إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



التمهيد

التمهيد

الأهمية الجيوبوليتكية لجنوب السودان

يعرف العلم الجيوبولتيكي بأنه ذلك العلم الذي يبحث في درجة اعتماد الأحداث والتطورات السياسية على المجال الأرضي، ويضع أسس بناء قوى للدولة التي يقوم عليها فن العمل السياسي لتأمين مصالح الدولة الحيوية، وأن المجال الحيوي هو تلك المساحة الجغرافية ذات القيمة السياسية أو الاقتصادية أو الإستراتيجية أو المعنوية التي قد تكون سهولا أو أنهارا أو مناطق ساحلية أو مضايق بحرية أو مناطق غنية بثراوتها ومواردها الطبيعية. ويُعنى علم الجيوبولتيك بوضع سياسة واقعية للدولة على ضوء الحقائق الجغرافية ومجرى العلاقات الدولية, تهدف إلى الدولة القومية وهو لا ينظر إلى الدولة في أطار حدود ثابتة، ولكن ينظر إليها كيانا سياسيا واجتماعيا وثقافيا و تكنولوجيا وعسكريا قابلاً للتمدد والانكماش، أي قابلاً للتغيير طبقا لنمو وقدرات هذا الكيان.

يقع السودان في الجزء الشمالي الشرقي من قارة إفريقيا، وهو أكبر أقطارها مساحة، إذ تبلغ مساحته (2505810) كم2، ويقع بين خطي عرض (3,5 ، 22) درجة شمالاً، وخطي طول(22 ، 38) درجة، وتحده تسع دول جوار، هي من الشمال جمهورية مصر العربية بحدود يبلغ طولها (1273) كم، ومن الشمال الغربي ليبيا بحدود طولها (383) كم وفي اتجاه الغرب تشاد بحدود طولها (1360) كم وفي اتجاه الشرق أريتريا بحدود طولها (605) كم، وأثيوبيا بطول (1606) كم، أما الحدود الجنوبية فمع كل من كينيا بحدود يبلغ طولها (232) كم، وأوغندا بحدود طولها (435) كم، ومع الكونغو الديمقراطية بحدود طولها (628) كم، ومجمل طول الحدود يبلغ (7687) كم. (أُنظر خريطة الموقع الجغرافي)

تتعدد الأقاليم المناخية في السودان ، وتتدرج من الجنوب للشمال من الإقليم الاستوائي إلى السافانا الغنية ثم الفقيرة، وشبه الصحراوي، ثم الصحراوي في أقصى الشمال. وأهم ملامح تضاريسه السهول المنبسطة في معظم أرجائه، كما توجد القليل من الجبال والمرتفعات على ساحل البحر الأحمر في الشرق، وجبل "مرة" في الغرب، وجبال النوبة في الوسط، وجبال الأماتونج في الجنوب الشرقي.

يتميز السودان بموقع إستراتيجي مهم، نتيجة لإطلالته على البحر الأحمر، ذلك الممر المائي الحيوي ذو الأهمية الإستراتيجية، عالمياً وإقليمياً. فضلاً عن أن السودان يقع في منطقة القرن الأفريقي، تلك المنطقة ذات الأهمية الجيوبولوتيكية، وهي في الوقت نفسه إحدى مناطق الغليان في العالم، إذ تشمل مناطق البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، التي تعجّ بالاضطرابات والحروب الأهلية.

تتوسط دولة السودان بموقعها حوض النيل ، ويبلغ أقصي امتداد من الشمال إلى الجنوب للسودان حوالي (2250) كم ، بينما يصل أقصي امتداد عرض لها إلى حوالي (1730) كم، وطول سواحل السودان البحرية (725) كم على البحر الأحمر شرقا، ما يجعل الإقليم الجنوبي من السودان بعيداً عن منافذ السودان البحرية، وهذا ما يسهل توجهه نحو شرق إفريقيا.

كما يُشكل السودان أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى مصر، لأن نهر النيل يمر عَبَرَ أراضيه، والمشروعات الإستراتيجية، المطلوب إقامتها لزيادة حصة مصر من المياه، للتغلب على المتسرب من مياه النيل، تقع على الأراضي السودانية، خاصة في جنوب السودان.

عانى السودان منذ استقلاله اضطرابات ومشاكل في جزئه الجنوبي. ومرجع ذلك إلى عوامل خلّفها الاستعمار، إضافة إلى أن جنوب السودان لم ينل دائماً الرعاية الكافية من الحكومة المركزية في الشمال. ومرّت مشكلة الجنوب بمراحل عديدة، منها فترات توتر واشتباكات مسلحة، وفترات محاولات للحل السلمي، ولكنها لم تتوصل إلى حل ناجح حتى اليوم.

كذلك ارتبطت المشكلة بتوجهات الحكومات المتعاقبة على السودان، الذي عانى من كثرة الانقلابات، واستيلاء العسكريين على السلطة، واختلاف وجهات نظر كل حكومة تجاه مشكلة الجنوب، طبقاً لتوجهها السياسي.

ولم يقتصر التدخل في المشكلة على دول الجوار الجغرافي للسودان، بل تعداه إلى دول أخرى، مثل إيران، وإسرائيل، والقوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى لإسقاط نظام الحكم في السودان. وجميع هذه الأطراف تعمل على إثارة الاضطرابات لنظام الحكم القائم، من خلال التدخل في مشكلة الجنوب.

ولاشك أن استمرار الاضطرابات والحرب في جنوب السودان، وبقاء المشكلة من دون حل، سوف يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، واستنزاف الموارد الاقتصادية للدولة، وتمزق عرى الوحدة الوطنية.

ومع تفاقم المشكلة، فإن منطقة القرن الأفريقي، بما حوته من مشاكل مختلفة، ستعاني من زيادة المشاكل والاضطرابات، بما يهدد أمن المنطقة كلها.

أولاً: الموقع الجغرافي

ينقسم السودان إلى ثلاثة أقاليم جغرافية هي:

1. السودان الشمالي: ويبدأ من خط 22 شمالاً حتى خط 19 شمالاً، أي بين وادي حلفا ً شمالا والخرطوم جنوباً، وهو إقليم صحراوي في جملته، باستثناء إقليم مرتفعات البحر الأحمر، وهو يضم مديريات البحر الأحمر والنيل والمديرية الشمالية والجزء الشمالي من مديرية شمال دارفور.

2. السودان الأوسط: ويمتد بين خطي عرض (19 ، 10) شمالاً أي ما بين الخرطوم وشمال مصب نهر السوباط، ويضم بين ثناياه أربعة أقاليم متباينة هي (إقليم السهول الوسطي في الشرق وإقليم الأستبس في الشمال والنوبة ودارفور الجنوبية في الجنوب، كما أنه يشتمل علي مديريات كسلا والخرطوم والجزيرة والنيل الأزرق والنيل الأبيض وأعالي النيل وشمال كردفان وجنوبها ومديرية جنوب دارفور ومعظم مديرية شمال دارفور.

3. السودان الجنوبي: ويمتد من خط عرض (10) شمالاً حتى خط عرض(3.5) شمال خط الاستواء، ويضم إقليمين هما إقليم الهضاب الجنوبية الغربية والأقاليم الاستوائية الشرقية والأقاليم الغربية.

بدأت حدود السودان الجنوبية تأخذ شكلها الحالي، في أواخر عام 1913 وأوائل عام 1914، بعد أن ضُمّ أجزاء من جنوب السودان، حيث أوطان المادي واللوجباري، إلى أوغندا، بينما ضُمّت أراضي البارى واللاتوكا إلى السودان، لأن الضفة اليمنى لنهر النيل، حتى خط العرض خمسة، كانت تدار من أوغندا بمراكزها في "غندكرو، نيمولي".

أمّا في شرق النهر فهو يتبع التضاريس الطبيعية في المنطقة ليشمل السودان كل جبال "الإيماتونج، والدونجوتانا، والديدنجا"، ولكنه في أقصى الشرق يتحول إلى خط فلكي بحت[1]. ويترك الخط هنا جزءاً من القبائل التي تعيش في المنطقة داخل السودان والباقي خارجه، مثل قبيلة الاتشولي الذين يسكن معظمهم أوغندا. كما تتحرك قبيلة التركانا في كينيا نحو الجزء الجنوبي الشرقي للمنطقة، ووافقت حكومة السودان عام 1931، (بريطانيا في ذلك الوقت)، على ذلك، وتعرف هذه المنطقة باسم مثلث الليمي "Illemi Triangle".

أمّا الحدود الغربية للسودان، مع تشاد وأفريقيا الوسطى، فقد جرى ترسيمها بالاتفاق بين بريطانيا وفرنسا، في اتفاقية مارس 1899، التي جعلت مقسم[2] المياه بين النيل والكونغو حدوداً بين مناطق النفوذ الفرنسية والإنجليزية. والحد الشمالي الغربي للسودان حد فلكي، لا يرتبط بأي ظاهرة بشرية أو طبيعية ولا تُلقي إليه القبائل اهتماماً، شأنه في ذلك شأن الحدود الجنوبية والشرقية. وقد تم الاتفاق على تعيين الحدود الجنوبية الغربية للسودان في أكثر من مرحلة، بين بريطانيا وبلجيكا.

1. المرحلة الأولى

تمت باتفاق مايو 1894، وفيه اتفق الطرفان على أن تؤجر بريطانيا لملك بلجيكا، "ليوبولد الثاني"، مديرية بحر الغزال بأكملها تقريباً، والجزء الشمالي من هذه المديرية. وكانت فترة هذا التأجير موقوتة بمدة حكم ليبولد، وذلك مقابل أن تؤجّر بلجيكا لإنجلترا شريطاً من الأرض، يمتد ما بين بحيرتي تنجانيقا ونياسا.

2. المرحلة الثانية

تمت بعد مفاوضات عديدة انتهت بتوقيع اتفاقية مايو 1906، وبمقتضاها أعطى الملك "ليوبولد الثاني" المنطقة، التي يطلق عليها "Lado Enclave"، وهي المنطقة الممتدة غرب النيل من جنوب بلدة مهاجى، على بحيرة البرت إلى الخط 30 و5 ْ شمالاً، وإلى خط 30 ْ شرقاً وخط تقسيم المياه بين النيل والكنغو غرباً. وعقب وفاة الملك ليوبولد أعيدت المنطقة إلى السودان عام 1910، غير أنها لم تعد بأكملها، فقد اقتطعت بريطانيا الجزء الجنوبي من اللادو عام 1914، وضُم إلى أملاك بريطانيا في أوغندا، مقابل ضم مركزي "غندكرو، ومنيوت" إلى السودان.

ولا تُعَدّ الحدود الجنوبية للسودان حدوداً إثنولوجية Ethnology (أي عرقية)[3]، فهي، وإن تكن تتبع خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو في غرب النيل، إلاّ أنها تقسم القبائل بين السودان وجيرانه. وسبب ذلك أنّ تضاريس المنطقة الهضبية تشجع على الاستقرار، أكثر من السهول التي تفيض عليها المياه، وتغرقها جزءاً من العام. ولذا، فإن الخط يقسم بالتساوي، تقريباً، قبائل: الباكا، والكاكو، والافوكايا، والمندو، بين السودان والكنغو.

عَدّت بريطانيا خط عرض 10 ْ شمالاً، هو الخط الفاصل بين السودان الشمالي والسودان الجنوبي، وهو لا يُعَدّ خطاً فاصلاً بالمعنى الصحيح، لأنه لا يصلح أن يكون فاصلاً طبيعياً أو بشرياً. فالقبائل العربية تعيش إلى الجنوب من هذا الخط، ويمكن القول إنّ العناصر القوقازية تغلب في شمال هذا الخط، والزنجية تقع إلى الجنوب منه. ويحدث أيضاً هذا التمازج والاختلاط بين الثقافات المختلفة. وأصبح لهذا الخط صفة حكومية رسمية في فترة الاحتلال، وصارت له اعتبارات تتصل بالسياسة، التي تتبعها الحكومة نحو الجنوب والشمال. ومن أهم عناصر تلك السياسة الحرص على عدم تسرب الثقافة العربية والإسلامية نحو الجنوب، وإحلال المسيحية واللغة الإنجليزية محلها. ويتضح اتجاه هذه السياسة من تصريح "مستر روبرتسون"، السكرتير الإداري لحكومة السودان، إذ قال: "إن سياستنا ترمى إلى إقامة حكم ذاتي محلى في الجنوب، منفصل ومستقل عن الشمال".

وبذا نجد أن إقليم جنوب السودان يقع جغرافيا بين خطي عرض 30 َ 3 ْ، 10 ْ شمالاً، وهو موقع حبيس مغلق، أي ليس له إطلالة بحرية. وهو يتوسط القارة الأفريقية، وتبلغ مساحته 250 ألف كم2، أي حوالي ربع المساحة الكلية للسودان.

ثانياً: جغرافية الإقليم الجنوبي

يقع إقليم جنوب السودان داخل المنطقة المدارية، حيث تسقط الأمطار خلال الفترة من فبراير حتى نوفمبر، وتبلغ أقصاها خلال شهر أغسطس. ويختلف معدل سقوط الأمطار وتوزيعها من عام لآخر. ومناخه حار شمالاً، مداري في وسطه، استوائي في جنوبه.

ويمر في وسط الإقليم النيل الأبيض، ويطلق عليه بحر الجبل. وتوجد غربه هضبة غرب الجبل، تتخللها بعض الجبال. ويوجد جنوب ملكال مستنقعات كبيرة تعوق سير الملاحة. كما تعوق مجارى الأنهار الممتدة بالإقليم، الكثير من السدود الناتجة من كثرة الأعشاب الموجودة في مجارى تلك الأنهار (اُنظر خريطة الموقع الجغرافي).

ويضم جنوب السودان في جملته مساحات متسعة، يغلب عليها السهولة في السطح. وتشمل أحواض أنهار الغزال، والسّوباط الأدنى، وحوض بحر الجبل. وتكثر في الأطراف الجنوبية التلال والجبال، مثل جبل الايماتونج شرق النيل، على حدود السودان مع أوغندا، حيث تظهر أعلى قمة في السودان (3187 م)، والمناطق الجبلية في الشرق. وفي الوسط حوض سهلي منبسط يقل فيه الانحدار، فيضعف تيار النهر وتعترضه السدود النباتية.

ثالثاً: المناخ وتأثيره على الطبيعة الجغرافية لجنوب السودان

جنوب السودان أكثر مناطق السودان مطراً، وأقربها لإقليم السافانا. ويمكن القول إنّ أعالي بحر الجبل والغزال تمثلان منطقة دون استوائية، إذ يتميز فصل المطر بطوله، وله قمتان في يونيه وسبتمبر. وسجلت الأرصاد الجوية في جنوب السودان قدراً من المطر وصل أحياناً إلى 150 سم في المناطق الجبلية. والمظهر النباتي السائد في الإقليم هو حشائش السافانا بأنواعها المختلفة. أما الغابات، التي توجد في أقصى الجنوب فلا تقارن بالغابات الاستوائية، نظراً لوجود فصل الجفاف. وإن ظهرت الغابات فعلى هيئة أشجار تتخللها حشائش السافانا في الجزء الجنوبي من السودان، كما تظهر غابات الأبهاء على طول المجارى العليا لروافد بحر الغزال، وأهم أشجارها الماهوجنى والأبنوس والتك (اُنظر خريطة تضاريس السودان).

غير أن ارتفاع جبال الإيماتونج، أتاح لها فرصة نمو أنواع من أشجار الجهات المعتدلة ذات الأخشاب اللينة.

رابعاً: الأقاليم الجغرافية

1. إقليم أعالي النيل

يقع هذا الإقليم في المنطقة، التي يلتقي فيها شمال السودان وجنوبه، وتجرى فيه روافد بحر الغزال وبحر الجبل ونهر السّوباط.

ونظراً إلى أن إثيوبيا تحد الإقليم من الشرق، فإن الهضبة الإثيوبية، التي تنحدر في اتجاه الغرب، تؤثر مباشرة على سهول أعالي النيل وجونقلي، حيث تندفع الأنهار والبحيرات العديدة في اتجاه الغرب، لتُغذي النيل الأبيض. وأهم هذه الأنهار نهر السّوباط.

ويمتد موسم الأمطار على نهر السّوباط في منابعه العليا، لمدة خمسة أشهر في السنة، من يوليه حتى أكتوبر. لكن مياه الأمطار تنتشر وتتبدد في السهول، مكونة منطقة هائلة من المستنقعات. وتبلغ مساحة حوض نهر السّوباط حوالي 224 ألف كم2. ويتكون نهر السّوباط نتيجة لالتقاء رافدين، الأول هو نهر بيبور، وتقع أهم منابعه بالغرب من بحيرة رودلف، والثاني نهر بارو (BARO)، الذي ينبع من جنوب هضبة الحبشة، وهو أول رافد يغذي نهر النيل، ويحمل إليه طمي الحبشة حتى شهر ديسمبر من كل عام.

ويبلغ طول نهر السّوباط من منطقة التقاء النهرين إلى النيل الأبيض، حوالي 347 كم، ومعظم جسور النهر وروافده منخفضة. ويُمد نهر السّوباط نهر النيل بنحو 13.3 مليار متر3 سنوياً، وهي تمثل حـوالي 14% من الإيراد الكلـي للنيل، يسهم منها نهر "باور" بحـوالي 9.7 مليار م3 (72% من إيراد نهر السّوباط).

ويأتي فيضان السّوباط بعد شهرين من فيضان النيل الأزرق، مما يساعد على عدم انخفاض مناسيب نهر النيل بسرعة، عقب انتهاء فيضان النيل الأزرق. وأخطر مناطق المستنقعات على نهر السّوباط هي مستنقعات "مشار"، حيث يفقد نهر البارو حوالي 4 مليار متر3 سنوياً. وقد اكتشف النفط في هذا الإقليم، في منطقتي بانتيو وخور عداد في أوائل الثمانينيات، إضافة إلى وجود مشروع قناة جونقلي ضمن هذا الإقليم.

2. إقليم بحر الغزال

تبلغ مساحة هذا الإقليم حوالي 180 ألف كم2، بين دائرتي عرض 30 ْ : 14 ْ شمالاً، وخطى طول 22 ْ : 30 ْ شرقاً. ومع أن بحر الجبل وروافده وما يتصل به من خيران، تجري في هذا الإقليم، إلاّ أن كمية مياهه قليلة للغاية، بسبب قلة الأمطار على مناطقه الشمالية. ويتميز هذا الإقليم بخصوبة التربة والغابات والحشائش الطويلة.

3. إقليم بحر الجبل

يُطلق هذا الاسم على الجزء من نهر النيل الممتد من بحيرة ألبرت، حتى التقائه بالسّوباط لمسافة 1280 كم، ولهذا يشتمل على "نيل ألبرت" الذي ينتهي عند نيمولى، التي يتغير عندها مجرى النيل نحو الشمال الغربي، وتكثر فيه الجنادل والمساقط، حيث يصبح مجراه بين نميولي والرجاف غير صالح للملاحة. ويستمر شرقاً ليلتقي بالسّوباط وذلك لمسافة 120 كم، وتقل على طول هذا القطاع المستنقعات والنباتات الكثيفة. ويتصل بالنهر هنا رافد (لول) حيث يسير موازيا له، ليلتقي به عند بلدة (تونجا) وتبعد 80 كم شرق بحيرة توتنجو. وفي هذا الموقع يلتقي بحر الجبل ببحر الزراف.

أ. أهم الخيران التي تصب في بحر الجبل

·   خوركيت وطوله 135 كم، ويصب في بحر الجبل جنوب جوبا، على مسافة 7 كم.

·   خيران جرديل ـ تثييل ـ فاميل ـ بان ـ تيازليل ـ جيتاز.

ب. أهم الجزر في منطقة بحر الجبل

·   جزيرة جوند وركو، وتبلغ مساحتها ثلاثة آلاف فدان، وتقع شمال مدينة جوبا.

ج. منطقة المستنقعات في بحر الجبل

يبدأ شاطئ بحر الجبل في التباعد على مسافة 180 كم (شمال جوبا)، حيث يشكل شبكة من المستنقعات بعرض 14 كم، وبمساحة قدرها 12 ألف كم2. وعندما يرتفع منسوب بحر الجبل، تزداد هذه المساحة لتصل إلى 37 ألف كم2 حيث تمتلئ بمياه الفيضان، وتجف في فترة التحاريق لتشكل أكثر المناطق فقداً في الموارد الاستوائية. وهذه المنطقة تصعب فيها العمليات العسكرية.

خامساً: أهمية الموقع الجغرافي

1. الثروة المعدنية

يزيد من الأهمية الاقتصادية للإقليم الجنوبي، توفر العديد من الثروات المعدنية الطبيعية، كالنحاس والذهب والحديد، وإن كانت كمياتها قليلة.

2. الثروة الحيوانية

يعتمد السكان في الإقليم الجنوبي على حرفة الرعي، التي تتمثل في تربية الماشية (الأبقار)، والأغنام والماعز، حيث تنتشر حشائش السافانا وتغطي مساحة كبيرة من السهول. ولكن أهمية هذه الثروة تقل في معظم المديرية الاستوائية، وجزء من مديرية بحر الغزال، نظراً لوجود مساحة تقرب من ثمانين ألف ميل مربع موبوءة بذبابة التسي تسي.

3. الصناعة

تعتمد الصناعة في الجنوب على بعض الصناعات الصغيرة، التي أنشئت منذ زمن بعيد، ومعظمها زراعي في مظهره، مثل النسيج والغزل اليدوي ودباغة جلود الأغنام والماعز وصناعة الفخار البدائي، ومعظمها صناعات يدوية. أما الصناعات الحديثة بالإقليم فهي محدودة للغاية، وأهمها الصناعات الغذائية (مصنع التعليب بواو).

4. الزراعة

إن اتساع الأرض الصالحة للزراعة في الإقليم الجنوبي، إضافة لوفرة مياه الري ـ حيث روافد نهر النيل المختلفة والمنتشرة بالإقليم وكذلك الأمطار ـ والأيدي العاملة، يمكن أن يجعل من الجنوب سلة غذاء للسودان وللعالم العربي، إذا توفرت الخُطط والاستثمارات المناسبة، مما يساعد السودان على بناء وتطوير قوته الاقتصادية، خاصة في منطقة الجنوب التي تُعاني من الفقر والتخلف.

5. المواصلات

يشكل جنوب سوداني أحد حلقات الربط على مستوى القارة الأفريقية، بالنسبة للطرق البرية والسكك الحديد الدولية المزمع إنشاؤها، من أقصى شمال القارة على البحر المتوسط  ـ مروراً بالإقليم الشمالي للسودان ـ إلى أقصى جنوب القارة في كيب تاون. كما يمكن أن يكون أحد حلقات ربط شبكات الكهرباء، بين دول شمال القارة وجنوبها، وما يمكن أن يحققه من فائض مستقبلي منها نتيجة للإمكانيات الهيدروكهربائية المتاحة بالمنطقة.

ويعتبر جنوب السودان أحد أهم الأقاليم في منطقة حوض النيل، حيث تمر فيه أغلب روافد نهر النيل من المنابع الاستوائية، ومن هضبة الحبشة، مما يضع هذا الإقليم في الحاضر والمستقبل، في إطار مهم بالنسبة للإستراتيجية المصرية.

سادساً: دول الجوار الجغرافي

يكتسب جنوب السودان أهمية خاصة فيما يتعلق ببعد الأمن القومي للسودان، حيث يشارك في تأمين الحدود الجنوبية مع خمس دول جوار جغرافي، هي:

1. من الشرق: دولة أثيوبيا وبينهما مشكلات حدودية في مناطق الفشقات الصغرى والكبرى من عقد الستينات من القرن الماضي ، ودولة أريتريا وتوجد بينهما مشكلة حدودية حول منطقة (مثلث أبريقع).

2. من الجنوب: تقع ثلاث دول إفريقية هي كينيا وبينهما مشكلة حدودية حول إقليمي (إيلمي)، وأوغندا والكونغو الديمقراطية، ودائماً ما تتحدد علاقات السودان بهذه الدول بمدى استقرار الجنوب، ومدى مشاركتها في استقراره؛ حيث يتأثر جنوب السودان بعوامل خارجية من كلا الدولتين كينيا وأوغندا.

3. من الغرب: جمهورية إفريقيا الوسطى ولا تمثل أي تهديد مباشر للسودان، ودولة تشاد التي دخل معها في نزاع حول دعم عناصر التمرد في إقليم دارفور.

سابعاً: التقسيم الإداري

1. أصدرت الحكومة السودانية في يوليه عام 1983 أمراً، بتقسيم جنوب السودان إلى ثلاث مديريات، تضم كل مديرية منها ولايتين كآلاتي:

أ. مديرية أعالي النيل، وتشمل: ولاية أعالي النيل، ولاية جونقلي، وعاصمتها ملكال.

ب. مديرية بحر الغزال، وتشمل: ولاية بحر الغزال، ولاية البحيرات، وعاصمتها واو.

ج. المديرية الاستوائية، وتشمل : ولاية شرق الاستوائية، ولاية غرب الاستوائية، وعاصمتها جوبا.

2. في 14 فبراير من عام 1994 تم الإعلان عن إعادة تقسيم السودان إلى 26 ولاية، منها 16 ولاية شمالية، و10 ولايات جنوبية. وقد قُسمت المديريات الجنوبية كآلاتي:

أ. مديرية أعالي النيل، وتضم 3 ولايات: أعالي النيل، وجونقلي، والوحدة.

ب. مديرية بحر الغزال، وتضم 4 ولايات: شمال بحر الغزال، وغرب بحر الغزال، والبحيرات، وآراب.

ج. المديرية الاستوائية، وتضم 3 ولايات: شرق الاستوائية، وغرب الاستوائية، وبحر الغزال (اُنظر خريطة التقسيم الإداري) .

3. وفي عام 1977، زاد عدد المحافظات والمحليات، حيث بلغ إجمالي المحافظات 114 محافظة، والمحليات 621 وحدة محلية، أختص الجنوب منها بـ 38 محافظة، و199 وحدة محلية (اُنظر ملحق التطور الإداري في السودان حتى إعادة تقسيم الولايات والمحافظات ‎والمحليات عام 1993 وعام 1997).

ثامناً: السكان

يُنسب سكان جنوب السودان إلى العرق الزنجي، ويقال إِنهم نتاج من هجرات حدثت من جميع أرجاء أفريقيا الاستوائية إلى تلك البقاع، مكونين ذلك العنصر البشري. وهناك اعتقاد أن بعض قبائل الجنوب، مثل الشلك، مزيج من العرب والزنوج. كما يُشاع أن قبيلتي الدينكا والنوير بهما دماء عربية، وهذا ما ذهب إليه هاميلتون في كتابة "السودان الإنجليزي المصري". ويختلف جنوب السودان عن الشمال في أنه لا تسود بين قاطنية حضارة متجانسة، لذا صّنف علماء السلالات سكان الجنوب لغوياً إلى مجموعات حضارية. ويقول العالم "Pritchard" إنه من الصعب أن تضع تقسيماً مقبولاً لحضارات السودان (الوثني). وتشير آخر إحصائية للسكان في الجنوب، (أجريت أبان تعداد عام 1983) إلى أن إجمالي عدد السكان يبلغ 676 , 803,  6 مليون نسمة، أي حوالي ربع سكان السودان. وتنتشر الوثنية في جنوب السودان، حيث يبلغ تعداد الوثنيين 65%، والمسلمون 18%، والمسيحيون 17%:

1. قبيلة الدينكا

تعتبر قبيلة الدينكا أكبر قبائل الجنوب عدداً "مليون نسمة"، وهم موزعون بين مديريتي بحر الغزال وأعالي النيل، وإن كانوا يتمركزون في مديرية بحر الغزال بنسبة أكبر.

وتعتبر الدينكا أكثر القبائل تحضراً، وتتجمع حولها قبائل أخرى نظراً لامتلاكها القدرة والقوة. وترفض القبيلة مبدأ تقسيم جنوب السودان إلى مديريات، لأنه يفتت من قوتها، ويقلِّص من مناطق نفوذها وسيطرتها.

2. قبيلة النوير

تأتي قبيلة النوير بعد قبيلة الدينكا من الناحية العددية، ويُقارب عددها النصف مليون نسمة، معظمهم في أعالي النيل، ويحتلون إقليم المستنقعات والسدود على جانبي بحر الجبل الأدنى. وتمتد منطقة تمركزهم جنوب خط عرض  30 َ 7 ْ حتى السّوباط، وتعتمد على الزراعة وتربية الماشية. وأدت طبيعة المنطقة التي يعيشون فيها إلى ابتعادهم وعزلتهم، حيث تغرق المستنقعات أراضيهم في موسم المطر، بينما تصبح أشبه بالصحراء في فصل الجفاف، لذا عاشوا في شبه عزلة. وقد أدى عاملا التمركز والنشاط إلى وجود احتكاكات مباشرة بينها وبين قبيلة الدينكا، مما جعلها خصماً وندا لها.

3. قبيلة الشلك

يبلغ تعداد الشلك حوالي 200 ألف نسمة، يعيش جزء منهم في شريط على الضفة الغربية للنيل الأبيض، من كاكا في الشمال إلى بحيرة نو في الجنوب. ويحتلون كذلك الضفة الشرقية من كدوك إلى التوفيقية. كما تمتد قراهم لمسافة 40 كم على الضفة الشمالية للسّوباط. وقبيلة الشلك ذات نظام سياسي مركزي، تحت قيادة ملك أو سلطان.

وتشير الإحصائيات إلى أن في السودان 572 قبيلة، وأكثر من مائة لغة متداولة، أغلبها خُصّ بها الإقليم الجنوبي. وينقسم سكان جنوب السودان إلى ثلاثة أقسام رئيسية، هي:

أ. النيليون

وهم من قبائل: الدينكا، والشلك، والنوير، والأنواك في أعالي النيل.

ب. النيليون الحاميون

وهم من قبائل: الباريا، والديونقا، والبويا، والتبوسا، واللاتوكا والمورلي. ويسكن معظم هؤلاء في الضفة الشرقية من الاستوائية.

ج. السودانيون

ويتمثل هؤلاء في مجموعات قبلية صغيرة متفرقة، أهمها: قبيلة الزاندي، ويعيشون في الجزء  الغربي من الجنوب الغربي للاستوائية.

وهناك قبائل كثيرة تعتبر خليطاً من الأنواع الثلاثة "النيليون، والنيليون الحاميون، والسودانيون". مثل قبائل: المورو، والفوجلو، واللالوبا.

والقبائل النيلية الحامية من رعاة الماشية، يعيشون داخل السودان كما يعيشون خارجه. وتصل أبعد شعبهم حتى وسط تانزانيا. وقد وصلوا السودان من المنطقة الجبلية على حدود السودان وأوغندا شرق النيل "الدونجوتونا، اللوتكو".

أما المجموعة الوسطى من النيليين الحاميين فعددها قليل، ويتمثلون في السودان في "التبوسا، والدونيرو، والجى، والتوركانا". ويعيش التبوسا بأكملهم في السهول الواقعة إلى الشمال من تلال الديدنجا. أما الجى فهم قسم صغير من قبيلة أكبر تعيش في شمال شرق أوغندا، بينما الدونيرو فرع من التبوسا، تركوا القبيلة الأصلية وهاجروا نحو الشرق. ويعيش التوركانا في شمال شرق كينيا، وتأخذهم رحلاتهم إلى ما بعد الحدود السودانية. أما القبيلتان الأخيرتان، فتتبعان حكومة كينيا التي تسمح لها حكومة السودان بممارسة سلطاتها على رعايا داخل السودان في "مثلث الليمى". وتأتي ـ من حيث الأهمية العددية ـ القبائل الآتية: البارى، واللاتوكا تم الديدنجا، ويعيش معظمهم في المديرية الاستوائية بينما يمثلهم في أعالي النيل نصف عدد الديدنجا.

أما المجموعة السودانية فتسكن ضفاف النيل على الحدود الجنوبية للسودان، وتمتد بقية مجموعتهم في أوغندا. وتمتد من هذه المجموعة قبائل اللالويا، حيث تستوطن شرق النيل في مركز جوبا. أما قبيلة الزاندى فيعيش معظمها في زائير وجمهورية أفريقيا الوسطى. ويقدر عددهم في السودان بـ 230 ألف نسمة، وفي زائير بـ 520 ألف نسمة، أما في أفريقيا الوسطى فيبلغ عددهم حوالي 20 ألف نسمة" (اُنظر ملحق التوزيع القبلي في السودان) (اُنظر خريطة التوزيع القبلي).

تطور حجم سكان جنوب السودان من (2.713.000 مليون نسمة) عام (1956) إلى (4.321.000 مليون نسمة) عام (1993) أي أن حجم السكان قد تضاعف خلال (37 عام) و طبقاً لتعداد السكان لعام (2003) بلغ تعداد الجنوب حوالي (8.4 مليون) نسمة.

تاسعاً: اللغة

يصل عدد اللهجات في الجنوب إلى حوالي 12 لغة، وأكثر من 250 لهجة محلية ثانوية. إلا أن واحدة منها لم تفرض نفسها لغة أساسية. وعلى الرغم من أنّ الإنجليز فرضوا الحظر على اللغة العربية الدارجة، إلاّ أنها أكثر اللغات انتشاراً في الجنوب. وقد أظهرت مذكرة السكرتير الإداري البريطاني سياسة بريطانيا تجاه اللغة في الجنوب، التي وجهت أساساً لمحاربة اللغة العربية، ونصت على ضرورة تهيئة موظفين لا يتكلمون العربية، وأن تكون الإنجليزية هي لغة الإدارة، وأوصى مؤتمر اللغات، الذي عقد في مدينة الرّجاف، باستعمال اللغات المحلية، وعين الدكتور "تيكر" خبير اللغات لتقديم المشورة في إنتاج الكتب الملائمة. وتنص المذكرة على استخدام اللغة الإنجليزية في الاتصال بالأهالي حين يتعذر استخدام اللغات المحلية، ويجب أن يبذل كل جهد لجعل اللغة الإنجليزية وسيلة الاتصال بين الجنوبيين أنفسهم، حتى يقضى على اللغة العربية تماماً.

عاشراً: الموقف الاقتصادي في الجنوب

هناك فجوة كبيرة بين الشمال، والجنوب الأشد فقراً وتخلفاً. وقد وسّعت السياسة الجنوبية الفجوة، بالادعاء أن مشروعات التنمية في الجنوب باهظة التكاليف. وكان أول مشروع أقيم في الجنوب عام 1943، وهو مشروع الزاندى الزراعي. وترجع إقامة المشروع إلى المذكرة التي أعدها الدكتور "ج. د. توتهيل" المدير السابق لمصلحة الزراعة في أوغندا، والذي كان مديراً للزراعة في السودان وقتئذ. وعُدّ هذا المشروع تجربة لإِحداث أكبر تغير اجتماعي لقبيلة من القبائل الوسطى في أفريقيا، بهدف الاستفادة من الثروات المحلية الطبيعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لها. وقد هدف المشروع إلى إقامة بعض الصناعات، مثل المنسوجات القطنية، والصّابون، والسّكر إضافة إلى زراعة البن والزراعات الغذائية التقليدية. وخصصت الحكومة مليون جنيه للمشروع، وأشرفت عليه "لجنة مشاريع الاستوائية"، ولم يقابل المشروع بترحاب من قبل بعض أفراد قبيلة الزاندي.

وأُعيد توطين قبيلة الزاندي بما يتمشى مع المشروع. فبدأت عملية إعادة التوطين عام 1946، واستمرت حتى عام 1951 حيث وطّن "حوالي 50.000 عائلة" في حوالي 1000 قرية، وخصص لكل مزارع 25 ـ40 فداناً.

بدأ عدد كبير من الزاندي في زراعة القطن طواعية، وَصُدِّر محصول القطن إلى الخارج قبل تركيب مصنع النسيج. ثم أستخدم في إنتاج الدمورية. وأنتجت المصانع زيت بذرة القطن والصابون، وأقيم مصنع للسُّكر الأحمر.

في عام 1947 أدرك الجنوبيون في مؤتمر "جوبا"، حقيقة الفجوة الواسعة بين الشمال والجنوب، لذا قرروا ضرورة الوحدة مع الشمال للاستفادة من الموارد والإمكانيات، مع خبرة الشمال وكوادره المؤهلة.

وقد أدى فساد الجهاز الإداري وضعف الخبرة ونقص الكوادر، وتخلف الثقافة والتعليم، وسوء الحالة الصحية وقصور الخدمات، ونقص التمويل، إضافة إلى نقص البيانات اللازمة للتخطيط، مع ضعف النشاط الاقتصادي القائم على الرعي والزراعة البدائية، وندرة الصناعة، وهروب أبناء الجنوب بسبب التمرد، أدت جميع هذه العوامل إلى تدني الموقف الاقتصادي داخل الإقليم، كما أدت الحرب الدائرة في الجنوب إلى تهديد حركة الطيران المدني وعمليات الإغاثة، وإلى وقف الخط الملاحي النهري. وزُرعت الألغام على الطرق المتدهورة أصلاً، مما أدى إلى إيقاف مشروع قناة جونقلي، وعمليات التنقيب عن النفط.

لا تعطي الإحصائيات الرسمية صورة واضحة عن الموارد المتاحة في الجنوب، ولكنها تعطي صورة تقديرية لا تعكس حقيقة الإمكانيات الاقتصادية الكاملة للجنوب. ويعتبر الرعي النشاط الاقتصادي الرئيسي، ويُقدر العدد بربع مليون رأس ماشية، وربع مليون رأس غنم، لا يُسَوّق منها سوى 10 آلاف رأس فقط، لضعف الماشية وسوء استغلال منتجات الألبان.

وتأتي عملية الزراعة ـ على نحوٍ تقليدي ـ في المرتبة التالية للرعي، على الرغم من وفرة الأمطار وعدم الحاجة للري. ولكن ندرة الأيدي العاملة، واحتقار مهنة الزراعة، ودرجة الرطوبة العالية، خاصة في شهور الصيف مما يتلف الحبوب المخزنة تقليدياً، ويؤدي إلى المجاعات. كما يوجد نبات البردي وله استخدامات اقتصادية عديدة، وكذلك الغابات.

أما الاستفادة من الموارد المعدنية، على الرغم من وجود بعض التقديرات الأولية لوجودها، فعملياً غير مستغله نتيجة للاضطرابات داخل الإقليم.

حادي عشر: مصادر الطاقة

اكتشفت شركة شيفرون النفط والغاز الطبيعي في حقول "باتتيو وخور عدار"، وهو اكتشاف يبشر بإنتاج اقتصادي، حيث تم التخطيط لإنشاء مصفاة للبترول في منطقة كوستي في الشمال، وبناء خط أنابيب لينقل النفط الخام إلى سواحل البحر الأحمر، وكذلك إنشاء ميناء جنوب بور سودان لتصدير النفط. وقد أدت عملية اكتشاف النفط إلى مطالبة سكان الجنوب بنصف عائده للتنمية في الإقليم. وزاد اهتمام القوى الخارجية بجنوب السودان. ولكن عملية التنقيب توقفت نتيجة الحرب الدائرة في الجنوب. ويمكن توليد 800 ميجاوات طاقة كهربائية من روافد الأنهار المنحدرة في جنوب السودان، مع توفر طاقة الكتلة الحية من خشب وفحم نباتي ومخلفات زراعية.

1. الفاقد من المياه في جنوب السودان

يصل حالياً إلى مصر من مياه الجنوب 24 مليار متر3، بينما يبلغ الفاقد من الماء في الجنوب 36 مليار متر3، ويمكن توفير 9 ـ 13.5 مليار متر3 إضافية لمصر في حالة إقامة مشروعات مائية في الجنوب. "وتحتاج مصر إلى 24 مليار متر3 إضافية حتى عام 2000"، ويبقى 9.5 ـ 13 مليار متر3 تتأتي من مشروعات مع دول الهضبة الاستوائية، لا يمكن إتمامها إلا بعد إتمام مشروعات الجنوب. وبذلك يمكن باستقرار الجنوب، زيادة حصة مياه النيل لمصر بنسبة 28.6% عما هو حالياً، نتيجة للمشروعات التي تقام به أو المتوقعة. أما إذا استكملت إثيوبيا المشروعات المائية المقررة قبل سنة 2000، كما هو مخطط لها، فستفقد مصر 4 مليار متر3. لذلك فأهمية مياه الجنوب تعادل أهمية مياه النيل الأزرق وعطبره. وتحاول مصر والسودان التغلب على ذلك بإنشاء "قناة جونجلي"(اُنظر خريطة قناة جونجلي).

2. النفط في جنوب السودان

يرى بعض سياسي الجنوب أن الحكومة المركزية في الشمال، تعتبر فقر الجنوب هو العامل الرئيسي لضمان وحدة الإقليمين. لذا رفضت الحكومة المركزية، اقتراح شركات النفط الخاص بالتنقيب عن النفط في الجنوب عام 1974. ونتيجة لضغط الحكومة الإقليمية  الجنوبية، منحت الحكومة المركزية شركة شيفرون الأمريكية، ترخيصاً في الثالث والعشرين من نوفمبر 1974، للتنقيب في مساحة مقدارها 516 ألف كم2 في الجنوب، وبعض الأجزاء الجنوبية في غرب السودان.

واجهت الشركة أول عقبه لها في اختيار المكان، الذي يمكن أن تقيم فيه قاعدة مسحها  الجوي والجيولوجي. وترى الشركة أن "ملكال" هي المكان الملائم لطائرات المسح نتيجة للتسهيلات المتوفرة في مطارها، بينما فضلت الحكومة المركزية أن تقيم الشركة معسكرات قاعدتها في جنوب كردفان، خارج الإقليم الجنوبي، وحسم الموقف لصالح الشركة. في عام 1975 وعند وقوع حادث أُوكوبو، هبطت 12 طائرة من قاذفات القنابل السودانية في المطار، وبقيت في ملكال متأهبة للهجوم على أُكوبو. وأتاحت تلك الحادثة للحكومة المركزية المبررات لإبعاد معسكر شيفرون إلى معسكر (بالمُجْلَد) في جنوب كردفان، بحجه تأمين الشركة.

حددت شركة شيفرون أماكن التنقيب المحتمل وجود بترول بها في مناطق: بانتيو، والسدود، ومستنقعات مشار في مثلث ملوط ـ ملكال ـ الناصر. وكذلك كانت شركة توتال للنفظ، التي منحت في الخامس من نوفمبر 1980 امتيازاً للتنقيب في مساحة قدرها مائة وثمانية وخمسون ألفا ومائة وثلاثة عشر كم2 (113.158) كم2، تركز على مراكز "بور، وبيبور، وكبوتيا" بامتداد محتمل إلى مثلث "اليمي"، الذي ظل تحت إدارة كينيا منذ الحكم الثنائي.

وفي عام 1978م أكتُشف النفط بكميات تجارية في أحد الآبار شمال مدينة باتتيو، وكان من النوع رفيع المستوى. واختلفت الحكومة المركزية والإقليم الجنوبي وشركة شيفرون حول تسمية البئر، واُتفق في النهاية على تسمية هذه الآبار "أبار الوحدة"، وسمي الحقل الذي توجد به باسم "حقل الوحدة". واقترحت الحكومة المركزية إنشاء إقليم جديد، يُطلق عليه اسم "إقليم الوحدة"، يتألف من: بانتيو، ومجالس منطقة قورقيال في الجنوب، ومجالس منطقة أبيى، والفولة، وكادوقلى، والدلنج، في جنوب كردفان. وأيد هذه الفكرة قلة من الجنوبيين، الذين ينتمون إلى هذه المناطق.

زار الرئيس السابق "جعفر محمد نميري" الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1978، وبصحبته وزير التعدين، وعقد اجتماعاً مع المسؤولين في شركة شيفرون. وأعلنت وسائل الإعلام الأمريكية عقب اللقاء، عن اكتشاف النفط بكميات تجارية في الجزء الجنوبي من غرب السودان، وعن إقامة خط أنابيب يمتد من الحقول إلى ساحل البحر الأحمر. وأثار هذا الأمر ردود فِعْلِ عارمة في الجنوب، وطالب الجنوب نقل النفط إلى الأسواق العالمية عن طريق ميناء "ممبسة" في كينيا. وعبّر الرئيس نميري عن موقفه بقوله: "إن الجنوبيين لا يريدون أن تكون لنا صلة بنفطهم"، وأدى هذا الموقف لزيادة الفجوة في العلاقات بين الشمال والجنوب، وانحازت شركة شيفرون إلى جانب الحكومة المركزية. وأملاً في أن تتمكن من الحفاظ على مصالحها لتأمين المنطقة، استبدلت الحكومة المركزية الحامية العسكرية، المشكلة من جنود جنوبيين، يقودهم النقيب "سلفاكير"، الذي أصبح في عام 1986 رابع الرجال الأقوياء في جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقوة من القيادة العسكرية السودانية الغربية، بلغ حجمها كتيبة مشاه بقوة 600 جندي، معظم قادتهم من الشمال. وفي الفترة من مارس 1980 إلى نوفمبر 1980، وقعت عدة أحداث كشفت عن نوايا الحكومة السودانية تجاه النفط، مثال ذلك:

في شهر مارس 1980 زار الرئيس نميري منطقة أبار النفط في منطقة "باتتيو"، يرافقه حاكم كردفان ومحافظ جنوب كردفان وجنوب دارفور، دون أن يشترك في الوفد أي عضو من الجنوب. وأذيعت أنباء الزيارة بعد فترة طويلة من القيام بها، مما أثار أهالي الجنوب.

محاولات الحكومة المركزية تغيير حدود المديريات في منتصف عام 1980، بهدف نقل المناطق الغنية بالنفط والزراعة والمرعي، التابعة لأعالي النيل وبحر الغزال، إلى المديريات الشمالية. وعندما خرجت تظاهرات بهذه المناطق، شكل الرئيس نميري لجنة برئاسة "خلف الله الرشيد" رئيس القضاء، لبحث الوضع القانوني المتعلق بهذه الحدود. وأوصت اللجنة بالحفاظ على الحدود المرسومة في أول يناير 1956، وكما أقرتها أيضاً اتفاقية أديس أبابا. وقبل الرئيس توصيات اللجنة.

منحت حكومة السودان لشركة شيفرون الجزء الأكبر من إيرادات النفط، كما منحتها سراً حق التنقيب في "كافي كينقى" بغرب بحر الغزال، في نهاية عام 1979. ونتيجة لذلك قامت اضطرابات في الجنوب، فأحدثت الحكومة تعديلاً في هذه العقود، خفض من حجم نصيب الشركة.

أعلن الرئيس نميري في خطاب أمام مجلس الشعب القومي، في نوفمبر 1980، قراراً يقضى بإنشاء مصفاة لتنقية نفط باتتيو في كوستى، وهذا يتطلب نقل النفط لمسافة 400 ميلا من خلال الأنابيب، ثم نقل النفط بعد التكرير بالقطار أو البواخر إلى الإقليم الجنوبي وغرب السودان. ويرى أهل الجنوب أن تكون المصفاة في منطقة باتتيو، وعقدت محادثات بين حكومة الجنوب والحكومة المركزية وشركة شيفرون، أسفرت عن الوعد بعدد من الحوافز للإقليم للموافقة على إنشاء المصفاة في منطقة كوستى. واشتملت الحوافز على:

أ. التزام الحكومة المركزية وشركة شيفرون بتعبيد طريق كوستى ـ الرنك ـ ملكال، ليصبح صالحاً لحركة النقل طوال العام.

ب. إنشاء هيئة  تنموية لمنطقة مجلس باتتيو، ومنحها مليون جنيه سوداني للأنفاق على النشاط التنموي فيها.

ج. إحياء الخطة الأصلية الرامية لإنشاء محطة تكرير، تنتج المواد النفطية للمناطق المجاورة لحقول النفط.

د. تساند شركة شيفرون مشروعات تحسين الخدمات الصحية، ومياه الشرب، وخدمات التعليم في المنطقة.

هـ. تجلب شركة شيفرون بواخر لنقل المنتجات النفطية، من مصفاة كوستى إلى جوبا، والمناطق الواقعة بين المدينتين.

أصرت شركة شيفرون على تصدير النفط إلى الخارج، لتضمن الحصول على حصتها بالعملات الحرة، ووافقت الحكومة المركزية على ذلك. فصُرف النظر عن المصفاة واستبدلت بخط أنابيب بطول 1400 كم، وأُسندت عملية التنفيذ إلى شركة إيطالية.

أثار الاتفاق، الذي تم بين الحكومة السودانية وشركة شيفرون، لتدريب كوادر سودانية لتولي مسؤوليات مختلفة في مجال التنقيب عن النفط. أما أهل الجنوب، فهم يرون أن الاختيار للأفراد انتهج سياسة التفرقة العنصرية بين أهل الشمال وأهل الجنوب، حيث أبعدت الحكومة المركزية وشركة شيفرون أهل الجنوب عن أسرار النفط وإدارته في الإقليم.

وهكذا أصبح النفط عاملاً مؤثراً في السياسة السودانية، بل أسهم في تعميق نزاع الشمال والجنوب، وأدى إلى مراقبة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا النشاط السياسي السوداني عن قرب أكثر، وأصبح لهما مستشارين في مسرح السودان السياسي، خاصة وأن شركة شيفرون الأمريكية أنفقت ما بين 800 مليون ومليار دولار على أعمال التنقيب والبحث.

وطبقاً لاتفاقية أديس أبابا، خُصصت كل موارد الحكومة المركزية في الجنوب، الناتجة عن النشاط التجاري، والزراعي والصناعي والخدمات، للخزينة الإقليمية . وتضمنت هذه المخصصات الأرباح المستحقة للحكومة المركزية، عن المحاصيل المصدرة من الإقليم الجنوبي. ويرجع ذلك إلى فقر الإقليم الجنوبي. ولكن اكتشاف النفط عام 1978 أدى إلى تغيير الموازين، لأن تنفيذ اتفاق أديس أبابا يعني ذهاب ضريبة الإنتاج، وأرباح الأعمال، والدخل، والأرباح الناجمة عن بيع حصة الحكومة من النفط، إلى خزينة الجنوب، مما يفقد الحكومة المركزية مبالغ طائلة. وأدى ذلك إلى اتخاذ الحكومة المركزية الإجراءات الآتية:

أ. إعادة تغيير الحدود بين المديريات، لنقل حقول النفط من الجنوب إلى الأقاليم الشمالية.

ب. إقامة المصافي خارج الإقليم الجنوبي.

ج. محاولة الإسراع بنقل النفط عن طريق الأنابيب، بعيداً عن المسرح المشحون بالنزاع.

د. محاولة خلق إقليم الوحدة، لتفادى تطبيق نصوص الترتيبات المالية عليه.

هـ. تقسيم الجنوب لإضعاف الموقف الموحد لسُكان الإقليم.

3. المواصلات

يشكل جنوب السودان أحد حلقات الربط على مستوي القارة الإفريقية، سواء بالنسبة للطرق وخط السكة الحديدية المزمع إنشاؤها من أقصى شمال القارة على البحر المتوسط مارة بشمال السودان وجنوبه وإلى أقصى جنوب القارة في كيب تاون، كما يمكن أن يكون أحد حلقات ربط شبكات الكهرباء بين دول شمال القارة وجنوبها، وما يمكن أن يحققه من فائض مستقبلي منها نتيجة للإمكانات الهيدروكهربائية المتاحة بالمنطقة.

ثاني عشر: النظام السياسي في السودان

نال السودان استقلاله في الأول من يناير(1956) (عن مصر والمملكة المتحدة) ويسمى يوم الاستقلال (عطلة قومية) . صدر دستور السودان في (12 إبريل 1973) وأوقف العمل به عقب انتفاضة السادس من إبريل عام (1985)، وخضع دستور جديد للاستفتاء الشعبي عقب انقلاب (30 يونيه 1989)، حيث نفذ في (عام 1989) وعلق العمل به الرئيس البشير في (12 ديسمبر 1999).

وفي التاسع من يوليه 2005، شُكلت لجنة مفوضية الدستور، وشارك فيها كل من حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية، والتجمع الوطني الديموقراطي، واتفقوا على الهيكل العام للدستور السوداني الجديد، ومن أبرز ملامحه التأكيد على تقاسم الثروة والسلطة بين الشمال والجنوب، وترسيمه لمبادئ المواطنة بين أبناء السودان، واعترافه بالتعددية الثقافية واللغوية والعرقية والدينية للمواطنين، كما اعتمد الدستور الحكم الديمقراطي اللامركزي، وأشار إلى إجراء استفتاء بعد ست سنوات في الجنوب على خيار الوحدة مع الشمال أو الانفصال.

كان النظام القانوني في السودان مستمداً من القانون الإنجليزي العام والشريعة الإسلامية، حيث فرض مجلس قيادة الثورة الحالي الشريعة الإسلامية في الولايات الشمالية اعتبارا من (20 يناير 1991) ويقبل السودان السلطة القضائية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية، ولكن مع الحق في إبداء التحفظات.

حق الانتخاب مكفول لمن يبلغ السابعة عشرة من الذكور والإناث، ولكنه غير ملزم، وينتخب رئيس الدولة من خلال الاستفتاء الشعبي لفترة رئاسة مدتها خمس سنوات.

تتكون السلطة التشريعية من مجلس واحد (المجلس الوطني) ويتألف من (400) عضو، يصل منهم (275) عضو بالانتخابات الشعبية المباشرة, و(125) عضو ينتخبهم أعضاء مجلس أعلى (المؤتمر الوطني) بتمثيل متوازن لقوى الشعب وأنواعه وأقاليمه.

حُظرت الأحزاب السياسية في السودان عقب انقلاب (30 يونيه عام 1989)، وسمح بتكوين الأحزاب بموجب قانون "التوالي السياسي"، الذي أُعد في عام (1998)، وبدأ العمل به في أول يناير (1999)، ثم عُدّل في عام (2000)، وينبغي على كل حزب سياسي لكي يحظى بموافقة الحكومة على تكوينه قبول العمل بالدستور، وعدم استخدام العنف أو تشجيعه ضد السلطة. واعتمدت بموجب هذا القانون بعض الأحزاب.

ثالث عشر: الملامح العامة لقضية جنوب السودان

يُعد إقليم جنوب السودان من أغنى وأهم الأقاليم ليس فقط بالسودان، ولكن في حوض النيل، وذلك لخصوبة أرضه في معظم أجزائه مع توفر المياه (أنهار – أمطار) حيث يساعد ذلك علي استزراع مساحة كبيرة من الأرض، كما يوفر المراعي لتربية الحيوانات، ومما يزيد من أهمية هذا الإقليم اكتشاف المعادن والبترول به مؤخراً.

لعب الاستعمار دوراً كبيراً في إشعال قضية جنوب السودان، بدءاً بتجارة الرقيق في العهد التركي، ومروراً بسياسة المناطق المقفولة والتبشير في العهد الإنجليزي، تعود جذور هذا الصراع إلي فترة الاستعمار البريطاني خلال الفترة من عام 1898م إلى عام 1956م الذي عمل على إذكاء وتعميق الانقسامات بين الشمال والجنوب في السودان، ما أدى إلى تعزيز حالة الانقسام والتعدد في الجنوب، وباعد بينه وبين الشمال.

قسم الاستعمار البريطاني السودان إلى قسمين وتعامل مع كل منهما منفرداً، كما أصدر عدة قوانين ولوائح لتعميق الفجوة بين الشمال والجنوب. من أبرزها قانون المناطق المقفلة وقانون المرور الذي كان يحظر علي العرب السفر إلى الجنوب بعد خط عرض (10) شمالاً.

فشلت الحكومات السودانية المتعددة بعد الاستقلال في يناير 1956م في تعرف أبعاد المشكلة ومعالجتها، وتجاهلت مطالب الجنوب، وأهمها: حق المساواة في التنمية واقتسام السلطة والثروة وقضايا التعليم والصحة والمطالبة بالحكم الفيدرالي، ما أدى إلى اتخاذ طريق الصراع المسلح الذي أتاح الفرصة للقوى الخارجية بالتدخل والبقاء بالمنطقة ليس لحل هذه المشكلة وإنما لتحقيق أهدافها ومصالحها.

أوقفت اتفاقية أديس أبابا في مارس 1972م الحرب لمدة عشر سنوات، شهد فيها الجنوب تنمية وعمراناً، كما شهد السودان في شماله فترة استقرار وتوسع في المشاريع التنموية في كل المجالات، ثم اندلع التمرد مرة أخرى في مايو 1983م أشد شراسة وضراوة، بل امتدّ لأجزاء من شمال السودان.

تعددت المبادرات الوطنية والوسائط في المحيطين الإقليمي والدولي، ساعية لوقف الحرب، ولكنها لم تفلح في وقف الحرب إلا بعد عشرين عاماً من القتال، انهارت فيها البنيات التحتية في الجنوب، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في أنحاء السودان.

انعقدت مفاوضات سلام في كل من أبوجا ونيروبي، ولكنها لم تصل إلى اتفاق، وواصلت الحكومة مساعيها مع الفصيل الذي انشق من حركة التمرد، ووقعت معه اتفاقية الخرطوم للسلام في أبريل 1996م.

أفضت مفاوضات نيفاشا في كينيا إلى اتفاق جاء في عدد من البروتوكولات، أولها بروتوكول مشاكوس الذي يعد الأساس الذي بنيت عليه المفاوضات، حتى الوصول للاتفاق بالتوقيع على بقية البروتوكولات، ويعد حق تقرير المصير الذي ورد بوصفه بنداً من بنود بروتوكول مشاكوس، من أخطر النقاط التي اتفق عليها الطرفان، وبموجبه كان الاتفاق على أن يجري استفتاء للجنوب للاختيار بين الوحدة الطوعية أو الانفصال.

بعد رحيل زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور "جون قرنق" في حادث سقوط طائرة بالجنوب، في طريق عودته من أوغندا بعد (21 ) يوماً من أدائه القسم نائباً أول لرئيس الجمهورية، اختارت الحركة نائب رئيسها "سلفا كير ميارديت" قائداً للحركة ونائباً أول لرئيس الجمهورية، إلا أن الفراغ الذي أحدثه رحيل زعيم الحركة وضح في كثير من مواقف الحركة وتوجهاتها، وقد ظهرت نقاط خلاف أساسية، قد تؤدي بالإطاحة بكل إنجازات اتفاقية السلام.



[1] أي خط وهمي، وليس هناك تضاريس طبيعية محددة.

[2] هي النقطة التي تفصل بين أحواض الأودية والأنهار. مثال ذلك أن الأمطار تهطل على موقع محدد، ثم ينحدر الماء يميناً ويساراً. فمقسم المياه هو: النقطة التي يبدأ الانحدار من عندها.

[3] Ethnology هو علم الأعراق البشرية.