إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / المشكلة الشيشانية





منطقة القفقاس (القوقاز)

الجمهوريات والمقاطعات
جمهوريات وأقاليم القوقاز
خريطة إمارة القوقاز
خريطة الأقاليم المحلية والمدن



المبحث السادس

المبحث السادس

تطورات المشكلة الشيشانية

(2007 – 2009)

أولاً: الأوضاع الأمنية

تميزت المدة بين عامَي 2007 و2009، بانخفاض نسبي في أعمال العنف بالشيشان، واستمرار نشاط العمليات للمقاتلين الشيشان، والعمليات المضادة من القوات الروسية والشيشانية، وطبقاً للإحصائيات الرسمية للقوات الروسية، التي أشارت إلى مقتل 3088 جندياً روسي، بين عامَي 2000 و2007، وهذا يعني أن متوسط القتلى في القوات الروسية، سنوياً، 441 جندياً، بما فيها عام 2007. وطبقاً لتصريح وزير الداخلية الروسي "رشيد نور غالييف"، في سبتمبر 2009، والذي تضمن "مقتل 238 وإصابة 574 آخرين من قوات الأمن، ومقتل 270 مقاتلاً شيشانياً واعتقال 453 آخرين، وذلك خلال عام 2009، وأن الخسائر أقل من العام السابق"، وهذا يعني أن معدل القتلى عام 2008/2009 ، راوح بين 250 و300 جندي روسي وشيشاني، سنوياً.

أشارت بعض المصادر أن عدد قتلى الجنود الروس، بين عامَي 1994 و2009، يناهز عشرة آلاف جندي روسي، والقتلى من الشيشان المدنيين والمقاتلين ، يراوح بين 200 و300 ألف شيشاني، والمعتقلين الشيشان في السجون الروسية يبلغ 20 ألف شيشاني.

يلاحظ خلال المدة نشاط زائد للمقاتلين الشيشان لتصفية من يدعوهم عملاء للاستخبارات الروسية (إف إس بي) خلال عام 2008، بتصفية 39 فرداً شيشانياً. كما شهد عام 2008 بداية لتطوير أساليب حرب المقاتلين الشيشان في استخدام الهاكرز (وحدة الأنصار) للهجوم على مواقع في شبكة الإنترنت تابعة للحكومة الشيشانية والروسية، وإيقافها عن العمل مدداً طويلة ومتعددة.

بعد إعلان انتهاء عملية مكافحة الإرهاب (حالة الطوارئ)، في 16 أبريل 2009، ارتفعت وتيرة عمليات العنف بالشيشان والأقاليم حولها، لتصل إلى حالة شبه يومية، ووصفها البعض بالانتفاضة الشيشانية. وأن الخسائر الروسية تبلغ 30 جندياً شهرياً، طبقاً لتصريح أحد زعماء الحرب بالشيشان، مع انخفاض ملحوظ في أعمال العنف، أواخر عام 2009، ارتباطاً بجهود السلطات في مكافحة الإرهاب، وانتقال تركيز جهود المقاتلين الشيشان إلى داغستان.

يعود تصاعد أعمال العنف خلال منتصف عام 2009، إلى العديد من الأسباب الداخلية والخارجية، فمنها ما هو مرتبط بالفراغ الأمني في الشيشان بعد إعلان إنهاء حالة الطوارئ في البلاد في أبريل 2009، وسحب 20 ألف جندي روسي منها؛ ومنها ما هو مرتبط بالأسلوب الديكتاتوري لرمضان قاديروف لإدارة الشيشان، وتجاوزه حدود الديموقراطية وحقوق الإنسان بالشيشان؛ ومنها ما هو مرتبط بانتشار الفساد والرشوة وحالة الفقر، وتردي الحالة المعيشية والبطالة؛ ومنها ما هو مرتبط بسقوط الكثيرين فريسة للأفكار الدينية المتطرفة، وصحوة للتنظيمات الإسلامية للتعبير عن رفضها النظام السياسي القائم والمطالبة بالاستقلال عن روسيا؛ ومنها ما هو مرتبط بقوى خارجية تستهدف زعزعة الاستقرار في منطقة القوقاز.

يذكر المراقبون ما قاله "يفكروف" رئيس أنجوشيا، والذي عمل سابقاً في الاستخبارات الروسية وعدة وظائف حساسة في روسيا، أن القوى الخارجية تسعى إلى الحيلولة دون صحوة روسيا واستعادتها لمواقع الاتحاد السوفيتي السابق. وما قاله الرئيس الشيشاني "رمضان قاديروف" عن مسؤولية أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية لتصعيد أعمال العنف.

من أكثر العمليات دموية للمقاتلين الشيشان، والتي حازت اهتمام الرأي العام والقيادات الروسية والشيشانية والأنجوشية، عملية محاولة اغتيال "يوسف بك يفكروف" رئيس أنجوشيا، يوم 22 يونيه 2009، ومقتل 30 فرداً من معاونيه، والتي على أثرها تم تنفيذ عملية عسكرية خاصة بمشاركة القوات الأنجوشية والشيشانية والروسية، بإشراف مباشر من رئيس الوزراء الروسي "فلاديمير بوتين"، بعد توجهه إلى شمال القوقاز، وبقيادة ميدانية من الرئيس الشيشاني "قاديروف"، واستمرت مطاردة المسلمين الشيشان بين 17 و22 يونيه 2009، في المنطقة الحدودية المشتركة، وتمكنت القوات الروسية، يوم 4 سبتمبر 2009، من قتل "رستم روسورتوف" (عبدالعلي) أحد قادة التمرد الشيشاني، والمسؤول عن عملية محاولة اغتيال الرئيس الأنجوشي "يفكروف".

1. المقاومة/ التمرد المسلح

اختلفت الآراء حول وصف أعمال العنف في الشيشان، فالبعض يصفها بالمقاومة أو الجهاد، والبعض الآخر يصفها بالتمرد المسلح أو الإرهاب أو الحركة الانفصالية، ووصفها الرئيس الشيشاني "قاديروف" بالحركة الإرهابية المتطرفة؛ إذ يتبع "قاديروف" الحركة الصوفية.

إحدى كبرى المشكلات عند المقاتلين الشيشان منذ الحرب الأولى في الشيشان، عام 1994، هي ثنائية السلطة مع المقاومة/ التمرد المسلح. ولتجاوز المشكلة كان يُطلق عليها قيادة سياسية، وأخرى عسكرية. فبعد مقتل "أصلان مسخادوف" عام 2005، تولى نائبه "عبدالحليم سعيد اللاييف" رئاسة المقاتلين، وعندها كان نائبه "شامل (أبو إدريس) باساييف"، وكان قائد عسكري للمقاتلين، وفي الوقت نفسه كان "دوكو عمروف" نائب الرئيس وقائداً للجبهة الغربية، وكان "أحمد زكاييف" ممثلاً للرئيس في الخارج (وزير خارجية الأنصار). وبعد مقتل "عبدالحليم اللاييف"، في 16 يونيه 2006، انكشف الصراع على السلطة بين الزعماء، إلا أن مقتل "شامل باساييف"، في 10 يوليه 2006، حصر الصراع بين "زكاييف" و"عمروف".

كان "شامل باساييف" قائداً ميدانياً وزعيماً للمقاتلين، ورمزاً للجهاد في الشيشان، كما بقي الإمام "شامل" في ذاكرة الشيشانيين رمزاً لمقاومة الروس منذ أكثر من قرن ونصف، وبعد وفاته تولى "دوكو عمروف" زعامة المقاتلين، وكان "أحمد زكاييف" يعيش بالمنفى في بريطانيا، ودار صراع سياسي بين عمروف وزكاييف للاستيلاء على السلطة، وشكل كل منهما جهازاً قيادياً منفصلاً لإدارة شؤون المغتربين والمقاتلين، في معسكرين منفصلين.

أ. جمهورية إيتشكيريا الشيشانية

(1) قام "أحمد زكاييف" بتشكيل حكومة برئاسته، أطلق عليها حكومة يورو ـ إيتشكيريا، وبرلمان أطلق عليه برلمان يورو ـ إيتكشيريا من 41 عضواً، منهم 21 عضواً يعيشون في أوروبا، وكان هدفهم الانفصال عن روسيا وإقامة دولة مستقلة.

(2) كان لزكاييف ورفاقه من بعض الفصائل المقاتلة بالشيشان، والتي نفذت العديد من أعمال العنف داخل الشيشان فقط وليس خارجها، بين عامَي 2006 و2008، وارتباطاً بوجود اتصالات بين زكاييف وممثلين عن الرئيس "رمضان قاديروف" أوائل عام 2009، والتي أخذت مساراً جدياً بعد لقاء "دوكو فاخا عبدالرحمانوف" رئيس البرلمان الشيشاني مع "زكاييف" في أوسلو، حيث تم الاتفاق على عقد مؤتمر يحضره ممثلون عن الجالية الشيشانية في دول العالم.

(3) تم تخفيض أعمال العنف والوصول إلى وقفه نهائياً في الأول من أغسطس 2009، وإصدار "زكاييف" لبيان رسمي لأتباعه بوقف الاعتداءات على أفراد الشرطة الشيشانية التابعة للرئيس "قاديروف". وأشارت بعض المصادر عن قرب عودته إلى الشيشان، نهاية عام 2009.

(4) خلال شهر أكتوبر 2009، توقفت المحادثات بين زاكاييف وممثلي قاديروف، وأعلن الرئيس الشيشاني رفضه عودة زكاييف الانفصالي إلى الشيشان، وفي المقابل شكك زاكاييف في صدق وعود الرئيس الشيشاني له.

ب. إمارة القوقاز الإسلامية

(1) أعلن "أبو عثمان دوكو عمروف" (اُنظر ثبت الأعلام)، إقامة إمارة القوقاز الإسلامية، في 25 نوفمبر 2007، للرد على حكومة "زكاييف" الانفصالية، وقام بتشكيل مجلس شورى إسلامي واعتباره الهيئة التشريعية العليا للإمارة، وتشكيل هيئة قضائية عليا واعتبارها محكمة شرعية عليا، وقيادة عليا للقوات المسلحة تنتشر في أقاليم الإمارة، وأنشأ أربع قيادات إقليمية (شرقية، وغربية، شمالية، وجنوبية).

(2) حدد "عمروف" إمارة القوقاز الإسلامية لتشمل الشيشان، وداغستان، وأنجوشيا، وكباردي، وولايات، كباردا وبلكاريا، وكاراشاي المتحدة، وتعتبر هذه المناطق هي مناطق انتشار القوات المسلحة.

(3) قام "عمروف" بتنحية "زكاييف" من مهمته كممثل للشيشان في الخارج، وتم تعيين بديل له، وأعاد تعيين "زكاييف" معاون له. كما قامت المحكمة الشرعية العليا في الإمارة، في 25 أغسطس 2009، بالحكم على "زكاييف" بالإعدام بجناية الزندقة وتوزيع أفكار الدين الديموقراطي والعلمانية، وتفضيل القوانين الدنيوية على الشريعة الإسلامية (اُنظر ملحق معلومات عن إمارة القوقاز الإسلامية) و(خريطة حدود الإمارة الإسلامية).

ج. تنفذ المقاومة/ التمرد المسلح عملياتها داخل الشيشان وخارجها في حدود إمارة القوقاز الإسلامية، وأحياناً تنفذ هجمات على أهداف حيوية على الأراضي الروسية، خاصة العاصمة موسكو، وغالباً ما تكون عمليات كبرى وخسائرها كبيرة. وحسب تقرير السلطات الروسية، في أغسطس 2009، فإنه يوجد نحو 700 مقاتل مسلح، عدد منهم ذوو جنسيات عربية ومن دول إسلامية، ويتحصنون بالمناطق الجبلية.

د. الجدير بالذكر أن المقاومة/ التمرد المسلح، أطلقت مصطلح حكومة إيتشيكيريا الإسلامية على حكوماتها المتوالية، وتم استبدال هذا المصطلح إلى إمارة القوقاز الإسلامية، عام 2006، حيث كان هناك رؤساء لحكومة إيتشيكيريا الانفصالية، مثل "جوهر دوادييف"، الذي قُتل عام 1996؛ ثم جاء "سليم خان يندرييف"، وقُتل في قطر عام 2004؛ ثم "أصلان مسخادوف"، حيث قُتل عام 2005؛ ثم تم تعيين "سعيدو لاييف"، وقُتل عام 2006؛ ثم "شامل باساييف"، الذي قُتل عام 2006؛ وأخيراً جاء "دوكو عمروف"، غير المسمى إلى إمارة القوقاز الإسلامية. وتأتي هذه الحكومات في جانب متوازٍ مع حكومات شيشانية أخرى مُعترف بها في موسكو. وخلال عام 2009، كان هناك ثلاث حكومات، الأولى بشرعية روسية برئاسة "قاديروف"؛ والثانية حكومة معارضة بالمنفى برئاسة "زكاييف"، والثالثة حكومة إمارة القوقاز الإسلامية برئاسة "عمروف".

2. مكافحة الإرهاب

أ. عملية مكافحة الإرهاب في الشيشان هي عملية ممتدة، وتعود إلى الحرب الأولى، عام 1994، وقد نفذت القوات الروسية والشيشانية العديد من العمليات العسكرية للقضاء على الإرهاب/ العنف في الشيشان، وتطورت الإستراتيجيات العسكرية لمكافحة الإرهاب لتنفيذ عمليات عسكرية محدودة بدلاً من الحروب الكبرى (1994، 1999). ونتيجة لانتشار العنف في جمهوريات شمال القوقاز، اعتباراً من عام 2008، تطورت معها الإستراتيجية الروسية لتنفيذ مهام عمليات في شمال القوقاز، واعتباراً من أبريل 2009، أخذت الإستراتيجية الروسية منحى جديداً لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب بشكل مشترك بين جمهوريات شمال القوقاز، وبمشاركة القوات الروسية، وفي وقت واحد لتكون عملية مشتركة لحصار المقاتلين المسلحين في مناطق محدودة، ثم القضاء عليهم بالقوات والنيران البرية والجوية، خاصة بالمناطق الحدودية المشتركة مع أنجوشيا وداغستان، وعمليات أخرى جنوب الشيشان، خاصة في منطقة أرجون الجبلية، لقطع خطوط إمداد المقاتلين المسلحين.

ب. بعد إلغاء نظام عمليات مكافحة الإرهاب، في أبريل 2009، يتواجد للقوات الروسية بالشيشان نحو 70 ألف جندي من الجيش الداخلي "قوات الشرطة للمهام الخاصة (اللواء 46)"، أو من يُطلق عليهم الأومون MVD، والفرقة 42 مشاة آلية التابعة لوزارة الدفاع الروسية، وعناصر من المخابرات "الأمن الفيدرالي FSB، منها وحدة من مجموعة ألفا الروسية المختصة بمكافحة الإرهاب. مع توفير مجهود جوي لدعم هذه القوات. كما يوجد ما يرواح بين 30 و40 ألف فرد من قوة كتيبة الشرق وكتيبة الغرب ومن الشرطة التابعة للحكومة الشيشانية. وتتبع جميع القوات الروسية والشيشانية المرابطة بالشيشان، قيادة/ مقر عمليات القوات الموحدة.

ج. تبنت القوات الروسية والشيشانية أساليب قتال جديدة، حققت نجاحاً في القضاء على المقاتلين أو حرمانهم تنفيذ مهامهم، أو إبعادهم عن المنطقة، والتي تتركز على دفع كمائن نهارية وليلية إلى محاور تقدم المقاتلين، ونشر مراكز تفتيش في الطرق الرئيسية، والاحتفاظ باحتياطي بمراكز الشرطة في القرى والبلدان والمدن، يتم دفعها عند الحاجة إلى مواجهة المقاتلين. مع زيادة نشاط الاستخبارات لرصد ومتابعة المقاتلين خاصة الكوادر والقيادات في شمال القوقاز. وطبقاً لمعلومات الاستخبارات، يتم قصف مناطق تجمع المسلحين بالطائرات العمودية والقاذفات السوخوي، ثم القيام بالهجوم البري بالقوات الخاصة، لاستكمال القضاء على المسلحين ومطاردتهم.

د. كما تضمنت عملية مكافحة الإرهاب التحرك على المسار السياسي، مثل إصدار عفو عام عن المقاتلين لتسليم سلاحهم والانخراط في الحياة الطبيعية، وقد حقق هذا الأسلوب نجاحاً في عودة المئات من المقاتلين وتسليم سلاحهم. إضافة إلى قيام الحكومة الشيشانية بفتح حوار مع بعض الزعماء المعتدلين، وحققت نجاحاً مع "أحمد زكاييف" المقيم في بريطانيا، وأدت إلى وقف عمليات العنف من الفصائل التابعة اعتباراً من الأول من أغسطس 2009، إلا أن جهود الحوار مع "زكاييف" لم تُكلل بالنجاح، وأُعلن عن توقفها، في أكتوبر 2009، نتيجة عدم ثقة كل طرف بالآخر، والتشكيك في دعوة الرئيس قاديروف حول أسس المصالحة والحوار وضمان سلامة الانفصاليين.

هـ. من أساليب الرئيس الشيشاني "رمضان قاديروف" لمكافحة الإرهاب، الاستعانة بزعماء التنظيمات المسلحة السابقين لمحاربة المقاتلين الشيشان، خاصة الاستعانة بخبرتهم بالعمل في المناطق الجبلية، وكان آخرهم "محمد خامبييف" كان وزير دفاع سابقاً في حكومة أتشيكيريا الانفصالية، وحالياً، عام 2009، هو عضو برلماني؛ وكذلك "شاتورلايف" القائد الميداني السابق، وحالياً، عام 2009، مستشار لرئيس جمهورية الشيشان. وعودة ممثل زعيم المقاتلين "عمر دوكو" أوروبا "بوخاري باراييف" إلى الشيشان، في 17 فبراير 2009.

د. أعلنت وزارة الداخلية الروسية، في 8 أكتوبر 2009، في تقريرها لمكافحة الإرهاب، والذي تضمن مقتل 2000 مقاتل شيشاني مسلح، واعتقال 6300 آخرين في جمهوريات شمال القوقاز، خاصة الشيشان وأنجوشيا وداغستان، بين عامَي 2007 و2009. كما تم خلال عام 2009، تصفية واعتقال 750 مقاتلاً، منهم 289 فرداً قتيلاً منهم 25 قيادياً، و11 من المرتزقة. كما تم اعتقال 457 مقاتلاً، منهم ثلاثة قياديين. إضافة إلى إحباط ومنع وقوع 64 جريمة إرهابية.

هـ. الرئيس الروسي "ديميتري ميديفيديف" أمر، يوم 12 نوفمبر 2009، بتشكيل إدارة روسية جديدة تابعة للحكومة، تتولى الإشراف والتنسيق مع جمهوريات شمال القوقاز لمكافحة الإرهاب، كما أصدر مرسوماً لتوسيع صلاحيات جمهورية الشيشان في مكافحة الإرهاب بالقوقاز، يتضمن توسيع مهام مقر العمليات بالشيشان لتنفيذ مهام إضافية لاستخدام قوات ووسائل القوات الموحدة المرابطة بالشيشان، أو لتنفيذ مهام مكافحة الإرهاب في كل شمال القوقاز، وهذا يعني صلاحيات أكبر للرئيس الشيشاني "رمضان قاديروف".

ثانياً: الأوضاع الداخلية

1. النظام السياسي

بعد استقالة "سريغي إبراموف"، أصبح "رمضان قاديروف" (اُنظر ثبت الأعلام) رئيساً للوزراء، في مارس 2006، وتم تعيينه رئيساً للشيشان، في 15 أبريل 2007 (بعمر 30 عاماً)، خلفاً لـ"علو الخانوف" (اُنظر ثبت الأعلام). كما قام في 2 ديسمبر 2007، بتعديل 50 مادة من الدستور الشيشاني، وأبرز ما جاء في التعديل زيادة مدة رئاسة الجمهورية وبرلمانها من أربع سنوات إلى خمس سنوات، وتحويل البرلمان إلى مجلس واحد بدلاً من مجلسين، وتخفيض عدد النواب إلى 41 عضواً بدلاً من 61 عضواً، وأجرى انتخابات برلمانية لجمهورية الشيشان، في أكتوبر 2008، وانتخابات بلدية، في أكتوبر 2009. كما قام قاديروف بتعيين أحد أقاربه "آدم ديليماخانوف" (اُنظر ثبت الأعلام) نائباً لرئيس الجمهورية وخليفة له، في أكتوبر 2009.

يمكن وصف حالة النظام السياسي باستقرار وظائفه، وليس استقرار النظام، حيث توجد اتهامات للنظام بالدكتاتورية والعائلية القبلية لقاديروف، حيث يشغل معظم الوظائف العليا أفراد من عائلة قاديروف، مع انتشار الفساد والرشوة، وتردي الحالة المعيشية والبطالة، وانتشار العنف والاغتيالات، خاصة تعرض قاديروف للعديد من محاولات الاغتيال، كان آخرها في سبتمبر 2009، بعملية استشهادية لفتاة شيشانية، وعملية أخرى، يوم 23 أكتوبر 2009، بسيارة مفخخة في محيط مجمع تذكاري يجري بناؤه في العاصمة جروزني. إضافة إلى وجود نصف أعضاء البرلمان الشيشاني بالخارج، مع عدم وجود أي أحزاب سياسية معارضة داخل الشيشان، على الرغم من وجود تعددية حزبية في وجود حزب روسيا الموحد، والحزب الليبرالي الديموقراطي، والحزب الشيوعي، وحزب روسيا العدالة.

2. الإدارة الداخلية

بدأ الرئيس الشيشاني "قاديروف" في إعادة هيكلة المجالس المحلية في الأقاليم المحلية التي تصل إلى خمسة عشر إقليماً (اُنظر خريطة الأقاليم المحلية والمدن)، منذ عام 2006 حتى عام 2009، وعين شخصيات تابعة له لضمان ولاء الأقاليم، مما أثار استياء بعض السكان المحليين، وبالأسلوب نفسه قام بإعادة هيكلة النظام الإداري بالدولة.

قام الرئيس "قاديروف" بإعادة هيكلة قوات الأمن والجيش الشيشاني، والاهتمام بتدريبها وتسليحها، وأنشأ فرعاً من أكاديمية (مدرسة) سوفردوف العسكرية في جروزني، في 16 أبريل 2008، لتخريج كوادر وقيادات مؤهلة علمياً، لاستبعاد فكرة المجاهدين القدامى تدريجياً. وبعد إلغاء نظام مكافحة الإرهاب، في 16 أبريل 2009، تولت القوات الشيشانية مسؤوليات أمنية أكبر بعد إعادة نظام عمل مجموعة القوات الروسية الموحدة بالشيشان، وتخفيض بعض مهامها العسكرية والأمنية، حيث وصفه البعض باستقلال واسع للشيشان ضمن روسيا الاتحادية.

ثالثاً: الأوضاع الاقتصادية

كان من نتيجة الحروب الشيشانية واستمرار أعمال العنف، تدمير جميع مرافق الجمهورية، ومعظم الأبنية، ومصادر الإنتاج والمرافق الاقتصادية، وعاش الشعب الشيشاني عندها على أطلال دولة. وعلى الرغم من استمرار العنف، وضعت الحكومة الروسية والشيشانية خطة اقتصادية لتحسين الاقتصاد، بين عامَي 2002 و2006، شملت العديد من البرامج الروسية الفيدرالية الموجهة إلى جنوب روسيا، إلا أنه لم يعمل بشكل ملائم.

وتكرر الأمر نفسه في خطة الممتدة من 2007 إلى 2011، فتم تعديلها بخطة جديدة ممتدة من 2008 إلى 2011، تستهدف تخفيض نسبة البطالة ودعم الفقراء، ورفع الدخل الحقيقي للمواطنين، وزيادة الإنتاج الكلي بمرتين، والعمل على استقطاب مصادر تمويل غير حكومية، وجذب استثمارات خارجية إلى البلاد، وإنشاء سوق اقتصادي حر، إضافة إلى إعادة الإعمار.

رصدت الحكومة الروسية مبلغ 120.6 مليار روبل (4.7 مليارات دولار) للخطة بين عامَي 2008 و2011، وإعادة إعمار الشيشان، وأشارت المصادر الروسية بأنه مكافأة على استمرار الاستقرار السياسي بالمنطقة.

وبعد عام من المنحة الروسية، ونتيجة للأزمة الاقتصادية، قررت الحكومة الشيشانية تخفيض ميزانيتها لعام 2010 بنسبة تصل إلى 70% من نفقات رأس المال المخصص لإعادة الإعمار، والمحول من الميزانية الإقليمية. يُذكر أن إيرادات الميزانية لعام 2009، تصل إلى 38.2 مليار روبل (مليار و200 مليون دولار)، والتخفيض منها في عام 2010 يصل إلى 5.9 مليارات روبل (200 مليون دولار)، علماً بأن الحكومة الروسية تقدم دعماً للشيشان بقيمة 40 مليار روبل (مليار و100 مليون دولار).

إذا انتقلنا إلى القطاعات الاقتصادية والمعيشية في الشيشان، بين عامَي 2006 و2009:

1. اقتصاد السوق

حققت الشيشان تطوراً صناعياً محدود عام 2006/2007، ولم يكن بالقدر الكافي مقارنة مع باقي جمهوريات جنوب روسيا. وفي عام 2008، ظهر تطور ملحوظ، خاصة المعالجة النسبية لسوء الإدارة، ومحاولة جذب الاستثمارات الفيدرالية، وكان أبرزها عام 2008، افتتاح مصنع سيارات لادا 2107، وفاز 74، بطاقة عشر سيارات يومياً، ويوفر عشرة آلاف فرصة عمل، ومصنع أسمنت يوفر عشرة آلاف فرصة عمل. وبعد إقرار بعض التشريعات، ازدادت الاستثمارات الأجنبية في الشيشان، عام 2009، خاصة في مجال النفط والبتروكيماويات والزراعة والبنية التحتية.

2. قطاع النفط

يشكل قطاع النفط اليوم نسبة 95% من الحجم الكلي للإنتاج الصناعي في الشيشان، إلا أن هذا القطاع لا يعطي المردود المتوقع منه، فشركات النفط وإنتاجها يتبع الحكومة الفيدرالية الروسية، وتحصل الشيشان على 10% منه فقط، وهو العائد الذي تدعم به الحكومة الفيدرالية جمهورية الشيشان؛ هذا إضافة إلى احتياج القطاع لإزالة آثار الحرب، وإعادة تطوير مجمع تكرير النفط والصناعة النفطية وكيمياء النفط، وصناعة أجهزة التحكم، وتطوير العلوم النفطية.

تُنتج روسيا 10.01 ملايين برميل نفط يومياً، ما يعادل 488 مليون طن، عام 2009، وتملك احتياطياً يُقدر بنحو 90 مليار طن، وما يخص الشيشان منها هو إنتاج مليوني برميل نفط يومياً عام 2009، مقابل  مليون و300 ألف برميل يومياً عام 2006. كما تملك الشيشان احتياطياً نفطياً يُقدر بزهاء تسعة مليارات طن.، وأشار الرئيس الشيشاني "قاديروف"، في مايو 2009، إلى كفاية الاحتياطي لتغطية الاحتياجات لمدة عشر سنوات مقبلة، والذي يسهم في تحويل الشيشان إلى جمهورية مانحة بدلاً من إقليم متلقٍ للمساعدات من موسكو.

تسعى الشيشان إلى استعادة شهرتها كمركز لتكرير النفط، باستكمال تشغيل ثلاث مصافٍ للنفط المدمرة نتيجة الحرب، هي الأكبر في كل جنوب روسيا، بطاقة تكريرية مقدارها 30 مليون طن سنوياً. وبإعادة إعمار القطاع النفطي تستفيد روسيا من موقع الشيشان على طول خط أنابيب باكو ـ نوفورسيسك لتكرير النفط القزويني.

يُعاني قطاع النفط استمرار ظاهرة سرقة النفط بواسطة أفراد أو عصابات، واستخدامه تجارياً مع الجمهوريات المجاورة، وهناك مقولة بالشيشان "أن خلف كل بيت معمل بدائي لتكرير النفط". كما تنشط الجماعات المسلحة في مجال سرقة النفط والتجارة به لشراء السلاح.

خلال عام 2009، بدأت الجماعات المسلحة في تصعيد هجومها على مرافق قطاع النفط والصناعة، باعتبارها حرباً اقتصادية ضد الحكومة الروسية، وأصدر زعيم المقاتلين، في 22 أغسطس 2009، بياناً يقرر تصعيد حملة الحرب الاقتصادية ضد روسيا والشيشان، تستهدف خطوط النفط والغاز ومحطات وخطوط الكهرباء.

3. البنية التحتية والخدمات العامة

أشارت المصادر الروسية والشيشانية إلى جهود الحكومة الشيشانية في إعادة إعمار البنية التحتية والخدمات العامة والمرافق، حيث استعادت العاصمة جروزني عروس القوقاز جمالها القديم، ويكفي النظرة من الجو إليها للحكم على حركة البناء والإعمار، فالشوارع والميادين تم إعادة رصفها، والمرافق تم رفع كفاءتها، والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والتجارية تم تشغيلها بكفاءة، واستعادت جروزني لونها الأزرق البراق، كما حصلت على جائزة خاصة من منظمة الأمم المتحدة، في أكتوبر 2009، لمشاركتها الناجحة في إعادة الإعمار، بعد تعرضها لدمار شامل خلال الحربين الشيشانيتين.

تقوم الحكومة الشيشانية بتوفير إعانات للعائلات الفقيرة والمحاربين القدماء والمعوقين، وإعطائهم أولوية في فرص العمل، كما تم الاهتمام بالتعليم في أنحاء الجمهورية، وفتح مدارس جديدة على أحدث النظم، وتم إرسال بعثات خارجية للتعليم العالي (90 طالباً في جامعات أوروبا). وتجدر الإشارة إلى المسجد الجامع "مسجد قلب الشيشان" في جروزني، الذي يُعتبر من أضخم وأكبر مساجد أوروبا، والذي تم افتتاحه في أكتوبر 2008؛ والجامعة الإسلامية الروسية (جامعة كونت ـ حجي الإسلام)؛ ودار الإفتاء عام 2007.

أما في مجال الإسكان لحل أزمة النازحين، فقد تم بناء 1470 شقة، عام 2006، وبالمعدل نفسه عام 2007. هذا وقد صرح الرئيس الشيشاني، في مايو 2009، بأن الحكومة أنشأت 1400 شقة عام 2008 للنازحين واللاجئين، في ظروف افتقار الجمهورية إلى الموارد المالية لحل جميع المشاكل. ولذلك فإن إنجازات الشيشان لبناء شقق لعودة النازحين واللاجئين تغطي أقل من 100% من احتياج اللاجئين والنازحين.

كما يحرص الرئيس الشيشاني على إبراز وجود حالة من الأمن والاستقرار بالشيشان، والانفتاح على المجتمع العالمي، بإقامة الاحتفالات القومية والوطنية والدينية بشكل بارز، ودعوة الوفود الأجنبية في المجالات المتعددة لزيارة العاصمة جروزني، وحرصه على افتتاح النصب التذكاري والأسواق التجارية والترفيهية ودور الأزياء العالمية، وإقامة الحفلات الخاصة بقصره، إضافة إلى الارتقاء بمطار جروزني ليصبح مطاراً دولياً، وبدء عمله بتسفير نحو 2000 حاج إلى المملكة العربية السعودية أواخر نوفمبر 2009، كان معظمهم على نفقة الدولة.

هذا وقد أعلن الرئيس الشيشاني "رمضان قاديروف"، يوم 17 نوفمبر 2009، أن عملية إعادة إعمار الشيشان اكتملت بنسبة 99%، ولم يتبق سوى بناء مؤسسات ومصانع إضافية لتوفير فرص عمل للمواطنين.

4. البطالة

أجمعت أغلب المصادر على أن انتشار البطالة في الشيشان من الأسباب الرئيسية لتفشي الإرهاب والعنف والجريمة، ولا توجد مصادر رسمية لتدقيق نسبة البطالة في الشيشان، وأشارت بعض المصادر أنها وصلت إلى 70% عام 2007، وانخفضت إلى 50% عام 2008؛ ومصادر أخرى أشارت إلى ثلث الشعب الشيشاني هو الذي يعمل، عام 2009. إلا أنه توجد فرصة لخفض نسبة البطالة مع إنعاش خطة التنمية (من دون فساد)، ومعالجة الجمهورية لأزمة الإرهاب/ العنف.

رابعاً: مشكلة اللاجئين والمفقودين

على الرغم من أن مشكلة اللاجئين الشيشان تعود لعقود سابقة، خاصة إبّان الحرب، إلا أنها استمرت لعام 2009، مع استمرار أعمال العنف، وتردي الحالة المعيشية، وانتشار البطالة، وعدم استكمال خطة إعادة إعمار الشيشان، مع استمرار تردي حالة اللاجئين المعيشية والصحية والإنسانية في معسكرات الإيواء داخل وخارج الشيشان. ويعود ذلك إلى إهمال موسكو وجروزني للمشكلة، وعدم توفير ميزانيات كافية للاجئين، في ظروف تراجع حجم المعونات الخارجية من المنظمات الدولية والدول المانحة، بسبب الأزمة المالية والاقتصادية.

لا يوجد إحصاء رسمي للاجئين الشيشانيين، واختلفت التقديرات حولهم، وأحياناً ما يتم الخلط بين الهجرة الطوعية والاندماج في مجتمعات جديدة، وبين اللجوء إلى الخارج قهرياً. فعلى سبيل المثال، أشار مكتب الهجرة الشيشاني، في يونيه 2005، إلى وجود 700 ألف شيشاني موزعين على 26 منطقة فيدرالية روسية، منهم 200 ألف يعيشون في موسكو، وهؤلاء هجرة طوعية للرزق والحياة، ويوجد في أنجوشيا 45 ألف لاجئ (28 ألف في مخيمات، وسبعة آلاف في منازل)، وفي أوسيتيا الجنوبية يوجد 11 ألف لاجئ، وفي داغستان يوجد 100 ألف لاجئ، وفي جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق يوجد 160 ألف لاجئ، وفي دول أوروبا 30 – 45 ألف لاجئ، وفي الدول العربية 35 ألف لاجئ. وطبقاً لهذا التقرير فإن اللاجئين الشيشان يصل عددهم إلى أكثر من مليون لاجئ (اُنظر ملحق أعداد الشيشان في روسيا والعالم).

أشار موقع الهجرة بوزارة الداخلية الروسية إلى أن عدد الشيشان المهاجرين داخلياً 201.1 ألف مهاجر، يعيشون في خيام داخل الشيشان، ينتظرون إعادة إعمار منازلهم وقراهم. وأشارت بعض المصادر إلى تقارير المنظمات الروسية لحقوق الإنسان، أنهم يتعرضون لخطر جسيم لحقوق الإنسان، ونقص الغذاء، وانتشار الأمراض، خاصة مرض السل، ودهم الشرطة، ومحاولة السلطات المحلية إجبارهم على العودة إلى ديارهم بالقوة، أو بمنع الغذاء عن المخيمات. وأشارت مصادر أخرى إلى وجود مخيمات اعتقال جماعية بعيدة عن أعين المراقبين الدوليين أو المنظمات الدولية أو الصحافة، مثل أوروس ـ مارتان، وتشيرنوكو زوفو، وبي أي بي 1 و5، ودويكار ـ أويل ـ وخان قلعة، وناعور ـ وموزدوك. وفي هذه المخيمات يتعرض المعتقلون لمختلف أنواع التعذيب.

من أكثر اللاجئين الشيشانيين معاناة، هم اللاجئون في أنجوشيا وتركيا، حيث يعانون الفقر والجوع والمرض، وحالة معيشية غير إنسانية في مخيمات البعض منها كان منشآت مهجورة ومهدمة.

تغطي المنظمات الدولية الإنسانية احتياجات أقل من 25% من اللاجئين الشيشان في أنجوشيا والشيشان. فعلى سبيل المثال، غطى برنامج الأغذية العالمي لعام 2008 لعدد عشرة آلاف لاجئ في الشيشان، إضافة إلى 50 ألف لاجئ في أنجوشيا، بعد إجرائه لتعديلات مالية مرتين خلال عام 2008، للوفاء بالأولويات فقط، بسبب تراجع استجابة الدول المانحة.

من أكبر الدول المانحة للمنظمات الدولية الإنسانية لدعم اللاجئين الشيشان، دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

أما قضية المفقودين في الشيشان، فهي من أكبر القضايا الإنسانية التي يعانيها الشعب الشيشاني منذ عقود، وتعود المشكلة إلى الحروب السابقة وأعمال العنف من القوات الروسية والشيشانية. وأعلنت منظمات حقوق الإنسان عثورها على 60 مقبرة جماعية تضم الآلاف من الجثث المجهولة الهوية، وكان آخرها العثور على مقبرة جماعية في العاصمة جروزني، في يونيه 2008، تضم رفات زهاء 800 شخص معظمهم من المدنيين.

أشار التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية (amnesty-org)/ الاتحاد الروسي/ الشيشان، عن عام 2008، إلى استمرار انتهاكات حقوق الإنسان بالشيشان، ومن بينها الإخفاء القسري والاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب، إلا أنها انخفضت عن العام السابق. كما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج، في 15 حكماً بإدانة روسيا ومسؤوليتها عن عمليات اختفاء واختطاف. كما أغلقت السلطات الشيشانية ستة مخيمات إقامة مؤقتة، وترحيل سكانها قسراً، مما أدى إلى نزوح عدد منهم يُقدر بحو 18 ألف شيشاني إلى أنجوشيا وداغستان.

أما تقرير منظمة العفو عن الشيشان، عام 2009، فأشار إلى استمرار حالات انتهاك حقوق الإنسان، واختفاء قسري لعشر حالات، وإصدار المحكمة الأوروبية أحكاماً في ما يزيد على 30 حالة تدين روسيا بالمسؤولية، مع وجود عشرات العائلات من النازحين داخلياً، تلقوا تعليمات بإجلاء مساكنهم المؤقتة دون توفير مساكن بديلة، كما تم إجلاء عشرات العائلات من منازلهم قسراً بسبب ادعاء صلاتهم بجماعات مسلحة.

خامساً: الشيشان والمجتمع الدولي

1. على مسار العالم العربي والإسلامي

أصبحت موسكو عضواً مراقباً في منظمة المؤتمر الإسلامي، يوليه 2005، واستند طلبها إلى أن 15% من سكانها مسلمون، وكون ثماني جمهوريات من إجمالي 21 جمهورية متمتعة بالحكم الذاتي، منها جمهورية الشيشان، ذات الأغلبية المسلمة، وهم أساساً سكان أصليون وليسوا مهاجرين مثل أوروبا أو أمريكا، وأن حضور الإسلام في الأراضي الروسية قد سبق حضور المسيحية. وابتعد الإعلام في موسكو وجروزني عن ربط الإسلام بالإرهاب، وكان هذا مدخل التقارب مع الدول العربية أساساً والإسلامية عامة.

سعت موسكو، خلال عام 2008/2009، إلى تحسين علاقاتها بالعالم العربي والإسلامي، وكانت إحدى الأوراق الروسية هي ورقة الشيشان الإسلامية السنية، واعتبارها جسراً لدعم العلاقات بالدول العربية والإسلامية، وتحركت جمهورية الشيشان من خلال رئيسها وممثليها مع العالم العربي والإسلامي لخلق مصالح مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب، وجذب الاستثمارات العربية إلى الشيشان، ومحاولة نشر وجود حالة من الاستقرار الأمني والسياسي في الشيشان، وهذا ما أكده رئيس وزراء الشيشان "باي سولتانوف" أثناء زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة، في مارس 2009.

دعت روسيا إلى مؤتمر دولي "روسيا والعالم الإسلامي"، بموسكو في 24 سبتمبر 2009، حضره وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في العديد من الدول العربية والإسلامية، ورؤساء الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وحققت روسيا الآتي:

أ. موافقة دول المنظمة على التعاون مع الشيشان في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، وسوف يتم إنشاء صندوق مالي لدى الأمانة العامة للمنظمة، بمشاركة جميع الأعضاء، ليبدأ نشاطه في الشيشان نهاية 2009، مع فتح ممثلية للمنظمة في الشيشان، تتولى تحديد المنشآت الاقتصادية التي ينبغي تعميرها. كما قام بنك التنمية الإسلامي بإجراء محادثات مع موسكو حول صيغة معينة للتعاون على إعمار الشيشان.

ب. سعت روسيا إلى بحث عضويتها في منظمة المؤتمر الإسلامي لتكون عضواً أساسياً، بدلاً من مراقب، إلا أنها واجهت مصاعب بسبب النظام الداخلي للمنظمة، الذي ينص على تحديد العضوية الأساسية للدول التي معظم سكانها من المسلمين.

ج. أقرت روسيا إنشاء قناة تليفزيونية إسلامية في روسيا، وأنها وضعت خطة لدعم الأقلية المسلمة في روسيا.

2. الشيشان والدول الغربية

تُعد المشكلة الشيشانية محط اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، على مستوى الأنظمة السياسية، أو المنظمات المدنية الدولية والإقليمية، مع وجود اختلاف في الأهداف والمصالح. فالأنظمة السياسية الغربية والبرلمان الأوروبي هدفهم وضع المشكلة الشيشانية كالسيف على رقبة النظام الروسي، بصفتها وسيلة ضغط لتحقيق مصالح أخرى، ولكنها بعيدة عن التحرك الجاد لحل المشكلة الشيشانية، وهذا يختلف عن أهداف المنظمات المدنية المحصورة في بحث الحالات الإنسانية أو تقديم المساعدات للشعب الشيشاني.

هناك العديد من المنظمات الأوروبية والأمريكية لها نشاط في الشيشان لتقديم خدماتها الإنسانية، سواء لبحث أوضاع الشعب الشيشاني وحالة الفقر واللاجئين، وانتهاكات الحكومة الروسية والشيشانية لحقوق الإنسان، وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في العديد من القضايا، ودانت الحكومة الروسية والشيشانية، وأوصت بتعويضات للمتضررين.

يوجد في أوروبا نحو 45 ألف شيشاني لاجئ، وفي تقديرات أخرى 100 ألف لاجئ. والاختلاف هنا ربما يكون مرتبطاً باللاجئين المسجلين، وغير المسجلين، ولذلك قررت الحكومة الشيشانية فتح ست مفوضيات في الدول الأوروبية التي يعيش فيها أكبر عدد من الشيشان (ألمانيا، والنمسا، وبلجيكا، وفرنسا، والدنمارك، وبولندا)، حيث تقوم المفوضيات بمساعدة الأفراد على العودة إلى الشيشان، والمساعدة على إيجاد عمل للاجئين في أوروبا، والدفاع عن حقوقهم أو الإشراف على تعليمهم.

يعيش معظم اللاجئين الشيشان في أوروبا في حالة فقر وتشرد، بسبب عدم وجود عمل لهم، كما أن مناطق تجمعهم في البلاد الأوروبية هي مهبط لعناصر الاستخبارات الشيشانية لجمع المعلومات عن المقاتلين الشيشان، وأحياناً ما تكون ميداناً لتصفية الحسابات بين الفصائل المسلحة. لذلك تنظر الدول الأوروبية إلى اللاجئين الشيشان بأنهم مشكلة أمنية واجتماعية أكثر منها إنسانية، ودائماً ما تطلب ترحيلهم إلى بلدانهم، وهناك حالات متعددة لتسليم بعضهم إلى روسيا، التي رحلتهم إلى السجون الروسية.

كان هناك دور بريطاني لفتح حوار بين "أحمد زكاييف" وممثلين عن الرئيس الشيشاني "قاديروف"، والاتفاق على عقد مؤتمر عالمي للشعب الشيشاني، في أواخر عام 2009، لحل كافة المسائل الحيوية، وذات الضرورة القصوى للشعب الشيشاني، ولتغيير الوضع الحالي، ووضع أسس للمستقبل، ومقترح عقد المؤتمر في بروكسل. ولا شك أن هذا التحرك الشيشاني والبريطاني جاء بموافقة موسكو.

سادساً: الشيشان وأمن القوقاز

1. على الرغم من أن جمهورية الشيشان إقليم صغير، يمكن قطع حدوده بالسيارة من الشمال إلى الجنوب في ساعتين، إلا أنها ذات أهمية مطلقة، ووزن نوعي مرتفع للأمن القومي الروسي، ارتباطاً بالحيز المكاني للشيشان، وباعتباره جزءاً من إقليم القوقاز، خاصة بعد تغير الخريطة الجيوبولوتيكية لروسيا الاتحادية، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، الأمر الذي أدى إلى تغير الحدود السابقة، لتصبح حدود جمهوريات شمال القوقاز هي حدود روسيا الدولية مع جيرانها.

2. تنظر روسيا الاتحادية إلى الأهمية الجيوإستراتيجية لجمهورية الشيشان باعتبارها قلب القوقاز الشمالي، فيما بين البحر الأسود وبحر قزوين، بما فيه من احتياطيات نفطية هائلة، واحتفاظ روسيا بجمهوريات شمال القوقاز يحقق لها المحافظة على إطلالها بأكبر سواحل ممكنة على المياه المفتوحة، بعد خسارتها لنوافذ ساحلية واسعة عند استقلال أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا، ولذلك فإن روسيا لن تُضحي بأي قدم بحري، حتى ولو كان على بحر مغلق، مثل بحر قزوين أو شبه مغلق، مثل البحر الأسود.

3. يتعامل الأمن القومي الروسي باهتمام شديد مع أمن القوقاز الشمالي والجنوبي، لمواجهة التمدد الأمريكي والأوروبي، من خطوط أمامية خارج القوقاز بدلاً من داخله، سواء كان التمدد اقتصادياً أو عسكرياً وأمناً، أو نفطياً، من خلال شركات النفط الأجنبية في آسيا الوسطى. ومن أهداف الأمن الروسي استعادة الفضاء الأمني أو مناطق النفوذ الجيوبولوتيكي في دول الاتحاد السوفيتي السابق المستقلة، واعتبارها مناطق مصالح مميزة لروسيا.

أ. كان من أهداف روسيا في حربها على جورجيا، عام 2008، التصدي للنفوذ الأمريكي فيها، ومنع انضمامها إلى الناتو، وليكون الأمر عبرة لأوكرانيا (اُنظر "الأزمة بين روسيا وجورجيا، حرب الأيام الخمسة").

ب. إعلان روسيا استقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، عام 2008، بهدف تشكيل نطاق أمني بالقوقاز خاضع للنفوذ الروسي.

ج. بعد جلاء القوات الروسية من آخر قواعدها العسكرية (باطومي) في جورجيا، في 13 نوفمبر 2007، وقبل الموعد المحدد بعام طبقاً لاتفاق "إسطنبول" في نوفمبر 1999، قامت روسيا بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة غوداوتا الأبخازية، وقاعدة أخرى في مدينة تسخنفالي الأوسيتية الجنوبية، بقوة 1700 جندي. كما نشرت قوات حرس حدود على الحدود الأبخازية الجورجية. هذا إضافة إلى بناء قاعدة بحرية روسية جديدة تطل على البحر الأسود في أوشام بأبخازيا، طبقاً لاتفاق الدفاع المشترك بين روسيا وأبخازيا. كما شكلت قيادة موحدة للقوات البحرية والجوية بالجنوب الروسي، في سبتمبر 2009، وأطلقت عليها "قيادة منطقة القوقاز الشمالي العسكرية".

د. وفي إطار الأمن في القوقاز، قررت روسيا إنشاء قاعدة عسكرية جديدة تطل على البحر الأسود في نوفورسيك الروسية، تنتهي عام 2016، لتكون بديلة من قاعدة سيناستوبول الأوكرانية، حيث ينتهي عقد استئجار روسيا لها عام 2017. كما تسعى روسيا إلى تشكيل قوات مشتركة تضم بعض الجمهوريات السوفيتية السابقة، في إطار منظمة التعاون الأمني (الأمن الجماعي) لحفظ الأمن في الساحة السوفيتية السابقة.

4. هناك نظرية عند أهل القوقاز، مفادها "مفتاح الأمن في جنوب القوقاز يكمن في شماله، وصمام الأمن في شمال القوقاز يكمن في جمهورية الشيشان". كما أن الأمن في القوقاز هو جزء من الأمن القومي الروسي، مما يضع روسيا في موقف صعب من الأزمة في الشيشان. والمعادلة الروسية هنا للمفاضلة بين التخلي عن الشيشان لتكون جمهورية مستقلة، أو استمرار العنف وعدم الاستقرار، فهل يمكن روسيا أن تتخلى عن الشيشان؟

أ. تخلي روسيا عن الشيشان يعني تخليها عن جمهوريات شمال القوقاز الإسلامية، ويعني أيضاً القوقاز بكماله، وابتعاد السيادة الروسية عن القوقاز يعني ابتعادها عن مناطق شديدة الأهمية في الصراع الدولي، على رأسها منطقة الشرق الأوسط، خاصة إيران وتركيا وآسيا الوسطى والعالم العربي.

ب. رفض روسيا إقامة دولة إسلامية في الشيشان، والتي قد تمتد لتغطي شمال القوقاز، والمخاوف الكبرى من سيطرة التطرف الإسلامي، أو إقامة إمارة القوقاز الإسلامية بشكل رسمي، كما يُطالب بها المسلمون الشيشان.

ج. استقلال الشيشان، يعني فقدان روسيا لكل من أنجوشيا وداغستان، الأمر الذي يعني تغير السياسة العرقية في القوقاز، بعد هجرة ونزوح العرقيات الأخرى غير الإسلامية. وظهور مشكلة تأمين وحماية مليونين ونصف المليون روسي يقطنون منطقة القوقاز. وفي هذه الحالة تتقلص الحدود الروسية نحو 400 كم.

د. يتمتع القوقاز الشمالي، بما فيه الشيشان، بأهمية جيو ـ إستراتيجية، بما يملكه من احتياطيات نفطية، وموقع جغرافي يمر عبره العديد من خطوط النفط والغاز، التي تمتد من بحر قزوين وآسيا الوسطى إلى روسيا والبحر الأسود، وتخلي روسيا عن هذه الميزة الجيو ـ إستراتيجية يتعارض مع سياستها للسيطرة على سوق النفط العالمي، وخطوط نقل البترول والغاز إلى أوروبا.

سابعاً: مستقبل غامض للشيشان

امتد الصراع الروسي ـ الشيشاني إلى سنوات عديدة، تخللتها حروب كبرى وعمليات عنف لا تنتهي، وذهب ضحيتها الآلاف من الشعب الشيشاني بين قتيل وجريح ومعوق ولاجئ أو مشرد، والمرفهون الباقون منهم يعيشون في حالة فقر.

يمكننا القول إن روسيا حتى عام 2009، لم تكسب الحرب، ولا المجاهدون خسروها، مع استمرار المشكلة وأعمال العنف والعنف المضاد. فالمقاتلون الشيشان يطالبون بالاستقلال وروسيا ترفض التفريط في الشيشان لأهميتها الإستراتيجية في منظومة الأمن القومي الروسي، مما يمثل تعارضاً في الأهداف والمصالح، وبالتالي يقود إلى صراع ممتد.

إن فرضية استقلال جمهورية الشيشان قد تواجهها مشكلات عدة، أبرزها أن الدولة الوليدة سوف تكون مغلقة جغرافياً، ما يجعلها تعتمد على دول الجوار، خاصة روسيا وجورجيا، وما يكتنف ذلك من تباينات سياسية وأيديولوجية، أو يجعلها دولة تابعة اقتصادياً أو سياسياً، وكذلك عدم وجود حدود واضحة بين الشيشان ودول الجوار، خاصة أنجوشيا، الأمر الذي يؤدي إلى نزاعات حدودية كتلك التي بين أرمينيا وأذربيجان، أو بين روسيا وجورجيا. هذا إضافة إلى ضعف الموارد الشيشانية التي لا يمكنها إقامة اقتصاد قوي وإعادة إعمار الدولة.

في ظل المعطيات الحالية، يبدو أن أقصى ما يمكن أن تسعى إليه الشيشان، هو المطالبة بتفعيل القوانين الفيدرالية التي تربطها بروسيا (المسار التترستاني)، والحصول على وضع أفضل في ظل قوانين الحكم الذاتي، التي يمكن أن تحقق درجة من الاستقلالية لا ينقصها سوى الاسم. وهذا الوضع يتمشى مع اتفاق روسي ـ شيشاني سابق، بدأ عام 2002، بواسطة الرئيس السابق "أحمد قاديروف"، حيث تم الاتفاق على توقيع اتفاقية أو معاهدة أو قانون، يتضمن تقاسم السلطات والصلاحيات والاختصاصات، ومنح الشيشان حق الاحتفاظ بعائدات النفط الشيشاني، وميزات أخرى. إلا أنها لم ترى النور بسبب اغتيال الرئيس "أحمد قاديروف"، في 9 مايو 2004. وربما يسمح التقارب الجاري عام 2009، بين "فلاديمير بوتين" والرئيس الشيشاني، بالعمل على خطة تسوية جديدة، بدأت تباشيرها بعد إنهاء نظام مكافحة الإرهاب بالشيشان، في أبريل 2009، وقبول الأطراف بالحوار مع زعماء المعارضة الشيشانية في لندن، وعقد مؤتمر دولي للشعب الشيشاني في العالم، نهاية عام 2009.

وعلى الرغم من فشل حوار الأطراف، في أكتوبر 2009، إلا أنه يمثل دلالة طيبة يمكن استكمالها أو تجديدها مع الأطراف المختلفة لحل المشكلة الشيشانية.