إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / موسوعة الحرب الفيتنامية






مناطق الاستشاريين الأمريكيين
مناطق استطلاع 1965
مناطق اعتراض أمريكية
مناطق اعتراض رئيسية
مواقع 1972
مواقع عملية ليا
ممرات التسلل في جنوب فيتنام
منطقة إكس ري
منطقة تاللي هو
وحدات الفيلق الجنوبي الثاني
هجوم الفرقة التاسعة
هجوم بين هوا
مطار تخبون
أكس ري 1967
نظام MSO- Skyspot
معارك 1950-1952
معارك 1950-1954
معارك 1965
معارك 1967
معارك 1969
معارك بحرية 1964
معارك دين بين فو
معارك فيتنامية يابانية
معركة أونج ثانه
معركة هندرا بورا
معركة سوي تري
معركة فوك لونج
مقترح الانسحاب الأول
مقترح الانسحاب الثاني
أقسام لاوس
الوحدات الجنوبية 1975
الهجوم الصيفي
الهجوم في وادي كيم سون
الأيام الأخيرة للحرب
المرحلة الأولى من مدينة الملتقى
المرحلة الثانية من مدينة الملتقى
الأسطول السابع، في بحر الصين
المقاومة 1957-1959
التحركات عند نهر راخ با راي
السيطرة الجوية الأمريكية
الكتيبة 716
الفيلق الثالث الجنوبي
الفيلقين الأول والثاني 1969
الفيلقين الثالث والرابع 1969
الفرق الشمالية 1975
الفرقة 25 مشاة1967
الفرقة الأولى مشاة 1967
الفرقة الأولى فرسان 1966
الفرقة التاسعة 1967
تمركز في 1965
تحركات الكتيبة الثانية
برنامج حارس البوابة
برنامج كريكت
تسلل الفيتكونج
جنوب لاوس 1965
جنوب لاوس مارس 1967
دلتا نهر الميكونج
جيرونيمو
سواحل فيتنام الجنوبية
طبوغرافية فيتنام
شبكة هوشي منه 1967
شبكة طرق هوشي منه، إلى جنوب لاوس
شبكة طرق هوشي منه، في 1964
طرق عملية هزيم الرعد
سقوط المنطقة العسكرية الثانية
سقوط بان مي ثوت
سقوط سايجون
سقوط كسوان لوك
عمليات 1966
عمليات النحاسة اللامعة
عمليات التقاطع الساحلي
عمليات الفرقة الأولى فرسان أبريل -أكتوبر
عمليات الفرقة الأولى فرسان يناير -أبريل
عمليات القوات الكورية
عمليات كريكت في لاوس
عملية لام سون 719
عملية أتليبورو1
عملية أتليبورو2
عملية والوا
عملية هيكوري
عملية هزيم الرعد
عملية اللورين
عملية العربة
عملية بول ريفير
عملية باريل رول
عملية بيرد
عملية جاكستاي
عملية جريلي
عملية Leaping Lena
عملية شلالات الأرز
عملية سام هوستون
عملية كان جيوك
عملية فرانسيس ماريون
عمليتا نهر هود وبنتون
عمليتا النمر الفولاذي وباريل رول
قواعد ثاي وفيتنام الجنوبية
قوة الواجب أوريجون
قيادات شمالية 1966



دروس

وقد مر بناء المشروع بثلاث مراحل رئيسية:

الأولى: مسح المنطقة وتعرُّف ممراتها القديمة والتاريخية، بمساعدة السكان المحليين. واستخدم في هذه المرحلة خمسمائة رجل تابع للوحدة 559.

الثانية: توسيع بعض الطرقات والمسالك، تدريجاً، وبالأدوات البدائية؛ لإرسال، سراً، الأسلحة والقوى اللازمة لبناء سبعمائة وحدة دفاع ذاتي، في المناطق الجنوبية؛ استعداداً لبدء الكفاح المسلح.

الثالثة: الإمعان في توسيع الشبكة وطرقاتها كثيراً، لتستوعب مئات الشاحنات؛ ما أفقد الحالة سريتها، فأصبح الممر هدفاً رئيسياً للطائرات الأمريكية، التي أسقطت عليه، طوال فترة الحرب، نحو أربعة ملايين طن من القنابل والمتفجرات؛ بل أصبح موقع تحدٍّ بين الأمريكيين المغيرين والفيتناميين المدافعين عن شبكة طرق، طولها 16 ألف كيلومتر (5 طرق رئيسية، و21 طريقاً فرعياً)، بينها أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر من الطرق المموهة.

ل. لقد استخدم الفيتناميون الشماليون الإمكانيات المتاحة كافة، من سيارات وآلات وطائرات نقل؛ لإيصال المواد، والأسلحة، والرجال، إلى الجنوب. وتابع هوشي منه العمل بنفسه، وكافأ الضباط والعمال المبدعين، والسكان الصامدين في مناطق الشبكة. وبعد تصعيد الحرب الأمريكية الجوية، عام 1965، تحولت الوحدة 559 إلى منطقة عسكرية خاصة، تضم وحدات وأسلحة وفروعاً مختلفة. وحسب البلاغات الفيتنامية، فإن المضادات الأرضية، أسقطت خلال الحرب 2450 طائرة، في مناطق الشبكة؛ وأصابت 16933 جندياً، وأسرت 1196، خلال الهجمات البرية العديدة في المنطقة. وبغض النظر عن الخسائر، بين الجنود والمواطنين والآليات الفيتنامية، التي سببتها الحملات: الأمريكية الجوية والبرية، فإنها لم تستطع أن تدمر هذت الشبكة أو تعطلها طويلاً. واستحقت الفِرق والوحدات والضباط، المشاركون في المشروع، لقب البطولة، الذي منحتهم إياه القيادة.

م. التنافس والتحريض

حرصت القيادة الفيتنامية، في وقت مبكر، على إثارة التنافس بين صفوف الثورة والشعب الفيتنامي، خلال حركة النضال العامة؛ بل كانت خطب الزعيم هوشي منه، لا تخلو من الحث على التباري؛ والإشادة بالمجلِّين، حتى أصبحت، مع مرور الوقت، تقليداً فيتنامياً ملحوظاً.

وعلى الرغم من أن السنوات الأولى، من عمر الجمهورية الديموقراطية، شهدت حركات واسعة في مجال التنافس، خلال الحرب الفرنسية، على المستويَين: المدني والعسكري، في مواجهة الأمية والمجاعة والإفلاس؛ إلا أنها برزت بروزاً مشهوداً، خلال الحرب الأمريكية.

ولم تكن حركة التنافس والتحريض مقتصرة على مجال واحد، ولم تكن حكراً على قطاع معين في مجتمع الثورة؛ بل كانت حركة وطنية عامة، اتخذت وجوهاً متنوعة، بين مختلف المناطق الجغرافية والقطاعات العسكرية والفئات الشعبية؛ أهمها:

- تنافس محافظات المناطق: المحتلة والمحررة ومدنها وقراها، في الإنتاج والاكتفاء الاقتصادي الذاتي، تَنافُسها في مجال القتال والاكتفاء بالأسلحة والمعدات. وقد لوحظ التركيز في بناء الاقتصاد الوطني، وإزالة آثار الغارات والهجمات المعادية، وإعادة إصلاح الطرق خاصة.

- تنافس مختلف الوحدات العسكرية: الفدائية والنظامية، وفصائل الميليشيا والدفاع الذاتي، في تحقيق الانتصارات، وإنزال الخسائر بالعدوّ، قتلاً وأسْراً، واستلابه الغنائم الحربية. ولم يقتصر ذلك على الوحدات الجنوبية، والقوات البرية؛ وإنما طاول القوات الشمالية: البحرية والجوية والبرية، إضافة إلى تخصصات وفروع أخرى.

- تجاوز التحريض والإثارة الشباب والمقاتلين إلى بقية الأسْرة، وبخاصة المرأة والطفل والعجوز. وأغرى النجاح في ذلك بتعميمه على سائر القطاعات والمناطق، بصفته خبرات جديدة، تمخضت بها المعركة الوطنية الدائرة ومصداق نجاحه:

- الأطفال: قتل داوفان توين (13 عاماً) 14 أمريكياً. وعلّق صبي ضفدعة محشواً فمها بالدخان بعلبة أسلاك قاعدة أمريكية؛ فأوحى سعالها المشابه لسعال الإنسان، لجنود القاعدة باقتحامها، ففتحوا نيرانهم، واستمرت هي بالسعال. صبي آخر، وضع كلباً في حفرة، عند ملتقى دوريتَين للعدوّ. وما إن اقتربتا حتى نبح، فحسبتا أنه مكمن، فأطلقت إحداهما النيران في اتجاه الأخرى. وتظاهر صِبية قرية بالوداعة وملاعبة الجنود، حيث يستريحون قربها، حيث يعمد أولئك الأطفال إلى رمي أعقاب السجائر المشتعلة في خزانات وقود آلياتهم. وأطلق أطفال الجواميس والثيران الهائجة، في منطقة شبكات الاتصالات؛ ما أدى إلى تخريبها أو اقتلاعها، واضطرار العدوّ إلى إعادة بنائها، وتكثيف حراستها.

- النساء: امرأة من مدينة هوي، تمكنت، وحدها، من قتل 120 جندياً. ودأبت السيدة كوي تي ماي على قيادة المقاتلين، في منطقتها، إلى مراكز العدوّ. ومنعت عشرون امرأة، من وحدة الميليشيا، القوات المعادية من دخول قريتهن، وتصدين لهجمات ثلاث كتائب معادية، في يوم واحد. وقذفت امرأة من هوي علبة حليب فارغة، أمام دورية آلية للعدوّ، حسبتها قنبلة يدوية؛ فأدت إلى تدهور سيارة جيب، ومقتل ضباطها الأربعة. وطالما أغوت الفتيات الضباط والجنود: الأمريكيين والحلفاء، فاستدرجنهم إلى مكامن الفدائيين. وبثت امرأة الألغام في حديقة بيتها، والقنابل في خزانتها، ثم أخبرت بوجود فدائيين في منزلها، وما إن أطبق عليه الجنود، حتى انفجرت الألغام، فانبرت المرأة تعالج جرحاهم، وتلعن الشيوعيين، متظاهرة بالبراءة.

- كبار السن: أسقط رجل، عمره ستون عاماً، طائرة عمودية، ببندقية عادية، استعارها من جاره. واستدرج آخر الأمريكيين إلى قصف أحد جسورهم هم؛ باستخدام عوامة وهمية تحته، أوحت بوجود وحدة فدائية. كذلك حرض أحد الشيوخ شباب القرية على الالتحاق بوحدات الثوار. وحث آخر الشبان المجندين على الفرار من الجيش العميل.

- تنافس الأسلحة: أُسقط المشاة ببنادقهم، في محافظة كوانج نبه، وحدها، مائة طائرة. ودُمرت طائرات عمودية بالألغام الطائرة المتصلة صواعقها بعصيّ البامبو، في الغابات. وكمنت طائرات الميج 15 و17 لقاذفات أمريكية متطورة وثقيلة، فأسقطتها أو عاقتها.

- في قتال الغابات: قضى محارب على عشرين جندياً معادياً.

- في المدن: أصاب أحدهم أربعين جندياً، خلال مهمة على أحد الجسور، في منطقة دانانج.

- في الإبداعات: تمكن المقاتل "دون تشيا" من تدريب الزنابير على رائحة عرق جنود العدوّ.

- في الاقتصاد في الذخيرة، تمكن أحد المقاتلين من إصابة 75 جندياً، بخمس وثمانين رصاصة فقط.

- في فن التمويه: تخفّى تسعة مسلحين في عربات "تنقل الزبل إلى منطقة الهدف، على الطريق الإستراتيجي الرقم 1، حيث فاجأوا العدوّ".

- في نصب الأشراك المركبة: يوضع لغم تحت البوابة الخارجية للقرية، ويغطى بالأشواك وأعشاش الزنابير، ويحاط بحفر فردية، تضم مصائد شوكية؛ وعلى سارية علم المدرسة، يُرفع علم جبهة التحرير، بدل علم سايجون، ويوضع تحت السارية لغم، ثم تختبئ في الجوار جماعة فدائيين. تبدأ العملية باستدراج الجنود إلى القرية؛ فينفجر فيهم لغم البوابة، وتتناثر الأشواك والزنابير؛ فيهربون إلى الحفر الفردية، للاحتماء، فيقعون في المصيدة. وحينما يهم الباقون منهم بإنزال علم الثورة، تنفجر فيهم السارية، فيستدعون طائرة عمودية؛ لتحميل الجنود الجرحى. وفور ارتفاعها عن الأرض، يتصدى لها الفدائيون. وقد أمست هذه العملية سُنَّة، يستن بها الثوار.

ن. في المجال الدفاعي

حرب الأنفاق

كان من التكتيكات، التي اشتهرت بها الثورة الفيتنامية، وسجلت نجاحاً منقطع النظير، تكتيك حرب الأنفاق، الذي أصبح علامة مميزة لمقاومة الفرنسيين، ثم الأمريكيين. وتمثل حرب الأنفاق تجانساً بين المقاتل الفيتنامي والتضاريس الفيتنامية؛ إذ سخرها لمواجهة الجنود والأسلحة والآليات، والاعتصام من الغازات والقنابل الدخانية.

تُعَدّ أرض المثلث الحديدي، الواقعة بين نهرَي فام كو دونج وسايجون، وعلى الطريقَين الرقمَين 1 و13، واحدة من أشهر المناطق، التي طبق فيها تكتيك حرب الأنفاق، ولاسيما كوتشي، قاعدتها الرئيسية، حيث حفر الثوار، إبّان المقاومة الأولى، أنفاقاً وممرات عديدة، وصل طولها إلى 45 ميلاً، طالما حاول الأمريكيون السيطرة عليها، مستخدمين أحدث ما يملكون من أسلحة وتجهيزات؛ لكنهم فشلوا في ذلك.

استطاع الثوار، عامَي 1960 و1961، أن يبنوا في كوتشي، القريبة من العاصمة، شبكة أنفاق وممرات وخنادق، تصل بين أربع قواعد عسكرية مهمة، ووصلت أطوالها إلى مائتَي ميل، في منطقة ليست سهلة ولا رخوة، وباستخدام وسائل حفر بدائية. وقد اشتهرت قاعدة كوتشي عالمياً، بعد فشل القيادة الأمريكية في تنظيفها، وتحويلها إلى منطقة بيضاء. وشارك ثوار كوتشي ومقاتلوها في هجوم الربيع الإستراتيجي، حينما أغاروا على القواعد والمطارات المجاورة، طوال عام 1968، فدمروا عشرات الطائرات ومئات الآليات. واستمروا في تصعيدهم حتى حملة تحرير سايجون.

وهكذا استحقت كوتشي لقب "الأرض الفولاذية"، الذي منحتها إياه قيادة الثورة.

أهمية الأنفاق

للأنفاق وظيفة دفاعية وهجومية كذلك، كما أن لها أهمية في مرحلة التحضير والإعداد للهجمات الإستراتيجية. فما هي مواصفاتها؟ ولماذا استعصت على التكنولوجيا الأمريكية؟

- الفكرة الأساسية بدائية جداً، لكن تنفيذها يحتاج إلى صبر وجَلد وقدرة على التحمل، وعزم وعناد؛ إضافة إلى بعض الأدوات البدائية، المتوافرة في كلّ الأزمنة والأماكن.

- نظام الأنفاق العلوي، يجمع بين كلّ خمسة منازل (في المعدل) في جماعة واحدة؛ ليكون تحت كلّ قرية عادية قرية مقاتلة، سِرِّية؛ تحتوي على مواقع وخنادق حلزونية، تصلح للقتال، دفاعاً أو هجوماً، وأماكن للنوم والطبخ والعلاج، وعدة أنواع من المخازن للتموين والإمداد والتجهيزات.

- في بعض المناطق، هناك إمكانيات لاستقبال العشرات من سكان القرى العلوية العاجزين، وكبار السن، والأطفال، والماشية، خلال فترة الاشتباكات والقصف. كذلك أنشئ بعض المعامل والمصانع والمطابع، وجمعت الآليات داخل تلك الأنفاق.

- لمواجهة آثار القنابل الثقيلة وقاذفات ب 52، روعيت في بناء أنفاق، مواصفات جديدة؛ لتكون على عمق 12 متراً تحت سطح الأرض، ولها منافذ كافية للتهوية، ويمتد بعضها تحت مناطق ومراكز تابعة للقيادة الأمريكية أو السايجونية، في المنطقة؛ فتتجنب القصف الجوي.

- يختلف نظام الأنفاق وخرائطها ومنافذها ومخارجها، من واحد إلى الآخر، ومن منطقة إلى أخرى؛ وبذلك يصعب الاستفادة من سقوط أحدها في السيطرة على الأخرى. كذلك أبدع الفيتناميون في عمليات الإخفاء والتمويه؛ بما لا يؤثر في فوهات التهوية.

- من الصعوبات، التي واجهت الأمريكيين، إضافة إلى قلة خبرتهم، في هذا المجال، أن أجسام الفيتناميين صغيرة الحجم، فُصِّلت الخنادق والممرات على قياسها. بينما وقفت الأجسام الأمريكية عاجزة عن المناورة، فاضطرت القيادة الأمريكية إلى تدريب قوات خاصة، أُطلق عليها وحدات "جرذان الأنفاق"، مهيأة، نفسياً وجسدياً، لاقتحامها.

- لعرقلة تقدم القوات الأمريكية المذكورة، استنبط الثوار سلسلة من الأفخاخ والمصائد، في خارج الأنفاق وداخلها؛ استخدمت فيها الإمكانيات المتاحة كافة من الأفاعي والعقارب المعلقة في السقف، إلى زجاجات البراز والقيء على الأرض، التي تسبب الالتهابات للزاحفين على بطونهم؛ بل إن الأمريكيين اتهموا الثوار بجعل الجثث الأمريكية فخاخاً.

- كانت القنابل اليدوية هي سلاح الثوار الرئيسي، في مواجهة الجنود المغيرين، داخل الأنفاق. وهم أكثر قدرة من الأمريكيين على المناورة؛ لاستطاعتهم التحرك الحر، من الزحف إلى القرفصاء إلى السير بطريقة البط.

4. خيبة أسلحة الأمريكيين الفائقة

الدرس المستفاد: إمكان مقاومة الأسلحة الفائقة والحدّ من فاعليتها.

توافرت للأمريكيين، طيلة الحرب، الأسلحة التقنية الفائقة، من طائرات عمودية، ودبابات، ومدرعات برمائية. وتأتَّت للفرنسيين، بقدر، في الخمسينات. وكانت آثارها سيئة، عسكرياً ونفسياً، في الوحدات الثورية؛ إلاّ أن مبدأ "التعلم أثناء القتال"، الذي انتهجته القيادة الفيتنامية، أمكنه مكافحتها. إذ إن المقاتلين الفيتناميين، لم ينتظروا وصول الأسلحة المضادة الملائمة، من الدول الاشتراكية؛ بل ابتدعوا مما أتيح لهم وسائل، لمواجهة الطائرات والآليات.

أولاً: مكافحة الطائرات العمودية والدبابات

أ. تعليم المقاتلين والسكان وتحريضهم على استخدام الأسلحة المتاحة كافة، مهما كانت مختلفة أو فردية، في التصدي للطائرات.

ب. زراعة الألغام والقنابل والفخاخ، الجاهزة أو المصنعة محلياً، في المناطق المتوقع أن تهبطها.

ج. شن هجمات استباقية، انتحارية أو بالمدفعية، على قواعد الطائرات، المقرر استخدامها في عملية، قبل انطلاقها.

ثانياً: مواجهة الدبابات والمدرعات والآليات البرمائية ضمن التوجيهات العامة التالية:

أ. تعليم المواطنين زراعة القنابل والألغام المحلية، في طرق المنطقة المستهدفة.

ب. دفع المقاتلين إلى نشر الألغام، في شاطئ البحر، أو النهر، المقرر استخدامه.

ج. الاعتماد على الذكاء، والمهارة الشخصية، والتجربة، في إبطال مفعول الرادارات وكاسحات الألغام.

د. الكُمُون للآليات ونصْب الأشراك لها، باستخدام الحفر الكبيرة الملغومة.

هـ. شن هجمات استباقية على قواعد الدبابات، المفترض استخدامها في عملية محددة.

ثالثاً: مواجهة الحرب الجوية

عمدت واشنطن إلى قصف جوي هائل؛ علَّه يجبر القيادة الشمالية على التخلي عن المسألة الجنوبية نهائياً. وسعت هانوي إلى إحباط النية الأمريكية، وحرمانها تميُّزها التكنولوجي الرئيسي، والاحتفاظ بتقليدية الصراع، التي تساوي بين طرفَيه. وقد ارتدّت على الأمريكيين آثار حربهم التدميرية، خلال عامها الأول؛ إذ أعادت تعبئة الجماهير وحشدها، للدفاع عن الوطن وإنجازاته، تحت شعار: "المنجل في يد، والبندقية في الأخرى". كما أن حملة التنديد العالمي بالسياسة الأمريكية العدوانية، والمطالبة بالانسحاب الأمريكي من الجنوب، قد تضاعفت؛ وشهدت عواصم العالم، حتى الغربية منها، سلسلة من التظاهرات والندوات والاجتماعات التضامنية.

مرت الحرب التدميرية بثلاث مراحل. استهدفت أولاها إحباط الإرادة القتالية للفيتناميين جميعاً؛ ومنع الشماليين من مساعدة الجنوبيين؛ وعزل ثورة هؤلاء، تمهيداً للقضاء عليها. واكتفت ثانيتها، بعد فشل الأولى، ما أمكن، لمساعدة الشماليين ثورة الجنوبيين؛ بخلق المصاعب أمام الحكومة الشمالية، عساه أن يخلص الأمريكيين من المأزق العسكري، في الميادين القتالية الجنوبية. لم تطمع المرحلة الثالثة في أكثر من إرغام المفاوضين الفيتناميين على التخلي عن بعض شروطهم؛ تمهيداً لحسم الصراع.

لقد أدت نجاحات الحرب الشعبية، في مواجهة الحرب التدميرية، في شمالي فيتنام، إلى فرض معادلة صعبة على القيادة الأمريكية؛ إذ كلما سدرت في حربها، ازدادت حاجتها الحربية، في الشطرَين: الشمالي والجنوبي؛ وازداد تورطها، بدلاً من انتشالها من مأزقها. وحملها الاستنزاف على وقفة مراجعة جدية؛ وهو ما عبّر عنه هنري كيسنجر، صراحة: "لقد تبيَّن لأسلافنا (إدارة جونسون) بعد أربع سنوات من القتال، أنهم غير قادرين على وضع إستراتيجية، تضمن لهم النصر". أمّا إدارة نيكسون، فأكدت "أن النصر مستحيل في الحرب الفيتنامية"؛ إنها لا تستطيع إيقافها. فكان السبيل الوحيد إلى الخروج "المُشَرِّف"، من الورطة، هو وقف الحرب التدميرية على الشمال، والبدء بمفاوضات الحل السياسي.

وعزت القيادة الفيتنامية فشل الحرب التدميرية إلى أربعة أسباب:

- النمو المتزايد والسريع في إنجازات الثورة الجنوبية.

- تدمير جزء كبير من القوة الأمريكية: الجوية والبحرية.

- صمود البناء الاشتراكي، اقتصادياً وعسكرياً، في الشمال.

- الدعم: الاشتراكي والعالمي، لفيتنام؛ والعزلة الأمريكية.

وُلد سلاح الجو الفيتنامي في غمرة الحرب الأمريكية؛ إذ أنشئت أولى كتائبه عام 1965، وخاضت أولى معاركها يومَي 3 و4 مايو من العام نفسه، فأسقطت أربع طائرات أمريكية، من نوعَي كروز وفانتوم؛ ما عَدَّه رئيس أركان القوات الأمريكية الجوية "يوماً أسود في تاريخ القوات الجوية". وعمدت قيادتها، بعد ذلك، إلى تطهير سماء الشمال، وتنظيف مطاراته ومستودعاته من الطائرات الفيتنامية! وفرضت سيطرة شبه تامة على أجوائه، لم يفسدها عليها إلا اشتداد ساعد القوة الفيتنامية الجوية، التي اشتركت، حتى نهاية الحرب، في نحو أربعمائة معركة واشتباك جوي، أسقطت خلالها 320 طائرة معادية، بينها بعض طائرات ب 52. وبذلك، أسهمت في تثبيط الحرب التدميرية، وعرقلة القاذفات الإستراتيجية.

5. عمدت واشنطن، خلال الغارات الجوية، في يوليه 1965، إلى تدمير كل شيء، حتى المستشفيات، وبيوت العمال، ومراكز إيواء المسنين، تدميراً تاماً. كما دمرت، بين 12 يونيه و22 أغسطس من العام نفسه، ثمانية مستشفيات متكررة؛ فاضطرت الممرضات إلى حمل المرضى على النقالات أو على ظهورهن، وسط انفجار القنابل، حيث يتساقطن، تتطاير الجثث عن النقالات، ثم يقفن ويحملن من جديد أحمالهن، وهن يتعثرن بين حفر الانفجارات، في طريقهن إلى الملاجئ المختفية بين الصخور.

الدرس المستفاد: المقاومة والتحدي، قد يلدان نصراً.

لقد ألقت الولايات المتحدة الأمريكية على هذا البلد الزراعي الصغير، فيتنام الشمالية، من القنابل خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 1966، أكثر مما ألقته في كلّ معارك الحرب العالمية الثانية. وهو ما دفع إلى التساؤل: كيف أمكن ذلك الشعب أن يتحمل، يومياً، ألفَي طن من قنابل النابالم والقنابل الانشطارية؟ وكيف تأتّى له أن يجهد في تجارب علمية، تقاوم الآثار التدميرية الهائلة للقنابل الآنفة؟ ومن ذلك التجربة التالية:

ربط نفر من العلماء خنزيراً صغيراً إلى طاولة عمليات، ثم صبوا على جسده قطرات من سائل، لا لون له، هو الفوسفور الأبيض. وفي خلال أربعين ثانية تقريباً، ارتفع دخان أبيض من جلده المبلل بالسائل. وبعد لحظات، علت صرخاته؛ فقد تحولت سحب الدخان الحلزونية، التي ترقص فيها شرارات نارية، إلى لهب؛ وتحول مكان سقوط القطرات على جسده إلى حروق شديدة. وما لبث الأنين أن ضعف، حينما سُكب سائل آخر. ثم توقف الأنين نهائياً، حينما وضع على الجسم نسيج مبلل بهذا السائل. وبعد ثوان، اضمحلت آلام الخنزير.

وأوضح ذلك فام نغوك تاش، وزير الصحة العامة في حكومة فيتنام الشمالية، بقوله: لقد استخدمنا في هذه التجربة، محلول الكلس، الذي يمكن صناعته في أيّ مكان في فيتنام. وهو أكثر فاعلية من سلفات النحاس؛ إذ يبدد الألم، فوراً؛ ويشفي الحروق بسرعة أكبر. ويكفي استعمال كمية محددة منه، بدقة، لإبطال مفعول الفوسفور الأبيض. إن الأمريكيين يستخدمون القنابل الفوسفورية في الجنوب؛ وعلينا أن نتوقع استخدامها ضدنا، علينا أن نتوقع كلّ ما هو أسوأ.

"لِنُعِدّ أنفسنا للأسوأ"، غدت هذه الكلمة شعاراً وطنياً، للفيتناميين، ويعنون بها الاستعداد لحرب طويلة، وقاسية، لا يمكن تجنبها. وقد استوحاها الرئيس هوشي منه، في ندائه إلى الرأي العام العالمي، في 17 يوليه 1966، حين قال: "ينبغي أن يفهم جونسون وجماعته، أنه ليس من المهم كثيراً، أن يرسلوا نصف مليون جندي، أومليوناً أو أكثر؛ كي يزيدوا من حدة عدوانهم على فيتنام الجنوبية. وفي إمكانهم أن يعززوا هجماتهم على فيتنام الشمالية، مستخدمين آلاف الطائرات الجديدة. ولكنهم لن يحطموا بعملهم هذه الإرادة الحديدية للشعب الفيتنامي البطل، هذا الشعب الذي سيتابع كفاحه ضد العدوان الأمريكي، في سبيل إنقاذ وطنه. فكلّما تصاعد عدوانهم، تضخمت جرائمهم. وربما تستمر الحرب خمسة أعوام، أو عشرة، أو عشرين، أو أكثر. وقد تدمر هانوي وهايفونج ومدن أخرى. إلا أن الشعب الفيتنامي، لن يرهب العدوان؛ ليس هناك أثمن من الاستقلال والحرية. وعندما يحين يوم الاستقلال والحرية، سنعيد بناء بلادنا، وستكون أجمل مما كانت عليه في السابق".

لقد أرسلت واشنطن أمهر طياريها إلى خط العرض 17، لتدمير مئات الكيلومترات من خطوط المواصلات. وبعد ثمانية عشر شهراً من بدء عمل هؤلاء الطيارين، كانت كلّ المنشآت تقف على قدمَيها، بعد القصف، حيث جسور جديدة، أُقيمت فوق بعض الأنهار، التي لم تعرف الجسور طيلة تاريخ فيتنام. والجسور الجديدة، لم تكن من النوع، الذي يستطيع الطيارون اكتشافه، أو البحث عنه؛ بل لا يستطيعون تدميرها، ولو اكتشفوها. ويسميها الفيتناميون "جسوراً عائمة"؛ إذ إنها مكونة من حزم ضخمة من شجر البامبو، لا يمكن إغراقها. كانوا يبنون أجزاء مستقلة منها، يسهل حملها، تجمع عند هبوط الليل، ثم تفك عند الفجر؛ وفي المساء التالي، تنصب، من جديد، في نقاط عبور، ترتبط بها الطرق الثانوية، التي تنطلق من تلك الرئيسية. ومن ثَم، ازدادت حركة السير على الطرقات.

6. نجاح الفيتناميين في الإسناد الإداري

الدرس المستفاد: الإسناد الإداري، في كلّ الظروف، وعامل من عوامل النصر الحاسمة. وقد اضطلعت بإيصال التموين والإمداد، ضمن المدد المقررة، قوافل من القطارات، أو سيارات النقل، أو المراكب الشراعية، أو الدراجات العادية؛ وخضعت كلّها لتوقيت دقيق. وتعهدت المنظمات المسؤولة تسليم هذه الكمية من البضاعة أو تلك في مكان معين، بتاريخ يتفق عليه مسبقاً. ومما كان يثبط عزيمة الطيارين الأمريكيين إعادة بناء ما دمروه من الجسور؛ وهو ما تولاه خريجون جدد في كلية التكنولوجيا في هانوي، أو معهد البوليتيكنيك، الذين خُوِّلوا الشروع في الإصلاحات، من دون موافقة الإدارات أو الوزارات عليها. فكانوا يعملون، ليلاً، في ضوء المصابيح الكهربائية أو الأنوار الشاحبة؛ فيقطعون الصخور والأشجار، وينقلون التراب في سلال من الخيزران، ويسحبون المداخل الضاغطة إلى مسافة كيلومترات. ثم أنشئت، في عامَي 1965 و1966، مراكز لتصليح الآلات وصناعتها، في مناطق أوسع؛ زُوِّدت بالتجهيزات: الصناعية والزراعية، ووسائل النقل وتصليحها. وهناك مصانع أخرى في الريف، الذي طاولته القنابل والرصاص، تنتج الأسمنت، والأدوية المضادة للحشرات، والأسمدة، وكلّ مواد الاستهلاك: كالكبريت، والسجاير، والصابون، والسكر، وأدوات المطبخ.

ومنذ وقوع الهجمات الجوية الأولى، كان أعضاء التعاونيات يعملون، بأيديهم، في بناء سدود مساعدة، وأقنية للري؛ للمحافظة قدر المستطاع، على الماء، الذي يروي حقول الأرز؛ فضلاً عن تسوية حافات الحقول، لمنع تبدد المياه. كما توسعوا في زراعة البطاطا الحلوة، بديلاً من الأرز.

7. حماية الأهداف الحيوية.

الدرس المستفاد: ضرورة الاستماتة والاستبسال في حماية كلّ الأهداف الحيوية. وقد حرص الفيتناميون على ذلك، مستخدمين المدفعية المضادة للطائرات، من عيارَين: ثقيل ومتوسط، ومئات البنادق، بل آلاف المدافع الرشاشة، التي يطلقها الملايين من أعضاء التعاونيات، والعمال، والفلاحين، والطلاب. وكان تعلُّم تمييز أشكال الطائرات، وخصائصها، ومميزات طيرانها، وسرعتها وارتفاعها؛ ومعرفة المسافة التي ينبغي التسديد منها إلى جسم الطائرة، أو الجزء الذي ينبغي إصابته منها ـ واجب أساسي، في كلّ أطراف البلاد.


 



[1]  كانت ساعة طيران ب- 52 تكلف، آنذاك، 1052 دولاراً، على حين كانت تكلفة ساعة طيران الطائرات التكتيكية 50 دولاراً فقط.