إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



الأكــــراد

المبحث الثاني

الصراع كأثر لترسيم الحدود

في بداية هذه الفترة، استولت بريطانيا على ممتلكات إيطاليا في شرق أفريقيا (الصومال، إثيوبيا، إريتريا)، وأقامت إدارة عسكرية بريطانية، لإدارة هذه المناطق.

أولاً: الفترة من 1941م ـ 1950م

1. الدور البريطاني

ساعدت بريطانيا، الإمبراطور هيلاسيلاسي، في العودة إلى إثيوبيا، في مايو عام 1941م، ووقعت معاهدة عام 1942م، بين بريطانيا وإثيوبيا، اعترفت فيها الأولى باستقلال الثانية، وحرية الإمبراطور في تصريف شؤون إمبراطوريته. ولكن بريطانيا أقرت بأن إريتريا، ما زالت جزءاً من ممتلكات إيطاليا، من وجهة النظر القانونية، على الرغم من أن بريطانيا وعدت إريتريا بالعودة إلى إثيوبيا، في حالة تعاونها معها، في الحرب ضد إيطاليا.

خططت بريطانيا لتقسيم إريتريا بين السودان وإثيوبيا، لينضم الجزء المسيحي إلى إثيوبيا، ويندمج الجزء المسلم في السودان. وفي عام 1943م، كان كل من الحاكم المدني في السودان، والحاكم البريطاني لإريتريا، يؤيدان فكرة أن مناطق القبائل الإسلامية الإريترية، المجاورة للسودان الإنجليزي المصري، يجب أن تدخل في نطاقه؛ وأن مرتفعات إريتريا المسيحية الوسطى، ومعها ميناء مصوع، وقبائل السّمهر والسّاهو، يجب أن تؤلف جزءاً من دولة، أو إقليم تجريني اللغة، ويوضع تحت السّيادة الاسمية لإمبراطور إثيوبيا، على أن تتولى دولة أوروبية إدارته. وتعطى بلاد العفار وميناء عصب للإمبراطور.

زار وزير الخارجية الإثيوبية أتوأكليلو ـ عقب نهاية الحرب العالمية الثانية ـ بريطانيا، في عام 1946م، لإجراء مباحثات عامة. وطرحت بريطانيا مسألة الحدود، فطالب السّودان أن تكون الحدود بين الدولتين، هي حدود إثنوغرافية. واقترح الجانب الإثيوبي تعديل الحدود، بما يسمح بوجود جميع قبيلة النوير، داخل الحدود السّودانية، وكل الأنواك داخل إثيوبيا، ورفض السودان هذا الاقتراح. واقترحت إثيوبيا إجراء تعديلات على طول الامتداد الجنوبي للحدود المشتركة، لتأخذ إثيوبيا هضبة البوما، وأن تُمَكّن قبيلة الجلابا الإثيوبية، من الرعي في مناطق رعيها التقليدية، بالقرب من نهر كبيشي، في أقصى الحدود الجنوبية، ولكن السودان رفض ذلك الاقتراح أيضاً.

طرحت إثيوبيا في مايو 1947م، ثلاثة اقتراحات بتعديل الحدود:

الاقتراح الأول: أن يتبع خط طول 34 درجة شرقاً، من نقطة تقاطعه مع نهر الجكو، حتى غنيم على نهر أكوبو، وهذا سيجعل كل قرى قبيلة النوير، وأماكن رعيها في السودان وأغلب الأنواك، داخل الأراضي السودانية.

الاقتراح الثاني: تعديل خط طول 34 درجة ونصف الدرجة شرقاً، مع نهر أكوبو، بحيث تتبع هذا الخط إلى أن يصل حدود السودان مع كينيا، بما يجعل أراضي رعي قبائل البوما، والتيرما، والنيانقتوم، والجلابا، داخل إثيوبيا.

الاقتراح الثالث: تعديل أقصى شمال بحيرة رودلف، بحيث يُجعل مصب نهر أومو، في داخل إثيوبيا، بما يضمن لقبائل البوما حقوق صيد الأسماك، في تلك المنطقة.

رفض السودان الاقتراحات الثلاثة، نظراً إلى أنها تشكل حدوداً جغرافية، وليست إثنوغرافية، وأن نهر أومو، يقع داخل الحدود الكينية. واستمر الوضع على ما هو عليه بمقتضى معاهدة 1902 البريطانية ـ الإثيوبية.

2. الدور الإيطالي

كان لإيطاليا امتيازات في المنطقة منذ احتلالها للحبشة وإريتريا، ولعبت دوراً مع بريطانيا في ترسيم الحدود منذ القرن التاسع عشر، وكانت تتمتع بوجود مستعمرات لها في ليبيا وإريتريا والصومال الإيطالي.

أ. معاهدة فبراير 1947م

في العاشر من فبراير 1947م، وقّع الحلفاء معاهدة صلح مع إيطاليا، نصت في مادتها الثالثة والعشرين، على ما يلي:

(1) تتنازل إيطاليا عن كل حق أو سند، في الممتلكات الإيطالية الإقليمية في أفريقيا، وهي ليبيا، وإريتريا، والصّومال الإيطالي.

(2) تستمر هذه الممتلكات، تحت الإدارة الحالية، إلى أن يتم تقرير مصيرها.

(3) تتولى حكومات الاتحاد السّوفيتي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا، بالاشتراك فيما بينها، تقرير مصير هذه الممتلكات، تقريراً نهائياً، في خلال سنة، من تنفيذ المعاهدة الحالية، بالطريقة المبينة في التصريح المشترك، الصادر من تلك الحكومات، في العاشر من فبراير 1947م، بالرقم 11، والذي ينص على أنه: "إذا لم تتمكن الدول الأربع من الاتفاق خلال سنة، من تنفيذ معاهدة الصلح مع إيطاليا، على تقرير مصير أي إقليم من هذه الأقاليم، يُرفع الأمر إلى الجمعية العامة، لهيئة الأمم المتحدة، لتصدر توصية في شأنه، وتتعهد الدول الأربع بأن تقبل التوصية، وأن تتخذ الإجراءات المناسبة لتنفيذها".

ب. الموقف في الصومال

على الجانب الصومالي، أعطت بريطانيا في 24 سبتمبر عام 1948م لإثيوبيا، جزءاً من الأرض الفاصلة، بين الصومال وإثيوبيا، إضافة إلى جزء من إقليم هود والأوجادين. وأعلن حزب وحدة الشباب الصومالي، في صوماليا، عن مبادئه، حيث كوّن أبناء الصومال الكيني، فرعاً من الحزب، عام 1948م، وقد حلت الحكومة البريطانية الحزب، وطبقت على الإقليم، نظام المناطق المقفولة، منذ عام 1948م، وحُرم من أي ممارسة سياسية.

وفي عام 1948م، عرضت قضية الصومال على الأمم المتحدة، حيث شكلت لجنة، مكونة من مندوبي كل من: فرنسا، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا. واجتمعت اللجنة في لندن، واستمعت إلى آراء حكومتي إيطاليا وإثيوبيا. وعارضت إثيوبيا عودة صوماليا لإيطاليا، وطالبت بضمه إليها، وفشلت اللجنة، في الوصول إلى قرار. وعرض الموضوع على الجمعية العامة، للأمم المتحدة.

وفي عام 1950م، صدر قرار الأمم المتحدة بوصاية إيطاليا على الصومال، وأُنشئ "المجلس الاستشاري للأمم المتحدة"، من ثلاث دول: مصر، وكولومبيا، والفلبين، وذلك بهدف الإشراف على أعمال الإدارة البريطانية.

اتخذت الأمم المتحدة قراراً بتشكيل لجنة، في 15 ديسمبر 1950م، ولكنها شُكِّلت في ديسمبر 1955م . واشترك فيها خبيران صوماليان، ولكن المباحثات فشلت، نتيجة لمطالبة إثيوبيا، بضم أراضٍ، من تلك التي تحت الوصاية الإيطالية.

ج. الموقف تجاه إريتريا

اتخذت بعض الدول، ذات الاهتمام الخاص بإريتريا، مواقف متباينة، خصوصاً إيطاليا، والحبشة، ومصر، وكانت مواقفها كالآتي:

(1) إيطاليا: طلبت أن تكون الوصاية لها، على مستعمراتها الأفريقية السابقة.

(2) الحبشة: طلبت ضم إريتريا إليها مستندة إلى أنها جزء منها، فضلاً عن الروابط العرقية والتاريخية والثقافية واللغوية، التي تجمع بينها.

(3) مصر: طالبت بمصوع، مستندة إلى حقوقها التاريخية فيها، وتبعيتها لها منذ عهد محمد علي.

وفي نهاية عام 1947م، كان هناك ثلاثة تيارات تجاه إريتريا، كالآتي:

التيار الأول: يرى استقلال إريتريا فوراً، أو بعد فترة زمنية محددة. وكانت إثيوبيا تقف ضد هذا الرأي يؤيدها في الرفض مسيحيو إريتريا. كذلك كان بعض البريطانيين، يعارضون استقلال إريتريا، لاعتقادهم أنها لا تشكل وحدة اقتصادية، قائمة بذاتها.

التيار الثاني: يرى اتحاد إثيوبيا وإريتريا كلياً أو جزئياً، ويؤيد هذا الرأي، إثيوبيا وعلى رأسها الكنيسة القبطية، ومسيحيو إريتريا.

التيار الثالث: كان يرى ضم المسلمين القاطنين في السهول الغربية، للسودان. وكانت الإدارة البريطانية، تؤيد هذا الرأي، وهو ما أطلق عليه، "مشروع التقسيم". ولكن واجهت الإدارة البريطانية مشكلتان:

·   المشكلة الأولى: وجود خلافات بين قبيلتي بني عامر، والهدندوة، على الحدود، بين السودان وإريتريا.

·   المشكلة الثانية: التزام بريطانيا، بعدم اتخاذ أي خطوة، في شأن إريتريا، إلاّ بعد موافقة الدول الأربع الكبرى، أو الأمم المتحدة.

شُكلت لجنة من نواب وزراء خارجية الدول الأربع الكبرى، للوقوف على رغبات السكان. وزارت اللجنة إريتريا في نوفمبر 1947م، ولكن بسبب الخلافات في الرأي، تعذر الوصول إلى اتفاق في شأن مصير إريتريا، وتقرر إحالة الموضوع إلى الأمم المتحدة للمرة الأولى.

في عام 1949م، أرسلت الدول الأربع (فرنسا ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ الاتحاد السوفيتي ـ بريطانيا)، وفد تَقصِّي حقائق، إلى إريتريا، وفشلت تلك المحاولة، في حل مشكلة إريتريا، نتيجة لرغبة الوفدين، البريطاني والأمريكي، في فرض قراراتهما على إريتريا، ضد رغبة الشعب، حيث اقترح الوفد البريطاني، تقسيمها، وضم الجزء الغربي منها إلى السودان، وضم باقيها إلى إثيوبيا، ووضع الصومال الإيطالي، تحت وصاية إيطاليا، بينما رأى الوفد الأمريكي ضرورة ضم إريتريا إلى إثيوبيا.

3. قرار الأمم المتحدة بخصوص إريتريا

أ. لما فشلت الوفود الأربعة في الوصول إلى حل للمشكلة، تَمَّ إحالة القضية، إلى الأمم المتحدة، التي ناقشتها في دورتها الثالثة، في يونيه 1949م، وفشلت، ثم عادت إلى مناقشتها، في دورتها الرابعة، في نوفمبر من العام نفسه حيث أقرت الجمعية العامة مشروع القرار رقم 289، لإنشاء بعثة للأمم المتحدة، تتكون من خمسة أعضاء للتحقق من رغبات سكان إريتريا، وبحث أحسن الوسائل، لتحقيق رفاهيتهم. وقد زارت البعثة إريتريا، عام 1950م، وانقسمت آراء أعضائها، حيث تقدموا بالاقتراحات الآتية:

ب. زادت البعثة إريتريا عام 1950، وانقسمت آراء أعضائها حيث تقدموا بالاقتراحات التالية:

(1) الاقتراح الأول

اقترح الوفد البريطاني، وضع إريتريا تحت إدارة إثيوبيا، لمدة عشر سنوات، على أن يُشكل مجلس استشاري، لمساعدة تلك الإدارة، ويضم ممثلين عن إيطاليا، ودولة إسلامية، ودول أخرى غير استعمارية، وذلك لبث الطمأنينة في نفوس المسلمين.

(2) الاقتراح الثاني

اقترح الوفد الأمريكي، ضم جنوب إريتريا إلى إثيوبيا، على أن يُبَتَّ في مصير بقية المستعمرة بعد عام واحد.

أمّا الوفد الفرنسي: فقد أيّد ذلك، ليصبح لإثيوبيا منفذ إلى البحر الأحمر، من طريق عصب.

أمّا الوفد السوفيتي: فقد أيّد الاقتراح بوضع المستعمرات الإيطالية السابقة، تحت الوصاية الجماعية، للأمم المتحدة.

وفشلت الجمعية، في الوصول إلى اتفاق. أعيدت القضية للمناقشة في اللجنة السياسية، في الفترة من الثامن إلى الخامس والعشرين، من نوفمبر 1950م، وقدم أعضاء اللجنة في الجلستين 37 و40، مقترحات لحل القضية. وحُسمت تلك المشروعات، في الجلستين 48 و56، من جلسات اللجنة، لتخرج بخمسة مشروعات، قُدمت إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر فيها، وبيانها كالآتي.

(1) مشروع القرار A/C. 38/L31

تقدم به الاتحاد السوفيتي، ويدعو فيه إلى الاستقلال التام لإريتريا، وانسحاب القوات البريطانية من إريتريا، خلال ثلاثة شهور، من إقرار الجمعية العامة للمشروع، وتنازل إريتريا، عن جزء من أراضيها، ليكون منفذاً لإثيوبيا، إلى البحر من طريق عصب.

(2) مشروع القرار A/C. 38/L32/Rev.1

وتقدم به العراق، ويدعو إلى أن يقرر الشعب الإريتري مصيره، من خلال برلمان إريتري، منتخب في موعد أقصاه أول يوليه 1951م .

(3) مشروع القرار A/C. 38/L.37 & Corr. 1

قدمته الولايات المتحدة الأمريكية، تساندها ثلاث عشرة دولة، ويوصى بإقامة اتحاد فيدرالي، بين إريتريا وإثيوبيا، تحت سيادة التاج الإثيوبي، على أن تسبق ذلك فترة انتقالية، لا تتجاوز الخامس عشر من سبتمبر 1952م تُنَظّم خلالها الحكومة الإريترية، ويُعد الدستور الإريتري، ويوضع موضع التنفيذ، وتعين الأمم المتحدة مندوباً يمثلها في إريتريا، يعاونه السكرتير العام للأمم المتحدة.

(4) مشروع القرار A/C. 38/L.47

تقدمت به بولندا، ويوصي، بمنح إريتريا الاستقلال بعد ثلاث سنوات، على أن تَحْكُمَ البلاد لجنة وصاية، مكونة من ستة أعضاء، أحدهم إثيوبي، واثنان من الدول العربية، وثلاثة من إريتريا، منهم اثنان من الوطنيين، والثالث من المستوطنين الأوروبيين فيها.

(5) مشروع القرار A/C. 38/L.48

وتقدمت به باكستان، ويوصي بمنح الاستقلال لإريتريا، في موعد أقصاه أول يناير 1953م، وأن تُدعى جمعية وطنية إريترية، في موعد لا يتجاوز أول أكتوبر 1953م، لتضع دستوراً للبلاد وتُشكل حكومة مؤقتة، تُنقل إليها السلطة.

وفي الدورة الخامسة للأمم المتحدة، التي عقدت في الثاني من ديسمبر 1950م، مهدت الولايات المتحدة الأمريكية للتصويت، لصالح المشروع الأمريكي للاتحاد الفيدرالي، مستندة إلى دول أمريكا اللاتينية، وكذلك إلى المساعدات، التي تقدمها للدول الأوروبية. وجرى التصويت لصالح مشروع القرار الفيدرالي، بأغلبية ستة وأربعين عضواً، واعتراض سبعة آخرين، وامتناع خمسة أعضاء عن التصويت، وهو ما عرف بالقرار الرقم 390/أ/5.

نص قرار الأمم المتحدة، على عدة بنود:

(1) تؤلف إريتريا وحدة تتمتع بحكم ذاتي، في اتحاد فيدرالي مع إثيوبيا، تحت سيادة التاج الإثيوبي.

(2) يكون للحكومة الإثيوبية سلطات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، في ميدان الشؤون الداخلية.

(3) يُشكل مجلس فيدرالي إمبراطوري، من عدد متساو من الأعضاء، عن كل من إثيوبيا وإريتريا، ويجتمع على الأقل مرة واحدة كل عام، وعليه أن يسدي النصح، في الشؤون المشتركة للاتحاد.

(4) تكون هناك فترة انتقالية، لا تتجاوز الخامس عشر، من سبتمبر 1952م، يتم خلالها تنظيم الحكومة الإريترية وإعداد الدستور، ووضعه موضع التنفيذ.

(5) يكون هناك مندوب للأمم المتحدة، في إريتريا، تعينه الجمعية العامة، ويساعده خبراء، يعينهم السكرتير العام للأمم المتحدة.

(6) يُعد مندوب الأمم المتحدة، بعد استشارة السلطة القائمة بالإدارة، وحكومة إثيوبيا، وسكان إريتريا، مشروع الدستور الإريتري، ويعرضه على الجمعية التشريعية الإريترية، للنظر فيه، وعليه أن يسدي النصح والمشورة لهذه الجمعية، ويساعدها في بحث الدستور.

(7) على حكومة المملكة المتحدة، بوصفها السلطة القائمة بالإدارة، أن تتخذ الترتيبات لنقل السلطة، إلى السلطات المناسبة، على أن يتم نقل السلطة، عندما يصبح الدستور الإريتري، والقانون الفيدرالي نافذي المفعول.

ثانياً: الفترة من 1951 ـ 1970م

1. الموقف في إريتريا

عينت الولايات المتحدة الأمريكية، السنيور "إدوارد إنزى ماتينزو"، مندوباً لها في الأمم المتحدة، وقدم تقريراً للأمم المتحدة، في السادس عشر من نوفمبر 1951م، أوضح فيه أن الأغلبية الساحقة، من سكان إريتريا، يقبلون الاتحاد الفيدرالي مع إثيوبيا، بشرط أن تتمتع إريتريا باستقلال ذاتي.

لم ينجح المفوض الدولي، من بناء الهيكل الإداري لإريتريا قبل سبتمبر 1952م، وهو الميعاد المحدد، بواسطة الأمم المتحدة، لوضع قرارها 390/أ/5، موضع التنفيذ.

طالبت إثيوبيا بأن يُعْطَى للإمبراطور سلطة كل المسؤولين التنفيذيين في إريتريا، وحق "الفيتو"، على القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية في إريتريا، واعترضت على أن يكون لإريتريا عَلَمَها الخاص، وأن تكون اللغة التيجرية، والعربية، لغتيها الرسميتين.

أمّا الإريتريون أنفسهم، فقد انقسموا إلى قسمين، إذ عارضت الكتلة الديموقراطية، والتجمع الإسلامي، تمثيل الحكومة الإثيوبية في إريتريا. أمّا الوحدويون، فقد رحبوا بتمثيل الإمبراطور في إريتريا، بواسطة حاكم عام، لا تتعدى سلطته، تعيين رئيس منتخب للسلطة التنفيذية. وفيما يختص بالعَلم، أيد الوحدويون وجهة نظر إثيوبيا، وفيما يختص باللغة، اقترحوا اعتماد اللغة التيجرية ـ وحدها ـ لغة رسمية في إريتريا.

وفي 29 يناير 1952م، أُعلنت الانتخابات للجمعية التشريعية، لشغل مقاعدها الثمانية والستين، خلال شهر مارس، وقد تمت على الرغم من اعتراضات إثيوبيا. وأجريت انتخابات رئاسة الجمعية التشريعية، وانتخب أنو "تدلابايرو"، السكرتير العام للحزب الاتحادي، رئيساً للجمعية، و"الشيخ علي موسى راداي"، زعيم الرابطة الإسلامية، للمديريات الغربية، نائبا للرئيس.

وقد احتوى الدستور الإريتري، على 99 مادة. ونجحت الرابطة الإسلامية، في أن يحتوى الدستور، على جزء كبير من مقترحاتها. وكان أبرزها وجود حكم ديموقراطي، وحكم ذاتي، من أبرز سماته العلم الخاص، ولغتاها الرسميتان التيجرية والعربية، ونص، كذلك، على أن يكون للإمبراطور ممثل في إريتريا، يُحاط علماً، بانتخاب رئيس السلطة التنفيذية، والذي يُعَدُّ مسؤولاً أمام الجمعية التشريعية.

أُنزل العلم البريطاني، مساء 16 سبتمبر 1952م، ورُفَعِ مكانه العلم الفيدرالي. ومرّت إريتريا بفترة من الكفاح السلمي، حتى عام 1961م، نتيجة لمحاولات إثيوبيا، دمج إريتريا دمجاً كلياً. وقد سيطرت الخلافات على الجو السياسي، بين ممثل الإمبراطور، والحكومة الإريترية.

ومن مظاهر تلك الخلافات:

·   عدم رفع العلم الإريتري، في الاحتفالات.

·   حذف اللغة العربية، من برامج الحفلات.

·   إلغاء الأحزاب السياسية، عدا الحزب الاتحادي، الذي كان يعمل بوحي من الإمبراطور.

·   اعتقال السياسيين الوطنيين.

·   حل اتحادات العمال ونقاباتهم.

·   تعطيل الصحف.

·   منع تدريس اللغة العربية في المدارس.

·   إلغاء الدستور الاتحادي، وإحلال القانون الإثيوبي.

وفي عام 1960م، أطلق على الحكومة الإريترية، اسم الإدارة الإريترية Eritrean Administration، وعُيّن خمسة أعضاء إثيوبيين، في المجلس الفيدرالي، وانتخب البرلمان الإريتري، خمسة أعضاء آخرين، ولكن لم يتمكن المجلس الإريتري، من أداء عمله. وأُجبر رئيس الوزراء الإريتري، "أتو تدلا بايرو"، على الاستقالة، واُخْتِيَر أحد الموالين لإثيوبيا، "أتو أسفها ولد ميكائيل"، رئيساً للحكومة.

2. وحدة الصومال ـ البريطاني والإيطالي

شُكلت لجنة للتحكيم من ثلاثة أعضاء: من إثيوبيا، وإيطاليا، والثالث يتفق عليه الطرفان، للنظر في المناطق الصومالية. وقبلت الصومال ذلك. وقد قسم الصومال ـ البريطاني، إلى ست مديريات، هي: بربرة، وهيرجيسا، وبراو، وبوراما، وعيرجابو، ولاسى عانود، وهذه المنطقة جزء مهم من الساحل الصومالي، بموانيه المهمة والقريبة من البحر الأحمر.

اتخِذ قرار في مؤتمر شعوب أفريقيا، الذى عقد في أكرا في ديسمبر 1958م، ندد بالحدود المصطنعة، التي أنشأها الاستعمار في أفريقيا، وطالب بتعديلها، بما يتمشى مع وحدة الشعوب والسلالات الأفريقية.

اتخِذ، كذلك، قرار ثانٍ في مؤتمر شعوب أفريقيا، الذي انعقد عام 1960م في تونس، حيث "اعتُرف بحق الصومال المقسم في الاستقلال، والوحدة، ليكون الصومال الكبير".

وافقت إيطاليا على منح الصومال الإيطالي الاستقلال، في أول ديسمبر 1959م . ولكن نتيجة لمطالب الصوماليين، وموافقة الأمم المتحدة، تم الاستقلال في أول يوليه 1960م . ومنحت بريطانيا الصومال البريطاني، الاستقلال في 26 يوليه 1960م، أمّا فرنسا، فقد رفضت منح إقليم الصومال الفرنسي الاستقلال، لأهميته الإستراتيجية، وسيطرته الكاملة، على باب المندب، المفتاح الجنوبي للبحر الأحمر.

نادى الصوماليون بوحدة أراضيهم، منذ الحرب العالمية الثانية، بهدف إنشاء الصومال الكبير، مشتملاً على أجزائه الخمسة "الإيطالي، والبريطاني، والفرنسي، والأوجادين وإقليم الحدود الشمالي" N.F.D.، وأُعِلَن عن قيام دولة الصومال، في أول يوليه 1960م، وأطلق عليها اسم "جمهورية الصومال"، وانضمت عضواً في الأمم المتحدة، واتخذت علمها باللون الأزرق، تتوسطه نجمة بيضاء خماسية، ترمز إلى الأقاليم الخمسة الصومالية، التي يسعى الصوماليون لتوحديها.

ثُمّ أعلن استقلال إقليم الصومال الفرنسي، في 26 يونيه عام 1977م، تحت اسم دولة جيبوتي، وقُبِلَ عضواً في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية.

3. إقليم الحدود الشمالية

عينت الحكومة الكينية في مجلسها التشريعي، ممثلاً عن الإقليم في عام 1959م، ورفعت بريطانيا الحظر السياسي عنه في عام 1960م، لذلك، طلب السكان حق تقرير مصيرهم، والاتحاد مع الجمهورية الصومالية، ورحبت الجمعية الوطنية الصومالية بهذا القرار.

وكان الموقف كالتالي:

·   بريطانيا: طلبت رسمياً قواعد بحرية في بربرة وكيسمايو، مع إدخال الصومال في شركة كومنولث بريطانية.

·   إثيوبيا: اجتمع الإمبراطور هيلاسيلاسي مع جوموكينياتا في نوفمبر 1961م، واتفقا على تكوين حلف عسكري بينهما، إضافة إلى فرنسا، لمواجهة المطالب الصومالية في التحرير والوحدة، وإحباطها.

·   الصومال: تبنت الحكومة الصومالية القرار، الذي أصدرته الجمعية الوطنية الصومالية، وأرسلت ممثلاً لها لحضور مؤتمر لندن، ورفض مندوبو كينيا مطالبهم، وأصدرت الأحزاب السياسية في الأقاليم بياناً، في مارس 1963م، أعربت فيه عن رفضها، لمحاولات الاستعمار في استمرار تقسيم الصومال، وبضرورة استقلال الإقليم على أساس أن أهله يتكلمون مثلهم لغة واحدة، ويدينون بالإسلام.

·   كينيا: بعثت زعيمي الحزبين الرئيسين إلى الصومال، في احتفالات الاستقلال يوليه 1962م، وعندما نوقش الموضوع، رفضت كينيا استقلال الإقليم، وقالت إنه جزء من كينيا.

أ. لجنة تقصي الحقائق

في سبتمبر 1962م، تقرر في مؤتمر لانكستر هاوس الدستوري، تأليف لجنة تقصي الحقائق، في إقليم N.F.D. من عضوين: أحدهما نيجيري، والآخر كندي. وأجرت اللجنة استفتاءً في الفترة ما بين 22 أكتوبر إلى 15 نوفمبر 1962م . وكانت نتيجة الاستفتاء نسبة 87.76%، في صالح الاستقلال، والاتحاد مع الصومال.

قدّم سفير الصومال لدى بريطانيا، مذكرة إلى اللورد هيوم، وزير الخارجية البريطانية، في 22 فبراير 1963م، جاء فيها، أنه منذ ثلاث سنوات والحالة، في الإقليم مازالت خطيرة، وأنه يجب على بريطانيا، أن تحل مشكلة الإقليم قبل أن تنال كينيا استقلالها، وشرح رئيس وزراء الصومال، السيد "عبدالرشيد علي شارمركي"، المشكلة في أثناء زيارته إلى لندن، في ديسمبر 1962م، وطالب بضرورة حلها قبل استقلال كينيا.

ب. لجنة الحدود

أرسلت بريطانيا لجنة لتخطيط الحدود الإقليمية في كينيا، في نوفمبر 1962م. رفض مواطنو إقليم NFD استقبال اللجنة، وأصدرت الجبهتان، التقدمية الشعبية، والديموقراطية، بياناً، طالبتا فيه بالاستقلال عن كينيا، وأعلنتا مقاطعة اللجنة.

وجاء في تقرير لجنة الحدود وتقصي الحقائق، "أن مؤيدي الانفصال، والانضمام إلى الصومال، لا يرغبون في الاشتراك في أي مشروع، من مشاريع الاتحاد الدستوري لكينيا"، أمّا مؤيدو كينيا "فيطالبون بالاندماج، والاشتراك مع كينيا نحو الاستقلال".

لم تلتزم بريطانيا بتعهدها باستشارة الصومال، فيما يخص الإقليم، وصرح وزير المستعمرات البريطاني، في 8 مارس 1963م، في نيروبي بالتصريح التالي:

أولاً: أوصى التقرير الخاص بالمؤتمر الدستوري لكينيا، الذي انعقد عام 1962م، بتعيين لجنة تتحقق من الرأي العام في N.F.D.، فيما يتعلق بمستقبل المنظمة، على ضوء التطورات الدستورية المحتملة في كينيا. وسوف تتخذ حكومة جلالة الملكة قرارها في شأن النتائج، التي تتوصل إليها اللجنة، قبل تطبيق الدستور الجديد لكينيا.

ثانياً: قدمت اللجنة تقريرها في ديسمبر الماضي، ودرست حكومة جلالة الملكة النتائج، التي توصلت إليها. كما لاحظت أنه ورد في تقرير لجنة الحدود الإقليمية لكينيا، أن الأمر لا يستلزم الاقتصار على ست مقاطعات فقط. ولذا، رأت حكومة جلالة الملكة، أنه من الصواب إنشاء مقاطعة إضافية تضم الجزء الشرقي من N.F.D.، يقتصر سكانه على الصوماليين وأشباههم.

ثالثاً: بحث وزير المستعمرات الأمر تفصيلاً، مع حاكم كينيا، ومع بعض الوزراء في نيروبي. كما استقبل وفدين، يمثل أحدهما العناصر الوافدة من مقاطعة الحدود الشمالية لكينيا، الذين يرون الانضمام إلى الجمهورية الصومالية، والآخر يمثل هؤلاء، الذين يرغبون في البقاء جزءاً من كينيا.

رابعاً: قررت حكومة جلالة الملكة، أنه ينبغي، وهذا جزء من التنظيمات الدستورية الخاصة بالحكم الذاتي في كينيا، أن تكون المناطق الصومالية، المشار إليها في تقرير لجنة الحدود الإقليمية، وهي الدوائر الانتخابية من رقم 20 إلى رقم 24، بما فيها الدائرة الأخيرة، إقليماً سابعاً منفصلاً، يتمتع بمرتبة مساوية لمرتبة الأقاليم الأخرى في كينيا.

خامساً: إن إنشاء الإقليم الجديد سوف يعطي سكانه، حرية واسعة، في إدارة شؤونهم الخاصة، ويوفر لهم مزيداً من الوسائل الفعالة، الكفيلة بتأمين مصالحهم، وصيانة طريقتهم في الحياة.

وأصدرت الحكومة الصومالية بيانين:

الأول: في 12 مارس 1963م، جاء به: لقد بحث مجلس الوزراء الصومالي الحالة، التي نشأت عن النبأ القائل إن جنود القوات البريطانية، في منطقة الحدود الشمالية، أُمرت بأن تكون في حالة استعداد. وبما أن هذه التدابير، يمكن أن تشكل تهديداً خطيراً، لأمن حدود الجمهورية الصومالية، فإن السيد رئيس الوزراء، طلب من السيد وزير الدفاع، أن يصدر أوامره، بوضع جنود القوات المسلحة، في حالة استعداد حتى صدور أمر آخر".

الثاني: جاء فيه ما يلي: "إن تأكيد بريطانيا، لجمهورية الصومال، أنها سوف تُعطي حكومة الصّومال، الفرصة للتعبير عن وجهة نظرها، في شأن مستقبل N.F.D، عندما تصبح كينيا مستقلة، كان قد قُدم إلى الحكومة الصومالية، في 11 فبراير 1963م . إن هذه التأكيدات، لا تتفق مع وجهات نظر الحكومة الصومالية، التي أثارتها في مذكرتها السابقة للحكومة البريطانية، وإن الحكومة البريطانية، أبلغت هذا رسمياً، في 22 فبراير 1963م . وعلى أي حال، فإن وجهة نظر الحكومة الصومالية، في شأن مستقبل N..F.D.، معروفة للحكومة البريطانية، وقد وضحت بصورة جلية، في المذكرة، التي أرسلت إلى الحكومة البريطانية في 6 يناير 1963 م ".

أعلن رئيس الوزراء الصومالي، أمام الجمعية الوطنية، في 11 مارس 1963م، أن الحكومة عدّلت الاقتراح، الذي سبق أن تقدمت به الكتل البرلمانية، قبل أن يُعلن وزير المستعمرات البريطاني قراره الخاص، بمستقبل إقليم N.F.D. وطالب هذا الاقتراح، بموافقة البرلمان، على إعادة النظر، في علاقة الصومال مع بريطانيا، إذا عملت بريطانيا، ضد رغبة سكان الإقليم، في الاتحاد مع الوطن الأم.

وقد جرى تعديل الاقتراح، على النحو التالي:

"إن الجمعية الوطنية، تخول حكومة الصومال، قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا، بعد القرار الذي اتخذته حكومتها (بريطانيا) في إنشاء إقليم سابع لكينيا، يضم جزءاً من المقاطعة الشمالية، متناسياً بذلك، الاعتراف بحق سكان الإقليم، في الانفصال عن كينيا، والاتحاد مع الجمهورية الصومالية".

وفي 15 مارس 1963م، وافقت الجمعية الوطنية الصومالية، بالأغلبية على مشروع القرار، الخاص بقطع العلاقات مع بريطانيا. وقد قُطعت العلاقات، في 18 مارس 1963م . واستتبع ذلك إلغاء الاتفاقية، التي أبرمت مع بريطانيا، والتي على أساسها، كان يُسمح للطائرات العسكرية البريطانية، أن تحلق فوق الأراضي الصّومالية والهبوط في حالة الضرورة، وكذلك الاتفاق الخاص، بوجود محطة تقوية للإذاعة البريطانية في بربرة.

شكلت بريطانيا لجنة للمفاوضات، من صوماليين وبريطانيين وكينيين. وبدأت اللجنة أعمالها، في 15 أغسطس 1963م في روما. طالب الصومال بريطانيا، بأن تقدم مقترحات، تُعدّ أساساً تتم عليه المفاوضات، ورفضت بريطانيا ذلك، وطالبت أن تتم المباحثات مباشرة، بين الوفد الصومالي والوفد الكيني، وقد رفض الوفد الصومالي ذلك، مما أدّى إلى فشل المفاوضات. وعلى الرغم من استمرار المفاوضات، بعد ذلك، بين الصّومال وكينيا، من طريق منظمة الوحدة الأفريقية، فإنها لم تصل إلى قرار لحل المشكلة.

وباستقلال كينيا، وتولي حزب كانو الحكم، بزعامة جوموكينياتا، أدخلت عدة تعديلات على الدستور الكيني، إذ تم:

(1) إلغاء السلطات المخولة للأقاليم، ومراقبة الشرطة لها، وإعطاء الرئيس، سلطة إلغاء أي قانون، أصدرته السلطات الإقليمية في حالة تعارضه مع السلطات الجديدة، الخاصة بالشؤون الإقليمية، الممنوحة لبرلمان كينيا، إضافة إلى وضع جميع الممتلكات الحكومية، تحت نفوذ الحكومة المركزية.

(2) إلغاء أحزاب المعارضة، إذ تم حل حزب "كادو" المعارض، الذي كان يدافع عن المصالح الإقليمية.

ومن طريق هذا التعديل، فُرضت حالة الطوارئ على الإقليم، ومُنع إنشاء حزب يمثل المواطنين ويدافع عن وجهة نظرهم، إضافة إلى منعهم التعبير عن رغبتهم، في حق تقرير المصير.

وهذه التعديلات، التي أدخلت على الدستور الكيني، تناقض الاقتراحات، التي تقدم بها أعضاء الوفد الكيني، في المباحثات الثلاثية، التي أجريت في روما، وهى:

(1) إن حكومة كينيا تعترف بمصلحة الصومال، في مستقبل السكان، الذين هم من أصل صومالي، ويقيمون في كينيا.

(2) ستجتمع حكومة الصومال، وحكومة كينيا، في أول موعد مناسب، مع الأخذ في الاعتبار، الاتصالات التي سبق أن تمت من قبل.

(3) إذا لم تنجح هذه الاجتماعات، في التوصل إلى اتفاق، فستوافق حكومة كينيا، على أن يكون للحكومة الصومالية الحرية في عرض القضية، على الدول الأفريقية، وفقاً لما ينص عليه مشروع قرار أديس أبابا.

4. مشكلة الحدود السودانية الإثيوبية

في عام 1965م أثيرت مرة أخرى، مشكلة الحدود السودانية ـ الإثيوبية، في منطقة مثلث أم بريقع، حيث عقدت عدة اجتماعات، بين الجانبين السوداني والإثيوبي، في عام 1965م . واتفق على تشكيل لجنة استشارية وزارية مشتركة، من وزراء الخارجية، والداخلية، والدفاع، والمالية، والإعلام في البلدين، لتنفذ ما ورد في البيان المشترك، بتاريخ 28 يوليه 1965م، حيث ورد فيه ما يلي:

أ. تمسك الجانبين القوي، بالمبادئ العامة، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق منظمة الوحدة الأفريقية.

ب. إصرار الجانبين، على المبادئ الخاصة، بالحفاظ على الوحدة، والسلامة الإقليمية للبلدين.

ج. إدانتهما لكل الأعمال، التي من شأنها تهديد وحدة البلدين.

د. ألاّ يقوم أي من الطرفين، أو من رعاياه، أو أية دولة أجنبية، أو أي شخص، أو تنظيم قائم في أي من البلدين، بأي نوع من النشاطات الضارة، أو التي تهدف للإضرار، بالمصالح الوطنية، للطرف الآخر.

هـ. احترام الطرفين للحدود، كما هي محددة في الاتفاقيات، والبروتوكولات الموجودة، والالتزام بمنع وإنهاء أي تسلل، بواسطة أي فرد، ينتمي إلى أحد الطرفين.

وقد عقدت اللجنة الاستشارية الوزارية المشتركة أول اجتماع لها، في 24 يونيه 1966م، وعنه صدر بيان مشترك، جاء فيه:

·   أكد الطرفان، التزامهما بما جاء في الفقرة التاسعة، من بيان 28 يونيه 1965م، وهى الفقرة الخاصة باحترام الطرفين للحدود، المنصوص عليها في المعاهدات، والاتفاقيات، أو البروتوكولات الموجودة، وكذلك التزامهما، بمنع أي تسلل من جانب أي من الطرفين وإنهائه.

·   اتُفق على تكوين لجنة مشتركة من الخبراء، لتخطيط كل الحدود المشتركة، بين السودان وإثيوبيا.

·   اتُفق على الاعتراف بالوضع الراهن، واحترامه، دون مساس بالحقوق الناشئة، لأي من الطرفين في المعاهدة أو البروتوكول، وذلك حتى إنهاء اللجنة المشتركة لمهمتها.

·   اتُفق على أن يترك للجنة الخبراء، أن تقرر في شأن إجراءاتها، على أن تبدأ اللجنة، بالمناطق المتنازع عليها. وحدد الطرفان 25 أكتوبر 1966م، موعداً مبدئياً لاجتماع اللجنة.

وفي هذا العام، كذلك، أثيرت مشكلة الفشقات، عندما توغل المزارعون الإثيوبيون، باستعدادات ميكانيكية ضخمة، في المنطقة بين نهر ستيت وباسلام، وزرعوا ما لا يقل عن ثلاثين ألف فدان، من أخصب الأراضي. وصاحب ذلك الوجود، حشد من القوات الإثيوبية المسلحة. فأرسلت الحكومة السودانية، مذكرة إلى الحكومة الإثيوبية، واقترحت تكوين لجنة مشتركة، للنظر في إعادة تخطيط الحدود، ووافقت إثيوبيا على ذلك. ولكن اللجنة فشلت في الوصول إلى حل للمشكلة، واتفِق على إبقاء الأمور على ما هي عليه، إلى حين إعادة تخطيط الحدود، على أن يلتزم المزارعون، بجميع النظم والقوانين السودانية. ويُعدّ ذلك تأكيداً أن المنطقة، تقع تحت سيادة الحكومة السودانية وإدارتها

وفي أوائل مايو 1967م، حدثت خلافات بين الدولتين، نتيجة لموقف السودان من ثوار إريتريا، وتأييدها لهم، وقد أدّى ذلك، إلى حشد إثيوبيا، في 25 مايو 1967م، قواتها على الحدود السودانية ـ الإثيوبية، واخترقت الحدود قوة مسلحة إثيوبية راكبة، إلى أن وصلت إلى جبل اللكدي، على بعد 25 ميلاً من الحدود. وقد أعقب ذلك التوتر، اجتماع لجنة الحدود الدولية السودانية، وتقدمت بالاقتراحات التالية:

أ. معالجة الموضوع بالطرق الدبلوماسية على أعلى المستويات، مع توضيح حق السودان، في هذا الخصوص، توضيحاً تاماً، وأن يُوضح للجانب الإثيوبي، أن عبارة "الأمر القائم"، كما وردت في بيان الخرطوم المشترك، لم يبق ما يبررها، بعد اتفاق أديس أبابا، الذي وقّع في 11 يناير 1967م .

ب. التوصية باتخاذ الحيطة الكاملة، لتنفيذ جميع الإمكانات اللازمة، لقوات الأمن بشقيها، حتى تتمكن من الحفاظ على حق السودان.

ج. بحث موضوع زحف المزارعين الإثيوبيين، على مثلث أم بريقع، شمال الفشقة الكبرى، والفشقة الصغرى، والاهتمام بأمر المنطقة، وتزويدها بقوات الأمن الكافية.

وفي يوليه 1967م، عُقد اجتماع بين السودان وإثيوبيا، في وزارة الخارجية السودانية بالخرطوم، حيث ترأس الجانب السوداني رئيس الوزراء، ووزير الخارجية، و ترأس الجانب الإثيوبي، وزير الخارجية، واتخذت القرارات الآتية:

أ. توجيه لجنة الحدود المشتركة، لمباشرة أعمالها فوراً، مبتدئة بالمناطق المتنازع عليها.

ب. اعتبار مفهوم "الأمر القائم" إجراء مؤقتاً، إلى أن يتم تخطيط الحدود، مع السماح للمزارعين من الطرفين، بزراعة الأرض من دون أن يؤثر ذلك على أي من حدود الطرفين، في المعاهدات السابقة.

ج. بحث موضوع اللاجئين، وضرورة التمسك بإعلان نيروبي، الصادر في 2 أبريل 1966م، فيما يختص باللاجئين.

د. إعادة النظر في لجان الحدود المحلية، والاتفاق على ضرورة تنشيطها.

هـ. اتفاق الطرفين على ضرورة تسهيل الهجرة، بين مواطني البلدين.

استجلبت الحكومة السودانية خبيرين، لدراسة مشكلة الحدود، وأعدا تقريراً وافياً، شمل جميع جوانب الموضوع، وقد ورد بالتقرير الآتي:

أ. إن المنطقة، المعروفة بمثلث أم بريقع، أراضٍ سودانية، وإن الادعاء الإثيوبي لا أساس له من الصحة.

ب. إن الحدود الموجودة، هي الحدود القانونية، طبقاً للاتفاقيات والبروتوكولات، التي وقعتها إثيوبيا وإيطاليا وبريطانيا، إضافة إلى أن الادعاء يخالف أسس القانون الدولي، لعدم التزام إثيوبيا بتنفيذ اتفاقية عام 1902م، المتفق عليها.

ج. من الناحية الإدارية، كانت حكومة السودان هي دائماً، التي تُحصّل الضرائب من سكان المنطقة. وقد سبق أن جرت الانتخابات فيها، تحت إدارة السودان، كما أن السّكان، يخضعون للوائح المحلية، لمجلس ريفي شمال القضارف.

د. إن الحدود الموجودة في الجزء الجنوبي الشرقي، هي الحدود القانونية، وتخضع المناطق الواقعة عليها إدارياً للسودان.

هـ. أبرز الخبيران جوانب الضعف، التي تستغلها إثيوبيا، وهي عدم وجود الخرائط الأصلية اللازمة، المرفقة مع اتفاقيات 1899م و1903م، إضافة إلى أنه لا توجد وثيقة أصلية، تثبت أن الإمبراطور منليك الثاني، قد فوض الميجور جوين، في عام 1909م، بتخطيط الجزء الجنوبي من الحدود.

الاتفاق على تسوية النزاع على الحدود

رغم من فشل اللجنة المشتركة للحدود، في الوصول إلى اتفاق، لحل مشكلات الحدود بين الدولتين، فقد قررت في اجتماعها الثاني، الذي عقد في أديس أبابا، في الفترة ما بين 28 ديسمبر 1966م، و3 يناير 1967م، أن تبذُل الدولتان، المزيد من الدراسة والتقييم، بالنسبة لتطبيق معاهدة 1902م، والملحق الخاص بها.

كان التقاء الرئيس السوداني، جعفر محمد نميري، مع الإمبراطور هيلاسيلاسي، في مؤتمر القمة الأفريقي، عام 1972م، دفعة قوية للموضوع. حيث عقد اجتماع للجنة المشتركة، في 27 يوليه 1972م، في أديس أبابا، وأعلن وزير خارجية إثيوبيا، قرار حكومته، بالاعتراف بخط جوين، باعتباره الحدود الأساسية المستندة إلى معاهدتي 1907م و1962م. واقترح على السودان، إجراء بعض التعديلات الطفيفة، على خط جوين، وتم تبادل الوثائق الخاصة بالاتفاق. لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي، وظلت مشكلات الحدود، بين السودان وإثيوبيا قائمة، تظهر على السطح بين الفينة والأخرى.

5. إعلان قيام منظمة الوحدة الأفريقية

حدث في نهاية هذه الفترة متغيران، هما: إعلان قيام دولة الصومال، في الأول من يوليه عام 1960م، وقيام منظمة الوحدة الأفريقية، في 25 نوفمبر 1963م، واختيرت أديس أبابا مقراً لها، واشتركت إثيوبيا في وضع ميثاقها.

وكان لذلك أثره على الصراع في المنطقة، وقد نص دستور المنظمة في مقدمته، على استقلال الدول الأفريقية والحفاظ عليه. كما نصّ على احترام سيادة كل دولة، وسلامة أراضيها، وحقها الثابت في كيانها المستقل". أمّا مادته الرابعة، فقد نصت على "التسوية السّلمية للمنازعات، عن طريق التفاوض، أو الوساطة، والتوفيق أو التحكيم".

وفي اجتماع القمة لرؤساء دول وحكومات الدول الأفريقية، الذي عقد في القاهرة عام 1964م، صدر القرار الرقم 16، الذي نص على "أن تتعهد كل الدول الأفريقية والأعضاء، باحترام الحدود الموجودة، عند حصولها على الاستقلال". وهو نص صريح، للمحافظة على الحدود القائمة، للدول الأفريقية. وقد وافقت الدول الثلاثون، على هذا المبدأ حفاظاً على الوحدة الأفريقية.