إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث السادس والعشرون

المبحث السادس والعشرون

مفهوم وتحديات الأمن المائي السوداني

الماء أحد أهم العناصر المكونة للحياة، وقد بحث الإنسان منذ القدم عن المناطق التي يوجد بها الماء، من أجل الاستقرار والعيش فيها، وعند نضوبه فإنه يرحل ويبحث عن مناطق أخرى يتوفر فيها الماء، حتى أصبحت خارطة توزيع السكان في معظم الدول في العالم تتواكب بدرجة كبيرة على مناطق وجود المياه. بمعنى أن الماء يتحكم تحكماً كبيراً في خارطة توزيع السكان.

ظهرت أزمة المياه بوضوح في منتصف القرن العشرين نتيجةً لمجموعة من الأسباب أهمها:

·   التسارع الشديد في معدلات نمو سكان العالم من دون استيعاب لاحتياجاتهم.

·   تنافس الدول على مصادر الماء.

·   ارتفاع مستوى المعيشة لأغلب دول العالم بسبب اكتشاف النفط والثروات المعدنية المتنوعة الأخرى.

·   تحسن الظـروف الصحية وازدياد نسـبة الحضـرية ومن ثَم زيـادة الضغـط على مـوارد الماء.

يمثل نقص المياه أبرز الأزمات التي تواجه سكان العالم عموماً، في هذه الفترة، مهددة بذلك أمن الدول وبقاءها واقتصادها، لأن المياه ضرورة حيوية لحياة كل الدول وشرط لاستقرارها. وعندما لا يتوافر الماء بالكمية والنوعية المناسبة، يصبح الناس أمام اختلال وعدم توازن يمس أمنهم المائي، الذي ينعكس سلباً على أمنهم القومي. ومن هنا أصبح الماء مـن أهم أعمدة الأمـن القومـي لأي دولة من الدول، ونتيجةً لذلك وضعت القواعد والقوانين والاتفاقيات التي تحكم العلاقة المائية بين الدول تفادياً للنزاعات.

تتسم الأنهار والمجاري المائية الدولية بالخصوصية والنسبية، وهذا يعني عدم إمكانية تطبيق وصياغة القواعد القانونية بطريقة واحدة أو مطلقة في جميع الأنهار والمجاري المائية الدولية، ولا يعني عدم وجود قواعد أو مبادئ عامة يستند إليها التنظيم القانوني لموضوع المياه، وهو ما استطاعت التوصل إليه لجنة القانون الدولي، وهي بصدد القيام بعملية تقنين قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، والبحث في هذا القانون يتم من خلال المعاهدات الدولية العامة والخاصة، والعرف الدولي والمبادئ العامة للقانون.

تُعد دول حوض النيل من أكثر الدول في العالم التي لها اتفاقيات وبروتوكولات تحكم العلاقة المائية فيما بينها، لا يتضرر طرف على حساب الطرف الأخر، وتحظى جميع هذه الاتفاقيات والبروتوكولات باعتراف منظمة الوحدة الأفريقية، ترسيخاً لمبدأ احترام الحدود السياسية بين الدول الأفريقية.

برزت في الآونة الأخيرة أصوات تعالت وتيرتها، تطالب بإعادة تقسيم حصة مياه النيل بين دول الحوض، بحسبان أن الاتفاقيات السابقة غير عادلة ومجحفة، خاصةً لدول المنبع، رغم أن دول المنبع لا تعتمد على مياه النيل كثيراً، نظراً لارتفاع معدلات هطول الأمطار بها. إلا أنها تطالب بتعديل الاتفاقيات السابقة، ويرى محللون أن وراء هذا المطلب إما أيادي خارجية، أو محاولات ابتزاز. وأياً كان السبب فإن هذا الأمر سيفتح المجال واسعاً أمام أية دولة من دول الحوض للمطالبـة بتعديل حصـة مياه النيل، لأي سبب من الأسباب، ما يعني تهديد الأمن المائي لدول المصب، خاصةً أن معظم دول حوض النيل تهيمن عليها بعض القوى الخارجية بصورة واضحة، وخاصةً الدولة الإسرائيلية.

أولاً: مفهوم الأمن المائي

تُعد المياه عنصر الحياة بالنسبة للفرد والمجتمع، ازدادت أهميتها في نهاية القرن العشرين على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، خاصة بعد تزايد الطلب عليها نتيجة لزيادة السكان وتزايد التقدم والتطور، ومن هنا تزايد الطلب لاستخدامات المياه في الري والصناعة والاستهلاك المنزلي. ولأهمية هذا المورد ومحدوديته بدأت البشرية تعمل من أجل الحفاظ عليه وتنميته، ولذلك فإن الإدارة المتكاملة للمياه تصبح ذات أهمية خاصة، حيث إن المياه تُعد عامل محدد لكافة جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

المياه إحدى التحديات التي تواجه القرن الواحد والعشرين، ولها تأثير على حياة المواطن، ولها علاقة بالأمن الوطني، فالماء من أهم العوامل المؤدية لاستتباب الأمن، وإذا ما منعت دولة سريان نهر إلى دولة أخرى أو اعترضت مجراه، فذلك من شأنه الإضرار بمصالح مواطني الدولة الأخرى واحتياجاتهم، فالقرارات التي تتخذها الدولة في تنظيم استخدام المياه هي من الإجراءات المهمة، فكل مشروع مائي داخل بلد ما يُفسر على أنه اعتداء على المياه المخصصة لدول الحوض الأخرى.

أجمع الاستراتيجيون على أن عدم امتلاك أي دولة للماء والغذاء الكافيين يعني تهديد الأمن الوطني لتلك الدولة، ولا يمكن تحقيق الأمن العسكري لأي دولة دون تحقيق الأمن الاقتصادي، ولا يمكن تحقيق الأمن الاقتصادي دون تحقيق الأمن الغذائي، وعصب الأمن الغذائي هو المياه.

1. معنى الأمن المائي

هناك عدة مفاهيم تطرقت لمعنى مفهوم الأمن المائي، شاع استخدام مصطلحات عديدة كالأمن الغذائي والأمن القومي، والأمن الوطني والأمن العسكري، للدلالة على أهمية هذه المسائل، وفى مرحلة تالية دخل الاستخدام أيضاً مصطلح الأمن المائي، خاصة أن الماء يعد أحد العناصر التي لا يمكن للحياة أن تستمر بدونه. والأمن المائي يعنى المحافظة على الموارد المائية المتوافرة واستخدامها الاستخدام الأمثل، وعدم تلويثها، وترشيد استخدامها في المجالات كافة، والسعي للبحث عن مصادر مائية جديدة وتطويرها، ورفع طاقة استثمارها لتأمين التوازن بين الموارد المائية المتاحة والطلب المتزايد عليها.

عُرِّف الأمن المائي أيضاً في الأساس على أنه الحال الذي يجد فيه كل شخص فرصة أو قدرة للحصول على مياه نظيفة ومأمونة بالقدر الكافي وبالسعر المناسب، حتى يتمّكَّن من أن يعيش حياة ينعم فيها بالصحة والكرامة والقدرة على الإنتاج، مع الحفاظ على النظم الإيكولوجية التي توّفر المياه، وتعتمد عليها في الوقت نفسه، بينما يؤدي انقطاع سبل الحصول على المياه إلى تعرّض البشر لمخاطر كبيـرة تتعلَّــق بالأمــن البشـري، أبرزها انتشار الأمراض، وانقطاع سـبل المعيشــة، تتـفق هـذه النظـرة مـع الإعـلان الـذي أطلقتــه لجنـة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي نصّ على أن "حق الإنسان في المياه يجب أن يكفل للجميع، إمكان الحصول على المياه بشـكل كافٍ وآمـن ومقبـول، وبسعر مناسـب، مع القـدرة علـى الوصول إليها دون عنت، وذلك لأغراض الاستخدام الشخصي والمنزلي".

2. أهمية الأمن المائي في العصر الحديث

تُعد المياه من أهم مكوِنات الإنسان العضوية كغيره من الكائنات الحية، ومن أهم مرتكزات حياته الاجتماعية، فالمياه حاجة بيولوجية ضرورية لحياة الإنسان حاجة مباشرة لاستخدامها في الشرب، أو غير مباشرة في الصناعة والزراعة وتربية الحيوان اللازمين لغذائه، كما أن أكثر من ثلثي جسم الإنسان نفسه يتكون من الماء، ويحتاج الناس إلى المياه بقدر حاجتهم إلى الأوكسجين إذ بدونهما لا يمكن أن تكون حياة، فالمياه تمنح الحياة بمعنى أشمل بكثير، هي ضرورية للمحافظة على صحة الإنسان ووقايته من الأمراض والأوبئة، كما أنها أحد المقومات الرئيسة لرفاهية الإنسان وتقدمه، لاستخدامها في ميادين الاقتصاد ومجالات الترفيه النفسي.

المياه هي أحد الموارد الطبيعية المتجدّدة، إذ إن الكميات المتوافرة منها على كوكب الأرض تمتاز بالثبات النسبي، وتكاد تكون هي نفسها منذ آلاف السنين، ولقد عزّزت الدورة الهيدرولوجية للمياه هذا الاعتقاد، إذ يتبخّر يوميًا من الأسطح المائية جزء من الماء بفعل أشعّة الشمس، وتحرّك الرياح والهواء الرطب المشبع بالبخار إلى مناطق أخرى منخفضة الحرارة فيتكثَّف من جديد ويسقط على شكل أمطار وثلوج، فيعوّض بذلك عن الجزء الذي استهلكه الإنسان؛ لكنَّ التزايد الكبير في عدد سكان العالم خلال المائة سنة الأخيرة، حيث بلغ في نهايتها أربعة أضعاف ما كان عليه في بدايتها، وارتفاع معدلات استهلاكهم للمياه بمعدل سبعة أضعاف في الفترة نفسها، أثار شكوكاً كبيرة حول إمكان ثبات الاعتقاد بأن المياه موردٌ متجددٌ، ومدى كفاية المياه لحاجات البشر مستقبلاً.

كما دفعت التغيرات المناخية الأخيرة، التي نشرت الجفاف في أجزاء واسعة من جنوب الكرة الأرضية، حدود الصحراء إلى أكثر من 500 كم شمالاً، نتيجة تصحر نحو 90 ألف كم2 من الأراضي الزراعية سنوياً، فجعلت من نقص المياه واحداً من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في مطلع القرن الحادي والعشرين.

إن نقص المياه شأنه شأن الجوع، يُعد واحدة من الأزمات الصامتة التي قلما تلاقي الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام العالمية، فإن ما ذكرته تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة في السنوات السبع الأخيـرة شـديد الخطورة ويدعو إلى القلق، فجاء في تقرير التنمية البشرية، الصادر عام 2006، أن 1.1 مليار شخص على نطاق العالم لا يستطيعون الحصول على الحد الأدنى من المياه النظيفة، وأن 2.6 مليار شخص لا تتوافر لديهم مرافق الصرف الصحي الأساسية، ويشكل هذا الرقم الأخير أكثر من50% من سكان البلدان النامية.

كما فاق، حسب الترتيب ذاته، عدد الذين يموتون سنوياً بسبب الأمراض الناتجة عن نقص المياه وتلوثها في العالم، عدد الذين يموتون في الحروب والنزاعات المسلحة، كما يزداد سنوياً عدد المجتمعات التي ينخفض فيها نصيب الفرد إلى ما هو أقل من عشرين لتراً في اليوم، وهو ما يمثل الحد الأدنى اللازم للوفاء بأكثر احتياجات الإنسان ضرورة. أما في حال حساب احتياجات الأفراد من المياه لأغراض الاستخدام المنزلي، فيرتفع الحد الأدنى اللازم للفرد يومياً من المياه إلى خمسين لتراً.

يُعد الأطفال في البلدان النامية أبرز ضحايا أزمة المياه المعاصرة، إذ يموت منهم نحو 1.8 مليون طفل سنوياً، أي بمعدل 4900 طفل كل يوم، وهذا ما يجعل من النقص في الحصول على المياه النظيفة وتأمين الصرف الصحـي الملائم مجتمعين ثانـي أكبر قاتـل للأطفال في العالم.

3. مصادر الموارد المائية في الأرض

أ. مياه متساقطة: وتهطل من الغلاف الهوائي في شكل مطر أو ثلوج أو برد.

ب. مياه سطحية: تكون في أربعة أشكال كالآتي:

(1) مـياه تجـرى فـي مسـارات، كالأنـهار والخيران والـوديان وهــي مياه عذبة.

(2) مياه متجمعة في البحيرات أو البرك أو الواحات وقـد تكــون عـذبة أو مالحة.

(3) مياه البحار والمحيطات وهي مياه مالحة.

(4) مياه متجمدة، في القطبين وفى قمم الجبال الشاهقة.

ج. المياه الجوفية: وهي نوعين كالآتي:

(1) جوفية سطحية، أي أنها ليست بعيدة عن سطح الأرض.

(2) جوفية عميقة، قد يصل عمقها لآلاف الأمتار والكيلومترات.

4. استخدامات المياه

أ. استخدام الإنسان

(1) الميـاه السـطحية بالنسـبة للسـكـان القريبين منـها، والجـوفية بالنسـبة للبعيدين عن الأنهار.

(2) الشـرب والغسـيل وما شـابه ذلك، وإن كـان هناك فـروق في الاستخدام كالآتي:

(أ) فرق بين الحضر والريف.

(ب) المياه المتاحة تحدد كمية الاستخدام.

(ج) نوع الاستخدام يحدد الكمية المستخدمة.

(3) الكمية سبعون لتراً في اليوم في الحضر، وخمسة وعشرون في اليوم في الريف. وعموماً فعلى مستوى العالـم يفترض أن يتوافـر للفــرد فـي الـريف ألف م3 في السـنة، وهـو الحـد الأدنى

ب. الإرواء الزراعي

(1) في المتوسط تستخدم 85% من المياه في الزراعة.

(2) يتم الإرواء بالتنقيط والشادوف والحياض والماكينات.

(3) نوعية المحصول تحدد الكمية، ومثال لذلك، يحتاج القمح أو القطن إلى أربعة آلاف م3 من الماء للفدان الواحد، والأرز يحتاج خمسة ألاف م3، وقصب السكر يحتاج من 8000 – 12 ألف م3.

ج. الإرواء الحيواني

يحتاج الجمل من 60 -80 لتراً من الماء يومياً، والحصان من 50 – 70 لتراً من الماء يومياً، والبقر من 40 – 50 لتراً يومياً.

د. الاستخدام الصناعي

معظم الصناعات تحتاج للماء، مثل صناعات السكر، والصابون، والألبان/ والصناعات الغذائية، والتعدين، والورق، والنسيج.

ه. توليد الطاقة 

الطاقة الكهرومائية، والتوليد الحراري.

و. الملاحة

يُعد النقل المائي من أرخص وسائل النقل.

ز. الثروة السمكية

أصبحت واحدة من مصادر الدخل في الدول، ويتم ممارستها في المياه العذبة والمالحة.

ثانياً: أسباب اختلال الأمن المائي

1. ندرة المياه

تقدر كمية المياه الموجودة على كوكب الأرض بنحو 1400 مليون كم2، الجزء الأعظم منها، ونسبته 97.5%، من المياه المالحة التي تملأ المحيطات والبحار، بينما لا تمثّل كمية المياه العذبة سوى نسبة 2.5%. إلاّ أن أغلب المياه العذبة غير متاحة في الوقت الحاضر، فقسم منها بنسبة 40% مخزون في باطن الأرض على عمق يتجاوز مئات الأمتار، وقسم آخر متجمد بنسبة 40%، في المناطق القطبية وأعالي الجبال الشاهقة، أما الجزء المتاح فهو محدود جداً ويقرب من 20% من إجمالي المياه العذبة، أي نحو 0.05% من إجمالي مياه الكرة الأرضية. ويعد العلماء أن توافر المياه في بلد ما أن أقل من ألف م3 للفرد سنوياً هو ندرة للمياه، بينما يُعد توافرها بأقل من 500 م3 للفرد سنوياً ندرة مطلقة. إن ندرة المياه في العديد من البلدان هي نتاج لبعض العوامل، أبرزها ما يلي:

أ. تسارع الزيادة السكانية

ارتفع عدد سكان كوكب الأرض، من مليار نسمة عام 1800، إلى ثلاثة مليارات نسمة عام 1950، وإلى ما يقرب من سبعة مليارات نسمة في الوقت الحاضر. أي أن سكان العالم الذين استغرق وصول عددهم إلى واحد مليار نسمة عشرات آلاف الســنوات منذ بداية الحياة البشرية حتـى عام 1800، ازدادوا نحو خمسة مليارات نسمة خلال مائتي عام فقط. وعلى فرض أن كمية المياه المتاحة ظلت ثابتة، فيكون نصيب الفرد من المياه على مستوى العالم، قد انخفض إلى سُدس ما كان عليه عام 1800م.

ب‌. ازدياد سكان المدن وعمليات التحضر

يزداد سكان المدن إلى إجمالي سكان الدولة بصورة مستمرة في كل بلدان العالم، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على المياه، وجعل عنصر الندرة أكثر حدة، كما تؤدي الندرة إلى اعتماد المدن على مصادر مياه أكثر كلفة، لأن المصادر المحلية تصبح إما مستنزفة أو ملوثة.

ج. ارتفاع مستويات المعيشة

يؤدي التقدم الحاصل في مجالات التنمية الاقتصادية إلى تحسن مستويات المعيشة، فتتغير أنماط الاستهلاك ويزداد الطلب على المياه.

د. الزراعة الكثيفة

أدى التوسع الرأسي في الزراعة، المسمى بالزراعة الكثيفة، والذي أمكن بفضله تحقيق الثورة الخضـراء، والزيادة المستمرة في إنتاج الأغذية المعتمدة على استخدام واسع للأسمدة، إلى التوسع في أعمال الري لضمان رطوبة التربة، ومواجهة عدم كفاية سقوط الأمطار. وعلى الرغم من أن النسبة التي تستهلكها الصناعة من المياه تضاعفت أربع مرات خلال القرن العشرين، وعلى الرغم من التوسع الكبير في حصة المدن والبلديات، إلاّ أن الزراعة، وبسبب التوسع في أعمال الري ما تزال تحتفظ بحصة كبيرة من استهلاك المياه، وفي البلدان النامية ما تزال حصة الزراعة تمثل ما يربو على 80% من استهلاك المياه، وتستهلك عملية إنتاج الغذاء ما يزيد بمقدار سبعين ضعفاً عن الكميات المستخدمة في الأغراض المنزلية.

هـ. انتشار التصنيع

تستهلك الصناعة كميات كبيرة من المياه، فإنتاج طن واحد من الصلب يحتاج إلى ما بين 8000 – 12 ألف لتر من المياه، وإنتاج السيارة يحتاج إلى 38 ألف لتر. وحاجة الصناعة إلى المياه لا تقتصـر علـى الصناعـات المعدنيـة الثقيلـة، بل تشـمل كـل فروع الصناعة، فعلى سبيل المثال، صناعـة بذلة رجل واحد تحتاج إلى 665 لتراً من المياه.

و. أسباب سياسية ومؤسساتية

يرى اقتصاديون آخرون عديدون أن السبب الرئيس لندرة المياه في الغالبية العظمى من الحالات، هو سبب سياسي ومؤسسي، ويكون في الغالب نتاج سياسات سوء إدارة الموارد المائية، وليس نتيجة نقص مادي في الإمدادات، ويرى هؤلاء أنه على الرغم من أن متطلبات الاستخدام المنزلي من المياه لا تمثل إلا جزءاً صغيراً من استهلاك المياه، عادةً أقل من 5% من إجمالي الاستهلاك، فهناك قدر كبير من عدم المساواة في فرص الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحــي على مسـتوى الأســر داخل الدولـة نفسها فـي البلــدان النامية، ففي حين يتمتع سكان المناطق المرتفعة الدخل والمدن في الحصول على مئات اللترات من المياه تصل إلى بيوتهم يومياً بأسعار منخفضة بواسطة المرافق العامة، فإن سكان الأرياف والأحـياء الفقيرة فـي المدن يحصلـون علـى ما هـو أقــل مـن عشرين لتراً من المياه وأحياناً أقل من خمسة لترات في اليوم لكل فرد، ويصبح الأمر نفسه إلى حد كبير في موضوع استخدام المياه من أجل الإنتاج، إذ تقوم طلمبات الري باستخراج المياه من مستودعاتها الجوفية ومجاري الأنهار على مدى أربعة وعشـرين ساعة، لصالح المزارعين الأثرياء، فيما يعتمد صغار المزارعين في كثير من الوقت على سقوط الأمطار، التي تشهد تقلبات شديدة.

2. التوزيع اللا متكافئ للمياه

الماء العذب المتاح ليس موزعاً توزيعاً عادلاً في مناطق العالم وأقاليمه المختلفة، فالمناطق الجافة التي تشكل نحو 40% من مساحة اليابسة لا تحظى بأكثر من 5% من كمية المياه المتاحة في العالم، وفي هذه المناطق تبرز أزمة المياه على أشدها، فالموارد المائية شحيحة، والتبخر شديد إلى حد يجعل الحياة النباتية والحيوانية تحت رحمة الندرة الشديدة للمياه، وفي هذه المناطق تستخدم بعض البلدان أكثر من 100% من ثروتها المائية، وتستنزف آبارها الجوفية بما يفوق قدرتها على التجدد، فتلجأ إلى تحلية مياه البحر المرتفعة التكاليف، مثل بلدان الخليج العربي. بالمقابل فإن قرابة ربع المعروض عالمياً من المياه العذبة يقع في بحيرة بيكال في منطقة سيبيريا، التي تتسم بندرة السكان، وتحظى أمريكا اللاتينية وحدها بنسبة 31% من موارد المياه العذبة في العالم، ويقدر نصيب الفرد من المياه فيها بمقدار 12 ضعفاً مقارنة بنصيب الفرد في جنوب آسيا، ناهيك من وفرة المياه في قارة أوروبا وأمريكا الشمالية.

على صعيد الدول، تحظى بعض الدول، مثل البرازيل وكندا وإيسلندا، بمعـدلات مائية عالية جداً للفرد، حيث يصل فائـض المياه العـذبة فـي كل من الدولتين الأخيرتين على التوالي إلى 90 ألف م3 و500 ألف م3، أي إلى حوالى 53 ضعفاً و300 ضعف للمعدل العالمي لحاجة الفرد السنوية، والذي حدِّد بـ 1700 م3، بينما ينخفض معـدل المياه في بلـد مجهـد مائيـاً كاليمن إلـى 198 م3 للفرد. 

في الصين والهند، اللتين أصبحتا بلدين مجهدين مائياً بفعل النمو السكاني والاقتصادي السريع، تبرز مشكلة أخرى كبيرة تتمثَّل بسقوط 90% من المتساقطات السنوية، خلال مدة زمنية تقل عن 100 ساعة، الأمر الذي يسبب حدوث أعاصير وكوارث طبيعية وفيضانات كثيفة خلال فترة زمنية قصيرة من العام، مع حدوث جفاف طويل في بقية العام. وفي دولتي الصين والهند يعتمد التوافر الفعلي للمياه طوال العام، ليس على سقوط الأمطار فحسب، وإنما كذلك على قدرة السعة التخزينية، ودرجة تدفق النهر، وتجدد المياه الجوفية.

تتباين قدرة البلدان على تخزين المياه تبايناً حاداً، فبإمكان الولايات المتحدة الأمريكية تخزين ستة آلاف م3 من المياه للفرد، واستراليا خمسة آلاف م3، مقارنة بـ 43 م3 في إثيوبيا. غير أن المقارنات بين أوضاع تخزين المياه في البلدان المختلفة تكشف عن جانب آخر من جوانب القدرة على تخفيف المخاطر، فبلدان مثل غانا وزامبيا، لديها مستويات مرتفعة للغاية من مخزون المياه للفرد، هي في الواقع أعلى من مخزون الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها ذات قدرة محدودة على التخفيف من المخاطر الناجمة عن نقص المياه، بسبب ضعف الهياكل الأساسية فيها، حيث يجري توجيه الجزء الأكبر من القدرة التخزينية إلى توليد الطاقة، بينما تنخفض استفادة أصحاب الحيازات الصغيرة في القطاع الزراعي إلى الحد الأدنى.

باختلاف قدرة البلدان على التخزين والتخفيف من المخاطر، تختلف معدلات استهلاك الفرد من المياه العذبة، فتصل إلى 1200 م3 سنوياً في البلدان الصناعية، بينما تنخفض إلى حـدود 520 م3 فـي البلدان النامية، وإلى أقل من 260 م3 في البلدان الأقل نمواً. على صعيد أخـر تبرز الفـروق فـي حصة الأفـراد من الميـاه داخل الدولة الواحدة أحـياناً، فالـفرد في شمال الصـين يحصـل على أقل من ربع ما هو متاح للفرد في جنوبها، وفي البرازيل التي تسجل معدلات مائية عالية جداً للفرد، يعيش ملايين من السكان في مضلّع الجفاف الضخم، وهو عبارة عن منطقة شبه قاحلة تضم تسع ولايات على امتداد نحو 940 ألف كم2 في الشمال الشرقي للبلاد.

3. الهدر

يؤدي سوء استخدام الموارد المائية، وعدم اعتماد الطرق العلمية الصحيحة في الري، وأيضاً الاستخدام المنزلي، إلى إهدار نحو 50 % مـن المياه المستهلكة، والجزء الأكبر من الهدر يحصل نتيجة لرداءة أنظمة الري المستخدمة في الزراعة، إذ يفقد أكثر من 60% من مياه الري في بعض البلدان، بسبب اعتماد طرق الري التقليدية، أي الري بالغمر، كما أن جزءاً من المياه أثناء دورتها في عملية الري تسجل خسارته، بسبب القنوات، وضعف صيانة السدود وخزانات المياه.

ولا يقتصر أسباب الهدر على العوامل التقنية وسوء إدارة المياه فحسب، فهي أحياناً تكون ناتجة عن ظروف توفير المياه، خصوصاً مياه الري المجانية، أو بأسعار منخفضة، الأمر الذي يترك المجال للإفراط في استهلاكها وضياع جزء كبير منها.

4. تلوث المياه

تُعد مشكلة التلوث من أبرز مشكلات العصر، حيث باتت تطال كل المرافق والموارد، وعلى الرغم من حداثتها النسبية، إلا أنها استطاعت أن تتخطى في خطورتها مشكلتي الندرة والهدر معاً.

5. إخفاق طرق إدارة المياه

يرى البعض أن زيادة مشاركة القطاع الخاص تعد وسيلة تلقائية للحصول على خدمات أكثر وأفضل، لأن القطاع الخاص يمكنه توفير المياه بكفاءة أكبر، والحصول على مصادر للتمويل بصورة أفضل، مع ضمان قدر أكبر من المساءلة والشفافية، بينما يرى آخرون أن المياه سلعة ضرورية، وأن الحق الإنساني في الحصول عليها يتناقض بصـورة جوهرية مـع مبادئ السوق، فلا بد أن يبقى توفير هذه السلعة منوطًا بالقطاع العام، على الرغم من أشكال الإخفاق العديدة التي أصابته في هذا المجال.

غير أن عمليات خصخصة قطاع المياه، ازدهرت في تسعينيات القرن العشرين في العديد من البلدان، انسجاماً مع المناخ العالمي العام الذي كان يدعو إلى إعادة اعتماد الليبرالية الاقتصادية، والحد من دور الدولة في الاقتصاد، وتعتبر تجربة شيلي، التي خصخصت قطاع المياه بكفاءة عالية وأداء متميز، هي المثل الأبرز في هذا المجال، وأيضاً في بعض البلدان النامية، كالمغرب والفيليبين وجنـوب أفريقيا. بينما أخفقت فـي المقابل تجارب أخـرى، كما فـي بوليفيا وإندونيسيا والأرجنتين، إثر انهيار اقتصاد هذه الأخيرة، عام 2001.

على الرغم من ازدياد عدد الأشخاص الذين يتلقون خدمة المياه من شركات مياه خاصة من 51 مليوناً، عام 1990، إلى نحو 300 مليون، عام 2002، إلا إن شركات المياه العامة ما زالت تحتفظ لنفسها بنسبة تتجاوز 70% من إجمالي الاستثمارات عالمياً، وفي البلدان النامية ما زالت الجهات العامة توفر أكثر من 90% من المياه التي يجري توصيلها من خلال الشبكات، في حين لا تصل نسبة السكان الذين يحصلون على خدمة المياه أو الصرف الصحي من شركات تابعة للقطـاع الخـاص كلياً أو جزئياً إلى 3%.

6. التطور لمشكلة اختلال الأمن المائي في القرن الحادي والعشرين

أصبح عوز الأمن المائي، مع مطلع القرن الحادي والعشرين، يمثّل تهديداً فعلياً لمستقبل التنمية البشرية بالنسبة إلى قطاع واسع ومتزايد من البشر، لأن العوامل والظروف التي سـببت هذا الاختـلال آخـذة فـي التزايد والتفاقـم باستمرار.

على صعيد زيادة السكان من المتوقع، إذا استمرت معدلات الزيادة الحالية كما هي، أن يصل تعداد سكان العالم إلى نحو ثمانية مليارات نسمة، بحلول عام 2025، وسترتفع نسبة سكان البلدان النامية من بينهم، من 79% إلى 82%، وتشير التوقعات إلى أن سكان العالم سيصبحون بحدود 9.5 مليار نسمة، عام 2050، منهم ثمانية مليارات في البلدان النامية، ومن المنتظر أن تترتب على زيادة ونمو سكان المدن في البلدان النامية نتيجتان اثنتان هما: 

أ. أن البلدان النامية ستشهد تزايداً في عمليات سحب المياه، ومن المتوقع أن تزيد، عام 2025، بنسبة 27% عما كانت عليه أواسط التسعينيات من القرن العشرين، بينما ستشهد البلدان المتقدمة استقراراً نسبياً في معدلات السحب أو بعض الانخفاض أحياناً.

ب. تحدث عملية إعادة توزيع المياه، لتتحول من التركيز على أغراض الزراعة إلى الصناعة والبلديات.

ثالثاً: الأمن المائي السوداني

1. المياه المتاحة والاحتياجات الفعلية للمياه في السودان

يقدر مجموع المياه المتاحة في السودان سنوياً بنحو 31.5 مليار م3، منها حوالي 18.5 مليار م3، أي 65% تمثل حصة السودان من مياه النيل وروافده، وفقاً لاتفاقية النيل، عام 1959، الموقعة بين مصر والسودان، ونحو 6.7 مليار م3، أي 21% من مياه الأمطار، ونحو 4.3 مليار م3، أي 14% من المياه الجوفية المتجددة. (اُنظر جدول احتياجات السودان الفعلية من المياه م3)

2. استخدامات المياه بالسودان

كما هو الحال في الدول النامية الواقعة في المناطق القاحلة، فإن الزراعة المروية هي المستهلك الرئيس للموارد المائية المتاحة، لكن مع النمو السكاني وتغير أساليب الحياة، تزداد الاحتياجات المائية لتلبية متطلبات الأغراض الأخرى، كالمياه التي تستهلك لشرب الإنسان والحيوان، وعموم المياه التي تستهلك في الاستخدام المنزلي، واحتياجات الكهرباء، النقل والصناعة، ومختلف متطلبات رفاهية الإنسان.

3. السياسات المائية في السودان

السياسة المائية هي الإطار الذي من خلاله تكون الإدارة الرشيدة للموارد المائية، واستنباط مجموعة من القواعد والقوانين والتشريعات الإجرائية التي تتخذها الدولة تجاه الاستغلال الأمثل لمواردها المائية، بما يضمن حسن استغلالها وتنميتها وتطويرها، مع المحافظة عليها من التلوث، علماً بأنه بالنسبة لجمهورية السودان لم يكن هناك قانون يحكم استخدامات الموارد المائية المختلفة، قبل قانون الموارد المائية، لسنة 1995، غير أن هناك عدة تشريعات متداخلة يمكن تلخيصها في الآتي:

أ. سياسات قبل عام 1992م

(1) في عام 1913، أثناء الحكم الاستعماري، وضعت أول سياسة مائية في جمهورية السودان، من أجل إنشاء خزان سنار ومشروع الجزيرة.

(2) في الفترة بين عامي 1952 – 1956، وضعت خطط وسياسات مائية، وعلى ضوئها كان إنشاء المشاريع الزراعية، مثل مشروع المناقل، وتشغيل وصيانة مشاريع الري، وأعمال المساحة.

(3) عام 1959، بعد اتفاقية مياه النيل، جرت مراجعة السياسات المائية وتطويرها، ومن ثَم إعداد خطط وادي النيل من أجل إنشاء خزاني الروصيرص وخشم القربة، وامتداد المناقل، ومشاريع السكر في كل من حلفا والجنيد، ومشاريع الطلمبات.

(4) في الأعوام من 1977 – 1979، جرى تحديد خطط وادي النيل، والذي أدى بدوره لبروز الخطة الشاملة لمياه النيل، التي ركزت على القيمة الاقتصادية لاستخدامات المياه.

ب. استراتيجية عام 1992

في عام 1992، وضعت حكومة جمهورية السودان استراتيجية لعشرة أعوام، تحت اسم الاستراتيجية القومية الشاملة، ووفقاً لهذه الاستراتيجية أُدخلت وزارة الري والموارد المائية آنذاك في القطاع الزراعي وأصبحت جزءاً منه، وعدت هذه الاستراتيجية أول تقديم لاستخدامات المياه في القطاعات المختلفة، وتقع مسؤوليتها تحت وزارة الري والموارد المائية، وقبل ذلك كانت وزارة الري والموارد المائية مسؤولة عن مياه الري والكهرباء بينما كانت مياه الشرب مسؤولية وزارة الطاقة.

ج. سياسات بعد عام 1992

(1) في عام 2000، جرت مراجعة استراتيجية عام 1992، بواسطة خبراء ومسؤولين حكوميين ومن القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وبمشاركة من منظمة الفاو والأمم المتحدة، وتم إعداد النسخة الأولية للسياسة المائية بالسودان.

(2) في عام 2005، وضعت خطة ربع قرنية، 2007 – 2032، لتُنفذ على خمس مراحل، كل مرحلة مدتها خمس سنوات.

(3) في عام 2007، وُضعت سياسة الإدارة المتكاملة للمياه، اعتمدت على سياسات السودان أعوام 1977، 1992، و2000.

(4) في عام 2010، وُضعت سياسة قومية لمياه الشرب والصرف الصحي.

4. أهم التشريعات المتعلقة بإدارة الموارد المائية في السودان

أ. قانون الري والصرف، عام 1990، أعطى هذا القانون الوصاية لوزارة الري والموارد المائية، وأهم بنود هذا القانون نصت على الآتي:

(1) كل شخص يرغب في القيام بأي من الأعمال ذات الصلة بالري أو الصـرف الصحي، عليه أن يتحصل على الترخيص من وزارة الـري والموارد المائية.

(2) اختصاصات وزارة الري والموارد المائية وسلطاتها، ومن أهمها أن توافق مقدماً على تصريف مياه الصناعات المختلفة في أي مـن المصارف العامـة، أو القيام بأي مـن الأعمال الصناعية على أي من الترع العامة والمصارف العامة.

(3) لا يجـوز لأي شخـص أن يقـوم بصرف أي مـن أنـواع المياه فـي الترع العامـة، إلا بعـد الحصـول علـى إذن بذلك من وزارة الري والموارد المائية.

(4) لا يجوز لأي شخص استغلال مياه الصرف لأغراض الري، إلا بعد الحصول على إذن بذلك من وزارة الري والموارد المائية.

(5) منع أي شخص من هدر مياه الري بصرفها في أي مـن المصارف العـامـة، أو الخاصـة، أو الأراضـي غـير المــزروعة، أو غـير المرخص بريها.

ب. قانون الموارد المائية، عام 1995

(1) ألغى هذا القانون (قانون مراقبة سحب مياه النيل لسنة 1939)، وعرف الأنهار غير النيلية، والمياه الجوفية، والموارد المائية، والمياه السطحية، والمياه العابرة، والنيل.

(2) حدد اختصاصات المجلس القومي للموارد المائية، في الإشراف العام على سحب المياه لأغراض الري والشرب والصناعة وتوليد الطاقة المائية والصرف الصحي، وتوزيع تلك المياه واستعمالها.

(3) وضع الأسس لإقامة الخزانات ومحطات توليد الطاقة المائية، وأعمال الوقاية والصرف الصحي والصناعي، ومياه الري والشـرب، وغيرها بالتنسيق مع الجهات المختصة.

ج. قانون الهيئة القومية للمياه، عام 1995

(1) حدد القانون اختصاصات الهيئة وتشكيل مجلس الإدارة وتحديد سلطاته، على أن تعمل الهيئة على التخطيط والاستثمار الأمثل للمياه على المستوى القومي.

(2) تطوير الدراسات والبحوث للمياه وتقويم وترشيد استغلالها.

(3) حماية البيئة وضبط مخاطرها.

د. أمر تأسيس الهيئة العامة للمياه، عام 2007،

عَرَّف القانون المياه، ويقصد بها مياه الشرب للريف والمدن، كما اهتم بالتخطيط والاستثمار الأمثل للمياه على المستوى القومي، وتطوير الدراسات والبحوث للمياه، وتقويم وترشيد استغلالها، وحماية البيئة وضبط مخاطرها.

هـ. قانون هيئة مياه ولاية الخرطوم، عام 2009  

أعطى القانون الوصاية لهيئة مياه ولاية الخرطوم وأهم بنوده:

(1) حظـر على أي جهــة استغلال ميـاه الشـرب لأغـراض تجاريـة، أو صناعية أو إقامة أي منشأة لاستغلال المياه، مثل الآبار السطحية والجوفية، من دون ترخيص.

(2) عـدم أحقية أي مواطـن في حفر بئر أو سايفون بدون ترخيص، أو القيام بأي عمل يؤدي إلى تلوث مياه الشرب السطحية والجوفية.

(3) حق إلغاء الترخيص وردم البئر والسـايفون، مع مصادرة الآليات والمعدات لصالح الهيئة لمن يخالف القانون.

رابعاً: التحديات التي تواجه الأمن المائي السوداني

تعد المياه عنصر الحياة بالنسبة للفرد والمجتمع، ازدادت أهميتها في نهاية القرن العشرين على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، خاصة بعد تزايد الطلب عليها نتيجةً لزيادة السكان من جهة، وتزايد الطلب بسبب التوسع في أعمال الري والصناعة والاستهلاك المنزلي من جهة أخرى. ولأهمية هذا المورد ومحدوديته، سعت البشرية للحفاظ عليه وتنميته، ولهذا فإن الإدارة المتكاملة للمياه تصبح ذات أهمية قصوى وخاصة في جمهورية السودان، لكونه بلد زراعي، حيث إن المياه تُعد عاملاً محدداً لمجهودات التنمية كافة الاجتماعية والاقتصادية.

بما أن الأمن المائي في العصر الحديث أصبح من أهم التحديات التي تواجه الدول على مستوى العالم، حيث يرتبط مباشرة بالأمن الغذائي، لذلك أصبح يأخذ حيزاً كبيراً في تفكير وأولويات الدول ومؤسساتها البحثية، ونجد أن جمهورية السودان، في ظل التحديات والتهديدات التي بدأت تظهر مؤخراً، خاصةً بعد انفصال جنوب السودان، وظهور بعض الآراء المناوئة للاتفاقيات السابقة لمياه النيل، وأيضاً ظهور بعض المشروعات الضخمة في مجالي السدود والخزانات والزراعة في دول الحوض، كلها أصبحت مهدداً للأمن المائي السوداني.

1. قيام جمهورية جنوب السودان

جمهورية جنوب السودان دولة حديثة التكوين، 90% من سكانها يمتهنون الزراعة مصدر دخل لهم، لذلك يتوقع أن استراتيجية حكومة جمهورية جنـوب السودان سوف تتجه نحو إنشـاء البنيات التحتية الزراعية، من سدود وخزانات، إضافة لإقامة مشاريع زراعية ضخمة، في ظل وجود الإمكانيات الزراعية وتوفرها من مياه وأراضي زراعية ضخمة، وهذه الإستراتيجية تحتم عليها الاستفادة من معظم المياه المتوافرة لديها في الأنهار ومياه الأمطار. وفي ظل حاجة معظم الدول الأفريقية المجاورة لها للغذاء يتوقع ظهور شركات ضخمة تعمل في مجال المشاريع الزراعية، لاستغلال الإمكانات الموجودة في جمهورية جنوب السودان، وحاجة دول الجوار الأفريقي للغذاء.

لم تُول مسألة المياه، رغم أهميتها ما تستحق من اهتمام في اتفاقية السلام، عام 2005، بالرغم من أن 9% من جمهورية جنوب السودان تقع داخل حوض النيل، و28% من مياه نهر النيل تعبر داخل حدود جمهورية جنوب السودان، كما أن كمية المياه التي يمكن استخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها إلى المكون الكلي لمياه النيل ،تصل إلى نحو 20 مليار م3، وأرجع المحللون أن جمهورية جنوب السودان لم ترد إثارة موضوع المياه أثناء المفاوضات حتى لا يؤثر عليها، إذ يُعد من المواضيع الشائكة والمعقدة، حيث كان من الممكن أن يظل حجر عثرة في الوصول لاتفاقية السلام الشامل.

تمتلك جمهورية جنوب السودان العديد من المصادر المائية مثل، مياه الأنهار، والوديان، بالإضافة إلى كميات وفيرة من الأمطار تكفي حاجتها لإقامة مشاريع صناعية وزراعية ضخمة، في حالة توفر البنيات التحتية.

لقد أظهرت جمهورية جنوب السودان، منذ بداية قيامها، نواياها نحو اتفاقيات مياه النيل، خاصة الاتفاقيات الموقعة بين جمهورية السودان وجمهورية مصر العربية، واتفاقية عام 1959 على وجه الخصوص، حيث أعلن أكثر من مسؤول بجمهورية جنوب السودان، خاصة وزير الري والموارد المائية، مطالبتهم بنصيبهم من تلك الاتفاقيات، خاصة أن الدولة كانت جزءاً من جمهورية السودان سابقاً، ومن هنا فيجب أن يكون لها نصيب من مياه تلك الاتفاقيات، تتناسـب مـع عـدد السكان والأراضي المنفصلة عن جمهـورية السودان.

منذ قيام جمهورية جنوب السودان، عام 2011، وانفصالها انفصالاً كاملاً، كانت علاقاتها مع جمهورية السودان علاقات متوترة، ظلت في حالة شد وجذب، بل كادت أن تصل إلى مرحلة الحرب بعد الدعم المتواصل الذي ظلت تقدمه جمهورية جنوب السودان لمتمردي دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. كل هذه التداعيات بين الدولتَين كان وراءها دول أجنبية أخرى، على رأسها إسرائيل، تحاول استمرار توتر هذه العلاقة بين الدولتين للاستفادة من هذا الوضع، خاصة في ظل الطمع الإسرائيلي القديم والمتجدد في مياه النيل، إضافةً للعداء التاريخي بين إسرائيل ومصر والسودان، فعملت إسرائيل على الحضور في جمهورية جنوب السودان بمختلف الطرق والوسائل، فأصبحت الداعم الرئيس للدولة الحديثة، ويتوقع أن تحاول إسرائيل الضغط على جمهوريتي مصر والسودان باستخدام ورقة المياه، بمساعدة جمهورية جنوب السودان في إنشاء السدود والخزانات، إضافة للمشاريع الزراعية الضخمة، وكان هناك تقرير للإدارة العسكرية في جامعة الدول العربية يشير إلى محاولات إسرائيل لاختراق أمن كل من جمهوريتي مصر والسودان بمحاصرة مياه النيل في حوضه الأعلى، طبقاً لاستراتيجيتها الأفريقية.

أعلنت جمهورية جنوب السودان أنها سوف تنضم إلى اتفاقية عنتيبي، التي ترفض دولتي مصر والسودان الانضمام إليها أو حتى الاعتراف بها، لما لها من تأثير على حقوقهما المكتسبة، حيث إن الاتفاقية تشير إلى نزع الحق القديم لدولتي مصر والسودان في مياه النيل حسب الاتفاقيات القديمة الموقعة بينهما، وانضمام جمهورية جنوب السودان لهذه الاتفاقيات بالتأكيد سوف يكون له أثر كبير على مستقبل الاتفاقيات الموزعة لمياه النيل السابقة، خاصة أن ما لا يقل عن 14% من مياه النيل يمر عبر أراضي جمهورية جنوب السودان.

2. سـد النهضة

سد النهضة أو سـد الألفية الإثيوبي، سد قيد الإنشاء، يتوقع له بعد تكملة إنشائه أن يصبح أكبر سد كهرومائي في أفريقيا، والعاشر عالمياً في قائمة أكبر السدود على مستوى العالم، أثار بناءه مؤخراً كثيراً من الآراء المتفقة أو المتباينة حول ضرره أو فائدته على إثيوبيا، ودولتي المصب السودان ومصر.

المعلومات الفنية عن السد تشير إلى أن ارتفاعه سيبلغ 195 م، وسعته ستبلغ نحو 74 مليار م3، سيجري مَلْؤه على مدى ست سنوات، بمعدل 12.3 مليار م3 سنوياً، ستكون خصماً على حصة جمهوريتي السودان ومصر.

يتوقع لسد النهضة أن يكون أحد أكبر التحديات التي ستواجه الأمن المائي لجمهورية السودان للأسباب الآتية:

أ. حجز 74 مليار م3، بمعدل 12.3 مليار م3 سنوياً، ولمدة ست سنوات، وهو المعدل المقترح والمتوقع لملء بحيرة السد، فذلك يؤثر على الأمن المائي السوداني والمصري.

ب. تحكم إثيوبيا في معدل انسياب المياه للسودان ومصر، بتحكمها في مياه بحيرة السد.

ج. تحكم إثيوبيا في توقيت فك المياه في أوقات غير مناسبة للمواسم الزراعية في السودان ومصر، وسوف تتأزم العلاقات آنذاك بسبب ذلك بين تلك الدول.

د. حجز الطمي خلف السد، الذي تستفيد منه الأراضي الزراعية داخل السودان في خصوبتها، ما يؤدي إلى فقر الأراضي.

هـ. احتمالات انهيار السد، وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على جمهورية السودان، خاصةً أن هذا السد يقع على بعد نحو 20 كم من الحدود السودانية، ومنطقة تشييده رخوة ومعرضة للانجرافات الأرضية.

و. تكفل إسرائيل بما يعادل 12% من ميزانية السد، إضافةً لتشجيعها لبيوت التمويل لتمويل هذا السد، يبرر تخوف السودان ومصر من تضررهما من إنشاء سد الألفية، وأن هناك أهدافاً أخرى غير معلنة وراء إنشاء هذا السد.

ز. تحكم إثيوبيا في مياه النيل الأزرق سوف يغير كثير من موازين القوة في المنطقة، ويعطي دولة إثيوبيا وضعاً يمكنها مستقبلاً من فرض خياراتها على دولتي المصب.

إن موقف جمهورية السودان المؤيد لقيام سد النهضة الإثيوبي، يمكن أن يكون بسبب أن للسـودان فائضاً مـن حصته لا يستفيد منها، لذلك لن تتأثر حصته كثيراً مقابل بعض الفوائد المتوقع الحصول عليها من قيام السد، وهو احتمال قد يكون ضعيفاً إذا أخذنا في الاعتبار أن حصة جمهورية جنوب السودان سوف تخصم من حصة جمهورية السودان.

3. اتفاقية عنتيبي

رفضت كل من جمهورية مصر، جمهورية السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية الانضمام لهذه الاتفاقية باعتبارها مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية وتؤثر على حقوق كل من السودان ومصر، ومن ثم شكل الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل (اتفاقية عنتيبي)، ضربة قوية لمبادرة دول حوض النيل، التي تأسست عام 1999.

هناك عدة تعقيدات متوقع أن تثيرها اتفاقية عنتيبي، بعد تنفيذها على أرض الواقع، وبعد أن يكتمل النصاب القانوني، الذي لن يشكل عدم انضمام دولتي المصب أي أثر عليه وعلى تنفيذ الاتفاقية، والتعقيدات المتوقعة هي:

أ. إنهاء الحق التاريخي لدولتي المصب في مياه النيل.

ب. تحكم دول الحوض الاستوائي والشرقي في مياه النيل.

ج. توصل إسرائيل إلى غايتها بجعل التحكم في مياه النيل خارج سيطرة دولتي المصب مصر والسودان.

د. مطالبة دول حـوض نهر النيل بإعـادة تـوزيع حصص مياه النيل من جديد، ما يؤثر على حصتي كل من جمهورية السودان وجمهورية مصر.

يواجه الأمن المائي في جمهورية السودان تحديات عديدة، وما جرى التطرق إليه ليس هو التحديات كافة، ولكنه أخطرها، وفي ظل عدم تحجيم هذه التحديات، فسوف يكون له أثر كبير على مستقبل الأمن المائي السوداني.

من المنتظر أن يواجه الأمن المائي لجمهورية السودان عقبات عديدة تحد من مسيرة الدولة نحو التقدم المنشود، وتحتاج لجهود كبيرة لإدارة هذا الملف بكل حنكة وحكمة، بعيداً عن النظرة الضيقة والمكايدات السياسية، للخروج منها بأكبر قدر من المكاسب التي تلبي متطلبات التنمية المرجوة، والفشل في إيجاد تسوية مقبولة من كل دول الحوض، سوف ينجم عنه مشكلات على الأمن الوطني لجمهورية السودان بمفهومه الواسع.