إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / موسوعة الحرب الفيتنامية






مناطق الاستشاريين الأمريكيين
مناطق استطلاع 1965
مناطق اعتراض أمريكية
مناطق اعتراض رئيسية
مواقع 1972
مواقع عملية ليا
ممرات التسلل في جنوب فيتنام
منطقة إكس ري
منطقة تاللي هو
وحدات الفيلق الجنوبي الثاني
هجوم الفرقة التاسعة
هجوم بين هوا
مطار تخبون
أكس ري 1967
نظام MSO- Skyspot
معارك 1950-1952
معارك 1950-1954
معارك 1965
معارك 1967
معارك 1969
معارك بحرية 1964
معارك دين بين فو
معارك فيتنامية يابانية
معركة أونج ثانه
معركة هندرا بورا
معركة سوي تري
معركة فوك لونج
مقترح الانسحاب الأول
مقترح الانسحاب الثاني
أقسام لاوس
الوحدات الجنوبية 1975
الهجوم الصيفي
الهجوم في وادي كيم سون
الأيام الأخيرة للحرب
المرحلة الأولى من مدينة الملتقى
المرحلة الثانية من مدينة الملتقى
الأسطول السابع، في بحر الصين
المقاومة 1957-1959
التحركات عند نهر راخ با راي
السيطرة الجوية الأمريكية
الكتيبة 716
الفيلق الثالث الجنوبي
الفيلقين الأول والثاني 1969
الفيلقين الثالث والرابع 1969
الفرق الشمالية 1975
الفرقة 25 مشاة1967
الفرقة الأولى مشاة 1967
الفرقة الأولى فرسان 1966
الفرقة التاسعة 1967
تمركز في 1965
تحركات الكتيبة الثانية
برنامج حارس البوابة
برنامج كريكت
تسلل الفيتكونج
جنوب لاوس 1965
جنوب لاوس مارس 1967
دلتا نهر الميكونج
جيرونيمو
سواحل فيتنام الجنوبية
طبوغرافية فيتنام
شبكة هوشي منه 1967
شبكة طرق هوشي منه، إلى جنوب لاوس
شبكة طرق هوشي منه، في 1964
طرق عملية هزيم الرعد
سقوط المنطقة العسكرية الثانية
سقوط بان مي ثوت
سقوط سايجون
سقوط كسوان لوك
عمليات 1966
عمليات النحاسة اللامعة
عمليات التقاطع الساحلي
عمليات الفرقة الأولى فرسان أبريل -أكتوبر
عمليات الفرقة الأولى فرسان يناير -أبريل
عمليات القوات الكورية
عمليات كريكت في لاوس
عملية لام سون 719
عملية أتليبورو1
عملية أتليبورو2
عملية والوا
عملية هيكوري
عملية هزيم الرعد
عملية اللورين
عملية العربة
عملية بول ريفير
عملية باريل رول
عملية بيرد
عملية جاكستاي
عملية جريلي
عملية Leaping Lena
عملية شلالات الأرز
عملية سام هوستون
عملية كان جيوك
عملية فرانسيس ماريون
عمليتا نهر هود وبنتون
عمليتا النمر الفولاذي وباريل رول
قواعد ثاي وفيتنام الجنوبية
قوة الواجب أوريجون
قيادات شمالية 1966



دروس

نتائج ودروس مستفادة

لم يحظَ صراع مسلح في التاريخ بدراسة دقيقة، مستفيضة، من قطاعات أمريكية: عسكرية ومدنية، مثل الصراع الفيتنامي الأمريكي. فإلى جانب المتخصصين من عشرات الهيئات الفكرية، وبخاصة مؤسسة راند Rand Corporation، ومعهد أبحاث ستانفورد Stanford Research Institute؛ ضمت تلك القطاعات العشرات من خبراء الأسلحة، وعلماء الاقتصاد، والسياسة، والأنثروبولوجيا، والشؤون الزراعية، والاجتماع، والأحياء، والكيمياء، وقياس الرأي العام. عكفوا على دراسة جميع الآثار والنتائج، الناجمة عن تأثيرات القنابل، وإحراق الأشجار وقطعها، وتأثيرات القصف المدفعي.

لقد تجول هؤلاء الخبراء والباحثون في أرجاء قرى فيتنام، حيث التقوا المزارعين. وسألوا الأسرى والمعتقلين. واطلعوا على الوثائق والخرائط والكتب والتقارير. ولكنهم فشلوا في تقديم صورة مكتملة دقيقة للوضع العام. وكان غاية ما توصلوا إليه، أنه لم يكن في وسع القيادات الأمريكية سوى التورط في المشكلة الفيتنامية، وبذل أقصى الجهود لحماية سمعة الولايات المتحدة الأمريكية. وأن التدخل الأمريكي المباشر في الصراع الفرنسي ـ الفيتنامي، كان جزءاً من خطة أمريكية موسعة، استهدفت تنظيم العالم، وفق المصالح الأمريكية؛ إيماناً من صانعي القرار الأمريكي، أنهم مسؤولون عن قيادة مصالح النظام الرأسمالي العالمي وحمايته.

وتوصل المنصفون إلى أن تلك الحرب، سببت آلاماً، لا حصر لها؛ وخسائر فادحة لبلدان الهند الصينية؛ وجراحاً بليغة للأمريكيين. وهي التي قسمت الشعب الأمريكي، وفرقته، أكثر من أيّ صراع أمريكي مسلح أهلي. وكانت واحدة من أوسع الحروب العسكرية وأطولها، في القرن العشرين. كانت ثالثة أكبر الحروب استنزافاً في هذا القرن، أزهقت أرواحاًَ، فاقت كلّ ما أودت به الحربان: الصينية والكورية، وقاربت ما أردته الحربان العالميتان: الأولى والثانية.

وقد كان اقتحام الدبابات ت 62 العملاقة، بقيادة الفيتكونج والشماليين، بوابات القصر الوطني في سايجون، علامة النهاية المأساوية الواضحة لهذه الحرب.

من أبرز النتائج:

1. خداع الإعلام الرسمي للشعب الأمريكي

مع ازدياد تورط واشنطن، لم يفطن الرأي العام الأمريكي إلى الدلائل الكامنة في ما كان تبثه تليفزيوناتها؛ مصورة الجنود الأمريكيين في بعض تحركاتهم واستعراضاتهم. ولعل مرد ذلك، أن الخسائر البشرية، كمّا تزل قليلة جداً، في مستهل التدخل. كان الإعلام يسعى إلى إعداد الرأي العام، وكسب ثقته بالرئيس وإدارته؛ وكانت تلك مخادعة واضحة. ومصداق ذلك إجابة الرئيس كنيدي، في 15 يناير 1962، عن السؤال: هل تورطت أيّ قوات أمريكية في القتال في فيتنام؟ فردّ بكلمة واحدة: كلاّ. ولم يصدر أيّ تعليق أو استفسار من جهة ما؛ على الرغم من أن الرئيس كان يكذب كذباً واضحاً.

الدرس المستفاد: الأهمية القصوى للآلة الإعلامية في تهيئة الرأي العام، وتبرير التحركات.

2. تمخض كفاح الشعب الفيتنامي بمفاوضات باريس، واتفاق وقف إطلاق النار مع الفرنسيين والانتصار عليهم، أولاً، ثم على الأمريكيين؛ بسلاح المقاومة والصمود.

تناول عدد من المسؤولين الأمريكيين، والمحللين العسكريين، أسباب الانتصار الشيوعي، من غير زاوية، تراوحت بين اتهام السوفيت، وانتقاد الكونجرس، وتفكك النظام الجنوبي، وتغيير الثوار الفيتناميين لتكتيكاتهم القتالية.

وضع الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، السوفيت في مقدمة الأسباب؛ بسبب إمدادات السلاح والتجهيزات، التي أرسلوها إلى هانوي؛ وترددهم في إرغام الفيتناميين على احترام اتفاقية باريس. وأكد أن المساعدات السوفيتية، وفرت للقوات الفيتنامية التفوق في مجالَي الدبابات والمدفعية؛ حتى إن الفيتناميين حشدوا، في عهده، عام 1974، أكثر من خمسمائة دبابة وأربع وعشرين كتيبة مضادات؛ تساند 185 ألْف جندي، أرسلوا إلى الجنوب.أمّا الكونجرس، من وجهة نظر الرئيس نفسه، فقد منعه من الحركة. ولم يسمح بإرسال أيِّ مساعدات مالية طارئة لسايجون؛ بل خفض تلك المقررة لها إلى النصف، ثم إلى الثلث، عام 1975؛ لا، بل حرم الرئيس سلطة تطبيق اتفاقية باريس؛ بينما كانت موسكو طليقة اليد في دعم حلفائها.

الدرس المستفاد :عوامل الانتصار الفيتنامي

أولاً: في المواجهات الفرنسية

أ. المقاومة الشرسة

لقد كان نجاح الشماليين والفيتكونج باهراً؛ فإن المقاومة الشرسة، أفشلت أعتى الهجمات الفرنسية، ومن ذلك: عملية ليا" Operation Lea، في 7 أكتوبر 1947، في منطقة مراكز قيادة الفيت منه، في باكان Backan، عقب إسقاط 1137 جندي مظلات عليها، واستمرت إلى 8 نوفمبر؛ وأسفرت، كما أعلن الفرنسيون، عن ثمانية آلاف قتيل من الفيتناميين. ثم بدأ الفرنسيون المرحلة الثانية من الهجوم، من 20 نوفمبر إلى 22 ديسمبر، باستخدام  18 كتيبة؛ وتقدمت تشكيلات أخرى نحو شمال هانوي مباشرة. وفي الوقت نفسه، تمكنت كتيبتان من رجال القبائل، في جبل تاي T΄ai، وهم من المعادين للشيوعيين، من طرد وحدات الفيت منه من الجبال، بين النهرَين: الأحمر والأسود.                   

وقد عُدَّت هذه العملية أهم عمل عسكري في تاريخ فرنسا. أسفرت عن 9500 قتيل من الفيت منه، واحتلال القوات الفرنسية تاي نجوين، وتوين كوانج، والمدن والقرى في غرب إقليم الفيت باك وشماله. ولكن مرحلة تراجع الفيتناميين هذه، اقترنت بإعداد معسكرات التدريب، وتوحيد القيادة المركزية العسكرية، والاستعداد للمقاومة الشاملة؛ فضلاً عن مواصلة حروب العصابات، في الجنوب. ومن ثَم، بدأت، في نوفمبر وديسمبر 1947، موجات هجوم فيتنامية مفاجئة، في المدن والقرى والغابات. أحرزت نجاحاً، جعل الفرنسيين في موقف الدفاع؛ إذ اقتصرت جهودهم على حماية أنفسهم، وتأمين خطوط إمداداتهم الطويلة. وتكبدوا خسائر هائلة: بشرية ومادية، اضطرتهم إلى التقهقر، في يناير 1948، إلى دلتا النهر الأحمر. وبلغت 3300 قتيل، وأربعة آلاف جريح، و18 طائرة، و38 قطعة نهرية، و255 دبابة وآلية، ونحو ثمانية آلاف قطعة سلاح. وقُدِّرت نفقات الهجوم بنحو 34 مليون دولار، شهرياً. وكانت تلك أكبر هزيمة، منيت بها القوات الفرنسية، منذ عودتها إلى الهند الصينية، عقب الحرب العالمية الثانية؛ حتى إن أكثر المراقبين الأمريكيين، حتموا بأن فرنسا، لن يكون في مقدورها شن هجوم آخر مماثل.

أمّا عملية لورين Operation Lorraine، في 29 أكتوبر 1952، التي تعد أضخم عمليات القوات الفرنسية، في فيتنام، فقد انتهت إلى تراجع القوات الفرنسية تراجعاً مهيناً، وسقطت ثلاث كتائب في مكمن. وبعد بضعة أسابيع، شنت قوات الفيت منه هجوماً كاسحاً، ودارت معارك حامية، يومي 23 و 30 نوفمبر. وخسرت القوات الفيتنامية نحو ألف قتيل و600 أسير. وتكبد المدافعون الفرنسيون خسائر فادحة كذلك. والتزم الفرنسيون، بعد ذلك، الأسلوب الدفاعي؛ إذ ثبت لديهم، ولدى المراقبين الأمريكيين، أن القوات الفرنسية، لن تستطيع الصمود أمام حرب العصابات. وهكذا مع نهاية عام 1952، كان أغلب الأراضي قد تحررت، وأصبحت السيطرة الفرنسية الفعلية، لا تجاوز ثلث الأراضي الفيتنامية. وفقدت القوات الفرنسية كثيراً من وحداتها النظامية.

ب. حسن الإدارة والتخطيط

اعتمدت قيادة الفيت منه مبدأً أساسياً، هو: "التقدم بحذر، والضرب بثقة"؛ مع حملة توعية تثقيفية كبرى لقواتها. ورفعت عدة شعارات تعبوية: الحماسة والسرعة في بناء الطرق، لنقل المدفعية، تقودان إلى النصر الحاسم؛ سرعة تجهيز التحصينات والملاجئ، تقود إلى النصر الحاسم؛ صيانة الطرق والممرات جيداً ومزيد من بناء الطرق، عمل من أجل النصر. وبالفعل، نجحت قوات الفيت منه في:

- افتتاح الطريق الرقم 41، الذي يصل دين بين فو بتوان جياو، والبالغ طوله مائة كيلومتر؛ وبناء عدة جسور وعبارات على الممرات المائية، التي تقطعه، على الرغم من العمليات التخريبية المعادية، وهطل الأمطار الغزيرة، وحدوث الفيضانات.

- شق الطرق، لإيصال المدفعية إلى أقرب مواقع ممكنة. وقد نقلت المدفعية بالسيارات إلى مناطق محدودة؛ ثم على ظهور الرجال والبغال والدراجات، سبعة أيام ولياليها، عبر ممرات جبلية وممرات مكشوفة؛ وكانوا خلالها يغنّون "للفيلة الحديدية"، كما أطلق على المدفعية الثقيلة.

- بناء مواقع منيعة للمدفعية، تضمن إرسال قوة نيران كافية؛ وتحمي، في الوقت نفسه، من المدفعية المعادية، من عيارَي 105 و155 مم. وبناء مقرات محصنة للمنظمات القيادية، تمكنها من أداء واجب القيادة على أفضل وجه.

- تجهيز خنادق ومواقع خاصة بالمقاتلين، تمكنهم من شن هجمات مفاجئة، وسط المواقع المعادية. بلغ طول هذه الخنادق مائة كيلومتر.  

- إنجاز اللجنة الحكومية مهماتها، المتمثلة في الإشراف على إمدادات الجبهة والمنظمات التابعة لها؛ لتأمين الغذاء والذخيرة والأدوية، عبر طرق إمداد، طولها مئات الأميال، أسهم فيها مئات الآلاف من الرجال والنساء، نفذوا 3 ملايين يوم عمل، وفق التقديرات الفيتنامية. وقد أبدعت، في هذا المجال، فصائل "الخيول الحديدية"، أي الدراجات الهوائية، التي ارتفعت قدرة إحداها على التحمل، من معدل 100 كيلوجرام إلى 250 كيلوجراماً.

- توافر إمكانيات عسكرية لقيادة الفيت منه، لم تتوافر لها سابقاً، تمثلت في المدفعية الثقيلة، والمضادات، والسيارات، التي تلقتها من الصين الشعبية.

- ثمة عامل نصر، افتقدته القيادة الفرنسية، وهو إمكانيات الجماهير وتأييدها، معنوياً ومادياً، والقدرة على حل المشاكل والمعضلات: الإدارية والتموينية؛ ثم نوعية المقاتل، الذي يخوض المعركة، ووعيه مصلحته، يقاتل من؟ ولماذا؟ وهو امتياز، تأتّى لقيادة الفيت منه، واستعصى على التكنولوجيا الفرنسية الحديثة! ومن ثَم، بلغت خسائر الفرنسيين في دين بين فو، وحدها، 1500 قتيل، و3500 جريح، وعشرة آلاف  أسير ومفقود من الأسلحة كافة، و62 طائرة قاذفة، وطائرات نقل من نوع B 24؛ وتدمير كميات ضخمة من الأسلحة والتجهيزات والآليات والذخائر، منها 13 قطعة مدفعية ثقيلة، و125 مدفع هاون، و950 بندقية آلية، و1200 نصف آلية، وثمانية آلاف بندقية، و450 سيارة وآلية؛ وتحطيم الروح المعنوية لدى الفرنسيين، وارتباك قياداتهم وتشكيلاتهم العسكرية، وفشل خطة نافار. وذكرت المصادر الغربية، أن خسائر الفيتناميين، بلغت 15 ألف قتيل في هذه المعارك.

وأسفرت هذه النتائج عن جلاء الفرنسيين عن الشمال الفيتنامي تماماً، وتمركزهم في المناطق الجنوبية؛ فضلاً عن تقوية موقف الفيتناميين في مؤتمر جنيف، عام 1954؛ ثم إسقاط حكومة لانييل الفرنسية، لتحل محلها حكومة بيير مُنْدَي فرانس Pierre Mendes France، الذي أقر بالواقع الجديد، ووقع اتفاقية، تعترف باستقلال فيتنام وسيادتها، في قسمَين: فيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية.

وهكذا فشلت فرنسا فشلاً ذريعاً في منطقة الهند الصينية، للمرة الثانية، بين عامَي 1945 و 1954. وتكبدت خسائر مادية فادحة، زادت على ثلاثة تريليونات فرنك؛ عوضت المعونات الأمريكية الضخمة قسماً كبيراً منها. أما الخسائر البشرية، فقد جاوزت النصف مليون جندي: فرنسي وفيتنامي، بين قتيل وجريح وأسير ومفقود.

وكانت هذه النتائج، في نظر وزير دفاع فيتنام الشمالية، الجنرال فونجين جياب، أعظم فوز عسكري، في حروب التحرير الشعبية؛ لأنها كبّدت الفرنسيين خسائر فادحة، غيرت مجرى الحرب في فيتنام. وقد انتهز رجال الفيت منه توقف القتال، ليعيدوا تنظيم صفوفهم، وإعداد المسرح لمرحلة تالية من الحرب.

وترجع أسباب انتصار قوات الفيت منه إلى حُسن تخطيط الحزب الشيوعي الفيتنامي، والتضحيات العسكرية، والعزم القوي للشعب الفيتنامي، والدعم العسكري الصيني الواسع، وتأييد المعسكر الشيوعي.

أمّا الفرنسيون، فرأوا أن أسباب الهزيمة، تكمن في:

- المعارضة المتزايدة للرأي العام الفرنسي، التي شملت الحزب الاشتراكي، وبعض أحزاب الوسط، وقطاعات من العمال والطلاب والجنود والمثقفين؛ ما أجبر الحكومة الفرنسية على الموافقة على مفاوضات، قبل معركة  دين بين فو؛ بهدف التوصل إلى تسوية سلمية.

- الدعم الصيني الوافر، المتمثل في الأسلحة والمعدات والخبرات.

- التلكؤ الأمريكي عن الاستجابة للمتطلبات الميدانية الفرنسية.

وتجدر الإشارة إلى أن المساعدات الأمريكية، تمثلت في أسلحة متطورة، وتجهيزات حديثة؛ بل إن واشنطن استنفرت قواتها النووية التكتيكية، في مواجهة التدخل الصيني. وقد عد الجنرال فان تين دونج  انتصار هوشي منه أعظم نصر في تاريخ فيتنام؛ إذ قاد إلى تعزيز العلم العسكري الفيتنامي، وتطور فن الحرب. وساعد على بناء الجيش الثوري العصري؛ لأن المعركة، من وجهة نظر العسكريين الفيتناميين، تجلت فيها قدرة القيادة الفيتنامية، في ذروة الحرب التحريرية، على قيادة النظام العسكري الإستراتيجي ومتابعته.

ثانياً: في المواجهات الأمريكية

لم يكن النصر العسكري الحاسم، في الحرب الفيتنامية ـ الأمريكية، التي استمرت نحو 15 عاماً، وليد المصادفة؛ ولا هو استغلال لأخطاء القادة العسكريين: الأمريكيين والفيتناميين الجنوبيين؛ وإنما كان نتاج إستراتيجية سليمة: سياسية وعسكرية، رسمتها ونفذتها القيادة الثورية الفيتنامية، في الشمال والجنوب ، بعد الجهد العظيم في مكافحة الاستعمار الفرنسي؛ وابتكار أساليب القتال الملائمة لمواجهة التحدي العسكري الأمريكي، ضمن إستراتيجية حرب طويلة الأمد؛ والربط السليم بين العمل السياسي، الداخلي والخارجي، والعمل العسكري في كلّ مرحلة من مراحل الصراع، من دون الوقوع تحت أوهام وعود السلام، أو غرور سوء تقدير القوى. وبذلك، تحقق الانتصار على الاستعمار الأمريكي، الذي أشاع أسطورة استحالة قهره عسكرياً. وبانتصار الفيتناميين والكمبوديين، بدأ انهيار نظرية الدومينو الأمريكية. وفقدت الولايات المتحدة الأمريكية قواعد مهمة، في جنوب شرقي آسيا؛ وأصبح الوجود الأمريكي، في لاوس وتايلاند، مهدداً بالخطر. وفقدت واشنطن مصداقيتها، وتزعزعت ثقة حلفائها بها، في كلّ مكان من العالم.

الدرس المستفاد: قال الجنرال فونجين جياب: "إن حرب التحرير الفيتنامية، من وجهة النظر العسكرية، أثبتت أن جيشاً شعبياً غير مسلح جيداً؛ ولكنه يقاتل في سبيل قضية عادلة، يستطيع، بإستراتيجية وتكتيك ملائمَتين، أن يخلق الظروف المطلوبة للانتصار على جيش حديث مسلح بأعتى وأحدث الأسلحة العدوانية".

أ. كانت الحصيلة النهائية، أن نحو مليون ونصف المليون جندي أمريكي، وغربي، وفيتنامي جنوبي، مزودين بأحدث الأسلحة وتجهيزات أقوى قوة عسكرية في العالم، يواجهون وحدات الفيتكونج وعصاباتهم الأقل عدداً، والأضعف تسليحاً، والأخف تجهيزاً.

ب. وفي رأي فونجين جياب، أن القوات الثورية، استطاعت أن تنتصر على تلك القوة: البشرية والمادية، الجبارة، للسببَين الأساسيَّين التاليَين:

- بناء رجال الثورة لقوّتهم العسكرية، بما يلائم متطلبات حروب العصابات، على مستوى نوعية المقاتلين أو البنى العسكرية.

- بناء القواعد الثورية الملائمة، والانتقال من حالة الضعف إلى حالة التوازن فحالة التفوق؛ بإنشاء وحدات ثورية سياسية، وتشكيلات عسكرية متنوعة، في الشمال والجنوب. وقد توحدت جميع تلك التشكيلات: العسكرية وشبه العسكرية، في مؤتمر عسكري، في تونكين، في أبريل 1945، تحت راية جيش التحرير الفيتنامي.

ج. إعلان المناطق المحررة في ست محافظات شمالية، وإنشاء وحدات نظامية فيها، على مستوى الكتيبة. إضافة إلى وحدات دفاع ذاتي مقاتلة، ووحدات دفاع مدني، ويجدر التنويه، بدور وحدات الدعاية المسلحة في إقامة قواعد سياسية بين الجماهير، وشن هجمات، وإثارة انتفاضات تمهيدية لشن حرب العصابات، إلى أن صدرت الأوامر، في أغسطس 1945، بالتحرك والاستيلاء على السلطة.

د. كان التطور التالي، عام 1948، هو إنشاء الوحدات الإقليمية، بعد توسيع حروب العصابات، وتقوية القوات النظامية. وكُوِّنت الوحدات الآنفة من سرايا، تطورت إلى كتائب؛ ثم تحولت، عام 1953، إلى ألوية، وتولت إمداد الجيش النظامي بالوحدات الإضافية. وهكذا، تهيأ للحرب الثورية الفيتنامية ثلاثة أصناف من القوات: نظامية، وإقليمية، وعصابات. واعتمدت هدفاً أساسياً، هو المحافظة على مواصلة القتال، وزيادة الإنتاج، في آن معاً. وقد ركزت القيادة الثورية الفيتنامية في حروب العصابات، إبّان المرحلتَين: الفرنسية والأمريكية؛ لاستنزاف الأعداء، من جهة؛ وبناء القدرة القتالية للثورة، من جهة أخرى. وتبع ذلك التركيز في الحرب النظامية؛ لتوجيه الضربات الموجعة، وحسم الموقف العسكري.

هـ. أمّا بناء القوات الثورية، في المناطق الشمالية، التي حُرِّرت بعد معارك دين بين فو، عام 1954، فقد دعت الحاجة إلى الاعتماد على قسمَين رئيسيَّين للقوات، بدلاً من ثلاثة:

- القوات النظامية، التي انتقلت من جيش المشاة إلى جيش الأسلحة المختلفة.

- القوات الشعبية: ميليشيا واحتياطي؛ تكون الأولى قوة إستراتيجية، تعاون الجيش على العمليات العسكرية؛ ويتولى الاحتياطي إمداد الجيش بالرجال، وحماية الأمن والإنتاج، وخدمة الجبهة في حالة القتال.


 



[1]  كانت ساعة طيران ب- 52 تكلف، آنذاك، 1052 دولاراً، على حين كانت تكلفة ساعة طيران الطائرات التكتيكية 50 دولاراً فقط.