إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع السنغالي ـ الموريتاني






المدن والأقسام الرئيسية
الأقاليم الطبيعية
القبائل الرئيسية
جمهورية موريتانيا
جمهورية السنغال



المبحث الثاني

المبحث الثاني

أسباب النزاع السنغالي ـ الموريتاني

أولاً: الأسباب الموضوعية للأزمة

1. الأسباب الاجتماعية:

هناك حساسيات عرقية قديمة بين المجموعات العرقية (الإثنية) غير المعرّبة، التي تعيش على أراضي نهر السنغال من سنغاليين وموريتانيين من جهة، والقبائل العربية والبربرية الموريتانية من جهة أخرى. وتعود هذه الحساسيات إلى الأسباب التالية:

أ. أسباب تاريخية

ويتمثل أهمها في تجارة الرقيق، التي اتُّهم بممارستها التجار العرب من القبائل العربية، والتجار من القبائل البربرية كقبائل صنهاجة. ومن الثابت تاريخياً أن العرب، بالفعل، مارسوا تلك التجارة. غير أن الرق، وقتذاك، كان نظاماً معمولاً به في العالم بأسره، عانته شعوب كثيرة غير الأفارقة، ومارسه كثيرون غير العرب، كالأوروبيين والأفارقة أنفسهم. ولكن الآفة التي عانتها أفريقيا بشكل خاص، وانفردت بها في تلك المعاناة، هي التفرقة العنصرية، بمعنى إساءة معاملة الزنجي بسبب لون بشرته. وهذه السياسة العنصرية لم يطبقها العرب، بل مارسوا أشكالاً أخرى من التمييز الاجتماعي في أفريقيا، كان تطبيقها مؤقتاً ومرهوناً باستمرار الأسباب التي دفعت إليها. وتنحصر هذه الأشكال من التمييز الاجتماعي في: التفرقة الطبقية بين السيد والعبد، والتفرقة السياسية بين الغازي المنتصر والمواطن المهزوم، والتفرقة الدينية والثقافية بين المسلم ذي الثقافة العربية، والأفريقي ذي الديانة المختلفة والثقافة المحلية.

وكل هذه الأنواع المتعددة من التفرقة الاجتماعية تنتهي بانتهاء أسبابها: فالعبد الأسود إذا أُعتق، يتساوى بالعربي الحرّ، والأفريقي إذا أسلم، يتساوى بالعربي المسلم. أمّا علاقة الغازي بالمهزوم، فقد تلاشت تدريجياً مع انتشار الإسلام بين الأفارقة، واختلاط دماء العرب والزنوج بالمصاهرة وتبادل المصالح. كما أدى انتشار الإسلام إلى تعلم الزنوج اللغة العربية والتأثر بثقافتها، وذلك بشكل تلقائي وسلمي. ويلاحظ في بعض الدول الأفريقية التشابه بين الثقافات المحلية والثقافة العربية، في مجالات عديدة، نذكر منها الكلمات العربية التي طُعّمت بها بعض اللغات الأفريقية، كالهوسا والفولاني والسواحيلي.

فالعرب لم يمارسوا التفرقة العنصرية في أفريقيا، ولكن الذين مارسوها، وعلى نحو مكثف، هم الأوروبيون. وقد عمل ساستهم ومفكروهم على تأكيد عقدة اللون عند الأسود، لاستغلالها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً إلى أبعد مدى.

نخلص من هذه المقارنة بين العرب والأوروبيين وسياساتهم في الدول الأفريقية التي غزوها، إلى تحديد المأساة الحالية للزنوج، وهي التفرقة العنصرية، وليس الرق، وأن المسؤولين عنها هم الأوروبيون، وليس العرب. غير أن الاستعمار الأوروبي قد أفلح في تحويل مشاعر الزنوج السلبية، لتكون ضد العرب، وليس ضد الأوروبيين، وذلك بتطبيق سياسة محكمة في المستعمرات الأفريقية، التي تضم أغلبية عربية مسلمة. وقد قامت هذه السياسة الفرنسية في موريتانيا على أربعة أسس رئيسية:

(1) عمل بعض الأدباء والسياسيين الفرنسيين على تشجيع فكرة "الزنوجية"، ومساندة المفكرين الذين آمنوا بها، وفي مقدَّمهم الرئيس السنغالي السابق، ليوبولد سيدار سنجور. وخطر فلسفة "الزنوجية" أنها تفرز سياسات عنصرية سلبية، تركز على وحدة الزنوج من دون الأعراق الأفريقية الأخـرى، وخاصة عرب الشمال الأفريقي.

(2) عملت فرنسا على نشر اللغة والثقافة الفرنسيتين بين الزنوج. وفي الوقت نفسه، اجتهدت في إضعاف التعليم باللغة العربية، مستهدفة استيعاب الزنوج الموريتانيين، وإبعادهم عن الثقافة العربية.

(3) عملت فرنسا على تنصير الزنوج غير المسلمين، أو إبقائهم على دياناتهم، وذلك لإبعادهم عن التأثيرات الإسلامية المنتشرة في شمال البلاد، حيث القبائل العربية.

(4) كانت الإدارة الفرنسية تعيّن الزنوج المتحدثين الفرنسية في الوظائف الحكومية، وتفضلهم على الموريتانيين العرب، وذلك رغبة في كسب تعاطف الزنوج، وإمعاناً في تأكيد الفرقة بين الأعراق المختلفة لشعب واحد.

أدت هذه السياسات، بالفعل، إلى تعميق الفروق والخلافات العرقية بين العرب والزنوج، كما أسهمت في خلق بؤر من عدم الاستقرار للحكومات الوطنية في الدول الساحلية الأفريقية، التي تصِل بين عرب الشمال الأفريقي والزنوج. وقد تستغل الأزمات العرقية ـ سواء من الداخل أو الخارج ـ للوصول من طريقها إلى أهداف اقتصادية وسياسية، لا علاقة لها بالجنس أو لون البشرة. أي أن هناك أسباب عرقية ساعدت السياسة الفرنسية على تصاعدها والتفريق بين العرب والأفارقة وجاءت سياسة التعريب وفكر القومية العربية المنتشرة بين الشباب الموريتاني لتسهم في ازدياد قلق الزنوج وخوفهم.

ب. أسباب تعود إلى التركيب الاجتماعي الموريتاني

خضعت هذه المنطقة من غرب أفريقيا، خلال العصر النيلوتيقي، لتحركات عرقية قادمة من سواحل أفريقيا، ومن الشرق، متجهة نحو الجنوب، مسايرة في ذلك التغيرات الطبيعية والمناخية، التي حدثت في تلك الأزمنة، والتي نتج منها التصحر التدريجي لما يسمى بالصحراء الأفريقية الكبرى. وقد استقرت القبائل البربرية البدوية في الشمال الصحراوي، بينما هاجرت العناصر السوداء إلى الجنوب، سعياً وراء الماء والأرض الخصبة، التي تسمح بالزراعة البدائية الخفيفة.

وقد ظل التكوين البشري لهذه المنطقة من أفريقيا موزعاً بين البربر والزنوج (اُنظر ملحق شرح لبعض الكلمات والمصطلحات التي وردت في البحث)، إلى أن دخل عليه عنصر ثالث، هو القبائل العربية المهاجرة من اليمن وشبه الجزيرة العربية، ومن أهمها قبيلة بني حسان. فاختلطت الدماء البربرية والعربية، وأصبح المجتمع الموريتاني الحالي يتكون من خليط من البربر والعرب والزنوج.

أما القبائل الزنجية، التي انسحبت إلى الجنوب، فقد كونت ثلاث سلالات أساسية هي: الفولاني والسننكي والولوف (Wolof) (اُنظر ملحق شرح لبعض الكلمات والمصطلحات التي وردت في البحث). ترتبط هذه القبائل بأصولها في الدول المجاورة، وخاصة في السنغال. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القبائل تنقسم إلى جماعات، يعيش بعضها في موريتانيا، وبعضها الآخر في السنغال. ونذكر، على سبيل المثال، أن قبائل الولوف تشكل عماد الطائفة الدينية الموريدية، ذات الأهمية الاقتصادية والسياسية الكبيرة في السنغال. وتملك هذه الجماعات أراضي وممتلكات في الدولة الأخرى (موريتانيا)، على الجانب الآخر من النهر. وقد استقرت هذه الأوضاع، بمقتضى اتفاق أبرم بين موريتانيا والسنغال في أكتوبر 1959، لتقنين الواقع الذي تفرضه أوضاع القبائل التي تعيش في منطقة الحدود بين الدولتين. غير أن بعض الكتاب الفرنسيين يرون، على الرغم من هذا الاتفاق، أن السنغاليين كانوا يفضلون دائماً ضم القبائل الزنجية الموريتانية إلى السنغال، حيث تعيش أصول أعراقها، بدلاً من البقاء في موريتانيا كأقليات.

يشكل "البِيضان"، وهم الموريتانيون ذوو الجلد الأبيض من أصل بربري أو عربي، الفئة الاجتماعية التي تتولى أغلب الوظائف، ذات المناصب الحساسة في المجتمع الموريتاني، كما تملك الأراضي الزراعية والماشية والنخيل والنشاط التجاري. وتنقسم هذه الفئة، داخلياً، إلى شريحتين، تتمثل أرفعهما في القبائل العربية التي كانت تدافع عن الإمارات الموريتانية القديمة، وقد ورثت عنها سلالتها هذه المنزلة الاجتماعية المتميزة. أمّا الشريحة التي تليها في السلم الاجتماعي، فهي القبائل البربرية، وتسمى "الزوايا".

أما "السودان"، وهم الموريتانيون ذوو الجلد الأسود، أي الزنوج، فكانوا، بوجه عام، مزارعين في الجنوب أو موالي لدى "البِيضان". وكانت هذه الفئة تمثل عماد الأيدي العاملة في المجتمع (زراعة الأرض، حفر الآبار، رعي الأغنام، الأعمال المنزلية … إلخ). وعندما أُلغي الرق في موريتانيا، أُعتق الموالي وأُطلق عليهم اسم "الحراطين". ويبدو أن وضعهم الاجتماعي الجديد لم يغير من طبيعة نشاطهم إلا قليلاً، فعمل بعضهم في الوظائف الحكومية، وظل أغلبهم يمثل اليد العاملة النشطة في جميع المجالات. وقد يعود ذلك إلى حداثة إلغاء الرق في موريتانيا، وعدم قدرة النصوص القانونية على إحداث التغيرات الاجتماعية المطلوبة، في هذه الفترة الزمنية القصيرة. وجدير بالملاحظة أن "الحراطين" المزارعين ما زالوا يدفعون، حتى الآن، ضريبة إلى بعض العائلات العربية وذلك لصفتها السابقة وباعتبارها كانت مالكة للأراضي الزراعية. كما يذكر أيضاً أن هؤلاء "الحراطين" - على الرغم من أصولهم الزنجية - أصبحوا ينتمون إلى "البِيضان"، اجتماعياً وثقافياً، حتى إنهم صاروا يسمّون أبناءهم بما تسمّي به القبائل العربية البربرية أبناءها، كدليل على انتمائهم إليها.

وربما كان احتفاظ المجتمع الموريتاني الحالي ـ على نحو واضح ـ بالتقسيمات الاجتماعية، القائمـة على أساس عرقي، من العوامل التي أدت إلى تصعيد الأحداث على الحدود، وإبراز الحساسيات العرقية على أنها العامل الرئيسي المتسبب في الأزمة بين الدولتين الإسلاميتين المتجاورتين. وقد اتضح ذلك جلياً في موقف الحكومة السنغالية، التي اتهمت موريتانيا بإساءة معاملة الزنوج الموريتانيين، وتطبيق سياسة التفرقة العنصرية عليهم. 

2. الأسباب السياسية

عانت موريتانيا أوضاعاً وسياسات، أدت إلــى زيادة الحساسية بين الدولتين، ويمكن تحديد أهمها فـي ما يلي:

أ. بدأت موريتانيا، منذ عام 1966، تطبيق سياسة التعريب. وقد أدى ذلك إلى تحويل اللغة الرسمية للبلاد من الفرنسية إلى العربية. كما بدأت محاولات لكتابة اللغات الأفريقية، الخاصة بالأعراق غير العربيـة، بالحرف العربي، بدلاً من الحرف اللاتيني.

ب. خرجت موريتانيا من منطقة الفرنك الفرنسي، ثم انضمت إلى جامعة الدول العربية عام 1973، واستطاعت من خلال المعونات العربية، أن تُصدر عملتها الوطنية.

ج. ظهر التيار القومي العربي المتشدد في موريتانيا، وهو يتركز في جبهتين:

(1) الناصريون أو كما يطلق عليهم أحياناً القذّافيون، وهم الشباب الموريتاني المتأثر بأفكار الرئيسيْن جمال عبد الناصر ومعمّر القذافي.

(2) الجناح الموريتاني لحزب البعث العربي الاشتراكي، التابع لحزب البعث العراقي. ويبدو أن هذا الجناح من أكبر هذه التجمعات تأثيراً في الشباب الموريتاني، ولا سيما أن العراق كان يدعم نشاط هذا الجناح في داخل البلاد. وتلتقي هذه الجماعات في دعوة محددة، هي: إقامة روابط أوثق بين موريتانيا والعالم العربي، والإسراع في سياسة التعريب.

د. تسربت معلومات، في ذاك الوقت، عن إنشاء قاعدة عسكرية عراقية في موريتانيا. وقد واكب ذلك إرسال العراق لمعونات عسكرية ومالية، قيل إنها ساعدت موريتانيا على اشتباكاتها الدموية مع السنغال، في حوادث الحدود المذكورة.

هـ. انضمت موريتانيا إلى عضوية "اتحاد المغرب العربي" مع الدول العربية في شمال أفريقيا (المغرب ـ تونس ـ الجزائر ـ ليبيا)، مما أُكد لدى السنغاليين انتماؤها القومي العربي.

و. أدى تجاور الأنظمة السياسية المختلفة، في السنغال وموريتانيا، إلى خلق ظروف انعكست سلبياً على العلاقات بين الدولتين. فالسنغال كانت ـ ولا تزال ـ دولة مؤسسة على الديموقراطية الليبرالية، والتعدد الحزبي والانفتاح الفكري والإعلامي. بينما كانت موريتانيا، خلال حوادث الحدود، تقوم على نظام عسكري شمولي، يعتمد في إدارة البلاد على اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، التي تمارس السلطتين التنفيذية والتشريعيـة ـ وذلك بعد أن حُلت الجمعية الوطنية وأُلغي الدستور ـ وتسيطر أيضاً على وسائل الإعلام. ومن أهم المشاكل التي تترتب، عادة، على مثل هذا الجوار، استيعاب النظام الأكثر ليبرالية للمعارضة السرية، التي تُنظم ضد النظام الآخر. وهذا ما حدث فعلاً للمعارضة السرية الموريتانية واحتضان السنغال لها، مما زاد من حساسية الدولتيْن، كلٌّ تجاه الأخرى.

أدت هذه العوامل مجتمعة إلى ازدياد قلق الموريتانيين غير المعربين، لأنهم بدأوا يفقدون وظائفهم بسبب جهلهم باللغة العربية، ومن ثمّ امتيازاتهم السياسية والاجتماعية، التي كانت فرنسا تخصهم بها. كما انتقل هذا القلق إلى السنغال، الذي بدأ يخشى من القوة العربية العسكرية المتصاعدة على حدوده الشمالية.

وقد أدى هذا القلق إلى نشوء المعارضة الموريتانيـة بين المواطنين الزنوج، لا سيما المتعلمين منهم. وكانت جبهة فـلام  (FLAM) تمثل، في ذلك الوقت، أهم حركة معارضة. وقد احتضن السنغال هذه المعارضة على المستويين الشعبي والرسمي. فمن ناحية، تعود أصول هذه الجماعات المتمردة إلى القبائل السنغالية، ولذلك كان لها أقارب وأنساب في الدولة المجاورة. ومن ناحية أخرى، كانت الحكومة السنغالية تتعرض، أثناء الانتخابات الرئاسية عام 1988، لأزمة سياسية مع المعارضة، فقدت فيها الحكومة تأثيرها في جزء من الرأي العام السنغالي. فكانت في حاجة إلى قضية تستعيد بها تأثيرها الذي ضعف. وكانت قضية أراضي نهر السنغال، والخلاف الحدودي الذي نشأ عنها، هما الفرصة المنتظرة. فهي قضية ذات جوانب وطنية (استعادة التراب الوطني السنغالي) وقومية (الدفاع عن القوميات الزنجية المظلومة في موريتانيا)، يصعب معها على الرأي العام السنغالي معارضة الحكومة تجاهها. كما ساعد على هذا الاحتواء للمعارضة الموريتانية، المناخ الليبرالي، الذي يسود السنغال، ويسمح بحرية الرأي والتعبير. وهكذا نلاحظ أن المناخ السياسي، أيضاً كان مهيّأً للانفجار بين الدولتين.

3. الأسباب الاقتصادية

أدت موجة الجفاف التي أصابت المنطقة، وقيام مشروعات استصلاح أراضي نهر السنغال، ونزوح أعداد كبيرة من السكان إلى ضفاف النهر، ما ساعد على حدوث الاحتكاكات، فضلاً عن مشكلات السنغال الاقتصادية، وازدياد الديون عليها ـ إلى عجز كبير، حاولت الحكومة السنغالية سده بضم أراضي النهر الواقعة على الجانب الموريتاني لحل الأزمة. حيث إن السنغاليون غالباً ما كانوا يزرعون الأراضي على الجانب الآخر.

أما الموريتانيون فكانت لهم حقوقهم في الجنوب وبعبارة أخرى كانت الحدود سهلة الاختراق والنفاذ فكانوا يندفعون بقطعانهم في الجنوب وتحول عدد من الرعاة إلى الزراعة بسبب جفاف أراضي الرعي، وفي الفترة من 1970حتى 1980، انخفض عدد البدو في موريتانيا من 80% إلى 23% بعد ما استقر عدد كبير منهم في وادي النهر.

وفيما يلي الأسباب الاقتصادية طبقاً للمتغيرات المحلية والدولية المؤثرة على كل من الاقتصاد الموريتاني والسنغالي.

أ. الأسباب الاقتصادية في موريتانيا

كان عماد اقتصاد موريتانيا ـ إلى جانب تربية الماشية والرعي ـ هو استخراج المعادن، وخاصة الحديد. لذلك، لم تكن الحكومات المختلفة، في ذاك الوقت، تهتم كثيراً باستصلاح أراضٍ جديدة للزراعة. غير أن تطورات داخلية ودولية حدثت في موريتانيا، أدت إلى تدهور اقتصاد الدولة. وقد تمثل أهم هذه التطورات في:

(1) تدهور الأسعار العالمية لخام الحديد.

(2) بداية نضوب مناجم الحديد، بسبب كثافة الإنتاج.

(3) موجات الجفاف والتصحر، التي ضربت هذه المنطقة من غرب إفريقيا

نتج من ذلك تغيير في خطة الدولة الاقتصادية، فاتجهت إلى أراضي النهر في جنوب البلاد، وبدأت تهتم بتكثيف الزراعة في هذه المنطقة، كمخرج لها من أزمتها الاقتصادية.

ب. الأسباب الاقتصادية في السنغال

من ناحية أخرى، كان عماد اقتصاد السنغال، هو زراعة الفول السوداني، ثم تصديره إلى فرنسا. وقد أدى بعض التطورات، المحلية والدولية، إلى تدهور الناتج القومي المعتمد، أساساً، على هذا النشاط الاقتصادي، وتمثلت هذه التطورات في الآتي:

(1) انخفاض الأسعار العالمية للفول السوداني.

(2) تدهور التربة في حوض الفول السوداني، نتيجة زراعة المحصول الواحد.

(3) التصحر الذي أصاب المنطقة.

أدت هذه الظروف الجديدة إلى تغيير في السياسة الزراعية للسنغال، فاتجهت إلى زراعة المحاصيل الغذائية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير، مما جعلها تعطي أهمية قصوى لاستصلاح أراضي النهر. فعقدت السنغال وموريتانيا ومالي اتفاقية لاستثمار مياه نهر السنغال، في عام 1974، في إطار منظمة ثلاثية، سميت "منظمة استثمار نهر السنغال OMVS". (اُنظر جدول المعاهدات الخاصة بموضوع النزاع بين موريتانيا والسنغال) وبمقتضى الاتفاقية، أنشأت المنظمة سدّين على النهر هما: "ماننتالي" و "دياما"، مما سمح باستصلاح 350000 هكتار من الأراضي، إضافة إلى التقليل من ملوحة المياه وتوليد الكهرباء. وقد انتهت، بالفعل، الأعمال الإنشائية على النهر. وتحولت المستنقعات في هذه المنطقة إلى أراضٍ زراعية خصبة.

هكذا، نلاحظ أن تكالباً حدث، على مستوى السياسات الحكومية، على هذه المنطقة. يواكبه تكالب آخر على المنطقة نفسها، ولكنه، في هذه المرة، على المستوى الشعبي. بمعنى اندفاع الأفراد والشركات الخاصة إلى هذه المنطقة، سعياً وراء استثمار أموالهم في المشاريع الزراعية، مما أدى إلى نوعين من الصراع:

أ. صراع رأسي، ويعني الصراع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، في الدولتين، حيث تسابقت الشركات والأفراد القادرون مالياً إلى استثمار أموالهم في منطقة النهر، مما أدى إلى مزاحمة الفلاحين، الذين يعيشون على الزراعة في هذه المنطقة منذ زمن بعيد.

ب. صراع أفقي، ويعني الصراع بين الأعراق المختلفة، التي تعيش في الدولتين:

(1) بين الفلاحين والزراع الزنوج - سواء كانوا موريتانيين أو سنغاليين - من جهة، والموريتانيين العرب "البِيضان"، الذين أتوا حديثاً بأموالهم يستثمرونها في الزراعة، ويزاحمون بها الفلاحين الزنوج، من جهة أخرى.

(2) بين الرعاة الموريتانيين العرب، الذين يأتون إلى هذه المناطق الزراعية ويطلقون ماشيتهم لترعى في حقول الفلاحين الزنوج.

وبذلك، أخـذ الصراع شكله العرقي، وإنْ كان جوهره وواقعه اقتصادياً. وهكذا نلاحظ أنه ـ على المستوى الاقتصادي ـ كان الوضع في الدولتين، وخاصة في أراضي النهر، مهيّأً للانفجار.

4. توتر العلاقات بين الحكومتين السنغالية والموريتانية، بسبب التعارض بين المزارعين والرعاة.

تشكو الحكومة السنغالية من عدم تطبيق موريتانيا للاتفاق الذي عقد بين الدولتين، في 23 أبريل 1981، (اُنظر جدول المعاهدات الخاصة بموضوع النزاع بين موريتانيا والسنغال) لتنظيم حركة رعي الانتجاع بين البلدين عن طريق تحديد عدد رؤوس المواشي ومناطق ترحلها وتحركها وعدد المعابر التي بها والشروط الصحية. وأمام تدهور الغطاء النباتي في "الفدلو" أصدرت الحكومة السنغالية مرسوماً في 11 مارس 1986 بالتدابير التي تنوي اتخاذها في حالة خروج المواشي خارج المناطق المسموح بها. وقد تناول الاجتماع الذي عقد بين وزيري داخلية البلدين في نواكشوط في 18 يونيه 1988، ـ في محاولة منهما للتصدي للتوتر المتصاعد بين البلدين والناتج في جزء منه عن الحزازات بين الرعاة والمزارعين ـ الإجراءات الواجب اتخاذها بالحجز على المواشي المخالفة لقواعد التنظيم المذكور. ولقد أقدمت حكومة داكار لأول مرة على تطبيق هذه التدابير في 28 نوفمبر 1988، بحجزها على عدد من الجمال الموريتانية، وطرد الباقي إلى موريتانيا بعد أن تبين لها ـ حسب ما أعلنته ـ أن عددها بلغ 17 ألف رأس بدلاً من العدد المحدد، وهو 6 آلاف، وأنها تتجول في الجنوب وخارج المعابر المحددة لها. وقد اعتبر الرعاة هذا الإجراء تعسفاً يتناقض مع ما درجوا عليه حيث لا فارق بين إقليم نهر السنغال والفرولو، وهما يكونان في نظرهم منطقة واحدة متكاملة للانتجاع. كما عَدّته الحكومة الموريتانية خرقاً للاتفاقيات الثنائية وأنه اُتخذ من دون سابق إنذار، وهو ما تنفيه الحكومة السنغالية التي تؤكد أنها حذرت مراراً السلطات الموريتانية بأنها ستضطر لتطبيق قواعد تنظيم رعي الانتجاع بأراضيها، وهي قواعد لم تحظ بأدنى اعتبار من جانب الرعاة الموريتانيين.

ثانياً: التعارض بين الزراعة والرعي

1. التعارض المألوف بين الزراعة والرعي

يكمن الاحتكاك بين السنغال وموريتانيا في طبيعة الرعي من النوع التقليدي شبه البدوي المترحل القائم على انتجاع قطعان مواشي الرعاة الموريتانيين من مور وبول في الأراضي السنغالية بعد عبورها النهر. وهذه ظاهرة قديمة تشكل أحد معالم الصورة العامة لإقليم نهر السنغال وركناً من أركان التواصل الاقتصادي بين ضفتيه[1]، ذلك لأن هذا النوع من الرعي غير المستقر في مكان محدد يؤدي إلى تنافس وتزاحم المزارعين والرعاة على نفس الأرض لاستغلالها في أغراض مختلفة: لفلاحتها واستزراعها لسد احتياجاتهم الغذائية بالنسبة للمزارعين أو لتحويلها إلى مراعي لمواشيهم بالنسبة للرعاة. فضلاً عن أنه من طبيعة رعي الانتجاع أن تتولاه أجناس أو شعوب معينة تختلف في أصلها وطريقة حياتها ولغتها وثقافتها عن تلك التي تتخصص في العمل الزراعي. ففي حين ينتمي المزارعون في منطقة الساحل، التي تقع فيها كل من موريتانيا والسنغال، إلى أعراق التوكولور والسراخولية والولوف والبامبارا، يندرج الرعاة في أجناس المور والبول والطوارق.

ولذلك، يعد التناقض في المصالح بين فئتي المزارعين والرعاة من السمات المألوفة للحياة الاقتصادية لسكان إقليم نهر السنغال، سواء بين رعايا السنغال وموريتانيا أو بين نفس رعايا الدولة الواحدة، بل إنه من معالم الحياة بصفة أشمل في منطقة الساحل برمتها حيث تنتشر ظاهرة رعي الانتجاع.

ومع ذلك، فإن التعايش بين رعي الانتجاع والزراعة المستقرة بكل ما يتضمنه من حزازات يصعب تفاديها ـ ليس بالأمر المستحيل بل إنه يمثل تركيباً قائماً فعلاً يضمن التكامل بين النشاطين الزراعي والرعوي، وقد درجت شعوب المنطقة على تقاليد الاقتسام الزمني لاستغلال الأرض بين الزراعة والرعي بحيث يسمح الفلاحون بمرور القطعان في معابر محددة عرفاً في الأوقات التي لا تضر بالعمل الزراعي، ولا يخلو هذا النظام من الفوائد إذ ثبت أن المواشي توفر سماداً طبيعياً يحافظ على خصوبة التربة، كما أن تحركها في الظروف الطبيعية لا يهدد الغطاء النباتي الأخضر، ويساعد على تجديده.

2. التعارض الجديد بين الزراعة والرعي (مشروع النهر والرعي التقليدي)

غير أن صعوبة تحقيق التوازن الدقيق بين النشاطين زادت بشكل محسوس من جراء عاملين مستجدين ومرتبطين، وهو الأمر الذي يفسر تصاعد وتفاقم المنازعات التي تقع بين الرعاة والمزارعين في منطقة الساحل في السنوات الأخيرة على نحو استرعى نظر المراقبين، بحيث لم تعد هذه المصادمات اليوم مجرد استمراراً لأحداث الأمس. ويتمثل هذان العاملان في التحولات الجوية التي شهدتها منطقة الساحل منذ نهاية الستينيات والتي لازمتها موجات متلاحقة من الجفاف ومن المد الصحراوي المطرد، مما أدى إلى تكثيف حركة نزوح الرعاة من الشمال، حيث تقل أو تنعدم الأمطار، إلى الجنوب حيث تكثر نسبياً بحثاً عن الماء والكلأ لقطعانهم. ولقد حدثت هذه الظاهرة داخل أراضي موريتانيا نفسها، ثم امتدت عبر النهر بالأراضي السنغالية. ومن نتيجة هذا النزوح المتكاثف نحو الأراضي الزراعية أن يزداد مع الوقت عدد المواشي عما يتحمله التجدد الطبيعي للغطاء النباتي. وعندئذ يصبح رعي الانتجاع التقليدي الطليق وغير المنظم عاملاً يسهم بدوره في توسيع نطاق الزحف الصحراوي كما تزداد آثاره الضارة بالزراعة.

أما العامل الثاني، فهو الاتجاه الراهن الثابت للتوسع في الزراعة النهرية في كل بلاد المنطقة بما في ذلك السنغال وموريتانيا والتركيز فيها بدلاً من الزراعة اعتماداً على الأمطار، وذلك كرد فعل طبيعي لظاهرة الجفاف المتزايد المرتبطة بتناقص كمية الأمطار في المدى الطويل، ومن شأن هذا النوع من الزراعة أن يصعب تحقيق الموازنة المثلى المطلوبة بين المتطلبات المتباينة للرعي والزراعة. فليست صدفة أن تتركز معظم المنازعات الواقعة بين الرعاة والمزارعين، في السنوات الأخيرة، في الأراضي التي تزرع عن طريق الري. ويزداد عدم تناسب هذا النوع من الزراعة مع رعي الانتجاع التقليدي عندما تبلغ الزراعة النهرية صورتها القصوى المتمثلة في التحكم الكامل في مياه الأنهار عن طريق السدود الكبرى، كما هو الحال فعلا مع مشروع استغلال نهر السنغال، ولا سيما إذا كانت الأراضي المروية أو معظمها تخصص لإنتاج غلة كالأرز الذي يتطلب تهيئة كاملة للأرض، كما هو الحال أيضاً بالنسبة لهذا المشروع بالذات، إذ في هذه الحالة تغطى الأرض بشبكات مترامية متفرعة من قنوات الري والصرف وبالآلات الزراعية والطلمبات. كما يتم تقسيمها بين مساحات متميزة منفصلة عن بعضها بسياجات مما يحول دون ترك المواشي طليقه بالأراضي لما قد تسببه حركتها من إتلاف لهذه الإنشاءات والتجهيزات المكلفة.

أثر هذا التغيير في نوعية الزراعة تأثيراً مباشراً على الرعي التقليدي، ليس فقط بالنسبة للرعاة الموريتانيين من بول و مور قادمين من الضفة اليمنى، بل لرعاة الانتجاع السنغاليين أنفسهم من البول. ولذلك زادت المنازعات بينهم وبين المزارعين في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. وهي ظاهرة تخص في المقام الأول الرعاة الذين يتنقلون في الأراضي المحاذية للنهر (أراضي والو)، إذ إن أعمال الاستصلاح تحول دون استمرار تحرك قطعانهم فيها وارتوائها من مياه النهر، مع ما لهذه الأراضي من أهمية خاصة بالنسبة لحركة الرعاة في الموسم، الذي لا تسقط فيه الأمطار. ولذلك اضطر هؤلاء الرعاة للاختيار بين ثلاثة:

فإما النزوح جنوباً إلى بحيرة (جيرس) (GUIERS)، مما أدى في حالات كثيرة إلى وقوع الاحتكاكات بينهم وبين المزارعين الولوف هناك.

وإما البقاء في أراضي (والو) والمطالبة بحقهم في الحصول على حيازات من الأرض لتأكيد حضورهم فيها ومحاولة الجمع بين الزراعة والرعي.

وإما التحول إلى يد عاملة أجيرة بمزارع الشركات الصناعية الزراعية كما يحدث بجنوب بلدة ريتشارد تول Richard Toll.

تتمثل المحصلة النهائية لهذه الاتجاهات في أن الجانب السنغالي لإقليم نهر السنغال لم يعد صالحاً لرعي الانتجاع مثلما الحال على جانبه الموريتاني. ولوحظ أن جزءاً كبيراً من القطعان انتقلت ملكيتها، منذ جفاف عام 1973، من يد رعاة إقليم النهر المترحلين من البول إلى رعاه مستقرين بالإقليم من الولوف والتوكولور أو غيرهم من المناطق السنغالية الأخرى ومن سكان الحضر، فازداد إحساس البول بالضياع وبأنهم ليسوا موضع اهتمام السلطات. ويضطر هؤلاء الرعاة من السنغاليين والموريتانيين، في حالة استقرار نيتهم على التمسك بالرعي، إلى النزول جنوباً إلى منطقة الفرلوFerlo  ، حيث الأعشاب والآبار، مما أدى مع مرور الوقت منذ عام 1982 إلى الضغط بشكل خطير على غطائها النباتي على نحو يهدد تجدده الطبيعي. وارتفعت نسبة الأراضي الجرداء في هذه المنطقة الشديدة الخضرة، سابقاً، لتبلغ 66%، واستمر نزول الرعاة جنوبا متجاوزين الفرلو إلى مسافات أبعد داخل السنغال نحو مدن كاولاك Kaou lack و"تييس" Thies ، بل و "تامباكوندا" Tambacounda بوسطه.

أزمة الرعي

وهكذا يتضح مما تقدم أن التطور العام يتجه إلى تأزيم العلاقة بين النشاطين الزراعي والرعوي بشكل عميق ومزمن مما يتشكك معه في إمكانية استمرار الرعي التقليدي الأفقي في ظل الظروف المستجدة. والنتيجة التي تُستخلص هي أنه لا مكان للرعي التقليدي شبه البدوي في إطار مشروع استغلال نهر السنغال. وعلى الرعي لكي يبقى أن يتحول إلى رعي من نوع آخر، فإما أن يصير رعياً منزلياً يتولاه المزارعون بأنفسهم، من قبيل النشاط الثانوي إلى جانب مهنتهم الأساسية وقد ظهرت بوادره فعلا، وإما أن يصبح رعياً مستقراً حديثاً في إطار مزارع حيوانية كبيرة لصناعات غذائية ومنتجات الألبان تشترك فيها رؤوس أموال أجنبية وقد ظهرت بوادره أيضاً بالسنغال. مع العلم بأنه لا يوجد حقيقة إستراتيجية معدة لمواجهة هذه المشكلة، الاقتصادية والاجتماعية، الخطيرة، وهو غياب ناتج إلى حد كبير من الأولوية الزائدة التي آلت إلى الزراعة وحدها من جانب الدول المعنية والجهات المانحة والمنظمات الدولية، على الرغم من التوصيات التي تصدرها دورياً الندوات والاجتماعات المتخصصة العديدة وانشغال الخبراء بهذا الموضوع الشائك. ففي السنغال كثيرا ما أعلن منذ 1966 عن أهمية ربط تنمية الزراعة بتنمية الرعي ولكن ظل هذا الهدف حتى الآن مجرد شعار، وباءت التجارب المحدودة التي حاولت الاقتراب منه بالفشل، ولا توجد حتى اندلاع الأزمة السنغالية الموريتانية، سياسة بمعنى الكلمة لدى (السائد) السنغالية أو (السونادير) الموريتانية لمشكلة الرعي.

وبهذا الشكل يتبين أن المشكلة هي أزمة الرعي التقليدي القائم على أسلوب التوسع الأفقي حتى الآن، والذي به تم تحقيق اندماج بلدان الساحل في النظام الاقتصادي العالمي القائم، لأنه الأسلوب الأرخص تكلفة فهو لا يتطلب استثمارات إذ يتم في إطاره إطعام المواشي مجاناً باللجوء إلى ما توفره الطبيعة. ويتسنى الحصول على المنتجات المطلوبة من لحوم وألبان بما يتمشى وقواعد الربحية التي يضعها المركز المتقدم لهذا النظام ولو على حساب إهدار البيئة المحيطة بشعوب المنطقة، وتبديد الأراضي وغطائها النباتي، على المدى الطويل. ومع أن الحل يكمن علمياً في التوسع الرأسي لكل من الزراعة والرعي معاً يشترك فيه الرعاة كشركاء كاملين مع المزارعين، فالملاحظ هو عدم تبلور الإستراتيجية البديلة على الصعيدين العالمي والإقليمي، وإنما تركت مشكلة الرعي التقليدي تتفاقم إلى حد الانفجار، وذلك للاستفادة القصوى منه لأن الصيغة البديلة القائمة على إطعام المواشي بالعلف الصناعي أو المتأتي من مخلفات الإنتاج الزراعي مكلفة للغاية لدرجة يتشكك الخبراء معها في إمكانية تحملها بواسطة أن شركات الصناعات الغذائية الكبرى.

وإذا كان الأمر كذلك على صعيد المحددات التي تتعلق بالبنية الأساسية الاقتصادية الشاملة لمنطقة الساحل بأسرها، فلا عجب إذن أن يشكل التناقض بين الرعاة والمزارعين مصدراً للتوتر المتزايد بين السنغال وموريتانيا على نحو يخرجه من صورة التعارض المألوف والمعروف حتى الآن بين هذين النشاطين. ولعل هذا التنافس يعكس اليوم بلوغ المنطقة عتبة مرحلة جديدة من انهيار ظروفها البيئية نتيجة لتزايد الجفاف، واتساع رقعة الصحراء بسبب تضافر عوامل طبيعية وبشرية في اتجاه طويل الأمد من التدهور المتصل. وذلك، منذ تلاشي المياه والخضرة والحياة من هذه المساحات الشاسعة القاحلة، التي أطلق عليها "الصحراء الكبرى" وكان إتجاهاً يدفع دائماً بالشعوب المختلفة للتزاحم والتصادم في صراع مرير أزلي من أجل البقاء.

 

 



[1] خصوصية ترجع إلى انتشار `النظام العقاري التقليدي`، أي إلى عدم السيادة الرأسمالية في المجال العقاري، على عكس الوضع في بلدان أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، مثلاً. ومن الجدير بالذكر، أن التجديد التشريعي، في كلًّ من الكاميرون والتوجو والكونجو، هو مماثل للتجديد السنغالي. أما في ساحل العاج، فلم يصدر فيها قانون للأرض؛ وإنما قامت الممارسة على أساس المبدأ، القاضي بأن الأرض لمن يستغلها، بغض النظر عن الحقوق العرفية