إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



الأكــــراد

 

ثانياً: أثر استقلال إريتريا على علاقاتها بإثيوبيا

عارضت إثيوبيا، أثناء حكم الرئيس "منجستو هيلا ماريام"، مبدأ استقلال إريتريا، أو منحها حق تقرير المصير، ولكنها لا تمانع في إعطائها حكماً ذاتياً إدارياً. وتبني إثيوبيا معارضتها على الحجج الآتية :

1. التزمت منظمة الوحدة الأفريقية، في المادة 4، من ميثاقها، باحترام الحدود السياسية القائمة، والموروثة، عن عهود ما قبل الاستقلال، وعدم تغييرها بالقوة، وعدم تأييد دعوات الانفصال، أو التقسيم داخل دول القارة. وقد سبق للمنظمة، إدانة محاولات الانفصال، في جنوب السودان، وبيافرا، وكاتنجا.

2. ليس هناك أساس ديني، تقوم عليه قضية إريتريا. فمن بين سكان إريتريا، يوجد 50% مسلمون، 45% مسيحيون، 5% يدينون بديانات أفريقية قريبة من الوثنية. ومن جهة أخرى، فإن إثيوبيا ليست دولة مسيحية، بل الأقرب إلى الصحة، أنها أصبحت دولة علمانية، بعد قيام الثورة. وهناك دول أفريقية، تضم أغلبية مسلمة، يحكمها رؤساء مسيحيون، كالسنغال مثلاً.

3. إن استقلال إريتريا، سيكون سابقة خطيرة، ربما تفتح الباب لانفصال قوميات أخرى، ومن ثم يتفكك الكيان الإثيوبي، ويتحول إلى دويلات، تلعب بمقدراتها الدول الأجنبية.

4. إن التطور الديموقراطي والاشتراكي في إثيوبيا، بعد الثورة وبحدودها الحالية، يتطلب حشد طاقات جميع الطوائف وجهودها، مهما اختلفت لغاتها، أو أديانها، أو أصولها القومية، أو مستوياتها الحضارية.

5. إن استقلال إريتريا، سيؤدى إلى فقد إثيوبيا لموانئها على البحر الأحمر ـ "عصب، ومصوع" ـ ومن ثم، سوف تعود إلى الحبشة، المغلقة، إضافة إلى أن البحر الأحمر، سوف يصبح بحيرة عربية، وما لذلك من تأثير سيئ على إثيوبيا، اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً، وستكون إريتريا دولة عربية، تمثل شوكة في جانبها.

6. رغبة إثيوبيا في استثمار الموارد الطبيعية الهائلة، في إقليم إريتريا، لزيادة دخلها القومي، وذلك في مجالات الزراعة والتعدين، مع احتمال وجود البترول.

وعندما وقع الانقلاب العسكري في إثيوبيا، في 12 سبتمبر 1974م، وتولت إدارة البلاد حكومة عسكرية مؤقتة Provisional Military Administration، برئاسة الجنرال أمان عندوم، الإريتري الأصل، والذي تحول إلى المجلس العسكري الإداري المؤقت فيما بعد، والمُسمّىَ باللغة الأمهرية "الدرج" Dergue، وجد الجنرال أمان، أنه لحل مشاكل إثيوبيا الداخلية العديدة، لابد أن يبدأ بحل مشكلة إريتريا، لإيقاف الحرب الدائرة في الإقليم، خاصة مع ظهور بوادر التمرد، في الوحدات العسكرية المتمركزة هناك.

اقترح الجنرال "أمان عندوم" إعطاء إريتريا حكما إدارياً ذاتياً، وأصدرت الحكومة الإعلان السياسي الأول، تحت عنوان Ethiopia Tikdam

أي "إثيوبيا أولاً"، وذلك في 20 ديسمبر 1974م، الذي أوضح أن هناك مجموعات بشرية مختلفة في إثيوبيا، ثم ثقافات، ولغات مختلفة أيضاً، وعليه، فمن الضروري، تشجيع تطور اللغات الرئيسية، لجميع الثقافات، وضمان احترام حقوق الإنسان. وقد أشار البيان، إلى أن الظلم، الذي حاق في الماضي بجماعات بعينها، يمكن إصلاحه؛ وأكد أن حقوق الإدارة الذاتية، التي حُرم منها الشعب ستعاد. كما ستقدم المساعدة والتأييد الضروريان، للجماعات، التي كانت تمارس الإدارة الذاتية، وأن هذه الخطوات، ستُتخذ في إطار اقتناع الحكومة التام، بأن من "حق الناس أن يحكموا أنفسهم".

وبدأ الجنرال "أمان عندوم"، يتحرك في اتجاه هذا الحل، فزار إريتريا، لمدة اثنى عشر يوماً، تحدث فيها إلى الشعب الإريتري. وفي محاولة أخرى، للحل السلمي للمشكلة، شكل لجنة برئاسة "مايكل أمرو"، وزير الإعلام الإثيوبي، الذي زار إريتريا، في ديسمبر 1974م، واجتمعت اللجنة بحوالي 34 إريتريا من مشايخ القبائل، ورجال الدين والتعليم، للوقوف على وجهات نظرهم، في الأسلوب الأمثل لحل المشكلة سلمياً.

عرض الإريتريون وجهة نظرهم، التي تتلخص في الآتي:

1. إخلاء العاصمة الإريترية أسمرة، من القوات المسلحة الإثيوبية.

2. الإفراج عن المعتقلين السياسيين الإريتريين.

3. أي إجراء أو مفاوضات خاصة بالإقليم تتم مع أعضاء جبهة تحرير إريتريا.

وقد وافقت اللجنة، على تخفيف حجم القوات المسلحة في أسمرة، ورفضت الشرطين الثاني والثالث. كما زارت اللجنة بعض الدول العربية، المعنية بالمشكلة، وأولها السودان، بهدف شرح المشكلة، وموقف الحكومة منها، وإظهار رغبتها في حلها سلمياً.

ونتيجة لتباين الآراء، في داخل "الدرج"، حول أسلوب حل مشكلة إريتريا، وتخوف منجستو، النائب الأول لرئيس الدولة، والمحرك الفعلي للأمور داخل الدرج، من تحركات رئيس الدولة، وشعوره بأنه يحاول أن يمارس اختصاصاته كاملة، وهو ما لا يرغبه منجستو، أعلن رفضه لمقترحات رئيس الدولة، مما أدى إلى تقديم الجنرال أمان استقالته. فأمر منجستو باعتقاله، وقد قُتل الجنرال أمان، عندما قاوم المجموعة التي ذهبت لاعتقاله، وعلى أثر ذلك حدثت مذبحة الجنرالات، وبدأت القوات المسلحة الإثيوبية، تفرض وجودها في أديس أبابا العاصمة نفسها. وأحدث مقتل الجنرال أمان، رد فعل سيئ، لدى الجبهات الإريترية، مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من المثقفين والطلاب الإريتريين، إلى إريتريا، وانضموا إلى صفوف الثوار. واستمرت المعارك من جانب الحكومة الإثيوبية، بهدف القضاء على جبهات التحرير الإريترية، التي رفضت الاستسلام للحكومة.

1. برنامج النقاط التسع

نتيجة لاستمرار القتال في إريتريا، وفشل الحكومة العسكرية في حله عسكرياً، تولدت قناعة لديها، بمحاولة الحل السلمي. فأعلنت في مايو 1976م، برنامجاً من تسع نقاط، للحل السلمي للمشكلة، جاء فيه:

أ. إن الأخطاء التي كانت موجودة، من قبل، ستزال، وسيُدعى شعب المنطقة الإدارية بإريتريا، مع باقي الشعب الإثيوبي، إلى الممارسة الكاملة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في البلد. وسيلعب دوره كاملاً في النضال، من أجل قيام جمهورية إثيوبية ديموقراطية وشعبية، وفقاً لبرنامج الثورة الوطنية الديموقراطية.

ب. إن برنامج الثورة الديموقراطية الإثيوبية، يؤكد أن حقوق الجنسيات في تقرير مصيرها، يمكن أن يتحقق بالحكم الذاتي المحلي. ولكي يتم تنفيذ هذا المبدأ، ستقوم الحكومة بدراسة كل مناطق الدولة، وتاريخها، والتأثيرات المتبادلة للجنسيات، التي تعيش فيها، وموقعهم الجغرافي، ونظمهم الاقتصادية، والقدرة في النمو والإدارة. وبعد أخذ كل هذه العوامل في الحسبان فإن الحكومة في الوقت المناسب، ستقدم للشعب، الصورة التي ستكون عليها هذه المناطق، في المستقبل، وسيناقش الشعب الإثيوبي كله، بطريقة ديموقراطية، المسألة على مختلف المستويات، وسيتخذ قراراته الشخصية.

ج. بعد إدراكنا للصعوبات، الموجودة في المنطقة الإدارية بإريتريا، وبضرورة التغلب عليها، وحتى يتم تنفيذ حق الجنسيات في تقرير المصير، أعلنت الحكومة العسكرية المؤقتة، استعدادها للمقابلات، وتبادل وجهات النظر، مع الهيئات التقدمية في إريتريا.

د. ستقدم الحكومة تأييداً بلا حدود، إلى التقدميين في المنطقة الإدارية بإريتريا، الذين يحاولون إيقاظ الجماهير العاملة في المنطقة، وقيادتها، وتنظيمها ضد أعداء الشعب: الإقطاع، والرأسمالية، والبيروقراطية، والإمبريالية.

هـ. ستقدم الحكومة، كل العون الضروري، لهؤلاء الإثيوبيين، الذين هاجروا إلى بلاد مجاورة، أو بلاد بعيدة، هرباً من الحرب حتى يستطيعوا العودة إلى وطنهم.

و. ستبذل الحكومة، جهوداً خاصة، من أجل الإثيوبيين، الذين فقدوا ممتلكاتهم، بسبب الظروف السيئة، في الماضي، وسيستطيع كل الذين أبعدوا من عملهم، أو من التدريس، الاستفادة من فرص العمل والتدريس، التي سوف توفرها لهم إثيوبيا، في إحدى المناطق.

ز. سيُطلق سراح المسجونين، أمّا الذين حكم عليهم بالسجن مدى الحياة، أو حكم عليهم بالإعدام، فسندرس حالتهم بعناية، ويعاد فيها النظر، عندما يستتب السلام، وسيتمتعون بتخفيف العقوبة، أو إطلاق سراحهم.

ح. سترفع حالة الطوارئ، عندما يبدأ تنفيذ القرارات الأساسية، والسلام في المنطقة الإدارية بإريتريا.

ط. ستشكل لجنة خاصة، للإشراف على تنفيذ القرارات، من 5 إلى 7.

عمدت الحكومة الإثيوبية، إلى التقليل من حجم المشكلة الإريترية، وجعلها في مستوى المشاكل الأخرى، الموجودة في الدولة. وأشارت الحكومة الإثيوبية، في الفقرتين 3 و4 إلى الهيئات الإريترية، وهي بذلك تظهر اعترافها، بوجود الجبهات الإريترية، ولكنها عمدت إلى التفرقة بينها، بمن أسمتهم الهيئات التقدمية.

أشار البيان، في الفقرة الخامسة إلى دول مجاورة، والتي تعتقد إثيوبيا، أن لها دوراً خاصاً في المشكلة. ويعتبر هذا البيان، هو الأول من نوعه، الذي تتحدث فيه الحكومة الإثيوبية، عن المشكلة علناً، وتتعرض فيه للدول المجاورة المعنية بالمشكلة، مما أدى إلى أن تتوقع الدول المعنية بالمشكلة، أن تتمكن إثيوبيا، من الوصول إلى حل مقبول.

ولكن الجبهات الإريترية، رفضت هذا الاقتراح على الأسس الآتية:

أ. أنه لا يعبر عن المطامح الإريترية، التي تسعى للاستقلال.

ب. أن حل المشكلة الإريترية، من خلال مشاكل القوميات الأخرى، تجاهل واضح لتطور الحركة السياسية الوطنية في إريتريا.

ج. أن اقتصار الدعوة للحوار ـ على من أطلق عليهم البيان "التقدميين" ـ هو محاولة لإحداث انقسام بين الجبهات.

د. أن إجراء المفاوضات، مع الحكومة الإثيوبية، بعيداً عن المحافل الدولية، يفقد المفاوضات أهميتها، ويحرمها من الضمانات اللازمة لنجاحها.

2. ميليشيا الفلاحين

نتيجة لفشل القوات المسلحة الإثيوبية، في تحقيق انتصارات حاسمة في إريتريا، أو في تأمين قواتها بها، طلب الجنرال جيتاتشو نادو، حاكم الإقليم، والميجور سيساي هابت، رئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري الإداري المؤقت، أن تحل المشكلة سلمياً، بإعطاء إريتريا حكماً ذاتياً، ولكن منجستو رفض ذلك، وفكرت القيادة العسكرية، في الزحف على إريتريا، بمسيرة مسلحة، من ميليشيات الفلاحين، لتمشيط إريتريا، والقضاء على المقاومة المسلحة بها، واحتلالها. وقد أُطلق على هذه العملية "ميليشيا الفلاحين"، وأطلق عليها الدبلوماسيون "المسيرة الحمراء".

وقد هدفت العملية إلى:

أ. القضاء على الثوار الإريتريين.

ب. توطين الفلاحين القائمين بالمسيرة، في إقليم إريتريا، ومنحهم حق تملك الأراضي بها، وبذا يمكن تذويب الشخصية الإريترية، واستبدال الإثيوبية بها.

ج. القضاء على قوات الاتحاد الديموقراطي الإثيوبي، في المناطق المتاخمة لحدود السودان، وكذلك قطع خطوط الإمداد عبر السودان.

وفي نهاية عام 1976م، بُدِئ في الإعداد لتلك المسيرة، حيث أجرت الحكومة، عدة إجراءات، أهمها: تجميع الميليشيا من المحافظات المختلفة، في معسكرات بجوار العاصمة أديس أبابا، وتدريبها، وتسليحها، وإعداد تشوينات إدارية، اشتملت على تجفيف الخبز، وتعبئته في أكياس خاصة، لدفعه إلى إريتريا، وتشوين كميات وقود في محطات الوقود المدنية، على الطريق المؤدي إلى أسمرة، وإغلاق القنصليات الأجنبية في أسمرة، وترحيل الأجانب من أسمرة، وتعبئة الرأي العام الداخلي، ضد الدول العربية، التي تعمل على فصل إريتريا، والدعوة للوحدة الوطنية، ومحاولة استمالة قبائل العفار، وإقناعهم بتكوين قوة موالية للحكومة، في مديرية دنكاليا وعصب، وما حولهما، وتقوم الحكومة بتسليحهم، لتأمين هذه المنطقة من النشاط الإريتري.

وقد جابه الحكومة عدة صعاب، في الإعداد للعملية، نظراً لعدم توفر إمكانيات الإيواء بالمعسكرات، وعدم توفر المواد الغذائية الكافية، وكذلك عدم كفاية التسليح، إضافة إلى انتشار الأمراض الوبائية بالمعسكرات.

وقد اشتركت قوات مسلحة في العملية، قدر حجمها بعدد 4 كتائب خاصة (لهب)، و9 كتائب محاربين قدماء، و11 كتيبة مشاة، ولواء مدرع، وكتيبة إبرار، إضافة إلى المدفعيات المعاونة، و4500 فرد بوليس طوارئ.

وقد وضعت الخطة على أساس:

أ. غلق الحدود الإريترية ـ السودانية، بلواء مدعم، لمنع الإمدادات من السودان إلى إريتريا، ومنع انسحاب القوات الإريترية، ومحاصرتها وتدميرها.

ب. أن يتم التحرك في ثلاثة محاور:

الأول: جوندر ـ الحميرة ـ تسناي.

الثاني: جوندر ـ أكسوم ـ إريتريا.

الثالث: مكلي ـ أجوردات ـ أسمرة.

وفشلت الحملة نتيجة للأسباب الآتية:

أ. عدم توفر الرغبة، لدى الفلاحين، الذين جمعوا بالقوة، للقيام بالمسيرة، وقد هرب منهم أعداد كبيرة.

ب. ضعف الروح المعنوية، للقوات المسلحة، التي قاست كثيراً في الآونة الأخيرة.

ج. سوء تنظيم القوات المشتركة في العملية، وسوء إعدادها، وقيادتها، وضعف مستوى التدريب.          

د. سوء الإعداد الإداري للحملة، ونقص المؤن والأغذية.

هـ. نسف جبهات التحرير الإريترية، وجبهة تحرير تيجري، للجسور المقامة على محاور تقدم المسيرة.

3. هجوم عام 1978م

بانتهاء حرب الأوجادين، عام 1978م، وجهت القوات الإثيوبية هجومها، على إريتريا، وقد تمت الحملة الأولى في يونيه 1978م. وحققت أغراضها جزئياً. ثم كررت الحملة مرة أخرى، في منتصف نوفمبر 1978م، بمساعدة الاتحاد السوفيتي، الذي تولى التخطيط والإعداد للحملة، التي جرت بالهجوم على خمسة محاور، في وقت واحد، مركزة على قطاع E.P.L.F وقد دعمت الحملة، بالصواريخ السوفيتية، أرض/أرض، من نوع ستالين، وبالطيران. كما جرت عملية إبرار بحري، من البحر الأحمر، على الجانب الأيسر، لقوات جبهة التحرير الشعبية الإريترية، مما مكن القوات المهاجمة، من احتلال كرن، المدينة الإستراتيجية.

وقد نجحت الحملة، في الاستيلاء على عدد من المدن الكبرى، ولكنها فشلت، في احتلال المدن الأصغر مثل الفابت، ونكفا، وقارورا.

أ. حملة النجم الأحمر المتعدد الأغراض: The Multi Purpose Red Campaign Star

(1) أعلنت الحكومة الإثيوبية، أن الهدف الأساسي من الحملة، هو وضع حد نهائي لنشاط العناصر الانفصالية الهدامة، التي ألحقت أضراراً بالغة، في الأرواح والممتلكات، وعرّضت اقتصاد البلاد للدمار، ومن ثم إعادة تغيير اقتصاد الإقليم وتطويره في حملة تنمية، لإصلاح المصانع والمؤسسات، التي دُمرت، وإعادة بنائها، وبذا يمكن تحقيق السيطرة الكاملة، على الإقليم وتأمينه.

(2) خططت الحملة، للتنفيذ على محورين أساسيين، في وقت متزامنٍ، طبقاً لما ورد في الخطة، التي وضعتها الحكومة الإثيوبية:

المحور الأول: وهو العمل العسكري، حيث يتم حشد أعداد هائلة، من القوات والمعدات، للقيام بحملة عسكرية واسعة النطاق، تشمل إقليمي إريتريا وتيجراي، وذلك بهدف اختراق دفاعات "الانفصاليين" القوية، خاصة في مناطق الساحل الجبلية الوعرة، وإعادة استرجاع المدن المحتلة، لبسط السيطرة التامة، على مدن الإقليم وريفه.

المحور الثاني: وهو التنمية الاقتصادية، والعمل السياسي، حيث يتم بعد نجاح الحملة العسكرية، البدء في بناء الإقليم وتنميته بالإسراع في تنفيذ المشاريع الإنمائية، في المناطق المحررة. مع العمل على تخفيف وطأة التدهور الاقتصادي، الذي لحق بالإقليم، عن طريق إعادة بناء المصانع التي تهدمت وتطويرها، كذلك يتم تطوير ميناءي عصب ومصوع وتحديثهما، لأنهما يمثلان المنفذ الرئيسي لإثيوبيا، إلى العالم الخارجي. ويواكب هذا البناء الاقتصادي للإقليم، البناء السياسي للمواطنين، من خلال عملية توعية سياسية، مع تطوير ثقافاته، التي لم تحظ باهتمام كبير منذ فترة، نتيجة للقتال الدائر في الإقليم، منذ حوالي العشرين عاماً.

ب. قيام الحملة

أدت دوافع وأسباب عديدة، إلى قيام الحكومة الإثيوبية، بهذه الحملة، منها:

(1) تدهور ثقة الشعب في الحكومة، مع تدهور الأوضاع في الجبهات المختلفة، بصفة عامة، وفي الشمال بصفة خاصة، مما أدى إلى استنزاف موارد البلاد. كما أدت إلى استغلال المعارضين للنظام، لكل ذلك.

(2) أدى طول فترة القتال إلى انخفاض الروح المعنوية، للقوات الإثيوبية، ومطالبتهم بتحسين المؤن، ومنحهم علاوات إضافية.

(3) مطالبة القوات المقاتلة، في الجبهات، أن تحل محلها قوات أخرى، وأدى ذلك، إلى اقتناع الحكومة الإثيوبية، بتنفيذ هذه الحملة، بهدف تحقيق نصر كبير وسريع، في الشمال، لرفع معنويات الشعب والجيش.

(4) الدعم الخارجي، من ليبيا، وعدن، والاتحاد السوفيتي، عسكرياً ومادياً، لتنفيذ هذه الحملة.

ج. الإعداد للحملة

(1) بدأ الإعداد السياسي للحملة، بإعلان أطلقه الرئيس "منجستو". وقد انعقدت اجتماعات الحملة في أسمرة، في الفترة من 25 ـ 30 يناير 1982م، ورأسها الرئيس منجستو، وحضرها السكرتير العام المساعد، والمفوضون العامون، وأعضاء اللجنة المركزية، للجنة التنظيمية لحزب الشعب العامل، والمسؤولون الحكوميون، وممثلو الجيش، والشرطة، والمنظمات الجماهيرية، والهيئات المهنية، وأعضاء القوميات المختلفة والزعماء الدينيون.

(2) افتتح الرئيس منجستو، الاجتماعات، بخطاب استعرض فيه مشاكل الإقليم، ثم أعلن، عن أن "حملة النجم الأحمر، متعددة الأغراض"، ستعبئ جميع الإمكانيات، المتوفرة في وقت واحد، للقضاء مرة واحدة، وإلى الأبد، على العصابة المنظمة، التي ألحقت عبر السنين الماضية، خسائر كبيرة، في الأرواح، وتسببت في تخريب العديد من المؤسسات الاقتصادية الحيوية وتدميرها.

(3) حاول الرئيس منجستو، أن يضفي على القرار، صفة الإجماع، خشية لما قد ينجم عنه من تبعات، وآثار خطيرة. لذلك جعل القرار، يتخذ بواسطة "الدرج"، واللجنة التنظيمية لحزب الشعب العامل، حيث ذكر الرئيس الإثيوبي، في خطابه في الاجتماع "أن هذا الاجتماع التاريخي، قد عقد لاتخاذ قرار، حول أعلى مسألة ثورية حاسمة، وملحة، ومن جهة أخرى، وضع إستراتيجية، على شكل حملة، للقضاء على المساوئ الاجتماعية، والاقتصادية، التي يعانى منها الشعب الإثيوبي". وقد رتبت مظاهرات شعبية، في الأقاليم الأخرى، في مسيرات تأييد، لهذه الحملة، لإضفاء المسؤولية الشعبية عليها. وبنهاية الاجتماعات، صدر منشور، أطلق عليه "منشور أسمرة".

د. منشور أسمرة

اشتمل المنشور، على النقاط السبع الآتية:

(1) تجديد الدعوة للمواطنين الإثيوبيين، الذين يعيشون في الخارج، لاجئين، الاستفادة من العفو العام، والعودة إلى بلادهم، لاستئناف حياتهم العادية.

(2) تركيز كل الإمكانيات المتاحة، لتطوير الإقليم اقتصادياً واجتماعياً.

(3) تشكيل لجنة خاصة، لصياغة تاريخ إقليم إريتريا، لدحض ادعاءات الانفصاليين، الهادفة إلى تحريف تاريخ محافظة إريتريا.

(4) التصدي للمساوئ الاجتماعية والاقتصادية، التي ظلت تخيم على شعب إقليم إريتريا، وإتاحة الفرصة له، للاستفادة من ثمار الثورة.

(5) تنظيم الفلاحين، وتوعيتهم سياسياً، واجتماعياً، ليشاركوا بدورهم الفعال، في تحسين أوضاع الإقليم، الاقتصادية والاجتماعية.

(6) تطوير أوضاع القوى العاملة في الإقليم، وتوعيتها، وتسليحها، لتتمكن من تقديم مساهمتها الفعالة، في إقامة بناء المجتمع الاشتراكي، في الإقليم.

(7) محاربة الانفصاليين، والقضاء عليهم نهائياً، وإلى الأبد، لتمكين شعب الإقليم المضطهد، من الاستفادة من ثمار الثورة الإثيوبية الاشتراكية، ومواجهة القوى الرجعية، المساندة للانفصاليين، والمعادية للوحدة الإثيوبية، والتي تقف من ورائها الإمبريالية، التي تهدد حرية أقطار المنطقة ووحدتها، بقواعدها العسكرية، في الدول المجاورة، ومناوراتها العسكرية الاستفزازية، وذلك عن طريق تعزيز التضامن، بين القوى المحبة للسلام، وتحذير كل القوى الرجعية، من إمبريالية وقوى خارجية، ومنظمات تجسسية، من مغبة مساندة عصابات القتلة المأجورين، الذين يتاجرون بدماء المضطهدين وأرواحهم، والذين هم ألد أعداء الشعب الإثيوبي.

هـ. الحملة الإعلامية

كثفت الحكومة حملة إعلامية، في وسائل الإعلام، مؤكدة جدية الحملة العسكرية، وتصميم منجستو لبلوغ الهدف، الذي تحدد له نهاية مارس 1982.

و. الإعداد العسكري

بدأ الإعداد العسكري للحملة، قبل أشهر من إعلانها، كالآتي:

(1) شُكلت وحدات جديدة، أطلق عليها "فرق الجبال".

(2) حُركت وحدات من الأوجادين، إلى الشمال، وأنشئ مركز قيادة، بجوار أسمرة، أقام فيه الرئيس الإثيوبي.

(3) حُشِدَ حوالي 130 ـ 150 ألف جندي، مُشَكَّلة في عشر فرق مشاة، وأربع فرق جبال، إضافة إلى عناصر الدعم، من وحدات الكوماندوز، والمدفعية، والدبابات، والمعاونة الجوية.

(4) أُعدت القوات للعمل، على خمسة محاور، كالآتي:

(أ). جبهة مكت Mekt أي المقاومة: وتختص بقيادة القوات حول أسمرة.

(ب). جبهة مبرق Mebreq أي البرق: وتعمل في منطقة غرب الساحل وجنوب غربه.

(ج). جبهة وجاو Wugaw أي السحق: وتتمركز في المنطقة، شمال شرق مديرية الساحل.

(د). جبهة نادو Nadew أي الفناء: وهي مسؤولة عن المنطقة، جنوب مديرية الساحل وجنوب شرقها.

(هـ). القيادة الميدانية، للقيادة الوسطى: وتختص بإقليم تيجراي.

وعلى الرغم من هذا الإعداد، ومن رئاسة منجستو للاجتماع، الذي أصدر بيان أسمرة، فإن هناك أراء كانت معارضة، لإعداد هذه الحملة، وقد أبدت تحفظها، في اجتماع حضره وزير الدفاع، تسفاي جبر كيداني، على أساس أن كبر حجم الحملة، لا يحقق بالضرورة نجاحها، وأن جزءاً كبيراً من القوات، التي تشارك في الحملة، غير مدرب على الطبيعة الجبلية في إريتريا، وأنه بدلاً من هجوم الحملة في وقت واحد، فالأنسب أن تهاجم على مراحل، تحرر في كل مرحلة مديرية من المديريات، وتؤمّنهَا حتى انتهاء العملية كاملة. ولكن، لم يلق هذا الرأي قبولاً، نظراً لأن القرار، قد اتُّخِذَ على مستوى الرئيس.

ز. الدعم الخارجي للعملية

(1) عاون الاتحاد السوفيتي، في تخطيط العمليات وإدارتها. فقد وجد خمسون خبيراً، في مراكز قيادة العمليات والفرق، إضافة إلى الإمداد بالمعدات وقطع الغيار.

(2) قدمت ليبيا دعماً مادياً، قيمته 150 مليون دولار نقداً، للدعم العسكري، إضافة إلى المساعدة بطائرة هيركيوليز ـ س 130، لعمل جسر جوي من أديس أبابا إلى أسمرة، لنقل المؤن وإخلاء الجرحى. وعندما سقطت الطائرة، ودُمرت، أرسلت ليبيا طائرة أخرى بدلاً منها. كذلك أرسلت ليبيا، شحنات من الذخائر، وقطع الغيار جواً، إلى إثيوبيا، في أثناء الحملة.

(3) أرسل اليمن الجنوبي، عشرين طياراً مقاتلاً، للاشتراك في العمليات الحربية، إضافة إلى أنه فتح مستشفيات عدن، لاستقبال الجرحى من القوات الإثيوبية، الذين نقلوا جواً مباشرة من أسمرة إلى عدن.

ح. نتائج الحملة

(1) من الناحية العسكرية: فشلت الحملة، وقّدر إجمالي الخسائر، التي منيت بها، حوالي عشرة آلاف جريح، وثلاثة آلاف قتيل، إضافة إلى الخسائر في الأسلحة والمعدات.

(2) من الناحية الاقتصادية: وصلت التكلفة اليومية، للحملة، إلى 5.50 مليون بر إثيوبي تقريباً، وقد امتصت تلك الحملة، مبلغاً يعادل ثلاثة أرباع الميزانية العامة للدولة.

(3) وبفشل الحملة العسكرية، في تحقيق أهدافها، عادت إثيوبيا إلى أسلوب محاولة الحل السّلمي للمشكلة، حيث أصدرت قراراً، في مارس 1983م، بتأسيس "معهد الدراسات القومية"، ليقوم بدراسة شاملة، عن القوميات، التي تسكن الإمبراطورية، من حيث موطنها، ولغاتها، وطرق معيشتها. وذلك تمهيداً لتقسيم إثيوبيا، على أسس قومية، بحيث يكون لكل قومية حكم ذاتي.

وقد اقترح المعهد، بالنسبة لإريتريا، تقسيمها إلى ثلاث وحدات:

·   المتحدثون بالتجرينية، ويضمون إلى إقليم تيجراي.

·   المتحدثون بالإريترية، وهم مسلمون، تتشكل منهم وحدة ذاتية.

·   المتحدثون بالعفرية، ويضمون إلى إقليم أوسا.

ولكن لم توضع تلك المقترحات موضع التنفيذ.

4. سيطرة الجبهة الشعبية على إريتريا

توافق كفاح الشعب الإريتري، مع كفاح شعب تيجراي، وتم التنسيق بين الجبهتين، "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا"، وجبهة تحرير شعوب التيجراي، ولم تتمكن الجبهتان، من تحقيق استقلال الإقليم. وعقب قيام الثورة الشعبية في إثيوبيا، تشكلت" الجبهة الديموقراطية الثورية، لشعوب إريتريا، التي تضم: جبهة تحرير شعوب التيجراي، وجبهة تحرير الصومال الغربي، وجبهة الأورومو.

وبدأت الجبهة الإثيوبية الموحدة، بدعم من الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، في القتال ضد نظام الرئيس "منجستو هيلا ماريام، وأمكنها تحقيق انتصارات سريعة ضد النظام. وصاحب هذه الفترة، قيام الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، بالسيطرة على نسبة كبيرة من البلاد، وتمكنت الجبهة، من الاستيلاء على أسمرة، عاصمة الإقليم يوم 25 مايو 1991م.

عقدت الولايات المتحدة الأمريكية، مؤتمراً في لندن، في 27 مايو 1991م، أُطلق عليه، "مؤتمر المائدة المستديرة"، تحت رعاية المستر "هيرمان كوهين"، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية. وحضر المؤتمر من إثيوبيا، الجبهة الموحدة، والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا. وتم التنسيق بين الجبهات، لعقد مؤتمرين، أحدهما سياسي، في لندن، والآخر عسكري، في الخرطوم، حيث اتُفق على ترتيبات التحول الكبير، في القرن الأفريقي، الذي اشتمل على:

أ. التخلص من الأنظمة المعارضة، للولايات المتحدة الأمريكية، في منطقة القرن الأفريقي.

ب. سيطرة الجبهة الشعبية، لتحرير تيجراي على مقدرات الأمور في أديس أبابا.

ج. سيطرة الجبهة الشعبية، لتحرير إريتريا على إريتريا.

د. يجرى التفاوض بعد النصر، بين الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، والجبهة التيجرانية، على استقلال إريتريا، مع الحفاظ على مصالح إثيوبيا الإستراتيجية، في حق الوصول إلى الموانئ الإريترية، من دون تحمل أي التزامات. وأن تدخل الدولتان بعد ذلك، في سلسلة من المعاهدات، لإقرار ذلك رسمياً.

وعقب استيلاء جبهة تحرير شعوب التيجراي على أديس أبابا، ولجوء الرئيس الإثيوبي "منجستو هيلا ماريام" إلى زيمبابوي، وسيطرة الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا على أسمرة، أعلنت الجبهة الإريترية، تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد. وتحولت اللجنة المركزية للجبهة إلى هيئة تشريعية للحكومة المؤقتة، وتولى رئاسة الحكومة "أسياسي أفورقي" رئيس الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا. وأعلنت الحكومة الإثيوبية الجديدة، اعترافها بحق تقرير المصير لإريتريا، وحقها في الاستقلال إذا رغبت ذلك.

طلبت الحكومة الإريترية المؤقتة، تأجيل الاستفتاء حول مصير إريتريا، لمدة عامين، لتهيئة المناخ العام لإجراء استفتاء شعبي. وجرى الاستفتاء، في القرة بين 23 ـ 25 أبريل 1993م، وجاءت النتيجة، لصالح الاستقلال بنسبة 99.8%، وأصبحت إريتريا، دولة مستقلة، ذات سيادة، والعضو الرقم 183 في الأمم المتحدة.

ثالثاً: تجدد الحرب عقب فشل الوساطات الدولية

بعد فشل جهود الوساطة الدولية في 4 يونيه 1998م، اندلعت معارك طاحنة على طول الحدود بين الدولتين، استُخدمت فيها الدبابات والمدفعية الثقيلة. وألحقت القوات الإريترية خسائر فادحة بالقوات الإثيوبية، أجبرت السلطات الإثيوبية على شن عدة غارات جوية. واستخدام سلاح الجو الإثيوبي في ضرب أهداف العمق الإريتري، مثل العاصمة أسمرة ومطارها. وبعد ذلك تبادلت الدولتان طرد الرعايا والدبلوماسيين، وفرضت إثيوبيا، بفضل تفوقها في سلاح الجو وفي البحرية، حظراً جوياً وبحرياً على إريتريا في 10 يونيه 1998م، لإجبارها على التخلي عن موقفها من النزاع. وعلى الرغم من الوساطة الأمريكية، التي طلبها الجانبان من البداية، ومناشدة الأطراف الإقليمية والدولية لهما، باللجوء إلى التفاوض لتسوية المشكلة، وقبول الطرفين للوساطة والمساعي الحميدة، فإن القتال اتسع نطاقه على نحوٍ مدمّر، لدرجة قصف الطائرات الأهداف الحيوية، مدنية وعسكرية. وحتى بعد قبول الدولتين للمبادرة الأمريكية، الخاصة بوقف الغارات الجوية على الأهداف المدنية، تحولت ساحة الصراع إلى معارك برية شرسة.

ومنذ انفصلت إريتريا وأصبحت دولة مستقلة، أثيرت نزاعات حدود دولية في منطقة القرن الأفريقي، كانت إريتريا أحد أطرافها. وهي تهدف من صراعها مع إثيوبيا إلى المطالبة بترسيم الحدود، التي خططها الاستعمار الإيطالي، خاصة أن هذه المناطق تضم امتدادات سُكّانية لشعب إريتريا في إثيوبيا، هي القومية التيجرية، التي فرض أساسي أفورقي لغتها "اللغة التيجرية"، لغة رسمية لبلاده، بدلاً من اللغة العربية. وكان ذلك أحد مبرراته لاحتلال هذه الأراضي، التي كانت الحكومة الإثيوبية في عام 1997م، قد نشرت خرائط تظهرها مضمومة إليها. فهناك من خمس إلى ست مناطق متنازع عليها، منها منطقة زالامبسا، التي تقع على بُعد160 كم شمالي ميكيلي، عاصمة ولاية تيجراي الإثيوبية؛ ومنطقة بوري قرب جبل موسى، على بعد 75 كم جنوب غرب ميناء عصب الإريتري، المطل على البحر الأحمر، ومنطقة بادمي جنوب غرب إريتريا، ومنطقة شيرارو على الحدود الغربية للبلدين، ومنطقة مثلث برجا والحميدة، شمال غرب إثيوبيا، وهو مثلث من الأراضي الصخرية مساحته 400 كم، تؤكد كل من الدولتين أنه جزء من أراضيها، إضافة إلى مناطق أليتينا، وأنداكيدا وعفر، وتيجراي، خاصة مدن ميكيلي عاصمة ولاية تيجراي، وأبيجي، ومنطقة بورو، ومنطقة أردي ماتيوس. وهذه الأقاليم تخضع للسيادة الإثيوبية، لكن يخضع معظمها الآن لسيطرة القوات الإريترية. ويبدو أن حكومة إريتريا تريد عودة الحدود إلى ما كانت عليه إبان الاستعمار الإيطالي، في الفترة من نهاية القرن التاسع عشر حتى استيلاء بريطانيا عليها عام 1941م، حيث تم تعديل الخريطة عام 1952م، وهذا ما أدى إلى النزاع الحالي، خاصة أن هذه الحدود غير محددة، وتحتاج إلى الترسيم. أما إثيوبيا فإن وضعها الجغرافي الحالي، وحرمانها من المنافذ البحرية، على الرغم من مساحتها الشاسعة، يُعد سبباً قوياً لهذه الحرب، نظراً لأنها تعتمد حالياً على ميناء جيبوتي، منفذاً بحرياً وحيداً لوارداتها، ومنها النفط. ومن ثم تسعى للحصول على ميناء عصب الإريتري، أو أي منفذ لها على البحر الأحمر، يخضع لسيطرتها.

وقع هذا الخلاف الحدودي، على الرغم من العلاقات الشخصية التاريخية الوطيدة بين أسياسي أفورقي وميليس زيناوي، اللذين جمعتهما حربٌ واحدة، واستطاعا سوياً أن يغيرا ما رفضه المجتمع الدولي خلال أكثر من أربعين عاماً. كما رتبا معاً كل المسائل المتعلقة باستقلال إريتريا، ومستقبل علاقاتها مع إثيوبيا، وذلك في اتفاقيتي أغسطس 1991م، وأغسطس 1993م، اللتين أكدتا على التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورفع العقبات أمام تنقلات السكان في البلدين، ومنحهم الجنسية المزدوجة، وعدم تدخل كل منهما في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، والتعاون في مجالات الدفاع والأمن والنقل والمواصلات، ومنح إثيوبيا تسهيلات في الموانئ الإريترية. وكذلك، فإن من أسباب الصراع، إصدار إريتريا عملة وطنية خاصة بها (ناكفا)، لتحل محل العملة الإثيوبية (البر)، التي كانت تستخدمها أسمرة، لدعم استقلالها الاقتصادي. فبدأت العلاقات تسوء بين الدولتين، حيث رفضت إثيوبيا الموافقة على إصدار هذه العملة، ورفضت مساعي إريتريا لمساواة قوتها الشرائية بالعملة الإثيوبية، بحجة اختلاف السياسات المالية والاقتصادية المتبعة في البلدين. وأوقفت أديس أبابا استخدام الموانئ الإريترية، ما عدا ميناء عصب، وتحولت إلى ميناء جيبوتي، وهذا ما حرم الإريتريين من حصيلة الجمارك، ومصاريف الشحن وغيرها من الخدمات. كما جعلت إثيوبيا التحويلات بين البلدين بالعملات الأجنبية ولم تعترف بالعملة الإريترية لتسوية تعاملاتها مع أسمرة. وألغت رحلات شركة الطيران الإثيوبية إلى أسمرة، وطالبتها بتسديد ديونها بالدولار، وهذا ما رفضته إريتريا. إضافة إلى خلافات تجارية بين البلدين بشأن التجارة عبر الحدود، والرسوم على البضائع، التي يتم إنتاجها بصورة مشتركة، أو تنتجها إثيوبيا فقط، علاوة على التنافس بينهما على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي وقيادة المنطقة، ومجموعة القادة الجدد التي تشكلت من إثيوبيا وإريتريا، وأوغندا، ورواندا. إضافة إلى سبب خاص بالرئيس الإريتري، الذي على الرغم من تخلصه من خصومه السياسيين، يُريد تأمين بقائه في الحكم، والحفاظ على تماسك إريتريا، التي تتنازعها مجموعة فصائل مختلفة. كما يساهم هذا النزاع في إرجاء الانتخابات، التي كان من المقرر عقدها هذا العام، إلى أجلٍ غير مسمى، وهو أمرٌ يُسهم في تحقيق أهداف أفورقي.

ففي يناير 2000م، اتهمت إريتريا سيوم ميسفين وزير خارجية إثيوبيا باختلاق ادعاءات ضدها، لإظهارها بصفة دولة عدوانية، تدعم الإرهاب، واتهمت أديس أبابا بأنها هي التي تدعم جماعة أصولية موالية لأسامة بن لادن في الصومال.

وقالت الخارجية الإريترية إن إثيوبيا كانت حتى وقت قريب جزءاً من التحالف الذي يحارب الأصولية، والذي كان يضم أيضاً إريتريا وأوغندا، ولكن هوس أديس أبابا "بعدوانها" على إريتريا جعلها تتحول "وتفقد الرؤية وتبرم تحالفاً خطراً مع مجموعات متطرفة".

وضربت إريتريا مثالاً بحل نزاعها على الحدود البحرية مع اليمن سلمياً، عن طريق التحكيم الدولي، ودعت إثيوبيا إلى أخذ درس من هذا الأسلوب في حل الخلافات، مشيرة إلى أنها تتمتع بعلاقات دافئة مع صنعاء حالياً، بعد حل النزاع ودياً.

كما أشارت إلى أن علاقاتها تتحسن مع السودان، بعد ظهور دلائل على أن الرئيس السوداني عمر البشير يقوم بمراجعة السياسة المتطرفة، التي انتهجتها الخرطوم خلال السنوات العشر الماضية.

وقالت الخارجية الإريترية أن إثيوبيا هي الدولة الأفريقية الوحيدة، التي انتهكت مبدأ منظمة الوحدة الأفريقية الخاص بعدم تجاوز الحدود الاستعمارية القديمة، التي تحدد حدود الدول في القارة.

وفي آخر فبراير 2000م، تجددت المخاوف من جولة معارك واسعة جديدة في الحرب الإريترية ـ الإثيوبية، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، خاصة أن إثيوبيا اتهمت إريتريا بالاستمرار في سياسة خداع العالم، عن طريق شن الهجمات، والادعاء بأن إثيوبيا هي، التي بدأت القتال، وحملت القوات الإريترية مسؤولية البدء في الاشتباكات.