إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



الفصل الخامس

ملحق

دور المحاكم الإسلامية في الصومال

نشأة المحاكم

ظهرت المحاكم الإسلامية على أرض الواقع، بين قبائل العاصمة الصومالية، مقديشو، عام 1997، لتضطلع بمهام وزارتَي العدل والداخلية؛ وذلك بعد فشل مبادرات فردية إلى إنشاء محاكم في مناطق متفرقة، في عامَي 1991 و1994. وكونت هذه المحاكم، التي تستند إلى قاعدة الشريعة الإسلامية، ميليشيات في كلّ قبيلة في العاصمة، لتنهض بدور وزارة الداخلية، حيث نفذت عمليات مشتركة لإرساء الأمن، في محاولة للقضاء على حالة الفوضى، التي شهدتها البلاد، في غضون الحرب الأهلية؛ وهو ما أكسبها نفوذاً وصدقية كبيرَين لدى الصوماليين. ففي عام 1991، وعقب سقوط الحكومة العسكرية السابقة في الصومال، وانتشار حالة من الفوضى، حاول العالم الأزهري، الصومالي، الشيخ محمد معلم حسن، إنشاء محكمة شرعية في منطقة "طورطيجلي"، جنوب مقديشو، بالتعاون مع شيوخ القبائل؛ للفصل بين المتخاصمين، بالاحتكام إلى الشريعة. غير أن الجنرال الراحل، محمد فارح عيديد، الذي كان يسيطر على جنوب العاصمة، آنذاك، أحبط هذه المحاولة، إذ عَدَّها خطوة نحو إضعاف قوته.

وفي بداية عام 1994، أُسست محكمة شرعية، على أُسُس عشائرية، في الشطر الشمالي من العاصمة. وعين الشيخ علي محمود (طيري) رئيساً لها. واستطاعت بسط نفوذها على أجزاء واسعة من شمال مقديشو، مستعينة بالميليشيات التي كونتها. ونفذت المحكمة، بالفعل، أحكاماً مختلفة، على مدى نحو 3 سنوات من عملها، على عدد كبير من المتهمين، مثل: حدّ الرجم، والقصاص. وفي عام 1997، دخل زعيم الحرب القوي، آنذاك، "علي مهدي محمد"، في صراع مع المحكمة، وتمكن من القضاء عليها، وتفكيك أجهزتها: القضائية والتنفيذية (الميليشيات)، مستعيناً بدعم الحكومة الإثيوبية. وفي أوائل عام 1997، عادت فكرة إنشاء محاكم شرعية، على أُسُس قبلية؛ لتنشأ محكمة إسلامية في كلّ قبيلة. وعن تكوين هذه المحاكم، قال الشيخ حسن طاهر عويس، العضو المؤسس في محكمة منطقة "أفك حلني": "إن رغبة شيوخ العشائر في حل الخلافات بين أبنائها، كانت سبباً لقيام المحاكم الإسلامية، بمقديشو".

المجلس الأعلى لاتحاد للمحاكم الإسلامية

فى عام 2005، أعلن قادة اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال تشكيل "المجلس الأعلى للمحاكم الإسلامية"، ليحل محل الاتحاد. وأُسِّس المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية، في مقديشو. وانتخب الزعيم الشاب، الشيخ شريف شيخ أحمد، رئيساً له. ويقول الشيخ محمود عبدالله، مؤسس إحدى المحاكم الإسلامية، في العاصمة الصومالية: إن "سقوط حكومة صلاد، وانتشار الفوضى، وحاجة الناس للأمن؛ كلّ ذلك عجّل بإنشاء المجلس؛ لجمع قوة المحاكم الإسلامية". وبعد اتحادها، بدأت المحاكم الإسلامية تنفيذ عمليات مشتركة، استهدفت العصابات الإجرامية، في عدد من أحياء العاصمة؛ ما أدى إلى هدوء نسبي. وحرص الاتحاد على أن ينأى بعملياته عن العصابات المسلحة، في المناطق، التي تخضع لسيطرة زعماء الحرب؛ لتفادي التصادم.

وتقدر مصادر غير رسمية عدد أفراد الميليشيات، العاملة تحت مظلة اتحاد المحاكم الإسلامية، بأكثر من خمسة آلاف مقاتل، مسلحين تسليحاً جيداً. إلا أن مسؤولي المحاكم، لا يعطون رقماً محدداً لعدد قواتهم؛ ويكتفون بالقول إن هذه القوات متطوعة؛ مؤكدين أنها قوات شعبية، وليست رسمية. وبحسب شهود عيان لـ"إسلام أون لاين.نت"، فإن كثيراً من الشباب المتدينين، يقاتلون إلى جانب قوات المحاكم؛ وبعد انتهاء القتال، يعودون إلى مواقع عملهم؛ وهو ما يصعب معه تحديد عدد هذه القوات.

وقد وتولى الشيخ حسن طاهر عويس ، الذي تطارده الولايات المتحدة الأمريكية، رئاسة مجلس الشورى، الذي يُعَدّ أعلى هيئة تشريعية في المجلس الجديد؛ في خطوة، يرى المراقبون أنها تحمل تحديّاً للحكومة الانتقالية وواشنطن. وهذه التغييرات هي إعادة هيكلة لاتحاد المحاكم، تضع الشيخ شريف شيخ أحمد على قِمة السلطة التنفيذية؛ والشيخ حسن طاهر عويس على قِمة "السلطة التشريعية". فخلال اجتماع للمحاكم الإسلامية، في فندق "رمضان"، في العاصمة، مقديشو، مساء السبت، 24 يونيه 2006، اختير عويس، ليتولى إدارة مجلس الشورى؛ وهي أعلى هيئة في المجلس الجديد. وتولى الشيخ شريف إدارة المجلس التنفيذي. وهما الإدارتان اللتان يتكوَّن منهما المجلس الأعلى. وقال مسؤول كبير في الاتحاد، حضر الاجتماع، إنه قد اختير 88 شخصاً، ليتولوا إدارة المجلس الأعلى للمحاكم الإسلامية، الذي سيخول سن القوانين، ومراقبة المحاكم، في الصومال. كما عُيِّن الشيخ عمر إيمان أبو بكر، وعبدالحي علي أفراح نائبَين للشيخ عويس. وعُيِّن الشيخ محمد شيخ إبراهيم صوليح أميناً عاماً للمجلس. أمّا القائد الرئيسي في القتال، لوير شابيلي، فقد عُيّن نائباً للشيخ شريف؛ بعد أن وضع ذلك القائد الإقليم، الذي يسيطر عليه، تحت إدارة اتحاد المحاكم.

وتعليقاً على إعادة هيكلة الاتحاد ، وتكوين مجلس المحاكم الإسلامية، رأى مراقبون، أن ذلك يحمل إشارة واضحة إلى أن المحاكم الإسلامية، لن ينحصر دورها في مقديشو فقط، وعلى مسألة استتباب أمنها، كما كان معهوداً، في الماضي؛ وهو ما يمثل تحدياً للحكومة الانتقالية. ويدل هذا كذلك على أنها تتأهب تأهباً واضحاً لدور يفوق ذلك، وهو بسط سيطرتها على كلّ أنحاء البلاد؛ يتبعها، كما يبدو، إعلان دولة إسلامية صومالية، تحكم كلّ أجزاء الصومال. وكان الشيخ شريف قد نفى أن يكون لدى المحاكم الإسلامية أيّ رغبة في فرض دولة إسلامية في الصومال، على غرار حكومة طالبان، سابقًا، في أفغانستان.

وحول اختيار الشيخ حسن طاهر عويس لرئاسة مجلس الشورى في مجلس المحاكم الإسلامية؛ على الرغم من أن اسمه في لائحة الإرهاب الأمريكية، منذ نهاية عام 2001؛ إضافة إلى أن إثيوبيا، تتهمه بقيادة إحدى الخلايا، التي نفذت أعمال عسكرية داخل حدودها؛ فقد نفت قيادات المحاكم ذلك.

ويأتي تأليف مجلس المحاكم في إطار خطوات، تستهدف إعادة النظام، واستقرار الأمن في مقديشو. وبدأ الاتحاد تنفيذ خطة أمنية، بنشر قواته في شوارع العاصمة الصومالية، وتسيير دوريات أمنية؛ وهو الأمر الذي قوبل بترحيب شعبي واسع. وكانت الحكومة الانتقالية الصومالية، واتحاد المحاكم الإسلامية، قد وقعا اتفاقا، الخميس، 22يونيه 2006، يقضي باعتراف كل منهما بالآخر، وإنهاء أعمال العنف في البلاد.

وتكرر المحاكم الإسلامية، أنها تستهدف إعادة النظام ووضع حدّ للقتال؛ ذلك أن الحكومة الانتقالية، التي تتخذ من مدينة بيداوا، شمال العاصمة، مركزاً لها، لم تكن فعالة إلى حدّ كبير. وسيطرت ميليشيا اتحاد المحاكم الإسلامية، في الخامس من يونيه 2006 على العاصمة، إثر طرد أمراء الحرب، المنتمين إلى "التحالف لإرساء السلام ومكافحة الإرهاب"، المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية. وأسفر عن القتال بين الجانبَين، والذي دام نحو 4 أشهر، سقوط أكثر من 360 قتيلاً، وما يزيد على ألفَي جريح. 

ومن ناحية أخرى، توعدت قيادات "اتحاد المحاكم الإسلامية"، المسيطرة على العاصمة الصومالية، بتلقين الولايات المتحدة الأمريكية "درساً، لن تنساه"، إذا تدخلت عسكرياً ضدهم. وفي خطبة، بثتها محطات الراديو المحلية، الأربعاء، 7 يونيه 2006، دعا الشيخ نور بارود، أحد أبرز علماء الاتحاد، في العاصمة مقديشو، الصوماليين إلى سحق ما سماه "المقاومة العلمانية"؛ سعياً إلى تطبيق الشريعة. كما دعاهم إلى رفض جهود أمراء الحرب في حشد الدعم، في مواجهة المحاكم الإسلامية، عبْر إغراء القبائل والعشائر المختلفة. وقال بارود: "يجب على كافة الصوماليين الدفاع عن المحاكم الإسلامية؛ لأن هذا ليس قتالاً عشائرياً، وإنما قتال ضد الكفار.. هذا القتال بين أولئك الذين يدعمون الإسلام وبين الغزاة الكافرين ومن يدعمونهم". وكان بارود يشير إلى "التحالف، لإرساء السلم ومكافحة الإرهاب" والولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدم لهذا التحالف الدعم: المالي والاستخباراتي؛ لتعقب "متشددين"، منهم أعضاء مزعومون في تنظيم القاعدة، يشتبه في أن المحاكم الإسلامية تؤويهم. 

مثل ما صعد اتحاد المحاكم الإسلامية سريعاً، لفرض سيطرته على أجزاء واسعة من أرض الصومال، في يونيه 2006، كذلك هبط سريعاً، وتفكك، بعد الحرب الإثيوبية على الصومال (ديسمبر 2006/ يناير 2007)، وتحول جزء كبير من قادته إلى مقاومة القوات الإثيوبية المحتلة.