إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث الرابع

المبحث الثامن

المواقف الإقليمية والدولية من مشكلة الجنوب

أولاً: الموقف الإقليمي من مشكلة الجنوب

1. موقف مصر

مع قيام ثورة 23 يوليه 1952 في مصر، بدأت مرحلة جديدة في العلاقات المصرية السودانية. وتمثل التغير في المناخ الجديد، الذي أتاحته الثورة في سياستها تجاه السودان في السنوات الأولى، في موافقة مصر على منح السودان الحق في الحكم الذاتي وتقرير المصير، إذ أعلن الرئيس "جمال عبدالناصر" موافقته على إجراء استفتاء عام في السودان من أجل تقرير المصير، و"ذلك في إطار السودان الموحد شماله وجنوبه"، عندما أدرك أن هذه رغبة الأغلبية الساحقة للشعب السوداني. كما اعترفت مصر بالجمهورية السودانية المستقلة في الأول من يناير 1956. ومرت العلاقات المصرية ـ السودانية بفترة من العلاقات المتميزة بين الدولتين.

ارتبطت العلاقات المصرية السودانية بعد استقلال السودان، بِنَوْعِيّة نظام الحكم والسلطة الحاكمة، إذ أصبحت علاقات الدولتين مذبذبة بين التعاون أو التردد، بل والأزمة أحياناً.

وخلال فترات التعاون هذه، وقعت اتفاقية الانتفاع بمياه النيل في عام 1959، وإنهاء الحرب الأهلية في الجنوب وتوقيع اتفاقية "أديس أبابا" عام 1972، ومنهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي بين البلدين في 11 فبراير 1974، واتفاقية الدفاع المشترك عام 1976، وميثاق التكامل المصري ـ السوداني في أكتوبر 1977. وقد عدّ الجنوبيون اتفاقية الدفاع المشترك وميثاق التكامل موجهين إلى جنوب السودان، وأن مصر تدعم النظام السوداني ضد مطالبة الجنوبيين بالاستقلال.

كما ارتبطت فترات الأزمات بوصول إحدى القوى السياسية، غير المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصر، ولا تحمل وداً لحكومة القاهرة مثل: "حزب الأمة، والجبهة الإسلامية القومية". فقد سعت هذه القوى إلى السير بعيداً عن مصر، والبحث عن قوى إقليمية بديلة، مثل:" إثيوبيا، وليبيا، والمملكة العربية السعودية، وإيران".

وقد أثيرت قضايا كثيرة، خلال تطور العلاقات المصرية ـ السودانية منذ عام 1956، من أهمها الحرب الأهلية في جنوب السودان. وقد شكّلت هذه الحرب المدخل المناسب لتدخل القوى الأجنبية في شؤون البلاد والضغط لإسقاط حكوماته، بل والتأثير على بعض تلك الحكومات لفك ارتباطاتها المميزة مع مصر.

فخلال فترة حكم الرئيس نميري، وُضع برنامج لتوطين أكثر من مليوني فلاح مصري حول قناة جونجلي. واعتقد الجنوبيون أن الجيش المصري سيأتي لحراسة القناة، وأن الفلاحين المصريين ربما يأتون لزراعة مناطق حول القناة.

وعقب ثورة الإنقاذ، بقيادة الفريق "عمر حسن البشير"، لقيت الثورة تأييداً من مصر، باعتبارها نظاماً وطنياً أتى ليحقق الاستقرار في السودان، ويحل أزمة الجنوب، وكذلك الأزمة الاقتصادية، التي بدأت تظهر بوادرها في حكم "الصادق المهدي"، خاصة وأن حكومة "الصادق المهدي" طلبت إلغاء ميثاق التكامل المصري السوداني، وأحلت محله ما أطلق عليه "ميثاق الإخاء"، وهو تعاون أقل كثيراً من التعاون الذي كان مخططاً له، طبقاً لميثاق التكامل.

وحاول النظام السوداني الجديد الاستفادة من حالة الفتور السابقة، بين مصر وحكومة الصادق المهدي. وقدم نفسه بوصفه نظاماً يسعى إلى توطيد العلاقات المصرية السودانية؛ وأنه يهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في السودان، وهو توجه يتمشى مع السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان. ولكن في حقيقة الأمر كان النظام الجديد في السودان يسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف، منها:

أ. توطيد أركانه واكتساب الشرعية الإقليمية والعربية، عبر البوابة المصرية.

ب. السعي إلى تخفيف حدة الضغوط الأمريكية، التي بدأت الولايات المتحدة تمارسها على النظام، خاصة بعد أن حلّ النظام النّقابات المهنية والعُمالية، واعتقل بعض الزعماء السياسيين والعمال والمواطنين، وأصدر أحكاماً بالإعدام على بعض الشخصيات السياسية، كما صادر بعض الصحف.

ج. محاولة حل مشكلة جنوب السودان، وقد طلب الفريق "عمر البشير" من الرئيس "محمد حسني مبارك"، المساعدة في التوصل إلى حل سلمى للمشكلة.

وفي محاولة لتنفيذ طلب الحكومة السودانية، عقدت مصر اجتماعين، الأول مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، والثاني مع وفد من ائتلاف أحزاب المعارضة السودانية. إلاّ أن العميد "محمد الأمين خليفة" عضو المجلس العسكري السوداني، انتقد في تصريح له هذه الاجتماعات، ووصفها بأنها تسمم العلاقات المصرية السودانية. وكان من الواضح أن السودان يسعى للحصول على دعم عسكري مصري، لحل مشكلة الجنوب.

استجابت مصر لنداء الحكومة السودانية، وناشد الرئيس "حسني مبارك"، عند حضوره احتفالات فرنسا بالعيد المائتين للثورة الفرنسية، زعماء الغرب بدعم النظام السوداني الجديد. ويرى منصور خالد أن الرئيس الأمريكي جورج بوش، اسـتجاب لنداء الرئيس "حسني مبارك"، واستخدم حقه في تعطيل تطبيق القانون الأمريكي 512، الذي يُلزم الإدارة الأمريكية بعدم مساعدة أي نظام يُطيح بالديموقراطية.

أيّدت الحكومة المصرية النظام السوداني الجديد، وقدمت له الدّعم السياسي من أجل حصوله على الشرعية الإقليمية والعربية، وتخفيف حدة الضغوط الأمريكية. إلاّ أنها أبدت تخوفها من تصاعد أساليب العنف، التي يتبعها النظام تجاه قوى المعارضة السـياسية السودانية. كذلك أبدت تحفظها على الاتجاه نحو فرض نظام الحزب الواحد، والسـياسة المتخذة تجاه الجنوب، المتمثلة في اختيار الحل العسكري للمشكلة. ولم يقتصر موقف مصر فقط على موقف الحكومة تجاه السياسة الجديدة لنظام الحكم السوداني، بل تخطاها إلى موقف الشعب والأحزاب السياسية المصرية، التي رأت أن النظام انقلاب عسكري استولى على الحكم من حكومة ديموقراطية منتخبة من قبل الشعب، وأنه نظام أصولي إسلامي من شأنه أن يثير العديد من المشكلات والأزمات في المنطقة.

زار الفريق "عمر البشير" القاهرة، في فبراير 1990. وقد أبدت القيادة المصرية للفريق البشير خلال الزيارة، تخوفها وتحفظها على بعض الإجراءات، التي يتبعها النظام في السياسة الداخلية ومشكلة الجنوب. واعترض على تلك التحفظات بعض أعضاء المجلس العسكري السوداني، واعتبروها تدخلاً في الشؤون الداخلية للسودان.

عندما نشبت حرب الخليج الثانية، اتخذ السودان موقفاً مُدَعِّماً للعراق، وهو يخالف التوجه المصري الذي أيد الكويت. وترددت أنباء عن نشر العراق لصواريخ أرض ـ أرض، موجهة إلى مصر، في السودان، فهدد الرئيس "محمد حسني مبارك" بضربها، إذا ما ثبت صحة ذلك. وأدّى هذا الموقف إلى توتر حاد في العلاقات المصرية السودانية، ولكن لم تغير مصر موقفها إزاء مشكلة الجنوب.

كونت أحزاب المعارضة السودانية تحالفاً، انضمت إليه الجبهة الشعبية لتحرير السودان. واختارت المعارضة الأسلوب العسكري لإسقاط النظام الحاكم، واستخدمت الأراضي الإريترية والإثيوبية لمهاجمة شرق السودان. كما نشطت بالمثل الهجمات العسكرية في الجنوب. وأصبح الأمر يشكل تهديداً بقيام حرب أهلية، خاصة مع تنامي ميليشيات الجبهة الإسلامية وأحزاب المعارضة. وازدادت حدة الأزمة بين السودان وإريتريا، التي اتهمت السودان بدعم حركة الجهاد الإسلامية الإريترية. وقطعت إريتريا علاقاتها الدبلوماسية مع السودان. وكذلك فرضت إثيوبيا قيوداً على علاقاتها مع السودان، نتيجة لاتهام السودان بالاشتراك في المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس محمد حسني مبارك على الأراضي الإثيوبية. ومع ازدياد دعوى انتهاك حقوق الإنسان، زادت حدة التوتر بين السودان والولايات المتحدة. وأصبح الموقف في السودان، يتسم بحدة التوتر داخلياً وإقليمياً وعالمياً. وأملى ذلك الموقف على السـودان، أن يلجأ إلى مصر لتهدئة الموقف، وهو ما تم عقب لقاء الرئيس "محمد حسني مبارك" مع الرئيس "عمر البشير"، على هامش مؤتمر القمة العربي في يونيه 1996.

مع ازدياد حدة الموقف في السودان، دعا المجلس الانتقالي في السودان إلى تعاون محدود مع مصر، من أجل إيقاف ما أُطلق عليه "الاعتداءات الخارجية"، التي أعتبرها السودان تهديداً للمصالح الحيوية المصرية والسودانية معاً، بل هي تهديدات موجهة ضد مصر بالأساس. وتمت زيارة نائب الرئيس السوداني "اللواء الزبير" إلى مصر، في هذا الإطار.

آثرت مصر مبدأ عدم التدخل، أو التورط عسكرياً، في الحرب الأهلية في الجنوب، على أساس أنها مشكلة داخلية، وأن أطرافها أبناء شعب واحد، وأنها مشكلة يجب أن تُحل سلمياً في إطار وحدة السودان. لذا وقفت مصر أمام أي محاولة لتدويل المشكلة وإخراجها عن نطاق المواجهة الثنائية بين الطرفين، محاوِلة الحفاظ على علاقاتها مع كل من الحكومة السودانية وأطراف المعارضة.

وتؤكد مصر على أن الديموقراطية ووحدة السودان، مسألتان رئيسيتان في أي تسوية بين الحكومة والمعارضة، وأن مصر لن تقبل فكرة تقسيم السودان أو العبث بوحدته. وأن جميع قوى المعارضة اتفقت على ذلك، ونبذت فكرة قيام دولة في الجنوب، بما في ذلك "جون قرنق" نفسه، وأن أي عبث بوحدة السودان يؤثر إستراتيجياً على مصر والمنطقة العربية.

رفضت مصر "ميثاق الخرطوم"، الذي وقعته الحكـومة مع بعض الفصائل الجنوبية الست في شهر أبريل 1997، انطلاقاً من رؤية مصر أن هذا الاتفاق سيؤدي إلى انفصال الجنوب. كذلك تحفظت مصر على بعض مواقف التجمع الوطني، ونتائج مؤتمراته التي عقدت في أسمرا، وتبنت مبدأ حق تقرير المصير، وشككت في نوايا الجيش الشعبي لتحرير السودان. وناقشت مصر ذلك كله مع الصادق المهدي وجون قرنق في القاهرة. وتتخوف مصر من تداعيات الحل العسكري للمشكلة، الذي تؤيده قوى دولية وإقليمية تتدخل في الشؤون السودانية.

وترى مصر عقد "مؤتمر قومي دستوري"، تُشارك فيه الحكومة وكل القوى الأخرى، لإجراء حوار هادف حول الهوية السودانية ومستقبل ونظام الحكم في السـودان، والتوصل إلى وثيقة يجرى تنفيذها خلال فترة انتقالية محدودة.

2. موقف إثيوبيا

تمر العلاقات الإثيوبية ـ السودانية بفترات من الهدوء والتقارب، وأخرى من القلق والتوتر، وإن كانت السمة السائدة في العلاقات هي التوتر. ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة، مثل:

أ. إيواء إثيوبيا للاجئين من جنوب السودان، خاصة من مقاتلي الأنيانيا، وتدريبهم والسماح لهم بالعمل عبر حدودها.

ب. إيواء السودان للاجئين الإريتريين، ومساعدة الجبهات الإريترية والسماح بمرور المعدات والأسلحة والأغذية، عبر حدوده إلى تلك الجبهات.

ج. الخلافات العقائدية والدينية، فالسودان دولة مسلمة، وإثيوبيا دولة مسيحية، إضافة إلى أن السودان دولة عربية أفريقية.

د. على الرغم من أن الدولتين من دول البحر الأحمر، وأن كلتيهما تسعى لتأمين البحر الأحمر، حيث لا توجد لأي منهما إطلالة بحرية سواه، إلاّ أن ذلك قد أدى إلى خلافات بينهما أكثر من توحيدهما.

هـ. إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، وتخوّف إثيوبيا من ذلك.

و. مشكلة الحدود، حيث توجد منطقة الفشقات، "الفشقة الصغرى والفشقة الكبرى"، ولم يتم التوصل إلى اتفاق حول خط الحدود في منطقتهما حتى اليوم. ويزرع الإثيوبيون هذه المناطق داخل الأراضي السودانية، تحت حماية القوات المسلحة الإثيوبية.

كما كان للعلاقات الدولية للدولتين، أثرٌ على العلاقات بينهما. فالسودان عقب استقلاله، ولمدة عامين ارتبط سـياسياً بالمشاكل القديمة مع مصر وبريطانيا. وعقب تولي الرئيس عبود الحكم، بدأ السودان في تنمية علاقاته الدولية وتوسيعها، وعقد اتفاقية للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه انتهج سياسة عدم الانحياز، واعترف بالصين الشعبية، ونمىّ تجارته مع أوربا الشرقية، ووقع اتفاق ائتمان مع الاتحاد السوفيتي.

وفي هذه الآونة نجد أن إثيوبيا انتهجت سياسة مشابهة للسودان تقريباً، حيث كانت مرتبطة بالولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات حسنة مع الكتلة الشـرقية. وتبنى الإمبراطور هيلا سلاسي سياسة القائد الأفريقي غير المنحاز.

وعقب ثورة 1964، وعودة السودان للنظام البرلماني، بدأت السياسة الخارجية لكل من إثيوبيا والسودان في التحول عن بعضهما. حيث اتجه السودان للكتلة الشرقية في حين استمرت إثيوبيا مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية، ودول الكتلة الغربية. وبقيام حرب 1967، بدأ السودان في تأكيد شخصيته العربية، وأقترب أكثر من مصر، وقطع علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية. وأدى ذلك إلى توتر في العلاقات بين السودان وإثيوبيا.

في الفترة من عام 1969 ـ 1972، كان تدخل إثيوبيا في جنوب السودان واضحاً. فقد زودت مقاتلي الأنيانيا في جنوب السودان بالسلاح، مما أدى إلى مساعدة السودان لثوار إريتريا علناً. ومما زاد من الفجوة بين البلدين وقوع انقلاب عام 1969 في السودان، برئاسة الرئيس "جعفر نميري"، مما أدى إلى تزايد ارتباط السودان بالدول العربية. إضافة إلى توقيع السودان لاتفاق طرابلس في ديسـمبر 1969، الذي ينظم التعاون والتنسيق بين مصر وليبيا والسودان كخطوة أولى نحو الوحدة. وأدى ذلك كله إلى توتر العلاقات مع إثيوبيا.

شهدت العلاقات بين الدولتين في أوائل عام 1972 فترة من التحسن، حيث شارك الإمبراطور هيلاسلاسي في محادثات أديس أبابا، بين فصائل التمرد والحكومة، التي أدت إلى توقيع اتفاق أديس أبابا، الذي وضع حداً للحـرب الأهلية في جنوب السودان: ووقعت إثيوبيا والسودان اتفاقاً شمل الموقف تجاه جنوب السودان وإريتريا، وأخذت كل دولة على عاتقها عدم مساعدة المنشقين من الجانب الآخر. وفي الوقت نفسه قلل الرئيس نميري من ارتباطاته العربية. وعند قيام اتحاد الجمهوريات العربية بين سوريا وليبيا ومصر، لم ينضم السودان إليه. وفي تلك الفترة كان السودان وإثيوبيا يتوجهان نحو الغرب، أكثر من توجهما إلى الاتحاد السوفيتي.

في عام 1974 استولت القوات المسلحة الإثيوبية على الحكم. وبدأت الحكومة العسكرية تحد من علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتزيد اقترابها من الاتحاد السوفيتي، بينما حدث عكس ذلك في السودان. إضافة إلى أن الرئيس "جعفر نميري" بدأ يُعيد تأكيد شخصية السودان العربية.

أدى تورط إثيوبيا في محاولة الانقلاب الفاشل في 2 يوليه 1976 ضد الرئيس السوداني، إلى توتر في العلاقات بين الدولتين. وأعلن الرئيس نميري تأييده الكامل للثورة الإريترية، والمنشقين الإثيوبيين المتمركزين في السودان. وساعد الاتحاد الديموقراطي الإثيوبي في عملياته العسكرية التي تمت في إقليم جوندر، عبر الحدود السـودانية. وكان لليبيا دور مهمٌ في هذه الفترة، حين طلبت من إثيوبيا مساعدة المنشقين السودانيين، والمتمردين في جنوب السودان. وقبلت إثيوبيا ذلك مقابل أن توقف ليبيا مساعداتها لجبهات التحرير الإريترية.

تحسنت العلاقات بين السودان وإثيوبيا في عام 1980. وقد أدت المشاكل الكثيرة التي جابهت كلتيهما داخلياً، إلى محاولة كل منهما تحسين علاقاتها الخارجية. ولكن ظهر في عام 1982 متغير جديد مهم في المنطقة، وهو إعلان ميثاق التكامل بين مصر والسودان، الذي وقفت ليبيا منه موقف العداء الكامل، إضافة إلى رفض الاتحاد السوفيتي غير المعلن له. وتخوفت إثيوبيا من هذا التكامل، واعتبرته موجهاً ضدها. وقد أدى ذلك إلى دعم إثيوبيا ـ بمساندة من ليبيا والاتحاد السوفيتي ـ لحركات التمرد في جنوب السودان وتنشيطها، وتدمير الحّفار الذي كان يعمل في قناة جونجلي مما أدى إلى توقف العمل في المشروع، وكذلك توقف أعمال التنقيب، وهما مشروعان يمسان الاقتصاد السوداني في الصميم، إضافة إلى ما تكبدته القوات الحكومية من خسائر في جنوب السودان.

مع بداية عام 1984، حاول السودان تحسين علاقاته مع إثيوبيا مرة أخرى، ليتفرغ لبناء اقتصاده المنهار. والتقى وزير الخارجية السوداني "هاشم عثمان"، الرئيس الإثيوبي "منجستو هايل ماريام"، الذي رفض أي محاولات تقارب مع السـودان. وأبلغ منجستو الوزير السوداني أن إثيوبيا تتعامل مع السودان حالياً من منطلق أنه العدو الرئيسي لها، وأنهم قد  أسدلوا الستائر السوداء على العلاقات مع السـودان. وبذا ازدادت حدة القتال في جنوب السودان، لاستمرار الدعم الإثيوبي لـ "جون قرنق".

وعلى الرغم من الانقلاب العسكري، الذي وقع في 6 أبريل 1985 في السودان، وتولِي القوات المسلحة السلطة في البلاد، واتخاذها قرار تحسين العلاقات مع دول الجوار الجغرافي، إلاّ أن استمرار مشكلة جنوب السودان وإريتريا دون حل، أديا إلى استمرار توتر العلاقات بين السودان وإثيوبيا.

تميزت علاقات السودان وإثيوبيا، في بداية عهد حكومة الإنقاذ، ونهاية عهد حكومة الرئيس الإثيوبي "منجستو هايل ماريام"، بالتوتر الشـديد، الذي يُعد امتداداً طبيعياً للسياسة التي كانت سائدة إبان العهد الديموقراطي. وتضاعفت حدة التوتر بعد ثبوت الميول الإسلامية للمشروع الحضاري السوداني، وتعارضها مع المشروع الحضاري الإثيوبي. واستضافت أديس أبابا في مارس 1991، مؤتمراً ضم معظم الأحزاب والفصائل السودانية المعارضة، بهدف وضع برنامج للحكم في أي مرحلة انتقالية مقبلة. وقد أدى ذلك المؤتمر إلى استياء الخرطوم، وإبلاغها السفير الإثيوبي لديها احتجاجها على هذا الاجتماع.

بسقوط نظام الرئيس منجستو في 25 مايو 1991، أعلنت الجبهة الثورية الديموقراطية، بقيادة ميليس زيناوي، في أول يونيه 1991 عن عدم سماحها بوجود معسكرات، يمكن أن تهدد الأمن السوداني من الأراضي الإثيوبية. وأكدت الجبهة على أن متمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان، أغلقوا مكاتبهم في أديس أبابا، وأن زعيمهم "جون قرنق" قد غادر إثيوبيا. وبذا هدأت حدة الاشتباكات في جنوب السودان، واعتبرت الحكومة السودانية أن جبهات الجنوب فقدت أهم مصدر داعم لها.

استمرت العلاقات بين الدولتين شبه مستقرة. وحرصت كل دولة على البعد عن المواجهة المباشرة، بابتعادها عن دعم عناصر المعارضة لكل منهما. ووقع السودان وإثيوبيا في الخرطوم، في يوم 23 ديسمبر 1993، عدة اتفاقيات وبروتوكولات حول المسائل الأمنية، والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وشؤون اللاجئين، خلال اجتماع الدورة الثانية للجنة الوزارية المشتركة.

في أول يناير عام 1994، بدأت المواجهة مع السودان، بعد اتهام إريتريا للسودان بدعم حركة الجهاد الإسلامي الإريتري في غزو حدودها. وفي 27 يناير وجهت أديس أبابا تحذيرا مباشراً للسودان، بالكف عن محاولاته لتصدير أفكاره العقائدية إلى إثيوبيا، أو أي دولة مجاورة.

أدت محاولة اغتيال الرئيس "محمد حسني مبارك" في إثيوبيا في 26 يونيه عام 1995، إلى حدوث تحول جذري في العلاقات الإثيوبية ـ السودانية. فقد وجهت إثيوبيا اتهامات مباشرة للسـودان في الحادث، وحملته مسؤولية إيواء وتوفير الدعم للإرهابيين. وأعلنت إثيوبيا في بيان صدر في الأول من سبتمبر 1995، تأكيد تورط السودان في محاولة الاغتيال. واتخذت عدة إجراءات ضد السودان تمثلت في الآتي:

أ. إغلاق القنصلية السـودانية في "قمبيلا" اعتباراً من أول سبتمبر 1995، ووقف أنشطة المنظمات المرتبطة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالسودان، والتي تعمل في إثيوبيا تحت ستار وكالة إغاثة غير حكومية. وإغلاق مكاتبها ومغادرة جميع العاملين بها البلاد خلال أسبوع.

ب. تخفيض عدد البعثة الدبلوماسية السودانية في أديس أبابا، إلى أربعة أفراد، من بينهم السفير.

ج. عدم السماح لشركة الخطوط الجوية السودانية بالدخول إلى الأراضي الإثيوبية، اعتباراً من الأول من سبتمبر، ويُغادر الرعايا السودانيون الذين يعملون بمكاتب الخطوط الجوية السودانية في أديس أبابا البلاد، وتتوقف الرحلات الجوية الإثيوبية إلى الخرطوم اعتباراً من اليوم نفسه.

د. عدم السماح بدخول رعايا سودانيين إلى إثيوبيا، إلاّ بعد الحصول على تأشيرة الدخول المطلوبة، كما يتوقف منح الوثيقة، التي تمنحها إريتريا لرعايا الدول المجاورة، عن الرعايا السودانيين.

طالبت إثيوبيا السودان بتسليم الأشخاص الثلاثة الفارين إليه، والمتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس "محمد حسني مبارك". ورفض السودان ذلك الطلب وأنكر أنهم موجودون على الأراضي السودانية. تقدمت إثيوبيا بشكوى في الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 1995 إلى جهاز آلية فض المنازعات، التابع لمنظمة الوحدة الأفريقية. وحضر السودان الاجتماع بوصفه عضواً مراقباً حيث لم يكن عضواً في الجهاز. وأصدرت الآلية قراراً أدانت فيه السودان، ودعت إلى الإقرار بتسليم المشتبه فيهم إلى إثيوبيا، ولم تستجب الحكومة السودانية إلى القرار. عقدت الآلية اجتماعها العادي في 19 ديسمبر، ووُجهت فيه الدعوة إلى السودان، الذي عرض وجهة نظره، ونفي صلته بمحاولة الاغتيال أو وجود متهمين على أراضيه. واكتفي الاجتماع بطلب تكثيف السودان لمساعيه للبحث عن المشتبه فيهم، والقبض عليهم.

قدمت إثيوبيا يوم 20 ديسمبر 1995 شكوى إلى مجلس الأمن، الذي أصدر قراراً في 31 يناير 1996 يُدين الموقف السوداني، ويمنحه مهلة 60 يوماً للاستجابة إلى المطلوب، وتسليم المتهمين إلى السلطات الإثيوبية. ثم أعقبه قرار الولايات المتحدة الأمريكية بسحب جميع الدبلوماسيين الأمريكيين، بما فيهم السفير، من الخرطوم.

وفي هذه الفترة زاد نشاط الجبهات المعارضة للنظام. واتهم السودان في الأسبوع الأول من ديسمبر، كلاً من إريتريا وإثيوبيا وأوغندا بمساعدة المتمردين. وأن إثيوبيا دعمت قوات قرنق بأسلحة ثقيلة، كان يقودها إثيوبيون أثناء القتال في جنوب السودان. وتمكنت قوات الجبهة الشعبية لجنوب السودان، من الاستيلاء على عدد من المدن في الجنوب.

وقد ظهر بوضوح أثر التوتر في العلاقات بين السودان وجيرانه، في تحريك مشكلة الجنوب، ودعم جبهات المعارضة الشمالية. وقد دعمت إثيوبيا، بالتنسيق مع إريتريا، المعارضة السودانية، في الوقت الذي دعم فيه السودان الجبهة الإسلامية لتحرير إريتريا في جنوب شرق إثيوبيا.

3. موقف إريتريا

تميزت العلاقات السودانية الإريترية، حتى قبل استقلال إريتريا، بالإيجابية. وكانت الحكومات السودانية المتعاقبة تقف إلى جانب الشعب الإريتري وحقه في تقرير مصيره. إضافة إلى استضافة السودان اللاجئين الإريتريين، وتقديمه الدعم العسكري لحركات التحرير الإريترية، وسماحه لهم بالعمل عبر حدوده ضد النظام الإثيوبي، الذي كان يحتل إريتريا.

وكانت حكومة الإنقاذ السودانية أول من اعترف بإريتريا، قبل إعلان استقلالها رسمياً. وفتح السودان سفارة له في أسمرا في الوقت الذي فتحت فيه دول عديدة مكاتب، أُطلق عليها بعثات. وفي مايو 1991 وبتولي "إسياس أفورقى" السلطة في إريتريا، أوقف السودان نشاط كل الجبهات السياسية المسلحة المناوئة للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، التي يتزعمها "إسياس أفورقى"، وأُغلقت مكاتبها في الخرطوم وفي عدد من المدن السودانية المختلفة، من بينها مدينة كسلا القريبة من الحدود الإريترية. واعتقلت الحكومة السودانية مجموعة من العناصر المناوئة لأفورقى من المقيمين في السودان، بناء على طلب حكومة أفورقي. وجرى التعاون بين البلدين عبر لجنة وزارية مشتركة بينهما. وفي خلال الفترة من 1991 ـ 1993 عقد النظام الإريتري والسوداني عدداً من الاتفاقيات.

وقد أدّت توجهات النظامين المتعارضة، إلى حدوث خلافات بين الدولتين. فالجبهة الشعبية الحاكمة في إريتريا تتبنى اتجاه العلمانية، وهي أصلاً ذات ميراث يساري، في الوقت الذي يسيطر على الحكم في السودان حزب أصولي، يضع لنفسه إستراتيجية لنشر الإسلام ـ بمفهومه الأصولي ـ في الدول المجاورة. كما أن سكان إريتريا خليط من المسلمين والمسيحيين، وتخشى إريتريا من تزايد نفوذ الأصولية الإسلامية في إريتريا واستيلائها على السلطة، وبذا تصبح إريتريا دولة إسلامية عربية مطلة على البحر الأحمر، وهو ما تعارضه إثيوبيا ودول إقليمية مثل إسرائيل. وقد زاد هذا التخوف ظهور عناصر مسلحة، من جبهة الجهاد الإسلامية الإريترية، تقوم بأعمال عسكرية داخل إريتريا انطلاقاً من الأراضي السودانية.

ألقى الرئيس الإريتري خطاباً في أول يناير 1994، اعترف فيه بحدوث اشتباكات، ووقوع قتلى بين قواته وقوات إريترية معارضة في 16 ديسمبر 1993، وذلك في منطقة "عدى هوك". واتهم "إسياس أفورقي" الجبهة الإسلامية في الخرطوم، بفتح معسكرات تدريب للاجئين الإريتريين، في الأراضي الواقعة في كسلا والقضارف في شرق السودان، وأنها تجند مجموعات منهم، وتدعم حركة الجهاد الإسلامي الإريتري للقيام بأعمال تخريبية داخل إريتريا.

وفي شهر يناير 1994 بعث الرئيس الإريتري "إسياس أفورقي" رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، وصف فيها حادث عبور مجموعة سودانية مسلحة في 16 ديسمبر 1993  الحدود الإريترية بأنه خطير، ومن شأنه أن يقذف بالمنطقة في غمرات الحرب والصراع، وأن "الحادث ليس معزولاً وإنما يؤذن بالتصعيد في دوامة التخريب والاستفزاز، التي دأبت الجبهة القومية الإسلامية وحكومتها على ارتكابها في الماضي، ووصف سلوك الجبهة بأنه طريق التوسع الإقليمي وزعزعة الاستقرار، وهي تتخذ من الدين أداة طبيعية في هذا الخصوص، وسبق لها أن وضعت برامج واسعة للعمل على تحقيق هذا الحلم".

نفى مندوب السودان لدى الأمم المتحدة أن تكون حكومته معادية للأنظمة في الدول المجاورة، بما في ذلك إريتريا. وأكد أن الخرطوم تستنكر وترفض ربطها بجبهة سياسية لا وجود لها في الساحة الرسمية للسودان، إشارة إلى الجبهة القومية. واتهم المندوب السوداني إريتريا بحصولها على مساعدات عسكرية ضخمة للإجهاز على الدولة السودانية القائمة، وخلخلة أبنيتها المختلفة.

تركز إريتريا في اتهامها السودان، على أن حكومة الجبهة الإسلامية في الخرطوم تدرب اللاجئين الإريتريين في منطقتي كسلا والقضارف في شرق السودان. وأنها تُجند مجموعات منهم، وتدعم حركة الجهاد الإسلامي الإريتري للقيام بأعمال التخريب داخل الأراضي الإريترية، وخلق نظام إسلامي بديل عنه، من الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا.

وقّعت إريتريا والسودان اتفاقية للتعاون الأمني في 21 أبريل 1994، اتفقا خلالها على منع وجود العناصر المناوئة والمعارضة لأي من حكومتي البلدين في البلد الآخر، وذلك بإبعاد هذه العناصر، ووضعها في كشوف الحظر وعدم السماح لأي عنصر بالعودة بعد الخروج من الدولة. ويشمل ذلك القيادات الرئيسية للعناصر المناوئة والمعارضة، على أن يُزود كل بلد الآخر بالمعلومات المتعلقة بتلك العناصر، وأوراقها الثبوتية وأماكن وجودها.

وعلى الرغم من توقيع هذه الاتفاقية، وحرص الدولتين على وقف الحملات الهجومية المتبادلة، إلاّ أن التوتر كان مستتراً، وكانت هناك تحفظات من جانب إريتريا على بعض سياسات الخرطوم. وأبدت إريتريا استياءها من دعم الخرطوم للاجئين على الحدود بين البلدين، ويقدر عددهم بأكثر من 500 ألف لاجئ إريتري.

في نوفمبر 1994، اتهمت إريتريا السودان بتدريب 1700 إريتري خلال الشهور الأربع السابقة، بهدف القيام بهجوم داخل إريتريا، بمساندة من قوات تنظيم الجهاد الإسلامي، الذي يضم عناصر من أفغان وباكستان والمغرب وتونس. كما اتهم السودان إريتريا بتدريب 300 من المعارضة في أراضيها، لقلب نظام الحكم في الخرطوم.

في 6 ديسمبر 1994، أعلنت إريتريا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الخرطوم. وأوضحت أن ذلك يرجع إلى عدم اتخاذ الخرطوم إجراءات إيجابية، تحول دون تقويض السلام والأمن والاستقرار في إريتريا.

وفي شهر يونيه 1995، اجتمعت جبهات المعارضة السودانية والجبهة الشعبية لتحرير السودان بقيادة، "جون قرنق"، في أسمرا، للتخطيط لإسقاط نظام الحكم العسكري في السودان، وبحث ترتيبات المرحلة الانتقالية، التي يجب أن تلى ذلك بما يضمن تحقيق السلام والديموقراطية في السودان.

وفي فبراير 1996، سلّمت إريتريا مبنى السفارة السودانية في أسمرا للمعارضة السودانية لاتخاذه مقراً لها. ووجهت المعارضة بثاً إذاعياً من إريتريا موجهاُ إلى السودان، لمدة 4 ساعات يومياً.

وعقب خروج "الصادق المهدي" من السودان وتوجهه إلى إريتريا، شهدت الجبهة الشرقية للسودان تصعيداً للتوتر. ودعت قيادة حزب "مؤتمر البجا"، الذي يتخذ من أسمرا مقراً له، جماهير الحزب في شرق السودان لكي تنضم إلى معسكرات التدريب التابعة لها في إريتريا. ونشبت معارك عنيفة بين المعارضة والجيش السوداني في شهر ديسمبر 1996. وفي مايو 1997، أعلن الرئيس الإريتري "أن القوات الإريترية تقاتل إلى جانب المتمردين في شرق السودان"، وأعلن أن القضاء على نظام الحكم السوداني بالقوة، يشكل هدفاً رئيسياً لحكومته. وظلت العلاقات متوترة بين الدولتين، وتدعم كل دولة عناصر المعارضة للدولة الأخرى.

4. موقف أوغندا

تمر العلاقات السودانية الأوغندية بفترات من التحسن وأخرى من التوتر. ويتوقف ذلك على مدى دعم الحكومة السودانية لجبهات المعارضة الأوغندية، وكذلك مدى دعم الحكومة الأوغندية للجبهة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة "جون قرنق"، وهو زميل دراسة للرئيس الأوغندي الحالي "يوري موسيفني".

ساعد مؤتمر أسمرا، الذي عقد في الفترة من 15 ـ 23 يونيه 1995، وما اتخذ فيه من قرارات، الحركة الشعبية، بقيادة "جون قرنق"، في الحصول على شرعية سياسية، كانت في حاجة إليها، بعد حالة التدهور، التي اعترتها في الأيام السابقة للمؤتمر. وعين قرنق عضواً في هيئة قيادة "التجمع الوطني الديموقراطي" السوداني.

واستطاع قرنق بعد هذا المؤتمر أن يوثق علاقاته مع أوغندا، التي لها حدود مشتركة واسعة مع السودان. كما استفاد قرنق من وجود خلافات بين أوغندا والسودان، ليعمل عبر الحدود الأوغندية وبدعم من قواتها، في مجالي التسليح والتأمين الإداري.

وتمكنت قوات قرنق من الاستيلاء على منطقتي فارجوك ومقوى، في ولاية شرق الاستوائية في نهاية شهر أكتوبر 1995. ومنيت القوات السودانية بهزيمة ساحقة. ووجه السودان اتهاماً لأوغندا بغزوها الأراضي السودانية، والمشاركة في الهجوم، الذي شنته الحركة الشعبية لتحرير السودان. واتهم السودان أوغندا بأنها تسعى لإطالة أمد الحرب في الجنوب، وأنه لولا الدعم الأوغندي، لما تمكنت الحركة من الاستيلاء على خمس حاميات عسكرية في ولاية غرب الاستوائية. وأن تردى العلاقات السودانية مع أوغندا يرجع في شق منه، إلى المواقف العنصرية لنظام الحكم الأوغندي.

ولكن أوغندا لم تسكت على اتهامات السودان، واتهمته بالمثل أنه:

أ. يدعم حركات التمرد في شمال أوغندا، وأهمها حركة "جيش المقاومة الإلهية"، التي تعتنق الأصولية المسيحية، وحركة "جمعة إدريس"، الذي كان وزيرا للدفاع إبان حكم الرئيس الأوغندي الأسبق "عيدي أمين"، وأنها تهدف إلى القضاء على نظام حكم الرئيس الحالي يوري موسيفيني.

ب. أن القوات السودانية انتهكت الحدود الأوغندية، بدعوى مطاردة مقاتلي الجيش الشعبي، وأن هذا العمل يصب في خانة دعم المناهضين للحكم الأوغنـدي القائم، كما أنه اعتداء على الأراضي الأوغندية.

في أبريل 1995 أغلقت أوغندا السفارة السودانية في كمبالا، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع السودان. وعلى الرغم من ذلك، حرصت الدولتان على عدم تصعيد الخلافات إلى درجة اللاعودة. عقدت الدولتان اتفاقاً للمصالحة في يونيه 1995، وفي نوفمبر 1995 اتهم السودان أوغندا بدعم عمليات المتمردين في الاستوائية، خاصة في المناطق المحيطة بمدينة نيمولي الإستراتيجية، واعتبر ذلك تمهيدا لعمليات عسكرية كبرى من جانب أوغندا ضد السودان. ودعت "الهيئة الشعبية للدفاع عن العقيدة والوطن" في السودان، إلى التعبئة العامة لمواجهة ما وصفته بالاعتداء الأوغندي على الجنوب. وفي الوقت نفسه، رفعت أوغندا حالة الاستعداد بين قواتها في المناطق الحدودية مع السودان، تحسباً لهجوم سوداني محتمل.

توصل الطرفان في شهر نوفمبر 1995 إلى اتفاق، بوساطة ليبية، لإنهاء النزاع بينهما. ولكن الاتفاق لم يدم سوى أيام قليلة، تبادل بعدها الطرفان الاتهامات من جديد. وأعلن السودان حالة التعبئة العامة في البلاد للتصدي للعدوان الأوغندي. واتهم السودان أوغندا بأن قوات من الفرقة الرابعة الأوغندية، اشتركت مع المتمردين الجنوبيين في شن ست هجمات على الأراضي السودانية في نوفمبر، وأن القوات السودانية دمرت وأبادت 70% من القوات الأوغندية المهاجمة، وقتلت 263 جندياً أوغندياً، ونجحت في استرداد الأراضي، التي احتلتها أوغندا.

استمر التوتر في العلاقات بين السودان وأوغندا طوال عام 1996. واتهمت أوغندا حكومة السودان بشن غارات جوية في شمال أوغندا، وبالاشتراك مع المتمردين الأوغنديين بقصف مناطق في شمال أوغندا في شهر يناير 1996. وأدت هذه الاشتباكات إلى تشريد ستة آلاف مواطن أوغندي، خلال شهري يناير وفبراير. وفي نهاية مارس أعلنت أوغندا أنها أحبطت محاولة سودانية مشتركة، مع المتمردين الموالين للرئيس الأوغندي السابق "عيدي أمين دادا"، كانت تهدف إلى الاستيلاء على منطقة "جولو"، لإفساح الطريق للجيش السوداني لاحتلال منطقة غرب النيل. وفي شهر مايو قصف السودان بنيران المدفعية قوات الجيش الأوغندي، التي كانت تطارد قوات "جبهة النيل الغربية"، الموالية للرئيس "عيدي أمين". وهجم المتمردون الأوغنديون على معسكر "أشولبى" للاجئين السودانيين، في شمال أوغندا، واتهمت أوغندا الحكومة السودانية بتدبير هذا الهجوم.

وفي شهر سبتمبر 1996، أُعيدت العلاقات بين الدولتين بوساطة إيرانية، أثناء زيارة الرئيس الإيراني "هاشمي رافسنجاني" إلى الدولتين. واتفق الطرفان على الآتي:

أ. الوقف الفوري لحملات الدعاية بين السودان وأوغندا، على المستوى الثنائي والدولي.

ب. إبعاد المتمردين المتمركزين داخل أراضى كل دولة، إلى مسافة 100 كيلومتر من الحدود.

ج. امتناع الطرفين عن تقديم أي دعم للمتمردين المعارضين للطرف الآخر.

د. تشكيل آلية لمراقبة تنفيذ الاتفاق وفحص الشكاوى، التي تقدمها أي من الدولتين ضد الدولة الأخرى.

واعتبر السودان أن نجاحه في توقيع هذا الاتفاق، سوف يؤدى إلى وقف الدعم الأوغندي لمتمردي الجنوب، ومن ثم يمكن للسودان السيطرة على الجنوب.

ولكن الاتفاق انهار بعد أسبوعين من توقيعه، وادعت أوغندا أن 800 من المتمردين دخلوا أراضيها من الأراضي السودانية، وأن طائرتين سودانيتين قصفتا مواقع أوغندية. وفي 23 أكتوبر انسحبت أوغندا من المفاوضات، متهمة السودان بخرق اتفاق شهر سبتمبر.

توصل الطرفان في 3 نوفمبر إلى اتفاق سلام جديد، وقعه في طهران وزير الخارجية السوداني، ووزير الخارجية الأوغندي، وشهد عليه وزيرا خارجية إيران وملاوي، وحضر التوقيع الرئيس الإيراني "هاشمي رافسنجاني". وقد نص الاتفاق على الآتي:

أ. التزام الطرفين بالاتفاقيات السابقة الموقعة بينهما.

ب. استمرار الطرفين في العمل بموجب الاتفاقيات السابقة الموقعة بينهما.

ج. تشكيل قوة لمراقبة الحدود بين الدولتين، تتكون من مراقبين من كلا البلدين، إضافة إلى مراقبين من إيران وليبيا وملاوي، بحيث تمثل كل دولة بأربعة مراقبين يعمل نصفهم من الخرطوم ونصفهم الآخر من كمبالا.

واتُفق على أن يلتقي الرئيس الأوغندي والرئيس السوداني في ديسمبر 1996 في طهران، للتوقيع على الاتفاق. ولكن أوغندا نفت هذا الالتزام، واتهمت السودان بمسؤوليته عن الهجوم الذي شنه 1500 من متمردي التحالف الديموقراطي المسيحي على غرب أوغندا، عبر الأراضي الزائيرية. إضافة إلى ذلك، فإن السودان لم يوافق على وضع مراقبين على الحدود.

في أوائل عام 1997، اجتمع الرئيسان السوداني والأوغندي في كينيا، بوساطة من الرئيس الكيني "دانيال أرب موي". وأدى الاتفاق بينهما إلى تهدئة الموقف، خاصة وأن السودان اتخذ قراراً يقضي بإعطاء حق تقرير المصير لسكان الجنوب بعد فترة انتقالية. وفي شهر يوليه من العام نفسه قاطع الرئيس الأوغندي مؤتمر قمة "الإيقاد"، الذي عقد في نيروبي. وفي شهر أغسطس منعت أوغندا طائرة الرئيس السوداني من التحليق فوق أراضيها، في طريق عودته من زيارة لوسط وجنوب أفريقيا.

وذكرت صحيفة "صندى انديبندنت" في جنوب أفريقيا في أوائل شهر مارس 1997، أن أسلحة من جنوب أفريقيا، وكانت ضمن صفقة سلاح أرسلت إلى أوغندا، يستخدمها المتمردون في "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، ومن بينها صواريخ مضادة للدبابات ومصفحات. وأدى ذلك إلى زيادة نشاط الحركة الشعبية وانتصاراتها.

5. ليبيا

اتسمت العلاقات الليبية السودانية في فترة حكم الرئيس نميري بالتوتر، خاصة في الفترات التي تميزت بعلاقات حسنة بين ليبيا والاتحاد السوفيتي. ويرجع ذلك إلى:

أ. العلاقات المصرية السودانية الوثيقة في تلك الفترة.

ب. اختلاف الخط السياسي السوداني عن الخط السياسي الليبي. فقد حسّنت حكومة الرئيس نميري علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن ليبيا تتجه ناحية الاتحاد السوفيتي.

ج. التدخل الليبي في تشاد إلى جانب حكومة جكوني عويدي، في حين ساندت كل من مصر والسودان النظام الشرعي المتمثل في حسين هبري.

د. قيام التحالف الليبي الإثيوبي المدني، مع وجود عداء مستحكم بين السودان وإثيوبيا، وانحياز ليبيا إلى الجانب الإثيوبي.

وقد اتُهمت ليبيا بإمداد متمردي الجنوب، بالسلاح والعتاد اللازم، لإثارة الاضطرابات في الجنوب.

وبقيام نظام حكم جديد في السودان، يحاول أن يبنى سياسته على حسن الجوار، حاولت ليبيا أن تستغل ذلك في تطبيق أساليب الحكم الليبية وأنظمتها على السودان، بهدف السيطرة عليه. فاعترفت بالحكومة الجديدة، وتبادلت الزيارات معها.

وكانت ليبيا عند وقوع اضطرابات الجنوب في نوفمبر 1987، قد أمدت الحكومة السودانية بمساعدات عسكرية لقمع حركات التمرد. وكان هدف ليبيا من ذلك منع السودان عن تقديم معاونات لتشاد، إضافة إلى أنها تهدف إلى أن يتغاضى السودان عن وجود قوات ليبية في إقليم دارفور، تشن هجمات على تشاد من الشرق.

تأثر موقف ليبيا، في فترة حكم الرئيس نميري، من مشكلة الجنوب، بالمصالح الليبية في المنطقة، وبالعلاقات السودانية الليبية، والعلاقات السودانية التشادية. ففي الفترة التي تتوافق فيها المصالح الليبية وتتمشى مع العلاقات الحسنة بين السودان وليبيا، كانت ليبيا تدعم السودان بالأسلحة والذخائر وقاذفات القنابل لإنهاء تمرد الجنوب، في حين أن ما يحدث خلال فترات توتر العلاقات بين الدولتين كان خلاف ذلك تماماً، بل كانت ليبيا تساند المتمردين لإثارة الاضطرابات للحكومة السودانية.

شهدت العلاقات الليبية ـ السودانية في فترة الرئيس البشير تذبذباً، فقد أخذت في التنامي منذ يونيه 1991، حين التقى الرئيس الليبي والرئيس السوداني في شهر يونيه في الخرطوم، لبحث خطوات تحقيق الوحدة الاندماجية بين الدولتين. ولكن في الأشهر التي تلت ذلك اللقاء، بدأت العلاقات في التدهور التدريجي، حيث أثارت ليبيا موضوع التنسيق بين الجبهة الإسلامية القومية في السودان، والإخوان المسلمين في ليبيا، ووجود معسكرات تدريب للإسلاميين الليبيين في شرق السودان. ولمّا زار الفريق البشير ليبيا في نوفمبر 1991، لم يستقبله العقيد القذافي.

توقفت ليبيا منذ مارس 1993 عن إرسال شحنات النفط للسودان، وطلبت من السودان سداد مبلغ 200 مليون دولار مستحق عليه. وأوقفت برنامج التكامل. وعند زيارة الرئيس البشير لليبيا في 27 مارس 1993، طالبه الرئيس القذافي باتخاذ عدة إجراءات لتحسين العلاقات بين الدولتين منها:

أ. إبعاد الجبهة الإسلامية عن السلطة.

ب. تحسين العلاقات مع مصر.

ج. محاكمة حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية، بصفته مسؤولاً عن جرائم عديدة في حق الشعب السوداني، وبعض الدول العربية.

ووقّعت ليبيا مع السودان في أغسطس 1994 على محضر لآلية تفعيل ميثاق التكامل. وفي شهر ديسمبر 1994 أوقفت ليبيا منح تأشيرة الدخول للسودانيين إليها، لمدة أربعة أشهر، حتى تتمكن من تقنين الوجود السوداني في ليبيا.

في يناير 1995، أعلنت ليبيا عن مباحثات في شأن وحدة بينها وبين تشاد، وفي سبتمبر 1995، أبعدت ليبيا عشرات الآلاف من العمال السودانيين، الذين دخلوا ليبيا بطرق غير مشروعة. وأعلنت ليبيا عن الكشف عن تنظيم إرهابي، على علاقة بالجبهة القومية في السودان، يعمل على زعزعة النظام في ليبيا.

بدأ الزعيم السوداني زيارة إلى ليبيا في الحادي عشر من شهر أبريل 1997. وحاول الرئيس الليبي دعوة الرئيس الأوغندي لزيارة ليبيا، لعقد لقاء مع الرئيس السوداني في إطار وساطة ليبية، لتخفيف حدة التوتر بين الدولتين. ولكن الرئيس الأوغندي اعتذر عن الحضور، وأرسل وفداً مكون من: وزير الخارجية "إيريا كاتيغايا"، ووزير الدولة للدفاع "أماما إمبابازى". وأجرى الرئيس السوداني محادثات مع الوفد، بحضور "عمر المنتصر" أمين اللجنة الشعبية للاتصال الخارجي، في بلدة رأس أجدير على الحدود الليبية ـ التونسية. وأعرب الرئيس البشير عن ارتياحه لهذا اللقاء.

حدت العقوبات المفروضة على ليبيا، نتيجة لأزمة لوكيربي، من حرية التحرك الليبي تجاه الأزمة في السودان، خاصة مع تدهور الموقف الاقتصادي والعسكري الليبي.

6. دولة الإمارات العربية المتحدة

عرضت دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرة حول إنهاء النزاع الدائر في السودان، في الثاني والعشرين من يناير 1997. وقد أدلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بالحديث الآتي: "إن ما يجرى في السودان من أحداث هو شأن داخلي، وإذا طلب الأشقاء منا أن نقوم بالسعي بين جميع الأطراف المختلفة لما فيه الخير لشعب السودان الشقيق فنحن مستعدون لذلك، وإذا كانت هناك أطراف تسعى لتجزئة السودان من خارج حدوده، فهذا أمر مرفوض لأننا نأمل بأن يعود لشعب السودان أمنه واستقراره". "يجب على الإخوة في السودان كأسرة واحدة، أن يطلبوا من إخوانهم العرب المساعدة في تحقيق المصالحة والتقريب بين الأطراف المختلفة، لما فيه صالح السودان ليكون عضواً فاعلاً في الأسرة العربية".

وبدأت دولة الإمارات في حشد التأييد العربي للمبادرة، قبل بدء التحرك الفعلي. ورأت دولة الإمارات أن ما يعيق مبادرتها، هو الارتباك الذي يسيطر على مواقف المعارضة والحكومة السودانية. مثال ذلك أن رئيس الوزراء السابق، وزعيم حزب الأمة، "الصادق المهدي"، أشاد بالشيخ زايد بن سلطان لعرضه الوساطة، دون أن يعلن عن موافقته الصريحة عليها. أما السلطات السودانية فقد رحبت بالاقتراح الإماراتي، ولكنها لم تبادر إلى طرح أفكار محددة للحل وإنهاء الأزمة، وأعلن "مصطفي عثمان إسماعيل"، وزير الدولة السوداني للشؤون الخارجية "أن بلاده لا ترفض محاولات الوساطة، خصوصاً وساطة دولة الإمارات العربية المتحدة".

أ. موقف المعارضة من الوساطة

وافق التجمع الوطني الديموقراطي، الذي يضم المعارضة الشمالية والجنوبية على مبدأ الوساطة، على أن يعقد اجتماعاً في أسمرا في شهر فبراير 1998، لتحديد موقفه النهائي. وصرح المتحدث باسم التجمع أن "المعارضة تضع شرطاً لأي اتفاق مع هذا النظام، هو أن يخضع لأشراف دولي وإقليمي، لأن صدقيته معدومة".

وصرح "جون قرنق" قائد الجيش الشعبي لتحرير السودان، قائلاً: "إذا وافقت قيادة التجمع على الوساطة سأعلن موقفي، لكن التجمع رفض في الماضي التفاوض مع هذا النظام، وأعتقد أنه من الأفضل الإطاحة به". وأوضح موقفه من وحدة السودان حيث قال: "أريد أن أؤكد حرصنا في الحفاظ على وحدة السودان، وأريد أن اطمأن مصر والعالم العربي إلى أن الحرب الحالية لا تهدد وحدة السودان، ولا الإسلام، ولا الثقافة العربية".

ب. تجديد الوساطة الإماراتية

جدد الشيخ زايد بن سلطان في الثالث من فبراير 1997 استعداده للوساطة، من أجل إيجاد مخرج للأزمة في السودان. وأعلنت وكالة أنباء الإمارات في 4 فبراير، أن الشيخ زايد أعرب، في اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس السوداني ليلة 3 ـ 4 فبراير 1997، عن "استعداده للدخول في وساطة وحوار بين الأشقاء، والمساعدة على وضع حد للقتال الدائر هناك، وإرسال موفدٍ لتحقيق ذلك".

لم تنجح المبادرة الإماراتية، فقد كانت دولة الإمارات تسعى للحصول على دعم عربي، خاصة من جمهورية مصر العربية، وكذلك لموقف المعارضة السودانية المتشدّد من الحكومة.

7. موقف إيران

أبدت الثورة الإيرانية تشككاً تجاه ثورة الإنقاذ أول قيامها عام 1989، إلاّ أن العلاقات بين البلدين أخذت في التطور التدريجي، واتخذت أبعاداً متنوعة في الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية والاقتصادية. وشهد عام 1991 تقارباً بين السودان وإيران، جاء مـتوافقاً مع المصالح والأهداف المرحلية لنظام الحكم في كلا الدولتين، وركزت إيران على البعد الثقافي.

في عام 1992 وقعت إيران والسودان عدداً من الاتفاقيات، في مجال التسلح والتدريب العسكري والقضائي. وفي شهر ديسمبر 1992، وقعتا بروتوكولا للتعاون بين أجهزة المخابرات في الدولتين. وبرزت بعض الخلافات في وجهات النظر بشأن تنفيذ بعض الاتفاقيات، أو حول بعض القضايا، مثل التسوية السلمية في المنطقة. وكان أحد الخلافات الرئيسية يتعلق بطرد السودان حركة الجهاد الإسلامي الإريتري من أراضيه، وهي الجبهة الإريترية المعارضة لنظام الرئيس الإريتري أفورقي، وتتمركز في شرق السودان. ولم تنفذ البروتوكولات طبقاً لما كان مخططاً لها، باستثناء مجالي النفط والتعاون الأمني.

في مارس 1995، وقعت الدولتان على آلية جديدة لتنفيذ الاتفاقيات المتعثرة، في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي والثقافي. أما في المجال النفطي، فإن الاتفاقيات تتيح للسودان الحصول على النفط من إيران بأسعار خاصة، مما مكّن الحكومة السودانية من مواصلة القتال في الجنوب.

وفي المجال الأمني أدت الاتفاقيات العسكرية والتعاون العسكري، إلى حدوث تقدم ملموس في هذا الجانب. ووقعت إيران والسودان في شهر أبريل 1995، اتفاقاً حصلت إيران بمقتضاه على تسهيلات في ميناء بورسودان، لأغراض التموين والإمداد لمدة 25 عاماً. وفي المقابل حصل السودان على التزام إيراني بإمداد السودان بأنواع مختلفة من الأسلحة، ومنحاً لتدريب الضباط السودانيين ـ حوالي مائة ضابط ـ في المعاهد العسكرية الإيرانية. واشتملت صفقة السلاح على طائرات عمودية، وقطع مدفعية، ورادارات، وجسور متحركة. وكانت هذه الصفقة لأسلحة صينية الصنع، بلغت قيمتها 300 مليون دولار، دفعتها إيران. كما بدأت إيران في شق طرق وتعبيدها في جنوب السودان.

سعت طهران بالوساطة في النزاع بين السودان وأوغندا منذ عام 1995، بهدف تخفيف الضغوط الإقليمية على السودان. وأدى الاتفاق، الذي وُقِع في طهران في نوفمبر 1996 نتيجة لهذه الوساطة، إلى منع كل من أوغندا والسودان والجماعات المعارضة المسلحة، التي تعارض نظام الحكم في الدولتين، من الوجود في أراضيهما، في حدود 100 كيلومترٍ من الحدود المشتركة بين البلدين.

وأيدت إيران وحدة السودان وعدم استقلال جنوب السودان، كما أدانت أي انتهاك لوحدة الأراضي السودانية. ويعتبر هذا الموقف، هو الموقف الرسمي الإيراني من مشكلة الجنوب.

8. منظمة الإيقاد

شكلت قمة الإيقاد في سبتمبر 1993، لجنة رباعية من كل من رؤساء إريتريا، وإثيوبيا، وأوغندا، وكينيا بهدف الوساطة بين الحكومة السودانية وفصائل جيش التحرير الشعبي لجنوبي السودان "S.P.L.A." لإيجاد تسوية سلمية للنزاع. وفي نوفمبر من العام نفسه، أُنشئت لجنة دائمة من وزراء خارجية هذه الدول الأربع للقيام بجهود الوساطة التفصيلية.

اجتمعت اللجنة الرباعية على المستوى الوزاري، في ديسمبر 1993 ويناير 1994. ورفعت تقريرها إلى اجتماع قمة في نيروبي في مارس 1994. وحددت القمة منتصف مارس 1994، موعداً لأطراف الصراع لبدء التفاوض. وتوصل الاجتماع إلى الاتفاق حول كيفية توصيل مواد الإغاثة لمناطق الصراع.

وفي يونيه 1994، اجتمعت اللجنة الرباعية على المستوى الوزاري، وتوصلت إلى وضع مسّودة مشروع يتضمن مبادئ لحل مشكلة الجنوب، شملت النقاط الآتية:

أ. ضرورة التوصل إلى اتفاق حول تقرير المصير للجنوب، عن طريق الاستفتاء.

ب. إن حق تقرير المصير لا يعني الانفصال، وحتى يمكن حل المشكلة في إطار السودان الواحد، فيجب الإقرار بالحقائق الآتية:

(1) تباين الثقافات والديانات لشعب السودان.

(2) تأكيد الحقوق السياسية والاجتماعية لكل القبائل والقوميات.

(3) تأكيد حق الحكم الذاتي.

(4) قيام حكومة ديموقراطية بفصل الدين عن الدولة، من خلال التأكيد على حرية الاعتقاد والتفكير في القانون.

(5) التوزيع العادل لثروات البلاد.

(6) تثبيت الحقوق الأساسية في الدستور.

(7) تأكيد استقلال السلطة القضائية.

ج. الاتفاق على استحالة إيجاد حل بالطرق العسكرية، وأن الخيار الوحيد هو الحل السلمي.

د. في حالة تعثر التسوية، فالخيار الآخر هو إجراء الاستفتاء في الجنوب لتقرير مصيره.

أبدى وفد جنوب السودان قبوله بكل ما جاء في مشروع الإيقاد، واستعداده للتفاوض بموجب ذلك، بينما تحفظ وفد الحكومة على مسألتي تقرير المصير وعلمانية الدولة. ولم تحقق قمة الإيقاد أي تقدم في جهود التسوية. واستمرت العمليات العسكرية قائمة بين الطرفين.

على ضوء تردي العلاقات بين السودان، وكل من أوغندا وإريتريا، بما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما وبين السودان، وحدوث اشتباكات على الحدود، فقدت قمة الإيقاد مصداقيتها وتوقفت عن مساعيها. وفي 25 مارس عام 1997 جُددت المساعي مرة أخرى بوساطة من إيران وجنوب أفريقيا، وعُقدت قمة للإيقاد في نيروبي. وتدخل في الوساطة الرئيس "نيلسون مانديلا"، ولكن المحاولة لم تؤدِ إلى نجاح.

9. موقف إسرائيل

استغلت إسرائيل علاقاتها المتميزة مع إثيوبيا منذ منتصف الخمسينات، لدعم حركة تحرير جنوب السـودان. وبدأت المساعدات في مراحلها الأولى متواضعة ورمزية، ثم أخذ الدعم يتصاعد مما أدى إلى زيادة قوة مقاتلي حركة التحرير.

وانقسمت مراحل تقديم الدعم الإسرائيلي إلى مرحلتين:

أ. المرحلة الأولى: من 1955 ـ 1972

اهتمت إسرائيل خلال هذه المرحلة، بتقديم المساعدات الإنسانية والأدوية والمواد الغذائية والأطباء، لمساعدة اللاجئين من أبناء الجنوب إلى إثيوبيا، نتيجة القتال الدائر في جنوب السودان. وأعقب هذه المرحلة مراحل أخرى، تم فيها إعداد وتدريب متمردي الجنوب على فنون الحرب، في مراكز خاصة داخل إثيوبيا، يديرها ضباط إسرائيليون. وتولى عملية الإمداد بالسلاح، تاجر سلاح إسرائيلي يدعى "جابي شفيق"، يعمل لصالح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

وفي أواخر الستينيات تعزز الدعم الإسرائيلي، المقدم إلى سكان جنوب السودان، والحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، على النحو التالي:

(1) إرسال كميات من الأسلحة، خاصة الأسلحة السوفيتية، التي استولت عليها إسرائيل في حرب يونيه 1967. وشملت أسلحة خفيفة ومتوسطة.

(2) إرسال مستشارين عسكريين إلى مناطق الغابات داخل الأراضي السودانية المحاذية لإثيوبيا، بعد أن كان الأمر قاصراً على تقديم العون والتدريب من داخل الأراضي الإثيوبية.

(3) استقدام مجموعة من أبناء الجنوب إلى إسرائيل، ليتلقوا تدريباتهم العسكرية في إسرائيل.

(4) التأثير على قادة الحركة في الجنوب بإعلان رغبتهم في الانفصال عن الشمال، وليس فقط المساواة مع أبناء الشمال.

وفي أواخر الستينيات فتحت جبهة أخرى لإيصال الدعم الإسرائيلي من خلال أوغندا، ووجه هذا الدعم إلى حركة الأنيانيا. وتولى الملحق العسكري الإسرائيلي في كمبالا، "العقيد باروخ بارنير"، الإشراف على إيصال هذه المساعدات.

ب. المرحلة الثانية: بدأت  منذ عام 1983

وفي عهد الرئيس الإثيوبى "منجستو هايل ماريام"، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه، اتخذ الدعم الإسرائيلي لجنوب السودان مساراً أخر، نتيجة لعاملين، هما:

(1) إمداد نظام حكم الرئيس منجستو بكميات كبيرة من الأسلحة، ليتمكن من مجابهة حركات المعارضة المسلحة، التي تناوئه في إريتريا، وبعض المقاطعات الإثيوبية الأخرى، مثل تيجري، وجوندر.

(2) وصول عدد كبير من المستشارين العسكريين الإسرائيليين إلى إثيوبيا، لتدريب الجيش الإثيوبي.

وقد تزامن هذا الوجود الإسرائيلي مع زيادة دعم إثيوبيا لمتمردي الجنوب، رداً على دعم السودان لحركات التمرد المناهضة لنظام الرئيس الإثيوبي "منجستو هايل ماريام". ونتيجة لذلك تمكنت حركة تحرير جنوب السودان، بقيادة "جون قرنق"، من السيطرة على معظم الجنوب وعزله عن الشمال، بعد السيطرة على المدن الرئيسية، خاصة مدينة جوبا.

وبانهيار نظام الرئيس منجستو وهروبه من إثيوبيا، تغيرت العلاقات بين السودان وإثيوبيا، وفقد الجنوب مصدر الإمداد بالأسلحة، مما أدى إلى ضعف موقف حركات التحرر في الجنوب.

ثانياً: الموقف الدولي من مشكلة الجنوب

شهدت علاقات السودان على الصعيد الخارجي، منذ استيلاء ثورة الإنقاذ عام 1989 على السلطة، العديد من التحولات والمتغيرات، التي أفرزت في مجملها حالة من التوتر وعدم الاستقرار مع معظم الأطراف الدولية. وبدأ السودان يعاني من عزلة سياسية، نبعت من اتهامه بتعارض سياساته مع مطالب الإجماع الدولي، الذي يرفض التطرف والإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.

اختلف الموقف الدولي في المنطقة في فترة ما قبل عام 1985، وظهور سياسة البريستورويكا، عن الفترة التي سبقت عام 1985. ومع تنافس القوتين العظمتين على اقتسام العالم، برزت القارة الأفريقية على السطح كمجال لتنافس القوتين، لمد مناطق نفوذهما وسيطرتهما، خاصة في منطقة القرن الأفريقي، لأهميتها الإستراتيجية والجيوبولوتيكية.

وعندما أُعلن عن تأسيس التكامل المصري السوداني، كان المأمول أن يصبح التكامل مصدر قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية للدولتين. وهذا يتعارض مع مصالح كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وأهدافهم، التي التقت نحو عدم إتمام التقارب المصري السوداني، وإن تصارعت الدولتان العظمتان على السيطرة على المنطقة. لذا، عملت كل منهما على إحباط هذا التقارب، وإِن اختلفت الأدوات والأساليب.

1. الولايات المتحدة الأمريكية

تُولي الولايات المتحدة الأمريكية المنطقة اهتماماً، وقد أوضح "لافون ووكر"، مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، اهتمام الولايات المتحدة بالسودان، ومنطقة القرن الأفريقي، إذ قال: إِنها أقطار ذات قيمة إستراتيجية للولايات المتحدة، في سعيها للحفاظ على مصالحها في مسرح الخليج وجنوب غرب آسيا.

إنّ للولايات المتحدة الأمريكية مصالحها، التي تتعلق بتوازن القوى العالمي، وهي تسعى ـ دائماً ـ لأن يكون ميزان القوى، راجحاً لمصلحتها. كما أنها تقيم علاقاتها مع دول المنطقة، بما يُدعم أمن إسرائيل؛ فضلاً عن أنها تساند الدول العربية المحافظة في المنطقة. انطلاقاً من تلك الإستراتيجية ساعدت الولايات المتحدة السودان في أواخر السـبعينيات للتغلب على مشاكله الاقتصادية، وسمحت لشركة شيفرون القيام بأعمال التنقيب عن النفط. وبإعلان الشريعة الإسلامية في السودان، وتخوف الولايات المتحدة من مدّ إسلامي يهدد الدول المسيحية المحيطة بالسودان، تحول موقف الولايات المتحدة نحو مساندة حركات التمرد في جنوب السودان، مع الاقتناع بعدم تقديم الأسلحة والمعدات إلى السودان. ثم أوقفت شركة شيفرون أعمال التنقيب عن النفط.

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية التحرك، من أجل إيجاد تسوية سلمية للحرب الأهلية في السودان. ورفعت مستوى الاتصال مع زعيم الحركة الشـعبية لتحرير السودان، "جون قرنق"، الذي زار الولايات المتحدة، في 4 يونيه 1989، للاجتماع مع الرئيس الأمريكي السابق، "جيمي كارتر". واجتمع، في 8 يونيه، مع مسؤولين من وزارة الخارجـية الأمريكية، وأعضاء الكونجرس الأمريكي.

تجاوبت الحكومة السودانية مع جهود الوساطة الأمريكية، ووافقت على الدخول في محادثات سلام مع الجنوب، بدأت في 19 أغسطس 1989، في أديس أبابا، ثم في نيروبي، في 3 ديسمبر 1989. وأعلن "جيمي كارتر"، موافقة السودان على استئناف الرحلات الجوية، لتقديم المعونات الغذائية لجنوب السودان. ولكن انهارت المحادثات بعد يومين، لتمسّك الحكومة السودانية بتطبيق الشريعة الإسلامية. وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة والخرطوم، نتيجة لفشل المحادثات. وبعد اللقاء، الذي عقد بين الرئيس السوداني والمستر "هيرمان كوهين"، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، في 8 مارس 1990، في الخرطوم، أوقفت الحكومة الأمريكية المساعدات العسكرية والاقتصادية للسودان. ومع انحياز النظام السوداني للرئيس صدام حسين في عدوانه على الكويت، زادت حدة التوتر. ورحلت الولايات المتحدة مائتين من الرعايا الأمريكيين، من الخرطوم، قبل بدء حرب الخليج.

تُولي الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أوائل التسعينات، اهتماماً أكبر بالأوضاع في السودان، بحكم اتجاهها إلى إعطاء قدر أكبر من الاهتمام إلى منطقة البحيرات العظمى، ومحاولة النظام السوداني القيام بدور إقليمي أوسع، في اتجاهات تعدّها دول كبرى مهددة لمصالحها. وتصاعد دور جماعات حقوق الإنسان، والجماعات الكنسية والإعلام في التأثير على السياسة الأمريكية في اتجاه التدخل في الشؤون السودانية، إضافة إلى صراعات وضغوط شركات النفط الدولية. ركّز التدخل الأمريكي على محاولة عزل النظام السياسي السوداني دولياً، والضغط عليه لإعادته داخل حدوده، وحلّ مشكلة جنوب السودان مع تولي العملية تيار متشدد من قسم أفريقيا بوزارة الخارجية، وجهاز الاستخبارات المركزية، وبعض دوائر الكونجرس، لزيادة الضغط على الحكومة السودانية.

وفي إطار ذلك تبلور اتجاهان رئيسيان للتعامل مع المشكلة، يرتبط أولهما بتبني المعارضة السودانية خيار العمل المسلح، لإسقاط النظام الحاكم في الخرطوم. بينما يرى الاتجاه الثاني ممارسة خط سياسي، بفرض حظر دولي شامل على صادرات السلاح إلى السودان، وتقديم المساعدات المالية لدول الجوار لمواجهة التحديات السودانية.

وظلت الأزمة حتى نهاية 1997، تراوح مكانها بين الموقفين، وسط مؤشرات توحي بأن أيّاً منهما بوضعه الراهن، لن يكون السبيل لحل الصراع داخل السودان. فالخيار العسكري لا يؤدي لنتائج حاسمة، كما يواجه الحل السياسي مشكلات مختلفة في ظل المواقف المعلنة لأطرافه. وهناك تباين في الموقف الأمريكي من السودان ككل، بما في ذلك مشكلة جنوب السودان. وظهر تيار يدعو إلى ضرورة الإبقاء على النظام السوداني الحالي، باعتبار أن سقوطه سيؤدى إلى تقسيم السودان إلى عدة دويلات. ويدعو هذا التيار إلى تبنى سياسة الحوار مع النظام، بهدف ترشيد سلوكه وإصلاح مساره.

أعلنت صحيفة "واشنطن بوست"، في عددها الصادر في 10 نوفمبر 1996، أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات عسكرية إلى ثلاث دول مجاورة للسودان لإضعاف النظام الإسلامي في الخرطوم. وأن تجهيزات عسكرية أمريكية، تبلغ قيمتها نحو 20 مليون دولار، ستنقل إلى إثيوبيا وإريتريا وأوغندا، حيث تُعدّ مجموعات سودانية معارضة هجوماً مشتركاً، للإطاحة بالحكومة. وتشمل التجهيزات أجهزة اتصال لاسلكي، وملابس عسكرية وخيام. وأن هذه المساعدات يمكن أن تضم، في وقت لاحق، بنادق وأسلحة أخرى.

وأعلن "نيقولاس بيرنز"، الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في 22 يناير 1997، أن الولايات المتحدة قلقة للقتال الدائر في السودان. وطلب من الحكومة والمتمردين، وأي طرف متورط في هذه المعارك، الاعتدال والتفاوض. ورفض أن ينفي أو يؤكد تقديم إثيوبيا وإريتريا وأوغندا مساعدات إلى المتمردين، إلاّ أنه من الواضح أن واشنطن لم تقدم أي مساعدة عسكرية إلى هذه البلدان، وأن المساعدة المدنية المقررة لها عام 1996، ومقدارها 15 مليون دولار، لم تُسلم بعد. وكرر نيقولاس بيرنز أن منظمة الوحدة الأفريقية، أفضل وسيط لإنهاء النزاع.

أصدرت السفارة الأمريكية في الخرطوم، في الثالث والعشرين من يناير 1997، البيان الآتي: "إن مزاعم السودان عن تورط أجنبي في حربه الأهلية، هي محاولة لتحويل انتباه الشعب السوداني والمجتمع الدولي، عمّا هو أزمة سياسية محليه في جوهره". وأشار البيان إلى اعتقال بعض السياسيين السودانيين، وقال: "إِن هذه الأعمال لا تعالج المشاكل السياسية للحكومة، وتثير مخاوف في شأن حقوق الإنسان، وندعو الحكومة السودانية إلى الاحترام الكامل لحقوق المواطنين كافة، وندعو إلى الإفراج عن المحتجزين". وفي مجال التسوية السلمية للمشكلة، قال البيان: "لا نؤيد الإطاحة بالحكومة العسكرية، ونجدد دعوتنا لكل الأطراف المنخرطين في الحرب الأهلية في السودان، إنهاء هذا الصراع المأساوي من خلال مفاوضات سلمية، ويجب أن تشترك جميع عناصر المجتمع السوداني في حوار المصالحة الوطنية، إذا قُدّر للسودان أن يضع قدمه على طريق السلام والتنمية". وأعلن البيان أن الإدارة الأمريكية، وافقت على تقديم معونة إضافية قدرها 75 ,4 مليون دولار عام 1997، وتهدف هذه المعونة إلى مساعدة إريتريا وإثيوبيا وأوغندا في الدفاع عن أراضيها ضد غارات المتمردين، الذين يرعاهم السودان.

وفي 6 أبريل 1997، أعلنت صحيفة "ألوان" السودانية، أن وزيرة الخارجية الأمريكية، "مادلين أولبرايت"، اجتمعت مع "جون قرنق" في لندن سراً، في الفترة من 18 إلى 20 مارس. وأطلع قرنق وزيرة الخارجية الأمريكية، على أوضاع قواته واحتياجاته العسكرية وخططه المستقبلية.

وفي 20 أبريل 1997، اجتمع الرئيس الأمريكي السابق، "جيمي كارتر"، مع الرئيس السوداني، لمناقشة عملية السلام، واحتمالات التوسع لضم جماعات أخرى للبحث في مسألة السلام بين السودان وجيرانه. وكان كارتر يسعى لجمع ممثلين عن الخرطوم والجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي يتزعمه قرنق. ولم تتوصل المحادثات إلى حل.

2. موقف فرنسا

يأتي الموقف الفرنسي من السودان ومشكلة جنوب السودان، في إطار التنافس الفرنسي ـ الأمريكي في القارة. وعلى ضوء التراجع في العلاقات السودانية الأمريكية، وفي محاولة لترسيخ وجودها على الساحة السودانية، باعتبار أن ذلك يحقق لها مصالح اقتصادية، إضافة إلى إمكانية مواجهة الحركة الأمريكية في القارة الأفريقية ـ حصلت شركة توتال الفرنسية على حق التنقيب عن النفط في جنوب السودان، في عام 1983، كما عملت شركة فرنسية في مشروع شق قناة جونجلي.

وكان التنسيق بين السودان وفرنسا قد بدأ في الثمانينيات، حين كانت الدولتان تدعمان الرئيس حسين حبرى في تشاد. وأُبعد اللاجئون التشاديون، الذين اتخذوا من محافظة دارفور الواقعة على الحدود التشادية ـ الليبية، مقرا لهم. كما سلّم السودان الإرهابي كارلوس إلى فرنسا، في أغسطس 1994.

أعلنت الحكومة الفرنسية، في 22 يناير 1997، عن قلقها إزاء التطورات، التي يشهدها السودان. وصرح "جاك روميلات"، الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، بالآتي: "إننا نشعر بالقلق والأسف لوضع الحرب الأهلية المستمر في الجنوب، والذي يمتد في الوقت الحاضر إلى شرق السودان". وأضاف، "أن النزاع لن يجد تسوية دائمة إلاّ بحل سياسي يتم التفاوض في شأنه، ويستجيب لآراء السّكان المعنيين".

سعت فرنسا لتوطيد علاقاتها مع السودان، لأن ذلك يعود عليها بفوائد اقتصادية. كما يُمْكنها من خلال هذه العلاقة، إيجاد قناة اتصال مع الحركات الإسلامية في الجزائر، والتوصل من خلال هذه القناة لاتفاقيات أساسية تتعلق بالحد من العمليات الإرهابية لهذه الجماعات في فرنسا، على وجه التحديد.

ونتيجة لمتانة علاقات باريس مع الخرطوم، توترت علاقات فرنسا مع الحركة الشعبية لتحرير السـودان. ونتيجة لصفقة تسليم الإرهابي كارلوس، سهلت فرنسا للسودان استخدام المناطق الحدودية مع الدول الحليفة لفرنسـا، للهجوم على مواقع الجيش الشعبي في جنوب السودان. كما زودت فرنسا السودان بمعلومات استخبارية، من أهمها صور ملتقطة بالأقمار الصناعية لمواقع قوات الجيش الشعبي، والمراكز السكانية.