الأقاليم السياسية

انقسمت فيتنام إلى ثلاثة أقاليم سياسية، هي:

الإقليم الشمالي

يسمى بالفيتنامية Pac Bo. وقد أطلق عليه الفرنسيون اسم تونكين Tonkin. ويبلغ طوله 600 كم، بين أقصى نقطة شرقاً، وهي مونج كاي Mong Kay، وحدود لاوس غرباً. يضم عاصمة فيتنام الحالية، هانوي Hanoi؛ والميناء الرئيسي، هايفونج Haiphong.

الإقليم الأوسط

يسمى بالفيتنامية ترونج بو Trung Bo. وقد أطلق عليه الصينيون اسم أنام Anam، ومعناه الجنوب الهادئ. وهو شريط ضيق، يفصل بين الإقليمَين: الشمالي والجنوبي. لا يزيد عرضه، في بعض المناطق، على 50كم. كانت فيه العاصمة الإمبراطورية، هوي Hue؛ وميناء دا نانج Da Nang.

الإقليم الجنوبي

يسمى بالفيتنامية نام بو Nam Bo. وقد أطلق عليه الفرنسيون اسم المنطقة الصينية Chochin China. والاسم المعروف له هو الهند الصينية Indochina، وهو أكبر الأقاليم الثلاثة مساحة، وأغناها سهولاً. وتكاد أرضه تكون أكبر مزرعة للأرز في العالم، أوى إليها الإنسان، منذ أقدم العصور. وكان هذا الإقليم موضع تنازع وصراع بين أكبر حضارتَين في آسيا، الهندية والصينية. وتلاقت فيه جاليات وبعثات من كلتَيهما، كان لها أثرها في التجارة واللغة والدين والفن والعادات. وقد تميز تأثير الهند في لاوس، وكمبوديا، إلى أقصى الشرق، في مملكة شامبا Champa، التي ازدهرت في وسط فيتنام، حتى اجتاحها الفيتناميون، ثم تقدموا إلى خليج سيام Siam، في أواسط القرن الثامن عشر. أما تأثير الصين، فقد برز في سائر منطقة فيتنام.

تنتشر الغابات في سلاسل الجبال والتلال، في وسط الإقليم وشماليه، والتي تنحدر شرقاً من حدود لاوس وشمال كمبوديا إلى البحر؛ ويتخللها بعض الأودية الساحلية المتناثرة.

يشتهر هذا الإقليم بدلتا نهر الميكونج Mekong، وفروعه الواسعة، حيث تنتشر القنوات والمجاري المائية، ومزارع الأرز الشاسعة (انظر خريطة دلتا نهر الميكونج). وتتركز في الدلتا كثافة سكانية، تفوق 16 مليوناً، من أعراق مختلفة، أبرزها العرق الفيتنامي (نحو 85 بالمائة)، وأخرى من كمبوديا وخمير المالايو ومجموعة جزر بولينزيا Polynesia والصين. ترجع أصول الفيتناميين إلى القبائل الصينية. وقد حافظوا على أسلوب حياتهم، الذي تعودوه من قبل، وتركز اقتصادهم أساساً في زراعة الأرز، التي اعتمدت على الظروف المناخية، ونُظُم الري المعقدة، والعمل التعاوني. ومن ثَم، تشكلت تجمعات الفيتناميين، التي تميل إلى الاستقلال، والعيش في سلاسل من القرى، سرعان ما تتحد عند مواجهة عدو خارجي؛ ولذا، كان أغلب المزارعين محاربين أشداء.

وبعد مؤتمر جنيف، عام 1954، قسمت فيتنام إقليمَين: فيتنام الجنوبية، وعاصمتها سايجون Saigon؛ وفيتنام الشمالية، وعاصمتها هانوي Hanoi؛ ويفصل بينهما خط العرض 17. وقد استمر هذا الوضع حتى توحيدهما؛ بعد انتهاء الحروب، تماماً، عام 1976، في دولة اشتراكية واحدة.

تشكل الجبال والهضاب ثلاثة أرباع البلاد، لكنها لا تشكل حدوداً طبيعية لفيتنام؛ لأن سلاسل الجبال والأنهار والأودية، متداخلة في منطقة الهند الصينية كلِّها. ولئن ساعد ذلك على تسهيل عمليات التبادل التجاري، والتنقل بين بلدان المنطقة، بل التعاون العسكري، وتبادل المساعدة بين القوات الثورية، في كلٍّ من فيتنام ولاوس وكمبوديا؛ فإنه جعل استخراج الثروة المعدنية أمراً صعباً؛ وأتاح إمكانية الاختراقات والغزو العسكري.

أعلى قمة جبلية، يبلغ ارتفاعها 3143 متراً ،ويمثلها جبل فانج سي بانجPhang Si Pang . وتقع في المنطقة الشمالية الغربية. وتليها جماعة جبال، يراوح ارتفاعها بين ألفَين وثلاثة آلاف متر؛ ويقع معظمها في المنطقة نفسها. أمّا الجبال، التي يترجح ارتفاعها بين ألف وألفَي متر، فتتوزعها المنطقتان: الشمالية والوسطى. وتحتل المرتفعات، التي لا تجاوز 500 متر، نحو 30 بالمائة من مساحة البلاد؛ وتعَد امتداداً للهضاب الصينية الجنوبية، ويقسمها وادي النهر الأحمر كتلتَين: تتجه إحداهما إلى الجنوب، والأخرى إلى الشرق. أمّا المنطقة الجبلية الثانية، في فيتنام، فإنها تقع في جنوبي الإقليم الأوسط، وتطاول الجزء الشمالي من فيتنام الجنوبية.

وكانت المناطق الجبلية تلك، عبر تاريخ فيتنام، مناطق للتمرد والعصيان على الحكومات غير الوطنية، أو المستعمرين، وقواعد منيعة لكثير من الحركات المسلحة؛ فأنشأت فيها القيادات الوطنية، إبّان الحرب على الاستعمار الفرنسي، قواعدها الثورية المسلحة. واتخذ الشيوعيون من المنطقتَين: الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، قواعد انطلاق لحرب الاستقلال، في أواسط الأربعينيات؛ وقواعد دفاعية آمنة، في أواخر الأربعينيات، التي تُوِّجت بسلسلة معارك دين بين فو Dien Bien Phu، في 1954. وفي الستينيات، عملت جبهة التحرير الوطني (الفيتكونج)، الشيوعية، المناهضة للحكومة، في فيتنام الجنوبية، على تحويل المنطقة الجبلية الوسطى ـ الجنوبية، إلى قواعد ثورية منيعة، في مواجهة  القوات الأمريكية، والقوات الموالية للغرب.

تشكل السهول نحو ربع مساحة البلاد. وتتركز، شمالاً، في دلتا  النهر الأحمر وواديه، وهي سهول باك بو Pac Bo الشهيرة، البالغة 15 ألف كيلومتر مربع، وحول نهرَي كاو Cau وما Ma؛ وشريط ضيق، في فيتنام الوسطى. أمّا في فيتنام الجنوبية، فتوجد أغنى المناطق السهلية في دلتا نهر الميكونج Mekong  وفروعه، وأنهار: سايجون Saigon، وفام تاي Tay Pham، وفام دانج  Pham Dang

الثروة المائية، في فيتنام، غنية ومتنوعة؛ فإضافة إلى بحر الصين الجنوبي، الذي تحيط به السواحل الشمالية، بامتداد 900 كيلومتر، هناك السواحل الغنية جداً، في الجنوب والوسط، والتي تصل تعرجاتها وخلجانها إلى 1500 كيلومتر. أمّا الأنهار والجداول، فإنها تجري لأكثر من 14 ألف كيلومتر. يعَد النهر الأحمر أهمها، في المنطقة الشمالية، حيث يمتد نحو 508 كيلومترات. ويسمى، بالفيتنامية: سو هونج So Hong؛ وقد سمي بالأحمر نسبة إلى لون مياهه الطينية. وهو ينبع من جبال التبت. ويصل ارتفاع مياهه، أحياناً، إلى 13 متراً. أمّا الميكونج، ويبلغ طوله 4500 كيلومتر، فهو أهم الأنهار الجنوبية، التي  تخترق لاوس وكمبوديا وتايلاند. وتتسم أنهار المنطقة الوسطى، بأنها أصغر وأقلّ أهمية؛ منها: بيين هوا Bien Hoa، ونجوين Nguyen، وتشو Chu، وكون Cuon، وجيا نه Gia Nh. ومع ذلك، فإن تلك الأنهار، مع الجداول والبحيرات، المنتشرة في أنحاء مختلفة، تشكل ثروة مائية جيدة.

شكلت الأنهار، كذلك، أهمية إستراتيجية، منذ التاريخ القديم؛ إذ كانت ميداناً للمعارك بين سكان البلاد، وطريقاً للغزاة، من الولايات الصينية الشمالية، ومنغوليا وسيام. كما كانت ميداناً جيداً للمواجهة بين المقاومة الوطنية والغزو الفرنسي، وحروب العصابات الثورية على القوات الفرنسية الاستعمارية؛ فضلاً عن دورها المتميز، في مواجهة الحشود الضخمة، والتقنية العسكرية الأمريكية المتطورة.