إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث السادس

المبحث الحادي عشر

تطور الصراع عام 1998

أولاً: الصراع المسلح

1. في جنوب السودان

أعلن رياك مشار رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية في السودان أن 38 شخصاً قتلوا خلال اشتباكات استمرت أكثر من أسبوع بين أفراد قوة عسكرية مؤيدين لمرشحين قبليين متنافسين في انتخابات محلية.

وقال مشار إن القتال بدأ في 9 يناير 1998 بين جنود تابعين لقوة دفاع جنوب السودان كانوا يحرسون منطقة امتياز نفطي لشركة صينية خارج بلدة بانتيو في محافظة الوحدة على بعد 750 كيلو متر جنوب الخرطوم.

وكشفت صحيفة الأنباء الحكومية أن النائب الأول لرئيس الجمهورية السوداني زار منطقة بانتيو يوم 18 يناير 1998 بهدف تسوية هذا الخلاف العسكري. وقالت الصحيفة: إن النائب الأول تمكن من إجراء مصالحة بين الطرفين.

وبينما رحبت الحكومة السودانية بعودة سبعة آلاف من صفوف التمرد من بينهم ثلاثة آلاف مسلح واعتبرت ظاهرتهم دليلاً على ضعف حركة قرنق، واتساع الانشقاقات فيها، تعرضت مدينة واو ثانية أكبر مدن جنوب السودان إلى هجوم واسع من حركة قرنق يوم 29 يناير 1998، وقد أعلنت الحركة أنها استولت على ستة مواقع استراتيجية داخل المدينة. وبدا أن الهجوم تم بالتعاون بين قوات قرنق وقوات قائد سابق كان قد انشق عنه هو كاربينو كوانين بول الذي سّرب مجموعة من مقاتليه إلى داخل المدينة تحت غطاء أنهم من العائدين إلى صفوف الحكومة والمنشقين على الحركة. وكان كوانين بول قد اشترك في توقيع معاهدة سلام مع الحكومة ولكنه اعتكف بعد ذلك في منطقته رافضاً العودة للخرطوم أو تسلم منصب نائب رئيس مجلس التنسيق للجنوب الذين أسندا إليه.

وبينما أعلنت الحكومة السودانية الأحوال في (واو) مستتبة، وأشارت إلى أن حركة الطيران مستمرة بين الخرطوم وواو، أعلنت حركة قرنق أنها احتلت مدينة (أويل) في شمال بحر الغزال، وأن قواتها ما تزال تسيطر على مواقعها داخل مدينة واو، لكنها اعترفت أن القوات الحكومية استعادت السيطرة على المطار.

وفي الخرطوم عقد رياك مشار رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية مؤتمراً صحفياً يوم 1 فبراير 1998 استبعد فيه اشتراك كاربينو كوانين في أحداث واو واتهم قرنق بالتآمر لإفشال عملية السلام ولم يستبعد مشار مشاركة أوغندا خلال الفترة القادمة في عمليات عسكرية في جنوب السودان.

وفي العاصمة الكينية نيروبي، قالت جمعية خيرية نرويجية: إن طائرة للحكومة السودانية قصفت يوم 5 مارس 1998 مستشفى في بلدة (ياي) الواقعة في منطقة تسيطر عليها قوات قرنق في جنوب السودان؛ مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص، وإصابة 46 آخرين. وقال مسؤول الاتصال بالجمعية: إن الطائرة السودانية ألقت حوالي 13 قنبلة حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً، أصابت خمس منها المستشفى مباشرة؛ مما أدى إلى تدمير غرفة العمليات، وملجأ حصين للطوارئ في فناء المستشفى.

وتواصلت العمليات العسكرية في جنوب كردفان، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية يوم 16 مايو 1998 أن الجيش السوداني وقوات الدفاع الشعبي تمكنت من تحقيق انتصارات ساحقة على الجيش الشعبيّ لتحرير السودان في مناطق الجبال الشرقية والغربية، وجبال النوبة واستعادت مناطق (جلد) و(تيمين) وما حولهما، التي كانت تمثل مواقع مهمة للمتمردين، حيث يتوافر فيها المرعى والمياه، وكافة احتياجات الحياة.

وأضاف الناطق باسم القوات المسلحة أنهم كبّدوا الخوارج ثلاثين قتيلاً، واحتسبوا سبعة شهداء. وأضاف: إن القوات المسلحة اجتاحت معسكرات المتمردين في منطقة بحر العرب (جنوب دارفور) وأنهت وجودهم، بعد أن كبدت الخوارج خسائر عدة في الأرواح.

وكانت منطقة التماس بين ولايتي دارفور وكردفان (غربي السودان) من جهة، حيث تسكن قبائل عربية، وبحر الغزال (جنوبي السودان) حيث تسكن قبيلة الدينكا من جهة أخرى، قد شهدت مصادمات أدّت إلى نهبّ أبقار العرب، وقتل العشرات من الطرفين. واتهمت الحكومة قوات كاربينو (الذي انسلخ عن اتفاقية الخرطوم للسلام) بالقيام بعمليات غدر ونهب للسكان الآمنين، واستنفر العرب فرسانهم لاسترداد أبقارهم ومطاردة المهاجمين.

وقد انضم الفرسان إلى صفوف القوات المسلحة حيث أعلنت صحيفة الأنباء السودانية يوم 21 مايو 1998 أن القوات المسلحة وفرسان المجاهدين (عرب المسيرية في كردفان) تمكنت من تدمير معسكرات الخوارج في مناطق (مريال باي) و (نيام ليل) ببحر الغزال، وكبدت قوات المتمردين خسائر فادحة واستولت على مدافع وذخائر وأجهزة اتصال.

وذكرت صحيفة (الأسبوع) السودانية أن جماعة مسلحة قتلت نهار يوم 16 يونيه 1998 13 شخصاً خلال هجوم بالأسلحة النارية على منزل والي ولاية شمال بحر الغزال في مدينة (أويل)، بينما كان الوالي في مهمة رسمية في العاصمة الخرطوم.

وكان الوالي ـ وهو عضو في الجبهة المتحدة الديمقراطية للإنقاذ، التي تضم فصائل جنوبية التحقت بصفوف الحكومة عام 1997 ـ قد تعرّض لانتقادات من زعماء القبائل ومن مسؤولين سياسيين في ولايته، وطالبوا بتنحيته؛ لاتهامه بعدم الأهلية. وتقول مصادر جنوبية: إنّ جماعات من العرب الرحل، ويسمون في المنطقة بالمراحيل ـ يقيمون معسكراً على بعد كيلو متر واحد من منزل الوالي.

وأعلن رياك مشار قائد قوات دفاع جنوب السودان: إن المعارك تجددت بقوة يوم 17 يوليه 1998 بين فصيلين جنوبيين مواليين لحكومة الخرطوم في ولاية الوحدة (جنوبي البلاد).

وفي تصريح للصحافيين، إثر لقائه الرئيس السوداني عمر البشير في الخرطوم، اتهم خصمه بولينو ماتيب قائد جيش الحركة الموّحدة لجنوب السودان بإحراق عدد كبير من القرى؛ ممّا أدى إلى خسائر مادية جسيمة في منطقة (لير).

وأوضح أن المعارك استمرت إلى يوم 18 يوليه 1998. ومن ناحيته، اتهم ماتيب ـ في حديث نشرته صحيفة الجمهورية ـ قوات مشار بخرق وقف إطلاق النار عندما هاجمت مقاتليه في مخيم قريب من بانتيو عاصمة ولاية الوحدة الاتحادية نافياً أن تكون قواته أحرقت قرى.

ومن جهة أخرى اصدر الفصيل المتحد الذي يقوده لام أكول وزير النقل السوداني بياناً يوم 30 أغسطس 1998 قال فيه: إنّ قواته تعرضت الأسبوع الماضي لهجوم من قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يقوده العقيد جون قرنق. وأضاف أن الهجوم أسفر عن مقتل ثلاث أشخاص ونهب (64) رأساً من البقر، ووقع الهجوم في منطقة ينبورة في ولاية أعالي النيل.

والفصيل المتحد، منشق من الانشقاق الذي قاده عام 1991 لام أكول ورياك مشار على الجيش الشعبي، ووقع لام أكول على اتفاق منفصل مع الحكومة المركزية في نهاية عام 1997 انضم على إثره لمسيرة الإنقاذ، بينما كان مشار وعدد آخر من المنشقين قد وقعَوا على ميثاق مع الحكومة عام 1996 ثم على اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997.

وفي الولاية الاستوائية جنوبي السودان دارت معارك داخل مدينة توريت وحولها وأعلن الجيش الشعبي لتحرير السودان في بيان صدر في القاهرة يوم 19 سبتمبر 1998 عن مقتل (131) جندياً سودانياً حكومياً وإصابة مئات آخرين بجروح في هجوم شنه المتمردون في كل من حاميتي الجبلين وليريا على مسافة 50 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة جوبا الإستراتيجية. وأشار البيان إلى وقوع (30) أسيراً من الجيش الحكومي في أيدي المتمردين فضلاً عن الاستيلاء على معدات عسكرية. واعترف الجيش الشعبي بخسارة (11) من مقاتليه وإصابة (38) آخرين بجروح.

وفي بيان ألقاه وزير الدفاع السوداني أمام المجلس الوطني (البرلمان) يوم 8 أكتوبر 1998 كشف تفاصيل معارك ضارية وهجمات على مواقع القوات المسلحة السودانية في شرق الاستوائية. وتعدّ هذه التفاصيل الأولى من نوعها حول هذه المعارك.

وقال الوزير في بيانه: بالرغم ما توفر لهذه القوات المعتدية من دعم محلي وإقليمي ودولي كبير، وصل إلى حد مشاركة بعض المنظمات الدولية بطائراتها لتوفير حرية المناورة، لم تتمكن القوات المهاجمة من تحقيق نجاحات تذكر سوى قطع طريق جوبا ـ توريت في بعض مواقع الربط ومنطقة ليريا. وتم ظهر يوم 6 أكتوبر 1998 تحرير كل مواقع الربط على هذا الطريق عدا موقع واحد.

ومن ناحية أخرى ذكرت صحيفة الأنباء السودانية الصادرة يوم 8 أكتوبر 1998 أن عدد قتلى وجرحى حركة التمرد حول مدينة ليريا وحدها بلغ أكثر من 3500 فرد. كما أن أكثر من 400 جريح أوغندي يعالجون في مستشفى لوبرن بشمالي أوغندا، إلى جانب 80 من الجيش الشعبي لتحرير السودان.

وفي بيان نشر في يوم 8 أكتوبر 1998 في نيروبي أعلن الجيش الشعبي لتحرير السودان تمديد فترة وقف إطلاق النار في ولاية بحر الغزال لمدة ثلاثة أشهر تبدأ يوم 14 أكتوبر 1998 وتوسيع نطاقه ليشمل منطقة أعالي النيل الغربية.

وأوضح الجيش الشعبي ـ في بيانه ـ أن هذا القرار جاء تجاوباً مع دعوات الرئيس الكيني وبسبب المجاعة المتنامية التي تضرب جنوب السودان.

وفي مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية السوداني في الخرطوم يوم 14 أكتوبر 1998 أعلن فيه موافقة الحكومة السودانية على تمديد وقف إطلاق النار في بحر الغزال ابتداء من اليوم.

ورغم إعلان الجيش الشعبي تمديد فترة وقف إطلاق النار، وموافقة الحكومة السودانية على ذلك، تجّدد القتال في شرق الاستوائية يوم 18 أكتوبر 1998 وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نيروبي أن المنطقة شهدت زيادة حادة في عدد الجرحى الذين تستقبلهم بعثتها الطبية وأضافت اللجنة، أنها بعثت أخيراً 33 من ضحايا الحرب من جنوب السودان إلى لوكيتشوكيو في شمال غربي كينيا، لإجراء جراحات لهم.

وأعلن الجيش السوداني أن نحو سبعة آلاف موظف يعملون في القطاع الخاص في الخرطوم غادروا مكاتبهم يوم 18 أكتوبر 1998 وبدأوا تدريباً عسكرياً لمدة شهرين تمهيداً لإرسالهم إلى جبهات القتال في الجنوب، لتعزيز القوات المسلحة النظامية التي تقاتل المعارضة الجنوبية.

ومن جهة أخرى فشلت وساطات حكومية في أوائل نوفمبر 1998 في إجراء مصالحة بين فاولينو ماتيب قائد الجيش الشعبي المتحد، وأحد المنشقين عليه في أحدث حركة انشقاقات تقع في صفوف الفصائل المؤيدة للحكومة. واتهم مقربون من فاولينو منافسه على زعامة النوير (رياك مشار) رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، بالتخطيط وتنفيذ انشقاق وتمرد القائد الميداني فيليب بافيان على قائده فاولينو. وأضافوا أن مشار أجرى اتصالات مباشرة مع فابيان وأقنعه بضرورة الانشقاق على قائده؛ مقابل تولي مسؤولية قوات دفاع الجنوب إلى جانب القوات التي ينسلخ بها. وتذكر المصادر نفسها، أن الهدف الأساس من هذا التحريض كان محاصرة القوات الأساسية التابعة لفاولينو في منطقة غرب النوير، وقطع الإمداد عنها، واستقطاب كبار الضباط والجنود، وإقناعهم بالانضمام كقوات دفاع الجنوب.

وأكدت مصادر فاولينو أن المؤامرة فشلت لأن الضباط والجنود رفضوا إطاعة أوامر بافيان وأن الأخير نفسه طلب العفو، إلاّ أن كبار القادة رفضوا ذلك، وتنفي مصادر جنوبية أخرى أن يكون فابيان قد طلب العودة، وأكدت أن الوضع ما زال غامضاً في ظل تدهور الوضع الأمني وصراع المصالح بين رياك وفاولنيو في ولاية الوحدة (جنوب السودان) وأن الانشقاقات والانشقاقات المضادة ستؤدي إلى سقوط اتفاقية الخرطوم للسلام؛ لأن الصراع يدور أساساً بين من وقعوا عليها مع الحكومة.

ولإنهاء الصراع بين الفصيلين دعا بعض المسؤولين في السودان إلى فرض حالة الطوارئ على ولاية الوحدة بعد إخفاق كل الجهود لوقف الصراع.

وكان الصراع بين مشار وماتيب، المحتدم منذ مطلع هذا العام، قد انتقل أخيراً إلى الخرطوم حيث جرت عمليات خطف وهجوم على منازل يمتلكها الطرفان. مما دعا الحكومة السودانية إلى مداهمة مقار الفصائل الجنوبية المتحالفة معها فجر يوم 19 نوفمبر 1998، وجردتها من كل أسلحتها. وتباينت آراء المسؤولين السودانيين وقادة الفصائل الجنوبية بشأن هذا الإجراء. فقد أصدر مجلس تنسيق الولايات الجنوبية بياناً قال فيه: إن المجلس يقر بالمسؤولية الكاملة والمباشرة لسلطات ولاية الخرطوم في الحفاظ على الأمن والنظام، ويعلن المجلس من هذا المنطلق موافقته التامة وتأييده المطلق بجميع التدابير والإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات الأمنية لجمع السلاح من عناصر الفصائل الجنوبية الموجودة حالياً في الولاية.

أما الدكتور لام أكول وزير النقل وزعيم الفصيل المتحد، فقد ندّد بما قامت به السلطات. وأوضح أن اتفاقات السلام تنص على أن تجلس كل الأطراف سوياً في حالة حدوث أمر يخص الاتفاقات وحظرت على أي طرف أن يتصرف منفرداً، والحكومة طرف في الاتفاقات، ولا يحق لها اتخاذ قرار منفرد يتعلق بأي بند من بنود الاتفاقات.

وفي مساء 23 نوفمبر 1998 أصدر خمسة من قادة الفصائل الجنوبية الموقعة على اتفاقية السلام بياناً شديد اللهجة دانوافيه ـ دون تحفظ ـ إجراءات سلطات الأمن ووصفوها بأنها إساءة لعملية السلام وعمل على إفشالها. وأضاف القادة: إن الأسلحة التي لدى الفصائل لا تتعدى الخمسين وكلها مسجلة عند القيادة العامة للقوات المسلحة.

وأضاف البيان: إننا حريصون على استتاب الأمن في ولاية الخرطوم وفي كل أنحاء السودان، لكن الذي حدث كان يمكن أن يؤدي إلى فتنة لولا يقظة قادة الفصائل.

وقد وقع على البيان: د. لام أكول رئيس الفصيل المتحد ووزير النقل، وبيتر لي نائب رئيس جبهة الإنقاذ (رياك مشار) ووزير الدولة بديوان الحكم الاتحادي، وجوزيف ملوال عضو جبهة الإنقاذ ووزير الثروة الحيوانية، ولورانس لوال قائد فصيل بحر الغزال، ونائب الأمين العام للمؤتمر الوطني، والقائد مكواج دينق عضو جبهة الإنقاذ ووزير الدولة بمؤسسة التنمية الوطنية.

ومما يذكر أن الإنقاذ هي المظلة السياسية التي تقف تحتها الفصائل التي وقعت على اتفاق الخرطوم للسلام عام 1997.

وفي إطار الانشقاقات تعرض منزل العقيد جون قرنق في نيروبي إلى هجوم ليل السبت 14 نوفمبر 1998 بهدف اغتياله، ألاّ أنه كان خارج المنزل، واستمر الهجوم قرابة نصف ساعة ودارت معركة بين المهاجمين وقوات الشرطة المكلفة بحراسة المنزل وحرس قرنق الخاص أسفرت عن مقتل مهاجمين، وأحد حراس قرنق، واعتقلت الشرطة الكينية ستة من المهاجمين الذين يتبعون لقوات كاربينو كوانين بول الذي كان قد انشق عن قرنق ثم عاد وتحالف معه قبل أشهر.

2. الحدود الإثيوبية

أعلنت حكومة ولاية (القضارف) الواقعة وسط شرقي السودان يوم 8 فبراير 1998 أن قوات المعارضة شنت هجوماً على معسكر للجيش في إطار مؤامرة تستهدف الحدود الشرقية بمحاذاة إثيوبيا. وقال وزير الشئون الاجتماعية بالولاية ـ في بيان له ـ: إن القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبيّ تصدّت للهجوم بشجاعة فائقة، وأن المعارك ظلت دائرة لساعات طويلة، ودعا الوزير جميع مواطني الولاية القادرين على حمل السلاح، للانخراط فوراً في صفوف المجاهدين؛ لحماية العقيدة والوطن. وناشدهم للتدافع للتبرع بالدم لإسعاف الجرحى والمصابين. وطالب المواطنين الحذر واليقظة وتأمين حماية جميع المنشآت.

وأعلن والي الولاية في افتتاح مؤتمر التنظيم السياسي بالولاية للتعبئة العامة. وقال: إن هناك خططاً موضوعة لهجوم شامل على جميع جبهات شرق السودان.

واستمر الصراع المسلح على الحدود الإثيوبية يتجدد بين المعارضة والحكومة، حيث أعلنت لجنة أمن ولاية النيل الأزرق في جنوب شرقي السودان: أن القوات المسلحة تمكنت عند التاسعة والنصف من صباح 25 مارس 1998 من اقتحام لقوات المعارضة في منطقة (أبيقو محلية كرن) في محافظة (الكرمك).

وقال بيان أصدرته اللجنة: إن المعسكر قد دمّر نهائياً، وأن القوات المسلحة كبدت المعارضة (35) قتيلاً، واستولت على بعض الأسلحة والمعدات. واحتسبت القوات المسلحة عشرة شهداء وأصيب (28) إصابات خفيفة.

وبهذا الاقتحام تكون القوات المسلحة قد استردت منطقة (أبيقو) الإستراتيجية في النيل الأزرق؛ مما يؤثر على حركة قوات المعارضة.

ويرى المسؤولون في القوات المسلحة: أن هذا الانتصار يمثل بداية لاستعادة كل الأراضي، وتحرير مدينتي الكرمك وقيسان اللتين سيطرت عليهما قوات المعارضة منذ فترة.

كما تجدد القتال على الحدود الإثيوبية في الثاني من أبريل عام 1998؛ حيث أعلنت القيادة العسكرية للمعارضة السودانية؛ أن جيش الأمة للتحرير شن هجوماً على معسكر (خاطر) الذي يبعد 25 كم شمال مدينة القلابات، و45 كم شرقي مدينة دوكة. وأفاد بيان أصدرته القيادة العسكرية للمعارضة: أن العملية أسفرت عن مقتل عشرين من ميليشيات الدفاع الشعبي في المعسكر بينهم بعض القادة ومنسقي النشاط، والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، وتدمير بعض الآليات.

وفي 11 أبريل 1998 أصدرت القيادة العسكرية المشتركة للتجمع الوطني: أن إحدى فصائلها التابعة لجيش الأمة للتحرير، نصبت كميناً لموكب قائد معسكر (سندس) قرب مدينة القلابات على الحدود الشرقية. وقال البيان: إن قائد المعسكر والقوة التي كانت تحرسه، وتضم 11 جندياً، قتلوا في الكمين جميعاً.

وقد شهدت الحدود الإثيوبية السودانية عمليات عسكرية صباح يوم 14 مايو 1998؛ حيث أصدرت قوات التحالف بياناً قالت فيه: إنها تمكنت من تدمير موقع من مواقع القوات الحكومية في منطقة (منقو) التي تقع على بعد عشرين كيلومتر شمال شرقي الروصيرص وقتلت ستة من القوات الحكومية، بالإضافة إلى أسر عدد منهم، وتدمير بعض الآليات، كما غنمت كميات كبيرة من الأسلحة.

وبعد أن سيطرت المعارضة على بعض أجزاء ولاية النيل الأزرق السودانية تحاول السيطرة على مدينة الدمازين الإستراتيجية حيث أعلنت يوم 27 مايو 1998 أنها قتلت 204 من الجنود الحكوميين وأسرت 150 آخرين في معارك خاضتها منذ الخامس من مايو 1998 ضد القوات الحكومية؛ مكنتها من السيطرة على 700 كم2 إضافية من الأراضي من أيدي القوات الحكومية على بعد 60 كم من مدينة الدمازين.

وقد كثفت المعارضة السودانية هجماتها على منطقة جنوب النيل الأزرق، حيث دارت معارك ضارية اعترفت بها الحكومة وأسفرت عن استيلاء الجيش الشعبي لتحرير السودان في 3 يونيه 1998 على حامية (أولو) الواقعة على بعد 15 كم من الرنك شمال أعالي النيل.

وتأتي أهمية هذه الحامية؛ أنها تربط جنوب النيل الأزرق بأعالي النيل والنيل الأبيض.

وفي وقت لاحق أعلنت القيادة العسكرية المشتركة للتجمع السوداني المعارض أن قوات (لواء السودان الجديد) التابعة لها تمكنت يوم 7 يونيه 1998 من ملاحقة قوات الحكومة، وأوقفت تقدمها نحو حامية (أولو)، وأجبرتها على التراجع إلى حامية (بونشا) التي تبعد حوالي 75 كم شمالي حامية (أولو).

وقالت صحيفة (ألوان) اليومية، في تقرير لها من الدمازين نشرته يوم 17 يونيه 1998، ـ: إن القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي ألحقت هزائم كبيرة بالمتمردين في منطقة (قو بركه) وبلدة (قو الجبل) بولاية النيل الأزرق، وقتلت أكثر من 100 وجرحت 180 واستولت على كميات من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وفرضت سيطرتها التامة على محاولات التسلل بالمناطق الحدودية.  

ونقلت الصحيفة تصريحات على لسان الناطق الرسمي باسم حكومة ولاية النيل الأزرق أعلن فيها: القبض على عدد من الذين يمارسون التسلل والتجسس لحساب حركة التمرد، ووضعت يدها على أجهزة اتصال تابعة لشركات زراعية عاملة بالولاية، بعد أن تبّين أنها ضالعة في التجسس لصالح المتمردين.

وذكرت الصحيفة يوم 23 يونيه 1998 في تقرير لها من الدمازين، أن جولة ميدانية لمراسلها في الخطوط الأمامية كشفت عن السيطرة التامة للقوات المسلحة ومجاهدي الدفاع الشّعَبّي على المناطق الإستراتيجية في ولاية النيل الأزرق، ومحافظة (باو). وأضاف: أن الأوضاع مستقرة ويمارس مواطنو (أولو) حياتهم بصورة عادية. وقال المراسل: إنه زار جبهات القتال الثلاث في المنطقة على محوري: مرمس، وقيسان على بعد 146 كم جنوب شرقي الدمازين، ومحور (دندرو إلياس) على بعد 192 كم جنوبي الدمازين ومحور (السلك أولو) على بعد 244 كم إلى الجنوب الغربي، ولم يجد فيها قوات للتمرد. ونقل على لسان محافظ (باو) قوله: إن جميع قبائل الأنقسنا تقف في خندق واحد مع القوات المسلحة، وإن ما تتناقله أجهزة الإعلام الأجنبية حول تمرد هذه القبائل كذب وادعاءات يروّج لها متمردو الجيش الشعبي.

وأضاف: إن كل محاولات المتمردين بالنيل الأزرق، التي هدفت لاستمالة تلك القبائل وتجنيدها لصالح التمرد، باءت بالفشل، وبدلاً من ذلك عاد أكثر من مائة شخص، وسلّموا أنفسهم للقوات المسلحة. وكانوا قد جنّدوا قسراً في صفوف التمرد العام الماضي.

وفي الوقت الذي رحبت فيه حكومة الخرطوم بإعلان لوقف النار أصدره الجيش الشعبي لتحرير السودان في المناطق المتأثرة بالمجاعة في الجنوب بغرض تأمين وصول المساعدات الغذائية، أعلن بيان للقيادة المشتركة لقوات التجمع الوطني الديمقراطي يوم 15 يوليه 1998 وقعه الناطق الرسمي باسمها: أن قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان تمكنت من تدمير ثلاثة ألوية حكومية وقال البيان: إنه بعد حملات التعبئة الواسعة التي أشرف عليها رئيس المجلس الوطني السوداني أعدت القوات الحكومية لهجوم مضاد رئيس على ثلاثة محاور للاستيلاء على حامية (أولو) الاستراتيجية في ولاية النيل الأزرق وحامية (مابان)، والتقدم إلى بقية المواقع التي يسيطر عليها الجيش الشعبي، وبدأ الهجوم في اليوم الأول من يوليه 1998 في المحاور التالية. محور بون وخور أريوم وقراويد وأولو، وفي هذا المحور هاجمت قوة مكونة من لواء مشاة مدعوم وكانت مهمته الهجوم على (أولو) من ناحية الغرب فتمكنت الفرقة الثالثة عشرة من قوات الجيش الشعبي من تدمير مقدمة القوات الحكومية وأوقعت 53 قتيلاً وعدداً كبيراً من الجرحى وأربعة أسرى.

وقال البيان: في العاشر من يوليه تمكنت قوات المعارضة من نصب كمين ناجح للقوة الحكومية على بعد 4كم شمال شرقي جبل (ملكان) وتدمير دبابتين وأوقعت 21 قتيلاً، وجرح 43، واستشهد من قواتنا أربعة وجُرح ثمانية. وفي يوم 11 يوليه هاجمت القوات الحكومية منطقة (أولو) وتصدت لها قوات المعارضة المتخندقة في المنطقة في معركة تمكنت فيها من صد أربع موجات هجومية كانت نتيجتها 49 قتيلاً في صفوف القوات الحكومية وجرح 102، وفقدت قوات المعارضة شخصاً واحداً وجرح ثمانية.

وفي يوم 12 يوليه افتتحت قوات المعارضة انتصاراتها بهجوم ناجح على القوة المتحركة الثالثة، وقضت عليها قضاءً كاملاً، وتم الاستيلاء على ثلاث دبابات، وأربع سيارات جيب محملة بالمدفعية الثقيلة، وست شاحنات.

3. على الحدود الإريترية

أصدرت المعارضة السودانية بياناً قالت فيه: إن قواتها قتلت 22 من الجنود الحكوميين وجرحت عدداً آخر في هجوم شنته يوم 26 فبراير 1998 على معسكري (شللوب) و(كراييت) على بعد حوالي 12 كم شمال شرقي مدينة كسلا على الحدود الإريترية.

وفي يوم 2 مارس 1998 أصدرت القوات المسلحة السودانية بياناً تحدثت فيه عن معارك جرت بينها وبين قوات إريترية.

وأكدت صحيفة الجمهورية الرسمية في الخرطوم يوم 11 أبريل 1998 أن الجيش الإريتري وقوات المعارضة السودانية قصفاً بشكل عشوائي منطقتي قلسه و(أواد) يوم 31 مارس 1998 (اليوم الأول من أيام عيد الأضحى) وأدى القصف إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين. ونقلت الصحيفة عن قائد فرقة المشاة السادسة: إن القوات المسلحة السودانية تتولى حالياً الأمن على امتداد 320 كم من الحدود مع إريتريا.

وأشارت الصحيفة إلى أن هجمات المعارضة في كسلا (شرق السودان) وعمليات زرع الألغام انخفضت؛ بسبب حفر خندق بطول خمسين كيلومتر على طول الحدود مع إريتريا.

وفي إطار خطة التجمع الوطني المعارض العسكرية لدحر النظام في الخرطوم، وما أعلنه من أن طريق بورسودان ـ الخرطوم ـ أصبح هدفاً مشروعاً للعمليات، وتحذيره للمواطنين بالابتعاد عن هذا الطريق حفاظاً على أرواحهم وممتلكاتهم، أعلنت قوات جيش الأمة للتحرير ـ الجناح العسكري لحزب الأمّة ـ أن أحد فصائل القيادة العسكرية المشتركة، نجحت في قطع طريق بورسودان ـ كسلا في 15 مايو 1998 بالقرب من مدينة خشم القرية (حوالي 25 كم) غربي مدينة كسلا.

ونقلت صحيفة أخبار اليوم السودانية المستقلة تصريحاً للمتحدث باسم حكومة ولاية كسلا الحدودية قال فيه: إن القوات المسلحة السودانية حققت يوم 16 يونيه 1998 انتصاراً باهراً باستعادتها عنوة واقتداراً لمنطقة اليرموك الحصينة شمالي كسلا التي احتلها الخوارج قبل أسبوع، وأضاف: إنها في طريقها إلى اليرموك استعادت حامية (شللوب) في اليوم نفسه.

ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية تصريحات لقائد المنطقة العسكرية في كسلا قال فيها: إن القوات المسلحة استعادت معسكر تمكرة بهمشكوريب من أيدي المعارضة يوم 16 يونيه 1998 بعد أن ظلت تحت سيطرتها لمدة أسبوع وكان في هذا المعسكر 160 فرداً هربوا إلى داخل الأراضي الإريترية، واستولى الجيش السوداني من هذا المعسكر على رشاشات وبنادق وألغام ومعدات عسكرية.

وذكرت وكالات الأنباء أن قادمين من كسلا في شرق السودان ذكروا أن منطقة (ودشريفي) الواقعة شرقي كسلا تعرضت لهجمات من قوات المعارضة يومي 16 و17 يونيه 1998 وأن المنطقة شهدت قصفاً مدفعياً استمر لأكثر من خمس ساعات، وأن أعداداً من الجرحى نقلوا إلى مستشفيات كسلا كما أن القرى الواقعة إلى الشرق من كسلا تشهد هجمات من قوات المعارضة، وعمليات تمشيط مضادة من القوات الحكومية منذ أكثر من أسبوعين.

وبتصاعد هجمات المعارضة على عدة مناطق بولاية كسلا أعلنت حكومة الولاية حالة الاستنفار القصوى اعتباراً من يوم 21 يونيه 1998 ونص قرار الحكومة على أن يتولى كل محافظ من محافظات الولاية تنفيذ خطة الاستنفار، التي تقضي بجمع المجاهدين واستنفارهم وضمهم للواء يحمل اسم (النصرة) لمواجهة العمليات التي تنفذها المعارضة.

ومن جهة أخرى نقلت صحيفة (ألوان) السودانية تصريحات لوالي كسلا قال فيها: إن الأحزاب الكبيرة (الأمة والاتحادي) هي المسؤولة عن قتل الأبرياء ونهب ممتلكاتهم في الولاية.

وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية أصدرت بياناً مساء الجمعة 19 يونيه 1998 اتهمت فيه إريتريا بالهجوم على معسكرات ومناطق سودانية.

وذكرت صحف الخرطوم يوم 19 يوليه 1998 أن ما لا يقل عن 25 مزارعاً قتلوا وبترت أطراف ما يقارب 200 آخرين في انفجار ألغام مزروعة في ولاية كسلا على الحدود مع إريتريا. ونقلت الصحف عن رئيس اتحاد المزارعين في كسلا قوله: إن الرعب يسود أوساط المزارعين في المنطقة بسبب الألغام التي زرعها المعارضة السودانية في نحو عشرة بساتين.

وفي يوم 19 سبتمبر 1998 أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بياناً أعلنت فيه: إن مناطق (اللفة وقلسة وأبو علقة، وعواض وحضرت) على الحدود مع إريتريا تعرضت لقصف بالمدفعية بعيدة المدى وراجمات الصواريخ.

وقال البيان: إن القصف ـ الذي تزامن مع احتدام المعارك في شرق الاستوائية ـ شمل العديد من القرى الحدودية وتأثرت به بعض معسكرات اللاجئين في وقت تتكاتف فيه الجهود الرسمية والشعبية لدرء آثار السيول والفيضانات في تلك المنطقة.

ثانياً: الموقفان الإقليمي والدولي

1. الموقف الإقليمي

أ. منظمة الإيقاد

عقدت منظمة الإيقاد قمتها السادسة في جيبوتي يومي 15 و16 مارس 1998 وفي بيانها الختامي، دعت القمة إلى وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في جنوب السودان من أجل العمل على تدعيم الثقة وتعزيز فرص النجاح والتقدم في جولة المفاوضات المتوقعة في أبريل المقبل بنيروبي.

وفي هذه القمة انتقلت رئاسة الإيقاد من الرئيس الكيني دانيال أراب موي إلى الرئيس الجيبوتي حسن جوليد، إلاّ أن الحكومة السودانية ترى أن قضية الجنوب ستظل بيد كينيا كما صرح بذلك نائب الرئيس السوداني عقب القمة.

ومواصلة لجهود المنظمة الرامية لإيجاد حل للمشكلة السودانية زار السودان وفد من الإيقاد، يقوده وزير شؤون الرئاسة الكيني ويضم ممثلين لإثيوبيا وإريتريا وأوغندا ومسؤول فض النزاعات في المنظمة.

وقد التقى الوفد برئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية يوم 27 مارس 1998 والتقى بالرئيس السوداني عمر البشير يوم 28 مارس 1998 والتقى بنائب الأمين العام للمؤتمر الوطني (التنظيم السياسيّ).

ويذكر أن الوفد زار دول الجوار سعياً للوصول إلى إجراءات فيما يختص بالتفاوض، كما حاول خلال جولته جمع الآراء لتحديد الزمان والمكان لجولة المفاوضات المقبلة، والبدائل المطروحة على أن يحدد الرئيس الكيني موعد اللقاء.

وفي يوم 4 مايو 1998 افتتحت في نيروبي جولة مفاوضات السلام الثامنة بين الحكومة السودانية وحركة قرنق تحت رعاية مجموعة دول الإيقاد. واستغرقت ثلاثة أيام.

وفي المحادثات اتهمت الحركة الشعبية الحكومة السودانية بعدم الجدية في مفاوضات المرحلة الحالية، وبعد طرح أي مواقف جديدة يمكن أن تشكل أرضية مناسبة للتفاوض حول القضايا المطروحة.

وكانت القضيتان الرئيستان محل الخلاف بين الجانبين في بداية المحادثات هما؛ حق تقرير المصير للجنوب، ومسألة فصل الدين والدولة. ولم يتحقق أي تقدم فيما يتعلق بمسألة الدين والدولة.

وفي ختام المفاوضات اتفقت الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان على تأكيد مبدأ حق تقرير المصير لجنوب السودان، على أن يتقرر ذلك عبر استفتاء عام، تحت رعاية الأمم المتحدة.

وأكد البيان الختامي للمفاوضات: أن المحادثات بين الجانبين ستتواصل بشأن كيفية إجراء الاستفتاء في جنوب السودان.

وقد اختلف الجانبان بشأن المناطق التي يشملها إقليم جنوب السودان. حيث يريد الجيش الشعبي أن يمتد جنوب السودان ليشمل ولايات بحر الغزال والاستوائية وأعالي النيل، ومناطق في جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق في حين أن الحكومة تريد الإبقاء على التقسيم عند الحدود التي رسمت عند استقلال البلاد في عام 1956.

وفي ختام المحادثات أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان رفضها لوقف إطلاق النار.

واتفق الطرفان على استئناف المفاوضات في غضون ثلاثة أشهر في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وضمن مساعي منظمة الإيقاد، بعث الرئيس الكيني مبعوثه الجنرال سيميويا إلى الخرطوم يوم 19 يوليه 1998 الذي التقى بعض المسؤولين في الحكومة السودانية وتطرق في اجتماعاته إلى الموضوعات المتعلقة بمبادرة الإيقاد، وعلاقة الدين بالدولة، وحق تقرير المصير، ومسألة تحديد حدود الجنوب. وخلال اللقاءات أكد السودان وكينيا على أهمية انعقاد جولة المفاوضات المقبلة بين الحكومة وحركة التمرد في الأسبوع الأول من أغسطس 1998، وفقاً لما اتفق عليه مسبقاً. ويضغط السودان لنقل المفاوضات من أديس أبابا إلى أي مكان آخر باعتبار أن إثيوبيا إحدى دول الجوار المتهمة بإيواء عناصر من المعارضة السودانية.

واقترح السودان أن تسعى الإيقاد لتمديد وقف إطلاق النار الحالي جميع مناطق الجنوب ولتمتد الإغاثة إلى مناطق أخرى بخلاف بحر الغزال.

وشكا السودان من الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على السودان، وهي من شركاء الإيقاد، وأن الحظر يشمل وقف استيراد قطع الغيار للقطارات السودانية التي تنقل الإغاثة، بما في ذلك تلك التي دفع السودان ثمنها مقدماً للشركات الأمريكية. ووصف هذا الحظر بأنه يعوق عمليات السلام والإغاثة الجارية الآن.

ويرى المبعوث الكيني أن الربط بين وقف إطلاق النار وعمليات الإغاثة مسألة سيئة، وإذا كان من الممكن وقف إطلاق النار فليكن وقفاً شاملاً.

واقترح المبعوث الكيني إنشاء لجنة فرعية في إطار (الإيقاد) للتعامل مع موضوع الإغاثة إلاّ أن السودان تحفظ على ذلك الاقتراح، وقال وزير الدولة في وزارة التخطيط: إن الحكومة لا تمانع إطلاقاً من إعادة التفاوض مع الحركة بطريقة مباشرة حول موضوع الإغاثة، لكنه أشار إلى أن الحركة هي التي أوقفت المفاوضات عام 1995 لذا فإن السودان يرى أن تتولى الأمم المتحدة التنسيق لمثل هذه الاجتماعات؛ لكي يتم ضمان نجاح انسياب الإغاثة، وقبل التحدث عن أي لجنة فرعية مع حركة التمرد؛ على الإيقاد أن تبذل المزيد من الجهد لدى الأمم المتحدة والمانحين؛ لضمان توفر مواد الإغاثة.

واختتم المبعوث الكيني زيارته للخرطوم يوم 21 يوليه 1998 بلقاء الدكتور "رياك مشار" رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، الذي تقدم بمقترحات بغية نقلها للعقيد "جون قرنق".

وفي 4 أغسطس 1998 افتتحت في أديس أبابا مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يتزعمه جون قرنق.

وافتتح وزير الخارجية الكيني المباحثات التي يتوقع أن تستمر ثلاثة أيام وقد سبقها إعلان الحكومة في الخرطوم وقف إطلاق النار في الجنوب من جانب واحد، ووصفته المعارضة بأنه مناورة إعلامية. وتعقد هذه المباحثات في إطار منظمة الإيقاد.

واختتمت المفاوضات يوم 6 أغسطس 1998. وكان وفد الحكومة فور عودته من المحادثات قد أعلن تحفظه على البيان الختامي الذي أصدرته دول الإيقاد راعية المفاوضات، لأنه ـ في رأيه ـ انحاز لوجهة نظر الحركة، وقد وصف وزير الخارجية السوداني، رئيس الوفد، بأن المفاوضات أصيبت بالفشل، لأن وفد الحركة جاء بفكرة الكونفدرالية من جديد، وهي الفكرة التي تم تجاوزها خلال المحادثات التي عقدت في نيروبي في مايو المنصرم.

واتهمت الحركة الشعبية لتحرير السودان الحكومة بإفشال المفاوضات نتيجة لممارستها أسلوب المراوغة ومحاولة تجزئة القضية السودانية وتقسيم المعارضة.

وأجرى نائب الأمين العام للتجمع الوطني المعارض والناطق الرسمي باسمه، اتصالاً مع رئيس وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان في مفاوضات أديس أبابا، أكدّ فيه وقوف التجمع والجماهير السودانية مع الحركة في دفاعها عن السودان الواحد، برضاء أبنائه الذين أكّدوا أن الدين لله والوطن للجميع والثروة والسلطة تنقسم فيه بالعدل بين أبنائه كلهم.

ومن جهة أخرى اتخذ مجلس تنسيق الولايات الجنوبية موقفاً مخالفاً لموقف الحكومة من نتائج المفاوضات مع حركة قرنق في أديس أبابا، وقال المجلس ـ في بيان له ـ إنّه راض عن نتائج الجولة، ويعدّها ناجحة، إذا ما قورنت بالجولات السابقة. ووصف اتفاق كل الأطراف على حق تقرير المصير لجنوب السودان، وعلى حدود الجنوب عند الاستقلال عام 1956 بأنها مؤشرات بارزة لنجاح الجولة. ووصف اعتراض الحكومة على إضافة (أبيي) للمناطق الجنوبية جزئية صغيرة من الخلاف يمكن تجاوزها في جولات التفاوض المقبلة.

وطلب مجلس التنسيق ـ في بيانه ـ من الحكومة أن تعدّ نفسها لحوار طويل ومهم مع المتمردين خلال فترة الأشهر الستة المقبلة؛ حتى نتمكن من حسم قضايا المرحلة الانتقالية، وكيفية حكم الجنوب خلالها، لأن هذه القضايا أهم ما تبقى في التفاوض.

ب. مصر

شهدت العلاقات السودانية ـ المصرية تحسناً ملحوظاً بعد أن أحرزت اللجان المصرية السودانية التي تستهدف تطبيع العلاقات تقدماً كبيراً في جميع المجالات. فقد اجتمع وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية مع وزير الخارجية المصري في مقر الخارجية المصرية صباح يوم 12 يناير 1998.

وأوضح المسؤول السوداني أنه استعرض مع الوزير المصري التهديدات الأمنية التي يتعرض لها السودان في هذه الظروف وأهمية وضع القيادة المصرية في الصورة حول هذه التهديدات التي تستهدف وحدة السودان واستقراره وأمنه.

وحول المفاوضات بين المعارضة والحكومة، وإمكانية قيام مصر بدور في هذا الإطار، شدد الوزير السوداني على الدور المهم الذي تؤديه مصر، مؤكداً أنها تؤثر وتتأثر، بما يجري في السودان باعتبار أن أمنها القومي يتأثر بالأمن السوداني.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية: إن القاهرة تجري في أواخر يناير 1998 اتصالات مكثفة مع جميع الاتجاهات والأحزاب ورموز المعارضة السودانية، بالإضافة إلى حكومة الرئيس عمر البشير، في إطار الجهود التي يبذلها مع الفصائل السودانية للترتيب لحوار سياسيّ بينها.

ولمّحت إلى وجود مبادرة مصرية يتم التداول بشأنها مع الفصائل السودانية، تستند إلى عدد من المحاور المهمة؛ شريطة موافقة جميع الأطراف عليها؛ وأهمها الموافقة على الحوار السياسي أسلوباً أمثل لتصفية الخلافات، واستبعاد كل أشكال العنف والعمليات العسكرية، وكذا إسقاط الاتهامات المتبادلة وتشكيك كل طرف بالآخر؛ لأجل إيجاد الأرضية المناسبة والمناخ الملائم لهذا الحوار.

وكشفت المصادر عن بلورة مصر لعدد من النقاط والمقترحات في أعقاب مداولات ومشاورات مع رموز المعارضة، خاصة الصادق المهدي، والميرغني، وقرنق، وقد تم إبلاغها إلى الحكومة السودانية عبر المباحثات التي أجراها وزير الدولة للشؤون الخارجية السوداني مع وزير الخارجية المصري.

وفي خطوة تؤكد تحسن العلاقات بين السودان ومصر؛ أكد وزيرا خارجية مصر والسودان أن العلاقات بين البلدين تسير بخطى منتظمة وصحيحة؛ لأجل عودتها إلى مجاريها الطبيعية. جاء ذلك عقب جلسة مباحثات استمرت نحو ساعتين بين الوزيرين يوم 23 مارس 1998 في القاهرة.

وفي الاجتماع أكد الجانبان؛ أن التوجه الثنائي بين البلدين يهدف إلى إعادة العلاقات المشتركة إلى مكانتها الطبيعية، والحفاظ على قوة الدفع التي اكتسبتها خلال الفترة الأخيرة، وإعادتها إلى مسارها الصحيح.

وفي الاجتماع نوقشت جميع الملفات، كما تمت مراجعة ما أُنجز من خطّوات، وعكست المباحثات اتفاقاً في وجهات النظر حيال جميع القضايا التي نوقشت.

وقد دخلت العلاقات المصرية ـ السودانية، من جديد، مرحلة حرجة في أوائل مايو 1998 بعد فشل جولة المحادثات المطولة بين البلدين التي تواصلت قرابة الأسبوعين في الخرطوم، دون أن تحرز نتائج عملية ملموسة، بعد أن غرقت ـ أو أغرقت ـ في دوامة من التعقيدات التي قال الجانب المصري، وفقاً لبيان الخارجية وتقارير الصحف المصرية: إن الجانب السوداني مسؤول عنها.

وكان فتور العلاقات، أو جمودها قد بدأ عشية الإعلان عن القرار السياسيّ القاضي بإعادة الممتلكات المصرية، وعلى رأسها جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وبعد وصول الوفد المصري للخرطوم كانت الحكومة السودانية في جانبها المعتدل ـ تدير حوارين في آن واحد أحدهما مع الوفد المصري، والآخر مع متشدديها الذين عارضوا قرار إعادة الممتلكات.

ومع أن الوفد المصري أبدى ـ عند بداية المفاوضات ـ قدراً كبيراً من التفاؤل، إلا أنه لاحظ بعد الجلسات الإجرائية والاحتفائية الأولى، أن هناك شبه لغتين مختلفتين بين يوم وآخر، وانتهى الأمر برمته ليعود الوفد المصري وهو يحمل قدراً كبيراً من خيبة الأمل، رغم كل جهود المعتدلين في الحكومة السودانية أو الدبلوماسية السودانية، وعلى رأسها وزير الخارجية وسفير السودان في القاهرة.

لقد كانت الحجج المعلنة ـ التي ساقها المتشددون لوقف الاندفاع في العلاقات المصرية ـ السودانية على النحو التالي:

(1) إذا أعاد السودان لمصر ممتلكاتها المصادرة من جامعة ومدارس ومنازل، ماذا ستقدم مصر للسودان؟      

(2) كيف ستجيب الحكومة السودانية على السؤال القائل: لماذا صودرت هذه الممتلكات؟ التي وصفت القرارات بأنها عند إصدارها بأنها يوم الاستقلال الحقيقي والسيادة الوطنية الكاملة.

(3) ما هو مصير حلايب؟

(4) هل ستعمل الحكومة المصرية على إبعاد المعارضة السودانية الموجودة في القاهرة أو ـ على الأقل ـ تحجيمها؟

إن المفاوضات بين الجانبين السوداني والمصري ـ التي أخفقت ـ وقفت إلى حد كبير أمام هذه التساؤلات التي أطلقها المتشددون في السودان.

وعلى الرغم من نبرة اليأس في البيان المصري الذي صدر يوم 5 مايو 1998 أو المخاوف لدى الجانب المعتدل في الحكومة السودانية، قد تقود الأيام القادمة لإنجاح مفاوضات سودانية ـ سودانية في سلطة الإنقاذ ومن ثم تعود العلاقات المصرية ـ السودانية للتحسن من جديد.

وفي يوم 7 مايو 1998 أصدرت الخارجية المصرية بياناً أعربت فيه عن القلق الشديد حيال تدهور الأوضاع في ولاية بحر الغزال بجنوب السودان، وما يتعرض له أبناء الشعب السوداني من معاناة في تلك المناطق التي تعاني التصحر والجفاف، والعمليات العسكرية التي تعوق وصول المساعدات والإمدادات الدولية إليها.

وأكد البيان: أن مصر تهيب بكل الأطراف الإقليمية والدولية تقديم كل التسهيلات والمساعدة في وصول المساعدات اللازمة.

وأكدت القاهرة استعدادها واعتزامها، تقديم كل المساعدات الممكنة لأبناء الشعب السوداني الواحد جنوباً وشمالاً.

وأشار البيان إلى: أن مصر تود التأكيد على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية للبحث عن حلّ سياسيّ شامل وتسوية عادلة للأوضاع في السودان، بما يشكل لشعبه، الحق في حياة كريمة.

ودعت القاهرة مختلف الأطراف السودانية بمختلف توجهاتها إلى الترفع عن أي خيارات ضيقة، والعمل المشترك لأجل استعادة الوطن السوداني الواحد لعافيته، ومكانته الإقليمية والدولية، وبما يعّوض أبناء السودان عن معاناة وتضحيات سنوات طويلة.

وفي الوقت الذي دعا فيه الرئيس البشير إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع مصر، واستمرار سياسات حسن الجوار، شنّت صحيفتان سودانيتان يوم 19 مايو 1998 في الخرطوم هجوماً على مصر؛ بسبب الإجراءات التي اتخذتها أخيراً، وأدت إلى إعادة عدد من المواطنين السودانيين من مطار القاهرة خلال الأسبوع الماضي. واتهمت أوساط بالخرطوم القاهرة بالرضوخ لضغوط أمريكية وإسرائيلية لنسف العلاقات بين السودان ومصر.

وفي إطار المشاورات بين الحكومة المصرية وقيادات المعارضة السودانية، التقى وزير الخارجية المصري يوم 8 يوليه 1998 في مكتبه الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، وتبادل الطرفان وجهات النظر حول القضايا التي تهم البلدين، والقضايا الإقليمية ذات الصلة والاهتمام المشترك، وأبدى الطرفان اهتماماً كبيراً بالنزاع الإثيوبي الإريتري، وتمنيا للمبادرة الأفريقية احتواء الموقف سلمياً.

وفي أعقاب التفجيرات التي تعرضت لها الخرطوم يومي 29 و30 يونيه 1998، والتي استهدفت بعض المنشآت الكهربائية، والمرافق الإستراتيجية، والخدمية، طالب أحد أعضاء المجلس الوطني السوداني (البرلمان) الحكومة المصرية تسليم الإرهابي فاروق أبو عيسى الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، الذي يقيم في القاهرة. وقال النائب السوداني إنه سيطلب من وزير الداخلية السوداني استخدام المواد الخاصة بتبادل الإرهابيين، التي اتفق عليها وزراء الداخلية العرب مؤخراً، ومخاطبة القاهرة بشأن تسليم أبو عيسى للسلطات السودانية؛ لمحاكمته بصفته إرهابياً؛ وفقاً لاعترافاته العلنية في التفجيرات الأخيرة تخطيطاً وتدبيراً.

وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المصرية فتوراً على المستوى الرسمي، استضافت القاهرة اجتماعات المعارضة السودانية يوم 11 أغسطس 1998 حيث عقدت بمقر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. وقد اشترك الجانب المصري بوفد يترأسه الدكتور يوسف والي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب.

وقد شارك الوفد المصري في الجلسة الافتتاحية، ثم ترك هيئة قيادة التجمع تواصل مناقشة جدول اجتماعاتها. وقد حضر هذا الاجتماع جون قرنق، والصادق المهدي، ومحمد عثمان الميرغني.

أما ردود أفعال نقلة القاهرة النوعية في علاقتها بالمعارضة فقد كانت متفاوتة ـ وذلك طبيعي ـ بين الارتياح البالغ في صفوف المعارضة السودانية، وبين الصمت والوجوم في صفوف الحكم في الخرطوم، الذي يبدو مجاملاً رغم تيقنه من مرارة هذه الخطوة، ومن آثارها على مسار عمليات التطبيع التي بدأت بحماس من الخرطوم في مارس 1998 إلى أن تدهورت في شهري يونيه ويوليه، وأوشكت أن تعود إلى نقطة البداية من جديد، دون الدخول في تفاصيل الأسئلة المتعلقة بأسباب تلك الانتكاسة.

أما القوى النقابية والسياسية الموالية للحكومة، فقد هاجمت مصر لاستضافتها اجتماع المعارضة السودانية. فقد أصدر الاتحاد العام لنقابات العمال بياناً طالب فيه الحكومة باتخاذ موقف يحفظ للبلاد كرامتها وعزتها، وللوطن أمنه واستقراره.

وأصدر أمين الدائرة السياسية للمؤتمر الوطني (التنظيم السياسي الحاكم) بياناً وصف فيه اجتماع القاهرة بأنه يسعى للنيل من أبناء هذه الأمة في الجنوب والشرق، وتخريباً لمكتسبات الأمة وترويعاً لأمن البلاد والعباد.

وقال نائب دائرة حلايب في المجلس الوطني للصحف إن السلطات المصرية مارست ضغوطاً أمنية على المواطنين والمشايخ والعمد في مثلث حلايب المتنازع عليه بين البلدين، وهذه الضغوط في الوقت الراهن ستكون وسيلة لربط المشايخ بالمعارضة السودانية. وأضاف النائب: إن المخابرات المصرية تكثف نشاطها بصورة واسعة من خلال مظلة مكتب شؤون القبائل، وأن القوات المصرية شرعت مجددة في تنفيذ أهدافها الرامية لتمصير قبائل حلايب، وتغذيتها من النواحي السياسية، بالإضافة لمنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي في الدخول إلى مثلث حلايب والخروج منه.

وأصدر المؤتمر الوطني في السودان بياناً يوم 18 أغسطس 1998 طالب فيه مصر بإخلاء أراضيها من أي دور للمعارضة السودانية، ومن أي معارض نشط، إن كانت تسعى لتحسين علاقات الجوار مع السودان، وإلاّ فإن السودان سيبادلها عداء بعداء.

وقال أمين الدائرة السياسية للمؤتمر الوطني في مؤتمر صحفي: إن البيان هو بيان الحكومة وليس هناك مقارنة بين الحكومة والمؤتمر فهما يشكلان وجهاً واحداً.

وقال: إن استضافة مصر للتجمع عداء سافر للسودان، واعتداء على الحكومة السودانية ويعدّ عملاً عدائياً ضد السودان. وأن محاولات مصر لجمع المعارضة التي تعاني الانقسام، تستحق الإدانة والشجب.

ثم بدأت تظهر في الخرطوم نغمة متفائلة في إمكان تحرك العلاقات السودانية ـ المصرية نحو آفاق جديدة. فقد صرح وزير الخارجية السوداني للصحافيين يوم 14 سبتمبر 1998 أن الاتصالات المصرية ـ السودانية لم تتوقف، وأنه التقى نظيره المصري في (دير بان) في جنوب أفريقيا على هامش قمة عدم الانحياز، وناقش معه كافة جوانب العلاقات الثنائية، كما اتفقا على مواصلة النقاش في القاهرة قريباً.

وبعد الفيضانات والأمطار والسيول التي أصابت ولايات السودان في أوائل سبتمبر 1998 وصل إلى الخرطوم يوم 14 سبتمبر 1998 وفد مصري برئاسة وزير الصحة لبحث حجم الاحتياجات الصحية السودانية، وجد الوفد حفاوة سياسية واضحة، ووصف وزير الصحة السوداني الزيارة بأنها لفتة بارعة من الإدارة المصرية والشعب المصري وقال: هو ما اعتدنا عليه، فالمواقف تظهر معادن الرجال والدول وتعكس وقوف مصر معنا في السراء والضراء. وأضاف: إن هذه الزيارة تؤكد قوة العلاقات السودانية ـ المصرية ومتانتها وأزليتها، رغم ما يعتريها، وأن العمل الإنساني قادر على اختراق الحدود، والزيارة يمكن أن تكون لنية بناء قاعدة راسخة تدفع بالعلاقات بين البلدين إلى الأمام.

وكشفت مصادر سودانية عن سلسلة من اللقاءات عقدها وزير الخارجية السوداني مع نظيره المصري بصورة سرية تامة، وجرى التكتم عليها باتفاق الجانبين منها؛ لقاءات عقدت بمقر وزارة الخارجية المصرية مساء يوم 16 سبتمبر 1998 استغرقت عدة ساعات.

وأكدت المصادر السودانية أن لقاءات وزيري الخارجية بالقاهرة كانت محل اتفاق وترتيبات مسبقة كما أنها تناولت كل جوانب العلاقات.

وأجرى وزيرا الخارجية المصري والسوداني جلسة مباحثات مطولة مساء 5 أكتوبر 1998 بعد وصول الوزير السوداني إلى القاهرة في زيارة مفاجئة استغرقت نحو أربع وعشرين ساعة، وقد جاءت الزيارة عقب تصريحات مصرية صدرت عن الرئيس حسني مبارك، حملت انتقادات للحكومة السودانية وللدكتور حسن الترابي رئيس المجلس الوطني السوداني، الذي حمّله مبارك مسؤولية توتر العلاقات بين البلدين.

وقد تناولت المباحثات بين وزيري خارجية البلدين عدة قضايا مهمة منها؛ بحث السبل الكفيلة بإعادة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية، بما في ذلك الانتهاء من حسم قضايا خلافية ظلت تمثل عقبة أمام تحسين العلاقات مثل: قضية الممتلكات المصرية بالخرطوم.

وتناولت المباحثات الوضع في جنوب السودان، ما تردد بشأن انتهاكات سودانية بعدوان دول أفريقية مجاورة، خاصة أوغندا وإريتريا ومرتزقة روانديين.

وصرح الوزير السوداني، عقب عودته إلى الخرطوم، أن بلاده ومصر توصلتا إلى تصور مشترك لمعالجة القضايا الخلافية بين البلدين ـ معرباً عن أمله في أن تشهد الأيام المقبلة لقاءات مشتركة بين الدولتين.

وفي الوقت الذي يسعى فيه وزير الخارجية السوداني لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، يصرح وزير الإعلام السوداني والمتحدث باسم الحكومة؛ أمام المجلس الوطني (البرلمان): أن الخرطوم طلبت رسمياً من القاهرة، عبر القنوات الدبلوماسية، توضيحاً لتصريحات الرئيس المصري حسني مبارك الأخيرة، التي لمح فيها إلى إمكانية إنتاج مصنع الشفاء السوداني الذي قصفته القوات الأمريكية مؤخراً، أسلحة كيماوية.

ج. ليبيا

ذكرت وكالات الأنباء أن ليبيا تقوم بوساطة بين إريتريا والسودان مع وصول الرئيس الإريتري إلى طرابلس يوم 2 فبراير 1998 والرئيس السوداني عمر البشير للمشاركة في قمة سباعية لدول جنوب الصحراء، تضم رؤساء دول النيجر، وتشاد، ومالي، وبوركينا فاسو، والسودان، ويمثل نيجيريا وزير خارجيتها، كما شاركت مصر وتونس مراقبين.

وأكد الرئيس السوداني أن هذه الوساطة لتقريب وجهات النظر مع إريتريا، ونزع فتيل التوتر بينهما على أساس حل المشكلات القائمة، التي تتمثل في سحب الجيش المرابط على الحدود المشتركة، وإيقاف نشاط المعارضة في كلا البلدين.

وضمن الجهود الليبية لمصالحة سودانية، استقبل الزعيم الليبي العقيد "معمر القذافي" يوم 4 مارس 1998 السيد/ "محمد عثمان الميرغني" رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، والتجمع الوطني الديمقراطي السوداني المعارض. وشارك في المحادثات أمين اللجنة الشعبية للوحدة وكان القذافي، الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع الحكم في الخرطوم، قد استقبل في ديسمبر 1997 السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني.

د. إريتريا

بينما تتهم الحكومة السودانية الحكومة الإريترية بحشد قواتها على الحدود مع السودان؛ أكد الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي"، في مباحثاته مع الرئيس المصري "حسني مبارك"، موقف بلاده الواضح الذي يتمثل في ضرورة تسوية مشكلة الجنوب في إطار الحل السلميّ لها، وبما يحفظ وحدة السودان. وقال إنه: يقطع بعدم وجود أي حشود أو قوات إريترية داخل السودان، وقال أنه التقى عدة مرات قائد قوات المعارضة السودانية، وأبلغه أنه لا دور لإريتريا في النزاع القائم بين المعارضة والحكومة، كما أن المعارضة ليست بحاجة إلى أي دعم إريتري.

وفي نيروبي: نفى بيان، وزعته وزارة الخارجية الإريترية، الاتهامات السودانية حول دخول قوات إريترية للقتال إلى جانب قوات المعارضة في الجنوب.

وفي وقت لاحق، قالت صحيفة الأنباء الحكومية يوم 16 فبراير 1998: إن أجهزة الأمن في ولاية البحر الأحمر السودانية، كشفت عن حالات تسلل لمجموعة إريترية بشرق هيا بمحافظة سنكات، عبر الأودية المحيطة بالمنطقة على ظهور الإبل.

وتفسر حكومة الولاية هذا التسلل؛ بأنه محاولة لتخريب المنشآت الحيوية المهمة والإستراتيجية. وأعلن الوالي أن الولاية وضعت خطة شاملة لتطويق عمليات التخريب.

وفي يوم 2 مارس 1998 أصدرت القوات المسلحة بياناً، تحدثت فيه عن معارك بينها وبين قوات إريترية على الحدود يوم 26 فبراير 1998.

وقال البيان: إن القوات المسلحة أجهضت هجوماً إريترياً على بعض النقاط الحدودية في كسلا (شرقي السودان)، وسحقت المعتدين في خمس نقاط حدودية، واستولت على مجموعة من الأسلحة والذخائر، واحتسبت شهيداً واحداً.

واصلت الحكومة السودانية اتهامها للإدارة الإريترية بمواصلة اعتداءاتها على الأراضي السودانية، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية في بيان له أن القوات الإريترية شنت هجوماً صباح يوم 4 مارس 1998 على قرى (عواض وقلسة وحضرة الحدودية)، قال: إن القصف تواصل إلى ما بعد منتصف النهار؛ مما أدى إلى تأثر تلك القرى، تدمير بعض مصادر المياه والمدارس بها.

وقبيل مغادرة أسمرة والتوجه إلى جيبوتي لحضور اجتماعات منظمة الإيقاد، استقبل الرئيس الإريتري السيد/ "محمد عثمان الميرغني" رئيس التجمع الوطني مساء يوم 16 مارس 1998.

وفي 18 مارس 1998 استضافت العاصمة الإريترية أسمرة، اجتماعات هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض في الخارج، بحثت فيه تفعيل نشاطاتها واستمعت إلى مطالبة حزب الأمة بضرورة إجراء إصلاحات في بنية التجمع وسياساته وهيكلته. لمعالجة الجمود الذي أصاب التجمع في بعض الجوانب وأدى إلى التضارب في تنفيذ المسئوليات.

وفي المؤتمر، أعلنت هيئة قيادة التجمع رفضها لأية مبادرات سلمية خارجية؛ ما لم تحقق تسعة شروط منها: إقامة حكم ديمقراطي تعددي، ومحاسبة كل من اقترف جرماً في حق الشعب والوطن.

وفي الوقت الذي تستضيف فيه أسمرة اجتماعات هيئة قيادة التجمع الوطني، جدّد السودان اتهامه إريتريا بمهاجمة حدوده الشرقية، وقال بيان أصدرته القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في وقت متأخر مساء يوم 18 يونيه 1998: إن القوات الإريترية قصفت سبعة مواقع حدودية سودانية (لم يحددها البيان) قصفاً مكثفاً، مستخدمة كافة أنواع المدفعية والدبابات، أعقبته بهجوم دحرته القوات المسلحة

وشهدت العلاقات الإريترية ـ السودانية مزيداً من التوتر إثر التفجيرات التي تعرضت لها مواقع متعددة في العاصمة السودانية الخرطوم يومي 29 و30 يونيه 1998؛ حيث استهدفت تلك التفجيرات بعض المرافق الإستراتيجية والخدمية؛ مثل محطات الطاقة الكهربائية، وخزانات الوقود، وبعض الجسور.

وتوقعت الصحف السودانية تحسناً في العلاقات السودانية الإريترية على ضوء زيارة الرئيس الإريتري إلى ماليزيا. وألمحت الصحف إلى أن رئيس وزراء ماليزيا يتوسط بين البلدين. وتفاءلت الصحف أكثر عقب زيارة الرئيس الإريتري إلى ليبيا يوم 26 يوليه 1998.

إلاّ أن مصدراً عسكرياً سودانياً مسؤولاً أعلن يوم 27 يوليه 1998 أن الحكومة السودانية لاحظت، منذ يوم 26 يوليه 1998، وجود حشود عسكرية إريترية على الحدود بين البلدين في شرق السودان.

وقال المصدر: إن هذه الحشود مسنودة بكتيبتين مدرعتين، وتتأهب لشنّ هجوم على السودان. وأضاف المصدر: إن السودان يراقب عن كثب وهو على استعداد للردّ على أي عدوان.

وكانت المعارضة السودانية، منذ مطلع عام 1997 تعلن أنها تشن هجمات على قوات حكومية في شرق البلاد ولكن الحكومة السودانية ظلت تحمل إريتريا مسؤولية هذه الهجمات.

وفي يوم 28 يوليه 1998 أعلنت القوات المسلحة أن الحدود الشرقية تعرضت لهجوم إريتري بمشاركة قوات المعارضة الشمالية وقوات التمرد، استخدمت فيه قوات المشاة، يدعمها عدد من الدبابات، وأسلحة الإسناد الناري، وشاركت في القصف مدفعيات بأعيرة مختلفة، بالإضافة للهاونات والصواريخ، واستمر القصف ثلاث ساعات من داخل الأراضي الإريترية.

وذكر بيان، أصدره الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة: أن القوات المسلحة كانت مستعدة لصد الهجوم لتوفر المعلومات، وبدأت برد الفعل منذ اللحظات الأولى للقصف، وتم صد الهجوم في كل الجبهات ولكن ما زالت المعارك تدور حول إحداها (لم يحددها).

وفي اليوم التالي، أعلنت القوات المسلحة أنها تمكنت من استكمال انتصارها على قوات المعارضة بحسم المعركة لصالحها حول منطقة (عواض) شرقي كسلا مكبدة قوات المعارضة خسائر في الأرواح والعتاد.

لكن القيادة العسكرية المشتركة للتجمع المعارض قالت: إن الكتيبة الخضراء هاجمت معسكر عواض الذي يبعد 12 كم عن كسلا وكبدت القوات الحكومية 25 قتيلاً واستولت على بعض الآليات والأسلحة.

وجاءت هذه التطورات العسكرية، في الوقت الذي أعلن فيه مصدر رسمي في الخرطوم، أن جولة جديدة من مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان ستجري من يوم 4 – 6  أغسطس 1998 في أديس أبابا، وذكر أن هذه الجولة ستتمحور حول مسائل تقرير المصير لجنوب السودان والعلاقة بين الدين والدولة.

وفي الوقت الذي بدأ فيه وزيرا الخارجية في السودان وإريتريا محادثات في الدوحة بمشاركة وزير الخارجية القطري في إطار وساطة قطرية يوم 9 نوفمبر 1998؛ اتهم الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية إريتريا بالاستمرار في عدوانها على السودان، وقال في تصريحات صحافية: إن القوات الإريترية قصفت منطقة (حفرت) على الحدود السودانية الإريترية بالراجمات من ناحية بلدة (تمرات) داخل عمق الأراضي باتجاه مواقع القوات السودانية، ومُّدّت قوات إريتريا التي حشدت شمال شرق مدينة كسلا الحدودية بنحو ثلاث كتائب مسنودة بعدد من المدفعيات والدبابات، توطئة لتنفيذ أعمال هجومية على بعض المواقع السودانية.

ووصفت بعض صحف الخرطوم هذه العمليات بأنها: "تطلق رصاصة الرحمة على المبادرة القطرية".

هـ. أوغندا

تتبادل الحكومتان السودانية والأوغندية الاتهامات بمساعدة كل دولة معارضي الدولة الأخرى الذين يعيشون في أراضيها. ففي يوم 11 فبراير 1998، اتهمت الحكومة السودانية على لسان وزير الدولة بوزارة خارجيتها أوغندا بالضلوع في الإعداد لهجوم عسكري على السودان، بمباركة وإشرافٍ كامل من الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يتعارض مع قواعد القانون الدولي، واحترام سيادة الدولة واستقلالها.

وكانت صحيفة أخبار اليوم السودانية قد نقلت عن صحيفة أوغندية قولها: "إن الرئيس الأوغندي أكّد معاداته للحكومة السودانية، والعمل على زعزعة الاستقرار في البلاد". وأضافت أن موسيفيني قال: إن لديه خمسة أدوية سيبدأ في استخدامها فوراً ضد السودان" وأنّه أضاف قائلاً: لديّ الدواء ولكن افتقد الأشخاص الذين يحسنون خلطه. وأنّ الدواء الخامس وجد طريقه نحو التطبيق.

ومع احتدام القتال في ولاية شرق الاستوائية، بين القوات الحكومية السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان في منتصف سبتمبر 1998، اتهم السودان القوات الأوغندية بالإغارة على بلدات (توريت) و(ليريا) و(جوبا).

وقال قائد المنطقة العسكرية في الولاية الاستوائية: إن القوات الحكومية السودانية أبادت الفرقة الثالثة من الجيش الأوغندي في ولاية شرق الاستوائية وأضاف أن 450 رجلاً بينهم 50 أوغندياً والباقون إريتريون ومن أعضاء الجيش الشعبي قتلوا منذ بداية القتال في 14 سبتمبر 1998.

وحذر الرئيس السوداني أوغندا؛ من أن الحرب الدائرة الآن في ولاية شرق الاستوائية لن تنتهي إلاّ في كمبالا.

ونفى المتمردون مشاركة قوات أوغندية إلى جانبهم في المعارك، كما نفت كمبالا تدخلها في أراضي السودان.

واتهم مسؤولون سودانيون خبراء أمريكيين وإسرائيليين بإدارة المعارك من كمبالا.

وبدأ السودان حملة دبلوماسية واسعة لشرح ما أسماه بالعدوان الأوغندي ـ الإريتري على أراضيه، فقد بعث الرئيس السوداني عمر البشير برسائل لرؤساء الدول الأفريقية في الأسبوع الأوّل من أكتوبر 1998 نقل فيها تفاصيل الهجوم ونتائجه، ووجهت وزارة الخارجية السودانية تعليمات إلى سفاراتها: بتنظيم الحملة وتقديم المعلومات والتفاصيل حول هذا العدوان.

كما صرّح وكيل وزارة الخارجية للصحافيين يوم 4 أكتوبر 1998 بأن السودان تقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن حول مشاركة الحكومتين الأوغندية والإريترية في الهجوم على الأراضي السودانية والتسبب في إحداث خسائر بشرية ومادية وانتهاك سيادة السودان، وتهديد وحدة أراضيه، مما يعد خرقاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة.

وفي تصعيد جديد أبدى الرئيس البشير تشدداً حيال التعامل مع أوغندا والجيش الشعبي لتحرير السودان. وهدد البشير ـ في كلمة ألقاها في حفل تأبين أحد قتلى المعارك في 6 أكتوبر 1998 ـ بنقل القتال في جنوب السودان إلى الأراضي الأوغندية.

وقال: إنه كان يفترض أن يلتقي الرئيس الأوغندي "يوري موسفيني" في سبتمبر 1998، إلاّ أنه رفض الاجتماع به بعد عدوانه على ولاية شرق الاستوائية.

و. جمهورية الكونغو الديمقراطية

قال مسؤولو إغاثة في جنوب السودان: إن آلاف اللاجئين بدأوا يوم 14 أكتوبر 1998 يعودون من مخيمات في شمال جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد اندلاع قتال بين قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان، والقوات الموالية للرئيس لوران كابيلا.

وقالت وكالة (وورلد فيجن) للمعونة: إن اللاجئين الذين أجرت معهم مقابلات، قالوا: إن مخيماتهم تعرضت للنهب بعد هجوم شنته القوات الموالية لكابيلا.

وقالت مصادر أخرى: إن جنود الحكومة الكونغولية ومقاتلي قبائل ماي ماي منخرطون في قتال مع مسلحي الجيش الشعبي لتحرير السودان؛ مما اضطر اللاجئين إلى الفرار.

ويتهم متمردو الكونغو الديمقراطية الحكومة السودانية بإرسال قوات لدعم القوات الموالية لكابيلا.

ويقول المحللون: إن الخرطوم تأمل بتأمين الحصول على قواعد في شمال شرقي الكونغو، تعمل من خلالها على الضغط على أوغندا.

في غضون ذلك وصل الرئيس الكونغولي "لوران كابيلا" إلى الخرطوم يوم 16 أكتوبر 1998 في زيارة استغرقت يوماً واحداً، وأجرى محادثات مع الرئيس السوداني عمر البشير، تناولت التعاون العسكري.

ويتهم كابيلا أوغندا، ورواندا، وبوروندي (وهي الدول التي ساعدته في إطاحة سلفه موبوتو سيسي سيكو) بغزو بلاده للقتال إلى جانب المتمردين الذين ينتمون إلى قبائل التوتسي، وتعود أصولهم إلى رواندا، وتنفي الدول الثلاث ذلك.

ويلقى جيش كابيلا المحاصر، دعماً من أنغولا، وزيمبابوي، وتشاد، وناميبيا، وتقول الحكومة الأوغندية والمعارضة المسلحة في جنوب السودان، والكونغو،: إن القوات السودانية تقاتل إلى جانب كابيلا، ولكن الخرطوم تنفي ذلك.

2. الموقف الدولي

أ. الأمم المتحدة

اتهمت الأمم المتحدة حكومة الخرطوم بتعريض حياة مائة ألف في جنوب السودان وغربه للخطر؛ وذلك بسبب قرار الحكومة السودانية وقف رحلات الطائرات التي تحمل معونات الغذاء والدواء، جاء ذلك في تصريح لمسؤول في مكتب الأمم المتحدة في نيروبي يوم 10 فبراير 1998. وأضاف المسؤول الدولي: أن قصف الحكومة لمناطق في ولاية بحر الغزال ـ حيث تجمع المدنيون بعد فرارهم من القتال، زاد من معاناة السودانيين.

وقد أوقفت الحكومة الرحلات منذ يوم 4 فبراير 1998 بسبب انعدام الأمن في المنطقة، وأكّدت؛ أنها ستدرس الطلبات الخاصة المتعلقة بإلقاء الأغذية من الجو، كل حالة على حدة، مع احترام المعارك بين مقاتلي حركة قرنق والقوات الحكومية، بعد عودة كاربيينو كوانين إلى صفوف الحركة، ونكوصه، عن تأييد الحكومة، التي وقّع معها اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997، واشتراكه في الهجوم على مدينة (واو) في 28 يناير 1998.

وفي 18 فبراير 1998 وزّع مكتب الأمم المتحدة في الخرطوم بياناً ناشد فيه المجتمع الدولي بتوفير مساعدة إنسانية بمبلغ 109 ملايين دولار للسودان خلال عام 1998.

ومما يذكر أن اضطراب الأحوال الأمنية وفشل الموسم الزراعي هذا العام في أجزاء من ولايات بحر الغزال والاستوائية وجونقلي، أجبر الأهالي على النزوح من مناطق الرعي التقليدية ومناطق الصيد، ويلاحظ زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى مستويات تفوق قدرة السكان المتأثرين بهذه الأحوال.

وفي خطوة وصفتها الحكومة السودانية بأنها مقدرة وفي الاتجاه السليم أرسلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وفداً للخرطوم في الفترة من 14 – 17 مارس 1998 بهدف تقدير المساعدات الفنّية، والخدمات الاستثمارية، التي يحتاجها السودان في مجال حقوق الإنسان.

وأكدت الحكومة السودانية للوفد استمرار تعاونها مع آليات ألمم المتحدة العاملة في مجال حقوق الإنسان.

واستأنف برنامج (شريان الحياة) في السودان رحلات الإغاثة الجوية بعد موافقة الحكومة السودانية يوم 2 أبريل 1998 لنقل الأغذية والمواد الطبية وغيرها إلى جميع مناطق إقليم بحر الغزال الذي يعاني الجفاف، وانعدام الأمن. وقال البرنامج ـ في بيان وزعه في الخرطوم ـ إن ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة في حاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن موافقة الحكومة للبرنامج على استئناف رحلاته يتيح تسييرها إلى خمسين موقعاً في بحر الغزال، وأكثر من 180 موقعاً على نطاق السودان، خلال شهر أبريل 1998. وقد وافقت الحكومة على جميع المواقع التي طلبها البرنامج، باستثناء خمسة مواقع لم يحددها البيان.

وحذرت وكالات البرنامج عبر البيان: من أن هناك صعوبة في النقل إلى المناطق المتأثرة، دون توفر الدعم المالي من المجتمع الدولي. وأهاب البرنامج بالمجتمع الدولي: الإسهام في توفير الأموال طبقاً للمناشدة التي أعلنت في فبراير 1998 لتوفير 109 ملايين دولار لمواجهة احتياجات أكثر من أربعة ملايين نسمة من السودانيين المتأثرين بالحرب.

وفي 6 أبريل 1998 حذّر مسؤولون في الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة من أسوأ مجاعة يواجهها مئات الآلاف من السكان في جنوب السودان في تاريخهم، ما لم يتلقوا بذور المحاصيل الأساسية والمعدات الزراعية في الأسابيع القليلة المقبلة.

ويقول المسؤولون إن الجنوبيين المعتمدين أساساً على وكالات الإغاثة؛ بسبب الحرب، يحتاجون إلى إعداد أراضيهم وزراعتها قبل موسم الأمطار الذي يبدأ عادة مع نهاية شهر أبريل. غير أن عوامل الحرب الضارية وصعوبة وصول الإمدادات، وغياب التعاون من جانب حكومة الخرطوم، ونقص أموال عملية (شريان الحياة) التي تنفذها الأمم المتحدة، تضافرت جميعها لتزيد الأمر سوءاً.

كما وجه برنامج الأمم المتحدة العالمي للغذاء في 21 أبريل 1998 تحذيراً جديداً من حدوث مجاعة في ولاية بحر الغزال (جنوبي السودان) في ضوء استمرار الحظر على تحليق الطائرات فوق المنطقة، وذلك في اتهام ضمني للحكومة السودانية بإعاقة عمليات الإغاثة، في الوقت الذي اتخذت فيه لجنة حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة في جنيف، قراراً طالبت فيه الحكومة السودانية بوقف القصف الجوي للأهداف المدنية وعمليات الإغاثة فوراً. وعدّ المراقبون القرار إدانة لممارسات الحكومة من قبل الدورة الرابعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان؛ حيث وافقت على القرار 31 دولة واعترضت عليه ست دول فقط، في حين امتنعت ست عشرة دولة أخرى عن التصويت.

وشهدت الجلسة نفسها استقالة المبعوث الخاص لحقوق الإنسان في السودان وأعرب القرار عن استنكار اللجنة لجوء جميع أطراف النزاع إلى القوة العسكرية لعرقلة إرسال القوافل الإنسانية، وكذلك عبّر القرار عن القلق للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وحدوث عمليات نزوح قسرية، واعتقالات دون محاكمة.   

كما ندد القرار بما يتعرض له الأطفال من بيع ومذابح عمياء في السودان والدول المجاورة.

وفي اتهام صريح لإحدى لجان الأمم المتحدة تقدم ياسين عمر الإمام عضو المجلس الوطني السوداني والقيادي البارز في الجبهة الإسلامية القومية بشكوى للأمين العام للأمم المتحدة ضد لجنة الصليب الأحمر الدولية، اتهم فيها اللجنة بأنها اشتركت في تصفية الأسرى السودانيين لدى الجيش الشعبي لتحرير السودان، ذكر النائب السوداني؛ أن مما يؤكد تصفية الأسرى أنه لم يعلن حتى الآن اسم شخص واحد من الذين أدعي أنه أطلق سراحهم. وطالب ياسين في شكواه التي سلمها لمكتب الأمم المتحدة في الخرطوم، المجتمع الدولي (إدانة هذا السلوك) وسحب الثقة من اللجنة ومحاسبتها، والعمل على إطلاق سراح بقية الأسرى من معسكرات المتمردين.

وقالت المذكرة: إنه بعد أن أعلنت الحركة في مارس 1998 أنها أطلقت سراح 400 أسير ازداد معدل تدفق الاستفسارات على مكتب اللجنة لمعرفة قائمة أسماء للذين أطلق سراحهم، وكان رد المسؤولين بمكتب الخرطوم؛ عدم علمهم بذلك.

وقالت المذكرة: إن اللجنة لم تحترم نظامها الأساسي وأخفت عمداً ودون مبرر المعلومات عن الأسرى ومتابعة حالتهم الصحية وحمايتهم، وتجاهلت ممارسات المتمردين البشعة والتصفيات التي يقومون بها تجاه الأسرى.

وأسس ياسين شكواه على قضية تتعلق بابنه، ترى أسرته وأجهزة الإعلام السودانية أن حركة التمرد قتلته وذلك على عكس ما أبلغت به لجنة الصليب الأحمر الأسرة. وكانت حركة التمرد قد أسرته في مارس 1997 وفي مايو 1997 تلقّت الأسرة رسالة عبر اللجنة تفيد أنه بصحة جيدة في معسكرات الأسرى لدى حركة قرنق، وقالت المذكرة: إن اللجنة فاجأتهم يوم 12 مارس 1998 بإعلان وفاته وفاة طبيعية بتاريخ 18 مايو 1997 بعد ثمانية أشهر من التاريخ الذي أدعي أنه توفى فيه.

وأضافت أنهم تشككوا أمام مكتب اللجنة في الخرطوم حول أسباب الوفاة ولم يستطع المكتب الرد على هذا السؤال.

وأعلنت مفوضية العون الإنساني أنها أسقطت 358.8 طناً من المواد الغذائية غير النقل الجوي من مدينة الأبيض (غربي السودان) إلى مناطق التمرد خلال يومي 15 و16 يوليه 1998 وأنها وزّعت 15.95 طناً خلال مايو ويونيه 1998 في بحر الغزال، وستشهد الأيام القليلة القادمة تحرير أكثر من ألفي طن مواد غذائية من ميناء كوستي النهري لتوزيعها على 34 موقعاً منها 25 تتبع للتمرد، و9 للحكومة.

وقالت المفوضية في بيان لها: إن أعداد النازحين من مناطق بحر الغزال إلى واو ارتفعت من عشرة آلاف نازح في أول يوليه 1998 إلى 54 ألفاً في الرابع عشر من يوليه وهم يعانون الملاريا وسوء التغذية والإسهالات والعشا الليلي.  

وأوضحت كارول بيلامي المدير التنفيذي لليونسيف إن هدف الأمم المتحدة من الفترة من يوليه إلى أكتوبر 1998 إيصال 15 ألف طن متري من الغذاء شهرياً وتقديم مساعدات غذائية وطبية تشمل الرعاية الصحية والمياه النظيفة لتخفيف معدل الوفيات.

جاءت تصريحات بيلامي خلال لقائه رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية في الخرطوم يوم 20 يوليه 1998.

ووعدت بيلامي أن ترتفع مراكز التغذية في المناطق الأكثر تأثراً في بحر الغزال وغرب أعالي النيل من 24 إلى 40 مركزاً.

ومن جهة أخرى أعلن رئيس قسم العمليات الميدانية في اليونسيف في الخرطوم في تصريحات صحفية يوم 25 يوليه 1998 أن استجابة الدول المانحة للاحتياجات المادية للمناطق المتضررة في جنوب السودان بلغت ما بين 50 و60 في المائة من الاحتياجات الفعلية.

وقال إن هذه النسبة لا تغطي كل الاحتياجات المطلوبة، وناشد الدول المانحة والمنظمات العالمية تقديم المزيد من الدعم لمواجهة الموقف.

وأعرب المسؤول الدولي في أن يكون وقف إطلاق النار فرصة جيدة لتمكين المنظمات الدولية والمنظمات الأخرى من الوصول إلى جميع المتضررين من الحرب، وممارسة أعمالها في المجال الغذائي والصحيّ.

وقال إنه يأمل أن تكون فترة إطلاق النار طويلة المدى لإتاحة الظروف المناسبة لإيصال الغذاء.

ومساهمة في حل المشكلة السودانية قدّم الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي أنان" عرضاً للتوسط في النزاع بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان، جاء ذلك في بيان نشر في نيويورك يوم 4 أغسطس 1998.

ودعا الأمين العام الطرفين إلى مضاعفة جهودهما لإيجاد حل سياسي مؤكداً أنه جاهز للمشاركة في هذه الجهود في حال موافقة الأطراف والوسطاء على ذلك.

وطالب أنان ـ لدواعٍ إنسانية ـ حكومة الفريق البشير والجيش الشعبي، بالاتفاق على وقف إطلاق النار مدة ثلاثة أشهر في الجنوب حيث تنتشر المجاعة.

وقال الناطق باسم المعارضة الحكومية إن الجيش الشعبي يدعو الأمين العام إلى التدخل إذا كان عرضه جادّاً، ولكنه أعرب عن أسفه لأن أنان قدم عرضه علانية بدلاً من توجيهه مباشرة إلى المتفاوضين.

وقال مدير الشؤون السياسية والسلام وحقوق الإنسان في وزارة الخارجية السودانية إن عرض الأمين العام أثار ارتياح الحكومة السودانية، لكنه أضاف: إن وساطة الأمين العام يجب أن تكون ضمن إطار منظمة (الإيقاد) التي ترعى المفاوضات الحالية.

وشهد الأسبوع الأخير من أكتوبر 1998 حدوث تطور بالغ الدلالة يمكن أن تكون له انعكاساته على مسار الأحداث وعلى التطورات السياسية في العالم عموماً خاصة النامي منه.

فقد اجتمعت أربع من المنظمات العالمية العاملة في ميدان الإغاثة والعون في السودان بأعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر في نيويورك، وذلك للتداول في الشأن السوداني.

والمنظمات الأربع هي أطباء بلا حدود، وأوكسفام، ومنظمة إنقاذ الأطفال، ومنظمة كير العالمية، وكلها لها وجود قديم في السودان غير مشروعات وحضور في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وتلك التي تنشط فيها المعارضة.

والمنظمات في لقائها بممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن وفي البيان المشترك الذي أصدرته بعد ذلك، لم تكتف بالحديث عن المليون ونصف المليون الذي قضوا نحبهم أو الأربعة ملايين الذين نزحوا من ديارهم ومناطق عيشهم بسبب استمرار الحرب الأهلية، فحسب، بل عبّرت عن تخوفها ولذا طالبت بإنشاء لوبي قوي وفعّال من أجل السلام في السودان، وأن يتم التحرك من خلال دبلوماسية نشطة وعقد مؤتمر قمة لأطراف النزاع، وتعيين ممثل مقيم ومتفرغ للأمين العام لمتابعة الأمور.

وهذا التحرك الذي شهدته نيويورك يلفت النظر إلى أنه اتخذ منحى عملياً بالحديث إلى القوى السياسية الفاعلة في المنظمة الدولية التي تستطيع التأثير في مجرى الأحداث ولم يقتصر على مناشدات إعلامية عامة.

كما أن البيان المشترك يساوي بين الحكومة والجيش الشعبي لتحرير السودان في استخدام المدنيين دروعّاً بشرية، ومخزوناً للحصول على المحاربين واستغلال الطعام في هذا الاتجاه.

ويلاحظ أيضاً أن المنظمات لم تعط وزناً كبيراً لبقية القوى السياسية المكونة للتجمع الوطني الديمقراطي المعارضة للنظام، على أن الملاحظة الأكثر قسوة تتمثل في القناعة التي توصلت إليها هذه المنظمات من عجز السودانيين عن حل مشكلاتهم، خاصة تلك المتعلقة بأزمة الحكم المستمرة منذ أكثر من أربعة عقود، وتعبر عنها الحرب الأهلية التي استعصى وقفها.

وفي إطار جهود الأمم المتحدة لإقرار السلام في السودان وصل إلى الخرطوم يوم 21 أكتوبر 1998 مساعد الأمين العام للمنظمة للشؤون السياسية والتقى المبعوث عدداً من المسؤولين خلال زيارته التي استغرقت ثلاثة أيام.

ب. الولايات المتحدة الأمريكية

أوفدت الإدارة الأمريكية (توني هال) النائب الديمقراطي بمجلس النواب الأمريكي في زيارة للسودان في نهاية مايو 1998 استغرقت أربعة أيام التقى خلالها بالمسؤولين في الخرطوم، ووقف على الظروف الإنسانية في ولاية بحر الغزال (جنوبي السودان) وقال هال في تصريحات أدلى بها يوم 31 مايو 1998، بعد وصوله إلى العاصمة الكينية نيروبي: إنه شاهد في بحر الغزال كواسر تنقض على جثث راح أصاحبها ضحايا المجاعة، أو سقطوا أثناء فرارهم من تجار الرقيق الذين يلاحقونهم. ودعا الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحرك فوراً لوضع حدٍّ لهذا الوضع.

واتهم النائب الأمريكي الأمم المتحدة بأنها لم تفعل شيئاً لمنع هذه المرحلة الأخيرة من الحملة على سكان جنوب السودان.

كما انتقد الجيش الشعبي لتحرير السودان؛ لأنه وافق على أن يعيد إلى صفوفه أحد قادة المتمردين (كاربينو كوانين بول) الذي مارست قواته أعمال القتل بحق المدنيين في الجنوب، عندما انضم ـ لفترة ـ إلى قوات الحكومة.

ج. بريطانيا

استضافت العاصمة البريطانية لندن يوم 26 أبريل 1998 مؤتمراً بعنوان: "مشكلة جنوب السودان وآفاق السلام" نظمه المجلس القومي السوداني في بريطانيا وجمعية الصداقة البريطانية ـ السودانية.

ودعا المؤتمر إلى تأييد اتفاقية الخرطوم للسلام وتفعيلها على أرض الواقع. وناشد الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة "جون قرنق"، الانضمام إلى مسيرة السلام في السودان.  

وأكد المؤتمرون أن السلام في جنوب السودان لا يتحقق إلاّ عن طريق المفاوضات والحوار المستمر بين الأطراف المعنية.

وقد شارك عدد من البريطانيين في مناقشات المؤتمر ومداولاته بمداخلات، سواء من خلال تجارب بعضهم في العمل العسكري والسياسي في جنوب السودان، أو من خلال دراستهم الأكاديمية لمشكلة جنوب السودان، ودعوا جميعاً إلى ضرورة مواصلة الحوار والمفاوضات بين الأطراف المعنية للوصول إلى إحلال السلام والاستقرار في جنوب السودان.

وفي محاولة لإيجاد حل للنزاع الدائر في السودان وصل إلى الخرطوم يوم 14 يوليه 1998 وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني، والمكلف بالملف السوداني وكان قد التقى ممثلي الجيش الشعبي لتحرير السودان في نيروبي، حيث طالبهم بتوفير ممر آمن لإمدادات الغذاء وهو أول عضو في الحكومة البريطانية يزور السودان منذ عشرة أعوام وشارك الوزير البريطاني يوم 15 يوليه 1998 في مؤتمر حول آفاق السلام في السودان، قبل أن يغادر الخرطوم متوجهاً إلى القاهرة.

وكان المسؤول البريطاني قد أدلى بتصريحات قال فيها: إنّه يقوم بزيارة السودان ممثلاً لشركاء الإيقاد، ولكنه لا يتوقع الكثير من زيارته، وأعرب عن خيبة أمله لعدم موافقة الحكومة السودانية على زيارة وزراء أوروبيين آخرين من شركاء الإيقاد.

وفي لندن قال الوزير البريطاني عقب عودته من السودان: إن طرفي الصراع في الحرب الأهلية هناك يتعرضان إلى ضغوط أخلاقية من أجل المحافظة على وقف إطلاق النار. وأشار إلى وجود إشارات على احتمال إجراء محادثات سياسية بين طرفي النزاع، مشيراً إلى أن الهدنة التي أعلنت اعتباراً من يوم 10 يوليه لمدة ثلاثة أشهر، ستمنح الطرفين مزيداً من الثقة للدخول في مباحثات.

وأعلن أن هناك اعترافاً واسعاً الآن بضرورة إجراء استفتاء لسلطات الجنوب من أجل تقرير المصير، وأضاف: يتعين علينا الآن إيجاد آلية يمكن من خلالها الوصول إلى الاستفتاء.

د. الجامعة العربية

نظّمت الجامعة العربية في الخرطوم في منتصف يونيه 1998 ندوة بعنوان (تطوير التدريب الدبلوماسي وترقيته في الدول العربية) وفي الندوة أعلن الأمين المساعد للجامعة للشؤون العربية دعم الجامعة ووقوفها الثابت مع السودان في مواجهة الأخطار التي تهدد استقراره ووحدته وسلامة أراضيه ومؤازرة جهود حكومته لتحقيق الاستقرار والسلام في جنوب السودان.

ومن جهته تمنى وزير الخارجية السوداني أن تكون هذه الندوة بادرة خير لإعادة أجواء التضامن والتلاحم العربي في جميع المجالات طياً لسلبيات الماضي القريب واستشراقاً لغد مأمول.

وأضاف: إن السودان يواجه تحديات متجددة؛ منها التآمر المستمر على حدوده، ومحاولات طمس هويته العربية والإسلامية.

وفي الوقت الذي انعقد فيه مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان في أديس أبابا أصدرت الجامعة العربية بياناً يوم 5 أغسطس 1998 قالت فيه: "إنها تتابع باهتمام بالغ مفاوضات السلام الحالية المنعقدة في العاصمة الإثيوبية تحت رعاية منظمة الإيقاد. وأعربت عن أملها في أن تؤدي هذه الجولة إلى تحقيق السلام وإنهاء الحرب في جنوب السودان. وأكّدت موقفها الثابت القائم على الحرص على صون وحدة السودان شعباً وأرضاً.

وطالب الأمانة العامة للجامعة؛ الأطراف السودانية كافة بالاستجابة لنداءات المجتمع الدولي الرامية إلى وقف شامل لإطلاق النار؛ لتمكين المساعدات الإنسانية الملحة من الوصول إلى المناطق المتضررة من الحرب في جنوب البلاد.