إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب فوكلاند





إغراق بلجرانو وشيفلد
معركة جوس جرين
الإبرار البريطاني بسان كارلوس
الهجوم على الغواصة سانتافي
القتال للجانبين 1 مايو
احتلال رأس الشاطئ
عملية ثلاجة فورتونا
عملية خليج ستورمنس
عملية خليج كمبرلاند

مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية
مسرح حرب فوكلاند
مسرح عمليات فوكلاند
معركة ويرلس ريدج
الاستيلاء على ستانلي
جورجيا الجنوبية "منطقة العمليات"
خط المرتفعات الثاني
جزيرة جورجيا الجنوبية
جزر فوكلاند
سقوط ستانلي
فكرة الغزو الأرجنتيني



حرب عام 1967

المبحث الخامس

أعمال قتال الجانبين خلال المرحلة الافتتاحية للحرب

أولاً: عام (أُنظر خريطة مسرح حرب فوكلاند)

على الرغم من أن مشكلة فوكلاند كانت تخص في ظاهرها مباشرة المصالح البريطانية والأرجنتينية فقط، إلاّ أنها جذبت اهتمام القوتين العظميين، فبدأت أقمار التجسس الأمريكية في تزويد القيادة البريطانية بما تحصل عليه من معلومات عن تحركات القوات الأرجنتينية أولاً بأول، بما في ذلك التعليمات التي تصدرها قيادة الأخيرة إلى وحداتها في عرض المحيط، وعلى الجانب الآخر قامت أقمار التجسس وطائرات الاستطلاع السوفيتية بعيدة المدى المتمركزة في "كوبا" و"أنجولا" بجمع المعلومات عن تحركات القوات البريطانية ومواقعها وإرسالها إلى القيادة الأرجنتينية بعد التقارب الفجائي بين البلدين في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الذي أدان الغزو الأرجنتيني للجزر.

وفي الوقت الذي كانت فيه القيادة البريطانية تحشد قواتها جنوب الأطلسي، رفعت القيادة الأرجنتينية بدورها استعداد قواتها وعبأت احتياطياتها، وبدأت في تجهيز أسطولها وتزويده بالمؤن والذخائر بالقدر الذي يكفي عشرين يوماً من القتال.

وفي 14 أبريل، عقد مجلس العموم البريطاني اجتماعاً طارئاً أعلنت فيه رئيسة مجلس الوزراء الخطوات الدبلوماسية التي تخطوها لحل الأزمة سياسيا في الوقت الذي كان يجري فيه حشد وتدعيم قوة الواجب لتوفير خيار عسكري ملائم إذا فشلت الجهود السياسية.

وابتداءً من منتصف أبريل كانت قوة الواجب البريطانية تحت المراقبة المستمرة لطائرات الاستطلاع السوفيتية وطائرات البوينج الأرجنتينية. وعلى الجانب الآخر بدأت طائرات "نمرود" البريطانية من جزيرة "أسنشن" دورياتها الاستطلاعية لمراقبة نشاط الأسطول الأرجنتيني جنوب الأطلسي. وفي ليلة 20/21 أبريل قامت طائرات الاستطلاع الإلكتروني من طراز "فكتور XL 192" من السرب 57 بتنفيذ طلعة استطلاع راداري بعيد المدى للمسرح البحري مَسَحت خلالها 7000 ميل مربع (11263 كم2) خلال ما يقرب من خمس عشرة ساعة من الطيران المستمر، ساندها خلالها أربع طائرات "فكتورK2 " لإعادة الملء بالوقود أثناء الطيران.

في الوقت الذي كانت فيه مجموعة القتال التي دفعها الأدميرال "فيلدهاوس" مبكرا ـ لاسترجاع جزيرة "جورجيا الجنوبية" تقوم بأعمال قتالها في تلك الجزيرة كانت مجموعات القتال الأخرى لقوة الواجب تقترب من منطقة عملياتها. وما أن دخلت وحدات تلك القوة في مدى عمل طائرات القتال الأرجنتينية، حتى بدأت أسراب القتال البريطانية على ظهر حاملتي الطائرات أعمال الدوريات الجوية على طرق الاقتراب إلى مجموعات قوة الواجب لصد أي محاولة من طائرات القتال الأرجنتينية للاقتراب من السفن البريطانية.

ثانياً: أعمال القتال الافتتاحية للجانبين في منطقة "فوكلاند"، الأول من مايو، (أُنظر شكل القتال للجانبين 1 مايو)

بدأ العدُّ التنازليّ لشن الحرب قبل أن يعلن "الكسندر هيج" رسمياً في الثلاثين من أبريل فشل وساطته لحل المشكلة سياسيا، فما أن تم إبلاغ الحكومة البريطانية برفض المجلس العسكري الحاكم في الأرجنتين لمقترحات "هيج" الأخيرة حتى أرسل الأدميرال "فيلد هاوس" إلى قائد قوة الواجب في جنوب الأطلسي أمراً إنذارياً بالاستعداد للحرب اعتباراً من منتصف ليلة 29 أبريل، إلاّ أنه إزاء تأخر قوة الواجب في اتخاذ أوضاعها داخل منطقة العمليات بسبب سوء الأحوال الجوية أثناء الرحلة البحرية، وعدم إعلان "هيج" رسمياً عن فشل جهود وساطته إلاّ يوم 30 أبريل تأجل الموعد المحدد لبدء القتال.

وكانت الخطة البريطانية تقضي القيام بمجموعة من أعمال القتال البحرية والجوية في منطقة جزر "فوكلاند" وما حولها لمدة تصل إلى أسبوعين بهدف دفع القوات البحرية والجوية الأرجنتينية إلى القتال حتى يمكن هزيمتها وتحقيق السيطرة الجوية والبحرية في منطقة العمليات قبل القيام بعمليات الإبرار، كما كان هذان الأسبوعان من القتال يهدفان إلى الضغط على القيادة الأرجنتينية من ناحية وإتاحة المزيد من الوقت للحلول السياسية من أجل انسحاب القوات الأرجنتينية من ناحية أخرى.

وإزاء قصور إمكانات الإنذار الجوي المتاحة لقوة الواجب وقلة أعداد المقاتلات التي تصاحبها على متن حاملتي الطائرات، اقتضت خطة العملية توفير الحماية الجوية لتلك القوة في منطقة العمليات بمجموعة مختلطة من أعمال قتال الدفاع الجوي بالمقاتلات والصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، مع شن سلسلة من الهجمات الجوية والقصف البحري والإغارات البرية (بالقوات الخاصة المحمولة بالطائرات العمودية) على المطارات ووسائل الدفاع الجوي في جزر "فوكلاند".

أمّا على الجانب الأرجنتيني، فإنه إزاء الضعف النسبيّ للوحدات الجوية التي أمكن تمركزها في مطارات "فوكلاند"، وعودة حاملة الطائرات 25 مايو إلى قاعدتها على أثر بعض الأعطال الفنية بعد أقل من أسبوعين من وصول قوة الواجب، كان على القيادة الأرجنتينية الاعتماد أساسا على أسراب القتال ـ التي أعادت تمركزها في المطارات الجنوبية للوطن الأم ـ لصد أي محاولة إبرار بريطانية على شواطئ فوكلاند. ولما كانت الجُزر المستهدفة تقع على أقصى مدى عمل لطائرات تلك الأسراب، فإن ذلك كان يعني أنه لن يكون هناك وقتٌ أمام طياري القتال للبحث عن الأهداف البرية الصغيرة والمتحركة لتدميرها بعد الإبرار، وعلى ذلك قرَّرت القيادة الأرجنتينية تركيز جهودها الرئيسية ضد السفن البريطانية لإحباط عملية الإبرار أو تكبيد البريطانيين من الخسائر ما يجبرهم على الانسحاب أو التفاوض.

وما أن أعلن وزير الخارجية الأمريكية فشل جهود الوساطة، بدأت تشكيلات قوة الواجب في اتخاذ أوضاعها داخل منطقة العمليات، حتى وصل إلى جزيرة "أسنشن" مساء 30 أبريل تعليمات ايرمارشال "كيرتس" قائد الوحدات الجوية المخصَّصة للحملة التي يأمر فيها ببدء أعمال القصف الجوي للعملية "بلاك بك واحد Black Buck One " [1] في الساعة 700 صباح الأول من مايو بتوقيت "جرينتش" (300 بتوقيت فوكلاند)، وكان قد وصلت إلى الجزيرة في اليوم السابق قاذفتان من طراز "فولكان" من السرب 101 لتنفيذ هذه المهمة، وعلى الرغم من المدى الكبير لقاذفات "فولكان" فإنها كانت غير قادرة على الوصول إلى جزر "فوكلاند" وتنفيذ مهمتها والعودة إلى "أسنشن" ـ قاطعة نحو ثمانية آلاف ميل (12872 كم) ـ من دون التزود بالوقود في الجو عدة مرات، ومن ثم كان هناك في انتظارها في الجزيرة عددٌ من طائرات "فكتور K2" لتزويدها بالوقود خلال الرحلة الجوية.

وفي الموعد المحدَّد أقلعت إحدى القاذفتين لقصف مطار "ستانلي" إلاّ أنها سرعان ما عادت بعد بضع دقائق لخلل في الطائرة، فحلَّت محلها الطائرة الثانية على الفور، وفي الساعة 0130 صباح الأول من مايو بتوقيت جرينتش (1030 مساء 30 أبريل بتوقيت فوكلاند) بينما كانت القاذفة الثانية في طريقها إلى منطقة العمليات جنوب الأطلسي كانت مجموعة القتال الرئيسية بقيادة رير ادميرال "ساندي وودوارد" تعبر حدود منطقة الحظر الكلي على مسافة مائتي ميل من جزر "فوكلاند"، تسبقها بنحو ساعة مدمرات المقدمة للحلقة الخارجية للتشكيل البحري التي تكونت ومن المدمرات طراز 42 بينما اتخذت مدمرات الدفاع الجوي المسلحة بصواريخ "سي وولف" محلاتها على أجناب حاملتي الطائرات "انفنسبل" و"هيرمس"، وبالقرب منها مدمرات وفرقاطات الخدمة العمومية، أمّا المدمرات المسلحة بصواريخ "سي دارت" المضادة للطائرات فقد اتخذت محلاتها على مسافة عشرين ميلاً (32 كم) في المقدمة ناحية الاتجاه الأكثر تهديداً من طائرات القتال الأرجنتينية.

وكان على هذه المجموعة اتخاذ أوضاع القتال في محلاتها قبل انبلاج صبح الأول من مايو، فبعد القصف الليلي لمطار "ستانلي" بواسطة طائرة "الفولكان"، كان على السرب 800 "سي هارير" المتمركز على متن الحاملة "هيرمس" توجيه الضربة الثانية ضد مطاري "ستانلي" و"جوس جرين" بطائراته الاثنتي عشرة مع أول ضوء ذلك اليوم، بينما كان على الحاملة "انفنسبل" برادارها الحديث وطائراتها الثماني من طراز "سي هارير" القيام بمهام الدفاع الجوي عن التشكيل البحري، وعمل مظلة جوية لتغطية ذلك التشكيل بالتعاون مع عناصر الدفاع الجوي الأخرى على متن باقي السفن (الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات).

وفي الوقت الذي كانت فيه حاملتا الطائرات تقتربان حتى 70 ميلاً (113 كم) من جزر "فوكلاند"، كانت قاذفة "الفولكان" في خط اقترابها النهائي من مطار "ستانلي" بعد رحلة طويلة قطعت فيها نحو أربعة آلاف ميل في ما يزيد على ست ساعات، قام فيها عددٌ من طائرات "فكتور K2 " بإعادة تزويدها بالوقود عدة مرات، وفي نحو الساعة 0340 صباح الأول من مايو، ألقت القاذفة البريطانية إحدى وعشرين قنبلة زنة كل منها ألف رطل (454 كيلوجراماً)، فأصابت إحداها المدرج الوحيد بالمطار، وأحدثت باقي القنابل أضراراً في الطائرات الجاثمة على الأرض، فضلاً عن تدمير بعض منشآت المطار.

ومع أول ضوء الأول من مايو، اتَّخذت ست طائرات "سي هارير" من الحاملة "انفنسبل" محلاتها في المظلة الجوية لحماية التشكيل البحري، بينما أقلعت الموجة الأولى من القوة الضاربة (4 طائرات سي هارير) من الحاملة "هيرمس" متوجهة نحو مطار "ستانلي" لاسكات وسائل الدفاع وشل محطة الرادار التي كان يُعتقد أنها تتخذ مواقعها على تلي "كانوبص Canopus" و"ماري Mary" غرب المطار، وعند وصولها إلى أهدافها قام التشكيل بالهجوم عليها باستخدام أسلوب القذف أثناء التسلق (Toss-Bombing) حيث ألقت كل طائرة ثلاث قنابل زنة كل منها ألف رطل (454 كيلوجراماً) على الهدف المخصص لها، انفجر أغلبها على الفور بينما تبقت بعض القنابل الزمنية لتنفجر في أوقات لاحقة.

وفي أعقاب الموجة الأولى، اقتربت الموجة الثانية (5 طائرات سي هارير) لقصف المطار نفسه، حيث قامت أربع منها بقصف الطائرات في منطقة الانتظار، ومخازن الوقود والذخيرة بقنابل المستودعات “Cluster Bombs"، بينما قامت الطائرة الخامسة بقصف المدرج بقنابل البارشوت الفرملية.

وفي الوقت الذي كان يجري فيه الهجوم على مطار "ستانلي"، توجه تشكيل آخر من ثلاث طائرات "سي هارير" من السرب نفسه للهجوم على المطار العشبي في "جوس جرين"، حيث قامت طائرتان بإلقاء قنابل المستودعات، بينما قامت الثالثة بإسقاط قنابل الألف رطل وأدَّى الهجوم البريطاني على المطارين في هذا اليوم إلى وضعهما خارج الخدمة بعض الوقت، بالإضافة إلى تدمير ثلاث طائرات "بوكارا" وقتل أحد الطيارين في "جوس جرين"، في الوقت الذي عادت فيه جميع طائرات السرب 800 إلى حاملتها سالمة.

ولم تقتصر أعمال القتال البريطانية في ذلك اليوم على القصف الجوي للمطارين، فبعد عشر دقائق من سقوط أول قنبلة على مطار "ستانلي" انفصلت خمس سفن عن مجموعة العمليات الرئيسية واتخذت وجهتها نحو شواطئ "فوكلاند" في مجموعتين، الأولى مشكَّلة من المدمرة "جلامورجان" والفرقاطتين "أرو" و"الكريتي"، وكُلفت بالعمل كمجموعة نيران لقصف ستة أهداف حول "ستانلي"، والثانية مُشكلة من المدمرة "برليانت" والفرقاطة "يارموث" يعاونهما ثلاث طائرات عمودية "سي كنج" من الحاملة "هيرمس"، وكُلفت بمسح المنطقة شمال "ستانلي" بنحو 20 ميلاً (32 كم) بحثاً عن الغواصة الأرجنتينية التي يُشك أنها في تلك المنطقة، وتدميرها.

وكانت مجموعة البحث عن الغواصة هي الأسرع في الوصول إلى المنطقة المحددة لها، حيث انضمت إليها الطائرات العمودية "سي كنج" الثلاث. وسرعان ما ظهرت ثلاث طائرات أرجنتينية طاردتها طائرتا "سي هارير" بعيداً عن السفن، بينما استمرت عملية البحث التي استغرقت طوال اليوم، ممَّا دعا الطائرات العمودية "سي كنج" إلى إعادة التزود بالوقود من السفينتين عدة مرات، وفي النهاية تمَّ اكتشاف مكان الغواصة فانهمرت عليها قنابل الأعماق من السفينتين والطائرات العمودية حتى طفا على السطح بقعة كبيرة من البترول تشير إلى إصابة الغوَّاصة، فأملَ المهاجمون أن تكون قد غرقت.

أمّا بالنسبة إلى مجموعة النيران، فقد بدأت مهمتها في قصف أهدافها الستة في منتصف نهار ذلك اليوم، حيث قامت السفن الثلاث بقصف منطقة انتظار الطائرات في مطار "ستانلي" بمدافعها عيار 4.5 بوصة، ثم حَّولت مدافعها بعد ذلك إلى عدد من الأهداف الفردية (الطريق بين "ستانلي" والمطار، محطات الرادار، مواقع المدفعية الساحلية شمال وجنوب "ستانلي).

    ويبدو أن القيادة الأرجنتينية قدَّرت أن القصف البريطاني للمطارين وحول "ستانلي" هو مقدمة لغزو وشيك، حيث بدأت أسراب القتال الأرجنتينية سلسلة من الطلعات ابتداءً من الساعة العاشرة صباح ذلك اليوم، بلغت ستاً وخمسين طلعةً، وُجهت ضد السفن البريطانية في المنطقة كلِّها، إلاّ أنها لم تكتشف إلاّ القليل منها، وشارك في تنفيذ هذه الطلعات طائرات "سكاي هوك" من المجموعتين الرابعة والخامسة، وطائرات "داجر" من المجموعة السادسة، بالإضافة إلى "رف كانبرا" من المجموعة الثانية، بينما قامت طائرات "الميراج" من المجموعة الثامنة بتوفير الحماية لهذه الطائرات على الارتفاعات العالية، ودعَّمها في مهمتها بعض طائرات "داجر" من المجموعة السادسة في وقت لاحق من ذلك اليوم.

وقد جَرَت الهجمات الجوية الأرجنتينية على السفن البريطانية بشكل متقطع، إلاّ أنها كانت أكثر كثافة ابتداءً من الساعة 1415 (بتوقيت فوكلاند) مساء ذلك اليوم، وقد أسفرت الهجمات الجوية على السفن عن إصابة كلٍّ من المدمرة "جلامورجان" والفرقاطتين "أرو" و"الكريتي" ببعض الأضرار.

وبالنسبة إلى أعمال القتال الجوية السابقة، فإنه يمكن القول إن قلة أعداد الطائرات الأرجنتينية التي نجحت في الوصول إلى منطقة انتشار السفن البريطانية سمحت لطائرات "الهارير" ـ المتواجدة في الدوريات الجوية على طرق الاقتراب المنتظرة للطائرات الأرجنتينية ـ بصد تلك الطائرات، وقد أسفرت الاشتباكات بين طائرات الجانبين في ذلك اليوم عن فقد الأرجنتين لطائرتي "ميراج" (أُسقطت إحداهما بواسطة طائرة "سي هارير"، والأخرى بواسطة الدفاع الجوي الأرجنتيني قرب "ستانلي")، بالإضافة إلى إصابة قاذفة من طراز "كنبرا" بواسطة إحدى مقاتلات "سي هارير"، في الوقت الذي لم يفقد فيه البريطانيون أية طائرات.

أمّا بالنسبة إلى السفن، فعلى أثر انتهاء الهجوم الجوي على مجموعة النيران، استأنفت سفنها أعمال القصف المدفعي المخطط الذي استمر لمدة ساعتين، انضمت بعده السفن الثلاث إلى مجموعة الحاملات، في الوقت الذي انطلقت فيه مجموعة القتال الرئيسية نحو الشمال الشرقي لاتخاذ أوضاعها للعملية التالية حيث كان سيجري إبرار قوة من القوات الخاصة بالطائرات العمودية ليلاً في عدة أماكن على ساحل جزيرة "فوكلاند" الشرقية بين "ستانلي" ومضيق "فوكلاند". وقد تمَّت عملية الإبرار بنجاح، وعادت الطائرات العمودية إلى الحاملة "هيرمس" قبل منتصف الليل. وما أن هبطت الطائرات العمودية حتى تحركت جميع السفن في اتجاه الجنوب الشرقي لاتخاذ أوضاعها مرة أخرى شرق الجزر استعداداً لأعمال قتال اليوم التالي.

ثالثاً: إغراق الطراد "جنرال بلجرانو"، 2 مايو، (أُنظر شكل إغراق بلجرانو وشيفلد)

على أثر نجاح الغزو الأرجنتيني لجزر "فوكلاند" وتعيين حاكم جديد لها، عاد الأسطول ـ الذي لعب الدور الرئيسي في تنفيذ وتأمين العملية- إلى قواعده في الأرجنتين، إلاّ أنه سرعان ما أبحر عائداً إلى منطقة الجزر لمواجهة قوة الواجب البريطانية التي كانت تقترب وقتئذ من تلك المنطقة، وكانت قيادة الأسطول الأرجنتيني المبحر معقودة لرير أدميرال "ألارا" على متن حاملة الطائرات "25 مايو"، والتي كانت تمثل التهديد الرئيسي الأول للسفن البريطانية المقتربة.

وبينما اتجهت مجموعة الحاملة "25 مايو" إلى شمال الجزر، فإن الطرّاد "الجنرال بلجرانو" ومعه مدمرتا الحراسة اتجه إلى غربها للعمل كمجموعة حماية متقدمة من أي أعمال هجومية بريطانية ضد قاعدتي "ريو جراندي" الجوية و"يوشوايا البحرية"، وفي التاسع والعشرين من أبريل ـ قبل وصول قوة الواجب إلى منطقة الحظر ـ كانت وحدات الأسطول الأرجنتيني قد اتخذت أوضاعها شمال وغرب جزر "فوكلاند".

وفي أول مايو رصدت إحدى طائرات الاستطلاع البحري الأرجنتينية مجموعة القتال الرئيسية لقوة الواجب على مسافة 300 ميل (482 كم) جنوب شرق مجموعة الحاملة "25 مايو"، فبدأت الأخيرة تحركها للاقتراب من السفن البريطانية، في الوقت الذي كان يجري فيه تسليح طائرات "سكاي هوك" على مَتْن تلك الحاملة لتوجيه ضربة جوية لمجموعة الحاملات البريطانية، التي كانت قيادتها تحاول جاهدةً معرفة مكان الحاملة الأرجنتينية، غير أن الغواصات البريطانية الثلاث في المنطقة لم ترصد تلك الحاملة أو تحركها في اتجاه مجموعة الحاملات البريطانية، على الرغم من أنَّ الغواصتين "سبلندد" و"سبارتان" كانتا تبحثان في طرق الاقتراب إلى السفن البريطانية من ناحية الشمال الغربي، بينما كانت "كونكرر" في طريقها إلى غرب جزر "فوكلاند" بعد أن تلقت الأمر يوم 28 أبريل بمغادرة مياه "جورجيا الجنوبية" إلى منطقة عملها الجديدة ـ خارج منطقة الحظر الكلي ـ بين جزر "فوكلاند" والسواحل الجنوبية للأرجنتين.

وبعد منتصف ليلة 1/2 مايو، التقط أحد طياري المقاتلات "سي هارير" على شاشة رادار طائرته النبضات المرتدة من حاملة الطائرات الأرجنتينية ومدمرتي حراستها. وسرعان ما دُقعت دوريات مقاتلات "سي هارير"، إلى الاتجاه المهدد. وعلى الجانب الآخر، تأجلت الضربة الجوية الأرجنتينية، التي كان من المزمع شنِّها قبل الفجر مباشرة، نتيجة لهبوب رياح خفيفة، أعاقت إقلاع الطائرات "سكاي هوك" بحمولتها من الوقود اللازم للوصول إلى موقع السفن البريطانية، التي باتت على مسافة 180 ميلاً من مجموعة حاملة الطائرات 25 مايو، التي اضطر القائد الأرجنتيني إلى سحبها من المنطقة، انتظاراً لفرصة أخرى أفضل[2].

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه الأحداث السابقة، كان الطرَّاد "جنرال بلجرانو" يمخر مياه جنوب الأطلسي ذهاباً وإياباً بين "تييرا دل فيوجو" (جنوب الأرجنتين) وغرب جزر "فوكلاند"، مع الحرص على عدم دخول منطقة الحظر البريطاني حول الجزر.

وعلى الجانب الآخر، كانت الغوَّاصة البريطانية "كونكرر" قد رصدت ذلك الطرَّاد جنوب غرب جزر "فوكلاند" أثناء عملها في المنطقة في اليوم السابق (1 مايو)، وظلت تتابعه كظلِّه وتُبلَّغ موقعه أولاً بأول إلى مركز قيادة القوات البحرية في "نورث وود" ومركز قيادة أسطول قوة الواجب في الحاملة "هيرمس"، إلاّ أن الأخير كان غيرَ مستعدٍ آنذاك للالتفات إلى التهديدات الأرجنتينية خارج منطقة الحظر، في الوقت الذي كان فيه كل اهتمامه مركزاً للضغط على الحامية الأرجنتينية في "فوكلاند" بمزيد من القصف الجوي وإبرار مزيد من جماعات الاستطلاع خلف خطوط تلك القوات، إلاّ أن الضباب الذي غطَّى المنطقة ومنع الطائرات من تنفيذ مهام القصف المخططة في ذلك اليوم، واختفاء مجموعة الحاملة "25 مايو" خارج نطاق وسائل الرصد البريطانية، حَوَّل اهتمام قائد أسطول قوة الواجب نحو مجموعة الطرَّاد "جنرال بلجرانو" التي تمثل التهديد الرئيسي لقوة الواجب.

وبالنسبة إلى كلٍّ من الأدميرال "فيلد هاوس" ورير أدميرال "وودوارد"، كان تحرك مجموعة الحاملة "25 مايو" شمال سفن قوة الواجب، ومجموعة الطراد "جنرال بلجرانو" جنوبها بمثابة حركة كماشة حول تلك القوة، ومن ثمَّ أحس القائدان ـ خلال تشاورهما عَبْر وسائل المواصلات المؤمنة ـ أن سفن قوة الواجب في خطر متزايد، ولما كانت قواعد الاشتباك الصادرة من القيادة البريطانية لا تبيح الاشتباك مع السفن الأرجنتينية خارج منطقة الحظر الكلي، فقد طلب قائد أسطول قوة الواجب من الأدميرال "فيلد هاوس" التصديق للغواصة "كونكرر" بالهجوم على الطراد الأرجنتيني خارج منطقة الحظر، ونظراً إلى أن الهجوم على الطراد سيؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح قد تثير الرأي العام العالمي، فقد رأى الأدميرال "فيلد هاوس" ضرورة الحصول على تصديق مجلس الحرب على العملية قبل تنفيذها، ومن ثَمَّ قام سير "تيرانس لوين" رئيس أركان الدفاع بعرض الأمر على المجلس خلال اجتماعه في ذلك اليوم (ظهر الثاني من مايو).

ولمّا كان هدف الإستراتيجية البريطانية خلال هذه المرحلة هو هزيمة القوات الأرجنتينية في البحر والجو قبل بدء عمليات الإبرار الرئيسية، فلم يأخذ الأمر كثيراً من المناقشة في اجتماع مجلس الحرب، قبل أن يتخذ المجلس واحداً من أخطر قراراته في هذه الحرب بالموافقة على الهجوم على السفن الأرجنتينية خارج منطقة الحظر الكلي إذا كانت تشكل خطراً على قوة الواجب البريطانية، فقد كان هذا القرار يعني مزيداً من تصعيد القتال بين الجانبين، فلم يكن قرار المجلس يستهدف الطرَّاد الأرجنتيني وحده، بل كانت مجموعة الحاملة "25 مايو" معرَّضة أيضاً للهجوم عليها إذا تمَّ رصدها مرة أخرى، كما أدى هذا القرار إلى أن تكوٍن بريطانيا هي المتسببة في حدوث أول خسارة كبيرة في الأرواح خلال هذه الحرب بإغراقها ذلك الطرَّاد.

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه الاتصالات السابقة للحصول على تصديق وزارة الحرب بشأن الهجوم على الطراد الأرجنتيني، غيِّرت مجموعة ذلك الطراد اتجاه إبحارها نحو الغرب مبتعدة عن سفن قوة الواجب قبل أن تصل إلى حدود منطقة الحظر الكلي، وعلى الرغم من أخطار قيادة أسطول قوة الواجب وقيادة القوات البحرية البريطانية بالتغيير الجديد في اتجاه مجموعة الطراد، فقد تلقى قائدُ الغواصة "كونكرر" الأمرَ بالهجوم على الطرَّاد قبل أن يبتعد وتضيع الفرصة، على الرغم من وجوده خارج منطقة الحظر، وسرعان ما اتخذت الغواصة وضع الهجوم، وأطلقت على الطراد ثلاثة طوربيدات طراز 8 في الساعة 1857 بتوقيت جرينتش (1357 بتوقيت فوكلاند)، أصاب اثنان منها الهدف، ممَّا أدى إلى إغراق الطراد، وبعد أربعين دقيقة كان قد اختفى تماماً من على سطح الماء.

وقد أدى ذلك الهجوم إلى فقد 368 فرداً من طاقم الطرَّاد الذي كان يناهز الألف فردٍ، أمّا الباقون فقد نجحوا في مغادرة السفينة الغارقة قبل أن تغوص تماماً في أعماق المحيط.

وبعد ست دقائق من الهجوم على "جنرال بلجرانو" بدأت مدمرتا الحراسة أعمال البحث عن الغواصة البريطانية وإلقاء قنابل الأعماق في المنطقة المتواجدة فيها، إلاَّ أنَّ قائد الأخيرة حاول تفادي تلك القنابل بالغوص إلى أعماق أكبر ومغادرة المنطقة نحو الشرق. أمّا الناجون من الطراد الغارق فقد قضوا في الماء نحو أربعٍ وعشرين ساعة تعيسة في بحر عالٍ ورياح شديدة قبل أن يتم إنقاذهم.

وبقدر ما أدَّى إغراق الطراد "جنرال بلجرانو" إلى تدعيم الموقف العسكري البريطاني جنوب الأطلسي، فقد أدى إلى اهتزاز الموقف السياسي لحكومة السيدة "تاتشر" داخل وخارج بريطانيا، بعد أن تناقلت وكالات الأنباء خبر الغوَّاصة النووية الحديثة التي أغرقت طراداً قديماً خارج منطقة الحظر الكلي، وأن ثلث أفراد طاقمه قد لقوا حتفهم نتيجة الحادث.

أمّا على الصعيد العسكري فقد أدَّى إغراق ذلك الطراد إلى تحجيم عمل البحرية الأرجنتينية ودفعها غرباً نحو سواحل الوطن الأم، ولما كانت حاملة الطائرات "25 مايو" قد انسحبت هي الأخرى من قبل لِمَا أصابها من عُطل، فقد وقع عبء مواجهة أسطول قوة الواجب في منطقة العمليات على عاتق بعض أسراب القتال الأرجنتينية التي يسمح مدى عملها من قواعدها في جنوب الوطن بالوصول إلى منطقة العمليات حول جزر "فوكلاند".

وعلى ذلك، اتسم اليوم التالي بهدوء نسبيّ في ذلك المسرح، بعد انسحاب الوحدات البحرية الأرجنتينية غرباً، وخاصة بعد أن قرَّر قائد أسطول قوة الواجب الحد من أعمال القصف البحري للقوات الأرجنتينية في الجزر، حتى لا يقلل من زهوة إغراق الطراد بفقد إحدى وحداته البحرية، ولم يعكر ذلك الهدوء سوى هجوم الطائرات العمودية "لينكس" على إحدى سفن الدورية الصغيرة وأحد لنشات القطر الأرجنتينية فأصابت الأولى وأغرقت الثاني، ففي وقت متأخر من ليلة 2/3 مايو بينما كانت سفينة الدورية الصغيرة "ألفريز سوبيل Alferez Sobel" تقوم بالبحث عن أحد أطقم الطائرات، التي فقدتها الأرجنتين مساء الأول من مايو، اكتشفت موقعها إحدى الطائرات العمودية "سي كنج" من السرب 826 أثناء قيامها بإحدى دوريات البحث عن الغواصات، كما اكتشفت في الوقت نفسه إحدى لنشات القطر داخل منطقة الحظر، وعلى أثر إبلاغ طائرة عمودية البحث عن الهدفين، أقلعت الطائرتان العموديتان "لينكس" من المدمرتين " جلاسكو" و" كوفنتري" مسلحتين بصواريخ جو/ سطح موجهة بالرادار من طراز "سي سكوا Sea Skua" وقامتا بالهجوم على السفينتين فأغرقت إحداهما لنش القطر على مسافة تسعين ميلاً داخل منطقة الحظر بينما أصابت الثانية سفينة الدورية إصابةً بالغةً.

وباستثناء تدمير طائرتين أرجنتينيتين إحداهما من طراز "اير ماكي" بسبب سوء الأحوال الجوية أثناء طلعة محلية في مطار ستانلي، وأخرى من طراز "سكاي فان" بواسطة نيران القصف البحري، فقد مضى نهار الثالث من مايو من دون أحداث تُذكر، وخلال الليل قامت إحدى قاذفات "فولكان" من جزيرة أسنشن بثاني طلعات القصف الجوي للعملية "بلاك بك" فوق مطار "ستانلي" إلاّ أن القنابل سقطت على بعد نحو خمسين متراً من النهاية الغربية للمدرج، ولم تَحْدُث أيةُ خسائر.


 



[1] بلاك بك واحد Black Buk One هو الاسم الرمزي لعملية قصف مطار ستانلي بقاذفات فولكان التي اقترحتها قيادة القوات الجوية على مجلس الحرب، فقد أوضحت تلك القيادة للمجلس أنه يمكن استخدام قاذفات فولكان - التي تقرِّر إخراجها من الخدمة في ذلك العام- لقصف مطار ستانلي لحرمان القيادة الأرجنتينية من استخدامه بواسطة مقاتلاتها النفاثة. وقد وافق المجلس على استخدام هذه الطائرات ضد مطار ستانلي عند وصول قوة الواجب إلى محلاتها في منطقة الحظر الكلي لزيادة الضغط على الأرجنتين بعد فشل جهود الوساطة الأمريكية، ولإقناع القيادة الأرجنتينية بجدية التحرك العسكري البريطاني لاستعادة الجزر.

[2] اضطرت القيادة الأرجنتينية إلى سحب الحاملة 25 مايو من منقطة العمليات على أثر عطل فني أصاب محركاتها ومنعها المشاركة في القتال طوال الحرب.