إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث الحادي عشر

المبحث الحادي والعشرون

تطور الأحداث (2009 – 2010)

بدأت أحداث عام 2009 بقرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف ضد الرئيس عمر حسن البشير في الرابع من مارس 2009، واحتوت على سبعة اتهامات تؤهل الرئيس البشير للاعتقال، وبذلك يصبح أول رئيس دولة يصدر ضده أمر اعتقال أثناء حكمه، وقد ازداد قلق كثير من دول الجوار سواء التي لها مصالح مباشرة مع السودان أو التي تخشي قياداتها من تسليط سيف المحكمة على رقابها، كما أن هذا التطور أشار إلى نمط جديد من التفاعلات الدولية في التعامل مع بعض القضايا الدولية، خاصة وأن العديد من السياسيين حذروا من خطورة توقيف رئيس دولة مثل السودان، يعاني العديد من المشكلات تمتد من الغرب إلى الشرق، وتتواصل من الشمال إلى أقصى الجنوب.

أعلن الرئيس البشير طرد 13 منظمة إغاثة إنسانية تعمل في دارفور، بذريعة أنها مضرة بالأمن القومي، ونوهت الحكومة السودانية إلى امتلاكها معلومات تفيد بتعاون بعض المنظمات الإنسانية مع المحكمة الجنائية وتآمرها. وفي 16 مارس 2009، قرر الرئيس البشير نقل مهام الإغاثة في مخيمات اللاجئين من المنظمات المطرودة إلى منظمات وهيئات وطنية، التي قرر أيضا أن تتولي جميع المهام الإنسانية في غضون عام، مع ذلك أخذت الخرطوم تواصل مساعيها نحو تجاوز عقبات المحكمة الجنائية، عبر عدد من الإجراءات العملية.

حاول النظام السوداني استثمار تكاتف الجهود الدولية لإنقاذ رقبته من مقصلة المحكمة الجنائية، وسعت تحركاته قبيل وبعد مذكرة التوقيف في ثلاثة اتجاهات.

1. كان الاتجاه الأول الذي سعي فيه النظام السوداني هو محاولة الاستفادة من المادة 16 من القانون الأساس، والتي تخول مجلس الأمن تجميد قرار المحكمة لمدة عام قابل للزيادة. وفي فبراير 2009، تشكل وفد عربي – أفريقي وذهب إلى نيويورك لتفعيل هذه المادة، لكن الوفد اصطدم بحائط رفض منيع من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. ولم يكف تعاطف روسيا والصين في تحريك الموقف لصالح الخرطوم، واعتمدت في هذا التحرك على أداتين الأولى: السعي لإقناع المجتمع الدولي بأن الحكومة السودانية عازمة هذه المرة على الوصول إلى تسوية سياسية تنهي معاناة الجنوب، والثانية تتكفل بتوضيح المخاطر التي سيحملها الاستمرار في طريق المحاكمة على دارفور وغيره من الأقاليم السودانية التي تعاني مشكلات هيكلية. فالأزمة سوف تزداد تعقيدا في ظل مساعي المتمردين لاستثمارها في رفع سقف مطالبهم، ووسط احتمال أن يتأثر جنوب السودان ببعض تداعيات الأزمة، ما ينعكس سلبا على تطبيق بنود اتفاق نيفاشا الذي تسانده جهات دولية كثيرة.

2. ويتمثل الاتجاه الثاني في بوادر ليونة "برجماتية" في الموقف السوداني ظهرت تجلياتها في إعلان الخرطوم عن التحقيق الجاد مع عدد من المشتبه بتورطهم في ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وحسب بعض التقارير تم حصر 176 متهما والقي القبض على 12 بينهم "علي كوشيب" المعروف بأنه الزعيم الميداني "للجنجويد" والمطلوب الثاني في اللائحة الأولي للمحكمة الجنائية. كما أعلن نمر إبراهيم، المدعي السوداني لجرائم الحرب في دارفور، أنه يولي اهتماما ببلاغ ضد كل من كوشيب واحمد هارون وزير الدولة للشؤون الإنسانية.

3. وكان الاتجاه الثالث يسير بالتوازي مع الاتجاه الأول، وقام على محاولة تحقيق اختراق في ملف التسوية السياسية للأزمة. وهنا برزت ثلاث محطات أساسية، أولاها إعلان جامعة الدول العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة في سبتمبر 2008 عن مبادرة للحل – انضم إليها لاحقا الاتحاد الأفريقي – على أمل أن تتحرك الخرطوم لتفشيل خطة المحكمة عبر قنوات سياسية تعطي فرصة للمدافعين عن النظام السوداني للضغط على رافضيه، ودحض حججهم للمحاكمة. وثانيها : قيام الحكومة بعقد ما يسمي بملتقي أهل السودان في شهر أكتوبر 2008، وتدشين تظاهرة إعلامية توحي بأن هناك التفافا محليا ودوليا حول الرئيس البشير. لكن قيمة الملتقي تراجعت بسبب مقاطعة عدد من قوى المعارضة السودانية، وعجز الحكومة عن تقديم رؤية عملية تثبت رغبتها في التسوية الحقيقية. وثالثها: نجاح قطر في الجمع بين الحكومة وحركة العدل والمساواة في فبراير 2009، لإثبات الرغبة السودانية في التسوية غير أن محادثات الدوحة لم تتمخض عن سوى إعلان حسن نوايا بين الطرفين وأخفقت في التوصل لاتفاق إطاري للحل. وعقب صدور مذكرة التوقيف بدأت الأمور تسير في طريق غامض حيث سعت حركات المعارضة لاستثمارها في مزيد من الضغط على الحكومة.

وبالنظر إلى المسؤولية عن تفاقم أزمة المحكمة الجنائية مع السودان نجد انه إذا كانت الحكومة السودانية تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية ما حدث، فإن هناك جهات أخرى لا يقل دورها تأثيراً، فعلي عاتق المتمردين، بمشاربهم وأطيافهم المختلفة ،تقع مسؤولية إتاحة الفرصة لكثير من التدخلات الخارجية. فقد دخلوا مرحلة خطيرة من الانقسام والتشرذم، وافتقروا إلى القيادة الرشيدة والموحدة التي يمكن الالتفاف حولها ووصل عددهم – وفق بعض التقديرات – لأكثر من عشرين فصيلا، بصورة يصعب معها التفرقة بين القيادات الحقيقية والهامشية، لأن معظمهم يفتقر إلى الوجود الفعلي في الميدان، ويكتفي بلائحة تحمل اسم أحد الأفراد تناضل عبر الفضائيات، أو له موقع إليكتروني يصدر البيانات ويكيل الاتهامات، كما أن الأهداف الشخصية علت على نظيرتها الوطنية، ونسجت بعض الفصائل علاقات متنوعة مع جهات مشبوهة لعبت دورا في تعقيد الأزمة، ولنتمعن في زيارة عبد الواحد نور، زعيم أحد أجنحة حركة تحرير السودان لإسرائيل في أوائل فبراير 2009، وما حملته من مضامين تدعم رؤية الحكومة بأن هناك دوراً لإسرائيل في دارفور، علاوة على أن فصائل المتمردين تعمدت تضخيم بعض الأحداث للاستفادة من وصول ملف دارفور إلى ساحة المحكمة الجنائية، سواء في الضغط على الحكومة، أو شيوع مزيد من الفوضى لتحقيق مكاسب كبيرة.

في محاولة للتخفيف من تأثير قرار المحكمة الجنائية الدولية، اتخذت القمة الأفريقية المنعقدة في "سرت" خلال شهر يوليه 2009 قراراً بدعوة مجلس الأمن لتفعيل المادة (16) لتأجيل تنفيذ القرار لمدة عام وإعطاء فرصة لاحتواء الأزمة من خلال الإجراءات التي اقترحتها لجنة الحكماء في أفريقيا ووافق السودان على الالتزام بها.

أولاً: قضية "أبيي " وقرار محكمة التحكيم الدولية

توصل حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان بعد كثير من الخلافات التي وصلت إلى حد الصدام العسكري المتكرر، إلى اتفاق يقضي بإحالة ملف الخلاف على ترسيم حدود أبيي إلى التحكيم، وخلافا لكل التوقعات قبل طرفا النزاع قرار محكمة التحكيم الدولية بلاهاي الصادر في 22 يوليه 2009 بيسر وسلاسة، وقد امتد هذا القبول ليشمل معظم فئات الشعب السوداني، والقوى المحلية والدولية التي كانت تترقب حكم المحكمة، وتخشي حدوث توترات أو انفلاتات أمنية في هذه المنطقة الحساسة التي مثلت أهم مصادر التهديد لاتفاقية نيفاشا الموقعة في يناير 2005، حيث خيم شبح العودة إلى الحرب بين الشمال والجنوب إثر الصدامات الدامية التي وقعت في العام 2008.

ومن الواضح أن حساسية ترسيم الحدود لمنطقة أبيي تعود إلى ان الجنوب قد ينفصل في عام 2011، ومن ثم فان الحدود التي سيتفق عليها قد تتحول إلى حدود سياسية بين دولتين مستقلتين، وبالنظر إلى الفجوة الشاسعة بين رؤي الطرفين الجنوبي والشمالي حول ترسيم الحدود فقد تم رفع الخلاف إلى لجنة الخبراء، التي أصدرت تقريرا ذكرت فيه أنها لم تستطع تبين الحدود التي كانت عليها منطقة عموديات الدينكا نقوك التسع في 1905. وبدلا من أن تعيد لجنة الخبراء الأمر إلى الطرفين الأصليين، قامت من جانبها باقتراح حدود جديدة للمنطقة، أدت من الناحية العملية إلى توسيع حدود منطقة أبيي وامتدادها إلى مناطق لم يكن الجنوب يطالب بها من الأصل. والأكثر خطورة أن الحدود التي رسمتها لجنة الخبراء أدت إلى وقوع آبار النفط في داخل حدود أبيي، الأمر الذي نظر اليه على أنه يمثل تشجيعا للجنوب على الانفصال، حيث من المتوقع أن يختار سكان أبيي الانضمام إلى الجنوب في الاستفتاء المقرر في 2011.

الحكومة السودانية بدورها، رفضت تقرير الخبراء على أساس أنهم تجاوزوا صلاحياتهم، في حين تمسكت حكومة الجنوب بالتقرير وعدته ملزما، ما أدى إلى وقوع صدامات دامية بين الجانبين ودخول قبيلة المسيرية على خط هذه الصدامات بعد أن أعلنت أنها لن تعترف بأي وضع يمثل اعتداء على مصالحها وحقوقها التاريخية. وبعد أن بلغ التوتر ذروته، وخشية من الانزلاق إلى حرب شاملة اتفق الطرفان على اللجوء إلى المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي في لاهاي لحسم النزاع، حول ما إذا كان الخبراء قد تجاوزوا صلاحياتهم ام لا ؟ وفي حالة ثبوت التجاوز ماهي الحدود التي يجب أن تكون عليها منطقة أبيي طبقا للوثائق والأدلة التي سيقدمها الطرفان كما اتفق الطرفان، مسبقا على أن الحكم الصادر سيكون ملزما للطرفين فورا ودون أدني نقاش أو تراجع.

أفرزت هذه الخلفية حالة ترقب كبيرة مشوبة بالتوتر والقلق انتظارا لقرار التحكيم، حيث أعلنت حالة الطوارئ القصوى في قوات الأمم المتحدة المرابطة بالجنوب وتم اتخاذ إجراءات أمنية احترازية واسعة النطاق، وفُرض حظر التجول في المنطقة كما انتقل إليها كل من المبعوث الرئاسي الأمريكي سكوت جريشن، والمبعوث الأممي "أشرف قاضي"، ووزير الداخلية السوداني "إبراهيم محمود حامد" للمتابعة الميدانية ولاحتواء أي توترات قد تحدث.

الحكم في مضمونه جاء منصفا لوجهة نظر الحكومة السودانية وأعطاها الكثير من الصدقية، فقد نص على أن الخبراء قد تجاوزوا صلاحيتهم في ترسيم الجهتين الشرقية والغربية لأبيي، وأنهم تجاوزوا صلاحياتهم أيضا – جزئيا هذه المرة – في تحديد الحدود الشمالية، كما وضع الحكم حدودا جديدة أدت إلى منح الشمال مساحة تتراوح بين عشرة آلاف واثنتي عشر ألف كيلو متر مربع من إجمالي المساحة المتنازع عليها والتي تبلغ حوالي 16 ألف كيلو متر مربع، والاهم أن هذه الحدود جعلت أهم حقول نفط السودان وهو حقل هجليج تابعا للشمال. كما أكد الحكم على الحقوق الثابتة في الرعي والتنقل عبر المنطقة لكل من قبيلتي المسيرية والدينكا نقوك، حتى لو تحولت الحدود الإدارية لأبيي فيما بعد إلى حدود سيادية طبقا للقانون الدولي المعمول به في مثل هذه الحالات.

ثانياً: الإستراتيجية الأمريكية الجديدة

1. منذ وصول إدارة الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما إلى البيت الأبيض في مطلع عام 2009، وهناك الكثير من التساؤلات حول السياسة التي سوف تتبعها الإدارة الديمقراطية الجديدة تجاه السودان، حيث جاء أوباما عقب ثماني سنوات من سياسة جورج بوش الابن التي شهدت تحقق تحولات كبيرة وغير مسبوقة في السودان تمثلت في توقيع اتفاقية السلام الشامل "نيفاشا" بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية، والتي أحدثت تحولات هيكلية وجذرية في مسار الأزمة السودانية، ومنحت الجنوب حق تقرير المصير. ومن المعروف ان إدارة جورج بوش لعبت الدور الأكبر في دفع الطرفين إلى التفاوض وتوقيع الاتفاق، كما أنه من المعروف أيضا أن الهياكل الرئيسية في الاتفاقية والتي قامت على فكرة محورية هي تحويل السودان إلى دولة واحدة بنظامين، قد وضعت من قبل في واشنطن، ونفذت عبر الرعاية الأمريكية المباشرة وعمادها أول مبعوث رئاسي عينه جورج بوش الابن في 5 سبتمبر 2001 وهو السيناتور "جون دانفورث".

ورغم الانجاز المتمثل في وقف الحرب الأهلية في جنوب السودان، فان الطريقة والمضامين التي احتوتها البروتوكولات الست لاتفاقية نيفاشا لم تؤد إلى تحول السودان إلى الاستقرار، بسبب حالة السيولة التي خلفتها هذه الاتفاقية من جراء العمليات الواسعة التي نصت عليها لإعادة هياكل السلطة والثروة والنظام السياسي في السودان، وأن عمليات التحول هذه كانت تجري في ظل غموض هائل وضبابية كثيفة تكتنف مستقبل وحدة التراب السوداني، التي ظلت معلقة بنتائج الاستفتاء على حق تقرير المصير، الأمر الذي جعل هذه القضية المصيرية والحاسمة عرضة للمناورات السياسية قصيرة النظر، وللتلاعب بها في ظل الأجندة السياسية المحدودة للقوي السياسية السودانية، واستخدامها آلية أساسية في التحالفات المتحركة باستمرار سعيا لتحقيق أهداف سياسية تتمثل في الوصول إلى السلطة من جانب البعض، أو التشبث بها من جانب البعض الآخر.

2. ملامح الإستراتيجية الجديدة

اعتمدت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنت في 19 أكتوبر 2009 ثلاثة محاور أساسية هي:

أ. السعي لنهاية مؤكدة للنزاع، وأيضا إنهاء انتهاك حقوق الإنسان والإبادة في دارفور.

ب. تطبيق اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب من أجل سلام بعيد الأمد.

ج. العمل بشدة على ضمان عدم توفير السودان مأوى للإرهابيين الدوليين.

وفي أول رد الفعل للحكومة السودانية، رفضت الخرطوم استخدام واشنطن لعبارة "إبادة " لوصف النزاع في دارفور، غير أن غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني عمر البشير، والمشرف على ملفي دارفور والعلاقة مع الولايات المتحدة، رأى أن السياسة الجديدة للولايات المتحدة في السودان تحمل نقاطا إيجابية يمكن التعامل معها.

وللوهلة الأولي يمكن القول إن الإستراتيجية الجديدة قد جاءت حلاً وسطاً بين الطرفين اللذين كانا يختلفان حولها داخل الإدارة الأمريكية، وهما : "هيلاري كلينتون" وزيرة الخارجية، و"سوزان رايس" السفيرة في الأمم المتحدة في الجانب المتشدد، والجنرال المتقاعد "سكوت جريشن" مبعوث أوباما الخاص للسودان في الجانب الآخر، حيث شملت مزيجا من الضغوط والحوافز لحث حكومة الخرطوم على إحلال السلام في دارفور المضطرب وتسوية النزاعات مع حكومة جنوب السودان ذات الاستقلال الذاتي، وبذل تعاون أكبر مع حكومة الولايات المتحدة في وقف الإرهاب الدولي. كما قدمت الخطة للخرطوم مسارا لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة اذا ما بدأت في التعامل مع القضايا التي كانت مثار قلق الولايات المتحدة.

وصاحب الإعلان عن هذه الإستراتيجية الجديدة، التي تضمنت عنصراً جديداً في إستراتيجية واشنطن تجاه السودان وهو الربط بين النزاع في دارفور واتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، صدور عدة تصريحات رسمية من سوزان رايس تصف السياسة الجديدة بأنها تحمل "الجزرة والعصا معا "، حيث قدمت واشنطن إغراءات بشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب، ورفع مستوي التمثيل الدبلوماسي معه، معلنة انه في حال عدم الالتزام بتحقيق السلام في دارفور وفي الجنوب، سيتم فرض مزيد من العقوبات، وأشارت إلى أن السياسة الجديدة "شاملة"، وهي عن دارفور وعن جنوب السودان، وأيضا احترام حقوق الإنسان في كل السودان، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعن التفاوض مع الرئيس البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، قالت رايس "أننا لا نتفاوض معه مباشرة ولكن نتفاوض مع مستشاريه ومساعديه، وإن هذا الأمر واقع، حيث نحتاج إلى أن نتفاوض مع جهة لتنفذ مطالبنا".

والجديد في الإستراتيجية أنها تعيد الدبلوماسيين والمهنيين والأجهزة المعنية إلى صدارة المشهد مرة أخرى من خلال إطار عام متفق عليه ،كما أنها تعطي القيادة بصورة واضحة للمبعوث الرئاسي الخاص في تنفيذ الإستراتيجية وتفصيلاتها، إذ إنها لاتزال تمثل خطوطا عريضة، ولعل هذا يحل إحدى مشكلات المبعوثين الذين كانوا يتعرضون للكثير من المعوقات من قبل العاملين بوزارة الخارجية.

إلى جانب هذا فإنها قد تحولت من الهدف غير المعلن بتغيير النظام في الخرطوم إلى التعاطي معه، وهو ما عُبِّر عنه في إطار الدروس المستفادة من ضرورة التعامل الكلي مع مشكلات السودان، فلا يكون التركيز على أي من مناطق الصراع دون الأخرى، وكذلك التعامل مع كل الفاعلين على الساحة، بما في ذلك أولئك الذين تختلف واشنطن معهم ،(أي المؤتمر الوطني في هذه الحالة).

وفي مفارقة ملحوظة للنهج السابق لإدارة بوش، تحدثت الإستراتيجية عن المطلوبات من حكومة الجنوب، وأن عليها التزامات كذلك تجاه تنفيذ اتفاقية السلام ووضع أولويات لفض النزاعات وبناء القدرات والشفافية وإعمال مبدأ المحاسبة، وذلك حتى يمكن للعون الأمريكي والخارجي عموما أن يساعد في التأثير في الوضع القائم إلى الأفضل، أي أن تنفيذ اتفاق السلام لا يقع عاتقه على المؤتمر الوطني وحده.

ثالثاً: بروز الجدل حول الوحدة والانفصال

في الوقت الذي تجري فيه الاستعداد للانتخابات العامة، التي كان من المقرر إجراؤها في أبريل 2010، أدلى الفريق سلفا كير رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيس حكومة جنوب السودان بمجموعة من التصريحات حول مستقبل الوحدة والانفصال في الجنوب، أثارت الكثير من الجدل وأيضا الكثير من المخاوف حول مستقبل السودان، حيث أفصح سلفا كير لأول مرة عن موقفه بشأن الاستفتاء حول حق تقرير المصير في كلمة ألقاها في نهاية أكتوبر 2009 في قداس أقيم في كاتدرائية القديسة تريزا في مدينة جوبا، حين دعا الجنوبيين صريحاً إلى التصويت مع الانفصال، وقال مخاطبا شعب جنوب السودان "إن مهمتي تقضي بقيادتكم إلى استفتاء 2011. إن هذا اليوم قريب جدا وإني على ثقة بأننا سنشارك فيه ولديكم الفرصة للاختيار مابين أن تكونوا أحراراً في وطنكم أو أن تكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في بلد موحد".

وقد أدى هذا التصريح إلى اثارة ضجة كبري، بالنظر إلى مخالفته الصريحة لاتفاقية نيفاشا 2005، التي تنص على أن يعمل الطرفان على جعل الوحدة جاذبة، ورغم محاولات النفي المتكررة لمضمون هذا التصريح أو التخفيف من حدته من جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا أن محاولات النفي هذه كانت غير ذات جدوى، لاسيما أنها قد جاءت عقب تصريحات سابقة لسلفاكير، قبل ذلك بفترة وجيزة، قال فيها "إنه قد فات الأوان لجعل الوحدة جاذبة بين الشمال والجنوب" وحذر من أن الشمال لم يقم بواجبه حتى الآن في جعل الوحدة جاذبة للجنوبيين ثم شدد في 26 أكتوبر 2009 عقب استقبال الرئيس مبارك له في القاهرة، على عدم تغيير موعد الاستفتاء، مجددا رفضه تمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد 2011، مشيرا إلى أنها لن تمدد وانه سيتم إجراء الاستفتاء في موعده في 9 يناير 2011 ونفي علمه بالأسباب خلف عدم سعي الشمال إلى جعل الوحدة عنصرا جاذبا للجنوبيين ثم أكد سلفاكير في تصريحات أخرى في 18 نوفمبر 2009 خلال زيارة قام بها إلى بعض البلدان الأوروبية في أعقاب زيارته للقاهرة إن مصر فعلت أكثر من الخرطوم في دعم حكومة الجنوب، واتهم الحكومة القومية في الخرطوم بأنها لاتعمل باتجاه تثبيت الوحدة، مشيرا عقب لقائه مع الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "خافيير سولانا" في بروكسل إلى أن حكومة جنوب السودان بذلت الكثير من الجهد للتوجه نحو الإبقاء على السودان موحداً منتقداً شريكه في الحكم (حزب المؤتمر الوطني) الذي يقوده الرئيس عمر البشير وقال " إن أمام الجنوبيين خياري الوحدة والانفصال ولكنهم حتى الآن لم يجدوا ما يجذبهم نحو الوحدة لأن الحكومة المركزية لم تقدم شيئاً يقنع الجنوبيين لكي يصوتوا للوحدة ".

وكان العديد من المراقبين قد نظر إلى جولة سلفاكير الأوروبية، والتي شملت هولندا وبلجيكا وفرنسا، بأنها هدفت إلى إبلاغ العواصم الأوروبية إلى قرب احتمال انفصال الجنوب عبر تقرير المصير والاستفتاء في يوليه 2011.

وفي أعقاب تصريحات سلفاكير المثيرة للجدل بوقت وجيز، أكد "دينق آلور" أحد قيادات الحركة الشعبية ووزير الخارجية السودانية، موقف الحركة الساعي إلى الانفصال، قال فيها " إن الجنوب يريد"بأغلبية ساحقة " إعلان الاستقلال في الاستفتاء المقرر قريبا " ثم تبعت ذلك تصريحات "ادوارد لينو" القيادي بالحركة الشعبية أيضا، والذي دفع الأمر باتجاه أبعد حين دعا سكان مناطق التخوم في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق إلى الثورة على النظام في الخرطوم من أجل إسقاطه، الأمر الذي أظهر عمق التحديات التي تكتنف عملية الوحدة أو الانفصال في السودان.

1. موقف الحركة الشعبية من الوحدة والانفصال

إن المتابع لمجمل تصريحات سلفاكير الأخيرة، يلاحظ أنها تتسق مع شخصيته وأفكاره الأساسية، فمن المعروف أن سلفاكير وهو أحد كبار مؤسسي الحركة الشعبية، كان قد أوشك على الانشقاق على "جون قرنق" الزعيم التاريخي للحركة الشعبية، قبيل التوقيع النهائي على الاتفاقية في يناير 2005، بعد أن كانت فترة المفاوضات قد طالت إلى ما يقرب من ثلاثين شهرا. كان سلفا يري أنه ليس هناك داع لإطالة المفاوضات إلى هذه الدرجة، بعد أن حصل الجنوب على مطلبه الأساسي وهو حق تقرير المصير في وقت مبكر من خلال بروتوكول ماشاكوس الذي تم توقيعه في يوليه 2002، وان ما يعطل التوقيع النهائي هو تمسك قرنق بالعديد من القضايا التي كان سلفا يري انها تخص الشماليين، وانه ليس من مصلحة الجنوبيين التوقف طويلا أمامها، وقد تصاعد الموقف بين الرجلين إلى الحد الذي أوشكت معه الحركة على الانشقاق بعد أن اعتصم سلفا في منطقة "يرول" بجنوب السودان، ورفض طلب قرنق الاجتماع به خشية أن يعتقل، ولم تتجاوز الحركة هذه الأزمة إلا بعد عقد اجتماع موسع لقيادات الحركة حضره سلفا بعد ان حصل على الضمانات الكافية لسلامته، حيث قام بتوجيه انتقادات قاسية لجون قرنق الذي تقبل هذه الانتقادات بصبر نظراً إلى تأثير سلفا على قوات الحركة الشعبية، وانتمائه إلى فرع " قوقريال" وهو أحد الأفرع القوية في قبيلة الدينكا، والذي يفوق قوة فرع "بور" الذي ينتمي إليه الراحل قرنق.

وبعد حادث مصرع قرنق المفاجئ في أغسطس 2005، وتولي سلفا زعامة الحركة الشعبية ورئاسة حكومة الجنوب فضلا عن موقع النائب الأول لرئيس الجمهورية، بدأ مشروع السودان الجديد الذي كان يتبناه قرنق في التراجع، بسبب اختلاف ترتيب الأولويات لدي سلفا كير الذي لم يكن يهتم كثيرا بما يحدث في الشمال، وكان يري أن الأولوية هي للتركيز على أوضاع الجنوب حيث يقضي معظم وقته، وكان هذا السلوك محل انتقاد من بعض الذين كانوا يعولون على مشروع السودان الجديد، والذين كانوا يرون أن سلفا منصرف عن ممارسة صلاحياته كنائب أول لرئيس الجمهورية.

وطوال السنوات الماضية كان سلفا كير يدلي بإجابة واحدة تتكرر طوال الوقت، حول السؤال الذي يوجه إليه حول موقفه من قضية الوحدة، الإجابة كانت لا تخرج عن النص التالي "رأيي الشخصي ليس مهما، فأنا لا امتلك سوي صوت واحد، والمهم هو ما سوف يقرره الجنوبيون" وبطبيعة الحال لا تخفى الطبيعة المراوغة لهذه الإجابة التي كانت تعني بوضوح أن سلفا غير متحمس للوحدة، لأنه لو كان مؤيدا لها لأفصح عن موقفه هذا، مع إمكان الاحتفاظ بالشق الثاني من الإجابة الذي يقول بأن أهل الجنوب هم الذين سوف يقررون في النهاية.

بالإضافة إلى ما سبق هناك الكثير من المؤشرات والدلائل التي أفصحت عن نفسها من خلال الأزمات المتوالية بين شريكي حكومة الوحدة الوطنية طوال السنوات الخمس الماضية من عمر اتفاقية نيفاشا، والتي أوضحت بجلاء أن قضية الوحدة لم تكن تشغل ذهن القادة الجنوبيين، بل إن الحديث عنها بين وقت وآخر كان من أجل توظيفها في الصراع السياسي مع حزب المؤتمر الوطني. هذا التوظيف كان في كثير من الحالات يأخذ شكل الابتزاز الساعي إلى حشد نوع من التعبئة لصالح الحركة الشعبية ضد حزب المؤتمر عبر تحميله مسؤولية عدم بذل الجهد الكافي من أجل الوحدة، في الوقت الذي قامت فيه الحركة بالعديد من الإجراءات التي توضح مخططها للانفصال مثل : تخصيص كود دولي مستقل للاتصالات الهاتفية يختلف عن الكود المعمول به للسودان، وتغيير مناهج التعليم وجعلها باللغة الانجليزية، والسعي إلى توقيع اتفاقيات منفردة للتنقيب عن البترول – بالمخالفة لاتفاقية نيفاشا- بعيدا عن الحكومة القومية ومفوضية البترول التابعة لها.

وفي الوقت الحالي أشارت بعض التقارير إلى إنجاز مسودة الدستور للدولة الجنوبية المنتظرة بواسطة معهد ماكس بلانك الألماني، بالإضافة إلى الدراسات الخاصة بمشروع خط للسكة حديد للربط مع كينيا، بغرض التواصل التجاري والاقتصادي، واتخاذ ميناء "مومباسا" الكيني منفذاً للتصدير والاستيراد، وأيضا لتصدير النفط الجنوبي في المستقبل. كما أعلن د. كوستيلو قرنق، المستشار الخاص لسلفا كير ميارديت، إن بناء دولة مستقلة في الجنوب ليست بالصعوبة التي يتوقعها بعض الشماليين، وكشف عن بعض الحوارات بين الشريكين عن كيفية إدارة البلاد عقب إجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، وقال إنه إذا حدثت الوحدة فسوف تحتفظ البلاد بالتركيبة الحالية أو تقوية النظام الفيدرالي. وقال المسؤول الجنوبي إنه في حالة انفصال الجنوب، فإن ما يحدث سيكون مجرد حل بعض المؤسسات مثل القوات المشتركة، ويصبح الجيش الشعبي بمثابة قوات دولة الجنوب الجديدة، بالإضافة لحل مؤسسة الرئاسة وأضاف أن الجنوب سيحتاج فقط لسك العملة الخاصة به، وأن نواة الانفصال موجودة في حالة حدوثه ولن يبدأ الجنوب من الصفر.

وهكذا فإن دعوة سلفا كير للجنوبيين بالتصويت للانفصال لم تكن عملا مفاجئا، غير أنها أشارت صريحاً إلى التوجه الفعلي للجنوب نحو الانفصال، في الوقت الذي ظل فيه القادة الجنوبيون حريصون لوقت طويل، على الإبقاء على نوع من الموقف "الغامض" الذي يقول بأن "الوحدة ليست جاذبة للجنوبيين طبقا للأوضاع الحالية "، ثم يتبعون ذلك مباشرة بعبارة أخرى تقول " إلا أنه مازلت هناك فرصة يمكن استغلالها " ومن الواضح أن الهدف من هذا المسلك هو المناورة بقرار الانفصال، من أجل الوصول بسلام وبدون صعاب أو معوقات إلى الموعد المحدد للاستفتاء على حق تقرير المصير، حتى يمكن الحصول على المشروعية القانونية للدولة الجديدة دون مشكلات، حيث إن المخاوف الرئيسية للجنوبيين تتركز في الخشية من وقوع اضطرابات كبيرة أو تفلتات أمنية نتيجة لأية أزمة هنا أو هناك، هذه الأزمات قد تخرج عن السيطرة، وقد تتخذ وسيلة لعدم اجراء الاستفتاء أو المطالبة بتأجيله وفي هذه الحالة فان انفصال الجنوب لن يكون مشروعا من الناحية القانونية، حتى لو كان قائما من الناحية العملية أو بسياسة الأمر الواقع، حيث يبقي بإمكان حكومة الخرطوم أو القوي السياسية السودانية الحريصة على الوحدة القول بأن الجنوب لايزال جزءا غير منفصل من السودان، الأمر الذي قد يفتح العديد من الأبواب التي يمكن استغلالها أو توجيهها أو تكيفها حسب الحاجة وما تقتضيه الظروف.

غير أن تصريحات سلفا هذه لم تخل من فائدة، فالتوجه الجنوبي نحو الانفصال قد بات أمراً واقعا لا يمكن إنكاره أو تجاهله، وفي الوقت نفسه لا يمكن لأحد أن يلوم الجنوبيين على اختيارهم الانفصال – بغض النظر عن الأسباب أو المسوغات – فهذا حق تعاقدي ملزم وقعت عليه حكومة السودان بمحض إرادتها واختيارها في بروتوكول ماشاكوس في 20 يوليه 2002، وكان هذا التوقيع محل رضا وتوافق عام من كل القوي السياسية الأساسية في الشمال، عبر الموافقة على مقررات مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا1995.. ومن ثم إذا قرر الجنوب أن ينفصل وينشئ دولته المستقلة فهذا حقه. كما أنه من الواضح أن الاستمرار في سياسة المداراة والمواربة، أو التصريحات والمواقف التي تحمل أكثر من وجه لن تخدم الاستقرار في السودان، أو تؤدي إلى تحويل الوحدة إلى عمل جاذب، بل أنها سوف تؤدي إلى وقوع الانفصال دون وجود الاستعداد الواجب له، وكأنه أمر مفاجئ في الوقت الذي يعلم الجميع فيه أنه أصبح على بعد خطوات.

أما سياسة الإفصاح والإعلان عن النوايا، فإنها رغم مرارة الانفصال قد تتيح فرصة أفضل لمناقشة الكثير من التحديات والمشكلات التي سوف تنجم عنه، والتي ينبغي بحثها بقدر كبير من الدقة والتأني، حتى يمكن استكشاف الحلول والمخارج المناسبة لها.

2. مواقف القوى السياسية

الموقف المعلن لحزب المؤتمر الوطني، الشريك القوي في اتفاقية السلام الشامل وفي حكومة الوحدة الوطنية كما يرد في تصريحات الرئيس عمر البشير، ونائبه علي عثمان طه، هو تأكيد الالتزام والتمسك بتطبيق نصوص اتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي الذي بني عليها والعمل معا (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) على تحقيق الوحدة الجاذبة عبر الاستفتاء الشعبي. غير أنه يمكن القول أن حزب المؤتمر الوطني لم يفعل الشئ الكثير من أجل الوحدة، وربما لأنه لا يمتلك إستراتيجية واضحة للحفاظ على الوحدة، بل يبدو للكثير من المراقبين أن هناك بعض الأجنحة داخل المؤتمر الوطني غير متحمسة للإبقاء على الوحدة وترى أن العلاقة مع الحركة الشعبية خاصة أو مع الجنوبيين بعامة لن تكون ايجابية، ومن الصعب أن تفضي إلى تفاهمات مستقرة، بسبب كثرة شكاوي الجنوبيين وشعورهم الدائم بانهم يعاملون مواطنين من الدرجة الثانية. وعلى الناحية الأخرى يبدو أن الإستراتيجية الأساسية لحزب المؤتمر هي تدعيم مواقعه في السلطة باستخدام كل الوسائل الممكنة، والعمل على إضعاف فرص أية قوة سياسية سودانية في منافسته على السلطة عبر حزمة من السياسات والتكتيكات، من بينها تشجيع الانشقاقات في أحزاب المعارضة، والسعي إلى استقطاب عناصرها الفاعلة عبر انضمامها إلى حزب المؤتمر الوطني، أو الخروج عن أحزابها الأصلية وتكوين أحزاب جديدة، وفي هذا الإطار يمكن فهم حالة التأخر الدائمة في انجاز بعض الاستحقاقات الأساسية في اتفاقية نيفاشا مثل ترسيم الحدود الفاصلة بين الين الشمالي والجنوبي، لارتباط ذلك بقضايا أخرى مثل التحديد الدقيق لمواقع آبار النفط، وأيضا لجمع عدد أكبر من الأوراق لاستخدامها في المساومات مع الحركة الشعبية عبر علاقة التشاحن المستمرة بين الطرفين.

وفيما يتعلق بقضية الوحدة والانفصال، تجدر الإشارة هنا إلى أن المسؤولية عن إدراج حق تقرير المصير في الحياة السياسية السودانية تعود بالأساس إلى نظام الإنقاذ الحالي الذي يقوده حزب المؤتمر الوطني، من خلال القفزات الأساسية التي قام بها في هذا المجال بدءا من تفاهمات علي الحاج ولام أكول في فرانكفورت 1992، حيث أدى ذلك إلى اعتراف القوي السياسية الشمالية التي كانت منضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي المعارض، إلى الاعتراف بحق تقرير المصير لجنوب السودان في مؤتمر القضايا المصيره في أسمرا 1995، ثمناً لالتحاق الحركة الشعبية بالتجمع، لأن الحركة الشعبية كانت هي الطرف الحامل للسلاح في وجه نظام الإنقاذ، ثم تلا ذلك اتفاقيتا الخرطوم وفاشودة اللتان وقعهما نظام الإنقاذ في عام 1997 مع بعض الفصائل الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية واعترف فيهما بحق تقرير المصير في الدستور السوداني الذي أقر عام 1998، ثم جري التوقيع على هذا الحق وصار ملزماً وبحضور دولي في بروتوكول ماشاكوس في 20 يوليه 2002 كما هو معلوم، إلى أن وصل السودان في الوقت الحالي إلى اللحظة التي أصبح مواجها فيها بعدة سيناريوهات أو احتمالات تتدرج مابين الانفصال والتفكك والفوضى.

أما موقف الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى، فإن أهمها هو موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يصر على الالتزام بوحدة السودان والتمسك بها، ويعدها خطا أحمر لايجب تجاوزه، رغم أن الحزب الاتحادي ورئيسه محمد عثمان الميرغني، كان ضمن الموقعين على مقررات القضايا المصيرية في اسمرا عام 1995 ومن بينها حق تقرير المصير للجنوب، إلا أن الميرغني يقول إنه وقع اتفاقية نوفمبر 1988 مع رئيس الحركة الشعبية، جون قرنق في أديس أبابا، وأن هذه الاتفاقية نصت على وحدة السودان، شماله وجنوبه، وأن توقيع المقررات المصيرية في اسمرا كان مشروطا بالعمل من أجل الحفاظ على الوحدة، لكي تكون طوعية واختيارية، وقد دعا الحزب الاتحادي إلى ضرورة تبني مصر لمبادرة لجمع الأطراف السودانية جميعا للحوار على غرار المساعي المصرية في الشأن الفلسطيني، لإنقاذ الوحدة قبل فوات الأوان.

أما حزب الأمة القومي الذي يتزعمه الصادق المهدي، فيري " أن الانفصال ضار وينبغي توضيح أنه مثقل بالمشكلات وواجب قيادة الشمال والجنوب تجنبه، وواجب على القيادات الجنوبية التخلي عن الشكوى من دونية المواطنة والتركيز على الضمانات المطلوبة للعدالة والمساواة مستقبلا، والواجب على القيادات الشمالية ما ينبغي الالتزام به دينيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بل دوليا لجعل السودان وطنا مشتركا لكل سكانه وعادلا بينهم" إلا أن الصادق المهدي ونتيجة لحسابات السياسة الواقعية التي لا يستطيع أن يتجنبها، يضيف " أنه أذا وقع الانفصال فيجب أن لا يقوم على أسس عدائية " كما دعا خلال فعاليات مؤتمر جوبا للقوي المعارضة والذي انعقد في أغسطس 2009، إلى أنه في حالة وقوع الانفصال فإنه يجب العمل على أن يكون هناك جوار أخوي بين الشمال والجنوب وإقامة علاقة تعاون بين الطرفين لتحقيق المصالح المشترك كما أيد "الصادق المهدي" موقف الحركة الشعبية الداعي إلى أن تكون النسبة المطلوبة لإجازة الانفصال هي "50% زائد واحد" أي 51% ".

في هذا السياق يبرز أيضا موقف حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده حسن الترابي والذي يطالب بالمضي في اتفاقية نيفاشا إلى منتهاها وإجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير، دون تعقيدات أو معوقات، كما يؤيد ان تكون النسبة المطلوبة للانفصال هي 51% وقد شارك الترابي في فعاليات مؤتمر جوبا وأشار في تصريحات له إلى أن الاتجاه الغالب في الجنوب هو الرغبة في الانفصال.

رابعاً: قانون الاستفتاء على حق تقرير المصير

بعد الكثير من الشد والجذب والمناورات السياسية، اتفق طرفا حكومة الوحدة الوطنية (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ) على مسودة قانون الاستفتاء وأجازها بالفعل في المجلس الوطني الانتقالي (البرلمان) في نهاية ديسمبر 2009.

وقد كانت المعالم الرئيسية للخلاف بين الطرفين حول قانون الاستفتاء تتمحور حول مطالبة المؤتمر الوطني بأن تكون النسبة المطلوبة لاجازة انفصال الجنوب هي 75% ثم تراجع عن هذا الموقف إلى المطالبة بأن تكون النسبة المطلوبة هي 66% ،شريطة أن يشارك في التصويت في الاستفتاء ثلثا الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وإلا فإن الاستفتاء يعد غير مشروع من الناحية القانونية، وفي المقابل كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان تري ان هذا الموقف يمثل تعسفا غير مبرر، ويعد خروجا على السوابق العالمية المماثلة، وأن حزب المؤتمر الوطني يهدف إلى تصعيب ممارسة الجنوبيين لحقهم في تقرير المصير، وأن هذه الطريقة تسلب بالشمال ما أعطته اتفاقية نيفاشا باليمين، وأنه يكفي مشاركة "50% زائد واحد" ممن يحق لهم التصويت، كما ان هذه النسبة نفسها كافية لإقرار مشروعية الانفصال.

وفي الوقت نفسه كانت هناك ثمة خلافات أخرى حول إجراء مراكز للتصويت في الاستفتاء في شمال السودان أو في خارج البلاد أم قصرها على الجنوب فقط.

وفي نهاية المطاف توصل الطرفان إلى نوع من الحل الوسط، حيث جاءت أهم ملامح مشروع القانون المقدم إلى البرلمان على النحو التالي :

1. يمارس شعب جنوب السودان حق تقرير المصير من خلال الاستفتاء لتحديد وضعهم المستقبلي وفقا لأحكام اتفاقية السلام الشامل والدستور وهذا القانون.

2. يجري الاستفتاء في جنوب السودان وأية مواقع أخرى ( تشمل مناطق في شمال السودان أو في خارج البلاد ) قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية، وتنظمه المفوضية بالتعاون مع الحكومة وحكومة جنوب السودان وبمراقبة دولية.

3. يصوت شعب جنوب السودان عند ممارسته حق تقرير المصير من خلال الاستفتاء بالتصويت إما لتأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل والدستور، أو الانفصال.

4. يشترط في الناخب أن يكون مولودا من أبوين ينتمي كلاهما أو أحدهما إلى أي من المجموعات الأصلية المستوطنة في جنوب السودان في أو قبل الأول من يناير 1956م أو تعود أصوله إلى أحد الأصول الإثنية في جنوب السودان أو أن يكون مقيما إقامة دائمة متواصلة دون انقطاع أو أي من الأبوين أو الجدين مقيما إقامة دائمة ومتواصلة دون انقطاع في جنوب السودان منذ الأول من يناير 1956م

5. يعد استفتاء جنوب السودان قانونياً إذا اقترع مالا يقل عن (60%) من عدد الناخبين المسجلين وإذا لم يكتمل النصاب يعاد الاستفتاء بنفس الشروط خلال ستين يوما من تاريخ إعلان النتيجة النهائية.

6. تكون نتيجة الاستفتاء على الخيار الذي حصل على الأغلبية البسيطة (50+1) لأصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم حول أحد الخيارين، وهما إما تأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل أو الانفصال.

خامساً: الانتخابات السودانية (الرئاسية والبرلمانية والولائية) أبريل 2010

1. جرت الانتخابات السودانية خلال الفترة من 11 إلى 15 ابريل وقد حرص الإعلام السوداني على إبراز الأجواء الهادئة التي سادت خلال الانتخابات، كما حرصت الحكومة على السماح لكافة ممثلي وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية بنقل الصور الحية من مراكز التصويت إضافة إلى دعوة الكثير من منظمات المجتمع المدني لمراقبة مراكز الاقتراع، إلا أن كل هذه المظاهر لم تقنع أحزاب المعارضة بالاعتراف بنتائج هذه الانتخابات، واتفق المراقبون على أن الانتخابات السودانية اتسمت بدرجة عالية من التعقيد وربما وصفها البعض بأنها كانت الأكثر تعقيدا في العالم، لأنها جمعت بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية في آن واحد، كما أنه جري خلالها انتخاب 60% من نواب المجلس الوطني (البرلمان) ومجالس الولايات وفق نظام الدائرة الانتخابية الفردية في حين تم انتخاب ال40% الباقين بنظام القوائم الانتخابية (25% للنساء و15% للأحزاب السياسية)، وما زاد من صعوبة الأمر وتعقيده بالنسبة للسكان في الجنوب أنهم لم يدخلوا من قبل مثل هذه التجربة الديمقراطية بهذا المستوي، إضافة إلى انخفاض في نسبة الوعي المرتبطة بزيادة نسبة الأمية على 70% بين سكان الجنوب.

2. لقد كان إجراء الانتخابات استحقاقا أوصت به اتفاقية السلام الشاملة التي وقعت في 9 يناير 2005 وأنهت حربا أهلية استمرت لأكثر من عقدين بين شمال السودان وجنوبه، ومن ثم تقدم إليها 12 مرشحا لرئاسة الجمهورية تم قبولهم جميعا غير أن 4 من مرشحي أحزاب المعارضة والحركة الشعبية انسحبوا من السباق وهم : الصادق المهدي، مرشح حزب الأمة القومي، وياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية، ومحمد إبراهيم فقد مرشح الحزب الشيوعي، ومبارك الفاضل، مرشح حزب الأمة " الإصلاح والتجديد " كما خاض السباق على رئاسة حكومة الجنوب مرشحان هما سلفاكير، ولام أكول.

3. شارك في السباق 13850 مرشحا للمناصب التنفيذية : حكام الولايات "ولاة" والبرلمان القومي، والبرلمانات الولائية. وما أن أعلنت المفوضية العامة للانتخابات النتائج الأولية للانتخابات، حتى سارعت أحزاب المعارضة الرئيسية بإعلان رفضها لهذه الانتخابات، ووجهت الاتهامات بالتزوير للحكومة السودانية التي ردت بدورها بأن زعماء المعارضة قد حكموا بالتزوير على الانتخابات حتى قبيل إجرائها.

4. مواقف الأحزاب الرئيسية من الانتخابات

لم تقف الأحزاب الرئيسية على مسافة واحدة من نتائج الانتخابات السودانية فبينما أعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب المؤتمر الشعبي، الحزبان المعارضان الرئيسان المشاركان في الانتخابات السودانية، رفضهما لنتائجها لأنها لا تمثل الإرادة الحقيقية للشعب السوداني ،فقد أعلنت الحركة الشعبية قبولها لنتائج الانتخابات بموجب اتفاق مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم فيما أعلنت بقية الأحزاب التي قاطعت الانتخابات رفضها للنتائج جملة وتفضيلا.

أ. الحزب الاتحادي الديمقراطي: ووفقا لبيان صادر عن مرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي، "حاتم السر"، أعلن "رفضه التام وعدم اعترافه بنتائج انتخابات رئاسة الجمهورية وما يترتب عليها من خطوات لاحقة باعتبار أن هذه النتيجة لم تعكس التمثيل الحقيقي لأهل السودان"، وكانت مزاعم قد انتشرت على نطاق واسع حول حصول عمليات تلاعب بأصوات الناخبين ،سواء من قبل أنصار البشير في شمال البلاد، أو من قبل أنصار الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب وهي اتهامات وجهت من غالبية القوي المشاركة في الانتخابات.

ب. حزب المؤتمر الشعبي: أما موقف حزب المؤتمر الشعبي فقد عبر عنه حسن الترابي زعيم الحزب، حيث أكد أن الحزب لن يشارك في المؤسسات المنبثقة عن الانتخابات التعددية الأولى التي نظمت في السودان منذ ربع قرن، متهما حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالتزوير، وكشف الترابي عن أنه بسبب عمليات التزوير التي حدثت فإنه لم ينل، وهو مرشح عن حزبه في القائمة الحزبية للبرلمان القومي إلا نسبة 2 في المائة فقط من الأصوات، وأن من ينل أقل من نسبة 4% لا يحق له الفرز، حيث يتم شطبه.

ج. حزب الأمة: أما حزب الأمة بجناحيه القومي والإصلاح والتجديد، فقد أعلن رفضه نتائج الانتخابات التي قاطعها من الأساس، وخصص زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، جولة خارجية، عقب الانتخابات شن خلالها حملة إعلامية لتأكيد موقف حزبه الرافض لهذه الانتخابات وإفرازاتها وبالإضافة إلى الاتهامات بالتزوير التي يشترك فيها المهدي مع بقية الأحزاب، فإنه اتهم الحكومة بالتدبير لانفصال الجنوب "انفصالا عدائيا" مؤكدا أن حصول الرئيس البشير على ما نسبته 90% من أصوات الناخبين في ولايات شمال السودان وعدم تمكنه من حصد أصوات الناخبين في الولايات الجنوبية مؤشر على اتجاه إرادة أبناء الجنوب للاصطفاف خلف مرشح الجنوب ياسر عرمان، رغم انسحاب الأخير من السباق الرئاسي وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات برمتها. وأوضح المهدي أن حزب الأمة القومي يري في هذه النتائج "تعميقا للاحتقان السياسي " بين الشمال والجنوب قبل تسعة أشهر من إجراء الاستفتاء على تقرير المصير، وهو ما ينذر بحتمية انفصال الجنوب خلال الاستفتاء المزمع إجراءه في يناير 2011، واتهم المهدي حكومة المؤتمر الوطني بتكريس هذا الواقع الانفصالي عبر جملة من السياسات التي أدت في مجملها إلى تهميش الجنوب لدفع أبنائه دفعا باتجاه التصويت لصالح انفصال الجنوب.

د. الحركة الشعبية : وإذا كانت الأحزاب السودانية قد اتفقت على عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، فإن موقف الحركة الشعبية جاء مغايرا، حيث اتسم الموقف بالتردد وعدم الحسم خلال المراحل المختلفة للانتخابات، فهي من ناحية وافقت على خوض الانتخابات بوصفها شريكا في الحكم في حكومة الوحدة الوطنية في بادئ الأمر، واستمرت في الدفع بمرشحيها في المستويات المختلفة : الولائية والبرلمانية والقومية والرئاسية، لكنها أعلنت انسحابها من الانتخابات الرئاسية فقط، واستمرت في بقية المستويات، ما ألقي بالشكوك حول حقيقة نوايا الحركة.

كما أن عددا من المتابعين للشأن السوداني فسر هذا التردد بوجود " صفقة سياسية " بين حزبي المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية على أن تقبل بنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولا تطعن في هذه النتائج في مقابل أن يقبل المؤتمر الوطني بنتائج الاستفتاء ولا يطعن فيها.

ومما عزز من هذه الأقوال ما أعلنه "علي عثمان محمد طه" النائب الثاني للرئيس السوداني، بعد لقائه رئيس حكومة الجنوب "سلفا كير" في جوبا، عاصمة الجنوب " أجرينا لقاء إيجابيا، التزمنا بقبول نتائج الانتخابات حسبما تعلن عنه المفوضية القومية للانتخابات وقبول مايقرره القضاء بشأن الطعون".

وأضاف طه " أنه تم الاتفاق مع سلفاكير على ضرورة المضي قدما في تنفيذ بنود اتفاقية معاهدة السلام الموقعة بين الطرفين في 2005، وفي مقدمتها ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب والاستعداد لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان في العام المقبل ".

وأوضح طه أن الجانبين اتفقا على التسريع بتشكيل أجهزة الحكم الاتحادية بين الجنوب والشمال لإجراء استفتاء جنوب السودان في جو من الشفافية.

5. وفي محاولة لاحتواء زعماء الأحزاب المعارضة وجه الحزب الحاكم الدعوة إلى جماعات المعارضة، بما في ذلك الأحزاب السياسية التي قاطعت الانتخابات، للمشاركة في الحكومة هذه الدعوة لم تأت عقب الانتخابات، بل جاءت أثناء عملية التصويت حيث قال العضو البارز في الحزب الحاكم غازي صلاح الدين :" إذا أعلن فوزنا بالانتخابات، فسنوجه الدعوة لكل الأحزاب، حتى تلك التي لم تشارك لكي تشترك معنا في الحكومة، لأن تلك لحظة حرجة في تاريخنا" ورأي المراقبون في تلك الخطوة محاولة لرأب الصدع الناجم عن اتهامات المعارضة للحكومة بالتلاعب والتزوير في الانتخابات كما عدها آخرون محاولة لإضفاء مزيد من الشرعية على الانتخابات من خلال استقطاب رموز هذه الأحزاب ودمجهم في مناصب تنفيذية.

6. وفي ضوء ما أسفرت عنه الانتخابات من هيمنة كاملة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم على مقاليد الأمور واحتفاظ الرئيس السوداني عمر حسن البشير برئاسة البلاد، وتقوية مركزه الشعبي واكتسابه شرعية دستورية تمكنه من حسم العديد من الملفات يمكن رصد عدد من السياسات التي أقدم عليها النظام الحاكم في التعاطي مع الملفات الرئيسية، ولاسيما ملفات دارفور والمحكمة الجنائية وتقرير مصير الجنوب على النحو التالي:

أ. ملف دارفور: إن إجراء الانتخابات في ولايات دارفور كان يمثل تحدياً للنظام السوداني، وقد أدى نجاحه في اجتياز هذا الاختبار إلى تحقيق عدد من الأهداف في مقدمتها إعطاء إشارات إيجابية للغرب المتربص بالسودان بأن دارفور ليست بالصورة السيئة التي يرسمها الإعلام الغربي، حيث تمت عملية الاقتراع بسهولة بالغة، ولم تحدث أعمال من شأنها الإضرار بجوهر عملية التصويت، وهذا وحده كان بعيد المنال واستطاع أن يحسن كثيراً وجه النظام أمام المجتمع الدولي.

كما كان اختيار أبناء دارفور لممثلين لهم في البرلمانات الولائية والبرلمان القومي حيث بلغ عدد الأعضاء في المجلس الوطني خمسين نائباً إنجازاً كبيراً، استثمرته الحكومة السودانية جيداً في تغيير قواعد اللعبة في دارفور، حيث سعت إلى استبدال النواب المنتخبين بقادة حركات التمرد المسلح ومن ثم ستقدم على التفاوض معهم بوصفهم ممثلين لأبناء دارفور، وسوف تسرع في إنجاز تسوية سياسية مع هؤلاء النواب وإقصاء قادة الحركات الذين أصبحوا – بعد الانتخابات – فاقدين للشرعية الشعبية، فإما أن يقبلوا بما تعرضه الحكومة أو استبدال الممثلين الجدد بهم.

ب. ملف المحكمة الجنائية: خرج الرئيس السوداني عمر البشير من هذه الانتخابات وقد حقق شرعية دستورية وشعبية ستمكنه من التصدي لأية محاولات لتوقيفه من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، حيث ستمثل هذه الشرعية حصانة إضافية للرئيس الذي كثيرا ما شككت هذه الدوائر القانونية في شرعيته بالادعاء بأنه أتى إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري، ومن ثم فإن حدة المطالبات بتوقيف الرئيس السوداني سوف تخبو وتنزوي وتتراجع بعد ان حصل على تفويض شعبي من الأكثرية، ووفقا للآليات الديمقراطية التي يعتمدها الغرب أساساً للحكم على شرعية النظم الأخرى.

فإذا ما أخذنا في الاعتبار الأقوال التي تري أن ثمة صفقة بين الحكومة والحركة الشعبية على قبول الأخيرة لنتائج الانتخابات مقابل اعتراف الحكومة بنتائج الاستفتاء، ومن ثم قبول انفصال الجنوب فإن الغرب – ولأغراض تتعلق بمصالحه الإستراتيجية – سوف يغض الطرف عن المطالبة بتفعيل مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية مقابل أن تغمض الحكومة عينيها عن الاستفتاء ولا تضع معوقات أمام إجرائه في موعده.

ج. تقرير مصير الجنوب: يرى المراقبون أن هنالك تصورين للتعامل مع مسالة تقرير مصير جنوب السودان هما:

(1) سيناريو الانفصال

أصحاب هذا السيناريو يرون أن الانتخابات السودانية وما أفرزته من نتائج ثبتت التوجهات الانفصالية لأبناء الجنوب حيث حقق الفريق أول سلفاكير ميارديت، النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب فوزا كاسحا في الانتخابات، وهو ما يعكس الوزن السياسي للحركة الشعبية بما يعنيه ذلك من اختيار الجنوبيين لأجندة الحركة الرامية إلى إقامة دولة مستقلة في جنوب السودان.

ويعزز أنصار هذا السيناريو موقفهم بوجود قوى دولية (إسرائيل والولايات المتحدة ) تدفع باتجاه انفصال الجنوب وتحوله إلى دولة مستقلة بما يحقق مصالح هذه القوى، ويضيف أنصار سيناريو الانفصال مبررات إضافية، مؤداها أن الحكومة السودانية لم تستطع عبر السنوات الأربع الماضية أن تنفذ مشروعات تنموية كبري تجعل من الوحدة خيارا جاذبا لأبناء الجنوب، ومن ثم سيطمح هؤلاء إلى أن تكون الدولة الوليدة الملاذ الأخير لهم لإنقاذهم من مستنقع التهميش، حيث ستكون مواردهم بأيديهم دون مشاركة من أبناء الشمال لهم.

(2) سيناريو الوحدة

يرى أنصار هذا السيناريو أن الانتخابات لم تفرز واقعا جديدا في الجنوب تحديدا، حيث يعتقد المراقبون أن ثمة تدخلات فجة من الجيش الشعبي في عملية التصويت، وأن هذه التدخلات تمت تحت سمع وبصر الحكومة، كما أن منظمات المجتمع المدني الغربية غضت الطرف عن هذه التجاوزات، أو ربما سعت إلى أن تكون النتيجة على هذا النحو كما ذكر ذلك المتحدث باسم الإدارة الأمريكية صراحة ومن ثم فإذا جري الاستفتاء بمعزل عن سيطرة الحركة الشعبية وعن التدخل الغربي فإن إرادة أبناء الجنوب ستتجه إلى خيار الوحدة.

7. خلاصة القول إن الانتخابات السودانية قد خلقت واقعا سياسيا جديدا في السودان على مختلف الأصعدة، وإن إدارة الحكومة السودانية لمرحلة ما بعد الانتخابات سوف يتوقف عليها ليس فقط تحديد مصير جنوب السودان، بل إنها ستحدد مصير السودان برمته كما أن الإرهاصات الأولية تشير إلى رغبة قوية لدي حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي خرج من هذه الانتخابات منتصراً في حسم كافة الملفات الجوهرية لصالحه، وإن بدا ظاهريا انه حريص على مشاركة واسعة من مختلف القوي والتيارات السياسية تحت مسمي تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة.

في التاسع عشر من سبتمبر 2010 جدد سلفاكير رئيس حكومة الجنوب السوداني تمسكه بإجراء استفتاء الجنوب في موعده في التاسع من يناير المقبل معلنا رفضه التام أن يقدم الجنوب السوداني أي تنازلات نفطية مقابل الحصول على استقلاله عن الشمال.

وحذر سلفاكير في كلمة له بواشنطن من أن السودان يواجه مخاطر الانزلاق نحو موجة قوية من العنف في حال تأخير أو تأجيل الاستفتاء على انفصال الجنوب، وأكد أن هناك شعورا متزايدا بأن "الوحدة ليست خيارا".

وقال إن حكومته تعكف حاليا على وضع التفاصيل النهائية بشأن قضايا مثل الحدود والمواطنة بالإضافة إلى إيجاد صيغة مقبولة من الطرفين حول كيفية اقتسام إيرادات النفط في البلاد بين شمال وجنوب السودان.

في الثاني عشر من أكتوبر 2010 أعلنت مصادر سودانية أن الجيش الشعبي يحرك مدرعات على الحدود بين الشمال والجنوب، وأكدت أن الحركة الشعبية الحاكمة للجنوب السوداني بدأت في تنفيذ مخطط يقوم على نشر أكبر عدد من قوات الجيش الشعبي – الجناح العسكري للحركة ـ على الحدود بين الشمال والجنوب فيما وجهت الحركة الموالين لها في الشمال بالتحرك إلى الجنوب.

وأضافت المصادر – في تصريحات لصحيفة الرأي العام - ان توجيهات صدرت الأسبوع الماضي لسلاح المدفعية بمدينة ياي بالتحرك إلى مناطق التماس مع الشمال وتحديدا منطقة أبيي فيما تم رصد تحرك (20) مدرعة من منطقة "بنية" شرق الاستوائية باتجاه أبيي الاثنين الماضي إضافة لتحرك (20) مدرعة أخرى في اليوم التالي مباشرة في وقت اتهمت فيه قيادات بقبيلة المسيرية الجيش الشعبي بنشر (700) فرد من قواته بكامل عدتهم في منطقتي أبو غزالة وأبو خريط شمال أبيي وأشارت إلى أن الجيش الشعبي يقوم باتصالات مكثفة بغرض إرسال (7) آلاف من أبناء الجنوب بالجيش الأمريكي وقوات المارينز إلى الجنوب للعمل على تدريب الجيش الشعبي والمشاركة في تأمين الجنوب في الاستفتاء والاستفادة منهم في الإدلاء بأصواتهم في حق تقرير المصير.

من جهة أخرى قالت الصحيفة السودانية نقلا عن مصادرها أن الحركة وجهت كوادرها الجنوبية الموجودة في الشمال بالتحرك إلى الجنوب لتفريغ الشمال من الوجود الجنوبي، وضمان التأثير عليهم للتصويت لخيار الانفصال كما صدرت تعليمات لجميع العسكريين من أبناء النوبة والنيل الأزرق في الجيش الشعبي بالتحرك إلى الرئاسات العسكرية في مناطقهم.

وفي السياق نفسه اتهم "أحمد إبراهيم الطاهر" رئيس البرلمان السوداني الحركة الشعبية الشريك الثاني في الحكم بأنها تبيت النية لإشعال حرب جديدة بين الشمال والجنوب، موضحا أن استفتاء منطقة أبيي مرهون بالتوصل إلى اتفاق حولها بين الشريكين ووصف الطاهر مواقف الحركة بالمتناقضة، وقال أن الحركة تهدد الآن باستخدام العنف وتعمد لخرق اتفاقية السلام الشامل وفي الوقت نفسه تعلن رغبتها في السلام وذكر أنه في حال الانفصال فإن النواب الجنوبيين المقدر عددهم بنحو 99 نائبا إلى جانب وزرائه الثمانية سيعودون إلى منطقتهم.

في السادس عشر من أكتوبر 2010 أعلن مسؤول بارز في الأمم المتحدة أنه صدرت أوامر لنشر تعزيزات من قوات حفظ السلام الدولية على طول خطوط التماس الساخنة بين شمال السودان وجنوبه، لمنع اندلاع العنف قبيل استفتاء تقرير المصير في الجنوب، المقرر في التاسع من يناير 2011 وكان ذلك الإجراء بناء على طلب من زعماء الجنوب السوداني، وقد انتقدت الخرطوم هذا الإجراء، كما رفضت خطة الأمم المتحدة بشأن إقامة منطقة حدودية عازلة بين شمال السودان وجنوبه ووصف "ربيع عبدالعاطي" القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم قرار الأمم المتحدة بأنه أحادي الجانب ولا يتفق مع سياسة السودان، وفي السابع عشر من أكتوبر 2010 أعلنت الخرطوم أنه لا يوجد قانون دولي يسمح بنشر قوات دولية دون موافقة حكومة السودان، وأشارت إلى أن اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب والمعترف بها دوليا بها آليات تضمن عدم تأخير الاستفتاء واحتواء أي نزاع مستقبلي.

وفي التاسع عشر من أكتوبر 2010 أكدت الأمم المتحدة أنها بصدد إرسال مائة جندي إضافي إلى منطقة أبيي المنتجة للنفط بالسودان لتعزيز الأمن قبل الاستفتاء يمكن أن وقال "هايلي منقريوس" المبعوث الخاص للأمم المتحدة في السودان للصحفيين أمس ان بعثة الأمم المتحدة تجري تعديلات في نشر قواتها الموجودة في منطقة وقف إطلاق النار لتخفيف التوترات أينما وجدت وأضاف منقريوس انه لم يتخذ قرارا بعد بشأن زيادة بعثة الأمم المتحدة المؤلفة من عشرة آلاف رجل لمراقبة منطقة عازلة على طول الحدود المتنازع عليها بين الشمال والجنوب.

سادساً: مؤشرات وشواهد اتجاه الجنوب إلى الانفصال

1. منذ شهور والجنوب يشهد كل يوم مظاهرات صاخبة تدعوا للاستقلال والانفصال عن الشمال وبدأت سحب الجفاء تغطي سماء السودان بين أبناء الشعب الواحد الذي يمضي نحو هذه النهاية المؤسفة..ولكن الشئ المؤكد انه يجري الآن في جوبا عاصمة الجنوب الجديدة تشكيل حكومة الاستقلال.

2. كل المؤشرات تقول أن الجنوب يسير في اتجاه الانفصال..حيث أعلن النشيد الوطني للدولة الجديدة باللغة الانجليزية ضمن مسابقة لاختيار الكلمات..وبدأ النشيد الجديد يطوف أرجاء جنوب السودان. ومع النشيد صفقات لشراء الأسلحة منها عشرة طائرات هليكوبتر وطائرات حربية، واستعدادات ضخمة لتكوين الجيش الجديد بدعم أمريكي إسرائيلي أوروبي. ويقال في سراديب السياسة إن أمريكا قدمت دعما عسكريا ومعدات حربية حديثة لجنوب السودان طوال السنوات الماضية ومنذ توقيع اتفاقية السلام. بل أنها أشرفت على إنشاء جهاز الشرطة في جنوب السودان وقدمت معونات لهذا الغرض تزيد على 30 مليون دولار خلال عامين فقط. والأخطر من ذلك أن عشرات المدرعات والعربات المصفحة أخذت مواقعها الآن على الحدود بين الشمال والجنوب وان جيش الجنوب لا يستبعد مواجهة عسكرية.

3. لم يتردد الرئيس أوباما في أن يعلن صراحة ضرورة أن يتم الاستفتاء في موعده، وهو بكل تأكيد يعرف نتائجه مسبقاً ولم تتردد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن تقول أن انفصال جنوب السودان أصبح أمراً حتمياً. وتجري الآن مفاوضات بين كينيا وجنوب السودان لبناء ميناء ضخم في كينيا للدولة الجديدة، ويقال إن تمويل الميناء الجديد سيأتي من دول الخليج العربي، وتزيد تكلفته على 3.5 مليار دولار.

4. تصريحات المسؤولين في جنوب السودان حول الدولة الجديدة أنها ستكون دولة ديمقراطية علمانية تحترم كل الأديان، وأنها ستقيم علاقات دبلوماسية مع كل من دول العالم بما في ذلك إسرائيل.

5. هذه المؤشرات جميعها تؤكد أن جنوب السودان بدأ رحلته مع الانفصال، وأن اي تطورات أخرى تسير عكس هذا الاتجاه ستعيد حالة الحرب مرة أخرى بين الشمال والجنوب. إن الحديث الآن يدور حول ثلاث قضايا هامة وخطيرة لم يتم التوصل إلى حلول لها حتى الآن..

6. هناك خلافات حول الحدود خاصة مناطق البترول وتوزيع الثروة بين الدولتين في الشمال والجنوب.. أن الحكومة السودانية تصر على الوصول إلى حل في هذه القضية قبل الاستفتاء ولاشك أنها على حق في مشروعية هذا الطلب فسوف يكون من الصعب بعد الاستقلال الحديث عن حدود أو توزيع ثروة لأن من أخذ شيئا سوف يحتفظ به.

7. من جوانب الخلاف أيضاً قضية الديون، وهنا تطالب الحكومة السودانية بتوزيع عادل لأعباء الديون على الدولة السودانية بحيث تتحمل دولة جنوب السودان نصيبها في هذه الديون، والقضية الثالثة التي يدور حولها خلاف واسع هي توزيع حصص مياه النيل بين الشمال والجنوب.

8. هناك تحذيرات بأن هذه القضايا إذا لم تحسم فقد تعود بالقضية كلها إلى ساحة القتال مرة أخرى خاصة أن جيش تحرير السودان في الجنوب بدأ يمارس أعمال تهديد واضحة على الحدود، واستولى على مساحات من الأراضي على الحدود مع الشمال.

9. من الصعب بل من المستحيل أن تستطيع حكومة السودان تقديم أي شئ الآن لتشجيع سكان الجنوب على خيار الوحدة وبقاء السودان موحداً.

من الصعب أيضا على حكومة السودان أن تغير القوانين التي طالب أهل الجنوب بتعديلها خاصة ما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية والتوجه الإسلامي الواضح للحكومة السودانية وموقف الجنوب المسيحي من ذلك كله.

هناك جانب ديني لا يمكن إغفاله في قضية جنوب السودان وهذا الجانب يجد تأييدا واضحاً من الدول الأوروبية ومن أمريكا بصفة خاصة، أن البعد الديني هو الذي دفع هذه الدول إلى تقديم معونات رهيبة في السنوات الماضية لجنوب السودان وهو الذي جعل هذه الدول تؤيد خطوات الانفصال.

أن الشئ المؤسف الآن أن دولة جنوب السودان الوليدة لن تتجه شمالا ولن تنظر إلى امتدادها التاريخي والوطني القديم وسوف تكون أقرب إلى عمقها الأفريقي مع إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى، وهي دول الجوار والذي يؤكد ذلك أنها تسعى منذ فترة بعيدة إلى عودة مليون ونصف مليون من مواطنيها يعيشون في الشمال ومنهم من يعيش في مصر.

على الجانب الآخر فإن الحكومة السودانية خصصت مليار دولار لإقامة مشروعات جديدة في جنوب السودان وشهدت تحركات واسعة بين أبناء النخبة السودانية في الشمال والجنوب لتأكيد مبدأ وحدة السودان وقد طافت قوافل فكرية وحزبية جنوب السودان وشماله تدعو إلى استمرار مسيرة الوطن الواحد حتى ولو نال الجنوب بعض مظاهر الاستقلال المهم أن يبقي السودان موحداً.

10. في السادس عشر من نوفمبر 2010 حذر الرئيس أوباما من خطورة الوضع في السودان، وأشار إلى أن نحو مليون شخص قتلوا في الحرب الأهلية التي دارت بين شمال وجنوب السودان على مدي ما يقارب واحدا وعشرين عاماً وأن ملايين آخرين قد يكونون ضحية إذا تفجر العنف هناك بسبب الاستفتاء المقرر إجراؤه في 9 يناير المقبل.

وحث الناخبين الأمريكيين على ممارسة ضغوط على الكونجرس للاهتمام بقضية السودان. وقال أوباما : من المهم لأمريكا أن تمنع وقوع أي حروب في السودان لأن ذلك سيكون له مخاطر مرتفعة ليس فقط من منطلق أسباب إنسانية فحسب، ولكن أيضا لتحقيق المصلحة الذاتية لأمريكا لأنه إذا تفجرت الحرب في السودان فسيكون لها آثارا سلبية على استقرار الولايات المتحدة ومنع توجيه نشاط إرهابي إلى البلاد.

وفي غضون ذلك، صرحت سوزان رايس مندوبة أمريكا لدى الأمم المتحدة بأن جنوب السودان يخشي أن يكون الشمال يستعد للحرب قبل الاستفتاء على استقلال الجنوب.

وقالت في بيان أمام مجلس الأمن يلخص زيارة قام بها وفد من المجلس المؤلف من 15 دولة للسودان أن رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت طلب إقامة منطقة عازلة لمسافة 16 كم تديرها الأمم المتحدة على امتداد الحدود بين الشمال وجنوب السودان.

وقالت رايس أن المجلس لم يعرف بعد رأي الخرطوم بشأن فكرة إقامة منطقة عازلة تشرف عليها الأمم المتحدة لكن دبلوماسيين بالمنظمة الدولية توقعوا أن يرد الشمال بفتور على الفكرة.

وأضافت رايس في تصريحات صحفية أن معظم أعضاء المجلس يتشككون في جدوى نشر قوة على طول الحدود بأكملها بين شمال وجنوب السودان وأشارت إلى أن القوة غير موجودة حاليا ولا يمكن تشكيلها بسرعة كافية.

وقالت إن مجلس الأمن ينتظر الآن اقتراحا محدداً من الأمانة العامة للأمم المتحدة وقوات حفظ السلام في السودان التي تراقب الالتزام باتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب في عام 2005.

يأتي ذلك في الوقت الذي تصاعدت فيه الخلافات بين شريكي الحكم في السودان عقب فشل محادثاتهما في أديس أبابا حول الاستفتاء في منطقة أبيي الغنية بالنفط.

وأكد وفد حكومة السودان على لسان الدرديري محمد احمد عضو الوفد أنه من المستحيل قيام الاستفتاء إذا لم يتجاوز الجانبان الخلافات بينهما بسبب عدم اكتمال ترسيم الحدود، وعدم تعريف المواطنين الذين يحق لهم التصويت في استفتاء أبيي المقرر إجراؤه 9 يناير المقبل، وفق اتفاق نيفاشا وبروتوكول أبيي وفي ظل تبادل الاتهامات بين الخرطوم وجوبا بنقل عتاد عسكري إلى المنطقة.

ومن جانبه أعلن "دينق اروب كوال" رئيس إدارة أبيي أن إرجاء الاستفتاء حول هذه المنطقة غير مقبول، وغير منطقي محذرا من أن شعب أبيي يمكن ان يقيم استفتاء بمفرده إذا أصر المؤتمر الوطني الحزب الحاكم على موقفه. ومن جانبها قللت قبيلة المسيرية من احتمالات دخولها في حرب في منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها لن تتنازل عن حقوقها التاريخية والجغرافية في المنطقة مهما كان الثمن.

من ناحية أخرى أعلن مسؤولون جنوبيون سودانيون أن "كول دايم كول" قائد جيش منشق عن الجيش الشعبي والذي تسبب في اشتباكين في الجنوب عامي 2006و2009 زار كبار قادة الجيش الشعبي لتحرير السودان في جوبا عاصمة الجنوب والتقي مع سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب بعد أن عرض عليه العفو ورفاقه بشرط أن يكف عن الأنشطة العسكرية. يذكر أن سلفاكير يقود حاليا جهود ضخمة لإنهاء انقسامات الجنوب قبل الاستفتاء على تقرير المصير وفي الوقت نفسه حذر الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي من اشتعال حرب بين الجنوبيين أنفسهم كما أن هناك بوادر حرب في الشمال. وطالب مجلس الأمن بإزالة أسباب الحرب لا أن يتخذ منها موقفا شكليا.

يأتي ذلك في الوقت الذي رجح فيه حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني انفصال الجنوب عبر الاستفتاء المقبل. وحذر في تصريحات من الدوحة من تمزق السودان وتحوله إلى صومال جديد. واستبعد قيام حرب جديدة بين الشمال والجنوب لاسيما في ظل وجود قوات الأمم المتحدة في الجنوب.