الفصل الرابع

التدخل الأمريكي (1945 ـ 1963)

كان التدخل الأمريكي المباشر في الصراع الفرنسي ـ الفيتنامي، جزءاً من خطة أمريكية موسعة؛ تهدف إلى تنظيم العالم وفق المصالح الأمريكية، إيماناً من صانعي القرار الأمريكي أن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة عن قيادة مصالح النظام الرأسمالي العالمي وحمايته. وهو ما أوضحه المؤرخ البارز للاستخبارات الأمريكية، جيرالد هينز Gerald Hinze في دراسته لسياسة واشنطن في أمريكا اللاتينية؛ إذ ذكر أن مخططيها، قرروا أن تؤول تلك المنطقة إلى الخضوع الكامل للولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح مصدراً خصباً لدعم الاقتصاد الأمريكي، يهيِّئ أسواقاً واسعة للصادرات الأمريكية، وفرصاً متزايدة لاستثمار رأس المال الأمريكي؛ على أن يُسمح لها بتطور محلي، لا يعارض المصالح الأمريكية وسيطرتها، ويستبعد منافسة بريطانيا وفرنسا. ورأى المخططون تنفيذ السياسة نفسها في جنوب شرقي آسيا؛ ولا سيما بعد انطلاقة الشركات الأمريكية العملاقة، وتوسّعها خارج حدود أمريكا الشمالية، وما استتبع ذلك من بناء مؤسسة عسكرية أمريكية هائلة، أداة لتلك الاحتكارات، وحماية لمصالحها؛ حسبما أطلق عليه، في ذلك الوقت، مبدأ مونرو، عام 1823.

وكان أول تطبيق عملي لتلك السياسة، في الشرق الأقصى، هو مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا على حرب الأفيون مع الصين، عام 1840؛ ثم المعاهدات والاتفاقيات، التي فتحت الباب أمام البعثات الأمريكية: التبشيرية والتعليمية والاقتصادية، التي توجت بسياسة الباب المفتوح تجاه الصين، التي أعلنت عام 1919. كذلك، حرص المخططون الأمريكيون على توسيع مجال مبدأ مونرو، ليشمل الشرق الأوسط؛ إذ رأوا ضرورة سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على منابع النفط الزاخرة، ومنافعها الوافرة. أمّا إفريقيا، فيجب استغلالها في إعادة إعمار أوروبا. ويجب أن يكون جنوبي.آسيا مصدراً للمواد الأولية، من أجل اليابان وأوروبا الغربية، لمساعدتهما على تجاوز فجوة الدولار، بهدف تمكينهما من شراء الصادرات الأمريكية، وتقديم فرص مجزية للمستثمرين الأمريكيين.

وفي إطار هذه السياسة، كان غير مسموح بظهور كيانات قومية، لها توجُّه سياسي معارض للسياسة الأمريكية؛ لأن كياناً مثلها، يعَد أشبه بفيروس، يمكن أن ينقل العدوى إلى غيره، أو تفاحة فاسدة، يمكن أن تفسد صندوق تفاح بكماله. ومن ثم، لا بدّ من اتخاذ إجراءات بالغة الشدة والقسوة. وكانت تلك هي النظرة إلى فيتنام.