إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث الثاني

المبحث الرابع

تطور مشكلة الجنوب الفترة 1985 – 1989

أولاً: الفترة الانتقالية (أبريل 1985 ـ مايو 1986)

·   واجهت الحكومة السودانية منذ منتصف السبعينات، العديد من المشاكل الداخلية، التي نجمت عن:

·   توتر العلاقات مع دول الجوار وبعض القوى الكبرى، نتيجة للإعلان عن منهج العمل السياسي والاقتصادي بين مصر والسودان في عام 1974. ثم اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين في الخامس عشر من يوليه 1976، ثم ميثاق التكامل بينهما في الثاني عشر من أكتوبر 1982. وقد أدى ذلك إلى توتر علاقات السودان مع إثيوبيا وليبيا، وتحرك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وإسرائيل لإحباط التكامل، حتى لا تكون هناك قوى كبرى قوية تسيطر على المنطقة وتهدد مصالح تلك الدول. وقد أثارت بعض هذه الدول الاضطرابات الداخلية في السودان، وحرّكت مشكلة جنوب السودان.

·   حالة التصحر والجفاف التي ضربت البلاد، ثم نشاط جبهات الجنوب وإيقافهم أعمال التنقيب عن النفط، ثم مشروع قناة جونقلي. وأدى ذلك إلى زيادة تدهور الموقف الاقتصادي وارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه السوداني.

·   زيادة أعداد اللاجئين إلى الأراضي السودانية من إثيوبيا وتشاد وأوغندا، وما صاحب ذلك من تهديد للأمن القومي السوداني.

·   إعلان الشريعة الإسلامية، الذي أدّى إلى تخوف الدول الكبرى، والدول الأفريقية المسيحية من أن يؤدى ذلك إلى مدٍّ إسلامي داخل أفريقيا.

·   رفعت الحكومة، في 26 مارس 1985، الدعم عن السلع الغذائية، وخفّضت قيمة الجنيه السوداني.

أدت تلك العوامل إلى خروج تظاهرات الطلاب، التي انضم إليها العاطلون والمتسكعون وحدثت اشتباكات مع رجال الأمن.

ولمّا تصاعّد الموقف، وازدادت حدة التظاهرات وآزرتها كل قوى الشعب، أعلن الفريق أول "سوار الذهب"، وزير الدفاع، انحياز القوات المسلحة للشعب، والاستيلاء على السلطة في 6 أبريل 1985، على أن تنقل السلطة إلى الشعب بعد فترة انتقالية مدتها عام. وأعلن إعفاء الرئيس نميري والوزراء من مناصبهم، وشكل ما سُمي بالمجلس العسكري الانتقالي، وعُرفت حكومته بحكومة "الانتفاضة الشعبية".

اتفق المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، مع ممثلي القوى الوطنية على تشكيل وزارة انتقالية، يشترك فيها ثلاث وزراء جنوبيين. ووافق تجمع السياسيين الجنوبيين "S.S.P.A." على ذلك، بينما اتخذ تجمع الجنوبيين "S.P.K."، وكان يسمى المؤتمر الأفريقي السوداني "S.A.C."، موقفا أخر طالب فيه بتمثيل الجنوب بثلث أعضاء مجلس الوزراء.

عندما تولى المجلس العسكري الانتقالي السلطة، كان هناك سلطتان أخريتان مناؤتان للحكم، هما الأحزاب، وكانت تتمتع بحرية حركة كبيرة، وترسل الوفود للخارج وتعقد الاتفاقيات الثنائية. أما السلطة الثانية فهي التجمع الوطني والتجمع النقابي، الذي كان يسعى للتقارب مع جون قرنق.

1. مشكلة الجنوب في الفترة الانتقالية

قرر المجلس العسكري الانتقالي حل مشكلة الجنوب، في إطار حكم ذاتي إقليمي، داخل مبدأ "السودان الموحد"، من خلال انتهاج سياسة حوار ديموقراطي مع كافة القوى الجنوبية. وتمهيداً لذلك، اتخذ الإجراءات الآتية:

أ. إيقاف قرارات تقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقسام.

ب. إيقاف العمل بقوانين الشريعة الإسلامية في الجنوب.

ج. إيقاف العمليات العسكرية في الجنوب.

د. الدعوة إلى مؤتمر قومي لزعماء الشمال والجنوب وجون قرنق، لحل المشكلة.

هـ. تعيين مجلس تنفيذي عالٍ لحكم الجنوب، كاتجاه نحو توحيد الجنوب في إقليم واحد.

عقب الانتفاضة الشعبية في أبريل 1985، أصبحت خريطة الأحزاب الجنوبية تضم الآتي:

أ. التجمع السياسي في جنوب السودان، بقيادة "صمويل أرو" S.S.P.A.

ب. حزب سانو، بقيادة "أندرو ويو".

ج. حزب سابكو، وهو اختصار لاسم "الحزب السوادني الأفريقي"، ويتزعمه "اليابا سرور".

د. حزب "S. A. C" المؤتمر الأفريقي السوداني، ويتزعمه "د. والتركونجوك".

هـ. الحزب الفيدرالي، ويرأسه "جوشوادى وال".

و. الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة "جون قرنق".

ز. حزب السلام، ويرأسه "رمضان شول"، وهو يدعو إلى الارتباط بالإسلام والدول العربية.

ح. حزب تحرير السودان، ويرأسه "إبراهيم الطويل".

والحزبان الأخيران من الأحزاب الصغيرة عديمة الفاعلية.

رفض جون قرنق الاعتراف بالمجلس العسكري، باعتباره استمراراً لثورة مايو 1969. وأعلن عدم اعترافه بالوضع القائم، واعتدت قوات الخوارج على قرية القردود، جنوب كردفان.

تركزت مطالب الجهات المعارضة في إقصاء الحكومة العسكرية، وتقسيم ثروات الجنوب مناصفة بين الشمال والجنوب، وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية، مع إعطاء مهلة أسبوع واحد لتخلي العسكريين عن السلطة للشعب.

أصدر المؤتمر الأفريقي السوداني "S.A.C."، بياناً طالب فيه بإلغاء اتفاقية التكامل، واتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان، والانسحاب من حلف دول البحر الأحمر (يُقصد به اتفاق الدفاع المشترك وجامعة الدول العربية)، وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية. ومعروف أن هذا المؤتمر تسيطر عليه عناصر يسارية، وأنه على علاقه بجون قرنق. وعلى النقيض، استجاب لدعوة الحوار التجمع السياسي لجنوب السودان "S.S.P.A." بقيادة صمويل أرو، والذي يضم سانو وأنيانيا 2، وأعلنت أنيانيا 2 توقفها عن الصراع المسلح (انظر ملحق نشأة منظمة أنيانيا2 وأهدافها العسكرية والسياسية).

جرت يومي 24، و25 سبتمبر 1985، محاولة عنصرية من أهل الجنوب والنوبة، للاستيلاء على السلطة في كل السودان. وكان وراء المحاولة الأب فيليب غبوش (زعيم الاتحاد الزنجي الأفريقي في الستينيات) ودعوته قائمة على أن غالبية شعب السودان تنحدر من عنصر زنجي، سواء في الجنوب أو في غرب السودان وجبال النوبة. وأنه يحق لهذه الأغلبية الزنجية حكم السودان وتحريره، من حكم الأقلية العربية المسلمة. وقد اتضح وجود تخطيط مشترك لحركة جون قرنق مع حركة إسماعيل يعقوب. وكان مخططاً وصول دعم للحركة النقابية، سواء بالطائرات من إثيوبيا، أو براً بعناصر سودانية متمردة. على أن تتولى الإرساليات في أنحاء السودان، ومجلس الكنائس العالمي، تقديم المساعدات للانقلاب.

بعد اكتشاف المحاولة العنصرية وفشلها، تقدم جون قرنق بشروطه إلى الحكومة الانتقالية لإجراء مفاوضات. فاشترط حل المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء، وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية، وإلغاء الاتفاقيات المبرمة بين السودان ومصر، والسودان وليبيا. (كانت ليبيا بعد الانتفاضة قد أعلنت عن وقف دعمها لقرنق، وفي الوقت نفسه قدمت الدعم العسكري المحدود لحكومة السودان). وقد اشترط قرنق كذلك تشكيل حكومة قومية جديدة، تضم جميع الفئات بما فيها حركته. لكن حكومة السودان لم ترضخ لشروط قرنق.

أعطى جون قرنق لحركته وجيشه صفة الشرعية في تحرير السودان كله. وهو في تلك الفترة لم يكن يسعى إلى حل انفصالي، على الرغم من أن تصريحات ممثل حركته في أوروبا، جون لوك، تعكس سمة الانفصالية للحركة، وهي مماثلة لتصريحات سابقة انفصالية في عام 1956. وهي تصريحات تركز على أن السودان ليس عربياً، بل أفريقي متعدد الأجناس، وأن العرب فيه أقلية.

2. مؤتمر كوكادام

عُقد في شهري فبراير ومارس 1986، اجتماعٌ بين قادة التجمع الوطني للإنقاذ، والحركة الشعبية لتحرير السودان في منطقة كوكادام في إثيوبيا. وحضر الاجتماع قادة التجمع وحزب الأمة برئاسة "إدريس البنا"، ومن الجنوب التجمع السياسي لجنوب السودان، والمؤتمر السوداني الأفريقي، والحزب الشيوعي السوداني، والحزب الوطني، والحزب الوطني الاتحادى، وحزب البعث العربي، والحركة الشعبية وجناحها العسكري.

وتوصل المؤتمر في 24 مارس 1986، إلى الاتفاق الآتي:

أ. عقد مؤتمر دستوري لبحث أسس مشاكل السودان، وليس مشكلة الجنوب وحدها.

ب. رفع حالة الطوارئ.

ج. إيقاف إطلاق النار.

د. أن تُبادر الحكومة بالآتي:

(1) إلغاء قوانين الشريعة الصادرة في عام 1983، وسائر القوانين التي تَحُدْ من الحريات.

(2) إلغاء الاتفاقات العسكرية، مع كل من مصر وليبيا، التي تحد من الحريات العسكرية.

(3) يُستبدل بدستور عام 1985 الانتقالي، دستور عام 1956، كما هو معدل في عام 1964.

وقد رأت الحكومة السودانية أن استجابتها لشروط قرنق، سوف تقلل من هيبتها أمام الشعب، وسوف تضطرها إلى قبول شروط أخرى تُفرض عليها. كما ظهر للحكومة السودانية مدى ضغط إثيوبيا على جون قرنق، واستجابته لهذه الضغوط. وبذا فشل مؤتمر كوكادام.

3. تطور الصراع العسكري حتى نهاية الفترة الانتقالية

شهدت الفترة الانتقالية تصعيد الجهات المناوئة للحكومة، عملياتهم العسكرية على نحوٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ مشكلة الجنوب من قبل. وبلغ الصراع مدى ومناطق لم يصلها من قبل، فشمل كل جنوب السودان وجنوب إقليم كردفان، ومناطق الكرمك وجبال الإنقسنا في جنوب النيل الأزرق، وبعض المناطق في شرق السودان. ولم تسلم العاصمة من المحاولات الانقلابية، وشهد السودان عمليات عسكرية يومية، كان حصادها قرب نهاية الفترة الانتقالية كبيراً للغاية. وتلخصها سلسلة معارك روسبيك، في مارس 1986 وما بعدها.

حاصر المتمردون مدينتى "بور وجميزة"، فتقدمت القوات السودانية من جوبا لاستردادهما. كما حاصروا "يرول"، فتقدمت أيضا القوات من واو ورومبيك، وفكت حصارها جزئياً. وأثناء تسليم المتمردين رداً مكتوباً، على مقترحات رئيس الوزراء، استغلوا الظروف وحاصروا مطار ومدينة الناصر، التي كان مقرراً  تسليم الرسالة فيها. وامتد نشاطهم من الناصر إلى ملكال، ومنها إلى ملوط، بضرب البواخر والوابورات النهرية لمنع إمداد وتعزيز الناصر. فتقدمت القوات السودانية ومعها قوات انيانيا، في عملية مشتركة ضد المتمردين لفك حصار الناصر. كما هاجمت قوات التمرد مدينة الكرمك ومنطقة الدمازين وجبال الإنقسنا في منطقة جنوب النيل الأزرق، واستدرجوا القوات الحكومية وسببوا لها خسائر فادحة.

سعى المتمردون إلى تعطيل إجراء الانتخابات، فركزوا عملياتهم في إقليم بحر الغزال، ذي الكثافة السكانية العالية، وأكثرهم من الدينكا. وبدأوا باحتلال "يرول" في ديسمبر 1985، ثم قصف "أويل" و"رومبيك" خلال فبراير 1986، وحِصار "رومبيك" بحوالي أربعة آلاف مقاتل في خمس كتائب، حتى شارفت ذخيرة حامية المدينة وتعيينات السكان على النفاد. فقرر قائد الحامية وضابط أمن المنطقة الانسحاب، ومعهم أهالي مدينة "رومبيك"، إلى مريدي في إقليم الاستوائية. فأعلن المتمردون دخولهم "رومبيك" في 7 مارس 1986. ثم أسقطت ثلاث طائرات انتينوف إثيوبية إمدادات لهم، فتقدموا إلى "التونج" و"واو" و"قوقريـال" و"أويل" لحصارها. وانتشروا في كل إقليم بحر الغزال بقوة تُقارب 40 ألف مقاتل وإداري. فاستغاثت حكومة السودان بالطيران الليبي والدعم العسكري الليبي، لإنقاذ الموقف المنهار.

استغل المتمردون فصل الأمطار، لفتح جبهة جديدة في منطقة جنوب النيل الأزرق. واستمرت المعارك في منطقة "الكرمك"، إلى أن هزمتهم القوات الحكومية.

وتُعتبر منطقة أعالي النيل أكثر المناطق كثافة في العمليات، بسبب طول حدودها مع إثيوبيا. فقد درج المتمردون على التسلل عبرها إلى السودان، والاشتباك في معارك كثيرة مع القوات المسلحة في فشلا، والجكوّ، وأكوبو، والبيبور، والناصر، وملكال وبور. وبعد سيطرة القوات المسلحة نسبياً، تحولت حركة التمرد إلى مجموعات صغيرة، تعمل بين ملكال والرنك.

وظلت المنطقة الاستوائية هادئة عموماً، إلاّ في شرقها حيث دارت العمليات حول "كبوبتا". واعتمد الخوارج في إمدادهم على طريق كينيا ـ الاستوائية، ثم على طريق كينيا ـ أوغندا ـ الاستوائية، خاصة بعد لجوء كثير من الأوغنديين إلى السودان، بعد استيلاء يورى موسيفين على الحكم في أوغندا.

ثانياً: الحكم الديموقراطي الثالث (1986 ـ 1989)

في مايو 1986 استلم مقاليد السلطة في السودان حكم ديموقراطي منتخب، يتكون من مجلس رأس دولة خماسي، ومجلس وزراء. وبدأت الحكومة في ممارسة مسؤوليتها وفقاً للدستور المؤقت، الذي وُضع إبان الفترة الانتقالية عام 1985.

أجريت الانتخابات في السودان في أبريل 1986 في 260 دائرة، ولم تجر في 35 دائرة جنوبية بسبب الحالة الأمنية. وجاءت نتيجة الانتخابات على النحو التالي:

·   105 فائزاً لحزب الأمة.

·   63  فائزاً للاتحاد الديموقراطي.

·   51  فائزاً للجبهة الإسلامية القومية.

·   26  فائزاً للأحزاب الجنوبية.

·   8   فائزين للحزب القومي السوداني.

·   4   فائزين للمستقلين.

·   3   فائزين للحزب الشيوعي.

وشُكلت حكومة ائتلافية من حزبي الأمة والاتحاد الديموقراطي، برئاسة "الصادق المهدي". وفي الوقت نفسه، أُعلن عن تشكيل الجبهة الإسلامية المعارضة بزعامة "حسن الترابي". واختلفت إستراتيجيات الحزبين المؤتلفين، فبينما رأى حزب الأمة أن يتوجه السودان نحو التطبيع مع ليبيا، وإيران وسوريا، وخلق علاقات متوازنة مع كل من السعودية ومصر، رأى الاتحاد الديموقراطي أن تستمر خصوصية العلاقة مع مصر، بينما تكون هناك علاقات حسن جوار مع ليبيا وغيرها من الدول الأخرى. نتيجة لذلك أعلن الصادق المهدي إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، في حين أعلن الاتحاد الديموقراطي بأن الاتفاقية باقية ولن تُلغى. وتوصل الجانبان إلى حل وسط، وهو تجميد الاتفاقية، وأن يُستبدل بالتكامل المصري السوداني ميثاق أخوة بين البلدين. ولم تتمكن الحكومة الائتلافية من إلغاء قوانين سبتمبر، نتيجة لموقف الجبهة الإسلامية.

1. سياسة حكومة الصادق المهدي تجاه الجنوب

أوضح الصادق المهدي سياسة حكومته تجاه الجنوب، وجمهورية مصر العربية في خطابين متتاليين:

الأول: خطاب رئيس الوزراء في افتتاح الجمعية التأسيسية، في 6 مايو عام 1986، ومن أهم ما جاء في ذلك الخطاب:

أ. إنّ إيقاف نزيف الدم في جنوب البلاد، وتشريد الأسر، وتمزيق الأهل، يوجب العمل الشاق المضني للوصول إلى هذه الغاية، ولن تدخر الحكومة جهداً حتى ينعم الأهل في الجنوب بالطمأنينة.

ب. كرامة الوطن تتطلب أن تتعامل الدول عامة، ودول الجوار خاصة، مع السودان على أساس حسن الجوار. ومن ذلك التقارب مع إثيوبيا بما يُحقق التنمية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.

ج. كان الأمل معقوداً في التشاور مع الإخوة الجنوبيين في الجمعية التأسيسية، ولكنهم لم يحضروا الاجتماع.

د. استمرار حكام الأقاليم الجنوبية في تصريف المهام الموكلة إليهم. أمّا المجلس التنفيذي العالي للجنوب، فيظل محلولاً إلى حين الاتفاق على الوضع الجديد.

هـ. العمل على تحقيق أمن الوطن، وإقامة التجربة الإسلامية الصحيحة العادلة.

الثاني: خطاب رئيس الوزراء في قبة المهدي، في مناسبة الترحيب بوفود الأحزاب المصرية، في 7 مايو عام 1986. ومن أهم القضايا التي ناقشها الخطاب:

2. العلاقات المصرية ـ السودانية

أ. الضيوف (المصريون) المشاركون في مولد السودان الجديد، يشتم من كلماتهم الرغبة في التعاون والمودة والإخاء. وبالمثل فإنهم سيجدون على كل المستويات، رغبة في بناء صروح الإخاء في وادي النيل بين شعب السودان وشعب مصر.

ب. عبَّرت التقلبات السياسية في مراحل مختلفة، عن توتر في العلاقات وجفوة بين البلدين؛ وهي جفوة طارئة، لأن الحقيقة التي لا تتغير هي أن بين البلدين إخاء أزلياً لا يتطرق إليه شك في  جوهره ولا زوال. والشعب السوداني يُدرك حقيقة العلاقات الأزلية بينه وبين مصر، وهي علاقات يجب المحافظة عليها ورعايتها.

ج. نأمل أن ترتقى العلاقات بين الدولتين بعيداً عن الانفعالات والمشاعر الطارئة، وأن يوضع ميثاق للإخاء، يُكتب بين الشعبين بصورة تحفظ لهذا الإخاء ديمومته، وتبرأه من أمثال نميري.

د. يستغل نميري كرم وسماحة وضيافة مصر ليرسل الحمم على السودان، والسودان لا يريد معاملة نميري بالمثل، ولكن يريد العدل، ويريد أن ينقل الضيوف (المصريون) ذلك لإخوانه في مصر.

هـ. استغل نميري خصوصية العلاقة بين البلدين، وأفسدها.

و. يريد السودان تبرئة العلاقات الأزلية من كل تلك السلبيات، لكي تنشأ العلاقات على أساس متين ومستمر يرقى على خلافات الأحزاب، ويرقى على العواطف والمشاعر. وقد اقترح الصادق المهدي قيام مؤتمر شعبي ورسمي في البلدين لمناقشة العلاقات المصرية والسودانية، في كلا البلدين، حتى يوضع ميثاق الأخوة ويأتي قوياً. وأن يُقام على أساس هذا الميثاق مؤسسات ترعى معانيه، وتحفظ مبانيه، وتضمن مستقبله. وطلب الصادق أن يحمل المصريون الضيوف إلى أهله في مصر، أنه مصمم على ميثاق الإخاء.

3. مشكلة الجنوب

أ. إقامة كيان قومي تكون الجسور فيه ممتدة مع المعارضة، داخل الجمعية التأسيسية وخارجها في توجه إسلامي حقيقي، لحماية حقوق غير المسلمين المدنية والدينية والإنسانية.

ب. أُبلغ الآن ببشرى تحرير القوات السودانية لمدينة رومبيك، وأنتهز هذه الفرصة لأكرر مرة أخرى مقتي لهذا القتال وسفك الدماء، والتشريد، وأعتبر أن من يُقتل في هذه المعارك إخوة أصحاب حق معه في هذا الوطن، ولكن المسألة مبدئية ولابد من حماية الأموال والأرواح والأعراض والدماء السودانية في كل السودان.

ج. لا مبرر لحمل الأخوة الجنوبيين السلاح، فالشعب السوداني أصبح حراً، و أتيحت له  الفرصة كاملة للتعبير عن رأيه.

د. يعترف الشعب السوداني بوجود مشاكل ينبغي التصدي لها، وعلاجها على أساس أخوي سِلْميِّ متين، ولا ضرورة لحمل السلاح.

هـ. الأمر مفتوح لنقاش ودي سلميِّ لعلاج المشكلات، والفيصل في الأمر الشعب السوداني، الذي يريد أن يعالج قضاياه.

و. اقتناعه واقتناع المؤسسات بالاتجاه إلى  التسوية، والباب مفتوح لأن يجلس الإخوة الجنوبيون  معنا لعلاج مشاكل الوطن، على أساس الإخاء والمودة والسلام.

ويمكن تحديد إستراتيجية الحكومة لحل مشكلة الجنوب في الآتي:

·   حل المشكلة في إطار كيان قومي موحد.

·   الحفاظ على التوجه الإسلامي، وحماية حرية العقيدة والحرية المدنية، لكافة المواطنين.

·   إيقاف القتال، واللجوء إلى الحل السياسي السلميِّ للمشكلة.

سعت حكومة الصادق المهدي في محاولاتها لحل المشكلة، قبل انعقاد مؤتمر القمة الأفريقي في أواخر عام 1986، لتلافي عرض المشكلة على المؤتمر. وعمل جون قرنق على تقويض هذه السياسة، لإضعاف موقف الحكومة أمام المؤتمر. وسعى إلى تصعيد العمليات العسكرية في إقليم الاستوائية، بمحاولة الاستيلاء على مدينة جوبا، عاصمة الإقليم. وعمل على توتر العلاقات مع دول الجوار بالإعلان عن اتصاله برئيس أوغندا، ونقل إذاعة تتبعه إلى الأراضي الكينية، وأعلن عن استخدامه لأراضى كينيا وأوغندا وزائير لحركته.

وعمل السودان على إعداد المسرح السياسي، محلياً وإقليمياً ودولياً، ليؤمن موقفه في الحوار مع المتمردين. وبدأ في تدعيم الموقف العسكري المهتز في الجنوب، ومحاولة عزل جون قرنق عن مصادر دعمه العسكرية والسياسية. وزار رئيس الوزراء السوداني، الصادق المهدي، إثيوبيا في محاولة لتحييدها وعدم تأييدها للتمرد. ثم زار الاتحاد السوفيتي بهدف ضغطه على إثيوبيا، لتضغط على المتمردين للتفاوض مع الحكومة. ثم زار كينيا لمحاولة منع انتشار قوات التمرد فيها، وحاول علاج الفتور مع أمريكا، وسعى لإقامة علاقات متعددة مع الدول العربية وإيران، للحصول على الدعم والقمح والسلاح.

أوقف السودان نشاط منظمة الدعوة الإسلامية في الجنوب، مستخدماً قانون التبشير لسنة 1962، لإيقاف دعاوى الجنوبيين والكنائس المؤيدة للتمرد. ولكنه لم يستطيع الاقتراب من نشاط أربعين منظمة مسيحية، صدر هذا القانون لوقف نشاطها. حاول السودان تغيير موقف الدول العربية المدعمة للقضية الإريترية، لتمكين التفاهم مع إثيوبيا؛ أي اتبع أسلوب التخلي المؤقت والمضّطر عن دعم النشاط الإسلامي والعروبة، وهادن الشيوعية والتبشير والعنصرية ليُخلّص السودان من مشكلة الجنوب.

اجتمع الصادق المهدي مع جون قرنق في أديس أبابا، في يونيه 1986، ولم يتوصل الاجتماع إلى نتائج محددة. واستُكمل الاجتماع بمباحثات وفود شعبية مع قرنق، الذي طالب بالعودة إلى دستور 1956 وتعديلاته حول الحكم الذاتي. وأعلن إمكان الوصول إلى حل مع الخرطوم، بصرف النظر عن أديس أبابا ومشكلة إريتريا. وتوقف الحوار بإسقاط قوات قرنق طائرة مدنية أثناء إقلاعها من مطار ملكال.

أدرك الصادق المهدي أن الحل السلمي وحده لا يكفي، واتجه إلى ما أسماه بالحل السياسي، وأعلن، في 21 أغسطس، وقف الحوار مع قرنق، لأن حركته أثبتت أنها حركه تمرد إرهابية، ذات أهداف غامضة تسعى إلى تحقيقها بالعنف. وأن حادث إسقاط الطائرة يجعل الصادق المهدي يُعيد النظر في موقفه، وأن المواجهة العسكرية مع المتمردين أصبحت حتمية. وفي الوقت نفسه صعَّد قرنق عمليات الخوارج بقصف واو، وهدد بإسقاط أي طائرة تدخل إلى الجنوب. وكان من نتائج حادث الطائرة أن فقد قرنق بعض تحالفاته الخارجية والداخلية، خاصة الغربية والكنسية، لأن أغلب ركاب الطائرة المنكوبة كانوا مدنيين جنوبيين.

تمثل الحل السياسي في إعلان الصادق في 8 نوفمبر، عن محاولات وساطة من جانب أمريكا وإنجلترا وكينيا وليبيا لحل مشكله الجنوب. وبذلك تغير مفهوم الحل السلمي المحلي إلى حل سياسي خارجي، وهو أمرٌ يحاول جون قرنق تجنبه ليكون بعيدا عن تأثير الضغوط الخارجية، ولأن الحل المحلي يُمَكِّنه من إملاء شروطه على الحكومة، مستنداً على دعمه الخارجي، وله أن ينقض الاتفاق المحلي متى شاء، وبما لا يحرج إثيوبيا والاتحاد السوفيتي (سابقاً).

توالت تصريحات القيادات السودانية منذ منتصف فبراير 1986، عن استعداد الحكومة لإخماد التمرد عسكرياً عقب انتهاء موسم الأمطار، وأن الأوضاع تسير إلى الأحسن. ولكن النتائج المعلنة لم تتجاوز ما هو متوقع في هذا الفصل من السنة. كما أن محاولة الخيار العسكري جُريت من قَبْلُ مراراً، ولم تأتِ بالحل. كما صدرت تصريحات للصادق في 18 نوفمبر سنة 1986 عن مناقشة تعديل الدستور فيما يختص بالشريعة، ولإصدار قوانين بديلة، وأنه سيصدر قوانين للنظام الإداري في الجنوب وفقا لإحكام اتفاقيه أديس أبابا، وأن النظام الإداري سيقوم على أساس مجلس أعلى، وحكومات محليه ثلاثة، مع استبعاد المتعاونين مع قرنق.

تناقضت مواقف الأحزاب الجنوبية، بين تأييد حزب سابكو وثلاثة أحزاب أخرى، لِما صرح به الصادق المهدي، ورفض أحد عشر حزباً أخر له. وأعلن رئيس كينيا أنه سيُجري محادثات سلام مع منجسستو وقرنق، لإيقاف الحرب. وتوزعت اهتمامات السودان بين الدوائر المحلية والإقليمية  والأفريقية والعربية والدولية، حتى يحظى السودان بالتأييد في موقفه من المشكلة، وللضغط على المتمردين، وعلى إثيوبيا لتُوقف دعمها لهم، ومحاولة استغلال تفتت موقف الجنوب والمتمردين لجذبهم بعيدا عن إثيوبيا، بصرف النظر عن أخطائهم ومواقفهم، ولكن دون قطيعة مع إثيوبيا. ثم تدعيم العلاقات مع عدن وليبيا، للضغط على شريكهم الإثيوبي في حلف عدن.

اتهم السودان في 23 نوفمبر 1986 إثيوبيا بأنها تؤيد حركه التمرد، وأعلن السودان استدعاء سفيره في أديس أبابا. وقال السودان إنّ إثيوبيا شنت، ولازالت تشن، غارات جوية على المنطقة الشرقية، منذ شهر، والجنوبية الشرقية مما أدى إلى خسائر مادية وأخرى في الأفراد. ولم تعد هناك فائدة ترجى من الدعم الليبي العسكري، لعدم تأثيره. وتغيير الموقف العسكري في الجنوب، بعد أن أشركت ليبيا طائرتين ت يو 22، لتقصف بوما وبور ويرول ورومبيك. ومن ثم لم يعد هناك ضرورة للوجود الليبي، إلاّ أنه زاد المشكلة تعقيداً وحولها إلى صراع عربي مسلح ضد أفريقيا السوداء. فأعلن السودان يوم 2 ديسمبر عن إبعاد العناصر الليبية التي هددت أمن السودان، وعدد من الدول المجاورة والرعايا الأمريكيين.

ثالثاً: حكومة الوفاق الوطني (مايو 1987 ـ  مارس 1989)

شُكلت حكومة للوفاق الوطني في مايو 1987، مكونة من الأحزاب الآتية:

الأمة، الاتحاد الديموقراطي، الجبهة الإسلامية القومية، الحزب القومي السوداني، التجمع السياسي لجنوب السودان "جناح الدو" سابكو، والحزب الفيدرالي.

في 7 أكتوبر 1987 عُقد اجتماع بين الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، بقياده جون قرنق، وما سمى بالأحزاب السودانية الأفريقية المُشَكّلة في جنوب السودان، وعددها ستة أحزاب جنوبية، والحزب القومي السوداني، الذي يمثل جبال النوبة. وأصدر الاجتماع بياناً في 7 أكتوبر 1987، اعتبره التجمع ميثاقاً مشتركاً، يُشكل شروطاً أساسية للانضمام إلى أي حكومة. وكان أهم هذه الشروط إلغاء قوانين الشريعة، والعودة إلى قوانين عام 1974.

اعترضت الجبهة الإسلامية القومية وحزب الأمة، على هذه المبادرة حيث اعتبراها مخططاً لجعل الحكومة في موقف ضعف بالنسبة إلى الحزب الاتحادي الديموقراطي. ورفضا المبادرة، واعترضت الجبهة الإسلامية على تجميد قوانين الشريعة وهددت بالانسحاب من الائتلاف الحاكم. كما اعترضت على رفع حالة الطوارئ، لأن ذلك، في وجهة نظرها، يعوق نشاط الجيش في حفظ القانون والنظام.

بتطور أعمال القتال، واستيلاء قوات قرنق على مدينة الكرمك وقيسان، في جنوب النيل الأزرق، تمكنت القوات المسلحة السودانية من طرد هذه القوات في 7 ديسمبر 1988. وعرضت المبادرة على الجمعية التأسيسية لإقرارها، فلم توافق عليها الأغلبية. وقد أدّى ذلك إلى انسحاب وزراء الحزب الاتحادي الوطني من حكومة الوفاق الوطني. وهكذا لم تجد المبادرة القبول المطلوب.

وكانت ليبيا قد قدمت مساعدات عسكرية إلى السودان، متمثلة في طائرات ميج 23، يقودها طيارون ليبيون، وكذلك دبابات وذخائر. وأدّت هذه المساعدات إلى رفض قادة حزب الأمة والجبهة الإسلامية القومية، تأيد المبادرة التي يناصرها الاتحاديون. وأدى ذلك أيضاً إلى إجهاض المبادرة.

رابعاً: حكومة الجبهة الوطنية المتحدة

في مارس 1989 شُكّلت حكومة الجبهة الوطنية المتحدة (مارس 1989 ـ يونيه 1989) برئاسة الصادق المهدي. وضمت الحكومة كل الأحزاب في الجمعية بأجنحتها المختلفة، عدا الجبهة  الإسلامية التي ترى عدم  إلغاء قوانين سبتمبر الخاصة بأحكام الشريعة الإسلامية، وتُعارض موافقة الحكومة على اتفاقية كوكادام مع الجنوب.

استمرت الاتصالات بين الأحزاب الشمالية وجبهات الجنوب وأحزابها. فالتقت الجبهة الإسلامية القومية بممثل الحركة في لندن وأديس أبابا وهراري، بين عامي 1986 ـ 1987. كما أجرت اجتماعات مع اتحاد أحزاب السودان الأفريقية، الذي يضم الأحزاب الجنوبية، والحزب الوطني بقيادة القس فيليب غبوش، في إثيوبيا وكينيا وأوغندا في شهر مارس 1988، تحت رعاية رؤساء هذه الدول ومجلس الكنائس السوداني. وانتهت الاتصالات بإبرام مبادرة سلام، بين الحركة الشعبية والحزب الاتحادي الديموقراطي في نوفمبر من عام 1988، اشتملت على النقاط الآتية:

1. على الرغم من أن الموقف الرسمي للحركة الشعبية لتحرير السودان، وجناحها العسكري، ظل متمسكاً بإلغاء قوانين الشريعة، الصادرة في سبتمبر عام 1983، والتي ألغت قوانين عام 1984 العلمانية، فإن الحركة مع ذلك توافق على أن تُجمّد خلال الفترة السابقة للمؤتمر الدستوري كل المواد القاضية بالعقوبات الإسلامية "إقامة الحدود"، والبنود المتصلة بها في قوانين سبتمبر 1983، وألاّ تصدر أي تشريعات أو قوانين تشتمل على مثل هذه المواد، حتى يُعقد المؤتمر ويتم الوصول إلى اتفاقية نهائية حول القوانين البديلة.

2. إلغاء كل الاتفاقيات العسكرية المبرمة بين السودان والدول الأخرى، والتي تتعارض مع سيادة  السودان الوطنية.

3. رفع حالة الطوارئ.

4. وقف إطلاق النار.

5. عقد المؤتمر الدستوري في الحادي والثلاثين من ديسمبر 1988، شريطة تنفيذ المتطلبات المذكورة أعلاه.

6. مناشدة جميع الأطراف السودانية الانضمام لهذا الاتفاق، ويسمى: "مبادرة السلام السودانية"، من أجل تحقيق السلام والاستقرار.

خامساً: ثورة الإنقاذ الوطني (عام 1989)

في مطلع عام 1989 قدمت القيادة العامة للقوات المسلحة، مذكرة إلى رئاسة الوزراء، حول الأزمة العسكرية والسياسية، التي وصلت إليها البلاد. وكان في مقدمة تلك الأسباب، استمرار الحرب في الجنوب، والوضع السيئ للقوات المسلحة في هذه الحرب الأهلية.

وتعقد الموقف السياسي في العاصمة، خاصة بعد موافقة الصادق المهدي على تطبيق اتفاق كوكادام. فوقع الانقلاب العسكري في الثلاثين من يونيه 1989 بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير، لمصلحة الجبهة القومية. وأُطلق على ذلك  "ثورة الإنقاذ الوطني"، وشكل العميد البشير مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني.

اتسمت الحركة بالتوجه الإسلامي، واتخذت الحكومة الإجراءات التالية لإحكام قبضتها على الحكم:

·   تبنيها لسياسات مطابقة لبرنامج الجبهة، لا سيما حول موضوع السلام وقوانين سبتمبر الخاصة بالشريعة الإسلامية.

·   تعيين أشخاص في الحكومة، معروفين بانتمائهم للجبهة، إضافة إلى إلحاق كوادر الجبهة بالوظائف القيادية بالخدمة المدنية، وبعثات السودان الدبلوماسية.

·   احتكار الجبهة الحركة التجارية والعمل الاقتصادي، حيث بيعت المؤسسات العامة (القطاع العام) لكوادر من الجبهة.

·   الرحلات المكوكية التي تتولاها زعامة الجبهة، في الاتصالات الخارجية والسياسية والمالية، جذباً  للتأييد والدعم الخارجي وإضفاء الشريعة على النظام الانقلابي، خاصة مع إيران الدولة ذات التوجه الإسلامي.

·   تسريح أكثر من ألف ضابط من القوات المسلحة السودانية، ومجموعة من ضباط الشرطة، وتكوين الميليشيات الخاصة من كوادر الجبهة، فيما عُرف بالدفاع الشعبي.

·   الحصول على تأييد الحركة الطلابية للانقلاب، وذلك بتولي الطلبة التابعين للجبهة الإسلامية لاتحادات الطلاب.

·   تعين رؤساء للصحف الرسمية من كوادر صحفية تابعة للجبهة.

1. إعلان موقف الحكومة من الجنوب

أصدر العميد "عمر حسن البشير"، قائد ثورة الإنقاذ، بيانه الأول، الذي ألقى فيه باللائمة على الحكومات السابقة والأحزاب السياسية (المحلولة) لفشلها في مد الجيش باحتياجاته لمواجهة المتمردين، وفي تحقيق السلام، الذي رفعته الأحزاب شعاراً لتحقيق مكاسب رخيصة، مما انعكس أثره سلباً على القوات المسلحة. ولهذا فشلت حكومات الأحزاب في مساندة الحرب، أو دعم جهود السلام. وأعلن البشير التزام مجلس قيادة ثورة الإنقاذ، بتحقيق تسوية لسلام شامل دائم، وأنه يُفضل أن يجرى محادثات مع الجيش الشعبي لتحرير السودان. وأعلن أنه سيُخضع قوانين الشريعة لاستفتاء شعبي، وأعلن تأييد حكومته لوحدة إثيوبيا.

أرسل الفريق "البشير" خطاباً إلى جون قرنق، في السادس من يوليه 1989، يطلب منه الانضمام إلى ثورة الإنقاذ، بسبب تطابق أهدافهما، وإنقاذا لما تبقى من الوطن، توطئه لإعادة بناء سودان جديد.

2. مؤتمر الحوار الوطني للسلام: 9 سبتمبر ـ 21 أكتوبر 1989

شُكّل المؤتمر برئاسة العقيد "محمد الأمين خليفة"، عضو مجلس ثورة الاتقاد الوطني، وعضوية سبعة عشر آخرين، بهدف دراسة الأسباب التي أدت إلى الحرب الأهلية، على أن يُقدم المؤتمر توصيات بسياسات تؤدى إلى حل المشكلة.

شارك في المؤتمر معظم القوى السياسية في السودان، باستثناء الحركة الشعبية لتحرير السودان وقياداتها. وأعطى المؤتمر اهتماماً لمشكلة الجنوب، على الرغم من عدم حضور ممثلين من الجنوب. وأوصى بعلاج المشكلة عبر الإصلاح السياسي والحل السلمي لها. واتفق على أن تكون الفيدرالية هي البديل لاستيعاب حقائق الواقع السوداني، بمختلف صوره وأنماطه، دون الالتفات لمدى التعارض بين هذا الطرح وأُطروحات تطبيق الشريعة الإسلامية.

وتتمثل أهم التوصيات التي طرحها المؤتمر في الأتي:

أ. قيام نظام فيدرالي، ومنح سلطات واسعة للحكومة المركزية، مثل: سلطتها في الشؤون الخارجية، والدفاع، والجنسية، والهجرة، والعملة وصكها، والإعلام العام، والتخطيط الاقتصادي والتعليم.

ب. تركيز التشريع على الحكومة المركزية.

ج. جعل الإسلام والشريعة المصدران الأساسيان لتشريع القانون العام، بشقيه المدني والجنائي.  

د. نُصّ على أن يكون من حق الأغلبية المسلمة أن تطبق قوانينها، مع صيانتها لحقوق الأقليات.  واقتصرت حقوق الأقليات على قانون الأسرة في الزواج، والطلاق، والإرث، والولاية، والعبادة وفق شعائر الفرد، ونُصّ على أن: "تتوافر حرية العقيدة الدينية والدعوة لها، دون إحداث استفزاز لمعتقدي العقائد الأخرى".

هـ. أشارت التوصيات إلى أن السودان دولة عربية أفريقية، دون إشارة إلى عرق تنتمي إليه الأغلبية أو الأقلية.

و. اقترحت توصيات انتخاب رئيس تنفيذي، يشترك في انتخابه جميع المواطنين ممن بلغوا سن الانتخاب.

ز. نصّت بعض المقترحات على مشاركة الجنوب في السلطة والثروة. ولكنها عالجت أمر موارد النفط المتنازع عليها، بأن تذهب هذه الموارد العامة إلى الحكومة المركزية، التي تقدم ـ بدورها ـ موارد عادلة لتنمية الأقاليم المتخلفة اقتصادياً، مع ضمانات بتقديم حصة عادلة من دخل النفط للمنطقة التي تنتجه.

ح. لم تُطرح أي توصيات عن مستقبل الجيش الشعبي لتحرير السودان.

اتخذت الجبهة موقفاً رافضاً من قرارات مؤتمر الحوار الوطني للسلام، كما رفضتها كذلك "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي كانت تمثل الجناح الرئيسي والأوحد الذي يقود العمل السياسي والعسكري في الجنوب، واعتبرتها مجحفة بحقوق الشعب السوداني في الجنوب.

سعت قوات الجبهة الشعبية إلى تصعيد نجاحها في السيطرة على بعض المدن، لإحكام سيطرتها على المواقع الرئيسية في الجنوب. ونتيجة لما سبق، أصبح خيار الحل العسكري هو المرجح أمام الحكومة. لذا قامت الحكومة بالآتي:

أ. الحصول على السلاح اللازم لخيار الحل العسكري. ونجحت الحكومة في التعاقد على صفقتي سلاح من الصين، كلٍ صفقة بمبلغ 300 مليون دولار، عن طريق إيران.

ب. محاولة تحييد الدول التي تقدم المساعدات إلى قوات جون قرنق، خاصة إثيوبيا. وقد ساعد السودان في ذلك نجاح الثورة الإثيوبية، وهروب الرئيس السابق منجستو هايل ماريام، وتحسين العلاقات الإثيوبية ـ السودانية، وأوقفت إثيوبيا مساعداتها لجون قرنق. ولكن السودان لم ينجح مع أوغندا، نتيجة للصداقة التي تربط بين "يورى موسيفني" رئيس أوغندا و "جون قرنق" رئيس الجبهة الشعبية.

ج. في السادس من نوفمبر أصدرت الحكومة "قانون الدفاع الشعبي"، الذي قنن حمل السلاح الموجود في أيدي الناس، كما منحت الحكومة الميليشيات رتب، وجعلتهم يمارسون سلطات وصلاحيات أجهزة الأمن.

وقد تبنت حكومة السودان التوصيـات، وأوعـزت بأن مؤشرات سياستها الجديدة ستستخدم أساسا لإجراء حوار مع الحركة الشعبية. ولكن ما قامت به الحكومة والحركة الشعبية في الأسبوع الأخير من أكتوبر، أوضح أن السلام هدفٌ بعيد المنال.

في الثاني والعشرين من أكتوبر، استعادت الحكومة مدينه الكرمك، وفي الحادي والثلاثين من أكتوبر، شنت الحكومة هجوماً في "يرول" على الجيش الشعبي. وبذا  بدأت العمليات العسكرية في النشاط مرة أخرى.