إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / موسوعة الحرب الفيتنامية






مناطق الاستشاريين الأمريكيين
مناطق استطلاع 1965
مناطق اعتراض أمريكية
مناطق اعتراض رئيسية
مواقع 1972
مواقع عملية ليا
ممرات التسلل في جنوب فيتنام
منطقة إكس ري
منطقة تاللي هو
وحدات الفيلق الجنوبي الثاني
هجوم الفرقة التاسعة
هجوم بين هوا
مطار تخبون
أكس ري 1967
نظام MSO- Skyspot
معارك 1950-1952
معارك 1950-1954
معارك 1965
معارك 1967
معارك 1969
معارك بحرية 1964
معارك دين بين فو
معارك فيتنامية يابانية
معركة أونج ثانه
معركة هندرا بورا
معركة سوي تري
معركة فوك لونج
مقترح الانسحاب الأول
مقترح الانسحاب الثاني
أقسام لاوس
الوحدات الجنوبية 1975
الهجوم الصيفي
الهجوم في وادي كيم سون
الأيام الأخيرة للحرب
المرحلة الأولى من مدينة الملتقى
المرحلة الثانية من مدينة الملتقى
الأسطول السابع، في بحر الصين
المقاومة 1957-1959
التحركات عند نهر راخ با راي
السيطرة الجوية الأمريكية
الكتيبة 716
الفيلق الثالث الجنوبي
الفيلقين الأول والثاني 1969
الفيلقين الثالث والرابع 1969
الفرق الشمالية 1975
الفرقة 25 مشاة1967
الفرقة الأولى مشاة 1967
الفرقة الأولى فرسان 1966
الفرقة التاسعة 1967
تمركز في 1965
تحركات الكتيبة الثانية
برنامج حارس البوابة
برنامج كريكت
تسلل الفيتكونج
جنوب لاوس 1965
جنوب لاوس مارس 1967
دلتا نهر الميكونج
جيرونيمو
سواحل فيتنام الجنوبية
طبوغرافية فيتنام
شبكة هوشي منه 1967
شبكة طرق هوشي منه، إلى جنوب لاوس
شبكة طرق هوشي منه، في 1964
طرق عملية هزيم الرعد
سقوط المنطقة العسكرية الثانية
سقوط بان مي ثوت
سقوط سايجون
سقوط كسوان لوك
عمليات 1966
عمليات النحاسة اللامعة
عمليات التقاطع الساحلي
عمليات الفرقة الأولى فرسان أبريل -أكتوبر
عمليات الفرقة الأولى فرسان يناير -أبريل
عمليات القوات الكورية
عمليات كريكت في لاوس
عملية لام سون 719
عملية أتليبورو1
عملية أتليبورو2
عملية والوا
عملية هيكوري
عملية هزيم الرعد
عملية اللورين
عملية العربة
عملية بول ريفير
عملية باريل رول
عملية بيرد
عملية جاكستاي
عملية جريلي
عملية Leaping Lena
عملية شلالات الأرز
عملية سام هوستون
عملية كان جيوك
عملية فرانسيس ماريون
عمليتا نهر هود وبنتون
عمليتا النمر الفولاذي وباريل رول
قواعد ثاي وفيتنام الجنوبية
قوة الواجب أوريجون
قيادات شمالية 1966



دروس

8. نجاح التصدي بالأسلحة الخفيفة لأقوى القاذفات الأمريكية.

الدرس المستفاد: الفاعلية المؤكدة للأسلحة الخفيفة، في أيدي الفيتناميين. ويكفي للاقتناع بها زيارة "مقبرة" الطائرات، التي جمع فيها طائرات أمريكية، اخترقت هياكلها مختلف العيارات النارية، بما فيها رصاص البنادق. وطالما أرغمت الأسلحة الخفيفة الطائرات المنقضة على الانحراف عن خط طيرانها المرسوم؛ وهو التفسير المنطقي الوحيد لسقوط 70% من القنابل، التي استهدفت جسر هام رونج، على القرية المجاورة، ين فوك، التي لم يبقَ فيها سوى الخرائب؛ بينما الجسر مازال صامداً حتى الآن. والطيارون، الذين أسقطتهم تلك السدود النارية المتتالية؛ ومن بينهم ثلة من أفضل الاختصاصيين بهذا النوع من الغارات الجوية ـ لم يستطيعوا المحافظة على خطوط انقضاضهم، فاضطروا إلى الارتفاع، مرة أخرى، قبل أن يبدأوا بإسقاط قنابلهم؛ كي يتحاشوا نيران الأسلحة صغيرة العيار. وتبعاً للأرقام التي قدمها الفيتناميون، فإن 69% من أولئك الذين تابعوا تحليقهم وسط تلك السدود النارية، أسقطت طائراتهم، أو أصيبت، فلاذ طياروها بمظلاتهم.

وامتازت الأسلحة الخفيفة كذلك بتصديها للطائرات المنطلقة من الأسطول، على ارتفاع منخفض، كي لا تكشفها الرادارات، فتقع في سدود نارية، من مواقع دفاعية، يحرسها، على الدوام، عشرات الألوف من الفلاحين والعمال؛ ما يجعل مهمة الطيارين صعبة جداً.

أمّا الطائرات: البطيئة والعمودية، التي تستطيع التحليق في دوائر ذات قطر صغير، ثم تهبط لتسقط قنابلها بدقة كافية، فكانت فريسة للمدفعية المضادة، والقوات الجوية الوليدة، في فيتنام الشمالية. وقد تعرض الأمريكيون لخسائر فادحة، في الأشهر الأولى من الصراع، بين الجو والأرض؛ إذ كان عليهم تجنُّب طائرات الميج 17 و21، التي أجبرت قاذفاتهم على التحليق عالياً، فحرمتهم دقة التسديد؛ فلجأوا إلى إلقاء كمية هائلة من القنابل، آملين أن تصيب الهدف المحدد.

لم تكن القاذفات ب 52 بأوفر حظاً. وقد نفذت غارتها الجوية الأولى على مضيق موجيا، عبر الطريق الوطني، الرقم 12، على حدود لاوس، والتي قيل "إنها أهم غارة في الحرب الفيتنامية"؛ دمرت الطريق والمضيق تماماً، بل زلزلت الأرض، فأضحت غير صالحة للمسير. غير أن الطريق أُصلح في بضع ساعات. ولم يلاحظ الأمريكيون ذلك إلا بعد خمسة عشر يوماً، فأغاروا عليه من جديد؛ ولكن، أعاد الفيتناميون بناءه، مرة أخرى.

ويؤكد ذلك الفريق الأول ريد جواي، إذ يقول: "علمتنا التجربة الكورية، أن من المستحيل تعطيل طرق التموين العسكرية، في آسيا، باستخدام الطيران، وحده. ففي كوريا الشمالية، كنا الأسياد المطلقين للمجال الجوي، وسحقنا أرتال التموين الصينية، من دون رحمة؛ وأوقعنا بها خسائر فادحة؛ وجعلنا مشكلة تسيير النجدات، وتوجيهها مشكلة صعبة جداً. إلا أننا لم ننجح في إيقاف الهجوم، ولا في تخفيف حدته وعنفه. فالصينيون، كالفيتناميين، لا يثقلون أنفسهم بالمتاع، أثناء تنقلاتهم؛ ويحمل كل جندي أسلحته وذخائره وغذائه على ظهره. وقد رأيت أقساماً كاملة من الخط الحديدي، حولها الطيران إلى رماد؛ ومع ذلك، أعادوا بناءها، في ليلة واحدة؛ وسارت عليها القطارات، في اليوم التالي. وكانت بلاغات القوات الأمريكية الجوية، في شأن تدمير القوافل، مصدراً للتهكم والسخرية الشديدَين، لدى الكوريين والصينيين، على حدّ سواء. وقد كان الأمريكيون يصرحون، دوماً، بأنهم دمروا 300 أو 400 سيارة نقل؛ بينما في الحقيقة، لم تصب أيّ سيارة. وكانت حركة السير تقتصر على الليل، وتتعرض لقصف الطائرات الأمريكية، إلا أن هذا القصف كان يذهب سدى".

وقد اعترف روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع، بوضوح، في نهاية يونيه 1966، حينما عرض الأسباب، التي أدت إلى قصف مستودعات النفط، في هانوي وهايفونج، بعجز الطيران الأمريكي عن قطع خطوط مواصلات فيتنام الشمالية؛ إذ أعلن "أن العدوّ يضاعف جهده العسكري، ويحسّن شبكة طرق التسلل. وتتحمل الطرق القديمة، الآن، كلّ أنواع سيارات النقل، التي تعمل في كلّ الأوقات. كما شقت طرق جديدة. ويوجد، الآن، مسالك تحويلية، وسقوف من البامبو المجدول، تجعل بعض المسالك الترابية غير مرئية.إن ازدياد حركة نقل الرجال والعتاد، بفضل سيارات النقل، والمراكب الصغيرة المزودة بالمحركات، قد دفع الفيتناميين إلى هجر حرب العصابات إلى عمليات أشبه بالعمليات التقليدية؛ مستخدمين تجهيزات، وأسلحة من عيار أثقل، بكميات متزايدة".

إن الغارات الجوية، لم تبدُ غير فعالة، من وجهة النظر العسكرية فحسب، بل بدت كذلك من وجهة النظر المدنية. فقد استمرت الحياة المدنية، وتتابع العمل طبيعياً؛ على الرغم من الغارات الجوية، في مايو 1966؛ فجُمع حصاد الربيع، ونُقل القمح، وخُزن، وسُلم للدولة، طبقاً للخطة الموضوعة.

كشفت برقية للأسوشيتد برس، من واشنطن، نشرت في "النيويورك تايمز"، في 18 سبتمبر 1966، تحت عنوان "نقص خطير في الطيارين"، أن ما يقارب 600 طيار، قد عُدُّوا مفقودين في حرب فيتنام؛ وهو رقم، يفوق كثيراً العدد الشامل للطائرات المعلنة خسارتها، رسمياً. وقال هانسون بالدوين، المعقب العسكري للجريدة نفسها، بتاريخ 10 أكتوبر 1966: وقد خسر سرب جوي، تابع للقوة الأمريكية الجوية، في تاخلي، في تايلاند، في شهر واحد من العمليات ضد فيتنام ولاوس، خلال الصيف، 15 طائرة من أصل 18، و9 طيارين. وتبعاً لمصادر البحرية الأمريكية، تكاد كلّ أسراب القتال الجوي، عدا تلك التي تستخدم حاملات الطائرات في "المحطة الأمريكية" (سواحل فيتنام الشمالية)، تفتقر إلى الطيارين أو الطائرات، أو إلى الاثنَين معاً.

وأعلنت جريدة "نيويورك تايمز"، بعد يومَين، "أن خسائر فادحة في الطائرات، وصعوبات في الإنتاج، ساءت وزير الدفاع، ماكنمارا. وأن النقص في الطيارين، ينذر بخطر شديد؛ ويدل العدد الكبير من الاستقالات، على أن بعضهم غير مقتنعين أبداً بهذه الحرب الجوية الوحشية".

قال الجنرال فينه: "عَلاَمَ تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية؟ إنها تعتمد، قبل كلّ شيء على طيرانها. وهو يقدم لها دعماً، لا ينكر، مكونة قوة تدميرية. ولكن هذا السلاح، لن يجدي شيئاً. ولنأخذ مثلاً طائرات ب- 52. إن فِرقتَين جويتَين إستراتيجيتَين، من قوات الباسيفيك، تضمان هذه الطائرات، وتعملان في فيتنام الجنوبية ـ نفذتا نحو مائة غارة جوية. فإذا قارنا عدد العمليات والقنابل الملقاة بالخسائر، وجدنا أن تلك الطائرات هي أقلّ الطائرات فاعلية في السلاح الأمريكي الجوي. وإصابتها لأهدافها، هي دون ما يحققه غيرها من الطائرات. إن الغارات التي تشنها الطائرات ب- 52، ويصفها أعداؤنا بأنها غارات "إبادة"، لم تؤد إلى نتائج تذكر؛ إلا عندما وجهت إلى المدن الكبرى ذات الكثافة: الصناعية والسكانية، وغير المجهزة بأسلحة دفاعية حديثة. فإذا ما تحولت إلى ضرب مدن فيتنام الشمالية، جعلتها كتلتها الضخمة وسرعتها القليلة هدفاً، يسهل إسقاطه. ولقد أثبت استخدام طائرات ب- 52، في فيتنام الجنوبية، قلة فاعليته وكثرة نفقاته[1]؛ نظراً إلى قلة سكان الريف وتناقصهم يوماً بعد يوم؛ والتوزيع الذكي لقوات التحرير المسلحة؛ وتدابير الدفاع، التي اتخذها الشعب والقوات المسلحة، وأثبتت فاعليتها ضد الطائرات. وفي فيتنام أنواع أخرى من الطائرات العاملة، يقدر عددها بنحو 3 آلاف طائرة، يعمل معظمها في فيتنام الجنوبية؛ وتضم 1071 عمودية، و1093 طائرة قتال، و710 طائرات مختلفة.

وتنفذ طائرات القتال، عادة، غارات، تدعم بها المشاة، خلال الاشتباكات البرية، حيث ارتكبت جرائم لا تحصى، استهدفت المواطنين العزل في فيتنام الجنوبية؛ ولكن أضرارها تتناقص، باستمرار؛ نظراً إلى تطور التدابير الدفاعية الشعبية وتحسنها المستمر. غير أنها تؤثر في قوات التحرير الوطنية، وتجبرها على تعديل أساليب القتال، ومدة الاشتباك، ولحظة الهجوم والانسحاب، وأسلوب السيطرة على الأرض أو إخلاء ميدان المعركة؛ ولكنها لا تستطيع منعها من خوض معارك كبيرة، غايتها إبادة كتائب العدوّ وأفواجه. ولقد أمكن عام 1965، تدمير أكثر من 900 طائرة، في فيتنام الجنوبية، كان قسم كبير منها جاثماً في قواعده.

ومما لا شك فيه، أن القاذفات والمقاتلات المعادية، أوقعت بفيتنام الشمالية خسائر بالرجال والعتاد، لا يمكن إنكارها. وعاقت، إلى حدّ ما، مواصلاتنا وحركة النقل في بلادنا. بيد أنها عجزت عن تحقيق النصر؛ أو تدمير اقتصادنا، الذي يعتمد معظمه على الزراعة؛ أو التأثير في صناعتنا الإقليمية وحِرفنا؛ أو إيقاف حركة التنقل عندنا.

إن استخدام الأمريكيين للطائرات العمودية، اعتراف بضعفهم، وعجزهم عن السيطرة على خطوط المواصلات في المناطق المحتلة. وكثيراً ما تناقص محيط الأرض الأمنية، المحيطة بأراضي الهبوط؛ حتى إن الأمريكيين يتقاتلون فيما بينهم، عند ركوب الطائرات؛ إذ إن كلّ واحد منهم، يود أن لا يكون آخر الراحلين، حتى لا يتعرض لهجوم مفاجئ. ولقد ذكرت الصحافة الأمريكية حالات، أطلقت فيها القوات الأمريكية النار على قوات المرتزقة التابعة لها، والتي كانت تتدافع؛ بغية ركوب الطائرات العمودية. ولم تكن تلك الأحداث المخجلة لتقع، لو أن الأمريكيين استطاعوا السيطرة على طرقات المنطقة، وطمأنوا الجنود، الذين يعرفون جيداً، أن لا فرصة أمامهم للعودة سيراً على الأقدام. وتقدم العموديات للمشاة قدرة حركية كبيرة؛ ولكنها تجبرهم على البقاء داخل الغابات، على بعد عدة كيلومترات من المناطق الجرداء فقط. التي تسمح بالإقلاع أو الهبوط.

كما أن الطائرات العمودية، لم تستطع منع معارك الالتحام بالسلاح الأبيض، داخل الحدود. فليست، إذاً، الطائرات، التي يعتمد عليها الأمريكيون، سلاحاً خيالياً، لا يقاوم. ومهما يكن من أمر، فإن  التاريخ العسكري للولايات المتحدة الأمريكية، يؤكد أنها لا تتدخل في الأحداث بقوة السلاح، إلا عندما يلائمها تطور الأحداث. ففي الحرب العالمية الأولى، لم يدفع الأمريكيون قواتهم إلا بعد وصول الألمان إلى حافة الهزيمة. وفي الحرب العالمية الثانية، لم يفتحوا الجبهة الثانية في أوروبا الغربية، قبل أن يتحققوا أن الجيش السوفيتي، قد حطم القوات الهتلرية، وجعلها على شفا الهزيمة النهائية. ثم عجلوا في استخدام القنبلة الذرية للحفاظ على هيبتهم، حينما رأوا أن الجيش السوفيتي، وجيش التحرير الشعبي الصيني، سائران بخطى حثيثة، لتدمير معظم القوات اليابانية في منشوريا، وكوريا الشمالية".

9. من عوامل النصر الأساسية فهْم الفيتناميين الأوضاع جيداً، وحسن تقديرهم إياها. قال الجنرال فينه، في هذا الصدد: "تتضمن القوة، التي يستطيع أيّ بلد من البلاد زجها في الحرب، العوامل التالية: عدد الرجال الذاهبين إلى خطوط القتال ومعنوياتهم، والوسائل المستخدمة في الدعم المادي لمتابعة الحرب، بما في ذلك نوع الأسلحة المتاحة وكميتها في الجبهة. فإذا نظرنا إلى الأمر، من جهة القدرة: الاقتصادية والحربية، والأسلحة، والتقنية المستخدمة، بدا لنا أن العدوّ، في فيتنام الجنوبية، يفوقنا في هذا المضمار فوقاً ساحقاً؛ ووجدنا أن علينا مواجهة خصم يفوقنا قوة. ولكن، إذا أدخلنا في الحساب مجمل عوامل قوى الطرفَين، الجاهزة للاندفاع في أتون القتال، سواء أكان ذلك في جنوبي بلادنا، أو في بلادنا كلها، وجدنا أننا أقوى من خصومنا". ثم ذكر العوامل التالية:

- ما يخص الأمريكيين

أ. إنهم متورطون في حرب بعيدة عن بلادهم ومصالحهم الحيوية. ولا يؤيدها شعبهم، ولا شعوب حلفائهم. فهي، إذاً، حرب غير عادلة.

ب. إنهم يملكون عدداً كبيراً وأعتدة فائقة. ولكنهم مضطرون إلى مواجهة خصومهم في نقاط متعددة من العالم؛ فلا يستطيعون تعبئة سوى جزء من قواتهم، للحرب في فيتنام.

ج. لقد كان الجيش والإدارة في سايجون على شفا هاوية، عندما وصلت القوات الأمريكية لإنقاذهما. وكانت القوات مبعثرة ضعيفة المعنويات. وما قوات البلاد المتحالفة، التي استطاعت واشنطن دفعها إلى الجنوب، سوى قوات محدودة؛ وستبقى كذلك بسبب عدة مشاكل محلية، أهمها معارضة مواطني البلاد المتحالفة للحرب.

د. لهذا، لم يفق الأمريكيون فوقاً عددياً ساحقاً؛ ما حملهم على الركون إلى مفاهيمهم العسكرية، القائلة بالاعتماد على السلاح والتقنية، لتوجيه ضربات سريعة، والوصول إلى الحل الحاسم، في أقصر وقت ممكن.

- ما يخص الفيتناميين (يلاحظ هنا أن الجنرال فينه، يتحدث بالحرب في شمالي فيتنام وجنوبيها، وكأنها حرب على جبهة واحدة)

أ. إن قتال الفيتناميين قتال عادل؛ فهُم يدافعون عن أرضهم ومنازلهم؛ لذا، يشترك مئات الآلاف من المواطنين في الصراع، إلى جانب القوات المسلحة لجبهة التحرير الوطنية، مستخدمين آلاف الوسائل المختلفة. فإذا ما جُمعت قوات الجيش النظامي، والقوات المحلية، ووحدات الدفاع الذاتي، لتبين أن القوات الشعبية أكثر عدداً، وأفضل نوعاً، من قوات العدوّ.

ب. يقدم الشعب العون والدعم للمقاتلين كافة، المنضمين إلى القوات المسلحة. لذا، فإن من السهل تعويض الخسائر، التي يتعرض لها أي فرع من فروعها، باستخدام الاحتياطي المتوافر من الرجال.

ج. لا تقتصر جبهة التحرير الوطنية على الأسلحة التقليدية فحسب، بل تستخدم، في دفاعها عن القرى، عدداً كبيراً من الأسلحة البدائية، كفخاخ الصيد، مثلاً؛ وهو ما يوقع بالأمريكيين خسائر كبيرة.

د. يتلقى المواطنون، في الجنوب، دعماً كاملاً من شعب الشمال، ومساعدة مادية من البلاد الاشتراكية، ودعماً معنوياً من العالم أجمع، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يؤدي تدفق القوات الأمريكية إلى الجنوب، وشن الغارات على الشمال، إلا إلى زيادة الصعوبات أمام واشنطن. ثم إن الأمريكيين، أرسلوا إلى فيتنام صفوة فِرقهم؛ بغية إنجاز العمليات، في أقصر وقت ممكن. ولكن الفيتناميين، وجدوا أن تلك الفِرق، لا تتمتع إلا بقيمة قتالية محدودة؛ مع أنها أفضل ما في جعبة واشنطن.

ثم أكد الجنرال أقواله؛ بأن قدم مقالاً، ظهر في عدد أبريل 1966، في المجلة الأمريكية “News and World report”، يقول فيه إن "صفوة القوات" الأمريكية، التي اختيرت من أحسن الفِرق الأمريكية وأفضلها تدريباً، ستُجْلى، بدءاً من شهر أغسطس 1966، بعد أن اشتركت، 12 شهراً، في القتال. واستطرد يقول: "يقر الأمريكيون أنفسهم بأنهم دفعوا إلى بلادنا خيرة جنودهم، فما هي الانتصارات التي حققوها، خلال عام من الصراع؟ إنهم لم يحققوا، في الحقيقة، أيّ انتصار".

أمّا الجنرال فونجين جياب، فقال في حديث تليفزيوني، إن مقاتلي فِرقة المشاة الأولى، والفِرقة الأولى المحمولة جواً، كانوا "يستحقون الرثاء". وإن جميع المعلومات الواردة إليه، تؤكد أنهم جنود أغرار، لا يمكن مقارنتهم بالجنود الفرنسيين؛ فهُم لا يتمتعون بأيّ مفهوم لقتال العصابات في الأدغال؛ في حين يواجهون خيرة رجال العصابات في العالم. إنهم يقعون في فخاخ، لا يمكن أن تخدع طفلاً، ويبادون بالمئات.

وقارن الجنرال نجوين فان فينه الحرب الفيتنامية بالحرب الكورية، حيث كان الأمريكيون وحلفاؤهم قادرين على جمع 400 ألف رجل في جبهة واحدة؛ بفضل أمن صفوفهم الخلفية وحيطتها. ويستنتج من ذلك، أن نصف مليون جندي أمريكي عاجزون عن احتواء الحركة الثورية في فيتنام الجنوبية. ويقول: "لا يتمتع أعداؤنا بخطوط خلفية أمينة؛ فجبهة التحرير قائمة في كلّ مكان. وهم يتحدثون، بيسر، بهجوم عبر لاوس. ولكن، أنّى لهم القوات اللازمة لذلك؟ وماذا يعتقدون أننا سنفعل، عندئذٍ؟ وكيف ستتصرف قوات الباثيت لاو؟ إن 34 ألفاً من مشاة البحرية، المتمركزين في دانانج، يحاولون، عبثاً، منذ سنة أو نيف، تأمين الاتصال بعشرة آلاف جندي، محاصرين في شو لاي، التي لا تبعد أكثر من 80 كيلومتراً؛ مع أن الأرض، التي تفصل بين القاعدتَين، منبسطة تماماً. ولقد عضّوا بنان الندم؛ بعد كلّ محاولة جدية. أمّا صفوفهم الخلفية، في دانانج، فوضعها حرج جداًَ. فكيف يمكنهم، في مثل هذه الظروف، أن يفكروا في اجتياز 200 كيلومتر، من الأدغال والجبال، في لاوس؛ واحتلال هذه المناطق، بعد ذلك؟ إن هذا المشروع، يبدو مغرياً، على الخرائط، التي تنشرها الصحافة الأمريكية؛ ولكنه، في الحقيقة، أمر مستحيل التنفيذ".

وسُئل الجنرال عن رأيه في إمكانية مد نطاق الحرب البرية إلى فيتنام الشمالية؛ علماً بأن صحافة الولايات المتحدة الأمريكية، أعطت صورة لخطة غزو، يعود تاريخها إلى عام 1965. وتتضمن إنزالاً بحرياً على طول القسم الضيق من البلاد، شمال خط العرض 17، حيث تكثر الشواطئ الملائمة لهذه العملية؛ فضلاً عن مرور الطريق الواصل بين الشمال والجنوب على مقربة من الساحل، الذي لا يبعد عن جبال لاوس أكثر من 50 كيلومتراً. فقال: "إن ميزان القوى، سيتبدل تبدلاً كلياً؛ إذا ما شن الأمريكيون عدواناً برياً على الشمال. ففيتنام الشمالية تملك دفاعاً قوياً، لا يستهان به؛ كما أن  الدول الاشتراكية مصممة على حمايتها".

وفي الحقيقة، كانت الصين مستعدة لإرسال مليون جندي إلى فيتنام الشمالية، "بداية" لإرسال قوات أكبر؛ على الرغم من معرفة بكين بما سيحاول الأمريكيون إنزاله بالأرض الصينية. ويعتمد الأمريكيون، عادة، على حساباتهم الخاصة، البعيدة عن الموضوعية. لذا، اعتقد قادتهم أن إرسال بضع مئات الآلاف من الجنود إلى فيتنام الجنوبية، وتصعيد الغارات الجوية على فيتنام الديموقراطية، كافيان لتبديل الموقف في مصلحتهم؛ وإجبار قوات التحرير في فيتنام الجنوبية على الدفاع، وإكراهها على أعمال عصابات مبعثرة؛ ودفع الأهالي، في شمالي فيتنام وجنوبيها إلى الاستسلام. ولكن ظروف التدخل، على نطاق واسع، في فيتنام الجنوبية، مختلفة تمام الاختلاف عن الحالات المذكورة آنفاً؛ إذ إن التدخل لم يقع في لحظة ضعف الشعب وقوات التحرير في الجنوب، وإنما وقع، على العكس، في مرحلة تفكك فيها جيش المرتزقة والحكومة العميلة تفككاً مريعاً؛ وفشلت "الحرب الخاصة" فشلاً ذريعاً، بعد دفعها إلى حدّها الأقصى؛ وانتشرت فيها قوات جبهة التحرير الفيتنامية الظافرة، بكلّ قوّتها، في كلّ مكان؛ وتطورت فيها الحركة الثورية، بعنف، لم يعرف من قبل؛ وامتدت من كوانج تري إلى كامو، ومن الريف إلى المدينة. وهو يفسر الأوامر، التي أصدرها البنتاجون إلى القوات الأمريكية، بالتزام الدفاع، منذ وصولها إلى فيتنام الجنوبية.

ولقد استخدمت قوات جبهة التحرير الوطنية، في انتصاراتها الأخيرة، تكتيكات وأساليب قتالية متنوعة جداً: كالغارات المفاجئة على القواعد العسكرية الأمريكية، والدفاع الإيجابي (كما في فان تونج)، والالتحامات غير المتوقعة (كما في توان نينه)، والانقضاض (كما في نوي تانه وبوبانج)، والمكامن (كما في دات كووك)، والهجوم على المخافر، مع التعرض للنجدات، التي ترسلها القوات الأمريكية الأخرى (كما في بلي مي ودونج دونج)، إلخ... لقد اشتبكت في معارك: ليلية ونهارية، وفي فصل الأمطار وفصل الجفاف؛ وكانت مدة معاركها ساعات أو شهراً كاملاً. وعملت في الغابات والجبال والسهول والمدن، وبقوى هجومية مختلفة، حسب الظروف. ويؤكد شمول الانتصارات الباهرة، التي حققتها قوات التحرير، أن القوات الأمريكية، بما فيها فِرقة الفرسان الأولى، التي تُعَدّ أقوى الفِرق، والمجهزة بأفضل التجهيزات، وتتمتع بقدرة رائعة على الحركة ـ كانت تعجز عن التقهقر، من دون التعرض للأخطار. ولقد عَدّ البنتاجون الفِرقة المنوه بها، هي ورقته الرابحة الرئيسية، لاستعادة المبادأة في تاي نجوين؛ إلا إنها هزمت، بعنف، في بلي مي، حيث تشتت رجالها، تاركين قتلاهم على الأرض؛ بعد أن هجم عليهم مشاة قوات التحرير. أمّا مشاة البحرية، ومهمتهم شن هجمات سريعة، لاحتلال الجسور والشواطئ؛ وإعداد رؤوس جسور، لإنزال المشاة. ووكلت إليهم القيادة الأمريكية مهمة حراسة القواعد العسكرية، على طول الشواطئ، والاضطلاع بالدوريات في المناطق المجاورة. ولكنهم نادراً ما كانوا ينفذون هذه المهمة تنفيذاً مرْضياً؛ إذ هوجمت جميع القواعد، التي كلفوا حراستها من الداخل، وتعرضت لنيران قوات التحرير، من الداخل والخارج.

هـ. إن مواجهة الأمريكيين لعدوّ قوي، وشجاع متحرك، حاضر في كلّ مكان، كقوات تحرير فيتنام الجنوبية، جعل قواعدهم: العسكرية والإدارية، في خطر دائم، لم تستطع تلافيه؛ فتلقت ضربات منتظمة، وتعرضت لخسائر فادحة جداً، جعلتها عاجزة عن تأمين متطلبات الوحدات الأمريكية، المتزايدة يوماً بعد يوم، أو تموين آلاف المرتزقة والعملاء، المحرومين من التموين المحلي. في وقت كادت تنقطع فيه الطرق الواصلة بين قواعد الشاطئ وداخل البلاد، والتي كانت تسمح بمرور المعدات والمتطلبات الإدارية الأخرى.

لقد بدأ القصف المنظم لشبكة الطرقات، في فيتنام الشمالية، في فبراير 1965؛ حينما تذرع البنتاجون بحركة ناشطة للتموين والتسلل، تقدر بنحو 1500 رجل، في الشهر، تتجه من الشمال إلى الجنوب؛ وأراد منعها أو تبطيئها. بعد 16 شهراً، قصفت الطائرات الأمريكية مستودعات النفط، في هانوي وهايفونج؛ لأن عمليات التسلل، ازدادت، كما قال روبرت ماكنمارا، 120%؛ على الرغم من تدمير الجسور وشبكة الطرقات. ودمرت الغارة الأولى 57% من خزين تلك المستودعات؛ فتوقف نقل القوات والمؤن توقفاً كاملاً، أو هو بطؤ، على الأقل. ثم حاول الأمريكيون تدمير ما تبقى، بأن ألقى طيرانهم على فيتنام، خلال ستة أشهر، عدداً من القنابل، يفوق ما ألقوه على ألمانيا، في أعنف ستة أشهر من الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك أعلنت المصادر الأمريكية أن التسلل قد ازداد، فراوح معدله الشهري بين 7 آلاف و8500 رجل. وعلى الرغم من عمليات القصف الرهيبة، والخسائر البشرية، التي زعم الأمريكيون أنهم أوقعوها في صفوف قوات جبهة التحرير الوطنية، خلال عمليات التطهير المتعددة، فقد أعلنت واشنطن، أن قوات الفيتكونج تتزايد تزايداً منتظماً ومستمراً. كما لاحظت أن ميزان القوى، يميل، باستمرار، إلى مصلحة جبهة التحرير الوطنية. ولقد اجتاز التصعيد الأمريكي مرحلة جديدة، بقصف بحري منتظم، بدأ في نوفمبر 1966، ضد المنشآت الساحلية في فيتنام الشمالية؛ بحجة إيقاف نقل القوات والمؤن، من الشمال إلى الجنوب، أو تبطيئه؛ وإنقاص الخسائر الكبيرة التي تنزل بالطائرات والطيارين. ثم تطور الأمر إلى استخدام صواريخ موجهة، ضد المنشآت الدفاعية، في فيتنام الشمالية.

وظل انضمام الشباب إلى الفيتكونج في زيادة مطردة؛ ففي التقرير العام، الذي نشرته المجلة الأمريكية اليمينية U.S. news and war Report، في عددها الصادر يوم 5 ديسمبر 1966، قالت: "إننا لم نطهر، في السنة الماضية، مقداراً كافياً من الطرق. كما لم نخضع لسيطرة الحكومة عدداً كبيراً من السكان. ويسحب الشيوعيون إلى الشمال، شهرياً، نحو 1500 شاب من قراهم". وقبل أسبوع، كانت مجلة Time، قد قدرت عدد المتطوعين في جبهة التحرير الوطنية، شهرياً، بأكثر من 5 آلاف رجل. ولا يبدو أن حكومة سايجون قد أحرزت أيّ تقدم في الريف. أمّا الفرار من الخدمة، فهو مرتفع جداً؛ ففي هذه السنة، وحدها، فر من القوات: النظامية والإقليمية والمحلية، نحو مائة ألف رجل. إن رجلاً من كلّ ستة رجال، يفر من الخدمة، سنوياً؛ ما يفسر عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن زيادة عدد الجيش الفيتنامي الجنوبي، بمقدار مائة ألف رجل ، كما كان متوقعاً.

10. الحرب وتدمير الحضارة

في عام 1967، حذر المؤرخ الفرنسي العسكري ، المختص بشؤون الهند الصينية، من أن فيتنام، حضارة وكياناً تاريخياً، مهددة بالانقراض؛ فسوف تموت الأراضي الزراعية، تحت ضربات أضخم آلة عسكرية. وبالفعل، بعد القصف العنيف، عام 1968، تحولت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إلى خرائب، ودُمرت الحقول والبيئة تدميراً هائلاً. ونشأت مشاكل صحية، لا حصر لها. وأدى الخراب إلى انتشار الفئران وتكاثرها. ففي خلال عشرين عاماً، استخدمت قيادات البنتاجون ما في حوزتها من أسلحة ومتفجرات وقنابل، دون الذرية، لقهر الشعب الفيتنامي؛ بل إن تهديدات أحد قادتها، بإعادة فيتنام إلى العصر الحجري، لم يكن انفعالاً مؤقتاً؛ لا، بل عملت القيادة الأمريكية على تحويل الأراضي الفيتنامية، الشمالية والجنوبية، إلى حقول تجارب واسعة؛ فأصبحت، بما عليها من مدن ومنشآت وكائنات حية: بشرية وحيوانية ونباتية، أهدافاً اختباريه لإبداعات العقل الحضاري، في مجال الأسلحة: التقليدية والكيماوية والجرثومية. وألقى الأمريكيون ما مجموعه 15 مليون طن من المتفجرات والقنابل والصواريخ فوق الهند الصينية، كان نصيب فيتنام منها 14 مليون طن، تركت في أرضها حفراً وتشوهات، فاقت 43 مليون حفرة، غطت مئات الآلاف من الهكتارات، من الأراضي الزراعية والغابات، التي تحولت إلى خرائب؛ إضافة إلى نحو عشرة ملايين قنبلة وقذيفة، لم تنفجر. وقد شملت المتفجرات، الملقاة على فيتنام، مئات آلاف الأطنان من قنابل النابالم، والمواد الكيماوية المضادة للنباتات، وكميات هائلة من المواد الكيماوية السامة، والغازات الخانقة المضادة للإنسان والحيوان. وجربت في الأراضي والمنشآت الفيتنامية أسلحة وقنابل وصواريخ جديدة، كان أبرزها القنبلة الزلزالية، التي تحدث تخريباً للكائنات الحية، في دائرة، قطرها ثلاثة كيلومترات؛ وقنبلة CBU. 55B، القادرة على حرق الأكسجين، في دائرة، قطرها خمسمائة متر.

وأسفرت مئات الآلاف من الأطنان، من المتفجرات: التقليدية والكيماوية، عن مقتل وإصابة وتشويه أكثر من مليون وربع المليون من المواطنين الفيتناميين، وأربعة ملايين من الحيوانات (خنزير وماعز وجاموس). استخدمت فيها مائتا ألف طن من قنابل النابالم، و35 ألف طن من الغازات: السامة والخانقة. وحسب البيانات، التي أصدرتها الجهات المعنية في فيتنام، فإن الأمريكيين، استخدموا أكثر من 75 مليون لتر من المواد الحارقة للنباتات Heribicides، و44 مليون لتر من المواد الحارقة Colororange، وعشرة آلاف طن من الغازات السامة C51C52 والغازات الخانقة. وقد أسفرت تلك الحرب الكيماوية عن تخريب 43 بالمائة من الأراضي الزراعية، و44 بالمائة من الأحراج والغابات في الجنوب الفيتنامي. وكان نصيب مزارع المطاط خمسين ألف هكتار، وجوز الهند خمسة وثلاثين ألف هكتار، واحترقت كمية من الأخشاب، تصل إلى مليون متر مكعب. كما أصابت الغارات الجوية، والقصف: البحري والبري، وعمليات التمشيط، أكثر من 75 بالمائة من القرى الفيتنامية، فدُمِّر أكثر من 30 بالمائة منها؛ إضافة إلى تدمير كلي، أو جزئي، أو إصابة عشرات المدن وعواصم الأقاليم والمحافظات والمدن الرئيسية، وعلى وجه الخصوص، المدن البحرية والموانئ النهرية. كلّ ذلك أدى إلى تدمير نحو ثلاثة ملايين منزل، وتشريد عشرة ملايين مواطن داخل القرى والمدن. كما أدى إلى إصابة أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة، وعشر جامعات ومعاهد عليا، وخمسمائة مستشفى وعيادة، و465 معبداً بوذياً، و148 كنيسة ومنشأة دينية؛ إضافة إلى السكك الحديدية والجسور والمشاريع المائية. وقد استخدمت واشنطن، خلال هذه العمليات التدميرية، أكثر من 60 بالمائة من قواتها البرية، و50 بالمائة من قواتها البحرية، و32 بالمائة من الطائرات التكتيكية، و50 بالمائة من الطائرات الإستراتيجية، وأكثر من 80 بالمائة من حاملات الطائرات.

11. التشويه: الاجتماعي والثقافي

لم تقتصر استخدامات الحضارة والتكنولوجيا الأمريكيتَين العسكريتَين على ما تقدم من آثار في حياة الإنسان والحيوان والنباتات، والحياة: العمرانية والاقتصادية؛ بل تعدتها إلى الآثار المستقبلية في المجتمع الفيتنامي. فلقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من نصف مليون من أبنائها، وأكثر من مليون من القوات: الحليفة والمحلية، إلى داخل الحياة الفيتنامية، يعيثون فساداً، على امتداد عشر سنوات (1965 – 1975)، أنعشوا خلالها أسواق البِغاء والمخدرات والإجرام؛ فخلفوا أكثر من نصف مليون عاهرة، ونصف مليون يتيم، ونصف مليون مدمن مخدرات وكحول، مع مائة ألف مقعد وعاجز. كما خلفت هذه الحرب أربعة ملايين مواطن، يعانون الأمراض: العضوية، أو النفسية، أو الأمية والتشرد؛ إضافة إلى ملايين النشرات والكتب والمجلات والأفلام، التي كانت تحقن المجتمع الفيتنامي بأنماط الحياة والثقافة والأخلاق الأمريكية، على حساب الثقافة الوطنية!

12. خسائر الحرب

لقد كانت حرب فيتنام هزيمة محققة للأمريكيين، ونموذجاً للخسائر الفادحة، والنفقات الباهظة. تمثل في عشرات الألوف من القتلى، ومليارات الدولارات. فلقد خسرت الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه الحرب 56550 قتيلاً، 303622 جريحاً، و2949 أسيراً أو مفقوداً؛ فضلاً عن 3700 طائرة مقاتلة، ونحو خمسة آلاف طائرة عمودية. وناهزت المبالغ، التي أنفقتها على الحرب، 150 مليار دولار. وفقدت فيتنام الشمالية نحو مليون قتيل، عسكري ومدني. أمّا فيتنام الجنوبية، ففقدت نحو 651 ألْف قتيل، بين عسكري ومدني، في الفترة من يناير 1961 حتى يناير 1973؛ إضافة إلى نحو 120 ألْفاً آخرين، قُتلوا، بين فبراير 1973 ونهاية الحرب، في 30 أبريل 1975. يقابلهم عدد مماثل تقريباً من الفيتكونج. وقدِّر عدد الجرحى، بين عامَي 1961 و1975، في شطرَي فيتنام، بنحو 7313000 جريح.

13. من وسائل الغزو الغربي

أولاً: التنصير

منذ البداية، لم يرحب الأباطرة الفيتناميون كثيراً بالبعثات التنصيرية؛ ولكن ذلك لم يمنع جماعات الجيزويت Jesuits من النشاط في دعوتهم؛ فأسسوا بعثة لهم في فايفو Faifo. وكان لأحد أبرز رجالهم، ألكسندر دي رودس Alexandre de Rhodes، الفضل الكبير في فتح أبواب فيتنام أمام الفرنسيين؛ إذ أجاد لغة الفيتناميين، ونجح في التودد إليهم، بل أصبح حَظِيَّ إمبراطور فيتنام الشمالية، ترنه ترانج Trinh Trang، بعد أن أغدق عليه الهدايا الفرنسية، ولا سيما ساعة متطورة مطلية بالذهب. ومن ثَم، سمح له الإمبراطور بالتحرك، بكلّ حرية، داخل فيتنام؛ فنجح، في غضون عامَين، في تنصير نحو سبعة آلاف فيتنامي، بينهم 18من طبقة النبلاء. ثم بدأت جماعات من المتنصرين تطالب السلطات بتغيير القانون، ومقاومة ظاهرة تعدد الزوجات؛ فقرر الإمبراطور طرد ألكسندر دي رودس من البلاد. وفي فرنسا، نجح في إغراء كثير من القادة، وأصحاب الرأي، ورؤساء الشركات التجارية، بغزو فيتنام، التي، حسبما زعم، "تفيض بالخيرات والثروات"، والتي "يستخدم صيادوها شِباكاً من الذهب في صيد الأسماك".

شرع الفرنسيون، بعد وفاة دي رودس، يخططون للغزو؛ فنشطت الإرساليات التنصيرية، والشركات التجارية، وتأسست شركة تجارية كبرى في روين Rouen، كانت مهمتها الظاهرة تنشيط التجارة مع فيتنام. أمّا مهمتها الباطنة، فهي نقْل أمهَر القساوسة الدعاة إلى تلك البلاد، وتيسير مهامهم وإقامتهم؛ فتأسست شركة الهند الشرقية East India Company، التي نشطت في المهام التنصيرية، خلال القرن الثامن عشر. وفي فرنسا نفسها، نجحت الجماعات، الداعية إلى غزو فيتنام، في تهيئة الرأي العام الفرنسي لذلك، من خلال تنويه النشرات المتوالية بالثروات الفيتنامية الطائلة.

ثانياً: زرع الأنظمة العميلة

 بعثت الولايات المتحدة الأمريكية عميلها الجديد، نجو دنه دييم، على متن طائرة خاصة، إلى سايجون، في بداية يوليه 1954؛ ليتولى رئاسة وزارة دولة فيتنام. ومن ثَم، بدأ نجو دنه دييم بضرب أيّ حركة داخلية مناوئة، منذ الأيام الأولى لحكمه، وبذل كلّ ما في وسعه لدعم النفوذ الغربي، ولا سيما الأمريكي، في فيتنام الجنوبية.

ثالثاً: المساعدات المتنوعة

لم يعرف سوى عدد محدود جداً من الناس، الأسباب الحقيقية والطريقة التي ساعدت بها أربع حكومات أمريكية متتالية: (حكومات الرؤساء: ترومان، وآيزنهاور، وكنيدي، وجونسون)، على الإبقاء على تلك الحرب، من دون توقف، في الهند الصينية؛ وهي الحرب التي واصلتها حكومة الرئيس نيكسون.

14. توصل المؤرخون إلى عديد من الاستنتاجات العامة والنتائج الخاصة، تتلخص في ما يلي:

1. إن قرار حكومة ترومان، تقديم العون العسكري لفرنسا على حربها على فيتنام، قد "ورّط الولايات المتحدة مباشرة" في فيتنام، وحدد مجرى السياسة الأمريكية.

2. أدت حكومة آيزنهاور "دوراً مباشراً في القضاء التام على اتفاق جنيف"، حول الهند الصينية، لعام 1954.

3. إن حكومة كنيدي، حولت سياسة "المغامرة المحدودة الأخطار"، التي ورثتها، إلى "تعهد عرفي"، واجه الرئيس نيكسون بالاختيار بين مزيد من الحرب أو الانسحاب.

4. إن حكومة جونسون، وسعت الحرب الخفية على فيتنام الشمالية؛ وبدأت تخطط، في ربيع 1964، لشن حرب صريحة؛ وذلك قبل عام كامل من كشفها عمق تورطها وخوفها من الهزيمة.

5. إن حملة الضغط العسكري السري المتزايد، خلال عام 1964، والبرنامج الموسع للإغارة على فيتنام الشمالية، في عام 1965، قد بدآ؛ على الرغم من اقتناع أجهزة الاستخبارات الحكومية، بأن تلك الإجراءات، لن تدفع هانوي إلى وقف مساندتها للفيتكونج، في الجنوب؛ وبأن الغارات، لن تأتي بنتيجة تذكر، من الناحية العسكرية.

6. إن هذه الحكومات الأربع الأمريكية المتتالية، والآنف ذكرها قد تسببت بالمأزق الأمريكي: السياسي والعسكري والنفسي، في الهند الصينية، من خلال:

أ. الشحن الواسع النطاق للمعدات العسكرية للفرنسيين، في عام 1950.

ب. عمليات التخريب والإرهاب العسكرية، ضد فيتنام الشمالية، والتي بدأت عام 1954.

ج. إطاحة الرئيس نجو دييم، في جنوبي فيتنام، عام 1963.

د. التهديدات بمزيد من التحرك، والاهتمام بإعداد الرأي العام لسنوات مقبلة من الحرب الصريحة؛ وشن الحرب الجوية، عام 1965، حينما تدخلت الطائرات والجيوش، علناً، في الحرب. وتبع ذلك شن الحرب البرية.

مع تعقد المشكلة، وازدياد حدة الحرب، اشتد تمسك المسؤولين المدنيين، والجنود الأمريكيين، بمفهوم قصير النظر، هو القدرة على فعل أيّ شيء، في أيّ مكان. وهو المفهوم الذي راح صناع القرار، في كلّ من واشنطن وسايجون، يرسخونه في نفوسهم؛ ويقنعونهم بأن التدخل الأمريكي، لا يهدف إلى الاحتلال؛ وإنما إلى مساعدة الفيتناميين على بناء مؤسساتهم، واستقرار أحوالهم. وأطلقوا على ذلك اسم "بناء شعب Nation Building". وأعلنوا أن الغرض الرئيسي للتدخل الأمريكي، هو تدريب مؤسسات وهيئات فيتنام الجنوبية، على أساليب الإدارة الصحيحة المتقدمة، والتخطيط الاقتصادي الموافق لتوجهات العالم الغربي.


 



[1]  كانت ساعة طيران ب- 52 تكلف، آنذاك، 1052 دولاراً، على حين كانت تكلفة ساعة طيران الطائرات التكتيكية 50 دولاراً فقط.