إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب فوكلاند





إغراق بلجرانو وشيفلد
معركة جوس جرين
الإبرار البريطاني بسان كارلوس
الهجوم على الغواصة سانتافي
القتال للجانبين 1 مايو
احتلال رأس الشاطئ
عملية ثلاجة فورتونا
عملية خليج ستورمنس
عملية خليج كمبرلاند

مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية
مسرح حرب فوكلاند
مسرح عمليات فوكلاند
معركة ويرلس ريدج
الاستيلاء على ستانلي
جورجيا الجنوبية "منطقة العمليات"
خط المرتفعات الثاني
جزيرة جورجيا الجنوبية
جزر فوكلاند
سقوط ستانلي
فكرة الغزو الأرجنتيني



حرب عام 1967

المبحث الثاني

الغزو وتداعيات الموقف

أولاً: الغزو الأرجنتيني للجزر (أُنظر خريطة فكرة الغزو الأرجنتيني) و (خريطة الاستيلاء على ستانلي)، و (خريطة جزيرة جورجيا الجنوبية "منطقة العمليات")

استهدف الغزو الأرجنتيني لجزر "فوكلاند" استعادة السيطرة على تلك الجزر وضمها للأرجنتين من ناحية، وتحويل أنظار الشعب الأرجنتيني عمَّا تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية وتزايد معدلات البطالة وتدهور لقيمة العملة من ناحية أخرى، وعلى ذلك كانت قضيَّة الجزر تمثل مخرجاً وطنيا لإعادة ثقة الشعب في النظام العسكري الحاكم، الذي صوَّر العملية على أنها خطوة وطنية شجاعة لاستعادة حقوق الأرجنتين المغتصبة، بالإضافة إلى ما أثير في ذلك الوقت عن اكتشاف ظواهر بترولية في تلك الجزر توحي بأنها غنية بالبترول، في الوقت الذي أشارت فيه جميع التقارير المتعلقة بالصناعات البترولية في الأرجنتين إلى ضرورة العمل السريع من أجل اكتشاف حقول بترولية جديدة، لأن معظم الحقول في المناطق الوسطى والشمالية من البلاد في طريقها إلى النضوب سريعاً، وأن الفشل في العثور على احتياطيات جديدة سيضع الأرجنتين في مأزق اقتصادي خطير.

ومن ناحية أخرى، كان تقدير المجلس العسكري الحاكم للظروف المحيطة مشجعاً لعملية الغزو، فبالإضافة إلى العوامل الأرجنتينية الداخلية السابقة كان المجلس يرى أن الولايات المتحدة وان كانت حليفة لبريطانيا في إطار حلف "الناتو" فإنها كانت حريصة على تقوية وتدعيم روابطها بدول أمريكا الجنوبية، مما يدفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ موقف متوازن بين الجانبين إذا اشتعلت الحرب بينهما، كما قدَّر المجلس العسكري أن البُعد الجغرافي للجزر عن المملكة المتحدة وعدم وجود قوات بريطانية يُعتد بها في المنطقة يوفر للأرجنتين الفرصة للاستيلاء على الجزر وتدعيم أوضاعها فيها ويفرض أمراً واقعاً جديداً يجعل الحكومة البريطانية تتردد كثيراً قبل الإقدام على مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج لاستعادة سيطرتها على تلك الجزر، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعاني منها بريطانيا والتي ستزيد أي عمليات عسكرية من ضائقتها.

ولتنفيذ العملية خصصَّت القيادة الأرجنتينية قوة من نحو خمسة آلاف فرد وثلاث مجموعات عمليات بحرية شُكلت على النحو التالي:

1. مجموعة العمليات رقم (40)

وكلفت هذه المجموعة بعملية الإنزال البحري على جُزر "فوكلاند" والاستيلاء عليها وتأمينها لحين وصول قوة الاحتلال، وشُكلت هذه المجموعة من السفن التالية:

أ. سفينة إبرار الدبابات "كابو سان أنطونيو" لإنزال 19 مركبة برمائية كبيرة، وسفينة النقل "ايلا دي لوس استادوس" لنقل المعدات والإمدادات.

ب. المدمرتين "سانتا سيما ترينداد" و"هيركوليز"، والفرقاطتين "دروموند" و"جرانفيل" لأغراض الحماية والمعاونة بالنيران.

ج. الغواصة "سانتا في" وكاسحة الجليد "الميرانت ايرزار" لأغراض التأمين والمعاونة.

د. وحدة الكوماندوز الخاصة لمشاة البحرية Buzo Tactico.

هـ. كتيبة مشاة البحرية الثانية.

وأسندت قيادة قوة الإبرار إلى رير أدميرال "كارلوس بسر" (تحمل مشاة البحرية الأرجنتينية رتباً بحرية).

2. مجموعة العمليات رقم (60)

وكُلفت هذه المجموعة بالاستيلاء على جزيرة "جورجيا الجنوبية"، وشُكلت من سفينة النقل الصغيرة "باهيا باريزو Bahia Baraiso" (حمولة 4600 طن)، والفرقاطة "جيريكو Guerrico".

3. مجموعة العمليات رقم (20)

وكُلفت هذه المجموعة بتوفير الحماية عن بعد على طرق الاقتراب من الشمال إلى المجموعتين السابقتين، وشُكلت تلك المجموعة من الوحدات التالية:

أ. حاملة الطائرات الهجومية "25 مايو Veinticinco de Mayo".

ب. ثلاث مدمرات طراز "آلان سومنر" ("سجوي D25"، "هيبوليتو بوشار D26"، بيدرابونا D29").

ج. المدمرة "كومودورو باي D27" طراز "جيرنج".

وقد تلخصت الفكرة العامة لعملية الغزو الأرجنتيني للجزر فيما يلي:

استغلال الظروف السياسية السائدة في المنطقة وما يتيحه الموقع الجغرافي لجزر "فوكلاند" وضعف الوجود العسكري البريطاني في المنطقة للقيام بعملية إنزال بحري بواسطة مشاة الأسطول تساندها الوحدات البحرية والقوات الجوية للاستيلاء على الجزر وإعلان السيادة الأرجنتينية عليها.

وفي حالة ظهور نوايا بريطانية للقيام بعمل عسكريّ لاستعادة هذه الجزر يتم تدعيم القوات الأرجنتينية بالمنطقة بقوات إضافية أخرى استعداداً للدخول في معارك دفاعية مع القوات البريطانية تحت ظروف الحصار البحري والجوي البريطاني، مع استغلال التفوق الجوي الأرجنتيني في مسرح العمليات لإيقاع الهزيمة بالقوات البريطانية المهاجمة.

وطبقاً لخطة العملية كان على وحدة الكوماندوز الخاصة النزول إلى الشاطئ أولاً في "موليت كريك" والاستيلاء على مقر الحكومة وثكنات مشاة البحرية البريطانية في "مودي برووك Moody Brook"، يليها الكتيبة الثانية مشاة بحرية، التي كان سيتم إبرارها في منطقتين، الأولى قرب المطار للاستيلاء عليه وتأمينه، والثانية في ميناء "ستانلي" مباشرة. وكان من المأمول أن تنجح وحدة الكوماندوز الخاصة في فرض الاستسلام على الهدفين المحددين لها، فإذا لم تستطع كان على قوات الكتيبة الثانية مشاة بحرية- التي ستُبر في أعقابها- القيام بهذه المهمة. أمّا بالنسبة إلى السكان المدنيين فقد كانت التعليمات القاطعة للقيادة الأرجنتينية تقضي بعدم تعريضهم للخطر.

وفور تأمين مشاة البحرية مطار "ستانلي" والقضاء على المقاومة البريطانية في المنطقة، كان على طائرات النقل من طراز "سي 130" بدء الجسر الجوي لنقل الفوج الخامس والعشرين مشاة الذي كان مقرراً أن يُشكل قوة الاحتلال الرئيسية فور انسحاب مشاة البحرية بعد استيلائها على "ستانلي".

4. الإبحار إلى منطقة العمليات

في الثامن والعشرين من مارس كانت معظم سفن المجموعات البحرية الأرجنتينية الثلاث تبحر في طريقها إلى منطقة عملها طبقاً لخطة العملية، تحت غطاء المشاركة في المناورات المشتركة مع بحرية أورجواي. وأبحر على رأس هذا الأسطول- الذي خرجت معظم سفنه من قاعدة "بورتو بلجرانو" البحرية- الأدميرال (فريق أول بحري) "جولتار أللارا" قائد العملية على متن المدمرة "سانتا سيما ترينيداد" حاملة الصواريخ الموجهة، بينما أبحر قائد قوة الإبرار ومعه ثماني مائة جندي من مشاة البحرية ومركباتهم البرمائية، بالإضافة إلى فصيلة من الفوج الخامس والعشرين (39 جندياً) على متن سفينة إبرار الدبابات، وحملت كاسحة الجليد الاحتياطي التكتيكي للعملية، أما سفينة النقل فقد حُملت بشحنة هامة من المعدات والإمدادات العسكرية.

واستغرقت الرحلة البحرية لمجموعة العمليات رقم (40) خمسة أيام، ولم تتم تلك الرحلة كما خُطط لها نتيجة لقسوة الأحوال الجوية، حيث تم التخلي عن خط السير الذي كان يلتف من الجنوب حول الجزر بحيث يحقق الاقتراب النهائي من اتجاه الجنوب الشرقي. كما تأخرت توقيتات العملية بما فيها ساعة الصفر أربعاً وعشرين ساعة، واستدعت حالة الطقس في أول أبريل تعديل بعض المهام، وفي اليوم نفسه صدرت الأوامر لمجموعة العمليات رقم (60) باحتلال "جرايتفكن" وميناء "ليث" في جزيرة "جورجيا الجنوبية".

وبينما كانت مجموعة العمليات رقم (40) تقترب من منطقة عملياتها، كان البريطانيون يستعدون لهم بعد أن التقطت أجهزة مخابراتهم العديد من البرقيات اللاسلكية الأرجنتينية ونجحت في فك شفراتها. وقد أمدتها تلك البرقيات بالعديد من المعلومات الثمينة، وكان من أبرز هذه البرقيات تلك التي أُرسلت إلى الغواصة سنتافي" يوم 31 ديسمبر تأمرها بالطفو على السطح وإجراء استطلاع لشواطئ الإنزال قرب "ستانلي".

وصادفت عملية الغزو التوقيت السنوي لتبديل الحامية البريطانية في الجزر، حيث وصلت قوة الحامية الجديدة قبل ثلاثة أيام من تاريخ الغزو، وعلى ذلك كان هناك في جزيرة "فوكلاند الغربية" قوة مضاعفة عندما بدأ الإبرار يوم 2 أبريل. وتولى الميجور (الرائد) "ميك نورمان" القائد الجديد للحامية قيادة القوة التي توفرت في الجزيرة، والتي كانت لا تزيد عن 164 جندياً وأربعة ضباط، منهم 66 جندياً وضابطان من مشاة البحرية وتسعة أفراد من طاقم السفينة "انديورنس".

وعلى الرغم من وصول معلومات جديدة من لندن تشير إلى أن التحركات الأرجنتينية أكثر من مجرد استعراض للقوة وتزيد من احتمالات الغزو، فإن حاكم الجزيرة ظل على اعتقاده بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مظاهرة، واكتفى برفع حالة الاستعداد، وأعطى أوامره بأنها إذا أنزلت الغواصة الأرجنتينية التي رُصدت بالمنطقة مجموعة أفراد للتظاهر على الشاطئ، فإنه يجب إلقاء القبض عليهم. أما إذا اتخذ الإنزال صبغة عسكرية تكتيكية، فإنه يجب إطلاق النار عليهم، إلاّ أنه يجب تجنب القتال قرب المنازل في "ستانلي". وهذه الأوامر من الحاكم "ركس هنت" توضح أنه كان يعتقد أن الأمر لن يعدو إنزال مجموعة من الأفراد للتظاهر على الشاطئ ورفع علم الأرجنتين، ثم يسمحون بالقبض عليها كنوع من الفرقعة الإعلامية. وعلى ذلك فإنه كان ينوي إلقاء القبض عليهم وإحضارهم إلى مقر الحكومة وإلقاء درس قاسي عليهم ثم ترحيلهم إلى الأرجنتين.

وعلى المستوى الدفاعي كانت القوة المتاحة للحامية لا تفي باحتياجات الدفاع، كما كان كل مخزون مشاة البحرية من الموانع في الجزر لا يزيد عن بضعة لفات من السلك الشائك تم نشرها على أكثر الشواطئ احتمالاً للإنزال قرب المطار، بينما أتم جنود مشاة البحرية تحضيراتهم بحمل ما يستطيعون من الذخيرة.

ومع اقتراب موعد الغزو تزايدت التقارير التي تلقاها الحاكم والتي ترجح وقوع غزو وشيك للجزر. فعقد الحاكم اجتماعاً في أول أبريل وأعطى تعليماته للرسميين المدنيين بحرق مستندات معينة، وأعلن أنه سيذيع بياناً على الشعب في الجزر. وخلال الاجتماع أُثير موضوع الإجراء الذي يجب اتخاذه حيال نحو أربعين أرجنتينياً يعملون في مدينة "ستانلي". وكان من رأي الميجور "نورمان" إلقاء القبض عليهم حتى لا يعملوا كطابور خامس لقوات الغزو، إلاّ أنه تم استبعاد هذا الاقتراح حتى لا تتخذه الأرجنتين ذريعة للغزو فعلاً إذا لم تكن هناك نية لتنفيذه، وعلى ذلك تقرر بقاء هؤلاء الأرجنتينيين أحراراً إلى حين. وفور فض الاجتماع اتجه الحاكم لمحطة الإذاعة المحلية ليعلن على شعب الجزر أن الغزو أصبح وشيكاً، وأنه يُنتظر وقوعه خلال الليلة القادمة (ليلة 1/2 أبريل) أو في صباح اليوم التالي (2 أبريل).

أمّا عن الجانب الأرجنتيني، تلقت قيادة عملية الإبرار في أول أبريل معلومات بأن حامية الجزر قد تضاعف عددها وأن حاكم الجزر أعلن في الإذاعة عن غزو وشيك، فقدرت تلك القيادة أن المقاومة البريطانية ستزداد خاصة بعد ضياع المفاجأة، ومن ثمَّ قرَّر قائد قوة الإبرار تركيز كل قواته في منطقة "ستانلي" واستبعاد إبرار مجموعات صغيرة على ساحل خليج "فوكس Fox Bay" و"جوس جرين Goos Green" كما كانت تقضي الخطة الأصلية.

وفي الوقت الذي كان فيه قائد قوة الإبرار يجري التعديل السابق على خطته، تقدَّم ثلاثةٌ وعشرون مدنياً من سكان "ستانلي" للتطوع تلبية لنداء الحاكم الذي طلب من أعضاء الدفاع المحلي- حتى السابقين منهم- تقديم أنفسهم للخدمة، وكُلف هؤلاء المدنيون باتخاذ مواقعهم في نقاط مختلفة للقيام بأعمال المراقبة، بينما اتخذ مشاة البحرية مواقعهم على الشاطئ قبل منتصف الليل. وخلال ليلة 1/2 أبريل استقبلت محطة الإذاعة في "ستانلي" نداء سفينة القيادة الأرجنتينية تطلب من البريطانيين في المدينة التسليم بهدوء، إلاّ أن ذلك الطلب رُفض على الفور.

5. الاستيلاء على جزر "فوكلاند"

بدأت سفن مجموعة العمليات رقم (40) تقترب من الشاطئ الشرقي لجزيرة "فوكلاند الشرقية خلال ليلة 1/2 أبريل"، وفي الساعة 2100 تسللَّت القوارب المطاطية من المدمرة "سانتاسيما ترينداد" تحمل أفراد وحدة كوماندوز مشاة البحرية (نحو ستين فرداً) وولَّت وجهتها نحو "بورت هارييت" جنوب "ميناء ستانلي Stanley Harbour"، حيث كان عليها التقدم شمالاً سيراً على الأقدام والاستيلاء على كلِّ من مقر الحكم وثكنات الحامية البريطانية.

وفي فجر 2 أبريل قامت الغواصة "سنتا في" من وضع الغطس بانزال مجموعة من الضفادع البشرية بالقرب من نقطة "شارلس" شمال شرق خليج "يورك"، بغرض استطلاع أي عوائق أو موانع في منطقة الإبرار على شاطئ ذلك الخليج،وبعد ساعة واحدة كانوا قد انتهوا من تنفيذ مهمتهم وأصبحوا على مسافة تسعة كيلومترات من ميناء "ستانلي".

وفي الساعة الخامسة والربع صباح 2 أبريل وصلت سفن السطح بالقرب من أهدافها وبدأت الفتح النهائي إلى المواقع المحددة لها في خطة الاقتحام البرمائي، في الوقت الذي احتلت فيه كل من المدمرة "سانتاسيما ترينداند" والفرقاطة "جرانفيل" مواقعها للمعاونة بالنيران إذا تطلب الموقف ذلك، بينما أبحر إلى ميناء "كروساك" شمال "بورت ستانلي" كل من سفينة إبرار الدبابات "كابو سان أنطونيو" والمدمرة "هيركوليز" والفرقاطة "دروموند" لانزال المركبات البرمائية.

وفي الوقت الذي كان يجرى فيه الإبرار على شاطئ خليج "يورك" شمال غرب مطار "ستانلي"، كانت وحدة كوماندوز مشاة البحرية تقترب من هدفيها بعد أن انقسمت إلى مجموعتين اتجهت الأولى منها شمالاً نحو مقر الحكم، بينما اتجهت الثانية نحو ثكنات الحامية في "مودي برووك". ووصلت المجموعة الأخيرة إلى هدفها الساعة الخامسة والنصف صباح 2 أبريل، إلاّ أنها وجدت الثكنات خالية فتم احتلالها دون خسائر.

غير أن مجموعة الكوماندوز الأولى لم يكن لها حظ الثانية، فبالرغم من أن تلك المجموعة وصلت بقيادة قائد الوحدة إلى الأراضي المرتفعة خلف مبنى الحاكم دون أن تُكتشف، فقد كان المبنى مُدافعاً عنه جيداً بواسطة ثلاثة وأربعين جندياً من مشاة البحرية والبحارة البريطانيين وبعض الموظفين المدنيين بقيادة الميجور "نورمان" نفسه. وبدأ الهجوم الأول على مقر الحكم الساعة السادسة والنصف صباح 2 أبريل، إلاّ أن ذلك الهجوم انتهى بالفشل وقُتل وأُسر الستة جنود الذين حاولوا التسلُّل من الباب الخلفي لمقر الحكم.

وعلى أثر فشل عملية التسلل تزايد تبادل إطلاق النيران بين الجانبين حتى هدأ التراشق في نحو الساعة السابعة صباحاً واقتصر على نيران القناصة، بينما كانت مجموعة الكوماندوز المهاجمة تنتظر تدعيمها كي يمكنها التغلب على المقاومة البريطانية، ولم يكن ذلك الدعم بعيداً، فمنذ السادسة والنصف صباحاً كان هناك ما لا يقل عن 19 مركبة برمائية من سفينة إبرار الدبابات "كابو سان أنطونيو" تقوم بإنزال رجال الكتيبة الثانية مشاة بحرية على شاطئ خليج "يورك". ولما كان أقرب جنود مشاة البحرية البريطانية لمنطقة الإبرار هما جنديان يتخذان موقعهما على بعد نحو كيلومتر ونصف الكيلو متر من المنطقة، فقد انطلق رتل طويل من العربات البرمائية نحو "ستانلي" التي كانت تبعد نحو عشرة كيلومترات من شاطئ الإبرار، في الوقت الذي أنزلت فيه "طائرة عمودية "سي كنج" كانت على سطح كاسحة الجليد "ألميرانت إيريزر" مجموعة أخرى لتطهير ممر هبوط الطائرات في المطار وإزالة العوائق منه.

وجاءت أول أعمال المقاومة الحقيقية لرتل المركبات البرمائية المتقدمة نحو "ستانلي" من جماعة (8 أفراد) من مشاة البحرية البريطانية مسلحة بأسلحة خفيفة مضادة للدبابات بقيادة الملازم "بل ترلوب Bill Trllope"، فما أن اقترب الرتل من طرف المدينة حتى أطلق عليه أفراد تلك الجماعة بعض القذائف المضادة للدبابات، فأصيبت المركبة الأمامية وتوقف الرتل. فأمطر المدافعون المركبات بوابل من طلقات الأسلحة الصغيرة وأجبروا المركبات على الانتشار واتخاذ أوضاع الاشتباك، وما أن تم ذلك حتى انسحبت جماعة مشاة البحرية البريطانية في اتجاه مقر الحكم لعدم قدرتها على مواصلة القتال أمام تلك القوة المتفوقة.

ومن ثمَّ عاودت المركبات تقدمها نحو ستانلي حيث واجهت بعض أعمال المقاومة المحدودة، المتفرقة داخل المدينة قبل أن يتم لها السيطرة عليها، إلاّ أن مقر الحكم كان لازال خارج نطاق هذه السيطرة. وعندما وصلت مركبات مشاة البحرية الأرجنتينية في النهاية إلى ذلك المقر، كانت مجموعة الكوماندوز التي استولت على ثكنات مشاة البحرية البريطانية في "مودي برووك" قد سبقها إليه وانضمت إلى مجموعة الكوماندوز الأولى التي تعثر هجومها، ومن ثم بدأت مركبات مشاة البحرية الأرجنتينية تنتشر حول هذا الموقع البريطاني الأخير، في الوقت الذي هبطت فيه في مطار "ستانلي" أولى طائرات الجسر الجوي الأرجنتيني حاملة مقدمة الفوج الخامس والعشرين مشاة.

ودعا المهاجمون المدافعين عن المقر إلى التسليم، إلاّ أنهم لم يتلقوا رداً سوى إطلاق النار من جانب البريطانيين، وفي الثامنة ونصف- بعد أن جرى تبادل إطلاق النار بين الجانبين- أبلغ الميجور "نورمان" الحاكم رسمياً أنه لا يستطيع الاحتفاظ بالمقر إلى ما لا نهاية في مواجهة نيران الأسلحة الثقيلة للمهاجمين التي بدأت تصل إلى المنطقة، وأنه أمام الحاكم ثلاث خيارات، أن يحاول هو ومشاة البحرية التسلل من المقر وممارسة الحكم في مكان آخر، أو مواصلة المقاومة حتى يتم تدمير المبنى، أو التفاوض مع المهاجمين للاتفاق على هدنة بين الجانبين. وإزاء الموقف الميؤوس منه اختار الحاكم التفاوض الذي انتهى بوقف إطلاق النار والاستسلام للأرجنتينيين.

وفي الساعة الحادية عشر صباح 2 أبريل أعلنت الحكومة الأرجنتينية رسمياً إتمام عملية استعادة جزر "مالفيناس" (فوكلاند)، دون أن يفقد البريطانيون قطرة دم واحدة، وتعيين حاكم جديد للجزر هو الجنرال "أوسفالدو جارسيا"، مما أعطى انطباعاً بأن المقاومة البريطانية كانت وهمية. وفي اليوم نفسه تمَّ ترحيل مشاة البحرية البريطانية والحاكم "هنت" جواً إلى الأرجنتين ومنها إلى بريطانيا بعد ثلاثة أيام.

وسرعان ما عادت معظم قوات الغزو إلى الأرجنتين تاركةً الفوج الخامس والعشرين مشاة كحامية للجزر، بالإضافة إلى المدمرة "هيركوليز" التي بقيت كسفينة حراسة والعمل كمحطة إيجاد اتجاه لخدمة الملاحة الجوية في منطقة الجزر لحين إصلاح جهاز إيجاد الاتجاه الذي خرَّبه البريطانيون.

6. الاستيلاء على جزيرة "جورجيا الجنوبية"

كان الموقف في جزيرة "جورجيا" الجنوبية يهدد بحدوث مواجهة بين فصيلة مشاة البحرية البريطانية التي أنزلتها الكاسحة "انديورنس" في الجزيرة والقوة الأرجنتينية التي تمَّ إنزالها في خليج "ليث" ليلة 25/26 مارس، إلاّ أن الأخيرة ظلت كامنة في محطة صيد الحِيتَان بالميناء، ولم تقم بأي نشاط تعرضي، بينما قامت مشاة البحرية البريطانية باتخاذ أوضاعها الدفاعية في مدخل "شرم الملك إدوارد" أمام "جرايتفكن" متجنبين كشف مواقعهم للأرجنتينيين.

وما أن سقطت جزر "فوكلاند" حتى ظهرت السفينة "باهيا باريزو" في خليج "كمبرلاند" أمام "جرايتفكن" دون أن تعلم بوجود فصيلة مشاة البحرية البريطانية على الشاطئ، وأخطرت مقر بعثة المساحة البريطانية لاسلكياً أن جزر "فوكلاند" قد استسلمت للأرجنتينيين وطالبتهم باستسلام "جورجيا الجنوبية" هي الأخرى تجنباً لسفك الدماء دون مبرر، وسرعان ما وصل إلى ميناء "ليث"سفينة أرجنتينية أخرى هي الفرقاطة "جيريكو Guerrico"، وكانت السفينتان تحملان على متنهما ثلاث طائرات عمودية وقوة من مشاة البحرية، وكانت خطة القائد الأرجنتيني لمجموعة العمليات رقم (60) هي استطلاع "جرايتفكن" وما حولها بالطائرات العمودية، فإذا لم يكن هناك دفاعات فإنه يتم إبرار قوة من مشاة البحرية جواً للسيطرة على القرية وقاعدة بعثة المساحة، أما إذا كانت هناك مقاومة فستقوم المدمرة بقصف مصادرها وإخمادها قبل الإبرار.

وعلى الجانب البريطاني كان قائد فصيلة مشاة البحرية يواجه مهمة صعبة بفصيلته التي لا تزيد عن 22 جندياً أفضل أسلحتهم قواذف خفيفة مضادة للدبابات، فخلال ذلك اليوم تسلم قائد الفصيلة سلسلة من البرقيات من لندن، وكانت الأوامر الصادرة له في البداية تقضي بالتفاوض مع القائد الأرجنتيني في الجزيرة للتوصل إلى حل دون قتال، إلاّ أن البرقيات التالية كانت تأمره بالدفاع عن مواقعه بطريقة تؤكد أن الأرجنتينيين قد استولوا على "جرايتفكن" بالقوة، على أن يتجنب أي خسائر في الأرواح قدر الإمكان.

وفي الثالث من أبريل، بينما كانت مشاة البحرية البريطانية في مواقعها وفريق العلماء في ملجئهم بدأت طائرتان عموديتان "ألويت" أرجنتينيتان استطلاع المنطقة، ويبدو أن الطائرتين لم تكتشفا مواقع مشاة البحرية البريطانية، حيث بدأت طائرة عمودية أخرى من طراز "بوما" إبرار خمسة عشر جندياً أرجنتينياً من مشاة البحرية على الجانب الأخر لشرم "الملك إدوارد" وفي مرورها الثاني نجح أحد جنود مشاة البحرية البريطانية في إصابتها إلاّ أن الطيار نجح في الهبوط بها. وما لبث أن ظهرت الفرقاطة "جيريكو" في المدخل الضيق للخليج قرب مواقع البريطانيين الذين نجحوا في إصابتها بقذيفة مضادة للدبابات عيار 86 مم من أحد القواذف الخفيفة التي يحملونها قبل أن تكتشف السفينة مواقعهم، فأسرعت بالابتعاد عن مَرْمَى أسلحتهم وبدأت تقصفهم بمدافعها، في الوقت الذي تمكنت فيه مشاة البحرية الأرجنتينية التي تمَّ إبرارها جواً وبالزوارق من الالتفاف خلف مواقعهم وإجبارهم على التسليم.

وبينما كانت تجري الأحداث السابقة في "جورجيا الجنوبية" كانت الكاسحة "انديورنس" التي سبق أن أرسلت في اتجاه جزر فوكلاند تستعد للاشتباك مع السفن الأرجنتينية، إلاّ أن قائدها الكابتن "باركر" تلقى من لندن الأمر بإخفاء سفينته في أي مكان.

وما لبثت حكومة الأرجنتين أن أعلنت أنها استعادت جُزر "مالفيناس" و"جورجيا الجنوبية" و"ساندوتش الجنوبية" وقررَّت وضع هذه الأراضي والمجالين البحري والجوي لها تحت السيادة الأرجنتينية، وظل الجنرال "جالتيري" والنخبة العسكرية الحاكمة على ظنِّهم بأنهم اتخذوا قراراً صحيحاً، على ضوء النتائج التي أسفرت عنها أحداث الغزو، وبقي عليهم أن يديروا المعركة الدبلوماسية بالقدر نفسه من النجاح.

وقد بُني الموقف الأرجنتيني على ثلاثة فروض أثبتت الأحداث فيما بعد خطئها جميعا، وهذه الفروض هي:

أ. أن بريطانيا لن تقوم بأي إجراء عسكري لاستعادة سيادتها على الجزر.

ب. أن الولايات المتحدة ستظل محايدة.

ج. أن الأمم المتحدة ستفشل في اتخاذ أي خطوة إيجابية وستكون سعيدة بالأوضاع الجديدة التي خلصتها من مشكلة مزمنة.


 



[1] كان خروج الأرجنتين فائزة، في تلك الأزمة، كفيلا بسقوط وزارة السيدة تاتشر.