إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في أنجولا






مناطق تمركز الجبهات المتصارعة



المبحث الرابع

المبحث الرابع

الأوضاع الراهنة في أنجولا

أولاً: الأوضاع على المستوى الداخلي، وأبرز الأحداث

يمكن أن توصف الفترة من النصف الثاني لعام 1996، وإلى مايو 1998، بأنها فترة تطورات سياسية إيجابية في أنجولا، بلغت ذروتها عند تكوين حكومة الوحدة الوطنية، عام 1997. وقد تقلد سبعون من أعضاء حركة "يونيتا" المعارضة للحكومة، مناصب في البرلمان الوطني، كما أن عدداً من كبار العسكريين في الحركة، أجري دمجهم في الجيش الوطني. وأعلنت يونيتا في بيانيين صادرين عنها، التزامها بنزع السلاح. وعلى الرغم من ذلك، فقد أصبح واضحاً، فيما بعد، أن جوناس سافميبي، زعيم يونيتا، قد استغل عملية السلام، التي أقرّت في لوساكا بزامبيا، لكي يعيد تسليح حركته، وأن مبادرات حركته، فيما يتعلق بعملية السلام المزعومة، لم تكن إلاّ ستاراً يخفي وراءه الإعداد والتحضير، لهجوم كبير على القوات الحكومية.

فأثناء تلك الفترة، حشدت حركة يونيتا قدرات قتالية تقليدية، وأخذت في التمركز على الهضاب المركزية، بشكل متوازٍ مع آليات حرب العصابات التقليدية، التي تمارسها في معظم أرجاء البلاد. وتركزت حشودها الثقيلة في المقاطعات الشمالية، (يوجي ومالانجي)، وفي المقاطعات الغربية، (كوانزا الجنوبية وكوانزا الشمالية)، والمقاطعات الشرقية (موكسيكو)، والمنطقة الجنوبية في (كواندو كوبانجو). وتبين أن يونيتا كانت تعد فعلاً للحرب، عندما بدأت حرباً تقليدية في ديسمبر 1998، بعد فشل الحكومة في السيطرة على المرتفعات، الخاضعة لسيطرة يونيتا في أندولو Andulo، وبايلوندو Bailundo.

وقد تغير الوضع فجأة في سبتمبر 1999، بعد شن القوات الحكومية هجوماً كبيراً على الهضاب المركزية، في محاولة للاستيلاء على معاقل يونيتا، في هاتين المنطقتين. وقد أجبرت تلك القوات حركة يونيتا على الفرار من مواقعها. وترتب على هذا الهجوم أن خسرت يونيتا معظم قدرتها القتالية التقليدية، إذ كانت كل من أندولو وبايلوندو من المراكز الرئيسية للقيادة والاتصالات. كما أن افتقادهما كان يمثل المقدمة لخسارة العديد من المناطق الأخرى، مثل بلانالتو Planalto، وهو أمر شكل ضربة قاسمة لسافيمبي وحركته. ذلك أن افتقاد تلك المناطق، وفقدان مراكز الاتصالات والقيادة، كان يعني تعطيلا لحركة الاتصالات والأوامر، بين مراكز يونيتا وبين قواتها العاملة في المناطق المختلفة، وهو ما ترك تأثيراته السلبية على مقدرة يونيتا، في جميع أنحاء البلاد.

كما أن الهجوم الذي شنته القوات الحكومية، على معاقل حركة يونيتا، كان يعنى، أيضاً، خسارة الحركة لمناطق استخراج الماس الرئيسية ليونيتا، خصوصاً حول مونجو Mungo ونهاريا Nharea ونهر كوانزا. وقد ترتب على ذلك تقليل عائدات الحركة، إضافة إلى أن ضياع أندولو كان يعني للحركة الخسارة لقاعدة آمنة لبيع الماس، الذي تستخرجه، وكان يمكن بواسطته أن تسترد الحركة كفاءة اتصالاتها، وإعادة هيكلة قواعدها من جديد. ومن ثم، فقد حدّت القوات الحكومية من قدرات يونيتا التقليدية، وواصلت ملاحقة فلول حشودها الرئيسية على الحدود الناميبية، بما في ذلك مركز القيادة في جامبا Jamba، الذي تم الاستيلاء عليه في نهاية عام 1999. كما هاجمت القوات الحكومية قواعد الحركة على الحدود مع زامبيا، بما في ذلك قاعدة كبيرة للإمدادات في كازومبوا، وواصلت تعزيزاتها القتالية في المقاطعات الشمالية في يوجي ومالانجي، حتى حدود لواندا الشمالية .

وهكذا يبدوا أن القوات الحكومية دمّرت معظم قدرات الحرب التقليدية ليونيتا، فأثرت هجماتها على مواقع الحركة بدرجة كبيرة، وعلى قدراتها. وقد أتاح هذا الهجوم للحكومة توسيع مناطق سيطرتها، على مناطق كانت خاضعة للحركة، وحرمتها من موارد أساسية كانت تحصل عليها من التعدين في تلك المناطق. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لم يمنع يونيتا من البقاء كحركة متمردة، قادرة على التكيف مع جميع الظروف، التي تواجهها. فقد تحولت إلى الأسلوب الذي تجيده، وهو حرب العصابات، إضافة إلى كونها تحكم سيطرتها على العديد من المناطق داخل البلاد، وهو ما يساعدها على البقاء والاستمرار.

وقد استطاعت يونيتا تنظيم صفوفها واستئناف القتال؛ كما استطاعت، من خلال سيطرتها على مناطق الماس في وسط أنجولا، من التزود بآلية مالية كبيرة، كانت ضرورية لها حيث مكنتها من مواصلة القتال، في مواجهة القوات الحكومية. كما ساعدها في تعزيز مواقعها، تحالفها مع القوات المتمردة والمناوئة لرئيس الكونغو الديموقراطية، في ذلك الوقت، لوران كابيلا، ومن ثم فعلى الرغم من الهجمات التي شنتها القوات الحكومية الأنجولية، على معاقل حركة يونيتا، إلاّ أنها لم تستطع فرض سلام كامل، أو أن تحسم الحرب لمصلحتها. فالحرب الأهلية ما زالت تتثاقل في الرحيل عن الأراضي الأنجولية، حيث ظلت حركة يونيتا تسيطر على الهضاب الجنوبية، التي تشكل حوالي 70% من مساحة البلاد، وإن كانت القوات الحكومية قد جددت هجماتها على مواقع يونيتا في أواخر عام 1999، وخلال عام 2000، في محاولة لتخليص مناطق سيطرة يونيتا ونفوذها.

وفي مقابل الهجمات، التي تشنها القوات الحكومية، على معاقل حركة يونيتا، فإن الهجمات التي ردت بها الحركة، كانت دافعا لإشاعة حالة من عدم الاستقرار، وكان من نتائجها، على سبيل المثال، ما يلي:

1. مقتل خمسة أشخاص وإصابة ثمانية وثلاثين بجروح خطيرة، في هجوم مسلح لمتمردي الحركة في شمال شرقي البلاد، إضافة إلى إطلاق أعضاء في الحركة مدافع الهاون على مدينة يوجى، التي تبعد ثلاثمائة كم شمال شرق العاصمة الأنجولية لواندا.

2. مقتل شخصين، على الأقل، وإصابة أكثر من ثلاثين آخرين في هجوم للمتمردين على مدينة يوجى، التي تسيطر عليها القوات الحكومية. وأفاد عمال الإغاثة أن الهجوم شنه مسلحون من قوات حركة يونيتا، كما هاجم المتمردون المدينة، التي تقع على بعد مائتين وخمسين كم شمال شرق العاصمة لواندا، بقذائف الهاون والقنابل. وذكر المراقبون أن هذا الهجوم كان يتزامن مع ذكرى الانتفاضة الشعبية الأربعين، ضد الحكم البرتغالي، التي توافق الرابع من فبراير من كل عام. وعلى الصعيد ذاته، نفت القوات الحكومية ما ذكرته مصادر يونيتا من أنباء، عن إسقاط الحركة لطائرة حكومية من نوع أنتو نوف في شرق البلاد، ومقتل اثنين وعشرين ممن كانوا على متنها. وذكرت مصادر الجيش أن المتمردين أصابوا إطارات الطائرة، وأصيب خمسة فقط من الركاب بجروح.

3. مقتل عشرين مزارعاً أنجولياً على الأقل، وجرح أكثر من ثلاثين آخرين، في هجوم شنه مسلحون. وأكدت مصادر عسكرية حكومية هذا الهجوم، الذي أرجعته إلى أن منفذين كانوا من متمردي حركة يونيتا، ظلوا يواصلون شن حرب عصابات في جميع أرجاء الدولة.

4. في 21 مايو 2001، أعلنت حركة يونيتا أنها استولت على مدينة بإقليم كوانزا الشمالية شرقي العاصمة لواندا، وأنها غنمت معدات عسكرية، ومواد غذائية، من الجيش الحكومي، ونوهت الحركة في بيان لها أن القوات الحكومية لم تبد مقاومة تذكر أثناء الهجوم، ولم تشر الحركة إلى هجوم آخر، تردد أن عناصرها نفذته غربي مدينة بنجويلا الساحلية، وأسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص، وإصابة خمسين، وفقد مائة على الأقل. وكانت الأمم المتحدة قد أدانت هجوماً شنته يونيتا في 5 مايو 2001، على ملجأ للأطفال اليتامى في مدينة كاكسيتو، راح ضحيته نحو مائتي طفل، وطالبت المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" الحركة بالإعادة غير المشروطة لنحو ستين طفلا اختطفتهم الحركة في الهجوم. ويشار إلى أن رئيس الحركة، جوناس سافيمبي، كان قد طالب في مارس 2001 عقد مباحثات مع الحكومة في لواندا، إلاّ أن الرئيس الأنجولي، جوس إدوارد دوسانتوس، أكد ضرورة موافقة الحركة، أولاً على وقف إطلاق النار.

5. أعلن مسؤول عسكري أنجولي، أن نحو مائة متمرد من يونيتا، قد قتلوا في معارك ضد الجيش الحكومي، في شمال وشمال شرق وجنوب العاصمة لواندا، في الفترة من 6-9 يونيه 2001.

6. قتل متمردون في أنجولا سبعين شخصاً في هجوم بإقليم لواندا الشمالية، الغني بالماس ويقع على الحدود الشمالية الشرقية مع جمهورية الكونغو الديموقراطية. وقد ذكر متحدث باسم الشرطة الحكومية، أن مائة مسلح اشتركوا في الهجوم، الذي نسبته السلطات الأنجولية إلى متمردي يونيتا. وترتب على ذلك احتجاج أهالي قرية شونغوفو، التي شهدت تلك المذبحة، على غياب الأمن، وحمّلت الحكومة الأنجولية المسؤولية عن هذا الهجوم، على تلك المناطق التي تكثر بها مناجم الماس.

7. أعلنت حركة يونيتا أن معارك عنيفة اندلعت بين مقاتليها، والقوات الحكومية، في أنحاء متفرقة من أنجولا، بعد أيام قليلة من هجومها على قطار للمسافرين، جنوب شرق العاصمة لواندا، أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. وذكرت يونيتا، في بيان صادر عنها، أن عناصرها قتلت تسعة وعشرين جنديا في هجومين. في حين هاجمت القوات الحكومية قريتين، تسيطر عليهما الحركة في إقليم آخر من أنجولا. وذكر البيان الصادر عن أنجولا، أن الهجومين على مواقع الجيش في إقليمي هوامبو وباى، جاءا رداً على قصف القوات الحكومية قرى وحقولاً زراعية، تسيطر عليها الحركة. وكانت الحركة قد أعلنت في 13 أغسطس 2001، مسؤوليتها عن الهجوم على القطار، الذي راح ضحيته أكثر من مائة وخمسين قتيلاً، منهم ستة عشر جندياً وإحدى عشر شرطياً، إثر انفجار القطار، بلغم أرضي شمال شرق البلاد. وقالت الحركة في بيانها إن القطار كان هدفاً عسكرياً مشروعاً، حيث كان يقل عدداً كبيراً من جنود ووحدات الشرطة، إضافة إلي الذخائر والأسلحة.

8. أعلنت الأمم المتحدة أن نحو ستة آلاف أنجولي نزحوا، في أوائل أغسطس 2001 إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية، إثر هجوم لمقاتلي حركة يونيتا على مدينة بيو شمال البلاد. وفي غضون ذلك قال مسؤول أنجولي أن عدد ضحايا الهجوم على قطار في أواخر يوليه 2001، وصل إلى مائتي قتيل، إضافة إلي الجرحى. وقد أعلنت يونيتا مسؤوليتها عن هذا الهجوم. وذكر المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة، أن هناك تقديرات لوجود نحو ألف وخمسمائة أنجولي على الحدود، بين أنجولا والكونغو المجاورة، مشيراً إلى أن اللاجئين يسافرون على الأقدام. وفي هذه الأثناء اندلعت معارك عنيفة بين القوات الحكومية ويونيتا، وذكرت الأخيرة في بيان صادر عنها، أن عناصرها قتلت تسعة وعشرون جندياً، في هجومين متفرقين. في حين هاجمت القوات الحكومية قريتين تسيطر عليهما يونيتا، في إقليم آخر من أنجولا.

9. أطلق رئيس كنيسة الرومان الكاثوليك حملة كنسية وشعبية في أنجولا، في محاولة منه لإرغام الحكومة وحركة يونيتا المناوئة على إنهاء الحرب الأهلية، المشتعلة بين الجانبين منذ ستة وعشرين عاماً، وتسببت في مصرع آلاف الأشخاص. وقال أسقف الكنيسة "زاكرياس كامينو"، إن الحملة ضد الحرب تسعى إلى إنهائها، بعد أن شرّدت نحو أربعة ملايين، هم ربع عدد السكان في أنجولا. ووصف كامينو الحرب بأنها كارثة، لأنها تسببت في تدمير قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات داخل البلاد، بينما انطلقت حملة مناوئة للحرب بقيادة حركة السلام، المؤلفة من قيادات دينية ومدنية، ووزّعت منشورات ودعاية مؤيدة للسلام، بهدف بناء رأى عام ضاغط على الحكومة ويونيتا، للتفاوض معا بشأن إنهاء الحرب.

10. أعلن مقاتلو حركة يونيتا أنهم قتلوا مائتين وثمانية وتسعون عنصراً، من الجيش والشرطة والمليشيات الحكومية، خلال هجمات شنتها الحركة في عشر من مقاطعات أنجولا الثمانية عشر، من 8-19 نوفمبر 2001. وذكر بيان للحركة نشرته وكالات الأنباء البرتغالية، أن الحركة فقدت في الفترة نفسها تسعة من عناصرها، وأصيب ستة عشر آخرون بجروح، وعدّ عنصراً واحداً في عداد المفقودين. وذكرت يونيتا أنها سيطرت في 11 نوفمبر 2001، على مدينة جامبا في مقاطعة موكسيكو شرقي البلاد، وأنها هاجمت في 17 نوفمبر، وفي المقاطعة ذاتها حاميات حكومية، في كاتولا وكاندينجو. وأكدت الحركة أنها قتلت ما لا يقل عن تسعة جنود نظاميين، في كمين نصبته في 10 نوفمبر، في مقاطعة كواندوا ـ كوبنجو جنوب شرق البلاد، لقافلة من القوات المسلحة الأنجولية، كانت عائدة من مهمة سرية في زامبيا.

وقد شهدت أنجولا هجمات متصاعدة لمتمردي يونيتا، ضد القوات الحكومية الأنجولية، في جميع أرجاء البلاد، خلال عام 2001. وربما يرجع سبب تلك الهجمات الكثيفة، إلى أن الحركة تريد تعزيز موقفها في أي محادثات سلام محتملة مع الحكومة. وبينما يطالب سافمبي، منذ مارس 2001، بعقد مباحثات مع الحكومة في لواندا العاصمة، فإن الرئيس الأنجولي، جوس إدوارد دوسانتوس، أكد على ضرورة موافقة الحركة، أولاً، على وقف إطلاق النار.

ثانياً: الأوضاع على المستوى الإقليمي

مع أوائل عام 2001، بدأت الأحداث تتصاعد في منطقة الجنوب الأفريقي بدرجة مأساوية. ففي الوقت الذي استمرت فيه أعمال العنف الداخلي، من جانب حركة يونيتا المناوئة للحكومة الأنجولية، كانت الأحداث في الكونغو الديموقراطية المجاورة لأنجولا، ليست أحسن حالاً. فقد استشرت في البلاد حرب أهلية طاحنة بين المتمردين والنظام الحاكم هناك، بزعامة لوران كابيلا، ثم ما لبث أن أُعلن أن أحد مساعدي كابيلا اغتاله. وفي ذلك الحين أعلنت الحكومة الأنجولية إرسال تعزيزات من قواتها المسلحة، إلى المدن الرئيسية في الكونغو الديموقراطية، قبل يوم من دفن جثمان الرئيس لوران كابيلا، وكان ذلك بعد يوم واحد من تعهد قطعته كل من أنجولا وزيمبابوي وزامبيا، بمواصلة الدعم العسكري للكنغو، بعد اغتيال رئيسه. وكانت الدول الثلاث قد وقفت إلى جانب الرئيس كابيلا في حرب إقليمية، تدور رحاها على الأراضي الكونغولية منذ عام 1998، ضد متمردين مدعومين من حلفاء كابيلا السّابقين، أوغندا ورواندا، للسيطرة على أراضي هذه الدولة. فقد أرسلت أنجولا نحو ألفي جندي من قواتها، تمركزوا، في الغالب، داخل العاصمة الكونغولية كينشاسا. وذكر مصدر في الجيش الأنجولي، أن لواندا استمرت في تعزيز قواتها في الكونغو الديموقراطية، وذلك في أعقاب مقتل كابيلا، ودعماً لابنه جوزيف، ومواصلة مساندتها للحكومة، ومواجهة للمتمردين في شرق البلاد.

وعلى الرغم من أن أنجولا ذاتها، تعانى من تفاقم الحرب الأهلية على أراضيها، إلاّ أنها وجدت نفسها أمام ضرورة التضامن مع الدولة المجاور ـ الكونغو الديموقراطية ـ في محاولة منها لكسب دعمها، ولتأمين حدودها الشرقية، وفي الوقت نفسه حرمان حركة يونيتا المعارضة من أن يكون لها دور في الأحداث الجارية هناك، خصوصاً وأن تعاوناً عسكرياً كان يربط بين القوات المسلحة الأوغندية والرواندية، المتورطتان في الحرب الكونغولية، وحركة يونيتا على أرض الكونغو.

وعلى جانب الحرب الدائرة في أنجولا، فقد اتهمت أنجولا زامبيا، الدولة المجاورة لها، بأنها تقدم دعماً عسكرياً لحركة يونيتا المتمردة، ولكن زامبيا نفت هذه الاتهامات. وعلى كلٍ، فقد كانت زامبيا تستضيف على أراضيها نحو مائتي وخمسين ألف لاجئاً، هربوا من الحروب الإقليمية في المنطقة، منهم نحو مائة وثمانين ألف أنجولي. وكان رؤساء كل من أنجولا وزامبيا وناميبيا، قد عقدوا قمة ثلاثية مصغرة في العاصمة الأنجولية لواندا، لتعزيز التعاون الحدودي، وبحث الأوضاع في المنطقة. واقترح الرئيس الأنجولي، إدوارد دوسانتوس، أثناء القمة الثلاثية، تعزيز التعاون باحترام الحدود الدولية، بين الدول الثلاثة المجاورة، التي تتبادل الاتهامات بانتهاك كل منهما لحدود البلد الآخر. وأضاف دوسانتوس ضرورة تنسيق الجهود للدفاع، عن سيادة أراضيهم عبر وسائل سياسية وأمنية وعسكرية. وقد ناقش الرؤساء الثلاثة الخلافات القائمة، بين أنجولا وزامبيا حول انتهاكات أطراف الحرب الأهلية الأنجولية للأراضي الزامبيية. وكانت زامبيا، التي لها حدود مشتركة مع أنجولا يبلغ طولها ألف ومائتي كيلو متر، قد احتجت عدة مرات على اقتحام قوات متمردي حركة يونيتا والقوات النظامية الأنجولية، لأحد أقاليمها في الشمال الغربي. وتصاعد التوتر في هذه المنطقة، ما اضطر السلطات الزامبية إلي إرسال تعزيزات عسكرية لاحتواء أعمال العنف. وفي المقابل، اتهمت أنجولا جارتها زامبيا بتأمين القواعد الخلفية للمتمردين الأنجوليين، لانتهاك الأراضي الأنجولية.

وعلى مستوى الصراع الدائر، بين حركة يونيتا المعارضة للحكومة الأنجولية، أعلنت الحركة مسؤوليتها عن إصابة طائر تابعة للأمم المتحدة، في 8 من يونيه 2001، وطالب رئيس زيمبابوي، روبرت موجابي، باتخاذ إجراءات صارمة ضد الحركة. كما دعا الرئيس موجابي وزراء خارجية أربعة عشر دولة أفريقية، أعضاء في جماعة التنمية للجنوب الأفريقي "سادك"، إلى عدم انتظار أي تحرك خارجي، في اتخاذ إجراءات صارمة ضد يونيتا، وزعيمها جوناس سافمبي. ورأى موجابي ـ أثناء اجتماع وزراء المنظمة، الذي يهتم بالقضايا السياسية والأمنية والإقليمية ـ أن الحملة العسكرية التي يشنها سافمبى ضد الحكومة الأنجولية، تشكل تهديداً كبيراً ضد الأمن والاستقرار في المنطقة.

وعلى الجانب الآخر، فقد رفض الحزب الحاكم في أنجولا دعوة أطلقها زعيم حركة يونيتا، تدعو الدول الأفريقية الأخرى، إلى التوسط لإنهاء الحرب الأهلية، المستمرة منذ أكثر من ربع قرن من الزمان. وقال المتحدث باسم الحزب الحاكم إنه لا حاجة لوساطة أفريقية، ودعا سافيمبي إلى قبول ما توصل إليه في اتفاق لوساكا، المبرم عام 1994، والقاضي بإيقاف الحرب، ونزع أسلحة المتمردين، وإجراء انتخابات حرة في البلاد، وهو ما خرقته حركة يونيتا عام 1998. وأكد المتحدث تمسك الحكومة الأنجولية بمقررات الاتفاق، وعدّه مرتكزاً أساسياً لمواصلة الحوار مع الحركة، وأضاف أن أهم شيء يمكن أن يذكره سافيمبي هو: أنه سيوقف الحرب. وكان زعيم حركة يونيتا قد أعلن في 13 يونيه 2001 أن حركته قد لا تنصاع، لوقف إطلاق النار المعلن من جانب واحد، وأنه لا يوجد ما يضمن التزام الحكومة بوقف إطلاق النار، إذا أقدمت حركته على وضع السلاح. ومن ثم، أعلنت الحركة أن معارك عنيفة تدور بين مقاتليها والقوات الحكومية، في أنحاء متفرقة من أنجولا، بعد أيام قليلة من هجومها على قطار مسافرين جنوب شرق العاصمة لواندا. كما أعلنت الحركة عن شنّها المزيد من الهجمات، على مواقع الجيش في الأقاليم الأنجولية المختلفة.

ثالثاً: الأوضاع على المستوى الدولي: "موقف الأمم المتحدة"

يتركز الاهتمام على المستوى الدولي، بدرجة أساسية، على ما تصدره الأمم المتحدة من القرارات، وما تمارسه بشأن الحرب الأهلية. ويلاحظ أن دور الأمم المتحدة يسير في اتجاهين، أحدهما: يركز على فرض العقوبات، والثاني: يركز على تقديم المعونات. ويمكن توضيح الموقفين في الآتي:

1. الاتجاه الأول: فرض العقوبات

يكون تنفيذه من خلاله التركيز على تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتكررة، ذات الصلة بالحرب في أنجولا ومنها القرار الرقم 864 الصادر في 15 سبتمبر 1993، والقرار الرقم 1127 الصادر في 28 أغسطس 1997، والقرار الرقم 1173 الصادر في 12 يونيه 1998، والقرار الرقم 1237 الصادر في 7 مايو 1999، وكذلك القرار الرقم 1295 المتخذ من جانب مجلس الأمن في اجتماعه المنعقد في 18 أبريل 2000 والذي يعيد التأكيد على التزامه بحماية السيادة الإقليمية لأنجولا، والتعبير عن انزعاجه لتأثيرات استمرار الحرب الأهلية بين سكان أنجولا، وموضحاً أن السبب المبدئي للأزمة الحالية إنما يتمثل في رفض الاتحاد الوطني لاستقلال كل أنجولا "يونيتا"، تحت قيادة، جوناس سافمبي، الامتثال لاتفاق دي باز، وبروتوكول لوساكا وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة؛ وأن المجلس لذلك يطالب يونيتا بالامتثال الفوري، وبدون شروط، لهذه الالتزامات، خصوصاً المطالب المتعلقة بنزع سلاح قواتها، والتعاون الكامل والسريع وغير المشروط، لإدارة الدولة داخل أنجولا.

وقد أبدى مجلس الأمن في قراراته، المتخذة في الشأن الأنجولي، ضرورة الحد من مقدرة يونيتا على تحقيق أهدافها، من طريق الوسائل العسكرية، وضرورة الحد من الانتهاكات للعقوبات المفروضة ضد يونيتا، والمتعلقة بالامتناع عن تزويدها بالأسلحة والمساعدات العسكرية، والمواد والمنتجات البترولية، وكذلك الامتناع عن تقديم المعونات الفنية والتدريب والاستشارات العسكرية وكذلك منع استمرار نشاط تجارة الأسلحة، مع تلك الحركة.

وفي 21 ديسمبر 2000، صدر التقرير النهائي لآلية مراقبة العقوبات على أنجولا، المؤسس على القرار الرقم 1295 لسنة 2000، وجاء فيه: أن مجلس الأمن من خلال قراراته السابق الإشارة إليها، بفرض عقوبات ضد الاتحاد الوطني لاستقلال كل أنجولا "يونيتا"، الذي يقوده جوناس سافيمبي مع الأخذ في الاعتبار الارتقاء بالتسوية السلمية، للصراع الطويل في أنجولا، من طريق مطالبة يونيتا بالامتثال للالتزامات، التي أخذتها على نفسها، عندما وقّعت اتفاقات السلام في لوساكا عام 1994، وعن طريق الحد من مقدرة يونيتا على فرض أغراضها بالوسائل العسكرية. لذلك، فإن العقوبات المقررة من جانب المجلس، وتشمل عدم البيع، أو التسليم للأسلحة والمعدات العسكرية ليونيتا، أو التزود بمنتجات البترول، أو شراء الماس المستخرج من مناطق تسيطر عليها تلك الحركة، إضافة إلى المطالبة بتجميد حساباتها في البنوك، وإغلاق مكاتبها في الخارج، والحد من سفر كبار الرسميين بها، بشكل مباشر وفوري.

وكان مجلس الأمن، ورغبة منه في تنفيذ هذه العقوبات، وعلى ضوء قراره الرقم 1237، الصادر في 7 مايو 1999، قد شكل فريق خبراء مستقل، وفوضه اتخاذ كل ما من شأنه أن يحول دون انتهاك العقوبات المفروضة ضد يونيتا، وجعل هذه العقوبات أكثر فعالية. وقد تم التأكيد أيضاً على هذا المعنى في تقرير المجلس الصادر في 10 مارس 2000، وأعاد التأكيد عليه مرة أخرى في تقريره الصادر في 21 ديسمبر 2000، الذي تضمن أساليب ونظم عمل آلية لتنفيذ العقوبات ضد يونيتا، وكيفية المحافظة والتطوير على تنفيذ تلك العقوبات.

وفي تقرير لجنة العقوبات الخاصة بأنجولا، وهى اللجنة المسؤولة عن تنفيذ تلك العقوبات، وفي إطار الأمم المتحدة، وبناء على قرارات مجلس الأمن، أكدت اللجنة على أن الغرض من تلك العقوبات، هو تقليل فعالية يونيتا في تحقيق أغراضها، من طريق الوسائل العسكرية، وطريق مبيعاتها من الماس، المحظور بيعه من جانبها، والمصادر الأخرى، التي تستغلها لدعم جهودها الحربية، ضد القوات الحكومية الأنجولية؛ وأن أعضاء المجلس يتحدون في التزامهم بجعل الاتفاقات القائمة، والخاصة بالعقوبات، أكثر فعالية في تقليل مقدرة يونيتا، على الاستمرار في الحرب، ودفعاً إلى استئناف المفاوضات، التي يمكن من طريقها تحقيق استقرار دائم، وإحراز تسوية لتلك الحرب الأهلية، التي استمرت لأكثر من العقدين، وخلفت وراءها مليون قتيل، وأكثر من ذلك من الجرحى والمشردين. كما ذكر التقرير أن كل من الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومنظمات أخرى، قد اتخذت قرارات وإعلانات حكومية متنوعة، لدعم التنفيذ الصارم لتلك العقوبات، إضافة إلى أن كل من شركة الماس الكبرى، وجمعية مصنعي الماس الدولية، والعديد من الشركات الأخرى، قد اتخذت خطوات لضمان الالتزام الكامل بتنفيذ العقوبات، ودعمها عن طريق الضغط، للوصول بالعقوبات إلى منتهاها، دون أي انتهاك لها. وكان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة في أفريقيا، قد ذكر أن إيقاف الحرب الأهلية في أنجولا مرهون بالالتزام باتفاق لوساكا، الذي نقضته الحركة عام 1998 مشيراً إلى أن المنظمة الدولية لن تدعم أي مفاوضات، تتم خارج ذك النطاق.

2. الاتجاه الثاني: تقديم المساعدات

يجري من خلاله التركيز على تقديم المعونات الإنسانية للمتضررين، من استمرار الحرب الأهلية في أنجولا. وفي هذا الشأن استمرت الأمم المتحدة في التحذير، من حدوث كارثة إنسانية في أنجولا، حيث يعاني أكثر من عشرة آلاف قروي، شردوا من منازلهم أثناء المعارك الأخيرة، بين قوات الحكومة ومتمردي حركة يونيتا. كما حذّرت المنظمة العالمية من النقص الشديد في الأدوية والمأوى، لهؤلاء المشردين واللاجئين. وفي تقريرها الصادر عن الأوضاع الإنسانية في أنجولا، بين منتصف فبراير 2001 ومنتصف مارس 2001، أكدت أن أكثر من خمسة آلاف شخص يعيشون في شوارع مدينة كيوتو المدمرة، على بعد ستمائة كم جنوب شرقي لواندا، بعد هروبهم من منازلهم، الواقعة في معاقل المتمردين السابقة، في منطقتي أندولو ونهاريا، في أعقاب القتال بين الحركة الحكومية وحركة يونيتا. ووصف التقرير الموقف بأنه خطير للغاية، مع استمرار هطول الأمطار في مدينة كيوتو. وأشار إلى أن المشردين جاوزوا سبعة أقاليم، كانت عرضة لهجمات متمردي يونيتا، وأنه منذ مطلع عام 2001، لجأ بعضهم إلى المناطق الحدودية مع ناميبيا، وأن المناطق التي يعيش فيها المشردون، تفتقد إلى الخدمات الصحية الأساسية، إذ تنتشر الأوبئة وتتفشى الأمراض المزمنة، كما توجد مخاطر على حياتهم بسبب وجود بعضهم في مناطق مزروعة بالألغام. وطالب التقرير إزالة القيود، التي وضعت على حركة عمال الإغاثة، بعد أن شهد إقليم مالانجي، الواقع على بعد أربعمائة كم شمال شرق العاصمة الأنجولية لواندا، تزايداً في حالات الوفيات من أوبئة مجهولة.

وكانت المفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة، قد ذكرت أن أربعمائة لاجئ أنجولي قد عادوا إلى بلادهم من جمهورية الكونغو. وكانوا هؤلاء قد فروا مع غيرهم إليها، بسبب الحرب الدائرة في أنجولا، وأنهم أعيدوا إلى مقاطعة كابندا السّاحلية الغنية بالنفط، وسيستأنفون حياتهم من جديد. كما ذكرت المفوضية أن هؤلاء اللاجئون هم الذين طلبوا العودة إلى بلادهم وأن هناك ثلاثين ألف أنجولي مازالوا لاجئين في الكونغو، ولا يعرف متى سيتم ترحيلهم إلى وطنهم، وأن من بينهم من يرفض العودة، بسبب استمرار الحرب في أنجولا.

وفي ظل هذه الأوضاع المتردية، التي يعاني منها الشعب الأنجولي، خصوصاً المشردون واللاجئون منهم، استأنف برنامج الغذاء العالمي رحلاته الجوية، الخاصة بإيصال المساعدات الإنسانية، على الرغم من تعرض طائراته للعديد من الحوادث، الناجمة من إطلاق صواريخ باتجاهها من جانب حركة يونيتا المعارضة. وكان البرنامج قد استأنف رحلاته في 11 يونيه 2001، إلى عدد من المدن في شرق أنجولا، حيث وزع المواد الإنسانية لنحو مائة ألف قروي، شردتهم المعارك.

وكذلك، أعلن برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، في أوائل سبتمبر 2001، أن مليون شخص في أنجولا، مهددون بخطر المجاعة وسوء التغذية، ما لم تصل مساعدات خلال الأشهر القادمة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البرنامج يُسهم في تأمين الغذاء لحوالي مليون شخص في أنجولا، أي ما يوازي 40% من النازحين داخل البلاد، ويبلغ عددهم أكثر من مليونين ونصف شخص. ويتعين تبعاً لذلك تسليم أكثر من 60% من المساعدات الغذائية، التي يوزعها البرنامج في أربعة عشر إقليماً، من الأقاليم الأنجولية الثمانية عشر، من طريق الجو، بسبب الحرب الأهلية. ومن ناحية أخرى، فإن انعدام الأمن السائد في العديد من المناطق داخل أنجولا، أرغم آلاف الأشخاص على هجر منازلهم، واللجوء إلى منازل مؤقتة، ونادراً ما يتمكنون من استزراع الأراضي الصالحة للزراعة، ويتعذر عليهم، بسبب ذلك، تأمين غذائهم.

وفي أواخر عام 2001، ناشد برنامج الغذاء العالمي الحكومة الأنجولية، زيادة حجم مساعداتها لأربعة ملايين شخص شردتهم الحرب الأهلية. وأعرب المدير الإقليمي لوسط إفريقيا، عن أمل البرنامج في أن تسهم الحكومة الأنجولية بشكل فعال، في برنامج المساعدات الإنسانية، لأنها في موقع يسمح لها بأن تفعل أكثر مما تفعل الآن. وأوضح المدير الإقليمي أن بإمكان الحكومة أن تعيد بناء المطارات في البلاد، لتتيح بذلك مرونة أكبر في توزيع المساعدات الإنسانية. كما دعت السلطات الحكومية إلى ضمان أمن الطرق الرئيسية في البلاد. وذلك أن 60% من المساعدات الغذائية والدوائية توزّع من طريق الجو. وقد أسهمت الحكومة الأنجولية خلال عام 2001، بمبلغ خمسين مليون دولار لبرنامج المساعدات الغذائية، في حين أن الأمم المتحدة تقدر تكاليف المساعدات للعام ذاته بمبلغ مائتين وثالثة وثلاثين مليون دولار، و44% من هذا المبلغ قد أمكن تأمينه، من طريق المنح والمساعدات.

رابعاً: معوقات التسوية

على الرغم من المحاولات المستمرة والمتنوعة، والتي شارك فيها أطراف إقليمية ودولية، وسياسات الترغيب والترهيب، التي مورست، لإقرار تسوية حقيقية وناجعة ونهائية للحرب في أنجولا، فإن كل تلك الجهود آلت إلى الفشل، ولم تصمد تسوية واحدة أمام جحيم تلك الحرب. وفي هذا الشأن، يمكن الإشارة إلى بعض المعوقات، التي ظلت تعترض دوماً إقرار وتنفيذ مثل تلك التسويات، وهي:

1. استمرار عمليات التسلح وتصعيدها

حرص الجانبان المتصارعان في أنجولا على تعزيز قدراتهما العسكرية. ويساعد على ذلك تلك التجارة، المشروعة وغير المشروعة، في جميع أنواع الأسلحة، التي تصل إلى الجانبين. ولم يتوقف الأمر عند حد التسليح، وإنما أصبح التسابق، أيضاً، محموماً في مجال الاستعانة بالخبراء والمستشارين العسكريين، من جميع الجنسيات، وبشركات الأمن الخاصة، ذات الطابع الدولي، وهو تطور جديد وخطير يضاف إلى تطورات الحرب السابقة. بل هو نوع جديد من الحرب بالوكالة، أو هو الحرب مدفوعة الأجر، لمثل هؤلاء الأشخاص وتلك الشركات، التي تسهم فيها دول إفريقية وأوروبية وإسرائيل.

2. انعدام الثقة بين الطرفين المتقاتلين

يُعد الصراع على السلطة في أنجولا ـ ذي الطابع العرقي/ القبلي ـ أحد المعوقات الرئيسية، أمام تنفيذ أي اتفاق سلام لتسوية الحرب. وعلى الرغم من أن بعض الاتفاقات كانت قد ركزت على مسألة اقتسام السلطة، بين تلك القوتين المتصارعتين "مبلا" و"يونيتا"، في إطار تسوية نهائية للحرب، إلا أن ارتكاز الصراع بينهما على أساس عرقي/ قبلي، إضافة إلى انعدام ثقة كلٍ منهما في الأخر، أدى إلى الفشل وعدم التوصل إلى أي اتفاق مقبول من الجانبين، كما أشاع بينهما دوماً تبادل الاتهامات، بالسماح لدول إفريقية وأجنبية بالتدخل في الصراع.

3. الإحباط من إمكانية تحقيق التسوية

منذ استقلال أنجولا والمحاولات مستمرة، من جانب الأطراف الإقليمية والدولية، لوضع اتفاق يسوى الحرب الدائرة في أنجولا، بين القوى المحلية المتصارعة. وعلى الرغم من انتهاء الحرب الباردة، ودخول العالم حقبة جديدة من العلاقات الدولية، تقترن بالتحولات الديمقراطية والعولمة وغيرها، إلاّ أن كل ذلك لم ينعكس إيجابياً على تسوية تلك الحرب، بل استمرت وأطرافها، تتواءم وتتكيف مع كل المتغيرات والمستجدات، على الساحتين، الإقليمية والدولية. وقد أشاع هذا الأمر حالة من الإحباط،، وعدم التفاؤل، سواء لدى الأمم المتحدة، أو منظمة الوحدة الإفريقية، أو بعض الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، ومن ثم، بدأت الولايات المتحدة، وعدد من الدول الأوروبية الفاعلة في اتخاذ مواقف رسمية غير مجدية، ولا تتعلق بمجريات الأحداث في الحرب الأنجولية. بينما ظلت بعض الدول الإفريقية، والشركات المتعددة الجنسيات، في مجال صناعة البترول والماس، وفي مجال الأمن والخدمات الأمنية تبذل المساعي لإيقاف نزيف الدم في أنجولا، دون جدوى.