إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع السنغالي ـ الموريتاني






المدن والأقسام الرئيسية
الأقاليم الطبيعية
القبائل الرئيسية
جمهورية موريتانيا
جمهورية السنغال



مقدمة

مقدمة

على الرغم من رحيل المستعمر الأوروبي عن القارة الأفريقية، إلاّ أن الآثار التي خلفها ما زالت تطفو على الواقع السياسي في كثير من دول القارة، وما زالت مشكلات ما بعد الاستقلال أشدّ ضراوة وأبعد أثراً مما كان سائداً إبان الحقبة الاستعمارية. ونظرة سريعة إلى خريطة أفريقيا السياسية تكشف لنا حجماً كبيراً من المشكلات المعقدة، وما الحروب، التي تندلع هنا وهناك، إلاّ من نتائج هذه التركة الاستعمارية. فكم من الأرواح أزهقت، ومن الأسر شردت، ومن الأموال أنفقت بسبب هذه المشكلات!

لقد كانت مشكلات الحدود، التي خلفها الاستعمار معقدة ومتشابكة؛ لأنها تركت حدوداً مصطنعة، وكيانات سياسية جديدة، في أفريقيا، تبعاً لاعتباراته ومصالحه. وبغض النظر عن التطورات المحلية السابقة على قدوم الاستعمار، فقد عانت معظم شعوب القارة من تقسيمات عشوائية، ومن دول حبيسة، لا منفذ لها على السواحل الأفريقية (14 دولة حبيسة)، ومن خطوط هندسية قَسّمت القبيلة الواحدة بين أكثر من وحدة سياسية، مما يترتب عليه كذلك نقص التجانس القومي، وغياب أيديولوجية وطنية شعبية تساعد على تحقيق التماسك الطبيعي بين الدول الأفريقية.

لقد بدأت مشكلة الحدود في مؤتمر برلين، 1884 ـ 1885، الذي حول القارة خلال عشرين عاماً، منذ انعقاده، من قارة مستقلة بنسبة 92% إلى كيانات مستعمرة بنفس النسبة، ولم يصبح مستقلاً منها إلاّ حوالي 8 %، وظلت هذه حدود الدول الاستعمارية حتى استقلال معظم دول القارة، عام 1960. (اُنظر جدول المعاهدات الخاصة بموضوع النزاع بين موريتانيا والسنغال)

وعندما انعقد مؤتمر الشعوب الأفريقية الأول، في أكرا (غانا)، ديسمبر 1958، كانت مشكلة الحدود المصطنعة أول ما واجه القادة الأفارقة، الذين وجدوا أنه من الضروري حل المشكلة بما يحقق مصالحهم، بروح من الأخوة والتسامح.

وفي مؤتمر أقطاب أفريقيا، في الدار البيضاء (4 ـ 7 يناير 1961)، بحث المجتمعون مشكلات الحدود، ومنها مشكلة إقليم رواندا ـ بورندي، واستنكر المؤتمر محاولات بلجيكا تقسيم هذا الإقليم الموضوع تحت الوصايا الدولية.

وفي مؤتمر رؤساء الدول الأفريقية المستقلة، في أديس أبابا، في مايو 1963، قال الرئيس المالي موديبو كيتا: يجب علينا أن نتخلى عن مطالبنا القومية أو الإقليمية، إذا أردنا أن نحول دون قيام ما يسمى بالإمبريالية السوداء في أفريقيا. إن الوحدة الأفريقية تتطلب المحافظة على الحدود، التي ورثناها من النظام الاستعماري.

كما عبر، عن ذلك، مندوب غينيا في الأمم المتحدة، ديا للو تيلي، قائلاً: إن الحدود الحالية بين الدول الأفريقية هي حدود تعسفية وجائرة، لكن يجب عدم تغييرها بالقوة. إن أفريقيا تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى حدود يسودها السلام.

وقد نصت المادة الثالثة من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية على احترام سيادة كل دولة وسلامة أراضيها وحقها الثابت في كيانها المستقل، وعلى التسوية السلمية للمنازعات من طريق التفاوض، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم.

وفي مؤتمر القمة الأفريقي الأول، الذي انعقد في القاهرة، الفترة من 17 إلى 21 يوليه 1964، نُصّ على أنه نظراً إلى أن مشكلة الحدود السياسية تشكل عامل انقسام خطير دائم، ونظراً إلى أن هذه الحدود الأفريقية هي حدود الدول عند استقلالها وتشكل حقيقة واقعة، فإن المؤتمر يعلن تعهد كل الدول الأفريقية الأعضاء باحترام الحدود الموجودة عند حصولها على الاستقلال القومي. (اُنظر جدول المعاهدات الخاصة بموضوع النزاع بين موريتانيا والسنغال)

وساد الرأي بأن هذه الحدود الاستعمارية جائرة، ولكن إذا قامت اتحادات كبرى تضم دولاً متعددة، وارتبطت هذه الاتحادات ببعضها في السياسة الخارجية، من دون أن تنمحي الشخصية الدولية لكل وحدة داخل الاتحاد، فإن هذا الحل قد يكون الأمثل لعلاج التفتت، الذي خلفه الاستعمار في القارة.

وأغلق باب الحدود الأفريقية، لكن هذا لا يعني انتهاء هذه المشكلات، التي تطفو من حين لآخر، وتصل في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة، بل إلى حروب بين هذه الدولة أو تلك. والأمثلة على هذه الصراعات كثيرة في القارة الأفريقية، منها صراع الحدود بين السنغال وموريتانيا (اُنظر خريطة جمهورية السنغال) و(خريطة جمهورية موريتانيا) و(ملحق السنغال) و(ملحق موريتانيا)

لم تخل العلاقات بين السنغال وموريتانيا، منذ حصولهما على الاستقلال، من أسباب للاحتكاك والاختلاف. وقد اتضح ذلك، بصفة خاصة، في السبعينيات، بسبب ما يولده تجاور المزارعين السنغاليين والرعاة الموريتانيين من صعوبات، غير أنه لم يعرف قط أن علاقات البلدين اكتنفتها مشكلة بمعنى الكلمة، ولعل هذا يرجع إلى حرص الحكومات المختلفة، في كل من نواكشوط وداكار، على السيطرة على زمام الأمور، وعدم السماح للموقف أن يتدهور أو للمشاكل أن تتفاقم. وكانت هذه الحكومات تهتم بإبعاد أي حادث، يطرأ بينهما، عن الأضواء الإعلامية، واحتوائه في مهده، في كتمان، من خلال اتصالات ثنائية هادئة.

ومن هذه الزاوية، يتأكد أن الأزمة بين موريتانيا والسنغال تعد انقطاعاً في تاريخ العلاقات بين البلدين. ولا تقتصر حدّتها على المستوى الثنائي، وإنما تتعداه أيضاً إلى المستوى الإقليمي؛ باعتبارها أزمة غير بسيطة ظهرت في إقليم الغرب الأفريقي قد تُغيّر طابعه العام، الذي اتسم به من هدوء واستقرار، مقارنة بالأقاليم الأفريقية الأخرى. وعلى صعيد العالم الثالث، قد تنذر هذه الأزمة، كذلك، بتوليد مصدر جديد وإضافي للاحتكاك بين العالمين العربي والأفريقي.

ولم تكن هذه الأزمة مفاجأة حقيقية، فقد لاحت البوادر في الأفق، وتعاقبت منذ عام 1985، منذرة بهبوب العاصفة الهوجاء بشكل متزايد ومتكاثف ابتداء من النصف الثاني لعام 1988. فمن احتدام المشكلة العرقية في موريتانيا، والتعاطف الذي وجده التيار القومي الزنجي المتطرف الموريتاني في السنغال، ثم إلى إقدام الحكومة الموريتانية على نزع حيازات من الأراضي من يد سنغاليين، كانوا يستغلونها منذ القدم على الجانب الموريتاني لنهر السنغال، ثم إلى الموقف المتشدد الذي اتخذته الحكومة السنغالية إزاء انتجاع قطعان مواشي الرعاة الموريتانيين في الأرض السنغالية، فالضغوط التي صار كل جانب يمارسها على حركة التبادل التجاري وعلى انتقالات السكّان بين البلدين، والمعاملات القاسية والمجحفة التي يعامل بها رعايا الجانب الآخر - تعددت علامات الخطر القادم، وتدافعت على وتيرة متسارعة.

انفجرت الأزمة بفعل حادث حدودي وقع بين أهالي البلدين، في 9أبريل 1989، بين مزارعي قرية دياوارا (Diawara) السنغالية ورعاة قرية سونكو (Sonko) الموريتانية، أدى إلى سقوط قتيلين سنغاليين وعدد من الجرحى واحتجاز ثلاثة عشر آخرين في موريتانيا لمدة 48ساعة. وعدا هذه الوقائع، تختلف رواية كل طرف عن هذا الحادث، مثل أسباب وقوعه، والبادئ فيه، والمكان الذي حدث فيه، والأطراف المتورطة فيه من الجانب الموريتاني.

وعلى الرغم من التشابه بين هذا الصدام وصدامات أخرى عديدة وقعت بين الشعبين على ضفتي النهر، الذي يفصل بين البلدين، قُدِّر لحادث (دياوارا ـ سونكو) أن يفجر نزاعاً بينهما يُعدّ سابقة في تاريخ علاقاتهما منذ الاستقلال. ويتضح خطره من تعدد أبعاده ومكوناته، التي تضمنت تحركات شعبية عدائية واسعة النطاق في البلدين، وخسائر مادية وبشرية هامة للشعبين، وتنقلات سكانية عريضة اشتملت على طرد جاليتين، ونشوء ظاهرة اللاجئين في البلدين، ومجابهة مباشرة بين الحكومتين، وطرح مسألة حدودية جديدة في القارة الأفريقية، وشنّ حرب إعلامية، ووقوع أعمال عنف بين أهالي وقوات الدولتين، ومطالبات حول حقوق عرقية.