إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



الأكــــراد

المبحث الأول

الدور الاستعماري لترسيم الحدود

أولاً: التعريف بالقرن الأفريقي وحدوده

اختلفت الآراء وتعددت، في تعريف حدود منطقة القرن الأفريقي. فالجغرافيون، ومعهم الأنثروبولوجيون، يقصدون بالقرن الأفريقي ـ أساساً ـ الأرض التي يسكنها الصّوماليون، وإن تعددت أوطانهم، في الصومال، أو إثيوبيا، أو كينيا، أو جيبوتي. وفي هذا المفهوم، يحتل القرن الأفريقي البروز الشرقي، من أقصى شمال شرق أفريقيا، وتبلغ مساحته 450 ألف ميل مربع، ويغطي كل أرض الصومال، ونحو نصف جيبوتي، وخمس مساحة كلٍ من إثيوبيا وكينيا. (اُنظر شكل القرن الأفريقي) .

أمّا في المنظمات الدولية والإقليمية والسياسية، فيقصدون بالقرن الأفريقي دول: الصومال، وإثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، كوحدات سياسية، قائمة بشكل رقعة إستراتيجية على خريطة القارة الأفريقية. وفي هذا التعريف، يمثل القرن الأفريقي البروز في شمال شرق القارة الأفريقية، على شكل مثلث، يشرف على المحيط الهندي، وخليج عدن، ويسيطر على مضيق باب المندب. ويمتد شمالاً، على ساحل البحر الأحمر، لمسافة 600 ميل. وتصل مساحته إلى ثلاثة أرباع مليون ميل مربع. ويضم خليطاً من الأراضي الصحراوية، والأراضي الخصبة، والمرتفعات، والسهول. وتعيش على أرضه قوميات، وقبائل مختلفة.

ولعل الجمع بين التعريفين، يساعد في التّعرف على الخريطة السياسية للقرن الأفريقي، خاصة أن الحدود بين دول تلك المنطقة، ظلت تتذبذب باستمرار، إلى درجة أن النمط المعاصر للخريطة، يتشكل من حدود غير محددة، ولا يوجد اتفاق متبادل على أكثرها. وبذا، يصبح القرن الأفريقي مشتملاً، على كل من: الصومال، وإثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، ويضاف إلى ذلك كل من كينيا والسودان، لاعتبارات جيو إستراتيجية، ولتداخل الحدود والأقليات.

وتمثل منطقة القرن الأفريقي بُعداً إستراتيجياً مهماً، بما لها من موقع متميز، مسيطر على ممرات مائية حيوية، إضافة إلى أنه المدخل الطبيعي لأفريقيا، من جهة الشرق.

ويضيف ارتباط منطقة البحر الأحمر، ذي الأهمية الإستراتيجية، بمنطقة القرن الإفريقي أهمية للمنطقة، حيث يتمتع البحر الأحمر بخصائص جيوبولوتيكية، تجعل منه ممراً بالدرجة الأولى، ومقراً بالدرجة الثانية. وهو بمثابة الذراع الثانية، التي تربط المحيط الهندي، بالبحر المتوسط، إضافة إلى أنه الممر الرئيسي، لبترول الخليج العربي، إلى أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفيتي، ومن هنا جاء ارتباط البحر الأحمر، بالخليج العربي.

ويتوسط البحر الأحمر منطقة بالغة الحساسية، هي: منطقة القرن الأفريقي، والشرق الأوسط، والعالم العربي. وكذلك باب المندب، في جنوب البحر الأحمر، الذي يستمد أهميته، من وظيفته، كنقطة اختناق، تضبط الحركة، وتتحكم في مسارها، عبر طريق البحر الأحمر، لأنه أسرع طريق بحري وأقصره، يربط بين الشرق والغرب..

ولذا، فإن البحر الأحمر، يشكل الأهمية الكبرى من ناحية الأمن العربي بوجه عام، والأمن القومي، للدول المطلة عليه. وهذه الدوائر الأمنية متصلة ومتداخلة، ومركز ثقلها الإستراتيجي، هو القرن الأفريقي، وما يجاوره من مناطق.

ثانياً: نزاعات القرن الأفريقي

ترجع مشكلة القرن الأفريقي، إلى نزاعات الحدود المصطنعة، التي خلّفها الاستعمار. فقد جاءت هذه الحدود متنافرة مع الأسس الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والجغرافية، والتاريخية، والحربية، والقبلية.

فقد نتج عن تحديد الاستعمار ـ مثلاً ـ لخط الحدود الحالي، بين إثيوبيا والصومال، أن قُسِّمت القبيلة الصومالية إلى قسمين، قسم يقيم داخل الصومال، والآخر يقع داخل إقليم الأوجادين التابع لإثيوبيا، وقد أدّى ذلك إلى نشوب حربين متتاليتين، بين الدولتين، الأولى عام 1964م والثانية عام 1977م، بَحثاً وراء إعادة الأراضي المحتلة، وتوحيد القومية الصومالية.

وتتسم منطقة القرن الأفريقي بالفقر، والخلل في الأنظمة السياسية والاقتصادية، ووجود ظاهرة التبعية الاقتصادية. ومثل هذه السمات، تُسَهّل التدخل الأجنبي في دول المنطقة.

ثالثاً: الصراع في القرن الأفريقي، حتى القرن التاسع عشر

نتيجة للأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن، وموانيها على البحر الأحمر، ومجموعة الجزر التي أمامها، تعرضت دولها للصراعات والأطماع، بدءاً بقدماء المصريين ثم الفينيقيين، وملوك الجزيرة العربية. وفي القرن السادس عشر، ظهر البرتغاليون، بناء على طلب إمبراطور الحبشة "لبنادنجل" عام 1541م، وسيطروا على موانئ البحر الأحمر، التي تقع على الشاطئ الغربي: "سواكن، ومصوع، وزيلع، وبربرة". وشارك البرتغاليون ملك الحبشة، في حربه ضد أمير هرر، بهدف منع انتشار الإسلام في المنطقة، وكذلك ضد الإمام أحمد بري، وألحقوا الهزيمة به، حيث قتل في عام 1543م.

أعدّ العثمانيون حملة بحرية، استطاعت إنزال الهزيمة بالبرتغاليين، عام 1554م . كما تمكنت في عام 1557م، من احتلال جزيرة مصوع، والقرية المقابلة. وفي عام 1558م استولت على دباروا، عاصمة "ميدرى بحري". وظل العثمانيون متمسكين بحقوق السيادة على الساحل، حتى أواخر القرن التاسع عشر.

وفي إيجاز نستعرض هذه الصراعات وأشكالها المختلفة حتى نهاية القرن التاسع عشر، وأثرها على دول المنطقة، ودور الدول الاستعمارية فيها.

1. الاستعمار البرتغالي

امتد الاستعمار البرتغالي إلى المحيط الهندي، شاملاً شرق أفريقيا. وحاول الأهالي مقاومته، فأدى ذلك إلى طلبهم لمعونة عمان، في عام 1661م. واستمر النضال المشترك حتى عام 1698م، حيث تمكن الحلفاء من القضاء على النفوذ البرتغالي.

ونتيجة للضعف، الذي أصيبت به المنطقة، بسبب القتال المستمر ضد البرتغاليين، خضعت المنطقة للسّلطة العثمانية، التي رفعت شعار الدين للسيطرة على المنطقة. ونتيجة لذلك، ضعفت سلطنة ويتو الصومالية، التي تأسست على مصب نهر تانا، وكانت تسيطر على منطقة الصومال الكيني السّاحلية، مما أدّى إلى لجوء أمرائها، إلى المناطق الداخلية، هروباً من تسلط سلطان زنجبار.

2. الوجود المصري في إريتريا

في عام 1862م، تولى الخديوي إسماعيل، حكم مصر. وفي عام 1865م، عَمِل الباب العالي على انتزاع ميناء مصوّع الإريتري، من إشراف حكومة جدة، ووضعه تحت إشراف والي مصر. وقد تعرضت مصر، خلال توليها إدارة مصوع وكرن، وبقية الساحل الإريتري، إلى ثلاثة اعتداءات حبشية على الإقليم، أشهرها معارك "فزع وقنديت" في عامي 1875م، 1876م، وهزمت القوات المصرية على يد "يوهانس" عام 1876م .

أدّى افتتاح قناة السويس عام 1869م، إلى بروز أهمية البحر الأحمر، ممراً حيوياً للتجارة العالمية. فزادت حدة الصراع، على منطقة القرن الأفريقي. وقد وقعت الدول الكبرى، عدة اتفاقيات مع دول المنطقة. فأصبحت عدن من نصيب إنجلترا، وأبوك من نصيب فرنسا، وعصب من نصيب إيطاليا. ونجح الأب "جوزيب سابيتو Guiseppe Sapetto" في استئجار جزء من ميناء عصب، لتأسيس محطة تجارية إيطالية، ممثلاً لشركة روباتينو، ورفع عليها العلم الإيطالي عام 1870م . وكانت الأراضي الصومالية، المطلة على البحر الأحمر، حتى مدينة هرر في الداخل، تحت الإدارة المصرية. وتمكنت مصر من احتلال مصوع، في فبراير 1885م. ووقعت إنجلترا اتفاقاً مع يوهانس، ملك الحبشة، تمنحه بمقتضاه أملاك مصر الخديوية، في البحر الأحمر، بما فيها الحاميات العسكرية، في المرتفعات الإريترية وهضبة كرن، مقابل اشتراك الحبشة في الحرب ضد الحكومة المهدية في السودان. وانسحب المصريون من هرر، عام 1885م، واستولت الحبشة على إقليم الأوجادين كاملاً، في العام نفسه.

3. مشكلة الحدود الإثيوبية

وفي عام 1887م، وجه منليك، ملك الحبشة آنذاك، خطاباً إلى الدول الأوروبية الخمس، المهتمة بالمنطقة، "فرنسا، وإيطاليا، وإنجلترا، وألمانيا وروسيا القيصرية"، حدّد فيه حدود إثيوبيا كما يلي:

يبدأ خط الحدود من نقطة الحدود الإيطالية، عند عرفال على الساحل غرباً، ماراً بسهل ميدا تجاه ماهيو، حتى أديبارو، ومن أديبارو، حتى التقاء نهري مأرب وأراتد. ثم يتجه خط الحدود شمالاً، من منطقة تلاقي نهري عطبرة وشيت، عند بلدة تومات، ثم يحتوي خط الحدود إقليم قضارف حتى كركوج، على النيل الأزرق، ثم يتجه إلى نقطة تلاقي نهري السوباط، مع النيل الأبيض ـ ثم يتبع نهر السّوباط، حتى بحيرة سمبورو. أمّا من ناحية الشرق، فقد دخلت كل من مناطق الجالا في بورانا، وعروسى، وإقليم الأوجادين، حتى الحدود الصومالية، وفي اتجاه الشمال احتوت الحدود، إقليم آل عيسى، حتى بلدة أمبوس، ثم بحيرة عسل، ثم إقليم محمد أنقاري، ثم موازياً للساحل إلى بلدة عرفال.

وفي 20 أغسطس عام 1890م، أرسل الكونت أنتونيللي إلى منليك، خطاباً طلب فيه أن يحدد منليك، المناطق، التي يرغب أن تشملها دولته. واقترح عليه أن تشتمل على: القبائل الصومالية، وقبائل عدال، المتمركزة في الأوجادين والأقاليم بجوار كفا، وأن يصمم على جليدسا، وهرر، وبحيرة عسال. وهذه المناطق جميعها أراضٍ صومالية، عدا مدينة هرر ـ في تلك الآونة ـ حيث كانت قد احتلتها الحبشة عام 1887م .

وقد ضمت إثيوبيا، الأقاليم الآتية إليها:

كفا وجما عام 1881م، عروسى، عام 1882م، وللجا عام 1886م، هرر وإيليبابور عام 1887م، جوراج عام 1889م، بالي وسيدامو، عام 1891م، جوفا وولامو عام 1894م، الأوجادين عام 1897م ثم بونى، وشانجول، عام 1898م .

وفي عام 1887م، جرت محادثات بين السلطان أحمد يوسف عقال، والمكتشف الألماني كارل بيتنز، حيث طلب السلطان، وضع بلاده تحت الحماية الألمانية، بدلاً من سلطان زنجبار، ولم تعلن ألمانيا، عن هذا الاتفاق السِّري، إلاّ في مؤتمر برلين.

عقب وفاة يوحنا عام 1889م، اختير منليك ملكاً للحبشة، ووقع في 2 مايو 1889م، معاهدة "أوتشيالي" مع الإيطاليين، لترسيم الحدود الفاصلة، بين إريتريا وإثيوبيا.

4. محاولات إيطاليا ترسيم الحدود

عقدت إيطاليا عدة اتفاقيات، مع بريطانيا ومصر والسودان والحبشة، في الفترة من 1887 ـ 1908م، لتخطيط حدود المستعمرة حيث:

أ. تم تبادل مذكرات، في مايو 1887م، مع إنجلترا لجعل رأس قصار، الحد الفاصل بين منطقة النفوذ، والمراقبة لها، بين الدولتين، على ساحل البحر الأحمر.

ب. وُقِّعَ بروتوكول روما رقم (1)، في 24 مارس 1891م، بين إيطاليا وبريطانيا، لتحديد تبعية الأقاليم الممتدة، من الساحل الأفريقي الشرقي على المحيط الهندي، إلى النيل الأزرق.

ج. وُقِّعَ بروتوكول روما رقم (2)، في 15 أبريل 1891م، مع بريطانيا، كذلك، لتعيين مناطق النفوذ، في أفريقيا الشرقية.

د. وقع بروتوكول روما رقم (3)، في 5 مايو 1894م، مع بريطانيا، كذلك، والذي أعطيت بمقتضاه هرر، لإيطاليا، بينما أعطيت زيلع وبربرة لبريطانيا.

هـ. ومع مصر وقعت إيطاليا الآتي:

(1) اتفاقيتين، بتاريخ 25 يونية 1895م، و2 يولية 1895م، في أسمرة، لتخطيط خور بركة، والبحر الأحمر.

(2) وثيقة تنازل عن قلعة كسلا، في 25 ديسمبر 1897م .

(3) اتفاقية أسمرة في ديسمبر 1899م، لتخطيط الحدود الشمالية، لمستعمرة إريتريا.

(4) اتفاق سبدرات Sabdrat، في أول يونية 1899م، لتخطيط الحدود بين السودان المصري ـ الإنجليزي، وإريتريا.

استكمل باتفاق تودلك، في 16 أبريل 1901م، وعُدِّلَ في 15 مايو1902م، واتّفِق، على الشكل النهائي للحدود، في اتفاق أمبيريجا Umbiriga، في 18 فبراير 1903م.

ونتيجة لاختلاف إيطاليا مع منليك الثاني، في تفسير الفقرة 17، من معاهدة أوتشيالي، حيث ذكر النص الإيطالي "أنه يجب على الحبشة، أن تكون اتصالاتها من طريق إيطاليا"، في حين ذكر النّص الأمهري "أنه يمكن للحبشة، أن تتصل بالدول الأخرى من طريق إيطاليا" ورفض منليك النص الإيطالي، وألغى المعاهدة، ونشبت الحرب، وانتصر منليك، على الإيطاليين في معركة عدوة.

وُقِّعَتْ معاهدة أديس أبابا، عام 1896م، ومنها حددت الحدود الإثيوبية الإريترية، على أساس أن الحد الفاصل بينهما، هو نهر مأرب، وبذلك، بقيت الشخصية الإريترية، كما هي، وظهرت وحدة مستقلة. واهتمت إيطاليا بإريتريا، حيث عينت لها حاكماً عاماً وإدارة مدنية. 

5. محاولات بريطانيا السّيطرة على المنطقة

سيطرت بريطانيا في هذه الفترة، على المنطقة، حيث:

أ. تمكّنت من إخراج القوات المصرية من المنطقة، بما لها من نفوذ على مصر، منذ عام 1882م، وباتصالاتها مع الحكومة التركية.

ب. عقدت معاهدات الحماية، مع الزعماء الصّوماليين في الساحل، حيث عقدت في الفترة من يولية 1884 ـ 1885م، سلسلة من المعاهدات مع الزعماء، بدءاً من جيبوتي، وحتى رأس حرفون.

في عام 1886م، ألحقت بريطانيا معاهداتها السّابقة، بسلسلة أخرى من معاهدات الحماية، مع الزعماء أنفسهم. وكذلك مع زعماء صوماليين في المنطقة الداخلية، وهي ما عرفت فيما بعد، بمحمية الصومال البريطاني، التي أعلنت بريطانيا عن قيامها، في 20 يولية 1887م، وجعلت حدودها ابتداء من جيبوتي، حتى بندر زياد شرقاً، عند خط طول 49 درجة. وركّزت بريطانيا اهتماماتها الرئيسية، على السّواحل، دون المناطق الداخلية، وفضلت أن تمارس نفوذها على هرر، من خلال وجودها في بربرة، وتعيين ممثل مقيم فقط في هرر.

وفي نوفمبر عام 1890م، أعلنت بريطانيا، فرض حمايتها على منطقة الصّومال الكيني، بعد تنازل ألمانيا لها، بناء على اتفاقية عقدت بينهما في أكتوبر 1890م، لتقسيم مناطق نفوذ مملكة زنجبار، بينهما.

6. محاولات فرنسا السّيطرة على المنطقة

عقدت فرنسا، في عامي 1884 ـ 1885م، سلسلة معاهدات مع سلطان "جوبعد وتاجورة"، كذلك معاهدة مع زعيم قبائل آل عيسى الصوماليين. وبذا حصلت فرنسا على منطقة نفوذ لها على طول السّاحل، من "رأس دميرة"، إلى "أمبادو"، إضافة إلى أجزاء غير محددة، في اتجاه الداخل. وقد وَسَّعَتْ فرنسا نفوذها في السّاحل باتجاه الشرق، من خلال معاهدة أبرمتها مع بريطانيا، في عام 1888م.

7. التفاهم البريطاني ـ الإيطالي حول الحدود

في أكتوبر 1886م، وافق سلطان زنجبار على التنازل لإيطاليا، عن ميناء كيسمايو ومنطقة جوبا. ووقعت إيطاليا اتفاقية عام 1889م، مع شركة شرق أفريقيا البريطانية. وبذا أصبحت كل من براو، ومركا، ومقديشو، وورشيخ، تحت سيطرة إيطاليا، في حين وقع ميناء كيسمايو، تحت سيطرة مشتركة بين الشركة البريطانية، وحكومة إيطاليا. وفي 17 أبريل من العام نفسه وقّعت إيطاليا، اتفاقية مع سلطان ميجارتينيا، لوضع سلطنته، تحت حماية الحكومة الإيطالية. وخلال العام نفسه، تمكنت إيطاليا من إقامة نفوذ لها، على طول السواحل الصومالية، الممتدة من بندر زياد، على خليج عدن في الشمال، وحتى كيسمايو جنوباً، على المحيط الهندي.

اقترحت إيطاليا على إنجلترا، خطين للفصل بين مستعمراتها:

الخط الأول: يبدأ من سواحل البحر الأحمر، شمال إريتريا، متجهاً نحو الغرب، ثم جنوباً، بحيث يفصل الحبشة عن السودان، ثم شرقاً، لكي يفصل بين الصّومال الإيطالي، وبين منطقة نشاط شركة شرق أفريقيا البريطانية. و قد تم الاتفاق عليه في أبريل 1891م.

الخط الثاني: ويحدد منطقة الحماية البريطانية في الصومال، حول زيلع وبربرة، بشكل يترك المساحة الواقعة، بين هذين الخطين، للنفوذ الإيطالي، والأقاليم الواقعة فيما وراءهما، للنفوذ البريطاني، في كل من السودان، وأوغندا، وكينيا، والصومال. وتم الاتفاق عليه، في 5 مايو عام 1894م .

8. ترسيم الحدود السودانية الإريترية

وُقّعَ في الخامس والعشرين، من يونية عام 1895م بين إيطاليا ومصر، اتفاقية للحدود. ووقع السنيور براتيري، "حاكم إريتريا"، عن إيطاليا، حيث كانت إريتريا مستعمرة إيطالية في ذلك الوقت، ووقع عن مصر، اللورد كيتشنر، سردار الجيش المصري، الذي عُيّن حاكماً للسودان.

حُدِّدت الحدود بين إريتريا والسودان، تحديداً دقيقاً، في القطاع، الذي يمتد من رأس قصاء، إلى خور بركة، وجرى تحديد خط الحدود كالآتي: من رأس قصاء، على ساحل البحر الأحمر الغربي، حتى يلتقي بالفرع الرئيسي لخور قارورة، ومن هذا الخط، يتبع خط الحدود سلسلة الجبال، التي تفصل خورعايت، عن خور مأرب في الشمال، وخور فلكت، عن خور سالا في الجنوب، ثم إلى نقطة على هضبة "هقرنئوس"، ثم إلى خور بركة، ثم يسير في خط مستقيم، حتى تقاطع دائرة عرض 17 درجة شمالاً، مع خط طول 37 درجة شرقاً.

تضمنت المعاهدة عدة نقاط، أهمها:

أ. تنظيم القبائل شبه الرعوية، التي تعيش على الحدود، أو بالقرب منها. وقد اتُفق على تبعية قبائل: هازيدالدوا، وفيلندا وبيت مالح، والرشايدة، وبعض فروع قبيلة البني عامر، "التابعين للشيخ إدريس حمد"، للحكومة المصرية، على أن يتبع البني عامر، التابعون للشيخ محمد شريف، للحكومة الإريترية.

ب. السّماح للقبائل، التي تم تنظيم تبعيتها، بالرعي والزراعة، في أراضي كل من الحكومتين، على أسس تبادلية.

ج. على الحكومتين عدم السّماح لأي من القبائل، التي تم تنظيمها، عبور الحدود، والإقامة بصفة دائمة في أراضيها، هرباً من رؤسائها، أو القيام بأي أعمال عدائية عبر الحدود. وللحكومتين الحق، في تجريد تلك القبائل من أسلحتها.

وتلا هذا الاتفاق، اتفاق السابع من ديسمبر 1898م، "بارسونس ـ مارتيني" حيث نظّم القطاع، من رأس قصاء، وملتقى نهر إمباكتا، مع خور بركة كالآتي:

يمر خط الحدود من نقطة رأس قصاء غرباً، على طول أكمة جليباي وجابي هيلي، حيث يلتقي بمجرى نهر قارورة، ثم هضبة تجلانيت، ثم يتبع جبل أبانيدوا، حتى سلسلة الجبال، التي تفصل وادي قارورة في الجنوب، عن وادي "عيترار عويرب" في الشمال؛ ثم يتبع سلسلة الجبال في الاتجاه الغربي، ثم يلتقي بتل شيبانكولت؛ ثم يذهب خط الحدود متتبعاً سلسلة جبال سقاد طليم، حتى يلتقي شمال جبل روربيت، مع هضبة هجر نووش، ويتبع الحافة الشمالية للهضبة، حتى قمة جبل جامويت، ثم خور أفتا، ثم جبل حار، حتى لقاء خور بركة، مع خور إمباكتا. وقد صودِق على هذا الاتفاق، في السادس من مارس 1899م .

وفي الأول من يونيه 1899م، وُقّع اتفاق والتر ـ بونجيوفاني، وفيه عُينت الحدود السودانية الإثيوبية، من خور بركة حتى سبدرات، وحتى جبل أبو جمل.

وفي نوفمبر 1899م، عُقد مؤتمر لندن، وصدر إعلان لندن في الثاني والعشرين من نوفمبر 1901م، متضمناً الآتي:

أ. تكملة تعيين الحدود بين السودان وإريتريا، وذلك من طريق رسم خط، من أبو جمل جنوباً، حتى ملتقى نهر أم حجر، مع نهر ستيت، ويعلم مندوبان من الطرفين، الخط على الأرض.

ب. نقل الأراضي الواقعة إلى الشرق من هذا الخط إلى إريتريا، على الرغم من أن الإمبراطور منليك، سبق له الاعتراف بأنها أراضٍ سودانية.

ج. ضم الأراضي الواقعة إلى الغرب من هذا الخط، وتلك الواقعة إلى شماله، وتمتد من تومات إلى تودلك، وتأخذ شكل متوازي الأضلاع، إلى السودان.

د. تحديد الحدود في القطاع، الذي يمتد ما بين نهر ستيت والمتمة، بحيث يُترك لإثيوبيا نوقارا، والطريق التجاري، الذي يمتد من جوندار إلى إريتريا.

ثم وقعت معاهدة الخامس عشر من مايو 1902م، لتعديل خط الحدود بين إريتريا والسودان، والمجدد في إعلان أبريل 1901م، حيث نصت المادة الثانية، على الآتي:

"يتم تعديل خط الحدود بين السودان وإريتريا، المحدد بواسطة المندوبين الإنجليز والإيطاليين، بموجب إعلان السادس عشر من أبريل عام 1901م، بخط آخر يسير بين سبدرات إلى جبل أبو جمل، ثم إلى ملتقى خور أم حجر مع نهر ستيت".

ونصّت المعاهدة على تشكيل لجنة مشتركة، لتعليم الحدود على الأرض. وتولى المهمة "الميجور جوين"، حيث وضع عدداً من علامات الحدود، على الأرض. وقد جعل الميجور جوين، الجزء الأكبر من الحدود، يقع داخل السّهول السودانية، باستثناء الجزء الواقع أقصى الشمال، من الحدود المشتركة، ويبدأ من أم حجر، فيتبع للجرف الإثيوبي. وبذا فصلت الحدود المواطنين، الذين يقيمون في الجبال الإثيوبية، عن الذين يقيمون في السّهول السّودانية.

وعند تخطيط الحدود، جعل الميجور جوين خط الحدود يمر مع مجرى نهري البارو، واليبابور، فنهر أكوبو. وقد أدّى ذلك إلى ظهور نتوء في الحدود، داخل سهول السّودان. ونتج عن ذلك أن الأراضي، التي تعتمد عليها قبائل النوير والأنواك السودانية، انقسمت إلى قسمين.

في ديسمبر 1907م، وقّعت اتفاقية بين الحكومتين البريطانية والإثيوبية، لتحديد خط الحدود في الجزء الجنوبي من الحدود، بين السودان وإثيوبيا، من تقاطع خط 6 درجة شمالاً، مع خط طول 35 درجة شرقاً، ومنه جنوبا حتى بحيرة رودلف. وعَلّمت بريطانيا، منفردة خط الحدود، نتيجة لعدم حضور مندوب إثيوبيا، وأُجريت بعض التعديلات، معظمها لصالح إثيوبيا، إلاّ أنها رفضتها.

حاولت حكومة السودان تعديل الحدود في منطقة البارو، لمعالجة المشاكل الناجمة، عن تبعية تلك الأراضي للحكومة الإثيوبية.وحدثت المحاولة الأولى عام 1913م، ولكنها فشلت. وحدثت محاولة ثانية، بواسطة الميجور باكون عام 1921م، على أساس ضم قطاع البارو للسودان، على أن يضاف معظم أراضى مثلث اليمن إلى إثيوبيا. ولم ينل هذا الاقتراح ـ أيضا ـ قبول الحكومة السودانية.

وعندما نجح الإيطاليون عام 1936م في تثبيت مراكزهم، في أقصى المواقع الغربية للإمبراطورية الإثيوبية (سابقاً)، رفع السير سايمز، حاكم عام السودان، مذكرة للمندوب السّامي البريطاني لمصر والسودان، تضمنت ملاحظاته على الوضع الجديد، الذي نشأ نتيجة لاحتلال إيطاليا لإثيوبيا.

وتقدم السير سايمز باقتراحين، لحل مشكلة قبيلة النوّير:

الأول: إجراء تعديلات في الحدود، يكون من شأنها، وضع أرض قبيلة النوير كلها، تحت إدارة حكومة السودان.

الثاني: في حالة عدم تعديل الحدود الراهنة، فيجب الوصول، إلى اتفاق يسمح لإداريّيْ حكومة السودان، بالوصول إلى النوير داخل الأراضي الإثيوبية.

ولحل مشكلة قبيلة الأنواك، تقدم بثلاثة اقتراحات كالآتي:

أ. المحافظة على الحدود الحالية، مع محاولة الوصول إلى تفاهم، لمعالجة المشكلات المحلية بين الأفراد على الحدود، من طريق التحكيم.

ب. إجراء تسوية، بإدخال الشيرو، "وهم فرع من قبيلة الأنواك"، في السّودان، وإدخال الأودنكا في إثيوبيا.

ج. إجراء تعديل كبير في الحدود، يسمح بضم قطاع البارو إلى السودان.

ولكن الحكومة البريطانية، أرجأت البت في هذه الاقتراحات، وحاولت عقد مباحثات مع إيطاليا، بعد توقيع بروتوكول عام 1938م، لتدرس فيها مشكلة الحدود، ومسألة قطاع البارو وجمبيلا، ولكن هذه المحادثات لم تُعقد، نتيجة لاندلاع الحرب العالمية الثانية.

وكانت أوضاع المنطقة في نهاية هذه الفترة، على النحو الآتي:

قُسّمت بلاد الصومال بين كل من إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، والحبشة، وأُنشئت المستعمرات: إريتريا، وساحل الصومال الفرنسي، ومستعمرة الصومال البريطاني، والصومال الإيطالي.

أ. فرضت فرنسا وإنجلترا، حمايتهما على المناطق الصومالية، التي احتلتاها.

ب. سيطرت إيطاليا على إقليم إريتريا.