إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في أنجولا






مناطق تمركز الجبهات المتصارعة



المبحث الثالث

المبحث الثالث

تسوية الحرب في أنجولا

أولاً: دوافع التسوية

كانت أزمة الحرب الأنجولية على درجة كبيرة من الخطورة، وترتب عليها العديد من الآثار والنتائج المدمرة. كما كان لها كثير من المخاطر، على العلاقات الإقليمية والدولية. ولذلك وصلت جميع الأطراف، الداخلية والخارجية، إلى قناعة، بأن استمرار الحرب وتعاظمها، لن يترتب عليه مكاسب حقيقية لأي طرف، وهو الأمر الذي برهنت عليه وقائع أحداث الحرب الأنجولية منذ بدايتها، وطوال تلك السنوات الطويلة، منذ ما قبل الاستقلال، حتى أوائل الألفية الثالثة. ومن مظاهر ذلك ما يلي:

1. تدهور الأوضاع الداخلية

انعكست الآثار السّيئة للحرب الأنجولية على مجمل الأوضاع الداخلية في البلاد، سواء على المستوى الأمني، أو السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، وغير ذلك. ويمكن توضيح ذلك على المستويات أدناه:

أ. على المستوى الأمني

إضافة إلى حالة عدم الاستقرار، المستشرية في جميع أرجاء البلاد، ظل الوضع العسكري في مناطق الصراع يتسم بدرجة كبيرة من الشلل. فعلي مدي تلك السنوات الطويلة من القتال، لم تستطع أي من القوتين المتصارعتين، "مبلا" و"يونيتا"، القضاء على الأخرى. وجاء انسحاب القوات الكوبية، المتزامن مع انسحاب قوات جنوب إفريقيا، ليدعم هذا الوضع، لأن حالة التوازن العسكري لن يطرأ عليها تغير كبير، يمكن أن يترتب عليه تحسين موقف طرف على الطرف الأخر. والشيء ذاته يصدق على انتهاء الحرب الباردة، بين القطبين الدوليين، التي لم يترتب على انتهائها نتيجة إيجابية، تعني طرفاً على حساب طرف.

ب. على المستوى السياسي

إن أوضاع ما بعد الحرب الباردة، أملت على الطرفين المتصارعين ضرورة قبول الطرف الأخر، إجراء الانتخابات العامة في البلاد، على أن تكون تلك الانتخابات هي البداية لإحداث تحول حقيقي في البلاد، وبداية للإصلاح السياسي والاستقرار. إلاّ أن الواقع ظل يشير إلى استمرار الصراع على السلطة، على حساب المصالح العليا للدولة، وتغليب الولاءات والانتماءات التحتية، والأهواء الشخصية. ومع تعاظم الخلافات والصراعات بين الجانبين، التي تركت أثارها السيئة على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها، كان من الضروري التحرك نحو إحداث قدر من الانفراج في الأزمة، من خلال ترقب الطرفين لأي تحرك، أو وساطة، إقليمية أو دولية في هذا الشأن، ومحاولة استثمارها وتوظيفها، في إطار التكيف مع الظروف، التي تمر بها الأزمة.

ج. على المستوى الاقتصادي

كان الوضع الاقتصادي يضغط بشدة على الحكومة الأنجولية. فقد أصابت الحرب القطاعات الاقتصادية بأضرار كبيرة، كما تعرضت البنية التحتية للعديد من الأعمال التخريبية. وعلى الرغم من أن أنجولا تُعد من أغنى الدول الإفريقية في مواردها الطبيعية، إلاّ أن معظمها لم يُستغل بسب ظروف الحرب، وانهيار شبكة النقل والمواصلات والطاقة.

د. على المستوى الاجتماعي

أفرز الوضع الاجتماعي صراعاً سياسياً، ذا طابع عرقي/ قبلي. فالجبهة الشعبية "مبلا" تستند إلى قبائل الماوندو Maoundu، والباكونجو Bakongo، في حين أن الاتحاد الوطني "يونيتا" يستند إلى قبائل أوفيمبوندو Ovimbundu، والشوكوي Chokwe، وجانجويلا Gangula، وأوفامبو Ovambou، وهي كلها قبائل جنوبية. ويعني ذلك أن مضمون الصراع ليس أيديولوجياً في الأساس، وإنما صراع للاستحواذ على السلطة والثروة. كما أن الصراع أفرز نوعاً من المعاناة شديد الوطأة على الشعب الأنجولي، إذ ترتب عليه تشريد مئات الآلاف من اللاجئين، في معسكرات بالدول المجاورة لأنجولا، إضافة إلى تشريد نحو ثلاثة ملايين مواطن أنجولي، داخل البلاد.

2. تعاظم التورط الإقليمي والدولي

خلال مراحل الأزمة الأنجولية، اتضح أن التدخل الأجنبي في شؤونها يتعاظم. تارة من أطراف إقليمية لصالح طرف أو أخر، مثل تدخل جنوب إفريقيا إلى جانب قوات "فنلا" و"يونيتا"، ومثل دعم الكونغو "كينشاسا" لفنلا ويونيتا، وكذلك دعم الكونغو برازافيل للحركة الشعبية "مبلا"؛ وأخرى من أطراف دولية من جانب المعسكرين الشرقي، بقيادة الاتحاد السوفيتي وحلفائه، خصوصاً الكوبيين، والغربي بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة فرنسا، من جهة، والبرتغال من جهة أخرى. وقد دفع هذا التدخل العديد من الدول، والمنظمات الإقليمية والدولية، إلى المطالبة بضرورة الكف عن التدخل في الشؤون الأنجولية، فضلاً عن وجود معارضة داخلية في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، لتزايد التورط في أنجولا.

3. انتهاء الحرب الباردة

منذ نهاية الثمانينيات، كان هناك اتجاه بين القوتين العظميين لتسوية الصراعات الإقليمية، بالوسائل السليمة. وربما كان ذلك بسبب المشكلات الداخلية، التي كان يعاني منها الاتحاد السوفيتي، خاصة في المجال الاقتصادي. ومن ثم بات على صانعي القرار في موسكو إقرار مثل هذا المبدأ، كوسيلة للتخفيف من الالتزامات الخارجية، ومنها ما يتعلق بالشأن الأنجولي. وبانهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة، فإن الظروف والمستجدات الدولية كانت دافعاً لجميع الأطراف للتحرك نحو إحداث تسوية.

ثانيا. جهود التسوية

1. جهود الأطراف الإقليمية

بادرت العديد من الأطراف الإقليمية، إلى محاولات عديدة لتسوية الحرب في أنجولا، خلال مراحلها المختلفة، كان أبرزها:

أ. دور الدول الإفريقية

(1) دور الكونغو "كينشاسا"

بدأت أولي محاولات التوفيق بين "الحركة الشعبية لتحرير أنجولا، "مبلا"، و"الجبهة الوطنية لتحرير أنجولا" "فنلا" عام 1961، في الكونغو "كينشاسا"؛ ولكنها فشلت بعد أن انسحب روبرتو، زعيم الجبهة الوطنية، واتهم نيتو زعيم الحركة الشعبية "مبلا" بالشيوعية المتطرفة. وكانت هناك محاولة أخرى في أغسطس 1962، انتهت بعد يومين من بدايتها. وفي عام 1966 وقّع في كينشاسا أول اتفاقية بين الجبهتين، ولم تصمد طويلاً.

حاول الرئيس "موبوتو" في عام 1973 توحيد الجبهتين، وإنهاء الخلاف بينهما، ولكن "نيتو" أعلن أنه لا يثق في "موبوتو"، ولا في "روبرتو". وفي يوليه 1974 وقّعت اتفاقية، شارك فيها، إلى جانب الجبهتين السابقتين، "الاتحاد الوطني لاستقلال كل أنجولا" يونيتا"، برعاية الكونغو "كينشاسا" أيضاً؛ ولكنها انهارت بعد أسابيع قليلة من توقيعها، عندما اصطحب الرئيس موبوتو معه إلى لشبونة، زعم الجبة الوطنية "روبرتو"، لمناقشة اتفاقيات الاستقلال المنتظر، من دون إخطار الحركتين المشتركتين في التوقيع على الاتفاقية.

وعلى الرغم من تعدد محاولات كينشاسا التوفيق بين القوي المتصارعة في أنجولا، إلا أن تلك المحاولات ظلت متعثرة، لا تقوى على إحداث تسوية حقيقية، ونهائية. فمن أهم هذه المحاولات، "اتفاق جبادوليت" بشمال شرق الكونغو "كينشاسا"، الذي تم التوصل إليه، عندما عُقدت قمة إفريقية مصغرة، في 23 يونيه 1989، برعاية الرئيس الزائيرى الأسبق "موبوتو سيسيسيكو"، وشارك فيها ثمانية عشر زعيماً إفريقياً. وقد تضمن هذا الاتفاق ما يلي:

(أ)     البدء فورا في تنفيذ وقف إطلاق النار، اعتباراً من 24 يونيه 1989.

(ب) تشكيل لجنة من رؤساء دول: الكونغو "كينشاسا"، والكونغو برازافيل، والجابون، للعمل فوراً من أجل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والإعداد لخطة شاملة للمصالحة الوطنية في أنجولا.

(ج) أن تعترف "يونيتا" بالرئيس "دوس سانتوس" زعيماً لأنجولا، بينما يغادر "سافيمبي"، زعيم يونيتا، البلاد ولا يعود إليها إلاّ عندما تستدعي الحاجة وجوده أو خدماته.

(د) تتعهد "الحركة الشعبية لتحرير أنجولا" "مبلا"، بزعامة "دوس سانتوس"، بالعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، من خلال سياسة مصالحه وطنية منسجمة ومتكاملة، واستيعاب جميع أعضاء "يونيتا"، وجميع الأنجوليين ممن هم خارج "الحركة الشعبية"، في مؤسسات الدولة.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أدى الغموض، الذي اكتنف "اتفاق جبادوليت"، خصوصاً ما يتعلق بوضع "سافيمبي"، وكيفية استيعاب أعضاء "يونيتا"، وفشل اللجنة الثلاثية، المكلفة بمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، في وضعه موضع التنفيذ الفعلي، إلى دفع "يونيتا" في 26 أغسطس 1989، إلى إعلانها العودة إلى الصراع المسلح العلني ضد الحكومة الأنجولية، ورفض "اتفاق جبادوليت".

ولعل مشكلة "اتفاق جبادوليت" كانت في صعوبة التقريب بين التصورات وأهداف طرفي الصراع؛ فعلى حين ترى الحكومة الأنجولية ضرورة الاستيعاب التدريجي لأعضاء "يونيتا"، في الحكومة والجيش وكافة المؤسسات المختلفة داخل المجتمع، وذهاب "سافيمبي" إلى منفى اختياري، كان "سافيمبي" وحركته يرفضون فكرة النفي الاختياري، وفكره احتواء أعضاء "يونيتا" تدريجياً، ويطالبون بتشكيل حكومة ائتلافية وانتخابات حرة، على النمط الغربي.

(2) دور الكونغو برازافيل

بذلت الكونغو برازافيل جهوداً من أجل تصفية الحرب في أنجولا، خلال مراحل تطورها المختلفة. فمن تلك الجهود، على سبيل المثال، المباحثات والاجتماعات التي جاءت إثر اجتماعات القاهرة، في 24 يونيه 1988، بشأن وضع جدول زمني لانسحاب كل من قوات جنوب إفريقيا وكوبا من أنجولا، والتي استكملت في نيويورك، خلال الشهر نفسه، ولم تسفر عن نتائج مؤثرة. وعندما عُقدت تلك الاجتماعات في الكونغو برازافيل، في 14 سبتمبر 1988، اقترحت الولايات المتحدة جدولاً زمنياً مدته ثمانية عشر شهراً، لرحيل القوات الكوبية، ولكن أنجولا طلبت مدة أطول. وبعد مداولات متعددة تم التوصل إلى "بروتوكول برازافيل"، الذي نص على فتره سبعة أشهر لإجراء انتخابات استقلال ناميبيا، وعلى انسحاب تدريجي للقوات الكوبية من أنجولا، على أن يكتمل هذا الانسحاب في مدى سبعة وعشرين شهراً، في أول إبريل 1989، وعلى أن يكون تنفيذ البروتوكول تحت إشراف الأمم المتحدة.

وبالفعل، حدثت عملية انسحاب القوات الكوبية من أنجولا، وعددها حوالي خمسين ألف مقاتل، تنفيذاً للاتفاق الموقع في 14 ديسمبر 1988 في برازافيل، بين كوبا وأنجولا وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، الذي تضمن في إحدى وثائقه انسحاب القوات الكوبية بالكامل من أنجولا، وفق جدول زمني محدد، وفي أخرى قبول جنوب إفريقيا لاستقلال ناميبيا، والعمل على تنفيذ ذلك وفق جدول زمني محدد. مع أن الاتفاق يتعلق بموضوعين منفصلين عن بعضهما، إلا أن التنفيذ ارتبط بهما معاً تمام الارتباط، سواء من حيث صدقية التنفيذ، أو التزامن في الإجراءات.

(3) دور زامبيا

بذلت زامبيا العديد من المحاولات في التقريب بين القوى المتصارعة في أنجولا. فمن تلك المحاولات رعايتها لاتفاق السلام، الذي وُقّع في لوزاكا العاصمة، وتحت إشراف الأمم المتحدة، في نوفمبر 1994. وقد تميز هذا الاتفاق بقدر أكبر من المرونة، سواء في وضع الأهداف، أو في التأسيس لإطار عمل، من أجل الحوار والتفاوض، أكثر من كونه فقط إطاراً زمنياً لإيقاف الحرب، وإجراء الانتخابات. وعلى الرغم من ذلك، فإن القتال المتقطع ظل قائما بين القوتين المتصارعتين: "مبلا" و"يونيتا".

(4) دور كينيا

تحت رعاية الحكومة الكينية، تمكنت الجبهات الوطنية الأنجولية الثلاث، من الوصول إلى اتفاق، في مومباسا بكينيا، في 5 يناير 1975. فقد دخلوا كجبهة واحدة في المفاوضات مع الحكومة البرتغالية. وبموجب ذلك الاتفاق جرى التوقيع على اتفاقية أخرى مع الحكومة البرتغالية، هي "اتفاقية الفور"، التي حددت موعد استقلال أنجولا، وتشكيل حكومة انتقالية، وغير ذلك من القضايا المطروحة.

(5) دور جنوب إفريقيا

على الرغم من أن التدخل السافر في أنجولا، لقوات حكومة جنوب إفريقيا، أثناء الحقبة العنصرية، أملته طبيعة الحرب الأنجولية وتداخلاتها، ومصالحها، فإن متغيرات الحرب، بالمثل ـ أملت على جنوب إفريقيا ـ مرة أخرى ـ ضرورة الانصياع للجهود المبذولة، من أجل وضع تسوية للحرب. ففي أوائل عام 1984، أعلنت حكومة جنوب إفريقيا، عن استعدادها لوقف إطلاق النار، وانسحاب جزء كبير من قواتها من أنجولا. واجتمع ممثلو جنوب إفريقيا وأنجولا، في لوساكا بزامبيا، تحت إشراف الأمم المتحدة، واتفق الطرفان على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة، لتنظيم عملية الانسحاب من المنطقة، وذلك مقابل تعهد "الحركة الشعبية" "مبلا"، بعدم مساعدة منظمة جنوب غرب إفريقيا "سوابو" South- West Africa Peoples Organization: SWAPO.

غير أن الحركة الشعبية، وبدعم من الاتحاد السوفيتي وكوبا، رفضت ذلك، وطالبت بجدولة الانسحاب، وتحقيقه في مدى زمني قدره ثلاثة أعوام. ونتيجة للضغوط، التي مورست على "مبلا"، فقد وافقت على تخفيض مدة الانسحاب إلى ثمانية عشر شهراً. ومع هذا لم ينفذ الطرفان اتفاق لوساكا، لأنه لم يضع حلاً ناجحاً لمشكلة ناميبيا، من جانب، كما أنه لم يضع الأسس العملية الكاملة لتسوية مشكلة الحرب في أنجولا، وقد أدى ذلك إلى عودة القتال بين الاتحاد الوطني "يونيتا"، والحركة الشعبية "مبلا"، من جديد.

ب. دور منظمة الوحدة الإفريقية في تسوية الحرب الأنجولية

على الرغم من أن منظمة الوحدة الإفريقية، هي المنظمة القارية صاحبة الاختصاص الأصلي، في تسوية النزاعات الإفريقية، فإنها لم تنجح في التوصل إلى حل سلمي، بين أطراف الحرب الأنجولية. ففي يوليه 1975، انعقد مؤتمر القمة الإفريقي في كمبالا، وإزاء تدهور الموقف العام في أنجولا، قرر المؤتمر تشكيل لجنة تحقيق ومصالحة بشأن أنجولا، تكونت من ممثلي: ليبيا، وأوغندا، والصومال، ونيجيريا، وغينيا، وغانا، والمغرب. كما دعت المنظمة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتألف من زعامات الحركة الوطنية الثلاث في أنجولا، إلا أن مساعي لجنة أنجولا، لم تسفر عن أي نتيجة إيجابية. وظلت منظمة الوحدة الإفريقية، تلتزم الحياد، تجاه الصراع الدائر في أنجولا، حتى تفاقمت الحرب الأهلية بعد الاستقلال، فتحركت الدبلوماسية الإفريقية نحو خطوة تنظيمية أخرى، لمواجهة الأزمة. فدعا رئيس جمهورية الصومال، إلى عقد مؤتمر قمة إفريقي خاص بمشكلة أنجولا. واستجابت القيادات الإفريقية للدعوة، وانعقد المؤتمر في 10 يناير 1976، بأديس أبابا.

ومنذ بداية المؤتمر، ظهر الانقسام واضحاً بين الرؤساء الأفارقة، حول الاعتراف بأيٍ من أطراف الحرب الأنجولية، حكومة شرعية للبلاد. فعلى حين دعا الرئيس الموزمبيقي الراحل، "سامورا ماشيل"، إلى الاعتراف الإفريقي الشامل بحركة "مبلا"، باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في أنجولا، أكد الرئيس السنغالي الأسبق "ليوبولد سنجور"، على ضرورة إيجاد حل تتوفر فيه ثلاثة شروط، هي: أن يكون الحل إفريقياً خالصاً؛ وأن يكون ديمقراطياً، وأن يتفق مع سياسة عدم الانحياز، في مواجهة جميع التكتلات، وفقاً لنص المادة الثالثة من ميثاق أديس أبابا التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية.

من ناحية أخرى، تقدمت كل من الحركات الأنجولية الثلاث بطلب إلى المنظمة، للاعتراف بها حكومة شرعية لأنجولا. وقدمت نيجيريا، ومعها واحد وعشرون دولة إفريقية أخرى، مشروع قرار يدعو إلى الاعتراف بحكومة "مبلا"، على حين قدمت السنغال ومعها واحد وعشرون دولة إفريقية أخرى، مشروع قرار يدعو إلى حياد المنظمة في الأزمة الأنجولية، والاعتراف بحركات التحرير الثلاث. كما تقدم الرئيس الأوغندي الأسبق "عيدي أمين"، بصفته رئيساً لتلك الدورة للمنظمة، باقتراح باسم المنظمة، يتألف من سبع نقاط أهمها: الإصرار على الوحدة الإفريقية، وإدانة جنوب إفريقيا، وتأليف لجنة من قادة إفريقيا للتوفيق بين الحركات الثلاث، وإدانة التدخل الأجنبي بكل صورة.

انتهي مؤتمر القمة الإفريقي الخاص بمشكلة أنجولا، بعد سبعة وعشرين ساعة من الاجتماعات العاصفة، دون التّوصل إلى حل وسطٍ حول أنجولا. فالدول المؤيدة لحكومة "مبلا"، رفضت مشروع القرار، الذي تقدم به الرئيس الأوغندي "عيدي أمين"؛ وبذلك فشلت الجولة الثانية من الدبلوماسية الإفريقية الجماعية، إزاء الأحداث في أنجولا، وانقسمت الدول الإفريقية إلى فريقين متساويين عددياً، أحدهما يؤيد "مبلا"، والآخر يدعو إلى حكومة ائتلاف وطني في أنجولا، بين الحركات الثلاث، وإن كان واقع الأمر يؤيد تحالف "فنلا" و"يونيتا"، المضاد للحركة الشعبية "مبلا".

2. جهود الأطراف الدولية

مثلت التغييرات المستمرة في النظام الدولي، أحد الضغوط الدولية، التي تضمنت إعادة صياغة العلاقات والسلوكيات والممارسات للقطبين الدوليين، بالاتجاه نحو تسوية الصراعات الإقليمية، في إطار الاتفاق حول مناطق النفوذ. وقد تجلت هذه الضغوط في شكل استعداد سوفيتي أكبر، للتنازل في مسألة أنجولا، وضغطه على كلٍ من كوبا وأنجولا لإتمام اتفاق برازافيل، وهو ما يعني، أيضاً، تراجع الاستعداد لمواصلة دعم الحكومة الأنجولية، في قتالها ضد المتمردين، وضغطاً مباشراً، من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للحرب في أنجولا. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة لم تتوقف عن التلميح بإمكانيات التعاون الاقتصادي، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في أنجولا، وكذلك تسهيل قبولها عضواً بالبنك والصندوق الدوليين. كما أن دعم الولايات المتحدة السنوي للاتحاد الوطني "يونيتا"، والمقدر بخمسة عشر مليون دولار، كان يمثل أداة ضغط على الحكومة الأنجولية، لدفعها للتفاوض مع "يونيتا". علماً بأن الولايات المتحدة كانت قد علقت اعترافها بالحكومة الأنجولية، حتى تقبل الأخيرة الدخول في تلك المفاوضات المشتركة.

أ. دور الدول الفاعلة

أسهم عدد من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي، من طريق مباشر أو غير مباشر، في محاولة إحداث تسوية سياسية للأزمة في أنجولا، ومن تلك الدول:

(1) دور الولايات المتحدة الأمريكية

بانتهاء الحرب الباردة، وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم، فإن جهودها انصرفت إلى محاولة الوصول إلى تسوية سياسية في أنجولا، بمشاركة أطراف أخرى، مثل: روسيا والبرتغال، إضافة إلى دعم جهود الأمم المتحدة، في هذا الشأن. كما أن الولايات المتحدة، وإن كانت قد استخدمت الاستثمارات، والمساعدات، والدعم السياسي، والدبلوماسي، كسياسة ترغيبية، فهي كذلك قد استخدمت التحذيرات، والتهديدات بشكل مباشر، أو من خلال مجلس الأمن، كسياسة ترهيبية، لدفع القوتين المتصارعتين في أنجولا "مبلا" و"يونيتا" إلى التفاوض خصوصاً عندما كانت المعارك بين الجانبين قد اقتربت من الشمال، واقتربت من حقول النفط، حيث تعمل الشركات الأمريكية. فقد أصدرت الولايات المتحدة تحذيراً صريحاً، وشديد اللهجة، إلى قيادة حركة "يونيتا"، تحذرها وتهددها من أن استمرار تقدمها العسكري إلى إقليم كابندا، حيث مناطق استخراج البترول، إنما يعد تهديداً للمصالح الاقتصادية، وللنفوذ السياسي للدول المانحة، وأن هذا أمراً غير مقبول.

(2) دور روسيا

على الرغم من العلاقات الوطيدة، بين كل من الاتحاد السوفيتي "سابقاً" وأنجولا، إبان حقبة الحرب الباردة، إلاّ أن انهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور روسيا على الساحة الدولية، لم يقترن بدور روسي كبير في الشؤون الأنجولية، باستثناء الجهود المشتركة مع الجانبين الأمريكي والبرتغال، وبعض الأطراف الأخرى، في تدعيم المفاوضات، بين القوى المتصارعة في أنجولا.

(3) دور البرتغال

على الرغم من الماضي الاستعماري البرتغالي في أنجولا، ومرور فترة طويلة من عدم الثقة المتبادلة بين الجانبين، فقد كان مؤتمر القمة التاريخي، بين الرئيسين الأنجولي والبرتغالي، الذي شهدته العاصمة الأنجولية لواندا، في الفترة من 24 إلى 26 يوليه 1978ـ أي بعد حوالي ثلاثة أعوام من الاستقلال ـ مؤشراً إلى الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، تحكمها اتفاقية عامة للتعاون بينهما، مدتها ثلاث سنوات. وكان هدف الحكومة البرتغالية، أن تكون هذه الاتفاقيات خطوة لاستعادة العلاقات وتحسينها، وتمهيد الطريق لعودة الروابط الاقتصادية والسياسية، التي يمكن بموجبها أن تحظى البرتغال بنصيب أكبر من المواد الخام الأنجولية، في حين تُهيئ للحكومة الأنجولية الفرصة للنفاذ إلى السوق الأوروبية، من خلال لشبونة. كما أن الأنجوليين ربما كانوا يرغبون في إجراء نوع من الموازنة، بين الوجود الأمريكي في أنجولا ـ من خلال شركاته الدولية ـ بوجود برتغالي، ومن ثم بناء شبكة متوازنة ومتعددة الأطراف، في إطار علاقاتها الدولية.

على ضوء هذا يلاحظ أ،ن البرتغال دأبت على رعاية بعض المؤتمرات الرامية لإقرار تسوية سلمية للحرب في أنجولا، منها ذلك المؤتمر، الذي عُقد بعد فشل "اتفاق جبادوليت" بالكونغو "كينشاسا". فقد استمرت سلسلة من المحادثات، لمدة عام كامل بوساطة رئيس وزراء البرتغال، كافاكو، وبإشراف الأمم المتحدة، وبرعاية وزيري خارجية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وقد أثمرت تلك المحادثات عن توقيع اتفاق سلام في لشبونة في 15 مايو 1991، بين الرئيس الأنجولي "سانتوس"، وخصمه "سافيمبي" زعيم "يونيتا"، تضمن ما يلي:

(أ)     وقف رسمي لإطلاق النار، اعتباراً من 30 مايو 1991.

(ب) إجراء انتخابات متعددة الأحزاب، خلال الفترة من سبتمبر حتى نوفمبر 1992.

(ج) موافقة الحكومة و"يونيتا" على تكوين جيش وطني موحد، يتألف من أربعين ألف مقاتل بالتساوي بين الجانبين.

(د) إشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على عمليات تبادل أسرى الحرب بين الجانبين.

ب. دور الأمم المتحدة في تسوية الحرب في أنجولا

بدأت الأمم المتحدة في التعامل مع الحرب الأنجولية، بإصدار قرار من الجمعية العامة في ديسمبر 1975، قد صدر بناء على مشروع قرار تقدمت به سبع دول إفريقية. وكان القرار واتخذ بأغلبية 108 صوتاً، ضد 15 صوتاً، وامتناع 16 دولة عن التصويت. ويتضمن مشروع القرار امتناع جنوب إفريقيا عن أي تدخل غير شرعي في أنجولا، كما نادى "كورت فالدهايم" السكرتير العام للأمم المتحدة ـ آنذاك ـ في يناير 1976، بضرورة توقف كل صور التدخل الأجنبي في تلك المنطقة، سواء من طريق إرسال الأسلحة أو المقاتلين، أي أن دور الأمم المتحدة في تلك المرحلة، من مراحل الأزمة الأنجولية، اتسم بالضعف والهشاشة.

كلما أصدر مجلس الأمن خلال شهر أكتوبر 1992، أكثر من بيان، للتعبير عن القلق من تدهور الوضع في أنجولا، ودعا قادة "الحركة الشعبية" الحاكمة، و"الاتحاد الوطني" المعارض، إلى الالتزام بتعهداتهم، حسب اتفاق السلام الموقع في لشبونة، في مايو 1991، واحترام وقبول نتائج الانتخابات، التي جرت بإشراف دولي، في سبتمبر 1992.

ولما رفض سافيمبي نتائج الانتخابات، وأعلن تجدد القتال، دخلت أنجولا، مرة أخرى، أتون الحرب. وسرعان ما سعت الأمم المتحدة إلى احتواء الموقف المتفجر. فأوفد مجلس الأمن فريقاً أعضاؤه من الولايات المتحدة، وروسيا، والمغرب، والرأس الأخضر، للمساعدة في تخفيف حدة التوتر. وفي 30 أكتوبر 1992، أصدر مجلس الأمن قراراً بالإجماع، أدان فيه بشده كل شكل من أشكال استئناف القتال، وطالب بالتوقف عن أعمال العنف، كما شدد على ضرورة الحفاظ على سلامه أراضى أنجولا. وكذلك طالب المجلس بالامتناع عن أي عمل يمكن أن يؤثر على تنفيذ اتفاق السلام، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وقد ساعدت هذه المساعي في جمع طرفي الصراع، "مبلا" و"يونيتا"، للعمل على وضع اتفاق وقف إطلاق النار موضع التنفيذ الفعلي، ولحثهما على قبول نتائج الانتخابات، والموافقة على إجراء الدورة الثانية منها. إلا أن عدم التوصل إلى صيغه سياسية، يتم بمقتضاها الدخول في مفاوضات ووقف العمليات العسكرية فعلياً، حال دون إتمام تلك المساعي. ومن ثم، اندلعت موجة جديدة من الاشتباكات بين الجانبين، في يناير 1993، تحولت ـ فيما بعد ـ إلى حرب شاملة؛ ما دعا الدكتور بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى إصدار تحذير بوقف عمليات المنظمة الدولية الرامية إلى حفظ السلام في أنجولا، إذا استمرت المعارك. كما أوصى في تقريره إلى مجلس الأمن بسحب الموظفين الدوليين إلى العاصمة لواندا، وتخفيض عددهم من سبعمائة مراقب إلى أربعة وستين مراقب فقط، والتنبيه على إمكانية وقف العملية كلها، إذا استمر القتال حتى نهاية أبريل 1993، موعد انتهاء فترة عمل بعثة الأمم المتحدة في أنجولا.

وفي نهاية يونيه 1997، قامت البعثة الثالثة للأمم المتحدة في أنجولا، المسماة United Nations Angola verification Mission (UNAVEM III) ـ تجدر الإشارة إلى أن البعثة الأولى UNAVEM I كانت قد تشكلت في ديسمبر 1988، أما البعثة الثانية UNAVEM II فقد تشكلت في إطار الجهود المبذولة لإقرار السلام، ولإجراء أول انتخابات تعددية في أنجولا عام 1992 ـ بدور جديد في أنجولا، على الرغم من المصاعب الكبيرة، التي واجهتها البعثة، سواء من جانب القوى المتصارعة، أو من ناحية عبء وتكلفة تمويل البعثة، حيث وصل عدد أفرادها إلى سبعة آلاف، بحلول يناير 1997، وكانت تكلفة عمل البعثة في اليوم الواحد تعادل مليون دولار أمريكي. وعلى الرغم من النتائج المتواضعة للبعثة في تسوية الحرب في أنجولا، إلاّ أنه لا يمكن التقليل من شأن الدور الذي قامت به الأمم المتحدة، وما تزال، في أنجولا، خصوصاً منذ بداية التسعينيات. وعلى الرغم من السلام المتعسر في أنجولا، وعدم تجاوب القوتين المتصارعتين لوضع اتفاقات التسوية موضع التنفيذ الفعلي، مع تعددها وتعدد الأطراف المشاركة فيها، إلا أن الأمم المتحد مطالبة بالمزيد من الجهود في هذا الشأن، حتى يتم إقرار تسوية سياسية مقبولة من جانب جميع الأطراف.