إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث الأول

المبحث الثاني

تطور مشكلة الجنوب الفترة 1971 – 1983

أولاً: التمهيد لمحادثات أديس أبابا

1. المحادثات مع اللاجئين والسياسيين في الخارج

بعث "أبيل ألير"، بعد الحصول على موافقة الرئيس نميري على مقترحاته، وفداً إلى الأقطار المجاورة والنائية للقاء الجنوبيين على مختلف مشاربهم، من سياسيين، ولاجئين مدنيين وطلبة، وكل من يمكن مقابلته من حاملي السلاح في الأرياف والغابات في جنوب السودان. ووضع خمس نقاط للوفود كبرنامج عمل يلتزمون به مع من يلتقون بهم، وهي:

أ. التغيير المفاجئ الذي طرأ على سياسة حكومة السودان، عقب فشل محاولة انقلاب التاسع عشر من يوليه 1971. فعلى الرغم مما تتمتع به حركة الجنوب من مركز مرموق في الدول المجاورة وغرب أوروبا، فإن موقفها العسكري قد يتعرض حالياً لكثير من المشاكل، نتيجة لتحول السودان تجاه الغرب، وترحيب الغرب بذلك، وهذا سيؤدي إلى تخفيض حجم الدعم العسكري الذي كان يصل للجنوب من الدول الغربية.

ب. إيضاح حرص الحكومة على الاستجابة لكثير من أماني السودانيين الجنوبيين، في إطار السودان الموحد المستقل؛ وأن يُوضح لهم أن الحكومة السودانية تعاني شيئاً من الضعف الناجم عن تصفيتها لقيادة الحزب الشيوعي السوداني بعد انقلاب يوليه الفاشل، وهذا قد يشجع فصائل المعارضة على المضي في إقامة تحالف مؤقت يهدد الحكومة، وقد تحاول هذه الفصائل الإحاطة بالنظام من الداخل، وهي عناصر ترفض الوصول إلى تسوية سياسية عادلة في الجنوب. لذا يجب التجاوب مع المقترحات الإيجابية الرامية لتسوية مشكلة الجنوب سلمياً.

ج. توافر المؤشرات المؤدية إلى الحكم الذاتي للجنوب، وقبول حكومة الأحزاب الشمالية لها، قبل اندلاع ثورة مايو 1969، أي أنها تحظى بتأييد سياسي واسع النطاق.

د. أهمية استماع الوفود إلى آراء اللاجئين العاديين، وحملة السلاح والقادة السياسيين كل على حدة، وتتلقى منهم ما تقترحه كتسوية عادلة لعناصر النزاع الرئيسية.

هـ. الإلمام بالموقف الرسمي، وغير الرسمي، لكل حكومة مجاورة في أفريقيا تجاه مشكلة جنوب السودان، وأن يوضع هذا الموقف موضع الاعتبار عند طرح مقترحات التسوية،, وأن تلم حركة تحرير جنوب السودان والقيادة العسكرية باتجاهات تلك الدول المجاورة إزاء المشكلة.

في تلك الفترة اتسم موقف إثيوبيا وأوغندا وزائير بالتعاطف مع حركة الجنوب، ولكن لم يُصْدر قادتها بياناً يؤيد الانفصال، لأن إثيوبيا وزائير كانتا تواجهان حركات انفصالية، وخشيتا إِن أيدتا انفصال جنوب السودان، أن يرد السودان بتأييد الحركات الانفصالية وراء الحدود. ولم تؤيد كينيا انفصال الجنوب نظراً لمطالبة إقليم الصومال الكيني بالانفصال في تلك الآونة. إضافة إلى أن أفريقيا الوسطي، التي أُعلنت باسم إمبراطورية أفريقيا الوسطى، تتسم بقلة حجم السكان وضعف مستوى قواتها المسلحة، وتدني موقفها الاقتصادي، ومن ثم لم تكن على استعداد لتقديم الدعم لحركات جنوب السودان. أما معظم دول القارة فقد كانت متعاطفة مع جنوب السودان، وتحرص على الوصول إلى اتفاقية بين الشمال والجنوب، تتضمن المصالح الخاصة للجنوب، في نطاق السودان الموحد.

سافرت الوفود في ديسمبر 1971 إلى إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، وزائير وتنزانيا. وعقدت اجتماعات مع الطلبة ومع اللاجئين في معسكراتهم ومخابئهم ومع السياسيين في المنفى، ووجدت أنهم يناصرون فكرة المحادثات بين حكومة الخرطوم وحركة تحرير جنوب السودان، ولكنهم طلبوا ضمانات أمنية من الحكومة السودانية.

2. الحوار مع المنظمات الكنسية

زار "أبيل ألير" وزير الجنوب، يرافقه "محمد عمر بشير" و"دكتور عبدالرحمن البشير"، مجلس الكنائس العالمي خلال شهري أبريل ومايو 1971، واتحاد الكنائس الإنجيلية في جنيف، ومجموعة الكنائس النرويجية في أوسلو، وجمعيات الإغاثة "العون المسيحي أو كغام" في لندن، وجمعية قساوسة فيرونا في روما، وقداسة البابا، وجمعية كاريثاس الألمانية. ومثلت تلك اللقاءات أهمية قصوى في إطار التمهيد للمحادثات مع الجنوب، نظراً لنشاط الكنائس بين اللاجئين الجنوبيين والقادة السياسيين في المنفى، وأن هذه المنظمات الكنسية كانت تقدم الدعم إلى الجنوبيين.

اتصل بعض ممثلي الكنائس باللاجئين وبعض قادة الجنوب في المنفى، وكان رد فعلهم إيجابياً ومطمئناً. وطلبوا أن تتاح الفرصة لوفد كنسي لزيارة الخرطوم، واستكشاف سبل التعاون مع الحكومة في أعمال الإغاثة، والتعرف على المشاكل المتصلة بهذه الأعمال، والسياسات المتوافرة لمعالجتها.

وصل الخرطوم وفد من مجلس الكنائس العالمي ومجلس عموم كنائس أفريقيا، في يوليه 1971. وانضم إليه ممثلون لمجلس الكنائس السوداني، والتقى الوفد بمجلس الكنائس السوداني، وزار الجنوب وتفقد أحواله.

في أغسطس 1971 زار وفد كنائس أخر الخرطوم، وإجتمع مع "أبيل ألير" لمناقشة التسوية السياسية. وقد حدد "ألير" أربع نقاط، طلب من الوفد أن يبلغها إلى القادة العسكريين والسياسيين في المنفى وفي غابات الجنوب، وهي:

أ. أن حكومة السودان راغبة ومستعدة لإجراء محادثات.

ب. أنه يؤيد رأى الحكومة في أن تجرى المحادثات بينها وبين المقاتلين، على أساس دولة واحدة، وأنه من الضروري التعرف على رأى قادة حركة تحرير جنوب السودان والأنيانيا، حول هذه النقطة.

ج. يهمنا أن نعلم إن كانت قيادة الأنيانيا فعلاً تسيطر على  كل الحركات المدنية والمسلحة في المنفى، إذ لا جدوى من إجراء محادثات مع جماعة منشقة من الحركة السياسية الجنوبية، دون الاتفاق مع الجماعات الأخرى. والحكومة يهمها أن تكون قيادة الحركة في المنفى، والمقاتلين في الغابات، حركة متحدة ومتضامنة حتى تدخل في محادثات جادة معها.

د. الحركة الجنوبية داخل القطر، تحترم وتلتزم بما تسفر عنه المحادثات بين الحكومة وقادة الثوار.

وجاء الرد على هذه النقاط مشجعاً، يعكس قبول حركة تحرير الجنوب لمبدأ "السودان موحد ذو سيادة". ولكن بلوغ الهدف يتوقف على تحديد المشاكل، وسبل تناولها في المحادثات. وكانت حركة تحرير  جنوب السودان، وقوات أنيانيا العسكرية، بقيادة الجنرال "جوزيف لاجو"، تسيطران على الجنوبيين المدنيين في المنفى والقوى العسكرية في الغابات، مما يطمئن إلى أن أية اتفاقية يتم التوصل إليها مع حكومة السودان، سوف تجد الالتزام والتنفيذ من قبل القوى السياسية الجنوبية، والقوات العسكرية، على السواء. وطالب وفد الحركة بوقف إطلاق النار، وإيقاف بث الدعاية المضادة، التي كانت إذاعة أم درمان تبثها ضد الأنيانيا، وهي لا تستطيع أن تدحض بفاعلية تلك الدعاية، لافتقارها لأجهزة البث.

3. موقف الحكومة من مجلس الكنائس

تباحث وفد مجلس الكنائس مع لجنة وزارية، تتألف من "اللواء محمد الباقر أحمد"، والدكتور "جعفر محمد على بخيت"، والرائد "أبو القاسم هاشم" الذي كان يُصَرِّف أعباء وزارة الخارجية، و"عبدالرحمن عبدالله" و"أبيل ألير".

واتخذ الرائد أبو القاسم موقفاً صلباً إزاء مطلب وقف إطلاق النار. وكان يرى استحالة النظر فيه مع الخارجين على القانون، حيث يوهمهم أنهم على قدم المساواة مع الجيش السوداني، ويؤدي إلى هبوط الروح المعنوية بين جنود القوات المسلحة. نقلت وجهة النظر هذه إلى "بابكر عوض الله"، فجاء رده حاسماً، ورفضه قاطعاً. وألغى لقاءً كان مزمعاً عقده مع  وفد الكنائس.

اعترض الدكتور "جعفر محمد على" على مطالب وقف إطلاق النار، انطلاقاً من أنه لا يجد قبولاً لدى الجيش، وينطوي على اعتراف بأن هناك جيشين يقتتلان، بينما هناك جيش واحد شرعي هو الجيش الوطني المناط به مسؤولية توليه حفظ الأمن، وردع المتمردين. وأن قبول الحكومة لوقف إطلاق النار يعتبر ضعفاً منها، ولكنه مع ذلك يتفهم الاقتراح كجزء من عملية السلام المؤلفة من عدة خطوات، يجدد اتخاذها للوصول إلى تسوية شاملة. وكان هذا الرأي هو الرأي السائد في أوساط الحكومة.

وقبل أن يغادر وفد "مجلس الكنائس العالمي ومجلس عموم كنائس أفريقيا" الخرطوم، طلب "أبيل ألير" واللواء "الباقر" من الوفد، أن يتم لقاء تمهيدي بينهما مع ممثلي حركة تحرير جنوب السودان في أديس أبابا في التاسع من نوفمبر 1971. وافق الوفد على الاجتماع، على أن يتم تدبيره عن طريق سكرتير مجلس كنائس السودان "سمويل أتى بوقو"، وكان مقرراً أن يتم هذا اللقاء في سرية تامة.

4. المحادثات السرية

جرى ترتيب اللقاء، وقبل تحرك الوفد إلى إثيوبيا تم استفتاء على رئاسة الجمهورية، وأصبح اللواء "جعفر محمد نميري" رئيساً للدولة في شهر سبتمبر 1971م، وعُين "بابكر عوض الله" و "أبيل ألير" نواباً للرئيس.

أُجريت المحادثات، في التاسع من نوفمبر 1971، في سرية تامة بين الوفد السوداني، المكون من "ألير" و"الباقر، ووفد الجنوب المكون من "الدكتور لورنس وول"، و"مادنق دي قرنق"، و"اليسابانا.ك. مولاً"، و"جوب أدير، وأنيانيا فولفو والقس بول يوك" وفي صحبتهم "سير دنقل فوت" المحامى البريطاني مستشاراً قانونياً للوفد. كما حضر اللقاء موظفو السفارة السودانية في أديس أبابا، وانتهت المحادثات يوم 13 نوفمبر بعد عرض كل وفد لوجهة نظره. وعرض الوفد على الرئيس نميري  المقترحات الآتية:

أ. أن الفرصة كبيرة في التفاوض على أساس سودان موحد.

ب. أن تقلل الحكومة من العمليات العسكرية، إلاّ في حالة الدفاع عن النفس.

ج. أن يُخفف من الدعاية ضد الأنيانيا.

لم يعلن الرئيس "نميرى" موافقته على المقترحات، إلاّ أنه عَمِل بها. وأرسل في بداية شهر ديسمبر 1971 اللواء "فضل الله حماد" إلى الجنوب بتعليمات سرية لكل القادة العسكريين هناك، ليخفضوا من هجومهم على الأنيانيا إلاّ في حالة الدفاع عن النفس. وأصدر تعليمات لأجهزة الإعلام لوقف دعايتها وهجومها على الأنيانيا. وهدأت العمليات العسكرية، وتوقفت تماماً في يناير وفبراير من عام 1972.

ثانياً: التحضير لمحادثات "أديس أبابا"

جرى التحضير للمحادثات خلال شهر يناير، 1972. في ضوء الآتي:

1. تعيين سياسيين جنوبيين ـ ذوي المكانة الشعبية ـ محافظين للمديريات الجنوبية الثلاث بدرجة وزير، وهم:

·   هلري لوقالى السكرتير السابق لجبهة الجنوب، والنائب السابق لجوبا في البرلمان، والوزير المركزي السابق ـ محافظاً للاستوائية.

·   لويجى آدوك ـ العضو السابق في مجلس السيادة وفي البرلمان ـ محافظاً لأعالي النيل.

·   الدكتور "توبى مادوت" ـ العضو السابق في البرلمان، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب سانو ـ محافظاً لبحر الغزال.

وبذا أصبح الجنوبيون لأول مرة في تاريخ السودان مسؤولين عن مواطنيهم. كذلك أُفرج عن "كلمنت أمبورو" الرئيس السابق لجبهة الجنوب، استجابة لرجاء من حركة التحرير. وأعدت أجنده المؤتمر.

2. تشكيل وفد الحكومة السودانية: عُين "أبيل ألير" رئيساً لوفد المحادثات، الذي شُكل من سبعة أعضاء، هم: اللواء "محمد أحمد الباقر أحمد" عضو وفد المحادثات السريه، والدكتور  "جعفر محمد على بخيت" وزير الحكومة المحلية عام 1971، والسيد "عبدالرحمن عبدالله" وزير الخدمة العامة والإصلاح الإداري، والدكتور "منصور خالد" وزير الخارجية، والعميد "ميرغني سليمان خليل" والأميرألاي" عبدالله خليل"، والعقيد "كمال أبشر". وانضم إلى الوفد السفير " أحمد صلاح بخاري"، سفير السودان في إثيوبيا، والسفير "الأمين محمد الأمين، "سفير السودان في كينيا.

3. تشكيل وفد حركة تحرير الجنوب: تألف الوفد من ثمانية أعضاء، هم: "أزبوني منديري" وزير المواصلات السابق في حكومة أكتوبر (64 ـ 1965)، و"لورانس وول" و "ماندق دي قرنق" اللذان اشتركا في حوار نوفمبر 1971، و"الوفر البيو ناتالى"، والعقيد "فردريك بريات مودى" رئيس أركان الأنيانيا، و"مقوت كازبونى"، و"انجلوفوقا" معاون جوزيف لاجو، والقس "بول بوك" و "وجوب أوير".

ثالثاً: المباحثات

عقدت جلسة المباحثات الأولى في السابع عشر من فبراير 1972، وفيها قدم وفد الجنوبيين  مذكرة اشتملت على النقاط الآتية:

1. موافقة الوفد رسمياً على التفاوض مع حكومة السودان، بغرض الوصول إلى حل سلمى لمشكلة الجنوب في إطار وحدة السودان.

2. اعتراف الوفد بصدق الحكومة، ورغبتها في الوصول إلى تسوية للنزاع.

3. اقتراح حُكم فيدرالي في السودان.

4. أشارت المذكرة إلى اختلاف اللغة بين الشمال والجنوب، كما أشارت إلى المناطق خارج حدود المديريات الجنوبية، التي كان ينبغي أن تكون جزءاً من الجنوب، وهي "أبيي" في جنوب كردفان، وبعض أجزاء من مديرية النيل الأزرق.

5. اقتراح وضع التجارة الخارجية والتعليم في يد الحكومة الإقليمية  الجنوبية.

6. قيام حكومة برلمانية ذات مجلسين في المستوى الفيدرالي.

7. قيام إقليمين شمالي وجنوبي.

8. أن يكون لكل إقليم جيش خاص به، بالإضافة إلى الجيش الفيدرالي، الذي يُختار ضباطه وجنوده بأعداد متساوية من كل إقليم.

ودارت المحادثات حول النقاط الرئيسية الآتية: الثقافة، اللغة، المزايا السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي يمكن الحصول عليها بالمشاركة في السلطة، مؤسسات إدارة وتطوير الحقوق التي تكتسب، والمناطق التي يتكون منها جنوب السودان.

ووصل المؤتمر إلى القرارات الآتية

1. أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للشمال، واللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للجنوب، كما سمح بتطوير اللغات الأجنبية الأخرى في الجنوب.

2. تشكيل لجنة لدراسة المناطق، التي تتشكل منها حدود الجنوب.

3. عرض الجنوبيون تقسيم السودان إلى أربعة أقاليم: "شمالي، وجنوبي، وشرقي وغربي"، ووافق المؤتمر على إقليمين فقط، هما الشمالي والجنوبي.

4. تقرر أن تخصص الحكومة المركزية مواردها، القائمة والمتوقعة، في الإقليم الجنوبي لتنميته، حيث كان يعاني من ضعف موارده.

5. بالنسبة لتكوين مؤسسات الإقليم واختصاصاتها، تم الاتفاق على إنشاء مؤسسة تشريعية وأخرى تنفيذية، مقرها مدينة جوبا، عاصمة الإقليم الجنوبي، على أن تنتخب الهيئة التشريعية الإقليمية  من خلال انتخابات عامة تجرى في الجنوب بين السكان المقيمين فيه. وأن تخصص لهذه الهيئة التشريعية مهمة انتخاب رئيسها، وانتخاب رئيس المجلس التنفيذي العالي وعزله، ومراقبة الجهاز التنفيذي. أما الجهاز التنفيذي فيختص بمشروعات القوانين، التي تقدم للهيئة التشريعية، وتحديد اختصاصات ومسئوليات المصالح والوحدات المختلفة، وتأسيس وتطوير خدمة مدنية إقليمية.

6. جرى الاتفاق على كفالة حرية التنقل للمواطنين من الإقليم وإليه، وعلى المساواة في الحقوق والواجبات، بين المواطنين السودانيين.

7. تم الاتفاق على مشروع قانون يضمن التمسك بالحقوق الأساسية، لسائر المواطنين في السودان، ويحقق المساواة بينهم، وحقوق المواطنة وحرية العبادة، وحماية العمل، وحقوق الأقليات في استخدام لغاتها ولهجاتها وتطوير ثقافتها، وحماية الحريات الشخصية، على أن يضمّن مشروع القانون هذا في الدستور، الذي كان إعداده جاريا حينذاك.

8. تم الاتفاق على وضع الجيش وتجنيد المواطنين الجنوبيين، وسبل إنهاء الحرب الأهلية.

9. تم الاتفاق على صياغة ما تم التوصل إليه من اتفاقيات في صورة قانون، يصدر باسم "قانون الحكم الذاتي لمديريات السودان الجنوبية"، وأن يكون قانوناً أساسياً لا يجوز تعديله إلاّ بموافقة ثلاثة أرباع الأعضاء في مجلس الشعب القومي، على أن يزكيه ثلثي الأصوات في استفتاء يجرى في المديريات الجنوبية الثلاث في السودان.

كما ناقش المؤتمر ثلاث نقاط حيوية حول الترتيبات الأمنية، وهي:

1. سلامة قاطني الجنوب، وتحقيق الأمن والأمان لهم.

2. تأمين الاتفاقية والحرص عليها وسلامتها.

3. تأمين السيادة الوطنية.

ولتحقيق سلامة قاطني الجنوب، يرى وفد الجنوبيين أن يكون للجنوب السيطرة على الجيش في الجنوب ضماناً للإدارة المقتدرة، ولسلامة الاتفاقية وحمايتها من نزق العناصر الشمالية المتطرفة، التي قد تراودها نفسها بانتزاع السلطة وتعريض المدنيين في الجنوب للخطر. وأن يكون قوام الجيش من أبناء الجنوب، ورئاسته في الجنوب، وتتولى الحكومة المركزية تدريبه وتسليحه وتمويله. كما يرى وفد الجنوب إنشاء حرس للحدود في الجنوب، قوامه ثلاثة آلاف رجل، مسلح بالبنادق والمدافع والعربات ووسائل الاتصال؛ أفراده كلهم من الجنوبيين ووظيفته حماية الحدود الجنوبية للسودان، ولم يوافق وفد الحكومة. ثم عدل اقتراح الحكومة ليكون تشكيل القيادة الجنوبية بنسبة ثلاثة من رجالها للشمال وواحد للجنوب، ولكن وفد الجنوب لم يقبل، وطلب الأخذ بنسبة التمثيل، عكس ما ذهب إليه اقتراح الحكومة، أي ثلاثة للجنوب وواحد للشمال. ولم يُقبل الاقتراح من الحكومة. نادى وفد الجنوب بإعادة تشكيل القيادة الجنوبية، لتكون قيادة من الجنوبيين ومقرها الجنوب، وقيادة شمالية من الشمال ومقرها في الشمال، على أن يتم تدريبهما وإعدادهما والإنفاق عليهما من خزينة الحكومة المركزية. كما تنشأ قوة للحكومة المركزية يُجند رجالها بالتساوي من الإقليمين الشمالي والجنوبي، ويكون مقرها الخرطوم. وأُخذ باقتراح القوة المركزية، وشُكل منها الحرس الجمهوري في عام 1972.

وبتعثر المحادثات حول هذه النقطة، اتفق الوفدان على اللجوء إلى الإمبراطور هيلاسلاسي لاستشارته، فأبدى الإمبراطور هيلاسلاسي وجهة النظر الآتية: "إن لكل دولة متحدة جيشاً واحداً ذا قيادة موحدة، وعلى السودان ألاّ  يشذ عن هذه القاعدة وهذا العرف السائد دولياً، وأن على قادة الجنوب الالتزام بمبدأ الجيش الواحد للسودان كله، تحت قيادة موحدة. وأن عصر الطائرات التي تزيد سرعتها عن سرعة الصوت، وأن سلاح الطيران السوداني له اليد العليا على سائر القوات التقليدية الأخرى، وعليه فإن وضع قوة تقليدية مشتركة في جنوب السودان، لا يشكل الخطر الذي يخشاه وفد الحكومة. يضاف إلى هذا أن وجود  قوة في الجنوب بإعداد متساوية من الجنوبيين والشماليين، من شأنه أن يطمئن أهل الجنوب على سلامتهم، وعلى مساواتهم في المسؤولية الوطنية، ويوفر أسباب التفاهم بين أهل السودان". وأسعد هذا الرأي أهل الجنوب، ولو أنه لم يلبِ مطالبهم.

تقدم الوفد الجنوبي بمقترح أخر يقضى "بإنشاء وحدة منفصلة من الجيش الشعبي في الإقليم الجنوبي، تسمى "القيادة الجنوبية"، يجند ضباطها وجنودها من مواطني الإقليم الجنوبي، وتخضع لقيادة رئيس المجلس التنفيذي العالي، على أن تؤول هذه القيادة إلى رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ الوطنية، أو عند وقوع اضطرابات. وبعد مباحثات طويلة تم التوصل إلى الاتفاق التالي: أن تتألف القيادة الجنوبية من أثني عشر ألف ضابطٍ وجندي، نصفهم من الجنوبيين. وأن تكون القيادة  العليا على القيادة الجنوبية لرئيس الجمهورية، يمارسها بالتشاور مع رئيس المجلس التنفيذي العالي للإقليم الجنوبي. وتم إدراج الاتفاق الخاص بالقوات المسلحة، في بروتوكول مؤقت خاص بالترتيبات العسكرية.

انتهي مؤتمر أديس أبابا مساء السابع والعشرين من فبراير عام 1972، وأُعدت الوثائق الخاصة بما عُرف بـ "اتفاقية أديس أبابا"، واشتملت على الآتي:

1. الترتيبات الدستورية، الخاصة باتفاقية الحكم الذاتي للمديريات الجنوبية.

2. وقف إطلاق النار.

3. خمس بروتوكولات، الأول عن عودة اللاجئين، والثاني عن الإغاثة وإعادة التوطين، والثالث عن الترتيبات الإدارية، والرابع عن الترتيبات العسكرية المؤقتة، والخامس عن الترتيبات القضائية والعفو العام.

ووقع أعضاء الوفدين بالأحرف الأولى من أسمائهم على الاتفاقية، كما وقع عليها ممثل الحكومة الإثيوبية، وممثلان لمجلس الكنائس العالمي كشهود.

رابعاً: التصديق على الاتفاقية

عُرضت الاتفاقية على الرئيس السوداني، الذي عرضها على مجلس الوزراء والمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي السوداني. ثم عُرضت على القوات المسلحة، وكبار موظفي الخدمة المدنية، وقادة الشرطة والسجون، واتحادات العمال، ومنظمات الشباب والنساء.

وأعلن الرئيس "جعفر نميري" في الثالث من مارس 1972، تأييد الحكومة لاتفاقية أديس أبابا. وجرى إعلان التأييد في لقاء جماهيري ضخم، في حي ودنوباوي في أم درمان. وعقب ذلك صدرت التعليمات الآتية: أمراً بإيقاف إطلاق النيران ابتداء من ظهر الثالث من مارس، موجه إلى جميع الوحدات العسكرية في الجنوب. ثم التوقيع على قانون اتفاقية الحكم الذاتي للمديريات الجنوبية. وأُعلن عفو عام، كما استبدل بالقادة العسكريين الثلاثة في الجنوب، الذين كانوا يقودون معارك حربية ضد الأنيانيا، قادة جدد يتولون تصريف المهام العسكرية الجديدة لجيش ما بعد الحرب.

حُدد موعداً الثاني من مارس للتصديق على الاتفاقية، وأجل إلى السابع والعشرين من الشهر نفسه بناء على طلب من الحركة. وطرأت بعض المشاكل في صفوف حركة تحرير جنوب السودان، أثارتها الجماعات المتطرفة، التي لم ترض عن الاتفاقية، أو آخرون ينادون بانفصال الجنوب، أو بجيش خاص بالجنوب فقط من أبنائه، وبسلطات واسعة تشبه سلطات دولة مستقلة، بما في ذلك سلطة إبرام المعاهدات مع الدول الأجنبية. ولكن أمكن أخيراً التغلب على هذه الصعاب، ووقع على الاتفاقية يوم 27 مارس 1972 "اللواء جوزيف لاقو" قائد قوات الانيانيا، وزعيم حركة تحرير جنوب السودان عن الجنوب، والدكتور "منصور خالد" وزير الخارجية، عن حكومة السودان.

1. تعيين المجلس التنفيذي العالي

نص القانون رقم 22 الصادر في 3 إبريل عام 1972، على أن يُشكل مجلس تنفيذي انتقالي عالٍ لحين الفراغ من إجراءات انتخابات مجلس الشعب الإقليمي، وتكوين المجلس التنفيذي العالي. ونص القانون على أن يُشكل المجلس الانتقالي من رئيس للمجلس، وعدد أحد عشر مفوضاً. وتولى رئاسة المجلس السيد "أبيل ألير"، وضمت الحكومة الإقليمية المؤقتة ممثلين لمختلف الاتجاهات السياسية، التي كان لها دور خارج أو داخل السودان. وجاء معظم الأعضاء من جبهة الجنوب وقوات الأنيانيا. كما تضمن التشكيل أيضاً عضوين من حزب سانو. ثم أجريت انتخابات مجلس الشعب الإقليمي في نوفمبر 1973م، وعُقدت أول جلسة للمجلس في ديسمبر 1973.

2. بدأ العمل بتنفيذ اتفاقية أديس أبابا

في شهر فبراير سنة 1972، عُين السيد جوزيف لاقو برتبة اللواء في قوات الشعب المسلحة، واسند إليه إعادة تجميع قوات الأنيانيا لاستيعابهم في صفوف القوات المسلحة. وبدأت حكومة السيد أبيل ألير في تولي مسؤولياتها في إبريل 1972. وكونت لجنة فنية بغرض استيعاب الأنيانيا بالقوات المسلحة، والقوات النظامية الأخرى. وكان من قوات الأنيانيا ما لم تسمح مؤهلاته أو إعداده بالانخراط في صفوف القوات المسلحة، أو القوات النظامية الأخرى. فوجدت لهم مواقع عمل أخرى مثل شق الطرق، والمشـاريع الزراعية والمرافق الأخرى. وقد مُنح بعض الضـباط، الذين تقدمت بهم السن معاشات لتعينهم في العيش، أسوه بمن استوعبوا ضابطاً نظاميين.

خامساً: الانتخابات الإقليمية

في نوفمبر 1973، أجريت انتخابات مجلس الشعب الأول للإقليم الجنوبي. وتلا ذلك في ديسمبر 1973، ترشيح وانتخاب السيد أبيل ألير أول رئيس للمجلس التنفيذي العالي. وكان واجب الحكومة الإقليمية الأول هو إعادة التعمير، وتشغيل المشاريع الزراعية المتوقفة، ووضع خطة مدروسة لإنعاش الاقتصاد والخطط التنموية. وصاحب هذه الفترة انتعاش ملحوظٌ في إعادة تشغيل المشاريع المتوقفة، مثل مشاريع زراعة البن، والشاي، والغابات، والأرز. وفتحت المدارس وأنشئت جامعة جوبا، وكثير من المرافق الصحية، إلى جانب تنظيم الخدمات البيطرية.

1. عملية الانصهار

حدث في فترة الانصهار بعض الحوادث المخلة بالأمن، التي سرعان ما تولت السلطات إخمادها واحتواءها. وكان طابع بعض هذه الحوادث يرجع إلى عملية الانصهار، المدرجة في بنود اتفاقية أديس أبابا. مثال ذلك عندما بدأ نقل بعض الوحدات العسكرية إلى الشمال، لم يتم إيضاح الهدف من هذه العملية لهذه القوات، فرفض بعضها الأوامر بالتحرك إلى الشمال.

2. تمرد أكوبو عام 1975

أُقيم الاحتفال بيوم الوحدة الوطنية في مدينة "واو"، عاصمة إقليم بحر الغزال، في أوائل مارس 1975. وحضر الاحتفال رئيس الجمهورية "جعفر نميري"، والنائب الأول اللواء "محمد الباقر أحمد". وفي فجر ذلك اليوم، وقع اعتداء من جنود جنوبيين من قوة معسكر أكوبو، على زملائهم من الشمال من سرية الكتيبة 116، التي وصلت من ملكال إلى أكوبو في إطار عملية الدمج، وقتل سبعة من الجنود وجرح عدد كبير منهم. وسيطر المتمردون على المعسكر لمدة خمسة أيام. وأمر الرئيس نميري برفع درجة استعداد القوات المسلحة، وتم تحريك لواء مشاه ومجموعة من القوات الجوية في الخرطوم، وحُركت إحدى عشرة طائرة من قاذفات القنابل إلى مطار ملكال.

جرى تحرك سريع لحل المشكلة سلمياً، قام به كل من "أبيل ألير، وجوزيف لاقو". وهربت المجموعة التي نفذت التمرد ـ وكان يتزعمها العريف "جيموبولى"، والملازم "بنسون كور" والرائد "جيمز أديانف" ومعهم أحد عشر جندياً ـ إلى إثيوبيا.

3. انتخابات مجلس الشعب الإقليمي الثاني والثالث

جرت انتخابات مجلس الشعب الثاني للإقليم الجنوبي في عام 1977، وفاز فيها جناح "جوزيف لاقو". وهدفت الحكومة الجديدة إلى إجراء تغيير جذري وشامل، ومعالجة نقاط الضعف، التي حدثت إبان حكومة "أبيل ألير". ولكن اتسمت حكومة السيد "جوزيف لاقو" بعدم التجانس، والممارسات غير السليمة من قبل وزرائها. فحلّ الرئيس نميري الحكومة عام 1980، وعين حكومة مؤقتة برئاسة "بيتر جات كوث". وأنيط بالحكومة الجديدة إجراء انتخابات مجلس الشعب الإقليمي الثالث.

أسفرت الانتخابات الجديدة عن فوز السيد "أبيل ألير" فعُين رئيساً للحكومة الإقليمية للمرة الثانية. وكانت السمة البارزة لهذه الفترة سيطرة أبناء الدينكا على معظم المواقع السياسية والإدارية المهمة، والتكالب على كراسي الحكم، والسعي وراء الثراء، مما أدى إلى تفشى حالة من عدم الاستقرار في الإقليم ترجع إلى الأتي:

أ. اعتراض حكومة الإقليم الجنوبي على تصديق الحكومة المركزية لشركة شيفرون للبترول، بإجراء التنقيب عن النفط في منطقة "بور" بالإقليم الجنوبي، دون علم حكومة الإقليم.

ب. محاولة فصل جزء من مديرية  بحر الغزال، وضمه إلى إقليمي دار فور وكردفان. ويدخل ضمن ذلك منطقة "بانتيو" إحدى المناطق التي اكتُشِفَ بها النفط.

أُقيلت حكومة "أبيل ألير" في 5 أكتوبر 1981، وعُينت حكومة انتقالية برئاسة اللواء "قسم الله رصاص"، لإجراء استفتاء شعبي حول فكرة التقسيم، وتصفية الخلافات بين المجموعات المتناحرة. وأُجرى الاستفتاء في 5 يونيه 1982، وانتخب "جيمس طُمبرة" رئيساً للمجلس التنفيذي العالي والحكومة الإقليمية. وشهدت حكومة هذه الفترة الانقسامات بين مؤيدي التقسيم ومعارضيه، ووصفت الحكومة بعدم الكفاءة في إدارة شؤون البلاد.

سادساً: قرار التقسيم

أصدر الرئيس نميري قراراً بتقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم، في نهاية يوليه 1985، كالآتي:

1. إقليم أعالي النيل .

2. إقليم بحر الغزال.

3. إقليم الاستوائية.

وعُين حكام لهذه الأقاليم بقرار صادر من قبل رئيس الجمهورية (انظر ملحق أمــر مؤقت إعادة تقسيم المديريات (تعديل لسنة 1976) (أمر مؤقت رقم 2 لسنة 1976)).

لقي قرار التقسيم قبولاً من بعض القبائل قليلة العدد، مثل النوير والشلك. فقد منحها نوعاً من الاستقلال في إدارة شؤون مناطقهم. بينما عارضته قبيلة الدنيكا على أساس أن التقسيم محاولة من الحكومة المركزية لإضعاف الإقليم، وزيادة سيطرة الشمال عليه. إضافة إلى أن اتفاقية أديس أبابا لم تنص على ذلك، وأنه إذا كان هناك ضرورة للتقسيم، فمثل هذا القرار يمكن إجازته عن طريق مجلس الشعب الإقليمي. وقد أدى قرار التقسيم إلى حالة من الغليان وعدم الاستقرار في الإقليم، كما أوجد حالة من  عدم الثقة بين القبائل.

سابعاً: قوانين سبتمبر 1983

أدّى صدور قوانين سبتمبر 1983، وإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، إلى توتر شديد في الإقليم الجنوبي، وكذلك في دول الجوار المسيحية والدول الكبرى، التي عَدّته مدّاً إسلامياً. وقد أوجدت تلك القوانين الأرضية الخصبة لعمل الهيئات التبشيرية والكنيسية، وصاحب ذلك هجمة إعلامية ودولية شرسة. وبدأت المساعدات تُرسل لمتمردي الجنوب الموجودين في إثيوبيا.

تزامن مع صدور قوانين سبتمبر 1983، حدوث تمرد بالفرقة الأولى في الجنوب. وانحصر التمرد في الكتيبة 105 المتمركزة في بور والبيبور، وفي الكتيبة 104 المتمركزة في الناصر. وكان سبب التمرد عدم صرف الجنود لرواتبهم نتيجة خلل نظام الصرف المعمول به، ثم ما أعقب ذلك من محاولات تغيير هذه الوحدة بوحدات من الشمال، مما دفع كتيبتين مسلحتين إلى اللجوء لإثيوبيا. وأدّى ذلك إلى رفع مستوى الكفاءة القتالية للمتمردين.

تولى العقيد "جون قرنق" قيادة الفئات المتمردة، وشكّل الجبهة الشعبية لتحرير السودان "S.P.L.M."[1]، وجيش تحرير شعب السودان "S.P.L.A."[2]، ووضع برنامجاً لحركته بالتنسيق مع إثيوبيا، في أغسطس 1983. وقد عكس برنامجه التوجهات الاشتراكية اليسارية للجبهة، ورفع شعار تحرير السودان كله من الحكم العسكري، وإحلال حكم اشتراكي بدلاً عنه.

نتيجة للصدام بين حركة جون قرنق وحركة الأنيانيا، عادت الأنيانيا إلى السودان، وتحالفت مع الحكومة السودانية. ونتيجة لسوء العلاقات الإثيوبية السودانية في تلك الفترة، تولت إثيوبيا تدريب وتسليح وإعداد قوات المتمردين، التي نمّت علاقاتها مع كلٍّ من ليبيا وعدن وإسرائيل، والقوى العظمى، التي أقلقها التوجه الإسلامي لنظام الحكم في السودان.

استطاع جون قرنق توحيد حركات التمرد الجنوبية في الخارج علانية، وفي الداخل سراً. كما شاركت دول حلف عدن الثلاثي، "ليبيا، واليمن العربي، وإثيوبيا"، بدور كبير في توحيد حركات التمرد الجنوبية ومساندتها، وتوفير معسكرات التدريب والمدربين. وأصبحت ليبيا المصدر الأول للسلاح المتطور للمتمردين بدءاً من عام 1983. واستمر الدعم الغربي والكنسي للمعارضة السياسية الجنوبية، باعتبار أن الصراع ديني، أو على الأقل بعض أطرافه مسيحيون.

بدءاً من عام 1983، بدأ جيش تحرير شعب السودان "S.P.L.A." عملياته المكثفة بعدد ست كتائب، تضم كل منها 1200 مقاتل، ومثلهم حمّالين. فشنّ جيش التحرير، سلسلة عمليات رئيسية، على المدن ومشروعات التنمية في الجنوب، والسفن والبواخر النهرية وقطع الملاحة النهرية. فأدى ذلك إلى توقف التنقيب عن النفط، والمشروعات الزراعية، وجسر أويل للسكة الحديد، ومطار جوبا. واستنُزفت موارد السودان الاقتصادية والمادية، واضطرت القوات المسلحة السودانية إلى نشر قواتها على رقعة كبيرة من الأرض. وتوقف العمل في مشروع قناة جونقلي، التي كان يجرى حفرها بواسطة حكومتي مصر والسودان.

في هذه الفترة اتسم حكم الرئيس نميري أيضاً بعدم الاستقرار، حيث تغيرت السياسات مراراً، واستحوذ الرئيس على كل السلطات في يده. وبذا أصبح الحكم حكماً فردياً، وأصبح الموقف السياسي في السودان ممهداً لإحداث تغير فيه.

 



[1] S.P.L.M.: Sudan People’s Liberation Movement.

[2] S.P.L.A.: Sudan People’s Liberation Army.