إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



الأكــــراد

المبحث السادس

جهود المصالحة الوطنية

أولاً: جهود المصالحة الوطنية

جرت عدة محاولات، لإتمام المصالحة الوطنية، بين الفصائل المتحاربة لإنهاء الحرب الأهلية في الصومال. وكان سياق المحاولات على النحو الآتي:

1. بيان مقديشيو

يُعد أول محاولة للمصالحة الوطنية، في أثناء حكم الرئيس "سياد بري"، ووقع البيان 114 شخصية، من بين كبار الزعماء السياسيين، في حكومات ما قبل سياد بري، تشمل: مثقفين، وعلماء دين، وزعماء قبائل. واشتمل البيان، على الآتي:

أ. شرح الموقف المنهار، داخل الصومال، في أبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والداخلية.

ب. مطالبة الرئيس سياد بري، بالتخلِّي عن احتكار السلطة.

ج. الدعوة إلى عقد مؤتمر للإنقاذ، والمُصالحة الوطنية.

د. تشكيل حكومة مؤقتة، تقود البلاد، إلى حين إجراء انتخابات حرة.

وقد اعتقل الرئيس "سياد بري"، خمسين شخصاً من الموقعين على البيان.

2. مؤتمر جيبوتي "يوليه 1991م"

عُقِدَ مؤتمر في جيبوتي، بدعوة من الرئيس حسن جوليد، في الفترة من 15 إلى 21 يوليه 1991م، وحضره:

أ. كل الفصائل الصومالية، عدا الحركة الوطنية الصومالية، "S.N.M"، التي تمثل قبيلة الإسحاق، كبرى فصائل الشمال.

ب. مراقبون عن كل من، جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، والمؤتمر الإسلامي.

ج. رؤساء كل من أوغندا، وكينيا، إضافة إلى الرئيس حسن جوليد، رئيس جيبوتي.

د. وفود من خمس عشرة دولة عربية، وأفريقية، أوروبية.

أصدر المؤتمر القرارات الآتية:

أ. شن حربٍ مسلحة، ضد الرئيس "سياد برى"، واعتقاله لتقديمه إلى المحاكمة.

ب. وقف إطلاق النار، بين الفصائل الصومالية.

ج. الوحدة الوطنية الصومالية، مسألة مقدسة.

د. العمل بدستور 1960م، لمدة لا تزيد عن عامين، وتشكيل مجلس تشريعي، من 123 عضواً، على أساس تقسيم المحافظات، وأن يكون نظام الحكم، على أساس الحكم الذاتي الإقليمي.

هـ. اختيار "علي مهدي محمد"، رئيساً مؤقتاً للجمهورية، لمدة عامين وتوزيع المناصب، بين الفصائل المشاركة،فيما عدا منصب رئيس الوزراء، حيث يتم اختياره فيما بعد، من أبناء الشمال.

وقد رُصدت عوامل متعددة، أدت إلى عدم نجاح المؤتمر، من أهمها:

أ. رفض الحركة الوطنية الصومالية S.N.M، لقرارات المؤتمر، فقد رأت أنه يخص أبناء الجنوب، وشكلت الحركة حكومة في الشمال، ووزعت المناصب الوزارية، بين الفصائل في الشمال، بشكل عادل.

ب. حدوث انقسامات، بين الفصائل الخمسة عشر في الجنوب، وعلى رأسها المؤتمر الصومالي الموحد "U.S.C"، حيث تمسك الجناح، الذي يرأسه علي مهدي محمد، بتنفيذ قرارات مؤتمر جيبوتي، في حين رفض الجناح الآخر، الذي يرأسه الجنرال محمد فارح عيديد، قرارات المؤتمر.

ج. رفض أبناء قبائل الدارود، خوض حرب مسلحة، ضد سياد بري وأعوانه، وهنا حدث انشقاق، في داخل الحركة القومية الصومالية "S.P.M".

د. دعم بعض الأطراف الإقليمية والدولية، لبعض الفصائل، حيث دعمت إيطاليا القبائل الجنوبية، وبريطانيا الإقليم الشمالي، ودعمت كينيا قبائل الدارود.

هـ. حجم المهام، التي ألقيت على كاهل الحكومة الجديدة، أكبر من قدراتها، في غياب الدعم الإقليمي والدولي، خاصة الدعم المادي.

3. مؤتمر أديس أبابا "مارس 1993م"

أ. المؤتمر التمهيدي

عُقد مؤتمر تمهيدي في الفترة من 4 إلى 15 يناير 1993م، في أديس أبابا، بدعوة من الأمم المتحدة. وقد حضره خمسة عشر فصيلاً، من الفصائل الصّومالية، من بينها، الحركة الوطنية الصومالية S.N.M.

أبدى الجنرال عيديد اعتراضه، على دعوة هذه الفصائل، حيث كان يرى أن هذا الاجتماع، يجب أن تحضره أربع جبهات فقط، وهي التي حاربت نظام سياد بري. كذلك، اعترض على إشراف الأمم المتحدة، على هذا الاجتماع.

وجاءت نتائج المؤتمر، مقسمة إلى قسمين:

(1) القسم الأول: واشتمل على القرارات الآتية:

(أ) إعلان وقف فوري لإطلاق النيران، في جميع أنحاء الصومال، مع الاتفاق على أسلوب التنفيذ، ونزع السلاح، قبل انتهاء المؤتمر.

(ب) إنهاء أعمال الدعاية العدائية، بين الفصائل.

(ج) الاتفاق على أسلوب الاستمرار في الحوار.

(د) تسهيل الانتقال الحر للشعب، في كل أنحاء الصومال، لبناء الثقة، على أن يتم ذلك، قبل انعقاد مؤتمر أديس أبابا.

(2) القسم الثاني:  واشتمل على القرارات الآتية:

(أ) تشكيل لجنة لوضع أجندة المؤتمر، وتحديد المشاركين.

(ب) تشكيل مجموعة مراقبة، من قوات الأمم المتحدة، ووقف إطلاق النار، وتشكيل لجنة من الفصائل المتحاربة، للتحاور مع مجموعة المراقبة.

(ج) الانتهاء من مهمة نزع السّلاح في الأسبوع الأول من مارس 1993م، قبل بدء انعقاد المؤتمر (الدولي)، وهذه المهمة يتولاها الصوماليون، تحت إشراف الأمم المتحدة.

(د) إعادة الممتلكات، التي نُهبت.

(هـ) إقامة معسكرات للميليشيات، خارج المدن السكنية.

(و) الإفراج عن كل الأسرى.

ب. المؤتمر الدّولي

انعقد المؤتمر الدولي الثالث، لتنسيق المعونات للصومال، في 12مارس 1993م، بأديس أبابا. وقد وَجَّه المؤتمر رسالة، إلى مختلف الأطراف الصومالية، بضرورة العمل، على تسهيل وضع أسس المصالحة الوطنية، وتوفير أسباب الأمن والاستقرار، والسلام في الصومال، شرطاً مسبقاً، لاستمرارها في تقديم العون له، واشترطت لتقديم 142 مليون دولار، لتنفيذ خطة الإغاثة، والإعمار، الخاصة بالأمم المتحدة، خلال عام 1993م، حدوث تقدم في المصالحة الوطنية الصومالية.

وقد حضر المؤتمر 15 فصيلاً، من الفصائل الصومالية. وشاركت فيه الحركة الوطنية الصومالية، برئاسة "محمد إبراهيم عقال" بصفة مراقب للمؤتمر.

ناقش المؤتمر إمكانية إنشاء حكومة مؤقتة، وقد واجه معارضة، من الجنرال عيديد وتحالفه، وطالب بأن يشكل كل فصيل صومالي، إدارة إقليمية في المنطقة التي يسيطر عليها. وقد أصر الشمال على الاستقلال، ورأى الجنرال عيديد، أن يتم أولاً إنهاء مشكلة الجنوب، ثم دراسة الوضع في الشّمال. وأكد ضرورة وحدة الأراضي الصومالية.

في أثناء انعقاد المؤتمر، احتلت قوات الجنرال "محمد سعد حرثى مورجان"، ميناء كيسمايو في الجنوب، وذلك في 16 مارس 1993م، مما أدى إلى تعليق أعمال المؤتمر، لمدة 24 ساعة. وقد أرسلت رئاسة المؤتمر، وفداً يضم ممثلين لمختلف الفصائل الصومالية، إلى مدينة "كيسمايو"، وتم إعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقد توصل المؤتمر إلى اتفاق، أُطلق علية "اتفاق أديس أبابا"، اشتمل على الآتي:

(1) إنشاء أربع لجان فرعية، هي:

(أ) لجنة الإدارة الانتقالية.

(ب) لجنة نزع السّلاح والأمن.

(ج) لجنة الإنعاش والتعمير.

(د) لجنة إعادة الممتلكات، وتسوية المنازعات.

(2) اتفق الجميع، على خطوط عامة، لإطار نظام انتقالي، يسمح بتأكيد سيادة وحدة الصومال، وتوفير الخدمات الرئيسية. ويتكون هذا النظام، من أربعة هياكل رئيسية، تمارس مهامها لمدة عامين، اعتباراً من 27 مارس 1993م. وهذه الهياكل هي:

(أ) المجلس الوطني الانتقالي

·  وهو أعلى سلطة سياسية، ويعمل بصفة جهاز تشريعي، إضافة إلى وظيفة مراقب الإدارات المركزية، والمحلية، وتعيين العاملين بها، ويقوم بالاتصال والتنسيق مع قوات حفظ السلام، للأمم المتحدة.

·  يُشكّل المجلس من 74 عضواً، كالآتي: 3 ممثلين لكل إقليم، من الأقاليم الصومالية الثمانية عشر، على أن يكون من بينهم امرأة، وخمسة ممثلين عن مقديشيو، وممثل لكل منظمة سياسية صومالية، شاركت في المؤتمر، وعددها خمس عشرة منظمة.

(ب) الإدارة الانتقالية المركزية

·  يُعيّن الموظفون اللازمون للعمل بهذه الإدارة، ممن تتحقق فيهم شروط الكفاءة، للقيام بهذه الأعمال الإدارية.

·  تتولى هذا الإدارة مهمة إعادة إنشاء دوائر الإدارة المدنية، والشؤون الاقتصادية، والاجتماعية، وتسييرها.

(ج) المجالس الإقليمية

يُنشأ مجلس إقليمي في كل إقليم، من الأقاليم الثمانية عشر الصومالية، ويقوم بمهام إدارية، واجتماعية، وأمنية. ويتكون المجلس من رؤساء مجالس المقاطعات.

(د) مجالس المقاطعات

·  ينشأ مجلس في كل مقاطعة، من مقاطعات الأقاليم الصومالية الثمانية عشر.

·  يتم التعيين عن طريق الانتخاب، أو عن طريق الاختيار، بتوافق الآراء، وفقاً للتقاليد الصومالية.

·  يتولى المجلس مسؤولية إدارة شؤون المقاطعة، بما في ذلك السلامة العامة، والصحة، والتعليم، وإعادة البناء.

(3) في مجال نزع السلاح

(أ) التأكيد على ضرورة القضاء على الجريمة، وأعمال العصابات، وأهمية ذلك للسلام.

(ب) أن يكون نزع السلاح شاملاً، وبلا تمييز، وفي الإطار الزمني، الذي حدده اتفاق وقف إطلاق النار، في يناير 1993م.

(ج) التأكيد على أن تتولى قوات يونوصوم ـ 2، حماية الحدود البرية، والبحرية، والجوية، وحراستها، لمنع تسرب السلاح، إلى داخل الصومال.

(د) الحاجة إلى سرعة إنشاء قوة أمن صومالية، محايدة، في كل المناطق.

(4) في مجال إعادة البناء والتعمير

(أ) التأكيد على الحاجة، إلى سرعة تقديم المعونات الإنسانية، وبرنامج لإعادة البناء، في الصومال.

(ب) الترحيب بقرارات المؤتمر الدولي للإغاثة، والذي حدّد مبلغ 160 مليون دولار، لعمليات إعادة البناء والإغاثة.

(ج) أهمية التعاون مع المنظمات الدولية، في هذا المجال، والتأكيد على ضرورة حماية العاملين، بهذه المنظمات.

(5) إعادة الممتلكات، وتسوية المنازعات

(أ) التأكيد على أن الخلافات، يجب أن تُسوَىّ بالحوار، والتفاوض، والوسائل القانونية، والسلمية.

(ب) إعادة التأكيد، على ضرورة إعادة الممتلكات، لأصحابها، سواء أكانت ممتلكات عامة، أم خاصة.

(6) الموافقة على أن يعين المجلس الوطني الانتقالي، لجنة لصياغة مشروع الدستور الانتقالي، على أن تسترشد اللجنة في إعداد الدستور، بالمبادئ الأساسية، للإعلان العالمي، لحقوق الإنسان، والقيم والتقاليد الصومالية.

(7) الموافقة على تشكيل وفدٍ للسلام، يتكون من ممثلي الحركات السياسية، والشخصيات الاجتماعية، ليسعى في تحقيق تقد م في عملية المصالحة السياسية، مع الحركة الوطنية الصومالية "S.N.M.".

نتائج الاتفاق

(1) رفض ممثلو الإقليم الشمالي التوقيع على قرارات المؤتمر، لإصرارهم على استقلال الإقليم. وكان قد حُددَ لهم 36 مقعداً، من مجموع 74 مقعداً، من بين مقاعد المجلس الوطني الانتقالي.

(2) حقق الاتفاق نجاحاً، في المجالات الآتية:

(أ) التوصل إلى اتفاق لإيقاف النار، في 29أبريل 1993م، ويقضي الاتفاق بسحب الأسلحة الثقيلة والتقليدية، إلاّ أن الاشتباكات، التي حدثت بين جناح عيديد، وبين جناح "علي مهدي"، واستمرت من يونيه 1993م إلى نوفمبر 1993م، أوقفت العملية.

(ب) النجاح في إيقاف الاشتباكات، بين قوات "مورجان"، وقوات "عمر جيس"، وتم إبعاد قوات الطرفين، عن مدينة كيسمايو.

(ج) تشكيل قوة شرطة صومالية محدودة، في مقديشيو وأقاليم أخرى.

(د) حدث خلاف في وجهات النظر، بين عيديد وعلي مهدي. فقد رأى الجنرال عيديد أن يتم التنفيذ، تحت إشراف قوات صومالية، في حين أيد علي مهدي، إشراف قوات الأمم المتحدة على هذه العملية.

(هـ) في مجال إعادة الممتلكات، حققت العملية نجاحاً في حل الموضوعات الخاصة، بالممتلكات الثابتة، مثل المنازل، والأراضي، والمصانع.

(و) في مجال إعادة البناء، فُتحت بعض المدارس المغلقة، ورُصفت بعض الطرق. ولكن أدى نشوب القتال بين قوات الجنرال عيديد، وقوات الأمم المتحدة، إلى توقف الدراسة مرة أخرى.

(ز) تم تشكل 52 مجلساً، للمقاطعات، و8 مجالس للأقاليم، ولكن لم ينعقد المجلس الوطني في الموعد المحدد له، في يناير 1994م، ونشب قتال، بين قوات عيديد، ومنافسيه في مقديشيو، حول تشكيل هذه المجالس.

4. إعلان نيروبي

عُقد اجتماع في نيروبي، حضرته جميع الفصائل الصومالية، في 23 مارس 1993م بمبادرة من الرئيس الكيني، دانيال أرب موي، والسفير لافسان موياتي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة.

وأصدر الاجتماع بياناً أُطلق علية "إعلان نيروبي"، في 24 مارس 1993م، ووقع عليه كل من علي مهدي، والجنرال عيديد. ونص الإعلان على الآتي:

أ. لإعادة السيادة، للدولة الصومالية، ينبغي عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية، في 15 مايو 1994م، لانتخاب: رئيس الدولة، ونواب للرئيس، ورئيس الوزراء، وتشكيل السلطات المحلية، على أساس الاستقلال الذاتي الإقليمي، واحترام حقوق المجتمعات المحلية الصومالية.

ب. عقد اجتماع للفصائل، التي وقعت على اتفاق أديس أبابا، إضافة إلى الحركة الوطنية الصومالية "S.N.M."، وذلك في 15 أبريل 1994م، في مقديشيو بهدف:

(1) وضع القواعد والأسس والإجراءات، المتعلقة بالتصويت، ومعايير المشاركة في المؤتمر.

(2) مناقشة أسلوب إنشاء الجمعية الوطنية، التي ستشكل بعد تشكيل الحكومة الوطنية وكيفية إنشائها.

وقد أُجل المؤتمر، إلى يوم 25 أبريل، لإعطاء فترة زمنية، للاستعداد للاجتماع.

معوقات عقد المؤتمر، في 15 أبريل 1994م

أ. استيلاء الجنرال عيديد، على ميناء "ميركا"، جنوب مقديشيو، وتوجهت قواتِه، صوب "ييداوا" وإقليم جوبا الجنوبي، وقد حدد موعداً آخر للاجتماع، ليكون 10 مايو 1994م، إلاّ أنه لم يعقد في هذا الموعد، لاستمرار الاشتباكات المسلحة، في مقديشيو.

ب. وجه الجنرال "عيديد"، الدعوة من جانب واحد، لانعقاد المؤتمر الأول، في 1994م بمقديشيو، ورفض تحالف إنقاذ الصومال ـ بقيادة "علي مهدي محمد" ـ حضوره.

ج. عقد "علي مهدي" اجتماعاً، لزعماء تحالف الإنقاذ الوطني الصومالي، في 3/11/1994م، وقررالاجتماع إعداد خطة لإعلان حكومة وحدة وطنية، من جانبهم إذا أعلن مؤتمر التحالف الوطني الصومالي "S.N.A."، بقيادة الجنرال "عيديد" إقامة حكومة انتقالية، من جانب واحد.

5. مؤتمر الجنرال عيديد للمصالحة الوطنية (نوفمبر 1994م ـ يناير 1995م)

دعا الجنرال عيديد، إلى عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية، بهدف تشكيل حكومة صومالية، ورفض إشراف الأمم المتحدة على هذا المؤتمر، ورفض "علي مهدي"، المشاركة في المؤتمر، بينما شارك تحالف عيديد المكون من usc,ssnm,spm,sdm، وقد نجح عيديد، في إشراك بعض الفصائل المتحالفة، مع "علي مهدي"، فيما يطلق عليه، "تحالف إنقاذ الصومال". ومن بين هذه الفصائل، جناح "محمد قنياري أفرح"، كذلك الجنرال "عبدالله يوسف"، قائد القوات العسكرية، للجبهة الديموقراطية لإنقاذ الصومال، والذي انتخب في أغسطس 1994م، رئيساً للجبهة، خلفاً لمحمد أبشر، ولكنه انسحب من مداولات المؤتمر، حيث لم يُعَيَّنْ رئيساً للوزراء. وشارك السفير "عبدالرحمن أحمد علي"، الرئيس السابق لجمهورية أرض الصومال، بعد أن تضاءل نفوذه في الشمال، لإعلانه عن رغبته، في استمرار وحدة الصومال، وعُيِّنَ السفير عبدالرحمن نائباً أول لرئيس الجمهورية، الجنرال "عيديد".

بانسحاب قوات الأمم المتحدة من الصومال، لم تتمكن حكومة الجنرال عيديد، من السيطرة على النظام في البلاد. وأعلن "عثمان عاتو"، مساعد عيديد، والممول الأساسي له، انشقاقه على الجنرال عيديد، وانضمامه إلى تحالف علي مهدي محمد.

ولم يتم الاعتراف بهذه الحكومة، إقليمياً ودولياً، بل إن شمال الصومال رفضها أيضاً، وقُتل عيديد في اشتباك بين قواته، وقوات "عثمان عاتو"، وذلك في أغسطس 1996م.

6. مؤتمر نيروبي في أغسطس 1995م

جرت محاولة كينية، للجمع بين "عثمان حسن علي عاتو"، ومجموعة علي مهدي، للاندماج في منظمة، أطلق عليها، "الاتحاد الوطني الديموقراطي". واستمرت المحادثات، لمدة أسبوع في أغسطس 1995م.

شارك في المؤتمر، جميع الفصائل الصومالية، عدا قوات الجنرال "عيديد"، و "إبراهيم عقال" رئيس الحركة الوطنية الصومالية. وتوصل المؤتمر، إلى قرار بعقد مؤتمر للمصالحة خلال شهرين. وأعاق تنفيذَ الاتفاق، القتالُ العنيف، الذي شنته قوات عيديد، في النصف الأول من عام 1996م.

7. إحياء المبادرة الكينية

بعد مقتل الجنرال "فارح عيديد"، جدّد الاتحاد الأوروبي المبادرة الكينية، في شهر نوفمبر 1996م. وحضر المؤتمر الفصائل الصومالية، بما فيها "فصيل عيديد"، الذي تولى رئاسته، ابنه "حسين عيديد"، وعقد المؤتمر في مدينة "ناكورو"، في كينيا. وقد اتفق المجتمعون على:

أ. الوقف الفوري لإطلاق النار.

ب. إقرار مبدأ اللامركزية السياسية، وتقاسم السلطة.

جز التمهيد لقيام دولة ديموقراطية.

وقد وافق حسين عيديد، على الوقف الفوري، لإطلاق النيران، ولكنه عاد وتراجع سريعاً، عن التوقيع، أو الالتزام بقرارات المؤتمر.

8. اتفاق سودري (نوفمبر 1996م ـ يناير 1997م)

فوضت منظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة "الإيجاد"، إثيوبيا، لتقديم التسهيلات الضرورية، لاجتماع القادة الصوماليين. وتم دعوة الفصائل الصومالية للاجتماع في سودري، في إثيوبيا.

حضر الاجتماع، جميع زعماء الفصائل الصومالية، عدا "حسين عيديد"، ورئيس جمهورية أرض الصومال "إبراهيم عقال". وانعقد المؤتمر في الفترة من 22 نوفمبر 1996م إلى 3 يناير 1997م. وتوصل المؤتمر إلى القرارات الآتية:

أ. إنشاء مجلس وطني للإنقاذ، يتكون من 41 عضواً، يمثلون 26 فصيلاً.

ب. إقامة حكومة وحدة وطنية انتقالية، في غضون ستة أشهر.

ج. إنشاء لجنة تنفيذية من خمسة أعضاء، يتولى كل عضو فيها رئاستها، بصورة دورية وهم.

(1) علي مهدي محمد.

(2) عثمان عاتو.

(3) عبد الله يوسف

(4) عبد القادر محمد آدم.

(5) آدم عبد الله نور.

د. عقْد مؤتمر للمصالحة الوطنية، في "بوساسو" بالصومال، لاعتماد ميثاق السلطة المركزية الانتقالية، على أن يحضره، وفود تمثل جميع فئات المجتمع الصومالي.

هـ. دعا المؤتمر الحركة الوطنية، في شمال الصومال، ومجموعة "حسين عيديد"، إلى الانضمام إلى اتفاق سودري، وكلفت اللجنة التنفيذية، بإجراء الاتصالات اللازمة، لتنفيذ ذلك.

ردود الفعل الإقليمية والدولية

حدثت ردود فعل عديدة على المؤتمر، أهمها:

أ. رحب أعضاء مجلس الأمن، في مشاورات غير رسمية، عقدت في 15 يناير 1997م، بإعلان سودري بوصفه خطوة إيجابية، وأعربوا عن أملهم، في انضمام الفصائل الصومالية، التي لم تحضر المؤتمر إلى جهود المصالحة.

ب. أصدر مجلس الأمن، بياناً في 27 فبراير 1997م، طلب فيه من جميع الفصائل، وقف كل أعمال القتال، والتعاون مع الجهود الإقليمية، وغيرها من الجهود، التي ترمي إلى تحقيق السلام، والمصالحة الوطنية في الصومال، بما في ذلك مبادرة "سودري".

ج. أصدر مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية، في دور اجتماعه الرقم 65، المنعقد في طرابلس، بالجماهيرية العربية الليبية، قراراً في شأن الوضع في الصومال، رحب فيه باتفاق سودري، وكذلك بإنشاء مجلس الإنقاذ الوطني. وحث الفصائل الصومالية، التي لم تشارك في اجتماع سودري، على الانضمام إلى العملية السلمية. كما دعا إلى التعاون الوثيق، بين الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية.

د. أصدرت جامعة الدول العربية، في 10 ديسمبر 1996م بياناً، رحبت فيه بتوصل الفصائل الصومالية، في سودري إلى اتفاق، حول التحضير لمؤتمر وطني عام، لإعلان حكومة انتقالية صومالية.

9. اتفاق القاهرة

التقى حسين عيديد، زعيم حزب المؤتمر الصومالي، وعلي مهدي، زعيم تحالف الإنقاذ الصومالي، في القاهرة يوم 18 مايو 1997م بدعوة من جمهورية مصر العربية. وتوصلا إلى اتفاق، أطلق عليه "اتفاق القاهرة"، اشتمل على الآتي:

أ. حل المشكلة الداخلية الصومالية، بالطرق السلمية.

ب. إنهاء العمليات العدائية، بين الفصائل الصومالية، ابتداء من 28 مايو 1997م.

ج. عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية، يضم جميع الفصائل في الصومال، لإزالة الخلافات المتبقية، بين المواطنين الصوماليين، على أن يعقد المؤتمر داخل الصومال، في أسرع وقت ممكن، خلال الشهور القادمة.

د. دعوة جميع الأطراف للانضمام إلى الاتفاق، الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار، والأمن، والوحدة في كل الصومال.

هـ. اتفق الزعيمان بالنسبة لمقديشيو، على ما يلي:

(1) العمل على إنهاء جميع العدائيات، لتحقيق السلام، والاستقرار في العاصمة مقديشيو.

(2) إزالة ما يطلق عليه الخط الأخضر، في العاصمة، وتوحيد الفصائل العاملة في المدينة.

(3) العمل على بذل جهود مشتركة، لإقامة نظام إداري جيد، في مقديشيو.

(4) إنشاء لجنة لتنفيذ التطورات، التي تم الاتفاق عليها.

و. يناشد الزعيمان، الشّعب الصّومالي، نسيان الماضي، وفتح صفحة جديدة، من التسامح، والعمل معاً، من أجل مصلحة الشّعب والبلاد.

ز. التقدير الكبير والعظيم، للجهود، التي بذلها الرئيس "حسنى مبارك "، ورئيس الوزراء الإثيوبي، "ميليس زيناوي"، وكل من شارك في هذه الجهود. ومناشدة جميع دول العالم، مساندة مسيرة السّلام، وإعادة بناء الدولة الصومالية، التي عانت كثيراً، في الماضي، ودعمها، وإعادة تعميرها.

10. اتفاق صنعاء

بناء على دعوة الرئيس "علي عبدالله صالح"، رئيس جمهورية اليمن، التقى كل من، "حسين عيديد، "زعيم حزب المؤتمر الصومالي، ومنافسه "عثمان حسن علي عاتو"، رئيس التحالف الوطني الصومالي، في صنعاء، في 25 مايو 1997م. وأعلن اتفاق بين الزعيمين، أطلق عليه "اتفاق صنعاء"، اشتمل على ضرورة البدء، في الجهود المبذولة لعقد المصالحة الوطنية، بين مختلف فصائل الشّعب الصّومالي، والذي على ضوئه، سوف يعود نحو ثلاثة آلاف لاجئ، فروا من الصّومال منذ عام 1991م، عند قيام الحرب الأهلية.

طبقاً لهذا الاتفاق، وجه "عثمان عاتو"، رئيس التحالف الوطني الصومالي، فور عودته إلى الصومال، مؤيديه، وحثهم على العمل، من أجل تنفيذ الاتفاق.

ثانياً: جهود المصالحة في الفترة من ديسمبر 1998م حتى مايو 2000م

عقدت اللجنة السّباعية العربية، المعنية بملف الصومال (منبثقة من مجلس الجامعة العربية)، اجتماعاً طارئاً برئاسة الأمين العام للجامعة، الدكتور عصمت عبدالمجيد، في 22 نوفمبر 1999م، لمناقشة تطورات الأوضاع في الصومال والمبادرة الجيبوتية، التي تساند المبادرة المصرية في هذا الشأن، وبحث ما يمكن القيام به عربياً، لحل الأزمة الصومالية، ومساندة المبادرة الجيبوتية، التي تكمل اتفاق القاهرة، والالتزام بتفعيل الحلول المطروحة للمشكلة الصومالية.

وتضم اللجنة السّباعية: مصر، والجزائر، وتونس، وليبيا، والمغرب، والسودان، وجيبوتي.

وجددت الجامعة العربية عرضها لاستضافة مؤتمر للمصالحة، يضم كل الفصائل الصومالية، بمشاركة عربية، وأفريقية، ودولية، للتوصل إلى اتفاق يحفظ للصومال وحدته، وينهي الحرب الأهلية.

وناقشت اللجنة السباعية التحضير لاجتماعات اللجنة الدولية المعنية بالصومال، التي تبدأ اجتماعاتها في أوائل ديسمبر 1999م، في نيروبي، وتضم اللجنة الدولية الجامعة العربية، ومجموعة شركاء الإيقاد، ومنظمة الوحدة الأفريقية، والأمم المتحدة. كما قررت إيفاد بعثة من الجامعة العربية؛ للمشاركة في قمة الإيقاد المقرر انعقادها يوم 27 نوفمبر 1999م، والهادفة إلى تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في الصومال.

كما دعا "منتدى المثقفين الصوماليين" الأمم المتحدة، إلى تفعيل آلية مراقبة حظر إرسال أسلحة إلى الصومال، وطالبها بممارسة ضغط سياسي على ليبيا، للامتناع عن تزويد بعض الفصائل الصومالية، بأموال ومساعدات.

وناشد "المنتدى" المجتمع الدولي "الاستمرار في تقديم الدعم المعنوي والمادي إلى الهيئات، التي تسعى إلى تعزيز السلام في المجتمع المدني الصومالي، خصوصاً منظمات الإغاثة الطّوعية المحلية والوطنية، التي تخدم المجتمع الصومالي بعيداً عن تدخل أمراء الحرب".

واتهم البيان إثيوبيا وإريتريا، بتحويل الصومال إلى "ساحة حرب" بينهما. ذلك أن "إثيوبيا اجتاحت الصومال مرات عدة، وفي المقابل أرسلت إريتريا شحنات كبيرة من الأسلحة، وعدداً كبيراً من عناصر مليشيات غير صومالية. وقد أدى ذلك إلى تورط الفصائل الصومالية المتنازعة، في قتال بالنيابة عن إثيوبيا وإريتريا. وفي الوقت نفسه، تواصل ليبيا إرسال الأموال إلى جيوب عتاة أمراء الحرب، الذين يستخدمونها في إطالة أمد مأساة الصوماليين، عبر مواصلة عمليات القتال بينهم".

1. المبادرة الجيبوتية

أكدت اللجنة السَباعية، في اجتماعها بتاريخ 22 نوفمبر 1999م، أنها تؤيد المبادرة الجيبوتية تجاه الصومال، وقد رحّب بها مجلس الجامعة العربية، في اجتماعه الأخير.

وتتضمن المبادرة تشكيل مجلس نيابي (تمثيلي)، قائم على أساس المنطقة، وليس العشيرة، ويتألف من هيئتين، إحداهما للشيوخ، والثانية للحكماء السّياسيين، ومدته ثلاثة أعوام، لإعداد دستور انتقالي، وإجراء استفتاء، وتشكيل مجلس تنفيذي للعمل بصفة حكومة مؤقتة، مع تقديم المجتمع الدولي الدعم التقني والمالي للتنفيذ.

وتدعو المبادرة المجتمع الدولي، إلى المساعدة في إقامة سلطة تملأ الفراغ، الذي استغله زعماء الفصائل، مما أدى إلى تدهور أوضاع ملايين من الصوماليين، الذين يواجهون خطر المجاعة، والمأوى والعيش في ظلام غير شرعي، إلى جانب الجمود السياسي والمستقبل القاتم.

وتمنح المبادرة دوراً لممثلي المجتمع المدني الصومالي، وزعماء الفصائل المتحاربة، من خلال استضافة محادثات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق واضح وحاسم، في شأن المصالحة الوطنية، وأن يتعهد الجميع في مؤتمر المصالحة، بالاعتراف والقبول الكامل للمبدأ، الذي يقضي بأن الشعب الصومالي حرّ في ممارسة حقه الديموقراطي في اختيار زعمائه، على الصعيد المحلي والإقليمي والوطني، وفقاً لإطار زمني يتم الاتفاق عليه. كما تنص على ضرورة تحويل زعماء الصومال الفصائل الصومالية، إلى أحزاب سياسية تتنافس في الانتخابات، وتشكيل قوة شرطة صومالية، تضم قوات مختلفة للميليشيات. وتتضمن إجراءات عقابية، في حال رفض أحد زعماء الفصائل لهذه المقترحات، ومنها فرض الحصار، ومنع السفر إلى الخارج، وحظر تقديم الدعم الأجنبي، أو أي نوع من أنواع المساعدة.

2. الإيقاد والأزمة الصّومالية

وافق قادة دول "السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" (إيقاد) في قمتهم السّابعة، التي انعقدت في جيبوتي في 26 نوفمبر 1999م، على المبادرة، التي عرضها الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيللي، في شأن الصومال، والتي تقلص من نشاط قادة الفصائل المتنازعة.

وتضم "الإيقاد"، التي تتوسط في النزاع الصومالي والسّوداني، كلاً من جيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، والسودان، ونظرياً الصومال، الذي لا توجد فيه حكومة مركزية منذ العام 1991.

وتنص المبادرة على إعطاء دور أكبر لشرائح المجتمع المدني، ونزع سلاح الفصائل الصومالية، وتحويل هذه الفصائل إلى تنظيمات سياسية، تشارك مع أعيان البلاد، وهيئاته المدنية، في تشكيل حكومة انتقالية. وفي هذا الإطار أعلن زعيم "المؤتمر الصومالي الموحد"، موافقته على مبادرة الرئيس الجيبوتي.

كما عقدت اللجنة الخاصة المكلفة متابعة أزمة الصومال، المنبثقة عن "الإيقاد" اجتماعاً في نيروبي، خلال النصف الثاني من ديسمبر 1999م، للبحث في الأزمة.

وركز الاجتماع على وضع آلية لتنفيذ مبادرة السلام، التي اقترحها الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيللي، لإنهاء الحرب في الصومال.

وشارك في الاجتماع ممثلون من دول "إيقاد"، والأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، والاتحاد الأوروبي.

وكان الرئيس غيللي عرض مبادرته للمرة الأولى في سبتمبر 1999م، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. واعتمدت القمة السابعة لـ "إيقاد" هذه المبادرة، في ختام اجتماعها في جيبوتي نوفمبر 1999م.

وتتضمن المبادرة ثلاث مراحل، تركز على تحويل الفصائل المسلحة إلى تنظيمات سياسية، وفرض عقوبات على قادة الفصائل، الذين لا يلتزمون المشاركة في عملية السلام.

إلى ذلك، عقد في لندن مؤتمر صومالي، بحث في مبادرة التسوية السلمية للأزمة الصومالية، التي اقترحتها جيبوتي. وشارك في المؤتمر عدد كبير من أبناء الجالية الصومالية في بريطانيا، ينتمون إلى كل القبائل، ومجموعة من المثقفين، وهيئات نسائية، وإنسانية صومالية.

وأصدر المؤتمر في نهاية أعماله توصيات، ركَّزت في معظمها على تأييد كل بنود المبادرة، التي عرضها الرئيس غيللي، وتسعى إلى مشاركة أوسع لممثلين عن المجتمع المدني، وأعيان القبائل إلى جانب قادة الفصائل الصومالية المتحاربة. وقد أعلن المشاركون عن تأييدهم الكامل لمبادرة جيبوتي، وناشدوا المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته في مساعدة المجتمع المدني الصومالي".

وقد وقعت الفصائل الصومالية الخمسة الرئيسية المسيطرة على مقديشو، اتفاقاً لإقامة إدارة مشتركة للعاصمة وضواحيها، في 20 ديسمبر 1999م.

ويؤكد حسين محمد عيديد، وحسين حاج بود، وعثمان حسن علي (عاتو)، ومحمد قنياري أفراح، وعلي مهدي محمد، في الاتفاق أن الإدارة المشتركة، ستشكل "خطوة أولى نحو إقامة حكومة مركزية" في البلاد، التي تشهد منذ 1991م حرباً أهلية بين الفصائل المتنازعة. والتزم قادة الحرب الصوماليون ضمان الأمن في العاصمة.

ونص الاتفاق على أن تتولى "الإدارة الجديدة إدارة مرفأ مقديشو الرئيسي والمطار".

3. مؤتمر المصالحة في مارس 2000م

بدأ رئيس جيبوتي، إسماعيل عمر جيلي، جولة في دول الخليج العربي، لبحث القضايا المشتركة، للحصول على مساندة خليجية قوية لمشروعه الخاص، بحل المشكلة الصومالية، وفقاً لما طرحه الرئيس جيلي، من مقترحات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الأخيرة، العام 1999م. وقد استعدت جيبوتي لعقد مؤتمر المصالحة الصومالية خلال شهر مارس 2000م، بعد أن حصلت على مساندة الأمم المتحدة والجامعة العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، بجانب تأييد رؤساء كل من كينيا والسودان وإثيوبيا وليبيا ومصر، وبقية الأطراف المعنية بالمشكلة الصومالية المزمنة.

وكانت القيادات الصومالية في الشمال، والجنوب، والوسط، وعلى مختلف توجهاتها ومواقفها، قد أيدت انعقاد مؤتمر المصالحة في جيبوتي، بعد أن وجدت في المشروع، الذي قدمه الرئيس جيلي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، العديد من العناصر والأفكار الإيجابية، التي قد تنهي معاناة الشعب الصومالي، الذي يعيش منذ نحو عشر سنوات حالة من الانقسام، والتمزق، والاقتتال الذي لا طائل من ورائه.

وكانت الحكومة الجيبوتية قد شكلت لجنة خاصة، للمتابعة والتحضير لعقد المؤتمر الصومالي، الذي يُعد الثالث في جيبوتي، منذ انهيار السلطة في الصومال عام 1991م، حيث حالت آنذاك ظروف ومعطيات عديدة، تخص المنظمات والقيادات الصومالية، دون نجاح الاتفاقات والحلول، التي وضعتها القيادات الصومالية.

4. مؤتمر السلام في الصومال في أبريل 2000م

أعلن الزعيم الصومالي حسين محمد عيديد، أن الزعيم الليبي معمر القذافي، سينظم مؤتمراً حول السلام في الصومال في أبريل 2000م. وأن "أربعمائة مندوب من القبائل الرئيسية الأربع، إضافة إلى خمسين مندوباً من القبائل الصغيرة، سيشاركون في المؤتمر المخصص لإعادة السلام إلى الصومال". وكان معمر القذافي قد أطلع الرئيس الجيبوتي، على نيته، في إيجاد حل سلمي للأزمة الصومالية"؛ ذلك أن غيللي كان قد وضع خطة للسلام في الصومال، وافق عليها مجلس الأمن الدولي، والسلطة الحكومية للتنمية ومكافحة التصحر (إيقاد)، ومنظمة الوحدة الأفريقية.

5. مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية مايو 2000

افتتح الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر غيللي، في الثاني من مايو 2000م، في منتجع عرتا قرب جيبوتي العاصمة، مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية، بحضور أكثر من 400 شخصية صومالية تمثل شرائح المجتمع المدني الصومالي. وكذلك شارك في المؤتمر، ممثلون عن هيئات إقليمية ودولية، معنية بالشأن الصومالي.

كما شارك في المؤتمر، إلى جانب الوفود الصومالية، ممثلون من منظمات دولية مختلفة وحكومات، خصوصاً من الدول الأعضاء في "السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" (إيقاد)، التي تضم سبع دول من شرق أفريقيا.

ومِن زعماء الحرب، الذين يتنازعون على السلطة في الصومال، شارك فقط علي مهدي محمد، الذي يسيطر على شمال مقديشو، كما وصل إلى مقر المؤتمر "رئيس دولة بلاد بونت"، عبدالله يوسف. ورفض زعماء الحرب الآخرون خطة السلام، التي اقترحها غيللي.

وتعطي خطة السلام الجيبوتية الأولوية لممثلي المجتمع المدني الصومالي، على حساب زعماء المجموعات المسلحة، لكن غياب غالبية زعماء الفصائل المتنازعة عن المؤتمر، جعل نجاح المؤتمر مشكوكاً فيه.

ثالثاً: تشكيل الحكومة الصومالية المؤقتة، سبتمبر 2000

عُقد خلال شهر سبتمبر 2000 م مؤتمر المصالحة الصومالية في "عرتا"، المنتجع الجبلي البعيد نسبياً عن عاصمة جيبوتي، وسط ظروف صومالية وإقليمية ودولية تختلف عن بعض المؤتمرات، التي سبقته، مما أسهم في توصله إلى النتائج التي تتوالى مع قرب تشكيل الحكومة الصومالية المؤقتة، بعد انتخاب برلمان مؤقت ورئيس لفترة انتقالية.

فقد عقد المؤتمر في بيئة صومالية، حتى لو كان مكانه جغرافياً في "عرتا" التابعة لجيبوتي، والواقعة شمال الصومال، حيث إن جيبوتي الدولة هي صومالية اجتماعياً، بحكم التواصل التاريخي بينها وبين بقية الصومال. وتمثلت هذه البيئة في أن ممثلي المجتمع المدني الصومالي "أكثر من ألفين من السلاطين، والسياسيين، والمثقفين، وزعماء القبائل والعشائر، وسيدات المجتمع، ورجال الدين، وغيرهم". وكان الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي يتحدث إليهم باللغة الصومالية، التي يعرف لهجاتها، كما يعرف نقاط القوة والضعف لدى المجتمعين، ويتدخل في الوقت المناسب، وفقاً لما ذكره عضو في البرلمان الصومالي الجديد.

كما أن الصوماليين يقدرون كثيراً الأعراف والتقاليد، التي تعطي لمرجعياتهم العمل السياسي والاجتماعي، خصوصاً أن أزمة الصومال كان أساسها نزاعاً قبلياً، لذلك ركز المؤتمر على أن يكون الحل والعقد بأيدي هذه المرجعيات؛ لتختار ممثليها في السلطة التشريعية. أما "أمراء الحرب" الذين سُمح لهم بالحضور، بصفتهم أعضاء بالمجتمع المدني، وهو ما رفضته أغلبيتهم، فإنهم فقدوا بوجود قادة القبائل والعشائر الدعم المعنوي، الذي ينعكس في احتمال تخلي العديد من أفراد الميليشيا عن عملهم بها؛ بناء على توجيهات من قادة القبائل التابعين لها، وهو ما يعني أن "أمراء الحرب" سيضعفون وسيكون البديل وجود حكومة صومالية على رغم أنف الجميع، مما دفع عناصر المجتمع المدني الحاليين إلى العمل من أجل إيجاد هذه الحكومة بأيديهم، لا بأيدي آخرين مستقبلاً.

أما على المستوى الداخلي، فقد ترتب على الاستقرار النسبي في أقصى الشمال، أو ما يعرف بجمهورية أرض الصومال، التي أعلنت استقلالها من جانب واحد، ولم يعترف بها أحد، أن أصبح الوضع أكثر أمناً مما عليه في العاصمة مقديشو، وانعكس ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مع الحرص على عدم تضييع هذه المكاسب، وإنما يتم الحفاظ عليها سواء بكسب أو اعتراف دولي، أو بالحصول على امتيازات قريبة من الحكم الذاتي بحيث لا يعود إليهم تسلط الجنوب الصومالي، مثلما حدث خلال عهد سياد بري، الذي أوقع الكثير من الدمار بذلك الجزء من البلاد. ورافق ذلك وجود عناصر مؤيدة لوحدة الصومال، وهي أحياناً غير متفقة مع العناصر الحاكمة في "جمهورية أرض الصومال"، لذلك نجد أن مؤتمر "عرتا" ضم ممثلي جميع القبائل بما فيها قبائل الشمال، والسبب في هذه الازدواجية وجود انقسامات قبلية، لتضاربٍ في المصالح والرؤى، مما يجعل أبناء القبيلة موزعين على الجانبين، أي مع حكام الشمال وفي مؤتمر "عرتا".

أما في منطقة الشمال الشرقي أو "بونت لاند"، حيث قبائل المجرتين، فإن إعلان انفصالها من جانب واحد لم يحظ باعتراف أحد، في حين شارك آخرون من المنطقة في مؤتمر "عرتا".

وفي مقديشو، مازالت الانقسامات واضحة بين الميليشيات التابعة لبطون قبيلة "الهوية"، حيث يقف، مثلاً، علي مهدي مع مؤتمر "عرتا"، في حين يعارضه حسين عيديد، وعاتو، وغيرهما.

وفي ضوء الخصوصية الصومالية لبيئة مؤتمر "عرتا"، والخريطة السياسية للصومال الموحد، كان عقد المؤتمر، بعيداً عن أي ضغوط قبلية داخلية مباشرة، أي أن أبناء أي قبيلة لم يحيطوا مكان المؤتمر بالميليشيا التابعة لهم، أو يهددوا المؤتمرين لدفعهم إلى نتائج معينة، مثلما حدث في مؤتمرات صومالية سابقة.

كما أن عقده في جيبوتي تمَّ وسط تعاون إثيوبي ـ إريتري ـ كيني ـ يمني ـ مصري ـ عربي، بهدف تحقيق المصالحة الصومالية، التي حظيت أيضاً بمساندة المنظمات الإقليمية، خصوصاً الجامعة العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وكذلك الأمم المتحدة.

وفي هذه الأجواء، جرى تشكيل أول برلمان صومالي من نوعه، منذ انهيار نظام حكم الرئيس الصومالي الراحل سياد بري عام 1991م . ويضم البرلمان المؤقت 245 مقعداً، وكان من نصيب كل مجموعة من المجموعات القبلية الكبرى "الهوية، والدارود، والرحنوين، والدير" 44 نائباً، بينما حصلت مجموعة الأقلية أو التحالف على 24 نائباً، إضافة إلى 20 مقعداً من حق الرئيس اختيار من يشغلها، وفرضت النساء الصوماليات، المبعدات تقليدياً عن العمل السياسي، وجودهن بالحصول على 25 مقعداً بالبرلمان، الذي يفترض أن يمارس السلطات التشريعية، خلال فترة انتقالية لمدة 3 سنوات، قبل إجراء انتخابات عامة متعددة. وقد وصف الرئيس الجيبوتي "مجلس الشعب" في الجمهورية الصومالية بأنه الركن الأهم للدولة، حسبما نص عليه الميثاق الوطني المؤقت، الذي أكد أن نظام الدولة "برلماني"، أي أن للبرلمان الحق في سن القوانين ومراقبة أداء الدولة، وهو القادر على حجب الثقة عن الحكومة. وأضاف، في خطابه بمناسبة الجلسة الافتتاحية للمجلس، أن الميثاق نص على ثلاث سلطات، أي التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وأن انبثاق السلطة التشريعية عن مؤتمر "عرتا"، سيليه تشكيل السلطتين التنفيذية والقضائية. 

ودعا رئيس جيبوتي البرلمانيين الصوماليين إلى أن يقنعوا الناس بسيادة الدولة وقانونها، وأن يمثلوا قبيلة، وقومية، وأمة واحدة، هي الدولة الصومالية، واصفاً الدعوة إلى القبلية بأنها من الأفعال الدنيئة، وداعياً للسعي إلى المساهمة في إرساء قواعد الأمن والسلام في العالم، ونوَّه إلى أن البرلمان أصبح مسؤولاً عن إنجاز ما تبقى من أعمال، كاختيار رئيسه، ووضع آلية انتخاب رئيس الجمهورية، والأعمال المقرر أن يقوم بها، وتحديد زمن إجراء الانتخابات، وبقية الإجراءات المطلوبة.

وقد نجح مؤتمر "عرتا" في وضع دستور مؤقت، واختيار أعضاء البرلمان، وانتخاب رئيس مؤقت هو عبدالقاسم صلاد حسن "58 عاماً"، وهو الذي يعين رئيس الوزراء، ولم يبق في إمكان رئيس الوزراء، أو رئيس الدولة، التكتم على ما يجري، مثلما كان يحدث من قبل، وهو ما أسهم في أن يصل الصومال إلى ما وصل إليه من دمار.

وعلى الرغم من أن الصوماليين يتحدثون عن مخاطر "القبلية" وأن التفكير القبلي وراء مصائب الصومال، فقد جرى اختيار رئيس الجمهورية في ظل توازن قبلي، فهو زعيم في قبيلة الهوية، وعلى وجه التحديد فرع "هبرجدر ـ عاير"، التي تسيطر على جزء من مقديشو العاصمة المضطربة.

ومن هنا لم يكن غريباً أن يراهن الرئيس الجديد في برنامجه الانتخابي على بندي الانضباط والقانون الغائبين عن مقديشو وعن قبيلته. ويدعم الرئيس الجديد أنه وثيق الصلة بالمحاكم الإسلامية. التي تدير المحاكم، والبوليس، والسجون بالعاصمة، منذ عدة سنوات. كما يحظى الرئيس بتأييد متزايد من رجال الأعمال، الذين يزداد نفوذهم في المجتمع الصومالي، ويسعون إلى تحقيق السلام لجني الأرباح، ويساعد الرئيس الجديد أنه من قاطني مقديشو، وأشرف على جهود واسعة لإعادة توحيد قبيلة الهوية. وعلى الرغم من ذلك لم يسلم صلاد من الانتقادات؛ لأنه عمل مع نظام سياد بري المنهار، في العديد من المناصب، بما في ذلك منصب وزير الداخلية، إلا أنه يعلن أنه لم يرتكب أي جرائم، وأن جيله اكتسب خبرة عملية في إدارة الدولة، وأن الحكم عليه سيكون للشعب الصومالي.

وقد انعكس هذا الرصيد عند وصول صلاد إلى مقديشو قادماً من جيبوتي على الرغم من تهديد بعض أمراء الحرب بالتصدي لذلك. فقد وفر رجال الأعمال ألفين من رجال الميليشيا المسلحين بأسلحة ثقيلة، والمزودين بنحو مائة ناقلة مجهزة لهذا الغرض، لمرافقته ووفده من مطار "بالأدوجلي" إلى مقديشو. في حين وفر ستمائة من عناصر ميليشيا المحاكم الإسلامية، المزودين بخمسين سيارة مسلحة، الأمن حول الإستاد الذي تحدث فيه صلاد لآلاف الصوماليين الذين تدفقوا عليه لمصافحته، فاضطروه إلى مغادرة المكان، بعد أن تحدث إليهم عن أنه سيعيد إليهم السلام والعلم الصومالي رمز الوحدة الصومالية.

وبناء على ذلك، فإنه من المهام العاجلة للرئيس الجديد، التي ستكون بالتعاون مع الحكومة القادمة، والبرلمان بعد عودتهما للصومال من جيبوتي:

1. استكمال المصالحة مع أمراء الحرب المعارضين، وسط تلميحات باحتمال تقديم مناصب حكومية لهم، والبحث عن سبل لإعادة جمهورية أرض الصومال، و"بونت لاند"، أي بقية الصومال، عبر الحوار.

2. إعادة المرافق الأساسية للبلاد، من كهرباء، ومياه، وأمن،ومدارس، وغيرها، بعد أن دُمّرت خلال السنوات العشر الماضية، خصوصاً في العاصمة.

3. الحصول على دعم عربي ودولي، قدّر البعض سقفه الأعلى بعشرة مليارات دولار، لإعادة إعمار الصومال، وإعادة النازحين من أبنائه الذين يقدر عددهم بالملايين.

4. العمل على تحقيق تعاون مكثف مع دول القرن الأفريقي، بدلاً من أسلوب المجابهة، الذي كان خلال عهد سياد بري، مع تمييز العلاقات مع جيبوتي، التي لعبت دوراً مهماً في مصالحة الصوماليين.

5. زيادة حركة التعريب في الصومال في إطار توثيق الانتماء الصومالي العربي، روحياً، وثقافياً، واقتصادياً، وأن يكون هناك توافق في السياسة الصومالية الخاصة بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي مع السياسة العربية، أي لا يتم التطبيع مع إسرائيل قبل إتمام عملية السلام.

6. دعم العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً إيطاليا، التي كانت تحتل الجنوب الصومالي، للحصول على المزيد من الدعم، بعد أن باتت هناك جاليات صومالية كبيرة بتلك الدول.

7. الاعتذار للولايات المتحدة عما حدث عند مقتل نحو 19 جندياً أمريكياً، خلال عملية "إعادة الأمل" لإغاثة الصومال، حيث جرى التمثيل بجثة جندي أمريكي وجرها في الشوارع، ثم العمل على كسب واشنطن، من أجل دعم خطة للنهوض بالصومال.