد من المشكلات الدائمة، وتتعامل اليونان معهم مخالفة للبروتوكول الموقع بين الدولتين، حيث اتهمت تركيا السلطات اليونانية، بنقلهم إلى داخل المياه الإقليمية التركية دون مراعاة للبعد الإنساني في التعامل معهم.

خلاصة القول هنا أن القضايا العالقة محل الخلاف بين اليونان وتركيا، تمثل تعارض مصالح بين الدولتين، والجهود الدولية والأممية تركز جهودها في بناء الثقة بين الطرفين ومحاولة تحويل تعارض المصالح، إلى شراكة في المصالح الاستراتيجية، إلا أن الأمر دائماً ما يعترضه الكثير من العقبات، وتستمر العلاقات اليونانية التركية في أزمة دائمة، وهدوء حذر،إلا أن الأزمة لم تتصاعد لدرجة المواجهة المسلحة.

 



[1] بروتوكول دبلوماسي أوروبي أبرمه الإتحاد الأوروبي عام 1963، ووقعت عليه تركيا في ديسمبر 2004، وأطلق عليه بروتوكول التكيف لتوسيع الاتحاد الجمركي، ليشمل 10 دول انضمت إلى الاتحاد الأوروبي منها قبرص اليونانية، ورغم توقيع تركيا على البروتوكول، إلا أنها لم تصادق عليه حتى الآن، ويستثنون قبرص اليونانية من تطبيقه، ويرفضون استقبال السفن والطائرات القبرصية، حيث إن تركيا لم تعترف حتى الآن بقبرص اليونانية.

[2] منذ عام 1993 تدير الأمم المتحدة منطقة تجارة حرة بين شطري قبرص بمنطقة فاردشا (ماراش)، ومطار نيقوسيا الدولي