إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب فوكلاند





إغراق بلجرانو وشيفلد
معركة جوس جرين
الإبرار البريطاني بسان كارلوس
الهجوم على الغواصة سانتافي
القتال للجانبين 1 مايو
احتلال رأس الشاطئ
عملية ثلاجة فورتونا
عملية خليج ستورمنس
عملية خليج كمبرلاند

مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية
مسرح حرب فوكلاند
مسرح عمليات فوكلاند
معركة ويرلس ريدج
الاستيلاء على ستانلي
جورجيا الجنوبية "منطقة العمليات"
خط المرتفعات الثاني
جزيرة جورجيا الجنوبية
جزر فوكلاند
سقوط ستانلي
فكرة الغزو الأرجنتيني



حرب عام 1967

المبحث الأول

النزاع بين بريطانيا والأرجنتين

أولاً: الخلفية التاريخية

تعود جذور الأزمة التي تفجرت بين المملكة المتحدة والأرجنتين في أبريل عام 1982م حول تبعية جزر "فوكلاند" إلى مئات السنين. وقد اختلفت المصادر حول اكتشاف جزر فوكلاند فبينما نسبته المصادر البريطانية إلى الكابتن "جون ديفيز John Devis الذي تشير إلى أنه اكتشفها مصادفة عام 1592م عندما جرفت العواصف الشديدة سفينته دزاير Desire نحو تلك الجزر، فقد نسبته مصادر أخرى إلى الرحالة البرتغالي فرديناند ماجلان Ferdinand Magellan الذي تشير إلى أنه اكتشفها خلال رحلة قام بها عام 1520م، إلاّ أنه لم يطأ أراضيها.

غير أن الثابت والمسجل أن أول من وطأ تلك الجزر هو أحد البحارة الإنجليز ويُدْعى الكابتن "جون سترونج"، وقد وصل إليها عام 1690 وأطلق عليها اسم "فوكلاند" نسبة للفيكونت "فوكلاند" أمين خزانة البحرية البريطانية في ذلك الوقت. وسجل "جون سترونج" في مذكراته وصفاً دقيقاً لتلك الجزر تضمَّن طبيعتها الجغرافية ومناخها والكائنات التي تقطنها وجميع مظاهر الحياة فيها.

إلاّ أنه يمكن القول إن أول من أقام مستعمرة سكنية على جزر "فوكلاند" هو الفرنسي "لويس أنطون دي بوجانفيل Luis Antoin de Bouganvile"، الذي حضر إليها عام 1764 وأقام على جزيرة "فوكلاند الشرقية" أول مستعمرة فرنسية تضمنت قلعة صغيرة تشرف على مدخل الميناء الذي أطلق عليه اسم "بورت لويس Port Louis"، وكان الفرنسيون قد اكتشفوا جزر "فوكلاند" خلال رحلاتهم بين "سان مالو" و"ريو دي بلاتا"، وأطلقوا على هذه الجزر اسم "جزر مالومين Les Iles Malouine"، وهو الاسم الذي حوره الأسبان بعد ذلك إلى "لاس ايلاس مالفيناس Les Ioles Malvinas".

وفي العام التالي لإنشاء المستعمرة الفرنسية ظهر الإنجليز مرة أخرى، عندما حضر الكابتن "جون بيرون Jone Byron" في رحلة استكشافية إلى الجزر وأقام على جزيرة "سوندرز Sounders " (شمال جزيرة فوكلاند الغربية) أول مستعمرة بريطانية وأطلق على ميناءها اسم "بورت إجمونت Port Egmont". وقبل مغادرته للجزر ترك "بيرون" حامية بريطانية من عدد قليل من الأفراد في "بورت إجمونت".

1. النزاع الفرنسي البريطاني الإسباني على ملكية الجزر

ظل الوضع على ما هو عليه لمدة عامين آخرين قبل أن تكتشف المستعمرتان الفرنسية والبريطانية كل منهما الأخرى، وفي إحدى الرحلات التي كانت تقوم بها سفن المستعمرة البريطانية حول الجزر اكتشفت وجود المستعمرة الفرنسية، وطالبوا سكانها بمغادرة الجُزر على أساس أنها من الممتلكات البريطانية. ونشب نزاع بين المستعمرين حول أحقية كل منهما في ملكية الجُزر.

وبينما الفرنسيون والبريطانيون في نزاعهم، ظهرت أسبانيا على مسرح الأحداث كطرف ثالث في النزاع، وأعلنت لكل من الطرفين الفرنسي والبريطاني أن المنطقة بأسرها من الممتلكات الأسبانية وطالبتهم بالجلاء عن الجزر. وفي عام 1766م تنازل الفرنسيون عن مستعمرتهم نظير تعويض مالي ورحلوا عنها، فقام الأسبان بتغيير اسم ميناءها "بورت لويس" وأطلقو عليه اسم "بورتو دي لاسوليداد"، وبعد أربعة أعوام تمكنت أسبانيا من طرد البريطانيين من "بورت إجمونت".

ولمّا كانت الحكومة البريطانية عاجزة في ذلك الوقت عن اتخاذ إجراء عسكري مضاد ضد أسبانيا- التي كانت تسيطر على أمريكا الجنوبية- فقد دخلت في مفاوضات مع الحكومة الأسبانية لتحصل منها على موافقة بأحقية التواجد البريطاني في جزر "فوكلاند". وبالفعل تمكن البريطانيون في نهاية المفاوضات من الحصول على الموافقة المطلوبة، إلاّ أن الحكومة البريطانية لم تتمكن من الاحتفاظ بمستعمرتها في "بورت إجمونت" طويلاً بعد العودة إليها لعدم قدرتها على مواصلة الإنفاق على حاميتها هناك، خاصة بعد اندلاع الثورة في مستعمراتها في أمريكا الشمالية وانشغالها في إخماد تلك الثورة، ومن ثم أصدرت تلك الحكومة أوامرها عام 1774م بسحب حاميتها من "بورت إجمونت".

وخيَّم الهدوء والاستقرار على منطقة "فوكلاند" حتى عام 1806م، وعندما خضعت أسبانيا لسيطرة "نابليون" بدأت بريطانيا في مهاجمة الحكم الأسباني في "بوينس أيريس"، وشهدت تلك الحقبة تدهوراً في أحوال الجزر، ورحل عنها حاكمها الأسباني دون أن يترك إدارة مسئولة، مما تسبب في شيوع الفوضى وعدم استقرار الأمن وظهور بعض العصابات الإجرامية.

2. سيادة الأرجنتين على الجزر

وعلى أثر استقلال الأرجنتين عن أسبانيا عام 1816م، أعلنت سيادتها على جزر "فوكلاند" وغيَّرت اسمها إلى "لاس مالفيناس Las Malvinas" وعدَّت جميع الجزر الواقعة أمام سواحلها من ممتلكاتها الخاصة على أساس أنها الوريثة الوحيدة للمستعمرات الأسبانية في تلك المنطقة.

ولم يهتم أحد في ذلك الوقت بما ادَّعته الأرجنتين حقاً من حقوقها، ومضت عدة سنوات على هذا الوضع قبل أن تبدأ الأرجنتين محاولة جادة لبسط سلطانها على الجزر أو تأكيد ما تدعيه من حقوق. وفي عام 1829م عينت حكومة الأرجنتين "لويس فيرنيت Louis Vernet" حاكما على "لاس مالفيناس" وأعطته سلطات واسعة، بما في ذلك حق التصريح بالصيد ومنعه في المياه المحيطة بالجزر.

وأدّى هذا التصرف من جانب الأرجنتين إلى تورطها عام 1831م في مشاكل مع قوة أخرى ظهرت حديثا على المسرح، هي الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بدأت المشكلة عندما تحدت ثلاث سفن تابعة للولايات المتحدة تعليمات "فيرنيت" ولم تعترف بسلطانه على المنطقة، وقامت بالصيد من دون الحصول على إذن بذلك منه، فقام "فيرنيت" بالقبض عليها، وأرسل إحداها إلى "بوينس أيريس" لمحاكمة رُبَّانها وبحَّارتها، مما أثار غضب الولايات المتحدة، وقام قنصلها في "بوينس أيريس" "جورج سلاكوم George Slacum" بمطالبة الحكومة الأرجنتينية بالإفراج الفوري عن السفن الثلاثة وبحارتها، واعتبر هذا العمل من جانب فريت" أحد أعمال القرصنة التي توجب محاكمته عليها.

ولم تستجب حكومة الأرجنتين لما طلبته الولايات المتحدة على لسان قنصلها وماطلت في الرد عليها، فأصدرت الولايات المتحدة أوامرها إلى الكوماندر "سيلاس دانكان Cdr. Silas Duncan" قائد الفرقاطة "ليكسنجتون" “ بالإبحار إلى جزر "مالفيناس" لتأديب حاكمها والثأر لسفن الصيد. وفور وصول الفرقاطة إلى الجزر قامت بإطلاق مدافعها على مقر قيادة "فيرنيت" في سوليداد Soledad فدكته بقنابلها ونسفت مستودعات ذخائره، كما قام بحارة السفينة بالإغارة على قصر الرئاسة ونهبوا كل محتوياته وأسروا سبعة من أعوان "فيرنيت" واقتادوهم مكبلين بالأغلال إلى الفرقاطة الأمريكية التي أبحرت بهم. وفي طريق عودتها، عرَّجت الفرقاطة على ميناء "مونتفيديو" حيث قامت بإطلاق سراح الأسرى السبعة، غير أن حكومة الأرجنتين ثارت لما حدث من انتهاك لسيادتها وطالبت الولايات المتحدة بتعويض عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتها على الجزيرة، لكن الولايات المتحدة لم تأبه بتلك المطالب التي ظلت الحكومة الأرجنتينية تطالبها بها لمدة ثلاثة وخمسين عاماً.

3. عودة البريطانيين إلى الجزر

أغرى ضعف الأرجنتين الحكومة البريطانية باستعادة سيادتها على الجزر، وعهدت بتلك المهمة إلى الكابتن "جون أنسلو" قائد البارجة "كليو Clio" التي وصلت إلى الجزر عام 1833م، ولم تلق البارجة أي مقاومة من حامية الجزيرة المكونة من خمسين جندياً أرجنتينياً انصاعوا على الفور لأوامر البارجة عندما أمرتهم بالاستسلام، وبذلك رُفِعَ العلم البريطاني مرة أخرى على جزر "فوكلاند".

وأرسلت الأرجنتين احتجاجاً إلى الحكومة البريطانية وطالبتها بإجلاء قواتها عن الجزر، وماطل اللورد "بالمرستون Lord Palmerston" في الرد على الاحتجاج الأرجنتيني، وبعد ستة أشهر أرسل رد الحكومة البريطانية الذي أكدت فيه أن جزر "فوكلاند" من ممتلكات التاج البريطاني وليس للأرجنتين أي حق في الاحتجاج على ذلك.

وظلت الجزر حتى عام 1841م يتولى إدارتها حاكم عسكري تعينه الحكومة البريطانية من ضباط البحرية الملكية، غير أنه بعد هذا التاريخ وُضعت الجزر تحت إدارة مدنية استقرت في "بورت لويس". وفي عام 1845م تم تكوين المجالس التنفيذية والتشريعية، كما تم إعداد الدستور في عام 1877م. ومنذ ذلك التاريخ استقرت الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية للجزر حتى الحرب العالمية الأولى، عندما شهدت مياه الجزر عدة معارك بين الأسطولين الألماني والبريطاني انتهت بانتصار الأخير. وخلال الحرب العالمية الثانية اتخذت بريطانيا من ميناء "ستانلي" قاعدة بحرية لأسطولها في جنوب الأطلسي أنشأت فيها محطة للاتصالات اللاسلكية ذات أهمية استراتيجية.

4. النزاع بين بريطانيا والأرجنتين على الجزر

أ. مؤتمر هافانا عام 1942

استمرت الأرجنتين في المطالبة باستعادة الجزر، وفي عام 1940م حصلت على تأييد مؤتمر الدول الأمريكية الذي تَمَّ عقده في "هافانا" حيث أقَّرت دول المؤتمر أحقيتها في استعادة الجزر، كما طلبت "شيلي" هي الأخرى بضم جميع الأراضي الواقعة بين خطي طول 35 و90 درجة غرباً، بما في ذلك جزر "ساوث شيتلندز South Shetlands"، لكن بريطانيا عارضت ذلك بشدة ولجأت إلى محكمة العدل الدولية في "لاهاي" وفي مارس 1947 رفضت تلك المحكمة نظر القضية بسبب معارضة كل من "شيلي" و"الأرجنتين".

وفي عام 1958، عُرضت المشكلة على الأمم المتحدة غير أن بريطانيا احتجت على ذلك، على أساس أن البت في هذه المشكلة من اختصاص محكمة العدل الدولية في "لاهاي"

وفي عام 1959م اتفقت كل من بريطانيا والأرجنتين وشيلي على جعل المنطقة جنوب خط عرض 60 درجة جنوباً، منطقة منزوعة السلاح، وتضمن الاتفاق حظر تحرك السفن الحربية جنوب هذا الخط. وفي شهر ديسمبر 1959، أقرت هذا الاتفاق منظمة دول أمريكا اللاتينية على أن يشمل الاتفاق كل منظمة "القارة القطبية الجنوبية"

وفي عام 1964، قامت كل من الأرجنتين وشيلي بعمل مناورات بحرية في منطقة جزر "فوكلاند" مِمَّا أدَّى إلى احتجاج الحكومة البريطانية وإثارة المشكلة مرة أخرى في الأمم المتحدة في حضور ممثلين عن سكان الجزر.

وأثناء تناول المشكلة أبدى سكان الجزر على لسان ممثليهم، رغبتهم في الاستمرار تحت السيادة البريطانية، وتبعاً لذلك أصدرت المنظمة الدولية، في 21 سبتمبر 1964، قرارها باحترام رغبة السكان، وأوصت بإجراء مفاوضات مباشرة بين الحكومتين البريطانية والأرجنتينية، على أن يُؤخذ في الاعتبار احترام رغبات سكان الجزر وحقهم في تقرير مصيرهم.

ب. المفاوضات بين بريطانيا والأرجنتين

جرت المفاوضات، عام 1971، بين بريطانيا والأرجنتين في "بوينس أيرس" بغرض التوصل إلى صيغة تربط جزر "فوكلاند" بالأرجنتين وبالفعل توصلت الدولتان إلى اتفاق يحقق الاندماج التدريجي لسكان الجزر مع الأرجنتين، وتضمن الاتفاق إنشاء خطوط مواصلات بحرية وجوية، وإنشاء خدمات للبريد والبرق وخدمات طبية وثقافية. لكن بريطانيا اشترطت لإتمام هذا الاتفاق أخذ موافقة سكان الجزر، الأمر الذي أدَّى في النهاية إلى توتر العلاقات مرة أخرى بين الدولتين.

واستمر الوضع في التدهور إلى أن وصل إلى ذروته في عهد حكومة "بيرون" عام 1975، عندما أرسلت بريطانيا بعثة تجارية إلى الجزر على أثر ظهور شواهد بترولية، الأمر الذي أغضب حكومة الأرجنتين وقامت بسحب سفيرها في "لندن"، وبالمثل سحبت الحكومة البريطانية سفيرها من "بوينس أيريس"، في الوقت الذي قامت فيه سراً بإرسال قوة بحرية إلى منطقة الجزر لتأمينها تحسُّبا لأية محاولة من جانب حكومة الأرجنتين للاستيلاء عليها بالقوة. وبعد فترة جرت محاولات لاستئناف المفاوضات بين الدولتين غير أنها لم تسفر عن نتائج تُذكر سوى عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979.

وفي نوفمبر 1980، اقترح وزير الخارجية البريطانية على حكومة الأرجنتين أن تقوم بريطانيا بالاعتراف بالسيادة الأرجنتينية على الجزر مقابل أن تتخلى الأرجنتين عنها لمدة تسعين عاماً، وقد قبلت الأرجنتين هذا الاقتراح، إلاّ أن سكان الجزر رفضوا السيادة الأرجنتينية، ولما كانت بريطانيا تربط موافقتها بقبول سكان الجزر للحل المقترح، فقد تعثرَّت المفاوضات وزاد الموقف الأرجنتيني تشدداً خاصة بعد تولي الجنرال "ليوبولدو جالتيري" رئاسة الدولة وإعلانه أن الأرجنتين لن تقبل أن يكون جزءٌ من أراضيها محتلاً، وهكذا عاد الموقف مرة أخرى للتدهور.

ثانياً: مسرح الحرب (أُنظر خريطة مسرح حرب فوكلاند)، و(خريطة مسرح عمليات فوكلاند)، و(خريطة جزر فوكلاند)، و(خريطة جزيرة جورجيا الجنوبية)

غطى مسرح حرب "فوكلاند" معظم المحيط الأطلسي، حيث تقع الجزر البريطانية في شمال شرق هذا المحيط، بينما تقع كل من الأرجنتين وجزر "فوكلاند" و"جورجيا الجنوبية" في جنوبه الغربي، وتبعد جزر "فوكلاند" عن بريطانيا بنحو ثمانية آلاف ميل (12865 كم) في الوقت الذي لا تبعد فيه عن الأرجنتين أكثر من أربعمائة ميل (643 كم).

ويقع بين الجزر البريطانية وأرخبيل "فوكلاند" عدد من الجزر التي كانت في الماضي ضمن المستعمرات البريطانية أبرزها جزيرة "أسنشن" عند خط عرض 8 ْ جنوباً وخط طول 14 ْ غرباً، على مسافة نحو 4000 ميل (6432 كم) من جزر "فوكلاند".

كما توجد بعض الجزر التابعة لبريطانيا جنوب شرق أرخبيل "فوكلاند"، أبرزها جزيرة "جورجيا الجنوبية South Gorgia" الواقعة بين خطي عرض 54 ْ و55 ْ جنوباً وبين خطي طول 54- 35 ْ و15-  38 ْ غرباً، على مسافة نحو 800 ميل (1286 كم) من "بورت ستانلي" عاصمة جزر "فوكلاند".

وقد غطَّتَ أعمال التحضير والحشد والإبحار معظم المحيط الأطلسي بين الجزر البريطانية وجزيرة "جورجيا الجنوبية"، إلاّ أن العمليات وأعمال القتال الرئيسية تركزت أساساً في جزر "فوكلاند" وطرق الاقتراب إليها ومنها إلى الجزر المجاورة وساحل الأرجنتين.

1. الوصف الجغرافي لمنطقة "فوكلاند" (أُنظر خريطة جزر فوكلاند)، و (خريطة جزيرة جورجيا الجنوبية) و (خريطة جورجيا الجنوبية "منطقة العمليات")

أ. عام

يتكون أرخبيل "فوكلاند" من أكثر من مائتي جزيرة تغطي مساحة قدرها 4618 ميلاً مربعاً (11690 كم2). وتكثر بهذه الجزر المضايق والخلجان التي تصلح كموانئ جيدة لإيواء السفن، كما تكثر بها المرتفعات والسهول الساحلية الصخرية الخالية من الأشجار. وتُعَّد جزيرتي "فوكلاند الشرقية" و"فوكلاند الغربية" الجزيرتين الرئيسيتين في هذا الأرخبيل، ويفصل بينهما مضيق "فوكلاند"، وتنتشر حولهما مجموعات من الجزر الصغيرة معظمها مهجور عدا اثنتي عشرة جزيرة يوجد بها بعض السكان.

وتتصل جزر "فوكلاند" بقارة أمريكا الجنوبية بواسطة سلسلة من الجبال الغارقة تحت مياه المحيط. والحياة النباتية على الجزر تشبه إلى حد كبير الحياة النباتية على القارة، إلاّ أن الجُزر تخلو تماماً من الأشجار التي بُذلت عدة محاولات لغرسها غير أنها فشلت جميعها بسبب الرياح الشديدة المستمرة التي تهب على تلك الجزر.

ولا توجد أي شواهد تنبئ بأن الإنسان قد سبق له الإقامة على تلك الجزر قبل إنشاء أول مستعمرة بها في منطقة "بورت لويس" عام 1764م بواسطة الرحالة الفرنسي "لويس أنطوان دي بوجانفيل".

ومنذ ذلك التاريخ تزايد عدد سكان الجزر حتى بلغ 2392 نسمة عام 1931، إلاّ أن هذه الأعداد أخذت في التراجع بعد هذا التاريخ حتى وصلت إلى نحو 1800 نسمة فقط عام 1981، وهو ما يرجع بالدرجة الأولى إلى صعوبة الحياة على الجزر بسبب قسوة الطقس وقلة الخدمات العامة، فضلاً عن وجود الجزر في مكان ناء وموحش.

وينحدر غالبية السكان من أصل اسكوتلاندي وايرلندي مع وجود أقلية من أصل اسكندنافي، ولكن الجميع يَدِينون بالولاء لبريطانيا وطنهم الأم، ويسكن ما يقرب من نصف السكان بالعاصمة "ستانلي"، أما باقي السكان فإنهم يقيمون بالمزارع.

وباستثناء قطعان عجول وأفيال البحر ومستعمرات طيور البطريق، فإن الحيوانات التي استوطنت الجزيرة قليلة للغاية، وحتى قطعان الماشية التي أحضرها المستوطنون الأوائل وأطلقوها في الجزر كي تتوالد نفق معظمها ولم يتبق منها سوى قطعان الخراف التي أصبحت تربيتها وتصدير صوفها مصدر الدخل الرئيسي لسكان الجزر.

وتنحصر وسائل الاتصال التي تربط الجزر بالعالم الخارجي في محطة رئيسية للاتصال اللاسلكي بالعاصمة وأخرى فرعية في خليج "فوكس"، كما توجد خطوط ربط لاسلكية بين جميع المزارع ومختلف أنحاء الجزر، مما يجعلها على اتصال دائم بالعاصمة، كما تقوم الحكومة بتسيير عدد من السفن الصغيرة لأغراض التنقل بين الجزر، بالإضافة إلى بعض الزوارق الخاصة وخط الطيران الداخلي الذي يستخدم طائرات برمائية.

ب. جزيرة فوكلاند الشرقية

تُعدّ جزيرة فوكلاند الشرقية أكبر الجزر الواقعة في الأرخبيل، وتبلغ مساحتها 2550 ميلاً مربعاً (6604 كم2)، وتنتشر في الجزء الشمالي منها سلسلة من المرتفعات الوعرة أبرزها مرتفعات "ويكهام" التي تمتد من الشرق إلى الغرب، ويبلغ أقصى ارتفاع لها 2245 قدماً (684 م) عند قمة جبل "أسبورن"، أمّا باقي سطح الجزيرة فهو سهل متعرج تنمو عليه الأعشاب، وليس بالجزيرة سوى محورين تكتيكيين لتقدم الوحدات البرية من الشرق إلى الغرب والعكس، لا تزيد سعة كل منهما عن لواء مشاة، الأول في شمال الجزيرة ويمتد من "ستانلي" إلى "سان كارلوس" ماراً "بتيل" و"دوجلاس"، والثاني شمال خليج "شواسل" ويمتد من "ستانلي" إلى "جوس جرين" ماراً بـ"بلف كوف" و"فيتزوري" و"دارون". وأبرز معالم هذه الجزيرة هي:

(1) رأس دولفين Dolphin Head

ويقع هذا الرأس في أقصى الشمال الغربي للجزيرة، وهو عبارة عن شريط رفيع من الأرض يبرز عن الخط العام للساحل في اتجاه الشمال الغربي لمسافة تسعة أميال (14 كم).

(2) صخرة "أديستون"

تقع هذه الصخرة على مسافة تقرب من أربعة أميال في اتجاه الشمال الغربي من رأس "دولفين" ويبلغ ارتفاعها 79 م، والبحر مضطرب بينها وبين رأس "دولفين" ويشكل خطورة بالغة على السفن الصغيرة.

(3) مضيق "بيركلي" Berkely Sound

يقع هذا المضيق في أقصى الشرق من جزيرة فوكلاند الشرقية، ويمتد في اتجاه الغرب لمسافة ستة عشر ميلاً (25.7كم) وينتهي إلى مينائي "جونسون" و"بورت لويس"، وهما مرسيان جيدان حيث تبلغ الأعماق عند مدخليهما ما بين 18.3 و 36.6 م، ثم تقل داخل المينائين إلى ما بين ستة أمتار و12 م.

(4) مضيق "ويليم"

يقع هذا المضيق جنوب مضيق بيركلي ويوجد به ميناءا "ستانلي" و"ويليم"، ويتم الدخول إليه من نقطة "منجيري" ورأس "بمبروك" على الطرف الشرقي لشبه جزيرة رملية بيضاء تشكل الجانب الشرقي للميناء وتوفر مَرْسىً جيداً يحمي من الرياح الغربية السائدة، ويقع مدخل ميناء "ستانلي" في الجزء الجنوبي من ميناء "ويليم"، ويبلغ عدد سكانه حوالي ألف نسمة.

(5) ميناء "سان كارلوس" Port San Carlos

يقع هذا الميناء على الساحل الغربي لجزيرة "فوكلاند الشرقية" شمال غرب جبل "أسبورن"، وهو ميناء آمن وفسيح وخالٍ من العوائق الملاحية تقريباً، وينقسم جزئين على مسافة ميلين ونصف من المدخل، حيث يتصل نهر "سان كارلوس" بأحد أجزاء الميناء، وهو صالح للملاحة بالنسبة إلى السفن الصغيرة لمسافة 3 ـ 4 أميال (4.8 ـ 6.4 كم) ولمسافة ستة أميال (9.6 كم) بالنسبة إلى اللنشات.

ج. جزيرة "فوكلاند الغربية"

تأتي هذه الجزيرة بعد جزيرة "فوكلاند الشرقية" من حيث المساحة والأهمية، وعلى عكس الجزيرة الأخيرة فإن مرتفعات جزيرة "فوكلاند الغربية" التي أبرزها مرتفعات "هورنباي"، تمتد بمحاذاة مضيق "فوكلاند" من اتجاه الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، وتبلغ أقصى ارتفاع لها عند قمة جبل "آدم"، حيث تبلغ تلك القمة 2290 قدماً (698 م). ويُعد ميناء "هوارد" من أبرز معالم جزيرة "فوكلاند الغربية"، وهو يوفر مَرْسىً جيداً للسفن الكبيرة، حيث تبلغ أعماقه 4-5 قامة (7.3-9.1 م).

د. جزيرة "ببل Pebble"

تقع هذه الجزيرة في أقصى الشمال الشرقي لجزيرة "فوكلاند الغربية" ويفصلها عن الأخيرة مضيق "ببل". وتمثل قمم مرتفعات "ببل" علامات واضحة للتعرف على هذا الجزء من الساحل الذي يخلو من المراسي الجيدة، إلاّ أن مضيق "ببل" يمكن أن يوفر مَرسى جيداً للسفن المحلية الصغيرة فقط، نظراً إلى الجزر الصغيرة والمياه الضحلة التي تعوق الملاحة فيه.

هـ. مضيق "فوكلاند"

يمتد مضيق "فوكلاند" من جنوب مضيق شمال "فوكلاند" حتى جزيرة "سبيدول" لمسافة خمسين ميلاً (80,4 كم) فاصلاً بين جزيرتي فوكلاند الشرقية وفوكلانـد الغربية، ويبلغ عرضه عند طرفه الشمالي نحو ميلين ونصف (4 كم)، إلاّ أنه يتسع في اتجاه الجنوب الغربي ليبلغ ثمانية عشر ميلاً (29 كم) عند طرفه الجنوبي، وتنتشر في هذا المضيق العديد من الجزر التي أبرزها مجموعة جزر "سوان" في الوسط ومجموعة جزر "نيس" في الجنوب، كما تقع جزيرة "رجلز" عند الطرف الجنوبي الشرقي للمضيق تحيط بها رقعة من الصخور يبلغ ارتفاع الماء فوقها 180سم.

2. الأحوال الجومائية السائدة في منطقة "فوكلاند"

أ. الطقس

(1) عام

يتسم الطقس في منطقة "فوكلاند" بالتقلب، حيث يمكن مشاهدة كل فصول السنة في يوم واحد، وفي معظم الأيام تسود الرياح التي لا تقل سرعتها عن 15 عقدة (27 كم في الساعة). وعندما يكون البحر هادئاً يصبح منبسطاً تماماً، إلاّ أنه يمكن لهذا الهدوء أن يتغير بسرعة ليفسح المجال للأمواج العالية التي يزيد ارتفاعها في كثير من الأحيان عن عشرين قدماً (ستة أمتار) تصاحبها رياح تصل سرعتها إلى 30 عقدة (54 كم في الساعة).

ومع حلول الشتاء في جنوب الأطلسي، فإنه يجلب معه في منطقة "فوكلاند" طقساً قارس البرودة مصحوباً بسلسلة متعاقبة من العواصف القطبية والرياح الشديدة، والضباب والثلوج والبرد والأمطار، ويصبح شائعاً ارتفاع الأمواج ما بين 30 و40 قدماً (9,1 ـ 12,1 م)

(2) حرارة الجو والرطوبة

يبلغ متوسط درجة الحرارة صيفاً في ميناء "ستانلي" 50 درجة فهرنهيت، وتقل عن ذلك في مناطق الساحل الغربي، حيث تصل درجة الحرارة إلى 47 فهرنهيت، ويبلغ معدل التفاوت اليومي في درجات الحرارة حوالي 12 درجة فهرنهيت. وتزداد نسبة الرطوبة في رأس "بمبروك"، حيث يصل متوسطها 80% صيفاً و88% شتاءً، بينما يصل متوسط التباين اليومي حوالي 10% صيفاً و5% شتاءً.

(3) الرياح

الرياح السائدة في المنطقة هي الرياح الغربية العاصفة، التي تميل لتكون جنوبية غربية في الصيف، وشمالية غربية في الشتاء، وتقل سرعة الرياح بصفة عامة في الليل عنها في النهار، وقد تهب بعض الرياح الشديدة فجأة.

وتمر معظم المنخفضات الجوية إلى الجنوب من جزر "فوكلاند"، مما يتسبب في حدوث عواصف فيما بين اتجاه الشمال والجنوب الغربي، غير أنه في بعض الأحيان يمر مركز العاصفة بجوار أو فوق الجزر متجهاً نحو الشمال الشرقي أو الشرق، وفي هذه الحالة قد تصل سرعة الرياح الشرقية في جبهة المنخفض إلى قوة العاصفة وتصحبها أمطار غزيرة، أما العواصف الجنوبية فتسبب هياجاً شديداً في البحر بعيداً عن السواحل الجنوبية، وقد يحدث ثمانية عشر منخفضاً جوياً بين شهري إبريل وأغسطس، وأثناء حدوث المنخفضات العميقة صيفاً أو شتاءً يستمر هبوب الرياح التي تبلغ قوتها 7 بمقياس "بيفورت" أو أكثر ما يقرب من يومين.

(4) السُّحُب

تتكون السُّحُب الكثيفة فوق جزر "فوكلاند"، وتظل السماء غائمة طول العام، وقد تكون السماء أكثر غياماً على السواحل الغربية المكشوفة، وتكون السماء في أصفى حالاتها قرب منتصف الليل، بينما تكون في أسوأ حالاتها عند شروق وغروب الشمس، وعادة ما يحدث هبوط في درجة كثافة السحب عند منتصف النهار.

(5) الأمطار والثلوج

يبلغ المتوسط السنوي للأمطار فوق ميناء "ستانلي" 26 بوصة (66 سم) ويزداد المتوسط عن ذلك المعدل على الساحل الغربي المكشوف وتتوزع كثافة الندى بشكل جيد على مدار العام، إلاّ أنه يبلغ أعلى درجاته صيفاً وأدناها في الربيع.

وتتساقط الأمطار فوق ميناء "ستانلي" بغزارة شديدة بمعدل مرة واحدة في الشهر، فيما بين شهري نوفمبر ومايو، وبدرجة تقل عن ذلك في باقي شهور السنة، ويزداد هذا المعدل بالنسبة إلى السواحل الغربية للجزر، كما تكون الأمطار مقترنة بحدوث المنخفضات الجوية.

وتتساقط الثلوج ما يقرب من عشرة أيام شهرياً خلال الشتاء. أما الثلوج الدائمة فإنها تقع على ارتفاع ألف متر فوق سطح البحر، كما يمكن مقابلة أعداد كبيرة من جبال الثلوج في المناطق البحرية الجنوبية والشرقية والشمالية من جزر "فوكلاند".

(6) الضباب ووضوح الرؤية

يتمُّ رصد الضباب عند رأس "بمبروك" بمعدل 3 ـ 4 أيام في الشهر طوال العام ويبلغ أقصى معدل لتكراره في الساعة الرابعة صباحاً وأدناه حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر صيفاً، أمّا شتاءً فلا تغيير في معدلاته.

ويوضح الجدول التالي عدد فترات الضباب وانخفاض مدى الرؤية صباحاً في ميناء ستانلي على أساس أن (أ) تمثل عدد فترات الصباح التي يكون مدى الرؤية فيها أقل من نصف ميل، و(ب) تمثل عدد فترات الصباح التي يكون مدى الرؤية فيها أقل من ميليَن:

مايو ـ سبتمبر

نوفمبر ـ مارس

ميناء ستانلي

ب

أ

ب

أ

31

5

15

2

ب. التيارات المائية

(1) تيار المحيط الجنوبي

يسري هذا التيار شرقاً حول محيطات العالم، وبالنسبة إلى جنوب المحيط الأطلسي فإنه يتسع في المنطقة القريبة من جزر فوكلاند وينتشر الجزء الشمالي منه كالمروحة في الاتجاه الشمالي إلى الشرقي أمام السواحل الجنوبية والشرقية لجزر "فوكلاند" حتى يصل إلى خط عرض 38 ه جنوباً حيث يملأ هذا التيار البارد تلك المنطقة بالكامل حتى خط عرض 60 ه جنوباً، وتبلغ سرعة هذا التيار 1 ـ 2 عقدة (1,8 ـ 3,6 كم في الساعة)، والاتجاه الرئيسي لسريانه في كل فصول السنة هو الشمال الشرقي والشرق.

(2) تيار فوكلاند

هو فرع من تيار المحيط الجنوبي ويسري في اتجاه الشمال والشمال الشرقي أمام الجانب الغربي من جزر فوكلاند، ويجلب المياه الباردة إلى الشمال من تيار المحيط الجنوبي ولا تتجاوز سرعة هذا التيار عقدة واحدة (1,8 كم في الساعة)، إلاّ أنه قد تبلغ سرعته أحياناً 2,5 عقدة (4,5 كم في الساعة).

(3) تيار المد والجزر

يُعد تيار المد والجزر ضعيفاً للغاية ولا يجب وضعه في الحسبان في الجزء الجنوبي الشرقي من جزر فوكلاند، غير أنه يوجد تيار سرعته من نصف عقدة إلى عقدة واحدة يسير في اتجاه الريح عادة، إلاّ أنه بعد المرور في اتجاه الشمال الشرقي من مدخل ميناء "هاريت"، يبدأ ظهور تيار شديد للمد والجزر، وعند الاقتراب من رأس بمبروك وحولها تصبح سرعة التيار من عقدتين إلى ثلاث عقد (3,6-5,4 كم في الساعة)، تبعاً لظهور القمر، ثم تهدأ سرعته كلما اتجهنا شمالاً، حيث يوجد تيار ضعيف جداً في ميناء "ويليم" ومضيق "بيركلي"، كما أن سريان المد في اتجاه الجنوب قوي أيضاً بدرجة متساوية، ويمتد اندفاع قوي من المد إلى مسافة ميلَيْن، من رأس "بمبروك" أثناء هبوب الرياح الشديدة.

وعموماً فإن سرعة تيار المد والجزر عند مدخل ميناء "ستانلي" تبلغ عقدة ونصف العقدة (2,7 كم في الساعة) عند المد العالي، غير أنه قد تتزايد هذه السرعة بدرجة كبيرة في أحوال خاصة.

ج. الأعماق

يبعد خط عمق 100 قامة (180 م) عن جزر فوكلاند حوالي 50 ميلاً (80,4 كم) من اتجاه الشمال حتى الغرب في اتجاه عقرب الساعة حول الجزر، أمّا في الاتجاه العكسي من الشمال حتى الغرب، فإن العمق على تلك المسافة يقلّ عن 100 قامة (180 م)، ومن ثمّ فإنه يحد من عمل الغواصات النووية.


 



[1] مقر بعثة المساحة القطبية في خليج كمبريلاند على بعد بضعة كيلو مترات من ميناء ليث.

[2] عملية الحشد في جنوب الأطلسي لاستعادة الجزر.