إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / المشكلة الشيشانية





منطقة القفقاس (القوقاز)

الجمهوريات والمقاطعات
جمهوريات وأقاليم القوقاز
خريطة إمارة القوقاز
خريطة الأقاليم المحلية والمدن



المبحث الأول

المبحث الأول

حقائق جغرافية وتاريخية

أولاً: موقعها

جمهورية الشيشان من البلدان الإسلامية، التي ضُمت، قسراً، إلى الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية، منذ عام 1920. وقد أُعطيت هذه الجمهورية، كغيرها من جمهوريات شمالي القوقاز[1]، حكما ذاتياً[2]؛ مع بقائها داخل الجمهورية الروسية الاتحادية. وبلاد الشيشان جزء من منطقة القوقاز، الممتدة من بحر قزوين[3] شرقاً وحتى البحر الأسود وبحر آزوف غرباً، ومن نهرَي كوما وقوبان شمالاً، إلى نهرَي كورا وريفون جنوباً (اُنظر شكل القفقاس (القوقاز)).

وتتكون منطقة القوقاز من عدة جمهوريات[4]، بقيت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي، إلى قبيل انهياره، عام 1991.

وتبلغ مساحة القوقاز 400ألف كيلو متراً مربعاً (170 ألف ميل مربع)، والجمهورية الشيشانية تشغل مساحة 19300 كيلومتراً مربعاً. وتحدها من الشمال والشرق جمهورية داغستان، ومن الغرب جمهورية الإنجوش Ingushetia  وأُسيتيا Ossetia  الشمالية، ومن الجنوب جمهورية جورجيا. وهي بهذا تقع في قلب منطقة القوقاز.

وتمتد في هذه المنطقة سلسلة جبال القوقاز التي تشكل الحد الفاصل بين آسيا وأوروبا وهي جبال عظيمة الارتفاع والامتداد، تخلو من الممرات، عدا الممر الوحيد، المسمى "دريال Daryal "، أو "دربند" أي باب الأبواب، الواقع في وسط السلسلة الجبلية، إلى الشرق من قمة قازبك، حيث يتيح اجتياز المنطقة. وتشمل المنطقة المنخفضَين المحاذَيين لبحر قزوين، والبحر الأسود. وبذلك، تسيطر هذه المنطقة على التجارة والمواصلات، بين أوروبا وآسيا.

وتمتد السلسلة الجبلية من الشمال الغربي، قرب ساحل البحر الأسود، إلى الجنوب الشرقي قرب ساحل بحر قزوين، بمسافة تصل إلى 1200 كم، وعرض يراوح بين 48 و224 كم. وهي ذات قمم مرتفعة، يصل ارتفاع بعضها إلى 5630، كما في قمة جبل "البروز". وبذلك، تشكل تلك السلسلة حاجزاً طبيعياً، يفصل آسيا عن أوروبا، بل تقسم منطقة القوقاز إلى قسمَين رئيسيَّين، هما:

1. القسم الجنوبي: ويقع إلى الجنوب م ن سلسلة جبال القوقاز، ويُسمى بالقوقاز الآسيوي. ويمتاز بخصوبة تربته، خاصة المنطقة القريبة من سواحل البحر الأسود. ويضم جمهوريات: آذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا، ومقا طعة أوسيتيا الجنوبية.

2. القسم الشمالي: ويقع إلى الشمال من سلس لة جبال القوقاز، ويُسمى بالقوقاز الأوروبي. ويضم كلاًّ من الداغستان، والشيشان، وأوسيتيا الشمالية، وقباردين وبلقار، ومقاطعة قراتشاي شركس، ومقاطعة أديجه (اُنظر خريطة جمهوريات وأقاليم منطقة القوقاز).

تتمتع منطقة القوقاز بموقع ممتاز؛ ففي الغرب، حيث البحر الأسود، يسود مناخ البحر الأبيض المتوسط، ذو الصيف اللطيف، والشتاء الماطر، والدافئ. وهذا المناخ غير معروف في روسيا، التي يسودها البرد الشديد، مما دفع الروس إلى هذه المنطقة، لاستثمارها، وإنتاج ما يحتاجون إليه، من منتجات البلاد المعتدلة الدافئة، والمناطق الحارة؛ ليتسنى لهم تطبيق سياسة الاكتفاء الذاتي، وعدم الاستيراد من الخارج. فأنتجوا الشاي، والفاكهة، والحبوب، والقطن، والشمندر السكري، والبطاطا والكتان. ورُبيت الماشية، واستُغل بحر قزوين في صيد الأسماك. إضافة إلى كل ما سبق، فالمنطقة غنية بالثروات المعدنية، خاصة النفط، الذي يجعلها ثاني منطقة في العالم باحتياطيه، وهو يُستخرج من باكو، ومايكوب، وجروزني. كما تشتهر المناطق الجبلية بمصايفها الجميلة، حيث المناخ المعتدل، والمناظر الطبيعية الساحرة، ما جعلها منطقة سياحية مشهورة.

ثانياً: تضاريسها

تتكون تضاريس جمهورية الشيشان من الأقسام التالية:

1. هضبة جبال القوقاز الكبرى: وتشمل مجموعة كبيرة من القمم العالية، التي تفصل جمهورية الشيشان عن الدول المجاورة. ويرا وح ارتفاعها بين 2725، فوق مستوى سطح البحر، كما في قمة "تسوبولفو"، على حدود داغستان، و4495، كما في قمة "كلوشما"، على حدود جورجيا.

وتشكل هضبة جبال القوقاز نحو ثلثَي المساحة الكلية لجمهورية الشيشان. وتغطي الغابات ا لكثيفة المنطقة، حتى ارتفاع 1800 فوق سطح البحر، مثل غابات "اشكيريا"، وا لتي تضم، الآن، محافظة "ويدن"، و"نجي يورت".

2. السهول الداخلية: تبدأ بالاتجاه شمالاً وشمال شرق الهضبة الجبلية، ويستمر انحدارها التدريجي حتى حوض نهر "تيرك" ، في الشمال، حيث سهول شمالي القوقاز المنبسطة. أضف إلى ذلك السهول الواقعة شمال ال نهر، والتي تمتد حتى الحدود الشمالية لجمهورية الشيشان.

الأنهار: تخترق القوقاز عدة أنهار منها: نهر تَرَك، ونهر قوبان، ونهر كورا.

ثالثاً: مناخها

يمكن وصف مناخ الشيشان بأنه قاري؛ إذ تتعرض، في فصل الشتاء، لرياح قطبية باردة، وتكسوها طبقة من الثلوج، تدوم شهرَين أو أكثر. في حين يميل صيفها إلى الدفء، وترتفع درجات الحرارة، وتزداد نسبة الرطوبة الجوية، خاصة في السهول الشمالية، والحزام السهلي الواقع إلى الشمال من هضبة جبال القوقاز.

ويتأثر مناخ الشيشان، كذلك، بتضاريس المنطقة، ومستوى الارتفاع عن سطح البحر. ويلاحظ تباين كبير في الرطوبة وتساقط الثلوج والأمطار بين المناطق المرتفعة، في جنوبي البلاد، والسهول الداخلية في شماليها.

وتتساقط الأمطار، على مدار السنة، إلا أن معدلها يقلّ في الشمال، والشمال الشرقي. ويُعَدّ فصل الخريف من أجمل فصول السنة في تلك المناطق. وأما فصل الشتاء، فهو فصل تساقط الثلوج، خاصة في المناطق، الجنوبية والغربية، حيث يصل ارتفاع الثلوج، في بعضها إلى عدة أمتار.

رابعاً: الغطاء النباتي والتربة في جمهورية الشيشان

تنتشر الغابات الكثيفة في المنطقة الجبلية، وتشمل أشجار الدردار، والزيزفون، والزان، والبندق، والجوز، والإجّاص، وغيرها.

وقد اختفت معظم هذه الغابات، بسبب الحروب المتواصلة من جهة، ولسد حاجة السكان من جهة ثانية. تكسو أشجار الغابات منطقة المرتفعات الجنوبية، حتى ارتفاع 1800. أمّا المناطق، التي تعلو على ذلك، فهي خالية من الأشجار، بسبب تراكم الثلوج. وتكثر، في منطقة السهول الشمالية، المراعي الخضراء الواسعة.

خامساً: أصل تسمية الشيشان

الشيشانيون من الشعوب، التي سكنت شمالي القوقاز، منذ زمن طويل. وعرفوا باسم "نختشي"، أو "ويناخ" Weinakh، ومعناها "شعبنا"؛ وكان هذا الاسم يُطلق على القبائل الشيشانية كافة. كما كان الرومان يسمونهم "كستين"، أو "كيستي" Kisti، أو "الكيست" Kist. وهناك منطقة، لا تزال تحمل هذا الاسم، حتى الآن، تقع على الحدود الفاصلة بين جورجيا والشيشان.

أمّا الاسم الحالي، "الشيشان"، فأول من استعمله هم الروس، عام 1708. ثم شاع استعماله بعد ذلك، ولا تزال المنطقة تُعرف به. وسبب هذه التسمية، يرجع إلى القرية الشيشانية، المسماة "تشتشن" Chechen، الواقعة على نهر "الأرجون"، على بعد 15كم إلى الجنوب الشرقي من العاصمة، "جروزني"، والتي وقع أول اصطدام مسلح، بين الروس والشيشانيين، بالقرب منها، عام 1708، فاستعمل الروس هذا اللفظ (شيشان)، وأطلقوه على المنطقة وسكانها.

سادساً: عدد السكان

يقدر سكان جمهورية الشيشان بمليون ونصف المليون في عام 1991، ويدخل في هذا العدد السكان من عروق أخرى مثل الروس (300 ألف) والإنجوش (100 ألف) والداغستان (20 ألف) والأرمن (14 ألف). وغيرهم من التتر والترك واليهود.

سابعاً: أهم المدن

جروزني Grozny عاصمة الجمهورية الشيشانية، ويعني اسمها المرعب، ويبلغ سكانها قرابة نصف مليون نسمة. وقد بناها الجنرال الروسي يرملوف عام 1818، لما عينه القيصر إسكندر الأول قائداً للقوات الروسية. وقد حدد موقعها على رابية حول نهر السونجا، لتشرف على المسالك المؤدية إلى بلاد صغيرة تثور على روسيا بين الفينة والأخرى. وحصن يرملوف البلدة وأشهر قلاعها قلعة بريجرادني. وهي مركز تجاري وصناعي وسياسي هام. وغير الرئيس الشيشاني اسمها إلى (جوهر) على اسم القائد الشيشاني جوهر دوداييف، الذي أعلن استقلال بلاده عن روسيا، وصار أول رئيس لجمهورية الشيشان.

ومن المدن الهامة الأخرى: جودرميس Gudermes، وأوروس مارتان Urus-Martan وأرجون Argun وشالي Shali.

ثامناً: اللغة الشيشانية

اشتهر سكان منطقة القوقاز، منذ القدم، بلغاتهم الأصلية، والمتعددة، التي تمتاز بتركيبها النحوي المتقارب؛ ما يثبت وجود علاقات مبنية على أُسُس طيبة، سادت بين المجاميع العِرقية، التي حكمت نفسها بنفسها، في تلك المنطقة.

وتُقسم اللغات القوقازية إلى ثلاثة أقسام رئيسية، هي:

1. اللغة الجنوبية، وتنتشر في منطقة جورجيا وما جاورها.

2. اللغة الشمالية الغربية، وتنتشر في بلاد الشركس، قرب البحر الأسود.

3. اللغة الشمالية الشرقية، وتنتشر بين الشيشانيين والإنجوشيين، ويُطلق عليها اسم لغة "ناخ". كما تنتشر في الداغستان. وبذلك، فإن لغة شمال شرقي القوقاز، تُسمى لغة "ناخ ـ داغستان".

وحتى عام 1934، كانت اللغتان، الشيشانية وجارتها الإنجوشية، لغة واحدة؛ ولكنهما، اليوم، منفصلتان. اللغة الشيشانية، تتميز بعدة لهجات. أمّا الإنجوشية، فليس لها لهجات. وتشملان كلتاهما عدداً كبير من الألفاظ، العربية والفارسية والتركية والروسية.

وقد انفصلت لغة "الناخ" عن بقية العائلة، قبل نحو 6 آلاف سنة؛ لذلك، فإن عائلة (ناخ ـ داغستان) القديمة العهد، تشبه العائلة (الهندو ـ أوروبية)، التي تمثل أم اللغات الأوروبية (الفرنسية، والروسية، والإنجليزية، والإغريقية...) والهندية. وكسائر لغات القوقاز المحلية، فإن للشيشانيين ثروة من الأصوات المنبعثة من اللهاة والبلعوم، تماماً كما في اللغة العربية.

وللغة الشيشانية، كغيرها من اللغات، قواعد تصريفية وإعرابية، واسعة، تتضمن الكثير من الجمل المعقدة، التي تشمل كثيراً من حالات التأنيث والتذكير، وربط العبارات والفقرات، بعضها ببعض. وهناك أكثر من 97% من الشيشانيين، يعُدون اللغة الشيشانية لغتهم الأصلية، على الرغم من أن معظمهم يتكلم الروسية بطلاقة.

وحتى أواسط العشرينيات، كانت المجلات والجرائد، في جمهورية الشيشان، تُنشر باللغتَين، الروسية والشيشانية. وكانت اللغة الشيشانية تُكتب بالحروف العربية، ثم استُبدلت بها الحروف اللاتينية، في الفترة ما بين 1928 و1938، وذلك بتأثير ما قام به مصطفى كمال أتاتورك، من استخدام الحروف اللاتينية، بدلاً من الحروف العربية، في كتابة اللغة التركية. ثم أجبرت روسيا الشيشانيين على استخدام الحروف الكيريلية الروسية، بدلاً من اللاتينية.

ولم تُستخدم اللغة الشيشانية لغة كتابة ونشر، خلال فترة الاحتلال الروسي. فقد كان معظم الشيشانيين يكتبون بالروسية، وانحصرت اللغة الشيشانية في البيوت فقط؛ ففقدت أكثر مفرداتها الأدبية. إلا أن "منير شاكر أرسلان"، يؤكد استمرار التأليف، والنشر باللغة الشيشانية، خلال فترة الحكم الروسي.

تاسعاً: ديانة الشيشانيين

قبل اعتناق الشيشان الدين الإسلامي، كان معظمهم يدين بالوثنية، وقسم منهم يدين بالمسيحية، وقسم آخر يتبع الزرادشتية[5].

وبعد دخول المسلمين منطقة الداغستان، واحتكاكهم بالشيشانيين، اعتنق عدد من هؤلاء الإسلام؛ وكانت نقطة البداية، حتى إذا ما حل عام 1213، كان معظم المناطق الشرقية في الشيشان، والمحاذية للداغستان ـ قد دخلت الإسلام.

والمتفق عليه لدى المؤرخين، أن انتشار الإسلام في الشيشان، لم يكن دفعة واحدة؛ وإنما كان يسير ببطء شديد. والدليل على ذلك، أن اعتناق سكان هذه البلاد الإسلام، لم يكتمل حتى نهاية القرن السابع عشر، وبداية القرن الثامن عشر الميلاديين. ومنذ اعتناق الشيشانيين الدين الإسلامي، والإسلام يشكل جزءاً من حضارتهم وهويتهم العِرقية.

وأغلب الشيشان المسلمين على المذهب الشافعي، وبعضهم على المذهب الحنفي. وللطرق الصوفية، كالنقشبندية والقادرية، نفوذ واسع بين الشيشان، وهذا هو الحال في القوقاز وآسيا الوسطى عامة.

عاشراً: من ملامح أهل القوقاز والشيشان وطباعهم:

يمتاز أهل القوقاز، ومنهم الشيشان، بطول القامة، ونحافة الأجسام، وقوة بنيتهم الجسدية. اكتسبوا من طول حروبهم ضد الروس، البأس في القتال، والجلد على شظف الحياة، ويحتفظون بأسلحتهم بصفة دائمة. ويسيرون للجهاد وهم يرتلون القرآن. ويحافظون على الشرف والعرض، شديدو التمسك بدينهم. والكرم خصلة متأصلة في الشيشان، ويعدون إكرام الضيف من الواجبات المقدسة.



[1] جمهوريات شمال القفقاس تشمل جمهورية داغستان، جمهورية الشيشان، جمهورية كباردينو بلقار، وجمهورية أوسيتيا الشمالية

[2] إن عبارات الحكم الذاتي، والاستقلال الذاتي، كلمات جوفاء لم تحقق المقصود منها خلال حكم النظام الشيوعي، فجميع القرارات بقيت في يد السلطة المركزية في موسكو. ويُقصد بالحكم الذاتي: وضع سياسي تتميز به بعض الدول ناقصة السيادة، وهي وإن كانت تتمتع بوصف الدولة إلا أنها لا تمارس جميع الحقوق والالتزامات الدولية، إما لأنها غير قادرة على تحمل هذه الواجبات، أو لارتباطها بمعاهدات غير متكافئة مع دولة كبرى تحرمها من ممارسة جميع اختصاصات الدولة المستقلة استقلالاً تاماً

[3] بحر قزوين، أو بحر الخزر، ومعنى الخزر بلغة الشراكسة: أي المنفرد، وكان يُطلق عليه قديماً بحر طبرستان

[4] تشمل جمهوريات منطقة القوقاز كلاً من الجمهوريات التالية: أذربيجان، وداغستان، والشيشان، وأوسيتيا الشمالية، وأوسيتيا الجنوبية، وكاباردوينو بلقار، وجورجيا، وأرمينيا

[5] الزرادشتية: ديانة قديمة ظهرت في بلاد فارس في القرن السادس قبل الميلاد. وقد حالت وعورة المنطقة وكثافة غاباتها، دون الاتصال المباشر بين المسلمين الفاتحين، وسكان الشيشان؛ فضلاً عن وجود كلٍّ من دولة "الخزر" اليهودية، ودولة "الكرج" (جورجيا) المسيحية، ومقاومتهما للفتوحات الإسلامية في المنطقة